١ صموئيل ٢٣
إنقاذ داود لقعيلة وهروبه من شاول
أولًا. داود يخلّص مدينة قعيلة من الفلسطيين.
أ ) الآيات (١-٤): الله يوجه داود إلى محاربة الفلسطيين وإنقاذ مدينة قعيلة.
١فَأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «هُوَذَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَ قَعِيلَةَ وَيَنْهَبُونَ ٱلْبَيَادِرَ». ٢فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: «أَأَذْهَبُ وَأَضْرِبُ هَؤُلَاءِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ؟» فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِدَاوُدَ: «ٱذْهَبْ وَٱضْرِبِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَخَلِّصْ قَعِيلَةَ». ٣فَقَالَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ: «هَا نَحْنُ هَهُنَا فِي يَهُوذَا خَائِفُونَ، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ إِذَا ذَهَبْنَا إِلَى قَعِيلَةَ ضِدَّ صُفُوفِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ؟» ٤فَعَادَ أَيْضًا دَاوُدُ وَسَأَلَ مِنَ ٱلرَّبِّ، فَأَجَابَهُ ٱلرَّبُّ وَقَالَ: “قُمِ ٱنْزِلْ إِلَى قَعِيلَةَ، فَإِنِّي أَدْفَعُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيَدِكَ.”
١. هُوَذَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَ قَعِيلَةَ وَيَنْهَبُونَ ٱلْبَيَادِرَ: جلبوا هذا التوسل إلى داود، لا إلى شاول، لأن الملك لم يكن يقوم بدوره كملك على إسرائيل. إذ كان على شاول أن يحمي قعيلة وأن يحارب الفلسطيين. لم يكن يقوم بعمل الرب، فدعا الرب داود إلى القيام به.
أحبَّ الله شعبه، فلم يسمح بأن يعانوا مع وجود ملك غير أمين. فإن لم يكن شاول على مستوى المسؤولية، فسيقيم الله رجلًا، فكان داود ذلك الرجل. ووجَّه الرب داود إلى العمل كملك، رغم أنه لم يكن الملك بعد.
٢. فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: بيّنَ هذا حكمة داود وتقواه. ربما يقول قائد آخر في مكانه فورًا: “ليست هذه مسؤوليتي. فليتعاملْ شاول معها.” وربما يقول آخر فورًا: “دعنا نذهب الآن. فأنا أستطيع أن أحل المشكلة.” وسيتسم كلا المسارين بالحماقة. لكن داود كان حكيمًا، لأنه سأل الرب.
٣. ٱذْهَبْ وَٱضْرِبِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَخَلِّصْ قَعِيلَةَ: حسب كل المظاهر الخارجية، كان هذا عملًا جنونيًّا. أولًا، كان لدى داود ٤٠٠ رجل ذوي سيرة ضعيفة وتقارير سيئة (١ صموئيل ٢٢: ٢)، ولم يكونوا جيشًا نظاميًّا. ثانيًا، كانت لدى داود ما يكفيه من المتاعب مع شاول، ولم يُرِد أن يضيف إليها مشكلة الفلسطيين. فعدوٌ واحد في العادة كافٍ. ثالثًا، سيجعل من هذا داود ورجاله مكشوفين أمام الملك شاول. فكان هذا مسارًا خطِرًا من العمل.
فعل داود هذا لسببين: كان لديه أمر من الله، واحتياج سكان المدينة. فكان مستعدًّا لتعريض نفسه للخطر في سبيل طاعة الله وتلبية احتياج شعبه.
٤. فَقَالَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ: هَا نَحْنُ هَهُنَا فِي يَهُوذَا خَائِفُونَ: أشار رجال داود عليه ألّا يذهب إلى قعيلة. ويمكننا أن نتفهم مشورتهم، لكن لا ينبغي أن نتفق معهم. وكان جيدًا أن داود صار رئيسًا عليهم (١ صموئيل ٢٢: ٢)، ولم يكن هذا حُكمًا ديمقراطيًّا.
٥. فَعَادَ أَيْضًا دَاوُدُ وَسَأَلَ مِنَ ٱلرَّبِّ: أخذ داود في حكمته كلام رجاله بعين الاعتبار. جاهد مع مشورتهم، ورأى أنها من نواحٍ كثيرة منطقية. وفي الوقت نفسه، عرف أن هذه مسألة تُحسم أمام الرب.
٦. قُمِ ٱنْزِلْ إِلَى قَعِيلَةَ، فَإِنِّي أَدْفَعُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيَدِكَ: يحب الله أن يثبّت كلمته، ولاسيما عندما يوجهنا إلى القيام بعمل صعب أو غير عادي. وفي هذه المرة، لم يؤكد الرب أمره السابق فحسب، لكنه أعطى أيضًا وعدًا مصاحبًا لهذا التثبيت: ’فَإِنِّي أَدْفَعُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيَدِكَ.‘
ب) الآية (٥): داود ينقذ أهل قعيلة من الفلسطيين.
٥ذَهَبَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى قَعِيلَةَ، وَحَارَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَسَاقَ مَوَاشِيَهُمْ، وَضَرَبَهُمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً، وَخَلَّصَ دَاوُدُ سُكَّانَ قَعِيلَةَ.
١. ذَهَبَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى قَعِيلَةَ: فعل داود ما أمر به الله. فليس كافيًا أن تطلب أن تعرف إرادة الرب، وأن تعرفها. إذ عليك أن تلتزم بطاعتها، حتى عندما يكون الأمر صعبًا.
٢. وَضَرَبَهُمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً، وَخَلَّصَ دَاوُدُ سُكَّانَ قَعِيلَةَ: بارك الله طاعة داود، ووفى الله بوعده لدواد بشكل كامل (١ صموئيل ٢٣: ٤-٥).
ج) الآيات (٦-٨): يأتي شاول ضد داود في قعيلة.
٦وَكَانَ لَمَّا هَرَبَ أَبِيَاثَارُ بْنُ أَخِيمَالِكَ إِلَى دَاوُدَ إِلَى قَعِيلَةَ نَزَلَ وَبِيَدِهِ أَفُودٌ. ٧فأُخْبِرَ شَاوُلُ بِأَنَّ دَاوُدَ قَدْ جَاءَ إِلَى قَعِيلَةَ، فَقَالَ شَاوُلُ: «قَدْ نَبَذَهُ ٱللهُ إِلَى يَدِي، لِأَنَّهُ قَدْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بِٱلدُّخُولِ إِلَى مَدِينَةٍ لَهَا أَبْوَابٌ وَعَوَارِضُ». ٨وَدَعَا شَاوُلُ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ لِلْحَرْبِ لِلنُّزُولِ إِلَى قَعِيلَةَ لِمُحَاصَرَةِ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ.
١. فَقَالَ شَاوُلُ: “قَدْ نَبَذَهُ ٱللهُ إِلَى يَدِي”: ظنّ شاول أن الله باركه ونصره على داود. صحيح أن الله قاد داود إلى قعيلة، وأنه كان مكشوفًا أمام هجوم شاول. لكن لم يكن صحيحًا أن الرب نبذ داود وسلّمه بيديه، كما قال.
٢. وَدَعَا شَاوُلُ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ لِلْحَرْبِ: لم تكن هذه حربًا على الفلسطيين، أو على عماليق، أو على الموآبيين. بل كانت حربًا على داود. فقد ارتكب شاول الخطأ الشائع الذي نرتكبه في افتراض أن أي شخص هو عدو لله لمجرد أنه عدونا.
لم يكن شاول مستعدًّا للذهاب إلى عقيلة ليخلّص السكان من الفلسطيين، لكنه كان مستعدًّا للذهاب إلى هناك ليخلّص نفسه من داود. إذ كان شاول مدفوعًا بشكل كلّيّ بمصلحته الخاصّة.
د ) الآيات (٩-١٣): داود يهرب من قعيلة.
٩فَلَمَّا عَرَفَ دَاوُدُ أَنَّ شَاوُلَ مُنْشِئٌ عَلَيْهِ ٱلشَّرَّ، قَالَ لِأَبِيَاثَارَ ٱلْكَاهِنِ قَدِّمِ ٱلْأَفُودَ. ١٠ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ: «يَا رَبُّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ، إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ سَمِعَ بِأَنَّ شَاوُلَ يُحَاوِلُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى قَعِيلَةَ لِكَيْ يُخْرِبَ ٱلْمَدِينَةَ بِسَبَبِي. ١١فَهَلْ يُسَلِّمُنِي أَهْلُ قَعِيلَةَ لِيَدِهِ؟ هَلْ يَنْزِلُ شَاوُلُ كَمَا سَمِعَ عَبْدُكَ؟ يَا رَبُّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ، أَخْبِرْ عَبْدَكَ». ١٢فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «يَنْزِلُ». فَقَالَ دَاوُدُ: «هَلْ يُسَلِّمُنِي أَهْلُ قَعِيلَةَ مَعَ رِجَالِي لِيَدِ شَاوُلَ؟» فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «يُسَلِّمُونَ». ١٣فَقَامَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ، نَحْوُ سِتِّ مِئَةِ رَجُلٍ، وَخَرَجُوا مِنْ قَعِيلَةَ وَذَهَبُوا حَيْثُمَا ذَهَبُوا. فَأُخْبِرَ شَاوُلُ بِأَنَّ دَاوُدَ قَدْ أَفْلَتَ مِنْ قَعِيلَةَ، فَعَدَلَ عَنِ ٱلْخُرُوجِ.
١. قَدِّمِ ٱلْأَفُودَ: كان داود في موقف سيئ. وقد كان في ذلك الموقف لأن الله قاده إلى هناك. ربما يغضب بعضهم لو فعل الرب هذا معهم، لكن داود فعل الصواب، حيث سأل الرب مرة أخرى.
“هذا استفسار ثانٍ. ويحب الله أن يطلبه شعبه المصلّي (لوقا ١٨: ١)، ولهذا يستجيب لهم بدرجات لكي يسمع منهم كثيرًا.” تراب (Trapp)
٢. يَنْزِلُ… يُسَلِّمُونَ: هذا مثل آخر لطلب داود من الله بتوجيه أسئلة له من خلال الكاهن باستخدام الأوريم والتميم. لاحظ كيف أن الأسئلة تقدَّم في صيغة ’نعم‘ أو ’لا،‘ لأن هذه هي الطريقة التي استُخدم بها الأوريم والتميم.
كانت هذه كلمة صادقة من الرب. ومن الواضح أن كلمة الرب لداود صحيحة اعتمادً على أعمال داود. فلو بقي في قعيلة، لتمّت كلمة الرب لا محالة.
٣. فَقَامَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ… وَخَرَجُوا مِنْ قَعِيلَةَ وَذَهَبُوا: كان بإمكان داود أن يتوقف ويحارب. وربما كان في داخله شيء يريد أن يبقى ويحارب. لكنه عرف أن رغبته هذه ليست من الرب، وسيتأذّى أشخاص أبرياء كثيرون في المعركة. ولهذا، قام داود، الذي كان محاربًا عظيمًا، بالهروب. ولم يكن داود من الذين ينسلّون من المعارك، لكن في نفس الوقت لم يُرِد أن تقوده كبرياؤه في هذه المسألة.
٤. فَعَدَلَ (شاول) عَنِ ٱلْخُرُوجِ: خلّص داود بقلبه المتواضع سكان قعيلة. وهو بهذا يبيّن نفس قلب ابن داود الأعظم، يسوع، الذي من خلال عمله المتسم بالتواضع، أنقذنا لا من إبليس فحسب، لكن من دينونة الله البارة، أيضًا.
ثانيًا. ينجو داود ورجاله بصعوبة من شاول في برية اليهودية.
أ ) الآيات (١٤-١٥): لجوء داود إلى برية زيف.
١٤وَأَقَامَ دَاوُدُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فِي ٱلْحُصُونِ وَمَكَثَ فِي ٱلْجَبَلِ فِي بَرِّيَّةِ زِيفٍ. وَكَانَ شَاوُلُ يَطْلُبُهُ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ، وَلَكِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ ٱللهُ لِيَدِهِ. ١٥فَرَأَى دَاوُدُ أَنَّ شَاوُلَ قَدْ خَرَجَ يَطْلُبُ نَفْسَهُ. وَكَانَ دَاوُدُ فِي بَرِّيَّةِ زِيفٍ فِي ٱلْغَابِ.
١. بَرِّيَّةِ زِيفٍ: كانت زيف بلدة تقع أسفل الطرف الجنوبي من البحر الميت. وهي ذات تضاريس طبيعية متنوعة بشكل هائل. ولم تكن مكانًا سهلًا أو مريحًا للإقامة فيه. لقد قاد الله داود وحماه، لكن الوضع لم يكن مريحًا أو سهلًا. لكنه كان وقتًا أساسيًّا لعمل الله في حياة داود. صار رجلًا حسب قلب الرب في حقول الراعي، لكنه صار ملكًا في البرية.
٢. وَكَانَ شَاوُلُ يَطْلُبُهُ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ: كان شاول عدوًّا عاقد العزم لا يلين، مصمّمًا على السعي وراء داود. إذ كان مهووسًا بفكرة قتل داود، ولم يلتفت إلى العمل الذي دعاه الله إلى القيام به.
٣. وَلَكِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ ٱللهُ لِيَدِهِ: يمكن لشاول أن يصمم كما يشاء، لكنه لا يستطيع أن يملي الأحداث. فالله هو الذي يفعل هذا. يمكن للمرء أن ينوي، ويحاول، ويفعل كل أنواع الشر، لكن الله يظل متحكمًا في الأمور.
ب) الآيات (١٦-١٨): يوناثان وداود يلتقيان لآخر مرة.
١٦فَقَامَ يُونَاثَانُ بْنُ شَاوُلَ وَذَهَبَ إِلَى دَاوُدَ إِلَى ٱلْغَابِ وَشَدَّدَ يَدَهُ بِٱللهِ، ١٧وَقَالَ لَهُ: «لَا تَخَفْ لِأَنَّ يَدَ شَاوُلَ أَبِي لَا تَجِدُكَ، وَأَنْتَ تَمْلِكُ عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أَكُونُ لَكَ ثَانِيًا. وَشَاوُلُ أَبِي أَيْضًا يَعْلَمُ ذَلِكَ». ١٨فَقَطَعَا كِلَاهُمَا عَهْدًا أَمَامَ ٱلرَّبِّ. وَأَقَامَ دَاوُدُ فِي ٱلْغَابِ، وَأَمَّا يُونَاثَانُ فَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ.
١. وَشَدَّدَ يَدَهُ بِٱللهِ: هذا هو ما فعله يوناثان من أجل داود. لم يكن باستطاعة يوناثان أن ينقذ داود، لكنه شَدَّدَ يَدَهُ بِٱللهِ. لم يكن باستطاعة يوناثان أن يعطي داود كل الأجوبة، لكنه شَدَّدَ يَدَهُ بِٱللهِ. لم يكن باستطاعة يوناثان أن يبقى مع داود، لكنه شَدَّدَ يَدَهُ بِٱللهِ. فكانت هذه هبة ثمينة.
٢. لَا تَخَفْ: شجّع يوناثان داود بإعطائه أسبابًا لعدم الخوف. إذ يستطيع داود أن يرفض الخوف لأن الله يستجيب في نهاية الأمر (لِأَنَّ يَدَ شَاوُلَ أَبِي لَا تَجِدُكَ). ويستطيع داود أن يرفض الخوف لأن وعود الله تتحقق (وَأَنْتَ تَمْلِكُ عَلَى إِسْرَائِيلَ). ويستطيع داود أن يرفض الخوف لأن لديه أصدقاء مُخْلِصين مثل يوناثان (وَأَنَا أَكُونُ لَكَ ثَانِيًا).
تطلّع يوناثان وداود – بسبب صداقتهما العظيمة – إلى ذلك اليوم الذي يكون فيه داود ملكًا على إسرائيل، ويكون يوناثان معِيْنًا ومساعدًا له. لكن هذا لن يحدث، لأن يوناثان سيموت قبل أن يصبح داود ملكًا على إسرائيل. وكان تشجيع يوناثان مزيجًا من الوعود الإلهية وتعبيرًا عن الأمل والرغبة.
٣. وَشَاوُلُ أَبِي أَيْضًا يَعْلَمُ ذَلِكَ: عرف شاول أن داود سيكون الملك التالي كما قضى الرب. غير أنه حارب إرادة الله بكل ما أُوتي من قوة.
٤. فَقَطَعَا كِلَاهُمَا عَهْدًا أَمَامَ ٱلرَّبِّ: سبق أن قطع يوناثان وداود عهدًا أمام الرب (١ صموئيل ١٨: ٣؛ ٢٠: ١٦)، لكنهما الآن يثبّتانه. ولا يجعل تجديد العهد أو تثبيته أقل قيمة، بل يعطيه قيمة ومشروعية أكبر.
كانت هذه المرة الأخيرة التي رأى يوناثان وداود أحدهما الآخر على الأرض. وقد تثبَّتت علاقتهما في عهد.
ج) الآيات (١٩-٢٣): أهل زيف يخونون داود.
١٩فَصَعِدَ ٱلزِّيفِيُّونَ إِلَى شَاوُلَ إِلَى جِبْعَةَ قَائِلِينَ: «أَلَيْسَ دَاوُدُ مُخْتَبِئًا عِنْدَنَا فِي حُصُونٍ فِي ٱلْغَابِ، فِي تَلِّ حَخِيلَةَ ٱلَّتِي إِلَى يَمِينِ ٱلْقَفْرِ؟ ٢٠فَٱلْآنَ حَسَبَ كُلِّ شَهْوَةِ نَفْسِكَ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ فِي ٱلنُّزُولِ ٱنْزِلْ، وَعَلَيْنَا أَنْ نُسَلِّمَهُ لِيَدِ ٱلْمَلِكِ». ٢١فَقَالَ شَاوُلُ: «مُبَارَكُونَ أَنْتُمْ مِنَ ٱلرَّبِّ لِأَنَّكُمْ قَدْ أَشْفَقْتُمْ عَلَيَّ. ٢٢فَٱذْهَبُوا أَكِّدُوا أَيْضًا، وَٱعْلَمُوا وَٱنْظُرُوا مَكَانَهُ حَيْثُ تَكُونُ رِجْلُهُ وَمَنْ رَآهُ هُنَاكَ، لِأَنَّهُ قِيلَ لِي إِنَّهُ مَكْرًا يَمْكُرُ. ٢٣فَٱنْظُرُوا وَٱعْلَمُوا جَمِيعَ ٱلْمُخْتَبَآتِ ٱلَّتِي يَخْتَبِئُ فِيهَا، ثُمَّ ٱرْجِعُوا إِلَيَّ عَلَى تَأْكِيدٍ، فَأَسِيرَ مَعَكُمْ. وَيَكُونُ إِذَا وُجِدَ فِي ٱلْأَرْضِ، أَنِّي أُفَتِّشُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ أُلُوفِ يَهُوذَا.
١. وَعَلَيْنَا أَنْ نُسَلِّمَهُ لِيَدِ ٱلْمَلِكِ: يوجد لكل يوناثان وفيٍّ وزيفيٌّ مستعد لأن يخون. وقد عرف أشخاص أتقياء أصدقاء مخْلِصين وأشخاصًا غادرين، كما حدث مع يسوع.
٢. مُبَارَكُونَ أَنْتُمْ مِنَ ٱلرَّبِّ: كان شاول ملتويًا روحيًّا حتى إنه قال لمن خانوا رجلًا بريئًا: ’مُبَارَكُونَ أَنْتُمْ مِنَ ٱلرَّبِّ.‘
٣. قِيلَ لِي إِنَّهُ مَكْرًا يَمْكُرُ: لم يكن مكر داود هو الذي جعله يفلت من براثن شاول، بل صلاح الله وأمانته. ولم يُرِد شاول أن يصدّق هذا، ولهذا قال إن حماية داود كانت بسبب مكره الشديد.
٤. في هذا الوقت، عبّر داود عن مشاعره للرب في الترنيم في المزمور ٥٤. وعنوان هذا المزمور هو “لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى «ذَوَاتِ ٱلْأَوْتَارِ». قَصِيدَةٌ لِدَاوُدَ عِنْدَمَا أَتَى ٱلزِّيفِيُّونَ وَقَالُوا لِشَاوُلَ: ’أَلَيْسَ دَاوُدُ مُخْتَبِئًا عِنْدَنَا؟‘
في المزمور ٥٤، دعا داود الرب إلى أن يعينه: “اَللَّهُمَّ، بِٱسْمِكَ خَلِّصْنِي، وَبِقُوَّتِكَ ٱحْكُمْ لِي” (الآية ١).
في المزمور ٥٤، فهِمَ داود أعداءه: “لِأَنَّ غُرَبَاءَ قَدْ قَامُوا عَلَيَّ، وَعُتَاةً طَلَبُوا نَفْسِي. لَمْ يَجْعَلُوا ٱللهَ أَمَامَهُمْ” (الآية ٣).
في المزمور ٥٤، عبّر داود عن ثقته بالرب: “هُوَذَا ٱللهُ مُعِينٌ لِي. ٱلرَّبُّ بَيْنَ عَاضِدِي نَفْسِي” (الآية ٤).
في المزمور ٥٤، تخلّى داود عن المرارة والخوف. وبدلًا من ذلك، سبّح الرب: “أذْبَحُ لَكَ مُنْتَدِبًا. أَحْمَدُ ٱسْمَكَ يَا رَبُّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ” (الآية ٦).
“إنه ينظر الآن إلى الرب. أولًا، كان ينظر إلى أعدائه وأصدقائه المفترضين. لكنه ينظر إليهم الآن من خلال الله. فإذا بدأتَ بالله، فسيصغُر أعداؤك. وإذا بدأتَ بأعدائك، ربما لا تصل إلى الله أبدًا.” ريدباث (Redpath)
د ) الآيات (٢٤-٢٩): هروب مثير لداود بشقّ الأنفس.
٢٤فَقَامُوا وَذَهَبُوا إِلَى زِيفٍ قُدَّامَ شَاوُلَ. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فِي بَرِّيَّةِ مَعُونٍ، فِي ٱلسَّهْلِ عَنْ يَمِينِ ٱلْقَفْرِ. ٢٥وَذَهَبَ شَاوُلُ وَرِجَالُهُ لِلتَّفْتِيشِ. فَأَخْبَرُوا دَاوُدَ، فَنَزَلَ إِلَى ٱلصَّخْرِ وَأَقَامَ فِي بَرِّيَّةِ مَعُونٍ. فَلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ تَبِعَ دَاوُدَ إِلَى بَرِّيَّةِ مَعُونٍ. ٢٦فَذَهَبَ شَاوُلُ عَنْ جَانِبِ ٱلْجَبَلِ مِنْ هُنَا، وَدَاوُدُ وَرِجَالُهُ عَنْ جَانِبِ ٱلْجَبَلِ مِنْ هُنَاكَ. وَكَانَ دَاوُدُ يَفِرُّ فِي ٱلذَّهَابِ مِنْ أَمَامِ شَاوُلَ، وَكَانَ شَاوُلُ وَرِجَالُهُ يُحَاوِطُونَ دَاوُدَ وَرِجَالَهُ لِكَيْ يَأْخُذُوهُمْ. ٢٧فَجَاءَ رَسُولٌ إِلَى شَاوُلَ يَقُولُ: «أَسْرِعْ وَٱذْهَبْ لِأَنَّ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ قَدِ ٱقْتَحَمُوا ٱلْأَرْضَ». ٢٨فَرَجَعَ شَاوُلُ عَنِ ٱتِّبَاعِ دَاوُدَ، وَذَهَبَ لِلِقَاءِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ. لِذَلِكَ دُعِيَ ذَلِكَ ٱلْمَوْضِعُ “صَخْرَةَ ٱلزَّلَقَاتِ.” ٢٩ وَصَعِدَ دَاوُدُ مِنْ هُنَاكَ وَأَقَامَ فِي حُصُونِ عَيْنِ جَدْيٍ.