١ صموئيل ٢٦
داود يستبقي حياة شاول مرة أخرى
أولًا. فرصة داود الثانية لقتل شاول.
أ ) الآيات (١-٤): أهل زيف يخونون داود ثانية.
١ثُمَّ جَاءَ ٱلزِّيفِيُّونَ إِلَى شَاوُلَ إِلَى جِبْعَةَ قَائِلِينَ: «أَلَيْسَ دَاوُدُ مُخْتَفِيًا فِي تَلِّ حَخِيلَةَ ٱلَّذِي مُقَابِلَ ٱلْقَفْرِ؟» ٢فَقَامَ شَاوُلُ وَنَزَلَ إِلَى بَرِّيَّةِ زِيفٍ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ لِكَيْ يُفَتِّشَ عَلَى دَاوُدَ فِي بَرِّيَّةِ زِيفٍ. ٣وَنَزَلَ شَاوُلُ فِي تَلِّ حَخِيلَةَ ٱلَّذِي مُقَابِلَ ٱلْقَفْرِ عَلَى ٱلطَّرِيقِ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. فَلَمَّا رَأَى أَنَّ شَاوُلَ قَدْ جَاءَ وَرَاءَهُ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ ٤أَرْسَلَ دَاوُدُ جَوَاسِيسَ وَعَلِمَ بِٱلْيَقِينِ أَنَّ شَاوُلَ قَدْ جَاءَ.
١. ثُمَّ جَاءَ ٱلزِّيفِيُّونَ إِلَى شَاوُلَ: سبق أن خان الزيفيّون داود من قبل، حيث أخبروا شاول عن مكانه (١ صموئيل ٢٣: ١٩-٢٣). وها هم يحاولون أن يكسبوا رضا الملك ثانية بمساعدته على العثور على داود مرة أخرى.
٢. ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ لِكَيْ يُفَتِّشَ عَلَى دَاوُدَ: يعني هذا أن شاول رجع عن توبته السابقة التي رأيناها في ١ صموئيل ٢٤: ١٦-٢١. وفي ذلك الوقت، أُتيحت لداود الفرصة لقتل شاول، لكنه امتنع عن هذا. وعندما أثبت داود هذه الحقيقة لشاول بجسارة، تأثّر الملك عاطفيًّا، وتاب علنًا على نيّته في قتل داود. كانت توبته عميقة ومخْلِصة وعاطفية، لكنها لم تدم طويلًا.
تذكّرنا ’ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ‘ أن شاول كان يتمتع بميزة كبيرة عسكريًّا، حيث كان لدى داود ٦٠٠ رجل فقط.
٣. أَرْسَلَ دَاوُدُ جَوَاسِيسَ: كان داود، وهو القائد الحكيم المقتدر، يراقب تحركات جيش شاول باستمرار. وعرف مكان شاول، بينما لم يكن يعرف شاول مكانه.
ب) الآيات (٥-٨): فرصة داود الثانية لقتل شاول.
٥فَقَامَ دَاوُدُ وَجَاءَ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي نَزَلَ فِيهِ شَاوُلُ، وَنَظَرَ دَاوُدُ ٱلْمَكَانَ ٱلَّذِي ٱضْطَجَعَ فِيهِ شَاوُلُ وَأَبْنَيْرُ بْنُ نَيْرٍ رَئِيسُ جَيْشِهِ. وَكَانَ شَاوُلُ مُضْطَجِعًا عِنْدَ ٱلْمِتْرَاسِ وَٱلشَّعْبُ نُزُولٌ حَوَالَيْهِ. ٦فَأَجَابَ دَاوُدُ وَكَلَّمَ أَخِيمَالِكَ ٱلْحِثِّيَّ وَأَبِيشَايَ ٱبْنَ صُرُوِيَّةَ أَخَا يُوآبَ قَائِلًا: «مَنْ يَنْزِلُ مَعِي إِلَى شَاوُلَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ؟» فَقَالَ أَبِيشَايُ: «أَنَا أَنْزِلُ مَعَكَ». ٧فَجَاءَ دَاوُدُ وَأَبِيشَايُ إِلَى ٱلشَّعْبِ لَيْلًا وَإِذَا بِشَاوُلَ مُضْطَجعٌ نَائِمٌ عِنْدَ ٱلْمِتْرَاسِ، وَرُمْحُهُ مَرْكُوزٌ فِي ٱلْأَرْضِ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَأَبْنَيْرُ وَٱلشَّعْبُ مُضْطَجِعُونَ حَوَالَيْهِ. ٨فَقَالَ أَبِيشَايُ لِدَاوُدَ: «قَدْ حَبَسَ ٱللهُ ٱلْيَوْمَ عَدُوَّكَ فِي يَدِكَ. فَدَعْنِيَ ٱلْآنَ أَضْرِبْهُ بِٱلرُّمْحِ إِلَى ٱلْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَا أُثَنِّي عَلَيْهِ.
١. وَكَانَ شَاوُلُ مُضْطَجِعًا عِنْدَ ٱلْمِتْرَاسِ: تقول بعض الترجمات إن شاول كان مضطجعًا في المحلة، بينما تقول نسخة الملك جيمس والترجمة العربية إنه كان مُضْطَجِعًا عِنْدَ ٱلْمِتْرَاسِ. وهذه ترجمة دقيقة، لكنها تعطي فكرة خطأ. فالفكرة هي أن محيط المحلة (المعسكر) تَمَيَّز بمسارات لعرباتهم، وأن شاول اضطجع ضمن هذا المحيط. والقول إن شاول اضطجع داخل المعسكر ترجمة جيدة لهذه الفكرة.
٢. فَقَامَ دَاوُدُ وَجَاءَ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي نَزَلَ فِيهِ شَاوُلُ: كانت آخر مرة التقى فيها شاول وداود عندما كان مختبئًا عن شاول وصدف أن شاول دخل المكان الذي كان فيه داود. وفي هذه المرة، سعى داود بنشاط للوصول إلى شاول.
يعني ’فَقَامَ دَاوُدُ‘ أن داود نفسه ذهب. كان بإمكانه أن يرسل أحدًا من رجاله الذين يبلغ عددهم ٦٠٠ للقيام بهذه المهمة. ومن ناحية عسكرية، فإن هذا أكثر منطقية أن يرسل شخصًا آخر. فلماذا يذهب داود بنفسه في مهمة خطرة كهذه؟ يبيّن هذا جسارته وشجاعته. وستبيّن حصيلة هذا كله أن الله كان يقوده في هذا الأمر.
٣. فَجَاءَ دَاوُدُ وَأَبِيشَايُ إِلَى ٱلشَّعْبِ لَيْلًا وَإِذَا بِشَاوُلَ مُضْطَجعٌ نَائِمٌ عِنْدَ ٱلْمِتْرَاسِ: عندما نام الجيش كله، نام شاول قرب أبنير، قائد جيشه. ثم تسلل داود سرًّا مع رفيقه الموثوق، أبيشاي بن صروية، إلى حيث نام شاول وأبنير. وكان رمح شاول مغروزًا في الأرض قرب رأسه، وكان الجميع نيامًا. فكان شاول ضعيفًا تمامًا أمام أي هجوم محتمل.
٤. قَدْ حَبَسَ ٱللهُ ٱلْيَوْمَ عَدُوَّكَ فِي يَدِكَ: كما في المرة الماضية التي كان بإمكان داود أن يقتل الملك (١ صموئيل ٢٤: ٤)، أشار رفيقه أن هذا الظرف لم يأتِ صدفة، بل كان من ترتيب الله، وأن الترتيب هو أن ينتقم داود من شاول انتقامًا بارًّا.
سهّل أبيشاي الأمر على داود، فقال له: “دَعْنِيَ ٱلْآنَ أَضْرِبْهُ بِٱلرُّمْحِ إِلَى ٱلْأَرْضِ.” ولن يقبل داود أن يرفع يده على الملك، لكن أبيشاي كان مستعدًّا لهذا، ولن يزعجه هذا الأمر على الإطلاق. ويمكن لداود أن يقول لنفسه وللجميع: “لم أقتل شاول.”
يُضَمِّن أبيشاي هذه المسألة عنصر العدالة الشعرية. إذ سيكون الرمح الذي سيقتل شاول هو رمح الملك المغروز بجانب رأسه. فالرمح الذي أُلقي على داود في محاولة لقتله من قبل (١ صموئيل ١٨: ١٠-١١ و١٩: ٩-١٠) سيُستخدم الآن كأداة لدينونة الله البارة. ربما بدا الأمر كله وكأنه أُعطي من الله.
ج) الآيات (٩-١٢): استجابة داود لفرصة قتل شاول.
٩فَقَالَ دَاوُدُ لِأَبِيشَايَ: «لَا تُهْلِكْهُ، فَمَنِ ٱلَّذِي يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى مَسِيحِ ٱلرَّبِّ وَيَتَبَرَّأُ؟» ١٠وَقَالَ دَاوُدُ: «حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، إِنَّ ٱلرَّبَّ سَوْفَ يَضْرِبُهُ، أَوْ يَأْتِي يَوْمُهُ فَيَمُوتُ، أَوْ يَنْزِلُ إِلَى ٱلْحَرْبِ وَيَهْلِكُ. ١١حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ أَنْ أَمُدَّ يَدِي إِلَى مَسِيحِ ٱلرَّبِّ! وَٱلْآنَ فَخُذِ ٱلرُّمْحَ ٱلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ وَكُوزَ ٱلْمَاءِ وَهَلُمَّ». ١٢فَأَخَذَ دَاوُدُ ٱلرُّمْحَ وَكُوزَ ٱلْمَاءِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِ شَاوُلَ وَذَهَبَا، وَلَمْ يَرَ وَلَا عَلِمَ وَلَا ٱنْتَبَهَ أَحَدٌ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا كَانُوا نِيَامًا، لِأَنَّ سُبَاتَ ٱلرَّبِّ وَقَعَ عَلَيْهِمْ.
١. لَا تُهْلِكْهُ، فَمَنِ ٱلَّذِي يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى مَسِيحِ ٱلرَّبِّ وَيَتَبَرَّأ؟: لم يكن الأمر أن داود اعتقد أن شاول كان على حق. فقد عرف داود أكثر من أي شخص آخر أن الملك كان غارقًا في عمق الإثم. لكن رغم استمراره في الإثم، ما زال ملك إسرائيل الممسوح (١ صموئيل ١٠: ١). ولن يتغير هذا الواقع إلا عندما يغيّره الله نفسه. فلن يمد داود يده إلى مسيح الرب.
ربما نعتقد أنه كان لداود سبب أكثر برًّا لقتل شاول من أي وقت مضى. فالآن، وبعد أن رجع شاول عن وعده السابق بترك داود وشأنه، قد يقول كثيرون لو كانوا مكان داود: “لقد أظهرتُ له محبة، وأطلقته مرة من قبل. وأنا ممتلئ محبة، لكني لست غبيًّا. لقد أخذ شاول فرصته، لكنه أفسدها.”
٢. ٱلرَّبَّ سَوْفَ يَضْرِبُهُ، أَوْ يَأْتِي يَوْمُهُ فَيَمُوتُ، أَوْ يَنْزِلُ إِلَى ٱلْحَرْبِ وَيَهْلِكُ: عرف داود أنه لم يكن ’صعبًا‘ على الله أن يقتل شاول. فقد كان قادرًا تمامًا على فعل ذلك في أي وقت. إذ كان كل نفَس من شاول هبة من الله. ويمكن أن يسمح الله لرجل شرير بقتل شاول في أي وقت. وعندما يتعلق الأمر بضرب ملك إسرائيل الممسوح، لم يكن الله محتاجًا إلى خدمات رجل تقي بار كداود.
“لِيَ ٱلنَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ” (رومية ١٢: ١٧-٢١). إن كان الانتقام يخص الله، فإنه لا يخصنا. وعلينا أن نحب أعداءنا ولا نجازي الشر بالشر.
٣. فَأَخَذَ دَاوُدُ ٱلرُّمْحَ وَكُوزَ ٱلْمَاءِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِ شَاوُلَ: ما كان لداود أن يقتل شاول، لكنه أخذ رمحه وكوز الماء كبرهان أنه كانت لديه الفرصة لقتله. ومن المرجح أن داود عرف أن النوم الذي غلب شاول وجنوده أنه كان من الرب، وأنّ لهذا سببًا.
ثانيًا. داود يواجه شاول مرة أخرى ببرهان رحمته.
أ ) الآيات (١٣-١٦): داود يوبخ أبنير، حارس شاول الشخصي.
١٣وَعَبَرَ دَاوُدُ إِلَى ٱلْعَبْرِ وَوَقَفَ عَلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ عَنْ بُعْدٍ، وَٱلْمَسَافَةُ بَيْنَهُمْ كَبِيرَةٌ. ١٤وَنَادَى دَاوُدُ ٱلشَّعْبَ وَأَبْنَيْرَ بْنَ نَيْرٍ قَائِلًا: «أَمَا تُجِيبُ يَا أَبْنَيْرُ؟» فَأَجَابَ أَبْنَيْرُ وَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ ٱلَّذِي يُنَادِي ٱلْمَلِكَ؟» ١٥فَقَالَ دَاوُدُ لِأَبْنَيْرَ: «أَمَا أَنْتَ رَجُلٌ؟ وَمَنْ مِثْلُكَ فِي إِسْرَائِيلَ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَحْرُسْ سَيِّدَكَ ٱلْمَلِكَ؟ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلشَّعْبِ لِكَيْ يُهْلِكَ ٱلْمَلِكَ سَيِّدَكَ. ١٦لَيْسَ حَسَنًا هَذَا ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي عَمِلْتَ. حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، إِنَّكُمْ أَبْنَاءُ ٱلْمَوْتِ أَنْتُمْ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تُحَافِظُوا عَلَى سَيِّدِكُمْ، عَلَى مَسِيحِ ٱلرَّبِّ. فَٱنْظُرِ ٱلْآنَ أَيْنَ هُوَ رُمْحُ ٱلْمَلِكِ وَكُوزُ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي كَانَ عِنْدَ رَأْسِهِ.
١. أَمَا أَنْتَ رَجُلٌ؟ وَمَنْ مِثْلُكَ فِي إِسْرَائِيلَ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَحْرُسْ سَيِّدَكَ ٱلْمَلِكَ؟: في هذا المشهد النابض بالحياة، أشار داود إلى اهتمامه بحياة الملك شاول أكثر من اهتمام أبنير بها.
٢. أَيْنَ هُوَ رُمْحُ ٱلْمَلِكِ وَكُوزُ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي كَانَ عِنْدَ رَأْسِهِ: كان هذا الدليل المثير – مثل برهان طرف ثوب شاول في ١ صموئيل ٢٤: ١١ – برهانًا قاطعًا أنه سنحت لداود فرصة ثانية لقتل شاول، لكنه لم يقتله.
ب) الآيات (١٧-٢٠): داود ينادي شاول.
١٧وَعَرَفَ شَاوُلُ صَوْتَ دَاوُدَ فَقَالَ: «أَهَذَا هُوَ صَوْتُكَ يَا ٱبْنِي دَاوُدُ؟» فَقَالَ دَاوُدُ: «إِنَّهُ صَوْتِي يَاسَيِّدِي ٱلْمَلِكَ». ١٨ثُمَّ قَالَ: «لِمَاذَا سَيِّدِي يَسْعَى وَرَاءَ عَبْدِهِ؟ لِأَنِّي مَاذَا عَمِلْتُ وَأَيُّ شَرٍّ بِيَدِي؟ ١٩وَٱلْآنَ فَلْيَسْمَعْ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ كَلَامَ عَبْدِهِ: فَإِنْ كَانَ ٱلرَّبُّ قَدْ أَهَاجَكَ ضِدِّي فَلْيَشْتَمَّ تَقْدِمَةً. وَإِنْ كَانَ بَنُو ٱلنَّاسِ فَلْيَكُونُوا مَلْعُونِينَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، لِأَنَّهُمْ قَدْ طَرَدُونِي ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلِٱنْضِمَامِ إِلَى نَصِيبِ ٱلرَّبِّ قَائِلِينَ: ٱذْهَبِ ٱعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى. ٢٠وَٱلْآنَ لَا يَسْقُطْ دَمِي إِلَى ٱلْأَرْضِ أَمَامَ وَجْهِ ٱلرَّبِّ، لِأَنَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ قَدْ خَرَجَ لِيُفَتِّشَ عَلَى بُرْغُوثٍ وَاحِدٍ! كَمَا يُتْبَعُ ٱلْحَجَلُ فِي ٱلْجِبَالِ.
١. يَا سَيِّدِي ٱلْمَلِكَ… سَيِّدِي… عبْده: تشير هذه الصياغة إلى أن داود تكلم مع شاول بتواضع حقيقي. وبما أن داود، وشاول على حق، كان من السهل على داود أن يُظهر نظرة متفوّقة تجاه شاول، لكنه لم يفعل.
٢. لِأَنِّي مَاذَا عَمِلْتُ وَأَيُّ شَرٍّ بِيَدِي؟: طلب داود من شاول أولًا أن يضع المعطيات في اعتباره وأن يفكر بوضوح في ما فعله داود.
٣. فَإِنْ كَانَ ٱلرَّبُّ قَدْ أَهَاجَكَ ضِدِّي… وَإِنْ كَانَ بَنُو ٱلنَّاسِ: سهّل داود على شاول أن يتوب. عرف داود أنه لا الرب ولا أي شخص آخر أهاج شاول عليه، وأن هذا كله نبع من مرارته الشخصية، وجسدانيته، وحسده. لكنه قدّم هذه الاقتراحات لشاول ليعطيه طريقة أسهل للتوبة. فكان بإمكانه أن يعترف بأن أعماله ضد داود كانت خطأ من دون أن يعترف بأنها نبعت منه.
٤. طَرَدُونِي ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلِٱنْضِمَامِ إِلَى نَصِيبِ ٱلرَّبِّ قَائِلِينَ: ٱذْهَبِ ٱعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى: كشف داود صراعه القلبي تحت ضغط اضطهاد شاول الذي لا هوادة فيه. وكان أكثر ما يؤلم داود هو عدم استطاعته الذهاب إلى بيت الله ويكون مع شعب الله علانية، ليحيا حياته مع الرب كما كان يتوق. دفعت كل هذه الضغوط داود إلى التفكير في ترك إسرائيل كليًّا والذهاب ليعيش بين الذين يعبدون آلهة أخرى.
٥. وَٱلْآنَ لَا يَسْقُطْ دَمِي إِلَى ٱلْأَرْضِ أَمَامَ وَجْهِ ٱلرَّبِّ: ختم داود مناشدته لشاول بطلب بسيط: ’لا تقتلني من فضلك.‘
هنالك قدر كبير من الكرامة في كلام داود النابع من وعيه ببراءته. فهو لا يطلب حياته من شاول، ولا يقدّم حجة واحدة ليقنعه بالتوقف عن محاولاته الجنائية. لكنه يحيل الأمر كله على الله بصفته القاضي ومحامي المضطهَدين الأبرياء.” كلارك (Clarke)
٦. كَمَا يُتْبَعُ ٱلْحَجَلُ فِي ٱلْجِبَالِ: “من الجدير بالذكر أن العرب يلاحظون كيف أن طائر الحجل يتعب بعد مطاردات سريعة عدة مرات ويصبح غير قادر على الطيران. وبهذه الطريقة يصطادونه على الجبال، ويتمكنون من ضربه بالهراوات. وبهذه الطريقة كان شاول يطارد داود، ويهجم عليه بسرعة من وقت إلى آخر على أمل أن يهلكه بعد محاولات متكررة.” كلارك (Clarke)
ج) الآية (٢١): شاول يعتذر لداود.
٢١فَقَالَ شَاوُلُ: “قَدْ أَخْطَأْتُ. اِرْجِعْ يَا ٱبْنِي دَاوُدَ لِأَنِّي لَا أُسِيءُ إِلَيْكَ بَعْدُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ نَفْسِي كَانَتْ كَرِيمَةً فِي عَيْنَيْكَ ٱلْيَوْمَ. هُوَذَا قَدْ حَمِقْتُ وَضَلَلْتُ كَثِيرًا جِدًّا.”
١. قَدْ أَخْطَأْتُ: في المرة الأخيرة التي كان فيها شاول في هذا الموقف، غلب الانفعال عليه. بدت مشاعره سليمة، لكن حياته لم تتغير (١ صموئيل ٢٤: ١٦-٢١). وفي هذه المرة، يوجد شيء بارد وآليّ في كلامه. تبدو الكلمات سليمة، لكن المشاعر غائبة.
٢. لِأَنِّي لَا أُسِيءُ إِلَيْكَ بَعْدُ … هُوَذَا قَدْ حَمِقْتُ وَضَلَلْتُ كَثِيرًا جِدًّا: يبدو من الإحساس الذي تعطيه هذه الآية، إضافة إلى أعمال شاول اللاحقة، أنه لم يتب. لكنه يدرك بمرارة أن داود انتصر عليه مرة أخرى. وتعبر كلماته في الآية ٢٥ عن هذا: ’فَإِنَّكَ تَفْعَلُ وَتَقْدِرُ.‘
“يميّز الرسول تمييزًا كبيرًا، وبحق، حزن العالم من حزن التوبة التقي، وهو حزن لا يحتاج إلى التوبة عنه. ومن المؤكد أن اعتراف شاول بخطيته ينتمي إلى النوع الأول من الحزن، بينما تخرج صرخة داود في مزمور ٥١ إلى النوع الثاني من الحزن بعد جرائم السنين.” ماير (Meyer)
يعلّق مورجان على كلمة شاول ’حَمِقْتُ‘: “نجد في هذه الكلمة سيرة ذاتية كاملة لشاول. إذ تروي كل قصة حياته.”
د ) الآيات (٢٢-٢٥): داود يشرح لشاول لماذا لم يقتله.
٢٢فَأَجَابَ دَاوُدُ وَقَالَ: «هُوَذَا رُمْحُ ٱلْمَلِكِ، فَلْيَعْبُرْ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْغِلْمَانِ وَيَأْخُذْهُ. ٢٣وَٱلرَّبُّ يَرُدُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِرَّهُ وَأَمَانَتَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ دَفَعَكَ ٱلرَّبُّ ٱلْيَوْمَ لِيَدِي وَلَمْ أَشَأْ أَنْ أَمُدَّ يَدِي إِلَى مَسِيحِ ٱلرَّبِّ. ٢٤وَهُوَذَا كَمَا كَانَتْ نَفْسُكَ عَظِيمَةً ٱلْيَوْمَ فِي عَيْنَيَّ، كَذَلِكَ لِتَعْظُمْ نَفْسِي فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ فَيَنْقُذْنِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ». ٢٥فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ يَا ٱبْنِي دَاوُدَ، فَإِنَّكَ تَفْعَلُ وَتَقْدِرُ». ثُمَّ ذَهَبَ دَاوُدُ فِي طَرِيقِهِ وَرَجَعَ شَاوُلُ إِلَى مَكَانِهِ.
١. وَٱلرَّبُّ يَرُدُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِرَّهُ وَأَمَانَتَهُ: اتكل داود على الرب الذي يبارك الأبرار والأمناء، وعرف الحق المتضمَّن في عبرانيين ٦: ١٠: “لِأَنَّ ٱللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ ٱسْمِهِ.”
فهم داود المبدأ الذي تحدث عنه يسوع في متى ٧: ٢: “وَبِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.” أراد داود مقدارًا كبيرًا من رحمة الله لنفسه، ولهذا أعطى شاول مقدارًا كبيرًا من الرحمة. وسيكون مقدار الرحمة السخي بركة عظيمة لداود في وقت لاحق. من حياته.
٢. لِتَعْظُمْ (لِتُثَمَّن) نَفْسِي فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ: أراد داود أن يحقق دعوته في أن يكون الملك التالي على إسرائيل. لكنه أراد كلًّا من العرش وبركة الرب. فرفض أن يأخذ العرش من خلال القتل أو التمرد. وسينتظر أن يصل إليه حسب طريقة الله. وفي هذا، وثق داود بأن الله سيحميه عندما يتولى حكم إسرائيل في نهاية الأمر.
تمسّك داود بهذا المبدأ. وعندما صار ملكًا، أدرك أن بره كوفئ (مزمور ١٨: ٢٠-٢٧).
٣. ثُمَّ ذَهَبَ دَاوُدُ فِي طَرِيقِهِ: دعا شاول داود إلى العودة معه (الآية ٢١)، لكن داود لم يقبل تلك الدعوة. فقد أراد أن يرى إن كانت كلمات التوبة الصادرة عن شاول تعكس توبة حقيقية في حياته. لكن عندما ذهب في طريقه، واجه التجربة التي تحدّث عنها في الآية ١٩ – تجربة الهروب من إسرائيل كليًّا والعيش بين الأشرار.
“لأن داود عرف قلب شاول غير المستقر والمخادع، لم يشأ ان يثق بأية تصريحات أو وعود يطلقها، بل بقي بعيدًا عن متناوله.” بوله (Poole)
“منذ الآن، لم يعد هنالك ما يقال. ولن يرى داود وشاول أحدهما الآخر مرة أخرى.” يونغبلود (Youngblood)