١ صموئيل ١٦اختيار الله لداود
أولًا. صموئيل يمسح داود ملكًا
مزامير تتناسب مع هذه الفترة: ٨، ١٩، ٢٣، ٢٩
أ ) الآيات (١-٣): يطلب الله من صموئيل أن يمسح ملكًا جديدًا على إسرائيل.
١فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «حَتَّى مَتَى تَنُوحُ عَلَى شَاوُلَ، وَأَنَا قَدْ رَفَضْتُهُ عَنْ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟ اِمْلَأْ قَرْنَكَ دُهْنًا وَتَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى ٱلْبَيْتَلَحْمِيِّ، لِأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكًا». ٢فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «كَيْفَ أَذْهَبُ؟ إِنْ سَمِعَ شَاوُلُ يَقْتُلْنِي». فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «خُذْ بِيَدِكَ عِجْلَةً مِنَ ٱلْبَقَرِ وَقُلْ: قَدْ جِئْتُ لِأَذْبَحَ لِلرَّبِّ. ٣وَٱدْعُ يَسَّى إِلَى ٱلذَّبِيحَةِ، وَأَنَا أُعَلِّمُكَ مَاذَا تَصْنَعُ. وَٱمْسَحْ لِيَ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ.
١. حَتَّى مَتَى تَنُوحُ عَلَى شَاوُلَ؟: هنالك وقت للنواح، لكنّ هنالك وقتًا للتحرك والمضي قُدُمًا. لا بد أن صموئيل أحسّ بالإثارة عندما سمع قول الله، ’اِمْلَأْ قَرْنَكَ دُهْنًا.‘ فقد عرف أن الله أراده أن يمسح شخصًا آخر ملكًا على إسرائيل.
لن يسمح الله بأن يموت عمله بموت شخص أو بسبب فشله. فهو عمل الله، وهو يتجاوز أي شخص. ربما شلّ الحزن والنواح صموئيل بسبب تمرده المأساوي، لكن الله لم يُشَل.
٢. أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى ٱلْبَيْتَلَحْمِيِّ: سيجد صموئيل ملك إسرائيل القادم بين أبناء يسّى، حفيد راعوث وبوعز (راعوث ٤: ١٧؛ ٢٢).
٣. كَيْفَ أَذْهَبُ؟ إِنْ سَمِعَ شَاوُلُ يَقْتُلْنِي: من المؤكد أننا نتفهم خوف صموئيل. ولا يوجد شك في أن شاول سيعُد هذا خيانة. وفي الوقت نفسه، يُظهر هذا نغمة في صموئيل نستغرب لرؤيتها. ربما تسبب حزنه المفرط على شاول في خلق عنصر خوف وعدم إيمان في قلبه. لم يكن لدى صموئيل أي شيء يقلق بشأنه، لأن الله وعده بأن يريه ما ينبغي أن يفعله.
هل أمر الله صموئيل بأن يكذب؟ لا، على الإطلاق. “كان هذا صحيحًا تمامًا. فقد قدّم صموئيل ذبيحة. ولا يبدو أنه كان بإمكانه القيام بالعمل الذي قصده الله ما لم يقدّم هذه الذبيحة، ويستدعِ شيوخ الشعب معًا، ويجمع أبناء يسّى. لكنه لم يذكر القصد الرئيسي لمجيئه. ولو فعل هذا، لأدّى هذا إلى شر لا إلى خير.” كلارك (Clarke)
٤. لِأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكًا: قبل سنوات من هذا، رفضت إسرائيل الرب ملكًا عليها، وأرادت ملكًا بشريًا بدلًا منه. فأعطاهم الله ملكًا بشريًا حسب قلبهم (شاول)، لكن الله كان ما زال على العرش وقادرًا على أن يتوّج من يشاء.
كانت الحقيقة هي أن الله كان حكم إسرائيل بالفعل. فكانوا بإمكانهم أن يقرّوا بحُكمه، ويخضعوا له، ويتمتعوا بمزايا حُكمه، أو أن يقاوموا حكمه على إسرائيل فيعانوا بسبب ذلك. لا يهم موقفي (نظرتي) من الله ما دام لا يؤثر في انتصاره النهائي. فالرب هو الله وهو الملك، وسينتصر دائمًا. لكن موقفي يهم كثيرًا، لأنه يؤثر في مصيري النهائي.
لا داعي للخوف على المستقبل عندما نعرف أن الله قد دبّر لنفسه قادة. ففي مكان ما غير متوقع يقيم الله قادة لشعبه. وسيُبقيهم مغمورين ومخفيين حتى يحين الوقت المناسب ليقيمهم.
٥. وَٱمْسَحْ لِيَ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: مُسح أول ملك لإسرائيل من أجل الشعب. وقد خرج من قالب رغبة الشعب ومواصفاته للملك المطلوب. والآن فشل خيار الشعب. وها هو الله يقول: حان لي أن يكون لي ملك. وسيُظهر الله مَلِكه لإسرائيل.
ب) الآيات (٤-٥): صموئيل يأتي ليذبح في بيت لحم.
٤فَفَعَلَ صَمُوئِيلُ كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ. فَٱرْتَعَدَ شُيُوخُ ٱلْمَدِينَةِ عِنْدَ ٱسْتِقْبَالِهِ وَقَالُوا: «أَسَلَامٌ مَجِيئُكَ؟» ٥فَقَالَ: «سَلَامٌ. قَدْ جِئْتُ لِأَذْبَحَ لِلرَّبِّ. تَقَدَّسُوا وَتَعَالَوْا مَعِي إِلَى ٱلذَّبِيحَةِ». وَقَدَّسَ يَسَّى وَبَنِيهِ وَدَعَاهُمْ إِلَى ٱلذَّبِيحَةِ.
١. فَفَعَلَ صَمُوئِيلُ كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ: كانت بيت لحم بلدة صغيرة لا تبعد كثيرًا عن أورشليم. وكانت موطن راعوث وبوعز اللذين انحدر منهما يسّى. وكانت منطقة جبلية فيها حقول كثيرة للحنطة على جوانب التلال.
٢. فَٱرْتَعَدَ شُيُوخُ ٱلْمَدِينَةِ عِنْدَ ٱسْتِقْبَالِهِ وَقَالُوا: “أَسَلَامٌ مَجِيئُكَ؟”: بالنظر إلى ما فعله صموئيل بأجاج، ملك عماليق (١ صموئيل ١٥: ٣٣)، لا عجب أن شيوخ إسرائيل كانوا خائفين.
٣. تَقَدَّسُوا وَتَعَالَوْا مَعِي إِلَى ٱلذَّبِيحَةِ: لم تكن الفكرة هي أن يشاهد يسّى وأبناؤه صموئيل وهو يقدم الذبيحة فحسب. بل أرادهم أيضًا أن يشتركوا في وجبة احتفالية بعد هذا فيأكلوا من لحم الذبيحة.
عندما يُذبح حيوان تكقيرًا لخطية، لا يؤكل منه أي شيء. بل كان يُحرق أمام الرب. لكن عندما يُذبح حيوان كقربان سلامة أو تقدمة شركة، كان يُحرق جزء منه للرب، ويؤكل جزء منه في وجبة احتفالية خاصة.
ج) الآيات (٦-١٠): لا يختار الله أيًّا من أبناء يسّى الكبار.
٦كَانَ لَمَّا جَاءُوا أَنَّهُ رَأَى ألياب، فَقَالَ: «إِنَّ أَمَامَ ٱلرَّبِّ مَسِيحَهُ». ٧فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «لَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لِأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ ٱلْإِنْسَانُ. لِأَنَّ ٱلْإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْقَلْبِ». ٨فَدَعَا يَسَّى أَبِينَادَابَ وَعَبَّرَهُ أَمَامَ صَمُوئِيلَ، فَقَالَ: «وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ ٱلرَّبُّ». ٩وَعَبَّرَ يَسَّى شَمَّةَ، فَقَالَ: «وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ ٱلرَّبُّ». وَعَبَّرَ يَسَّى بَنِيهِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ صَمُوئِيلَ، فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: “ٱلرَّبُّ لَمْ يَخْتَرْ هَؤُلَاءِ.”
١. (من المؤكد) إِنَّ أَمَامَ ٱلرَّبِّ مَسِيحَهُ: عندما نظر صموئيل إلى الابن الأكبر، ألياب، فكّر في نفسه: “من المؤكد أن لهذا منظر الملك. ولا بد أنه الشخص الذي يريدني الرب أن أمسحه. وهذا اختيار رائع منك، يا رب!” رأى صموئيل شابًّا طويلًا وسيم الطلعة بدا أنه سيكون ملكًا وقائدًا عظيمًا.
٢. لَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لِأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ: أخطأ صموئيل بالحكم على ألياب بناءً على مظهره. وهذا هو نفس الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل بشأن ملكهم الأول. بدا شاول مهيبًا في هيئته، لكن لم يكن لديه القلب الذي ينبغي أن يمتلكه ملك على شعب الله المختار. فلم يكن يهم منظر ألياب لأن الله قال: ’قَدْ رَفَضْتُهُ.‘
٣. لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ ٱلْإِنْسَانُ. لِأَنَّ ٱلْإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْقَلْبِ: كان هذا بيانًا للحقيقة وتشجيعًا على التفكير التقي.
أولًا، كان هذا بيانًا للحقيقة. فالإنسان ينظر إلى المظهر الخارجي، بينما ينظر الله إلى القلب. وحتى أفضل البشر، ينظرون إلى المظهر. وفي تلك اللحظة، كان صموئيل مذنبًا في هذا الأمر, ويتوجب علينا أن نفهم أننا لا نستطيع أن نقرأ أسرار قلب آخر. وغالبًا ما نحكم على المظهر الخارجي فقط. “العالم ممتلئ بعبادة الأصنام. لكني أتساءل إن كانت تمارَس هذه على نطاق واسع أكثر من عبادة المظهر الخارجي الوثنية.” بلايكي (Blaikie)
كان هذا تشجيعًا على التفكير التقي أيضًا. أخبر الله صموئيل: “إن ميلك الطبيعي هو أن تحكم على المظهر الخارجي فقط. لكني أستطيع أن أحكم على القلب الذي لا تراه. فانظر إليّ ولا تتسرّع في الحكم بناء على مظهره الخارجي فقط.” احتاج صموئيل إلى أن يعرف أن ميله الطبيعي هو أن يحكم على المظهر الخارجي فقط. لكن لم يكن مضطرًا إلى الاستسلام لهذا الميل. إذ يمكنه أن يطلب الله، وقلب الله، وفكر الله عندما ينظر إلى الناس.
٤. ٱلرَّبُّ لَمْ يَخْتَرْ هَؤُلَاءِ: أخبر الله صموئيل أنه لم يختر أيًّا من أبناء يسى السبعة الأكبر الذين حضروا العيد. لم يكن الأمر أنهم كانوا رجالًا سيئين، لكن الأمر أن الله لم يخترهم. وكان الله يفكر في رجل مختلف عن توقعات صموئيل أو يسّى.
كان ألياب وأبناء يسّى السبعة الأكبر ملوكًا محتملين ملائمين في ما يتعلق بالجسد. لكن الله لم يُرِد ملكًا حسب الجسد. إذ كان لإسرائيل مثل هذا الملك.
د ) الآية (١١): صموئيل يسأل عن ابن غائب.
١١وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: «هَلْ كَمُلُوا ٱلْغِلْمَانُ؟» فَقَالَ: «بَقِيَ بَعْدُ ٱلصَّغِيرُ وَهُوَذَا يَرْعَى ٱلْغَنَمَ». فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: “أَرْسِلْ وَأْتِ بِهِ، لِأَنَّنَا لَا نَجْلِسُ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى هَهُنَا.”
١. هَلْ كَمُلُوا ٱلْغِلْمَانُ؟: كانت لدى صموئيل مشكلة. إذ أخبره الله أنه رأى من بين أبناء يسّى مَلِكًا له (١ صموئيل ١٦: ١). غير أن أبناء يسى السبعة موجودون، ولم يختر الله أيًّا منهم. وبما أن صموئيل عرف أن كلمة الرب صادقة، عرف أنه لا بد أن يكون هنالك ابن آخر ليسّى لم يحضر احتفال الذبيحة.
٢. بَقِيَ بَعْدُ ٱلصَّغِيرُ: يبيّن هذا تدنّي احترام داود بين عائلته. أولًا، لم يذكره أبوه بالاسم. ثانيًا، لم يكن مدعوًّا إلى احتفال الذبيحة. ثالثًا، لم يُستدعَ إلا عندما أصر صموئيل على ذلك.
“كان داود صغيرًا جدًّا في تقدير أبيه لدرجة أنه لم يكن يُعد ضروريًّا أن يُشمل في العائلة عندما دعاهم صموئيل إلى الاحتفال.” ريدباث (Redpath)
عندما نضع في الاعتبار أن داود كان الأصغر بين ثمانية أبناء، فإننا لا نستغرب الاحترام المتدني له بين عائلته. فلم يكن هذا بسبب معدن أخلاقي غير جيد، أو بسبب سلوك غير لائق. إذ كان ببساطة الأصغر بين ثمانية أبناء.
غالبًا ما يختار الله أشخاصًا غير محتملين للقيام بعمله ليعرف الجميع أن العمل هو عمل الله، لا عمل بشر.وهو يريد أن يعمل بطريقة بحيث ينظر الناس إلى خدامه كما نظروا إلى شمشون عندما تساءلوا عن سر قوّته (قضاة ١٦: ٥).
“ربما لا تكون مثقّفًا، أو ربما لست موضوع تقدير كبير بين عائلتك. وربما لم تحصل إلاّ على حصة قليلة من محبة والديك كداود. لكن تذكّر أن أولئك الذين يرفضهم الناس غالبًا ما يصبحون أحبّاء الرب.” ريدباث (Redpath)
٣. وَهُوَذَا يَرْعَى ٱلْغَنَمَ: دُعي داود لهذه المسحة العظيمة عندما كان يرعى الغنم. كان يقوم داود بواجبه، وكان أمينًا في أشياء صغيرة، وفي ما كان أبوه يطلبه منه.
كانت رعاية الغنم مَهَمة خادم أو عبد. ويبيّن كون داود راعيًا لغنم عائلته أنها لم تكن ثرية جدًّا. فلو كانت كذلك، لكان هنالك عبد يهتم بغنمها. فلم تكن ميسورة الحال بما يكفي لامتلاك عبد.
تعني رعاية الغنم أن لدى الراعي وقتًا للتفكير. فقد أمضى داود وقتًا كثيرًا في التفكير في الغنم، وتأمل في مجد خليقة الله. وعوّدَ داود قلبه على الترنم بمجد الرب في خليقته (مزمور ١٩: ١-٤ والمزمور الثامن مثلان جيدان لهذا).
احتاجت رعاية الغنم إلى قلب خاص ورعاية خاصة. وعنت أنك تعرف كيف أن الأغنام تحتاج إلى رعاية وعون من راعٍ صالح. وتتعلم أنك خروف وأن الله راعيك. وأثناء هذه السنوات بنى الله في داود قلبًا يتغنى بالله كراعٍ (كما في المزمور ٢٣).
عنت رعاية الغنم الثقة بالله في وسط الخطر. إذ كان على داود أن يتعامل مع أسود ودببة وذئاب لحماية قطيعه. “لم تكن المنطقة المحيطة ببيت لحم جنة مسالِمة. فلم تكن حياة الراعي الحياة السهلة التي يحلم بها الشعراء.” بلايكي (Blaikie)
لم تكن سنوات داود في رعاية الغنم سنوات انتظار، بل كانت سنوات تدريب وإعداد. كان داود رجلًا عظيمًا وملكًا عظيمًا، لأنه لم يفقد قلب الراعي. وتتحدث مزمور ٧٨: ٧٠-٧٢ عن صلة داود الملك بداود الراعي: “وَٱخْتَارَ دَاوُدَ عَبْدَهُ، وَأَخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ ٱلْغَنَمِ. مِنْ خَلْفِ ٱلْمُرْضِعَاتِ أَتَى بِهِ، لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ، وَإِسْرَائِيلَ مِيرَاثَهُ. فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ، وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ.”
هـ) الآيات (١٢-١٣): يُختار ويُمسح داود.
١٢فَأَرْسَلَ وَأَتَى بِهِ. وَكَانَ أَشْقَرَ مَعَ حَلَاوَةِ ٱلْعَيْنَيْنِ وَحَسَنَ ٱلْمَنْظَرِ. فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «قُمِ ٱمْسَحْهُ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ». ١٣فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ ٱلدُّهْنِ وَمَسَحَهُ فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَلَّ رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ فَصَاعِدًا. ثُمَّ قَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى ٱلرَّامَةِ.
١. وَكَانَ أَشْقَرَ مَعَ حَلَاوَةِ ٱلْعَيْنَيْنِ وَحَسَنَ ٱلْمَنْظَر: يخبرنا الوصف البدني لداود أنه كان أبيض البشرة. (ولعل هذا هو ما تعنيه كلمة ’أشقر‘ أو أحمر، أو ذو بشرة فاتحة اللون. وهو أمر كان يُعَد جذّابًا في تلك الثقافة) كانت لديه عينان براقتان، ما ينمّ عن حيوية وذكاء. وكان داود جميل المظهر.
كان لداود مظهر جميل، لكنه لم يكن يشبه شاول الذي بدا قائدًا وملكًا (١ صموئيل ٩: ٢). بدا داود حسن المظهر، لكنه لم يكن من النوع الذي يمكن أن تقول عنه: “هذا هو شخص وُلِد قائدًا. هذا هو منظر ملك.” هذا هو ما قاله الشعب عندما نظروا إلى صموئيل. وعندما نظروا إلى داود، قالوا: ’هذا صبي وسيم.‘
لا ندري كم كان عمر داود في ذلك الوقت. قال المؤرخ اليهودي القديم إن داود كان في العاشرة من عمره عندئذٍ. ويتكهن آخرون أنه كان في الخامسة من عمره. ومن الأمان أن نقول إنه كان في ذلك النطاق.
٢. فَقَالَ ٱلرَّبُّ: قُمِ ٱمْسَحْهُ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ: حسب كل المظاهر الخارجية، بدا أن إخوة داود السبعة أكثر ملاءمة للمنصب الملكي. وبقدر ما كان داود غير محتمل، فإنّ ’هَذَا هُوَ.‘
كان داود راعيًّا، لكن كان هنالك رعاة كثيرون. وكان داود وسيمًا. لكن كان هنالك وسيمون كثيرون أيضًا. وكان داود شابًّا، لكن كان هنالك شباب كثيرون كان بإمكان الرب أن يختار من بينهم. لقد ذكر الله ما جعل داود مميزًا في ١ صموئيل ١٣: ١٤: “قَدِ ٱنْتَخَبَ ٱلرَّبُّ لِنَفْسِهِ رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِهِ.” إن ما أهّل داود ليكون ما عليه هو أنه كان رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِ الرب.
يبيّن اختيار الله لداود أنه لا يتعين علينا أن نترك وظائفنا وندخل في خدمة متفرغة لنكون حسب قلبه. ولا نحتاج إلى أن نكون مشهورين أو بارزين لنكون حسب قلبه. ولا ينبغي أن نكون محترمين أو حتى محبوبين من الآخرين لنكون حسب قلبه. ولا نحتاج إلى منزلة، وتأثير، وقوة، واحترام الناس ومصادقتهم، أو مسؤوليات عظيمة لنكون حسب قلبه.
من أين حصل داود على مثل هذا القلب؟ من الواضح أنه حصل عليه من الوقت الذي كان يمضيه مع الرب. لكن شخصًا ما وضعه على هذا الطريق. لم يقل داود شيئًا عن أبيه، لكنه أشار إلى أمه مرتين في المزامير (مزمور ٨٦: ١٦ و١١٦: ١٦). ومن المرجح أن أمه سكبت قلبها ومحبتها وتكريسها للرب فيه، وأعطته أساسًا يبني عليه مسيرته مع الرب. فاستخدم الرب أم داود، كما استخدم أم تيموثاوس، في أن تصب فيه إيمانًا تقيًّا (
٢ تيموثاوس ١: ٥).
٣. فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ ٱلدُّهْنِ وَمَسَحَهُ فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ: من أفعال داود، ويسّى وإخوة داود بعد ذلك، يمكننا أن نفترض أن الله وصموئيل فقط هما اللذان عرفا تمامًا ما كان يحدث هناك.
يرجّح أن الآخرين ظنوا أن صموئيل أكرم داود لسبب مجهول. وربما لم يجرؤ أحد حتى على الاعتقاد أن هذه مسحة ملكية من الله. لكن الله عرف، لأنه سبق أن عمل في قلب داود لزمن طويل. “كانت المسحة العلنية نتيجة لما حدث على انفراد بين داود والرب قبل ذلك بزمن طويل.” ريدباث (Redpath)
٤. وَحَلَّ رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ فَصَاعِدًا: حدثت المسحة الحقيقية عندما حل الروح القدس على داود. فكان الدهن (الزيت) على رأسه مجرد علامة على الواقع الداخلي.
٥. ثُمَّ قَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى ٱلرَّامَةِ: لم يؤسس صموئيل حزبًا اسمه ’دعنا نتوّج داود،‘ ولم يبدأ بتقويض عرش شاول بحثًا عن طريقة لتثبيت داود ملكًا. لقد ألقى صموئيل نظرة على داود، واستجاب بالطريقة التي أراد له أن يستجيب بها: “يا رب، لا أعرف لماذا اخترت هذا الصبي. لكن عليك أن تضعه على العرش. فأنا لا أستطيع أن أفعل هذا.”
لقد فعلها الله. نجد أول ذكر لاسم دَاوُدَ في ١ صموئيل ١٦: ١٣ في سفر صموئيل الأول. لكن أُشير إليه نبويًّا من قبل (كما في ١ صموئيل ١٣: ١٤ و١٥: ٢٨). لكنه يُذكر هنا بالاسم. ويعني اسمه ’محبوب‘ أو ’المحبوب.‘
سيصبح داود واحدًا من من أعظم الرجال في الكتاب المقدس، حيث يُذكر اسمه ما يزيد عن ألف مرة، أي أكثر من إبراهيم، وأكثر من موسى، وأي رجل عادي في العهد الجديد. وليس من قبيل الصدفة أن يسوع لم يُعرف بلقب ’ابن إبراهيم‘ أو ’تابع موسى،‘ بل ’ابن داود‘ (متى ٩: ٢٧ ومواضع كثيرة أخرى).
“بِغّضّ النظر عن الجانب الذي ننظر إليه من حياة داود، فإنها مُذهلة. ربما تفوَّق إبراهيم عليه في الإيمان، وموسى في قوة الشركة المركّزة مع الله، وإيليا في القوة النارية لحماسته. لكن لم يكن لدى أيٍّ من هؤلاء تعدُّد الجوانب الذي نجده في ابن يسّى.” ماير (Meyer)
ثانيًا. الروح الرديء
أ ) الآية (١٤): رُوحٌ رَدِيءٌ (شرير) يزعج شاول.
١٤وَذَهَبَ رُوحُ ٱلرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ، وَبَغَتَهُ رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ.
١. وَذَهَبَ رُوحُ ٱلرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ: في ١ صموئيل ١٦: ١٣ “حَلَّ رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ فَصَاعِدًا”. ومع حلوله على داود، ذهب روح الرب من عند شاول، وحلّ روح اكتئاب عليه راح يُزعجه.
٢. وَبَغَتَهُ رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ: إن كان الله كلّيّ الصلاح، فلماذا يرسل روح اكتئاب لشاول. يمكن أن يُفهم هذا الإرسال بمعنى نشط أو سلبي. فإذا أخذته بمعنى نشط، لا يمكن أن يبدأ الله بفعل الشر. إذ “كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي ٱلْأَنْوَارِ، ٱلَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلَا ظِلُّ دَوَرَانٍ” (يعقوب ١: ١٧). ومن ناحية سلبية، ربما يسحب الله يده الحامية من دون أن يكون مصدر الشر نفسه.
يشير إلى هذا ما حدث مع شاول. أولًا، ذهب روح الرب من عنده. ويعني هذا أن شاول فقد الحماية والتغطية الروحية. وكان إبليس مستعدًّا تمامًا لإرسال روح كآبة لملء الفراغ لدى شاول.
هذا هو الذي يجعل استمرار وجود الروح القدس في المؤمنين تعزية كبيرة. فلا نخشى أن يسحب الله الروح القدس منا (رومية ٨: ٩-١١؛ ١ كورنثوس ٦: ١٩-٢٠).
٣. مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ: لعل هذا جاء ليدين شر شاول وتمرده على قيادة الروح القدس في الماضي. وقد يكون هذا مثلًا لتسليم الله لشاول للخطية.
من الواضح أن روح الرب كان لدى شاول ذات يوم (١ صموئيل ١٠: ١٠). ومع تكبُّره وتمرده على الله، قاوم الروح القدس، حيث قال لروح الرب: ’لا. اذهب بعيدًا‘ مرات كثيرة إلى أن أعطى الله شاول ما أراده. لكن شاول لم يدرك الثمن الذي سيدفعه عندما يتركه روح الرب. اعتقد أن عدم وجود روح الرب سيحرره ليفعل ما يحلو له. لم يدرك أنه سيكبل بروح رديء.
حتى في هذه الحالة، كان بإمكان شاول أن يتوب. فلم يتجاوز خط التوبة والاسترداد. فكان يتوقف عليه قبول تقويم الرب له والاستجابة بقلب رقيق توّاب أمام الرب.
٤. رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ: من المحتمل أن يشخَّص شاول حاليًّا على أنه مريض عقليًّا. غير أن المشكلة كانت روحية في طبيعتها، لا ذهنية أو نفسية.
هنالك أشخاص كثيرون في مستشفيات للأمراض العقلية يعانون من مشكلات روحية. ومن المؤكد أن من الخطأ أن نفترض أن كل حالة من حالات الاضطراب العقلي حالات روحية، لأن الاختلالات الكيمياوية والمشكلات الفسيولوجية حقيقية أيضًا في هذا العالم الساقط. ومع ذلك، فإن من المؤكد أن بعضهم يحتاج إلى التحرر من روح مزعج لا يجده في نظامنا الصحي النفسي الحديث.
ب) الآيات (١٥-١٧): حل مقترَح.
١٥فَقَالَ عَبِيدُ شَاوُلَ لَهُ: «هُوَذَا رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ ٱللهِ يَبْغَتُكَ. ١٦فَلْيَأْمُرْ سَيِّدُنَا عَبِيدَهُ قُدَّامَهُ أَنْ يُفَتِّشُوا عَلَى رَجُلٍ يُحْسِنُ ٱلضَّرْبَ بِٱلْعُودِ. وَيَكُونُ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ ٱلرُّوحُ ٱلرَّدِيءُ مِنْ قِبَلِ ٱللهِ، أَنَّهُ يَضْرِبُ بِيَدِهِ فَتَطِيبُ». ١٧فَقَالَ شَاوُلُ لِعَبِيدِهِ: «ٱنْظُرُوا لِي رَجُلًا يُحْسِنُ ٱلضَّرْبَ وَأْتُوا بِهِ إِلَيَّ.
١. فَقَالَ عَبِيدُ شَاوُلَ لَهُ: «هُوَذَا رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ ٱللهِ يَبْغَتُكَ: كان هذا واضحًا بالنسبة لخدام شاول، لكنه لم يكن يبدو واضحًا لشاول. وغالبًا ما تكون حالتنا الروحية أكثر وضوحًا للآخرين مما هي لنا.
٢. ٱنْظُرُوا لِي رَجُلًا يُحْسِنُ: نصح خدام شاول إياه أن يجد ما يمكن أن نطلق عليه ’قائد عبادة،‘ رجلًا يستطيع، باستخدام الموسيقى، أن يجلب محبة الله، وسلامه، وقوته إلى شاول. فاحتاج إلى أن يقاد إلى العبادة، ولهذا كان من المهم أن يبحث عن رجل يقوم بهذه المهمة.
خلق الله الموسيقى وأعطاها القدرة على لمس الناس بقوة عظيمة. ويمكن أن تُستخدم الموسيقى لخير عظيم أو لشر عظيم، لأنها تتواصل مع كياننا الداخلي.
٣. فَتَطِيبُ (فتتعافى): قبِل شاول في الماضي روح الرب في وجود الموسيقى (١ صموئيل ١٠: ١٠). ولعل هذه محاولة لخلق تلك الخبرة من جديد.
ج) الآية (١٨): ترشيح رجل.
١٨فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْغِلْمَانِ وَقَالَ: «هُوَذَا قَدْ رَأَيْتُ ٱبْنًا لِيَسَّى ٱلْبَيْتَلَحْمِيِّ يُحْسِنُ ٱلضَّرْبَ، وَهُوَ جَبَّارُ بَأْسٍ وَرَجُلُ حَرْبٍ، وَفَصِيحٌ وَرَجُلٌ جَمِيلٌ، وَٱلرَّبُّ مَعَهُ.
١. هُوَذَا قَدْ رَأَيْتُ ٱبْنًا لِيَسَّى: اقترح خدام شاول البحث عن رجل، فأمر شاول بالبحث. فوجد أحد خدامه ابن يسّى المدعو داود.
٢. يُحْسِنُ ٱلضَّرْبَ: احتاج داود إلى مهارة لقيادة صموئيل في العبادة ليخدمه في الموسيقى. فكانت الجودة التقنية لموسيقاه مهمة. صحيح أن القلب مهم، لكن القدرة التقنية مهمة أيضًا.
لا يعني هذا أنه يتوجب أن يكون الشخص مبدعًا حتى يستخدمه الرب. لكنه يعني أنه لا ينبغي التسامح مع نظرة كسول لامبالية تقول: ’لا نحتاج إلى تدريب.‘ فالمهارة تعكس نظرة، بقدر ما تعكس قدرة.
٣. جَبَّارُ بَأْسٍ وَرَجُلُ حَرْبٍ: احتاج داود إلى طبيعة المحارب لكي يقود شاول بشكل فعّال في العبادة، وليخدمه في الموسيقى. فخدمة العبادة ساحة معركة دائمة. وغالبًا ما تكون هنالك صراعات وخلافات حول خدمة العبادة. وإذا لم يكن المرء غير مجهز للحرب الروحية، ربما ’يجرج‘ أو ’يصاب‘ روحيّا وعاطفيًّا في خدمة العبادة، وربما يجرح آخرين.
هنالك كثير مما يجعل المرء موسيقيّا أو فنّانًا ماهرًا يتعارض مع خدمة العبادة الحقيقية. فالحاجة إلى إشباع الأنا، والرغبة في تسليط الأنوار، والظهور والاهتمام كلها تعمل ضد العبادة الفعّالة.
٤. فَصِيحٌ: احتاج داود إلى التكلم بحكمة ليقود شاول بشكل فعّال في العبادة أو ليخدمه في الموسيقى. ولكل إنسان رأيه حول الموسيقى واقتراحاته الخاصة. ويعرف خدام العبادة الفعّالون متى يتكلمون ومتى يهدأون على المنصّة، وبين الفريق، وفي الجماعة (اجتماع الكنيسة).
٥. رَجُلٌ جَمِيلٌ: كان داود وسيمًا (١ صموئيل ١٦: ١٢). ولا يحتاج قائد العبادة الفعالة إلى أن يكون عارض أزياء، لكن مظهره مهم. ينبغي له أن يقدّم نفسه بحيث يكون غير مرئي. فإن كانوا يرتدون ملابس أنيقة جدًّا تجلب الانتباه إليها، ينبغي أن يتغير هذا.
٦. وَٱلرَّبُّ مَعَهُ: هذه أهم صفة. ستنمو وتتطور المعايير الأخرى، لكن ينبغي أن يقال عن أي خادم أن الرب معه. ويعني هذا أنه مدعو من الرب، وأنه خاضع للرب، وخاضع لما وضعه الرب على قلبه في القيادة.
د ) الآيات (١٩-٢٣): يدخل داود بلاط شاول.
١٩فَأَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلًا إِلَى يَسَّى يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ دَاوُدَ ٱبْنَكَ ٱلَّذِي مَعَ ٱلْغَنَمِ». ٢٠فَأَخَذَ يَسَّى حِمَارًا حَامِلًا خُبْزًا وَزِقَّ خَمْرٍ وَجَدْيَ مِعْزًى، وَأَرْسَلَهَا بِيَدِ دَاوُدَ ٱبْنِهِ إِلَى شَاوُلَ. ٢١فَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى شَاوُلَ وَوَقَفَ أَمَامَهُ، فَأَحَبَّهُ جِدًّا وَكَانَ لَهُ حَامِلَ سِلَاحٍ. ٢٢فَأَرْسَلَ شَاوُلُ إِلَى يَسَّى يَقُولُ: «لِيَقِفْ دَاوُدُ أَمَامِي لِأَنَّهُ وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ». ٢٣وَكَانَ عِنْدَمَا جَاءَ ٱلرُّوحُ مِنْ قِبَلِ ٱللهِ عَلَى شَاوُلَ أَنَّ دَاوُدَ أَخَذَ ٱلْعُودَ وَضَرَبَ بِيَدِهِ، فَكَانَ يَرْتَاحُ شَاوُلُ وَيَطِيبُ وَيَذْهَبُ عَنْهُ ٱلرُّوحُ ٱلرَّدِيءُ.
١. أَرْسِلْ إِلَيَّ دَاوُدَ ٱبْنَكَ ٱلَّذِي مَعَ ٱلْغَنَمِ: بما أن هذا حدث بعد أن مسح صموئيل داود، يعني هذا أنه عاد إلى أغنام أبيه بعد المسحة. ربما لم يفهم داود دلالة ما فعله صموئيل. أو إذا فهِم، فإنه فهِم أيضًا أن مهمة الرب هي أن يجلبه إلى العرش. وفي هذه الأثناء، سيرجع داود إلى الأغنام.
٢. فَأَرْسَلَ شَاوُلُ إِلَى يَسَّى يَقُولُ: «لِيَقِفْ دَاوُدُ أَمَامِي لِأَنَّهُ وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ: لم يكن داود مضطرًا إلى التلاعب لكي يشق طريقه إلى القصر أو ليكسب رضا شاول. فقد سمح للرب بأن يفتح الأبواب له. ولم يضطر إلى التساؤل: ’هل هذا من الرب أم مني؟‘ لأنه ترك الرب يفتح الباب أمامه.
“لا تتعجب أن داود تقدَّم فجأة من راعٍ فقير مزدرى إلى رجل ذي سمعة عظيمة إلى هذا الحد. فهذا من تأثير روح الرب الذي تلقّاه عندما مُسِح.” بوله (Poole)
٣. فَأَحَبَّهُ جِدًّا وَكَانَ لَهُ حَامِلَ سِلَاحٍ: كان داود شابًّا متفوّقًا جديرًا باسمه (’محبوب‘ أو ’المحبوب‘). فأخذه شاول فورًا وأعطاه منصبًا يدل على ثقته الكبيرة به، وهو حامل سلاحه، فهو مساعده الرئيسي في المعارك. وغالبًا ما كانت حياة الجندي تعتمد على أمانة حامل سلاحه وشجاعته. وعرف شاول أن داود جدير بهذا المنصب.
كان هذا وقتًا مهمًّا في حياة داود وتدريبه من أجل المصير الذي ينتظره. فعاش داود لأول مرة في بلاط ملكي، وبدأ يتعلم العادات والأعراف التي احتاج إلى معرفتها ليكون ملكًا صالحًا في مرحلة لاحقة من حياته.
٤. أَنَّ دَاوُدَ أَخَذَ ٱلْعُودَ وَضَرَبَ بِيَدِهِ: العود هو النسخة القديمة للجيتار الحديث. ولم يكن بضخامة الأعواد التي نراها في الفرق الموسيقية اليوم.
٥. فَكَانَ يَرْتَاحُ شَاوُلُ وَيَطِيبُ: استخدم الله داود في خدمة شاول. وكان داود سعيدًا بهذا الاستخدام. وما بدأ رائعًا لن يظل هكذا لفترة طويلة.
كان الله يعمل بطرق لم يستطع أحد أن يراها. ويبدو هذا أمرًا واضحًا لنا من منظورنا البعيد. لكن في ذلك الوقت، ربما لم يعرف ما كان يحدث إلا صموئيل. “ومن دون قصد، صار شاول يعتمد على الشخص الذي سيخلفه.” بولدوين (Baldwin)