أخبار الأيام الثاني – الإصحاح ٩
إنجازات أخرى لسليمان
أولًا. سليمان يستضيف ملكة سبأ
أ ) الآيات (١-٤): ملكة سبأ تأتي إلى أورشليم.
١وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَاءٍ بِخَبَرِ سُلَيْمَانَ، فَأَتَتْ لِتَمْتَحِنَ سُلَيْمَانَ بِمَسَائِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا، وَجِمَال حَامِلَةٍ أَطْيَابًا وَذَهَبًا بِكَثْرَةٍ وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، فَأَتَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ عَنْ كُلِّ مَا فِي قَلْبِهَا. ٢فَأَخْبَرَهَا سُلَيْمَانُ بِكُلِّ كَلاَمِهَا. وَلَمْ يُخْفَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَمْرٌ إِلاَّ وَأَخْبَرَهَا بِهِ. ٣فَلَمَّا رَأَتْ مَلِكَةُ سَبَا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ وَالْبَيْتَ الَّذِي بَنَاهُ، ٤وَطَعَامَ مَائِدَتِهِ، وَمَجْلِسَ عَبِيدِهِ، وَمَوْقِفَ خُدَّامِهِ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَسُقَاتَهُ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَمُحْرَقَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصْعِدُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ، لَمْ تَبْقَ فِيهَا رُوحٌ بَعْدُ.
١. مَلِكَةُ سَبَا: كانت سبأ (وهي معروفة أيضًا باسم شبأ) عاصمة اليمن الحديثة في جنوب الجزيرة العربية. ونحن نعرف من الجغرافيا أنها كانت مملكة ثرية مشهورة بالذهب الكثير، والتوابل، والأخشاب الثمينة. ويخبرنا التاريخ أنه حَكَمَها ملكات إضافة إلى ملوك.
• كانت هذه رحلة طويلة قطعت فيها الملكة حوالي ١٥٠٠ ميل (٢٤٠٠ كم). ويرجّح أنها جاءت كجزء من وفد تجاري (١ ملوك ١٠: ٢-٥)، لكن لا شك أنها كانت متشوقة لرؤية سليمان ومملكته.
٢. فَأَتَتْ لِتَمْتَحِنَ سُلَيْمَانَ بِمَسَائِلَ (صعبة): كان مشهورًا على نطاق عالمي بحكمته، ولهذا جاءت ملكة سبأ لِتَمْتَحِن هذه الحكمة العظيمة.
٣. بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا: سافرت هذه الملكة بأسلوب ملكي – بموكب ملكي كبير حاملة هدايا وسلعًا تجارية كثيرة.
٤. فَأَتَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ عَنْ كُلِّ مَا فِي قَلْبِهَا: لم تشتهر مملكة سليمان بازدهارها المادي فحسب، بل أيضًا بحكمته العظيمة. وكانت لدى ملكة سبأ مسائل وأسئلة صعبة على ما يظهر، فأجاب عليها كلها سليمان (فَأَخْبَرَهَا سُلَيْمَانُ بِكُلِّ كَلاَمِهَا).
• “لم تكن المسائل الصعبة ألغازًا، بل شملت مسائل دبلوماسية وأخلاقية. ولم يكن الامتحان ممارسة أكاديمية، لكنه هدف إلى معرفة ما إذا كان سليمان طرفًا تجاريًّا جديرًا بالثقة وحليفًا يُعتمَد عليه في تقديم العون.” وايزمان (Wiseman)
• “أَحضِرْ أسئلتك الصعبة إلى المسيح. فهو أعظم من سليمان.” ماير (Meyer)
٥. فَلَمَّا رَأَتْ مَلِكَةُ سَبَا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ وَالْبَيْتَ الَّذِي بَنَاهُ… لَمْ تَبْقَ فِيهَا رُوحٌ بَعْدُ: من الواضح أن هذه الملكة كانت على دراية بعالم الأُبّهة والرفاهية. غير أنها أُسِرت بحكمة سليمان ومجد مملكته.
• “إن ما حدث لملكة سبأ أمر طبيعي وليس تأثيرًا غير مألوف يحدث في عقل عاقل حساس لمرأى إنتاجات فنية نادرة استثنائية.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٥-٨): رد فعل ملكة سبأ.
٥فَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: «صَحِيحٌ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي أَرْضِي عَنْ أُمُورِكَ وَعَنْ حِكْمَتِكَ. ٦وَلَمْ أُصَدِّقْ كَلاَمَهُمْ حَتَّى جِئْتُ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، فَهُوَذَا لَمْ أُخْبَرْ بِنِصْفِ كَثْرَةِ حِكْمَتِكَ. زِدْتَ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي سَمِعْتُهُ. ٧فَطُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِعَبِيدِكَ هؤُلاَءِ الْوَاقِفِينَ أَمَامَكَ دَائِمًا وَالسَّامِعِينَ حِكْمَتَكَ. ٨لِيَكُنْ مُبَارَكًا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ وَجَعَلَكَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَلِكًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لأَنَّ إِلهَكَ أَحَبَّ إِسْرَائِيلَ لِيُثْبِتَهُ إِلَى الأَبَدِ، قَدْ جَعَلَكَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا، لِتُجْرِيَ حُكْمًا وَعَدْلاً».
١. لَمْ أُخْبَرْ بِنِصْفِ كَثْرَةِ حِكْمَتِكَ: سمعت ملكة سبأ أشياء رائعة عن سليمان ومملكته. لكن عندما رأت هذا بأمّ عينيها، أدركت أن الحقيقة أعظم مما سمعت.
٢. فَطُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِعَبِيدِكَ هَؤُلَاءِ ٱلْوَاقِفِينَ أَمَامَكَ دَائِمًا وَٱلسَّامِعِينَ حِكْمَتَكَ: إنه لأمر مفرح أن يخدم المرء ملكًا عظيمًا، وحكيمًا، وغنيًّا. فكان أمرًا مفرحًا لخدام سليمان أن يخدموه. لكنه أمر مفرح بشكل أكبر أن نخدم يسوع.
٣. لِيَكُنْ مُبَارَكًا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلَّذِي سُرَّ بِكَ: هذا مثلٌ لما أراد الله أن يفعله لإسرائيل بموجب العهد القديم. وقد وعد الله بأن يبارك إسرائيل بشكل هائل إذا أطاعته، وبأنّ العالم سيلاحظ ذلك وسيمجدون الرب إله إسرائيل.
• “وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ ٱلَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا ٱلْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ… فَيَرَى جَمِيعُ شُعُوبِ ٱلْأَرْضِ أَنَّ ٱسْمَ ٱلرَّبِّ قَدْ سُمِّيَ عَلَيْكَ وَيَخَافُونَ مِنْكَ” (تثنية ٢٨: ١، ١٠).
• أراد الله أن يصل إلى الشعوب من خلال إسرائيل المطيعة المباركة. وإذا لم تُطع إسرائيل، فسيتكلم الرب إلى الشعوب من خلال تأديبه لإسرائيل.
٤. مُبَارَكًا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ: من المنصف أن نسأل إن كان هذا اعترافًا حقيقيًّا بالإيمان في تعبير عن الولاء للرب إله إسرائيل. فإذا أخذنا الكلمات في سياقها، ربما لا تكون أكثر من رد فعل للملكة على البركة المذهلة الواضحة في أورشليم، عاصمة مملكة سليمان.
• “لم تكن عبارتها حول بركات الرب على إسرائيل وسليمان في الآية الثامنة أكثر من إشارة مهذبة إلى إله إسرائيل. ولا يوجد سجل يفيد أنها قبلت إله سليمان الذي يُظهر بناء الهيكل عظمته.” ديلداي (Dilday)
• “توحي عبارة ’لِيَكُنْ مُبَارَكًا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ‘ اعتراف واضح بإله إسرائيل الوطني، ولا يلزم بالضرورة أن تكون تعبيرًا عن إيمان شخصي.” وايزمان (Wiseman)
• إذا أخذنا ملكة سبأ على أنها قدوة للباحث عن الحق، نرى أن سليمان أثار إعجابها بثروته وأُبّهته، وبه شخصيًّا. لكنها عادت من دون تعبير واضح عن إيمان بإله إسرائيل. ويدل هذا على أن اقتناع الباحثين عن الحق بالمرافق والبرامج والتنظيم والاحتراف أمر لا يكفي.
• رغم نتيجة بحثها، إلا أنه يمكننا أن نُعجب بسعيها.
جاءت من مسافة بعيدة.
جاءت حاملة هدايا لتقدّمها.
جاءت لتستفسر وتتعلم.
جاءت ورأت غنى الملك.
جاءت لفترة مطوّلة.
جاءت لتعبّر عن كل ما في قلبها.
• استخدم يسوع ملكة سبأ كمثل للساعي عن الحق: “مَلِكَةُ ٱلتَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هَذَا ٱلْجِيلِ وَتَدِينُهُ، لِأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي ٱلْأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هَهُنَا” (متى ١٢: ٤٢). فإن كانت ملكة سبأ قد سعت إلى سليمان وأُبّهة مملكته بهذا الجد، فكم بالحريّ ينبغي للناس اليوم أن يطلبوا يسوع ومجد مملكته. ومن المؤكد أنها ستقوم في الدينونة مع هذا الجيل وتدينه، لأنها جاءت من أقصى الأرض لتسمع حكمة سليمان.
٥. لِأَنَّ إِلَهَكَ أَحَبَّ إِسْرَائِيلَ لِيُثْبِتَهُ إِلَى ٱلْأَبَدِ، قَدْ جَعَلَكَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا: هذه العبارة ذات مغزى خاص، لأن سليمان لم يكن بالضرورة الخليفة الأكثر منطقية لأبيه داود. إذ وُلِد عدة أبناء لداود قبل سليمان. “كان عمل الله الخاص هو أن يجعل سليمان الملك.” بوله (Poole)
ج) الآيات (٩-١٢): تبادل الهدايا.
٩وَأَهْدَتْ لِلْمَلِكِ مِئَةً وَعِشْرِينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ وَأَطْيَابًا كَثِيرَةً جِدًّا وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذلِكَ الطِّيبِ الَّذِي أَهْدَتْهُ مَلِكَةُ سَبَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. ١٠وَكَذَا عَبِيدُ حُورَامَ وَعَبِيدُ سُلَيْمَانَ الَّذِينَ جَلَبُوا ذَهَبًا مِنْ أُوفِيرَ أَتَوْا بِخَشَبِ الصَّنْدَلِ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. ١١وَعَمِلَ الْمَلِكُ خَشَبَ الصَّنْدَلِ دَرَجًا لِبَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَعْوَادًا وَرَبَابًا، وَلَمْ يُرَ مِثْلُهَا قَبْلُ فِي أَرْضِ يَهُوذَا. ١٢وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَا كُلَّ مُشْتَهَاهَا الَّذِي طَلَبَتْ، فَضْلاً عَمَّا أَتَتْ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ. فَانْصَرَفَتْ وَذَهَبَتْ إِلَى أَرْضِهَا هِيَ وَعَبِيدُهَا.
١. وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذَلِكَ ٱلطِّيبِ ٱلَّذِي أَهْدَتْهُ مَلِكَةُ سَبَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ: جاءت ملكة سبأ من منطقة غنية بالتوابل تميزت بمعالجة البهارات.
٢. وَأَعْطَى ٱلْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَا كُلَّ مُشْتَهَاهَا ٱلَّذِي طَلَبَتْ: لم يسمح سليمان بأن تعطيه ملكة سبأ أكثر مما أعطاه لها. ويعكس هذا الوصف مقياس كرم سليمان تجاه ملكة سبأ وكرم الله تجاهنا أيضًا.
• وفقًا للتقليد – وربما كانت هذه قصصًا خرافية – أرادت ملكة سبأ أن تنجب ابنًا من سليمان. فكان اسم ابنها مينيليك الذي صار سلفًا لملوك الحبشة اللاحقين.
ثانيًا. غنى سليمان العظيم
أ ) الآيات (١٣-١٤): دخْل سليمان السنوي.
١٣وَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي جَاءَ سُلَيْمَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ، ١٤فَضْلاً عَنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ التُّجَّارُ وَالْمُسْتَبْضِعُونَ. وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَوُلاَةُ الأَرْضِ كَانُوا يَأْتُونَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إِلَى سُلَيْمَانَ.
١. سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ: كانت هذه كمية هائلة تأتي إلى سليمان فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وقد حدد أحد المفسرين قيمة سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ بمبلغ ٢٨١.٣١٨.٤٠٠ دولار وفقًا لسعر الذهب لعام ٢٠١٦ (١٢٦٩ دولار للأوقية)، وستكون القيمة ١.٠١٩.٥٦٥.٣٦٥ دولارًا. ويعكس هذا ثروة سليمان العظيمة. لكن هذا النص يربط سليمان أيضًا باعتباره واحد من الشخصين المرتبطين بالعدد ٦٦٦ في الكتاب المقدس.
• الشخص الكتابي الآخر المرتبط بالعدد ٦٦٦ هو الدكتاتور في آخر الزمان، ومقاوم لله، والمعروف باسم ’ضد المسيح‘ (رؤيا يوحنا ١٣: ١٨). وفي واقع الأمر، فإن النص في سفر الرؤيا يقول إن العدد ٦٦٦ هو عدد إنسان، وقد يكون سليمان.
• لا يعني هذا أن سليمان كان ضد المسيح، أو أن ضد المسيح سيكون تناسخًا شاذًّا لسليمان. لكن قد يشير هذا إلى أن ضد المسيح ربما لا يكون شريرًا منذ البداية. إذ يمكن أن يكون مثل سليمان، رجلًا صالحًا فَسُدَ.
٢. فَضْلًا عَنِ ٱلَّذِي جَاءَ بِهِ ٱلتُّجَّارُ وَٱلْمُسْتَبْضِعُونَ: كان سليمان يحصل على ٦٦٦ وزنة من الذهب كل سنة. وكان هذا مجرد راتبه الأساسي.
• أعطى كاتب أخبار الأيام تحذيرًا خطيًّا. فقد افترض أن قرّاءه يعرفون تعليمات الرب بشأن ملوك إسرائيل المستقبليين في سفر التثنية ١٧: ١٤-٢٠. وافترض درايتهم بنص الآية ١٧ التي تقول: “وَلَا يُكَثِّرْ لَهُ نِسَاءً لِئَلَّا يَزِيغَ قَلْبُهُ. وَفِضَّةً وَذَهَبًا لَا يُكَثِّرْ لَهُ كَثِيرًا.” لقد بارك الله سليمان بثروات كثيرة، لكن سليمان سمح بتحويل هذه البركة إلى خطر، لأنه عصى وكثّر الفضة والذهب لنفسه.
ب) الآيات (١٥-٢٨): أمثلة لغنى سليمان وازدهاره.
١٥وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ التُّرْسَ الْوَاحِدَ سِتُّ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ الْمُطَرَّقِ، ١٦وَثَلاَثَ مِئَةِ مِجَنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ الْمِجَنَّ الْوَاحِدَ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ. وَجَعَلَهَا الْمَلِكُ فِي بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ. ١٧وَعَمِلَ الْمَلِكُ كُرْسِيًّا عَظِيمًا مِنْ عَاجٍ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ خَالِصٍ. ١٨وَلِلْكُرْسِيِّ سِتُّ دَرَجَاتٍ. وَلِلْكُرْسِيِّ مَوْطِئٌ مِنْ ذَهَبٍ كُلُّهَا مُتَّصِلَةٌ، وَيَدَانِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ عَلَى مَكَانِ الْجُلُوسِ، وَأَسَدَانِ وَاقِفَانِ بِجَانِبِ الْيَدَيْنِ. ١٩وَاثْنَا عَشَرَ أَسَدًا وَاقِفَةٌ هُنَاكَ عَلَى الدَّرَجَاتِ السِّتِّ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْمَمَالِكِ. ٢٠وَجَمِيعُ آنِيَةِ شُرْبِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنْ ذَهَبٍ، وَجَمِيعُ آنِيَةِ بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ. لَمْ تُحْسَبِ الْفِضَّةُ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ، ٢١لأَنَّ سُفُنَ الْمَلِكِ كَانَتْ تَسِيرُ إِلَى تَرْشِيشَ مَعَ عَبِيدِ حُورَامَ، وَكَانَتْ سُفُنُ تَرْشِيشَ تَأْتِي مَرَّةً فِي كُلِّ ثَلاَثِ سِنِينَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ. ٢٢فَتَعَظَّمَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَلَى كُلِّ مُلُوكِ الأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ. ٢٣وَكَانَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَرْضِ يَلْتَمِسُونَ وَجْهَ سُلَيْمَانَ لِيَسْمَعُوا حِكْمَتَهُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ. ٢٤وَكَانُوا يَأْتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِهَدِيَّتِهِ، بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَحُلَل وَسِلاَحٍ وَأَطْيَابٍ وَخَيْل وَبِغَال سَنَةً فَسَنَةً. ٢٥وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِذْوَدِ خَيْل وَمَرْكَبَاتٍ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَجَعَلَهَا فِي مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ وَمَعَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ. ٢٦وَكَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. ٢٧وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الأَرْزَ مِثْلَ الْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ فِي الْكَثْرَةِ. ٢٨وَكَانَ مُخْرَجُ خَيْلِ سُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي.
١. وَعَمِلَ ٱلْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّقٍ… وَثَلَاثَ مِئَةِ مِجَنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّقٍ: مثّلت هذه الدروع والتروس عروضًا جميلة في بيت غابة لبنان (١ ملوك ١٠: ١٧)، لكنها لم تكن ذات فائدة في المعارك. إذ كان الذهب أثقل وألين من أن يُستخدم كمعدن للدروع الفعالة. ويدل هذا على أن لسليمان صورة المحارب لكن من دون جوهر.
• يقول ديلداي (Dilday) إن قيمة كل درع كبير كانت حوالي ١٢٠.٠٠٠ دولار، بينما كانت قيمة كل درع صغير ٣٠.٠٠٠ دولار. فكان يستثمر سليمان ٣٣ مليون دولار في دروع احتفالية من الذهب. وحسب أسعار الذهب في عام ٢٠١٦ (١٢٦٩ دولار للأوقية)، على افتراض أن كل وزنة كانت تزن ٧٥ رطلًا أمريكيًّا، كانت الدروع الأكبر تساوي ١٥٢.٢٨٠ دولارًا، والدروع الصغيرة ٧.٦١٤ دولارًا. وبلغ إجمالي الاستثمار في الدروع الاحتفالية ما يزيد عن ٥٣ مليون دولار.
٢. لَمْ تُحْسَبِ ٱلْفِضَّةُ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ: كان هذا بيانًا عن الثروة. فإذا أخذنا النص على محمل الجد، فإن هذا يعكس الوفرة الهائلة لمملكة سليمان. لقد تفوّق الملك سليمان على جميع ملوك الأرض في الغنى والحكمة، وتحققت الوعود الواردة في تثنية ٢٨: ١-١٤ في عهده. “يَفْتَحُ لَكَ ٱلرَّبُّ كَنْزَهُ ٱلصَّالِحَ، ٱلسَّمَاءَ، لِيُعْطِيَ مَطَرَ أَرْضِكَ فِي حِينِهِ، وَلْيُبَارِكَ كُلَّ عَمَلِ يَدِكَ، فَتُقْرِضُ أُمَمًا كَثِيرَةً وَأَنْتَ لَا تَقْتَرِضُ” (تثنية ٢٨: ١٢).
٣. وَكَانَ جَمِيعُ مُلُوكِ ٱلْأَرْضِ يَلْتَمِسُونَ وَجْهَ سُلَيْمَانَ لِيَسْمَعُوا حِكْمَتَهُ ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱللهُ فِي قَلْبِهِ: كان هذا تحقيقًا آخر لوعود تثنية ٢٨. “وَيَجْعَلُكَ ٱلرَّبُّ رَأْسًا لَا ذَنَبًا، وَتَكُونُ فِي ٱلِٱرْتِفَاعِ فَقَطْ وَلَا تَكُونُ فِي ٱلِٱنْحِطَاطِ، إِذَا سَمِعْتَ لِوَصَايَا ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ ٱلَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا ٱلْيَوْمَ، لِتَحْفَظَ وَتَعْمَلَ” (تثنية ٢٨: ١٣).
٤. وَجَعَلَ ٱلْمَلِكُ ٱلْفِضَّةَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ ٱلْحِجَارَةِ: عندما نفكر في غنى سليمان، فإننا نضع في اعتبارنا أيضًا أنه لم يضع قلبه في البداية على الغنى. إذ تعمّد أن يطلب الحكمة في قيادة شعب الله بدلًا من الغنى والصيت. ووعده الله بغنى وصيت، وحقق الله وعده.
• نضع في اعتبارنا أيضًا أن سليمان قدّم شهادة بليغة عن بطلان الغنى بصفته الواعظ في سفر الجامعة. ويبيّن هذا بقوة أنه لا يوجد رضا أو شبع نهائي من خلال المادية. وليس علينا أن نكون أغنياء لنتعلم الدرس نفسه.
٥. وَكَانَ مُخْرَجُ خَيْلِ سُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي: في نهاية هذا الوصف العظيم لغنى سليمان وأُبّهته، نسمع صوت هذه النغمة القاتمة. إذ كان هذا عصيانًا مباشرًا لتثنية ١٧: ١٦ التي قالت لملوك إسرائيل المستقبليين: “وَلَكِنْ لَا يُكَثِّرْ لَهُ ٱلْخَيْلَ، وَلَا يَرُدُّ ٱلشَّعْبَ إِلَى مِصْرَ لِكَيْ يُكَثِّرَ ٱلْخَيْلَ، وَٱلرَّبُّ قَدْ قَالَ لَكُمْ: لَا تَعُودُوا تَرْجِعُونَ فِي هَذِهِ ٱلطَّرِيقِ أَيْضًا.”
د ) الآيات (٢٩-٣١): نهاية حكم سليمان.
٢٩وَبَقِيَّةُ أُمُورِ سُلَيْمَانَ الأُولَى وَالأَخِيرَةِ، أَمَاهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ نَاثَانَ النَّبِيِّ، وَفِي نُبُوَّةِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ، وَفِي رُؤَى يَعْدُو الرَّائِي عَلَى يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ؟ ٣٠ وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ فِي أُورُشَلِيمَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. ٣١ثُمَّ اضْطَجَعَ سُلَيْمَانُ مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَمَلَكَ رَحُبْعَامُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ فِي أُورُشَلِيمَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً: يعتقد مفسرون كثيرون أن سليمان بدأ حكمه عندما بلغ العشرين من عمره. ويعني هذا أنه لم يعش عمرًا طويلًا جدًّا حسب الوعد المقطوع له في ١ ملوك ٣: ١٤ بسبب عصيانه.
• “فَإِنْ سَلَكْتَ فِي طَرِيقِي وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ، كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ، فَإِنِّي أُطِيلُ أَيَّامَكَ” (١ ملوك ٣: ١٤).
• عندما نضع في اعتبارنا الإفراط أو تجاوز الحدود الذي عاشه سليمان، والرغبات الإجرامية التي دفعته إلى الزواج بألف امرأة، وعبادته الوثنية وغير النقية، نجد أن عمره كان طويلًا بما يكفي كما يُتوقع بشكل معقول.” كلارك (Clarke)
٢. ثُمَّ ٱضْطَجَعَ سُلَيْمَانُ مَعَ آبَائِهِ: لا يعني هذا بالضرورة أن سليمان مات كرجل مخلَّص. فهذه عبارة استُخدمت في ١ و٢ ملوك في إشارة إلى ملوك أشرار مثل آخاب (١ ملوك ٢٢: ٤٠). وهي تعني ببساطة أن سليمان انتقل إلى العالم الآخر. ولا نستطيع القول على نحو اليقين أنه في السماء.
• “عندما استسلم للأشياء الدنيا من طبيعته، صار عبدًا لها. وقد جرّ شعبه معه. وطالما بقي على العرش، كان الشعب يتعزى ويتخدَّر بالازدهار المادي الهائل. لكن تحت السطح، كانت روح التمرد والثورة تعمل، مستعدة للانفجار إلى إظهار صريح مباشر. ولهذ أُزيح من الساحة.” مورجان (Morgan)
• “لعل هذه القصة تمثل واحدًا من الأمثلة التوضيحية المذهلة التي تبيّن حقيقة أن الفرصة والامتياز، حتى لو كانا مقدمين من الله نفسه، غير كافيين في حد ذاتهما لضمان التحقيق الكامل.” مورجان (Morgan)