أخبار الأيام الثاني – الإصحاح ١٨
يهوشافاط وأخْآب وميخا
أولًا. يهوشافاط يذهب إلى السامرة، عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية
أ ) الآية (١): تحالف يهوشافاط غير الحكيم مع أخْآب.
١وَكَانَ لِيَهُوشَافَاطَ غِنًى وَكَرَامَةٌ بِكَثْرَةٍ. وَصَاهَرَ أَخْآبَ.
١. وَكَانَ لِيَهُوشَافَاطَ غِنًى وَكَرَامَةٌ بِكَثْرَةٍ: بسبب تقوى يهوشافاط الشخصية (٢ أخبار الأيام ١٧: ١-٤)، وتقواه العامة (٢ أخبار الأيام ١٧: ٧ -١٠)، باركه الله وعظّمه بين الشعوب المجاورة.
٢. وَصَاهَرَ أَخْآبَ: كان أسلوب ربط الممالك بالأحلاف عن طريق المصاهرة أمرًا شائعًا في العالم القديم، لكنه لم يكن سياسة حكيمة بالنسبة ليهوشافاط. إذ كانت أحكم إستراتيجية يمكن أن يتبعها هي طاعة الرب وشريعته بدلًا من المساومة مع ملك إسرائيل الشرير، أخْآب وزوجته إيزابل.
• تخبرنا ١ ملوك ١٦: ٢٩-٣٣ عن مدى شر أخْآب. فقد أدخل عبادة وثنية جديدة. سبق أن قال يربعام ما مفاده: “سأعبد الرب، لكن بطريقتي.” لكن أخْآب قال ما مفاده: “أريد أن أنسى الرب تمامًا وأعبد البعل.”
• تأثّر أخْآب بالشر بسبب زوجته الفينيقية، إيزابل. “كان رجلًا ضعيفًا، وأداة في يد امرأة ماكرة قاسية عديمة الضمير. وقد تمت أسوأ الجرائم على الإطلاق على أيدي رجال ضعفاء بتحريض من أرواح أكثر سوءًا، لكن أقوى منهم.” ماير (Meyer)
ب) الآيات (٢-٣): وضع أخآب عينيه على راموث جلعاد.
٢وَنَزَلَ بَعْدَ سِنِينَ إِلَى أَخْآبَ إِلَى السَّامِرَةِ، فَذَبَحَ أَخْآبُ غَنَمًا وَبَقَرًا بِكَثْرَةٍ لَهُ وَلِلشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ، وَأَغْوَاهُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. ٣وَقَالَ أَخْآبُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا: «أَتَذْهَبُ مَعِي إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ؟» وَقَالَ لَهُ: «مَثَلِي مَثَلُكَ وَشَعْبِي كَشَعْبِكَ وَمَعَكَ فِي الْقِتَالِ».
١. وَأَغْوَاهُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى رَامُوتِ جِلْعَادَ: سبق أن وعد ملك آرام بإرجاع بعض المدن إلى إسرائيل (١ ملوك ٢٠: ٣٤) مقابل التساهل معه بعد هزيمته في المعركة. من الواضح أن هذه كانت مدينة لم يرجعها بنهدد إلى إسرائيل، وكانت في موقع مهم استراتيجيًا.
٢. أَتَذْهَبُ مَعِي إِلَى رَامُوتِ جِلْعَادَ: طلب آخاب ملك إسرائيل، من يهوشافاط ملك يهوذا، أن يساعده في صراعه ضد آرام. فكان هذا منطقيًّا نوعًا ما لأن راموث جلعاد كانت لا تبعد أكثر من أربعين ميلًا عن أورشليم.
ج) الآيات (٤-٨): يهوشافاط يقترح أن يطلبوا الله في هذه المسألة.
٤ثُمَّ قَالَ يَهُوشَافَاطُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: «اسْأَلِ الْيَوْمَ عَنْ كَلاَمِ الرَّبِّ». ٥فَجَمَعَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الأَنْبِيَاءَ، أَرْبَعَ مِئَةِ رَجُل، وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِلْقِتَالِ أَمْ أَمْتَنِعُ؟» فَقَالُوا: «اصْعَدْ فَيَدْفَعَهَا اللهُ لِيَدِ الْمَلِكِ». ٦فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ: «أَلَيْسَ هُنَا أَيْضًا نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَنَسْأَلَ مِنْهُ؟» ٧فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: «بَعْدُ رَجُلٌ وَاحِدٌ لِسُؤَالِ الرَّبِّ بِهِ، وَلكِنَّنِي أُبْغِضُهُ لأَنَّهُ لاَ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا كُلَّ أَيَّامِهِ، وَهُوَ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ». فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ: «لاَ يَقُلِ الْمَلِكُ هكَذَا». ٨فَدَعَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ خَصِيًّا وَقَالَ: «أَسْرِعْ بِمِيخَا بْنِ يَمْلَةَ».
١. ٱسْأَلِ ٱلْيَوْمَ عَنْ كَلَامِ ٱلرَّبِّ: كان هذا طلبًا جريئًا يقدمه يهوشافاط إلى أخآب في ضوء العلاقة العدائية بين أخآب وأنبياء الرب بشكل عام. ولم يكن مستغربًا أن يختار أخآب أنبياء ليخبروه بما يريد سماعه.
• “رغم أن يهوشافاط التزم بهذا المشروع (٢ أخبار الأيام ١٨: ٣)، ورغم أنه استمر في تجاهل التعليمات المعطاة له (٢ أخبار الأيام ١٨: ٢٨)، إلا أنه احتفظ بديانة الرب إلى درجة أنه أصرّ على طلب مشورة الرب.” باين (Payne)
٢. ٱصْعَدْ فَيَدْفَعَهَا ٱللهُ لِيَدِ ٱلْمَلِكِ: عندما جمع أخآب الأنبياء، لم يكونوا أنبياء مخْلصين للرب. فكانوا يسعدون بإرضاء ملوكهم وإخبارهم بما يريدون الاستماع إليه. لكن يهوشافاط ظل يصر على الاستماع إلى نبي للرب (أَلَيْسَ هُنَا أَيْضًا نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَنَسْأَلَ مِنْهُ؟)
• وصف تراب (Trapp) تجمُّع الأنبياء هذا على أنه ’مجْمع مسكوني.‘
٣. أُبْغِضُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا كُلَّ أَيَّامِهِ: أبغض أخآب الرسول بسبب رسالته. فكان صراعه الحقيقي هو مع الرب، لكنه ركّز بغضه على النبي ميخا. لكنه كان مستعدًّا للاستماع إلى ملك يهوذا، حيث أشار عليه أن يستمع إلى النبي ميخا.
د ) الآيات (٩-١١): درس موضوعي من أنبياء غير أوفياء.
٩وَكَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا جَالِسَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى كُرْسِيِّهِ، لاَبِسَيْنِ ثِيَابَهُمَا وَجَالِسَيْنِ فِي سَاحَةٍ عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ السَّامِرَةِ، وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ يَتَنَبَّأُونَ أَمَامَهُمَا. ١٠وَعَمِلَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ لِنَفْسِهِ قُرُونَ حَدِيدٍ وَقَالَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: بِهذِهِ تَنْطَحُ الأَرَامِيِّينَ حَتَّى يَفْنَوْا». ١١وَتَنَبَّأَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ هكَذَا قَائِلِينَ: «اصْعَدْ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ وَأَفْلِحْ، فَيَدْفَعَهَا الرَّبُّ لِيَدِ الْمَلِكِ».
١. وَكَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا جَالِسَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى كُرْسِيِّهِ… عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ ٱلسَّامِرَةِ: يوضح هذا تقليدًا قديمًا لعقد محاكمات واتخاذ قرارات مهمة عند بوابة المدينة. بل كانت هنالك عروش لكبار المسؤولين ليجلسوا عليها عند أبواب مدينة السامرة.
٢. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: تنبّأ هؤلاء الأنبياء غير المخلصين (مثل صِدْقِيَّا) باسم الرب، لكنهم لم يتنبأوا بصدق. ويعتقد مفسرون كثيرون أن هؤلاء الأنبياء كانوا وثنيين ممثلين عن سارية (عشيرة) أو أية آلهة أو آلهات، غير أنهم تنبأوا باسم الرب. وإنه أفضل أن نعدهم وثنيين، لا أنبياء غير أوفياء للإله الحقيقي.
• ربما كان هؤلاء أتباعًا حقيقيين للرب أغوتهم توبة أخآب الصادقة لكن الضحلة قبل ثلاث سنوات (١ ملوك ٢١: ٢٧-٢٩)، وبعد ذلك، كانوا على استعداد للتنبؤ بالكذب إذا كان هذا ما يريد الملك سماعه.
٣. بِهَذِهِ تَنْطَحُ ٱلْأَرَامِيِّينَ حَتَّى يَفْنَوْا: استخدم صدقيا أداة مألوفة للأنبياء القدماء، وهو الدرس الموضوعي. فاستخدم قرنين من حديد لتوضيح هاتين القوّتين القويّتين، أي الجيشين اللذين سيهزمان الآراميين. وقد حصل صدقيا على موافقة ٤٠٠ نبي آخر (وَتَنَبَّأَ جَمِيعُ ٱلْأَنْبِيَاءِ هَكَذَا).
• “كان هذا النوع من التمثيل الدرامي أسلوبًا للإعلان النبوي (انظر إرميا ٢٧-٢٨) بناءً على كون القرون رمزًا للقوة.” سيلمان (Selman)
• لا بد أن هذا كان تمثيلًا مسلّيًا ونابضًا بالحياة. ويمكننا أن نتأكد من أن كل عين كانت مثبّتة على صدقيا عندما استخدم قرني الحديد لتوضيح هذه النقطة بقوة. ومن المؤكد أنه أمر مقنع أن يتكلم ٤٠٠ نبي معطين إجماعًا على رأي واحد في مسألة. وبغضّ النظر عن مدى قوة العرض وإقناعه، كانت رسالتهم غير صادقة.
هـ) الآيات (١٢-١٥): نبوّة ميخا، النبي الأمين.
١٢وَأَمَّاَ الرَّسُولُ الَّذِي ذَهَبَ لِيَدْعُوَ مِيخَا فَكَلَّمَهُ قَائِلاً: «هُوَذَا كَلاَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ بِفَمٍ وَاحِدٍ خَيْرٌ لِلْمَلِكِ. فَلِيَكُنْ كَلاَمُكَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ». ١٣فَقَالَ مِيخَا: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّ مَا يَقُولُهُ إِلهِي فَبِهِ أَتَكَلَّمُ». ١٤وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْمَلِكِ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «يَا مِيخَا، أَنَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِلْقِتَالِ أَمْ أَمْتَنِعُ؟» فَقَالَ: «اصْعَدُوا وَأَفْلِحُوا فَيُدْفَعُوا لِيَدِكُمْ». ١٥فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «كَمْ مَرَّةٍ أَسْتَحْلِفُكَ أَنْ لاَ تَقُولَ لِي إِلاَّ الْحَقَّ بِاسْمِ الرَّبِّ؟»
١. حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، إِنَّ مَا يَقُولُهُ إِلَهِي فَبِهِ أَتَكَلَّمُ: حاول مساعد الملك أخآب إقناع ميخا بأن يتكلم بما يوافق ما قاله الأنبياء الأربعمائة الآخرون. لكن ميخا أكد ببساطة له أنه سيكرر ما قال له الرب.
• كان هذا مشهدًا دراميًّا. إذ أُحضِر ميخا من السجن (تشير ١ ملوك ٢٢: ٢٦ إلى أنه جاء من السجن). ونحن نرى نبيًّا يرتدي خِرَقًا في سلاسل أمام ملكين، مستعدًّا للتكلم باسم الرب.
• “ربما أذهل هذا الموقف النبي الصالح، لكن سبق له أن رأى مؤخرًا الرب جالسًا على عرشه وكل جند السماء إلى جانبه، ولهذا نظر بجرأة في وجه هذين الملكين في جلالهما وكأنه يرى فأرين.” تراب (Trapp)
٢. ٱصْعَدُوا وَأَفْلِحُوا فَيُدْفَعُوا لِيَدِكُمْ: يرجّح أن نبرة ميخا وهو يتكلم كانت تهكمية ساخرة. لقد قال كلمات مشابهة لتلك التي قالها الأنبياء الأربعمائة غير المخْلصين، لكنه أرسل رسالة مختلفة تمامًا عن رسالتهم.
٣. كَمْ مَرَّةٍ أَسْتَحْلِفُكَ أَنْ لَا تَقُولَ لِي إِلَّا ٱلْحَقَّ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ؟: ميّز الملك أخآب النبرة التهكمية في كلمات ميخا، وعرف أنها تناقض رسالة الأنبياء الأربعمائة. فطالب ميخا أن يقول الحق، وهو ما أمِل أن يكون نفس رسالة الأنبياء الأربعمائة.
و ) الآيات (١٦-١٧): ميخا ينطق بالنبوة الصحيحة من الرب.
١٦فَقَالَ: «رَأَيْتُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ مُشَتَّتِينَ عَلَى الْجِبَالِ كَخِرَافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ الرَّبُّ: لَيْسَ لِهؤُلاَءِ أَصْحَابٌ، فَلْيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ بِسَلاَمٍ». ١٧فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: «أَمَا قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ لاَ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا؟»
١. رَأَيْتُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ مُشَتَّتِينَ عَلَى ٱلْجِبَالِ كَخِرَافٍ لَا رَاعِيَ لَهَا: قدّم أخآب تحديًا لميخا أن يقول الحقيقة، فغيّر ميخا نبرته من التهكم إلى الجد. وقال إن إسرائيل لن تُهزَم فحسب، بل سيهلك راعيها، أي ملكها أيضًا.
٢. أَمَا قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ لَا يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا؟: قال أخآب إنه يريد الحقيقة، لكنه لم يستطع أن يتحملها. ولم يضع في اعتباره أن ميخا تنبّأ بالحق رغم أنه تنبّأ شرًّا عليه.
• “عرف أخآب في قلبه أن ميخا لن يخافه أو يتملّقه، لكنه سيعلن كلمة الرب. وفسّر هذا على أنه كراهية شخصية له… وكراهيته لرسول الله دليل على الشر المتعمَّد.” مورجان (Morgan)
ز ) الآيات (١٨-٢٢): ميخا يكشف الوحي وراء الأنبياء الأربعمائة.
١٨وَقَالَ: «فَاسْمَعْ إِذًا كَلاَمَ الرَّبِّ. قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. ١٩فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هذَا هكَذَا، وَقَالَ ذَاكَ هكَذَا. ٢٠ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ ٢١فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ لِرُوحِ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ. فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هكَذَا. ٢٢وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ».
١. قَدْ رَأَيْتُ ٱلرَّبَّ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ وُقُوفٌ: وجد الملك أخآب وآخرون في البلاط صعوبة في شرح كيف يمكن أن يكون نبي واحد على حق بينما يكون أربعمائة نبي على خطأ. وهنا يشرح ميخا رسالة الأنبياء. ربما كان ما قاله ميخا مجرد مثل، لكن الأكثر ترجيحًا هو أنه تلقّى لمحة نبوية دقيقة من دراما سماوية وراء هذه الأحداث.
٢. عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ: بما أن اليد اليمنى هي مكان النعمة والفضل، ربما يشير هذا إلى أن الله كان يتحدث إلى جند السماء المشتركين، أي الكائنات الملاكية الأمينة والملائكة الساقطة معًا.
• ينسى بعضهم أنه يمكن لإبليس ورفاقه الملائكة الساقطين الآخرين الوصول إلى السماء (أيوب ١: ٦؛ رؤيا يوحنا ١٢: ١٠). وهنالك تعليم حسن النيّة، لكن مخطئ، أن معنى كون الله لا يسمح بوجود الشر في محضره يعني أن إبليس ورفاقه لا يمكن أن يكونوا في محضره. إذ تبيّن هذه النصوص أن الله يمكن أن يسمح للشر في محضره، رغم أنه لا يمكن أن تكون لديه شركة مع الشر. وذات يوم، سيزول كل الشر من محضره (رؤيا يوحنا ٢٠: ١٤-١٥).
٣. مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتِ جِلْعَادَ؟: أراد الله أن يجلب دينونة على أخآب، ولهذا طلب متطوعًا من بين هذه المجموعة من جند السماء ليقود أخآب إلى المعركة.
٤. أَخْرُجُ وَأَكُونُ لِرُوحِ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ: على ما يبدو أن أحد ملائكة إبليس تطوّع لهذه المهمة. فبما أن أخآب أراد أن يُخدع، فسيعطيه الرب ما أراده، مستخدمًا ملاكًا ساقطًا ليعمل من خلال الأنبياء الأربعمائة الراغبين وغير الأوفياء.
• “تقول الكلمة العبرية المترجمة إلى ’روح‘ (يتقدم إلى الأمام) حرفيًّا ’الروح المعروف جيدًا‘ (كما في أيوب ١: ٦-١٢)… وعلى ما يبدو أن ميخا يفترض أن لدى مستمعيه معرفة بسفر أيوب.” باين (Payne)
• “لا يمكن فهم هذه الحادثة الغريبة إلا على خلفية نصوص أخرى من العهد القديم، ولا سيما تثنية ١٣: ١١ وحزقيال ١٤: ١-١١، حيث يتحدث كلا النصّين عن أشخاص أغواهم أنبياء كذبة. وفي كلتا الحالتين، كان هذا نتيجة للارتباط بعبادة الأوثان.” سيلمان (Selman)
ح) الآيات (٢٣-٢٧): رد فعل الأنبياء الكذبة وأخآب.
٢٣فَتَقَدَّمَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ وَضَرَبَ مِيخَا عَلَى الْفَكِّ وَقَالَ: «مِنْ أَيِّ طَرِيق عَبَرَ رُوحُ الرَّبِّ مِنِّي لِيُكَلِّمَك؟». ٢٤فَقَالَ مِيخَا: «إِنَّكَ سَتَرَى فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَدْخُلُ فِيهِ مِنْ مُخْدَعٍ إِلَى مُخْدَعٍ لِتَخْتَبِئَ». ٢٥فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: «خُذُوا مِيخَا وَرُدُّوهُ إِلَى أَمُّونَ رَئِيسِ الْمَدِينَةِ وَإِلَى يُوآشَ ابْنِ الْمَلِكِ، ٢٦وَقُولُوا هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: ضَعُوا هذَا فِي السِّجْنِ، وَأَطْعِمُوهُ خُبْزَ الضِّيقِ وَمَاءَ الضِّيقِ حَتَّى أَرْجعَ بِسَلاَمٍ». ٢٧فَقَالَ مِيخَا: «إِنْ رَجَعْتَ رُجُوعًا بِسَلاَمٍ، فَلَمْ يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِي». وَقَالَ: «اسْمَعُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ أَجْمَعُونَ».
١. فَتَقَدَّمَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ وَضَرَبَ مِيخَا عَلَى ٱلْفَكِّ: استجاب صدقيا بالطريقة التي يتصرف بها بعضهم عندما يُهزَمون في جدال، أي بالعنف.
٢. ضَعُوا هَذَا فِي ٱلسِّجْنِ: استجاب الملك كما يستجيب الطغاة عندما يواجَهون بالحقيقة. وأراد أخآب أن يبقى ميخا مسجونًا ومحرومًا من احتياجاته الأساسية (أَطْعِمُوهُ خُبْزَ ٱلضِّيقِ وَمَاءَ ٱلضِّيقِ).
• “يمكن أن تترجم عبارة ’أَطْعِمُوهُ خُبْزَ ٱلضِّيقِ وَمَاءَ ٱلضِّيقِ‘ إلى ’أعطوه كمية ضئيلة جدًّا من الطعام والماء.‘ ديلداي (Dilday)
٣. إِنْ رَجَعْتَ رُجُوعًا بِسَلَامٍ، فَلَمْ يَتَكَلَّمِ ٱلرَّبُّ بِي: قدّم النبي ميخا التماسًا أخيرًا ونهائيًّا. وكان على استعداد لأن يحكَم عليه من خلال تحقٌّق نبوته أو عدم تحقّقها. وبما أنه عرف أن كلامه صحيح، كان ملائمًا له أن يصرخ وهم يجرّونه ثانية إلى السجن: “ٱسْمَعُوا أَيُّهَا ٱلشُّعُوبُ أَجْمَعُونَ.”
ثانيًا. موت أخآب، ملك إسرائيل
أ ) الآيات (٢٨-٢٩): يدخل يهوشافاط وأخآب المعركة.
٢٨فَصَعِدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى رَامُوتِ جِلْعَادَ. ٢٩وَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: «إِنِّي أَتَنَكَّرُ وَأَدْخُلُ الْحَرْبَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَالْبَسْ ثِيَابَكَ». فَتَنَكَّرَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَدَخَلاَ الْحَرْبَ.
١. صَعِدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى رَامُوتِ جِلْعَادَ: يسهل علينا أن نفهم السبب الذي دفع أخآب، ملك إسرائيل، إلى دخول المعركة. إذ لم يُرِد أن يصدّق أن نبوة ميخا كانت حقيقية، وأراد أن يقاومها بشجاعة. وليس سهلًا أن نفهم السبب الذي دفع يهوشافاط، ملك إسرائيل، إلى دخول المعركة بصحبة أخآب. إذ كان ينبغي أن يصدق نبوة ميخا ويعرف أن المعركة ستنتهي بموت أخآب وبكارثة على الأقل.
• ربما كانت لدى يهوشافاط نظرة قدرية حول مشيئة الله، معتقدًا أنه إذا كان كل شيء هو إرادة الله، فلا يوجد شيء يمكن أن يفعله هو أو أي شخص آخر حيال هذا الأمر.
٢. إِنِّي أَتَنَكَّرُ وَأَدْخُلُ ٱلْحَرْبَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَٱلْبَسْ ثِيَابَكَ: لم يُرِد أخآب أثناء خوضه للمعركة أن يميَّز بصفته ملك إسرائيل لئلا يكون هدفًا خاصًّا. فظنّ أن من شأن التنكر هذا أن يساعد في حمايته من نبوة ميخا حول مقتله في المعركة. وإنه لأكثر صعوبة أن نشرح كيف وافق يهوشافاط على دخول المعركة بصفته الملك الوحيد المحدد المميَّز بوضوح. ربما لم يكن ذكيًّا بما يكفي، أو كان لديه إيمان كبير.
• “تظاهر أخآب هنا بأنه يكرم يهوشافاط، لكنه أراد في الواقع أن ينقذ نفسه ويتملّص من نبوة ميخا.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٣٠-٣٤): نجاة يهوشافاط وأخآب يموت في المعركة.
٣٠وَأَمَرَ مَلِكُ أَرَامَ رُؤَسَاءَ الْمَرْكَبَاتِ الَّتِي لَهُ قَائِلاً: «لاَ تُحَارِبُوا صَغِيرًا وَلاَ كَبِيرًا إِلاَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُ». ٣١فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْمَرْكَبَاتِ يَهُوشَافَاطَ قَالُوا: «إِنَّهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ»، فَحَاوَطُوهُ لِلْقِتَالِ، فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ، وَسَاعَدَهُ الرَّبُّ وَحَوَّلَهُمُ اللهُ عَنْهُ. ٣٢فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْمَرْكَبَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا عَنْهُ. ٣٣وَإِنَّ رَجُلاً نَزَعَ فِي قَوْسِهِ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ وَضَرَبَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بَيْنَ أَوْصَالِ الدِّرْعِ، فَقَالَ لِمُدِيرِ الْمَرْكَبَةِ: «رُدَّ يَدَكَ وَأَخْرِجْنِي مِنَ الْجَيْشِ لأَنِّي قَدْ جُرِحْتُ». ٣٤وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَأُوقِفَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي الْمَرْكَبَةِ مُقَابِلَ أَرَامَ إِلَى الْمَسَاءِ، وَمَاتَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
١. لَا تُحَارِبُوا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا إِلَّا مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُ: لم ينل أخآب أي رضا من حكام آرام بسبب الرحمة التي قدّمها لبنهدد (١ ملوك ٢٠: ٣١-٣٤). وجعلت إستراتيجية الجيش الآرامي تنكُّر أخْآب يبدو حكيمًا جدًّا.
• “هكذا يجازي الكافرون غير الشاكرين رحمة هذا المنتصر سابقًا… لكن كانت هنالك يد مقدسة إلهية في هذا الأمر.” تراب (Trapp)
٢. فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ، وَسَاعَدَهُ ٱلرَّبُّ وَحَوَّلَهُمُ ٱللهُ عَنْهُ: عندما وجد يهوشافاط نفسه الملك الوحيد القابل للتمييز في المعركة، أدرك بسرعة أنه في خطر، فصرخ إلى الرب، فأنقذه وحوّل عنه أولئك الذين كانوا يلاحقونه.
٣. وَإِنَّ رَجُلًا نَزَعَ فِي قَوْسِهِ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ وَضَرَبَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ: بدت هذه صدفة بحتة. إذ قام رجل ما بسحب قوسه بشكل عشوائي. لكنه ضرب كما لو كان صاروخًا يبحث عن خطية، فضرب مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بَيْنَ أَوْصَالِ ٱلدِّرْعِ. لقد وجّه الله أعمال الإنسان غير المقصودة لكي تنتج تنفيذًا لدينونته.
• “يرجّح أن هذا الرجل أطلق سهامًا كثيرة بالفعل، واستمر في بساطته غير عالم أن هذا السهم بالذات كان يُقصد به أن يوجَّه عبر الارتباك إلى هدفه مباشرة بمعرفة الله التي لا تخطئ وقوّته. ومع هذا، كان الأمر كذلك بالفعل.” مورجان (Morgan)
• “قد يُخفي كثيرون أنفسهم بحيث لا يجدهم الآخرون أبدًا. لكن عندما تأتي ساعة الدينونة، يتولى الله بعض الأحداث العادية ويجعلها الطريق السريع الذي يقطعه لتنفيذ قصده. قد يقول رجل غير مؤمن: ’حدث هذا هكذا فحسب.‘ لكن رجل الإيمان يقول: ’لقد فعل الله هذا.‘” مورجان (Morgan)
• “والآن، أيّ فرح يمكن أن تتمتع به نفس أخآب السوداء الموشكة على الرحيل من بيته العاجي؟ ألا يفضل أن يكون مثل ميخا في السجن على أن يكون في مركبته؟ يتمتع الأشرار بميزة الطريق، بينما يتمتع الأتقياء بميزة النهاية.” تراب (Trapp)
٤. وَأُوقِفَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْمَرْكَبَةِ مُقَابِلَ أَرَامَ إِلَى ٱلْمَسَاءِ: واجه أخآب نهاية حياته بشجاعة، فمات واقفًا مستندًا في مركبته لتشجيع قواته. وعندما ذاع خبر موته، انتهت المعركة.
• “يبدو أن جيشي إسرائيل ويهوذا ظلّا يحاربان طوال النهار. لكن في المساء، عندما مات الملك، وذاع خبر موته، ربما كان هنالك إعلان بموافقة كل من الآراميين والإسرائيليين أن الحرب قد انتهت.” كلارك (Clarke)