سفر العدد – الإصحاح ٩
حَفِظ الْفِصْح؛ السحابة نهارًا والنار ليلًا
أولًا. حَفِظ عيد الفصح
أ ) الآيات (١-٥): الفصح الأول في البرية.
١وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ قَائِلًا: ٢«وَلْيَعْمَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْفِصْحَ فِي وَقْتِهِ. ٣فِي الْيَوْمِ الرَّابعَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ بَيْنَ الْعَشَاءَيْنِ تَعْمَلُونَهُ فِي وَقْتِهِ. حَسَبَ كُلِّ فَرَائِضِهِ وَكُلِّ أَحْكَامِهِ تَعْمَلُونَهُ». ٤فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا الْفِصْحَ. ٥فَعَمِلُوا الْفِصْحَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ الرَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ بَيْنَ الْعَشَاءَيْنِ فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى هكَذَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ.
١. لْيَعْمَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْفِصْحَ فِي وَقْتِهِ: احتفل شعب إسرائيل بالفصح للمرة الأولى وقت خروجهم من أرض مصر (خروج ١٢)؛ والآن، وبعد مرور سنة (فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ … فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ)، أمر الله شعب إسرائيل بأن يحتفلوا بعيد الفصح للمرة الثانية.
• لم يكن بالجديد على شعب إسرائيل أن يسمعوا أنهم ينبغي أن يعملوا الفصح بصفة سنوية. فعند تأسيس عيد الفصح للمرة الأولى، قال الله لشعب إسرائيل إنهم ينبغي أن يعيِّدوه ’في أجيالهم‘ (خروج ١٢: ١٤).
• أُكمِل عمل إقامة الْمَسْكَن في اليوم الأول من الشهر الأول من السنة الثانية (خروج ٤٠: ٢). وفي ذلك اليوم، غطَّت سحابة المجد الْمَسْكَن (سفر العدد ٩: ١٥-٢٣). ونحو هذا الوقت تقريبًا، قدَّم رؤساء الأسباط قرابينهم (سفر العدد ٧)، وقُدِّس الكهنة (لاويين ٨).
• “لم تكن الإقامة المطوَّلة أسفل جبل سيناء فترةً من الخمول أو التراخي، لكنها في المقابل كانت فترة من النشاط الشديد، للاحتفال بصلاح الرب ورحمته، والاستعداد للزحف الانتصاري القريب والمنتَظَر إلى أرض كنعان.” ألن (Allen)
٢. حَسَبَ كُلِّ فَرَائِضِهِ وَكُلِّ أَحْكَامِهِ تَعْمَلُونَهُ: كان الفصح [Passover] يُذّكِّر شعب إسرائيل بالوقت الذي فيه ’عَبَر الله عن‘ [passed over] شعبه، عندما أدين أبكار مصر في الضربة الأخيرة عليها.
• عندما رأى ملاك دينونة الله دم الحمل الذي وُضِع على قائمتي البيت، ’عبر عن‘ هذا البيت المغطى بدم الحمل، وأعفاه من الموت. لذلك، كان الفصح يُعمَل باستمرارٍ للتذكير بهذا الحدث المتمثِّل في عبور الدينونة عن الشعب، ثم عتقهم بعد ذلك من العبودية.
• “لم يُذكَر تحديدًا كيف نُفِّذت التعليمات الواردة في خروج ١٢. فربما وُضِع الدم على الخيام بدلًا من أعتاب وقوائم البيوت.” وينهام (Wenham)
• تمَّم يسوع ذبيحة الفصح بموته على الصليب (١ كورنثوس ٥: ٧). فإن ستر دمه يجعل دينونة الله ’تعبر عن‘ شعبه. وقد أُوصِينا بأن نتذكَّر باستمرار حدث نجاتنا من الدينونة، والعتق الذي أعقب ذلك، عن طريق إحياء ذكرى عمل يسوع على الصليب في عشاء الرب.
٣. هَكَذَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: كان شعب إسرائيل طائعًا لله كما ينبغي. ففي الإصحاحات العشرة الأولى من سفر العدد، فيما كان شعب إسرائيل نازلين عند جبل سيناء، لسنا نجد من جانبهم أيَّ عصيان جسيم لله، نتيجة عدم إيمانهم به. وهذا يجعل عدم إيمانهم بالله وتمردُّهم عليه، الذي نقرأ عنه من الإصحاح ١١ فصاعدًا، صادمًا وغير مبرَّر بدرجة أكبر.
ب) الآيات (٦-١٤): قضية القوم الذين تنجَّسوا: هل يحلُّ لهم أن يعملوا الفصح؟
٦لكِنْ كَانَ قَوْمٌ قَدْ تَنَجَّسُوا لإِنْسَانٍ مَيْتٍ، فَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا الْفِصْحَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. فَتَقَدَّمُوا أَمَامَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، ٧وَقَالُ لَهُ أُولئِكَ النَّاسُ: «إِنَّنَا مُتَنَجِّسُونَ لإِنْسَانٍ مَيِّتٍ. لِمَاذَا نُتْرَكُ حَتَّى لاَ نُقَرِّبَ قُرْبَانَ الرَّبِّ فِي وَقْتِهِ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟» ٨فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «قِفُوا لأَسْمَعَ مَا يَأْمُرُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ جِهَتِكُمْ». ٩فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ١٠«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيل قَائِلًا: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ أَجْيَالِكُمْ كَانَ نَجِسًا لِمَيْتٍ، أَوْ فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ، فَلْيَعْمَلِ الْفِصْحَ لِلرَّبِّ. ١١فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْيَوْمِ الرَّابعَ عَشَرَ بَيْنَ الْعَشَاءَيْنِ يَعْمَلُونَهُ. عَلَى فَطِيرٍ وَمُرَارٍ يَأْكُلُونَهُ. ١٢لاَ يُبْقُوا مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ وَلاَ يَكْسِرُوا عَظْمًا مِنْهُ. حَسَبَ كُلِّ فَرَائِضِ الْفِصْحِ يَعْمَلُونَهُ. ١٣لكِنْ مَنْ كَانَ طَاهِرًا وَلَيْسَ فِي سَفَرٍ، وَتَرَكَ عَمَلَ الْفِصْحِ، تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا، لأَنَّهَا لَمْ تُقَرِّبْ قُرْبَانَ الرَّبِّ فِي وَقْتِهِ. ذلِكَ الإِنْسَانُ يَحْمِلُ خَطِيَّتَهُ. ١٤وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكُمْ غَرِيبٌ فَلْيَعْمَلْ فِصْحًا لِلرَّبِّ. حَسَبَ فَرِيضَةِ الْفِصْحِ وَحُكْمِهِ كَذلِكَ يَعْمَلُ. فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ تَكُونُ لَكُمْ لِلْغَرِيبِ وَلِوَطَنِيِّ الأَرْض
١. كَانَ قَوْمٌ قَدْ تَنَجَّسُوا لِإِنْسَانٍ مَيْتٍ، فَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا الْفِصْحَ: كانت هذه محاولة لحسم مبدأين. المبدأ الأول هو أنه على كلِّ إسرائيلي أن يشارك في الفصح. والمبدأ الثاني هو أنه لا يحل لأيِّ شخص في حالة نجاسة طقسية أن يشارك في الحياة الدينية الطبيعية للجماعة.
• كانت هذه الرموز الظاهرية والخارجية للنجاسة مهمة، ولا يمكن تجاهلها. فقد كانت هذه العلامات الظاهرية على النجاسة تُذكِّر شعب إسرائيل بنجاستهم الداخلية. “إن مفهوم النجاسة الطقسية غريبٌ للغاية على الفكر الحديث، لدرجة أنه يكاد يكون غير مفهوم تمامًا لمعظم القراء… وبالتالي، فإن أفضل طريقة للتفكير في مفهوم ’النجاسة‘ هي أن نحسبه وسيلةً تعليميةً لتذكير شعب إسرائيل بقداسة الله.” ألن (Allen)
• “من المحتمل أن يكون التنجُّس المذكور هنا قد نتج عن المساعدة في دفن أحدهم، أي إنه كان عمل رحمة، اقتضته الضرورة.” كلارك (Clarke)
• على الأرجح، لم يكن أولئك القَوْم هم الوحيدون الذين تنجَّسوا قبل الفصح مباشرة، لكنهم هم الذين أرادوا أن يعملوا الفصح، وكانت لديهم الجرأة الكافية ليطلبوا من موسى (أي ليطلبوا من الله من خلال موسى) استثناءً للوصية السابقة (مثل لاويين ٧: ٢٠؛ ٢٢: ٣).
٢. قِفُوا لِأَسْمَعَ مَا يَأْمُرُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ جِهَتِكُمْ: كان موسى يحتاج إلى حكمة الله لحسم هذه المسائل. فلم يكن من الجيد أن يُستبعَد البعض من عمل الفصح. كما لم يكن من الجيد ألا تُحترَم قداسة الله من خلال السماح للنجسين طقسيًّا بالمشاركة في الفصح. وحتى هذه اللحظة، لم يكن الله قد تكلَّم بشيء فيما يخص هذه المسألة، ولهذا كان موسى بحاجة إلى أن يسأل الله عنها.
٣. فَلْيَعْمَلِ الْفِصْحَ لِلرَّبِّ: قال الله لموسى إنه يمكن للنجسين في وقت عمل الفصح (وأيضًا جميع الذين هم فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ) أن يعيِّدوا، لكن عليهم أن يفعلوا ذلك بعد الفصح بشهر (فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ). هذا الحل أتاح الاحتفال بالفصح، واحترم أيضًا قداسة الله ومبادئ الطهارة الطقسية.
• وضع الله هذا الحل حتى يتذكَّر النجسون نجاتهم وخلاصهم من دينونة الله. فقد كان النجسون من أشد الناس حاجة إلى تذكُّر ما فعله الله لأجل شعبه، وذلك عن طريق الاحتفال بالفصح.
• “تاريخيًّا، تمَّ تطبيق الاحتفال البديل بالفصح في الشهر الثاني في عهد حزقيا الملك (٢ أخبار الأيام ٣٠: ١-٢٧).” كول (Cole)
٤. لَكِنْ مَنْ كَانَ طَاهِرًا وَلَيْسَ فِي سَفَرٍ: غير أنه على الطاهرين والذين ليسوا في سفر من بين شعب إسرائيل أن يعملوا الفصح، وإلا تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. كانت عقوبة عدم عمل الفصح صارمةً. فإن ذَلِكَ الْإِنْسَانُ يَحْمِلُ خَطِيَّتَهُ، بدلًا من أن يحملها خروف الفصح عنه.
• “وبالتالي، فإن كلًّا من مشاركة أحدهم في الفصح وهو نجسٌ، وامتناعه عن المشاركة فيه دون سبب وجيه، يشكِّل الخطورة نفسها.” وينهام (Wenham)
• على غرار ذلك، ينبغي أن نشترك في يسوع، وإلا حملنا خطايانا. قال يسوع: ’الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الْإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ … مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ.‘ (يوحنا ٦: ٥٣، ٥٦)
٥. وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكُمْ غَرِيبٌ: بالإضافة إلى ذلك، لم تكن سلالة الشخص أو انتماؤه العرقي بالأمر المهم. فحتى الغَرِيب بين شعب إسرائيل كان مسموحًا له، بل وكان ينبغي، أن يعمل الفصح، وإلا يُقطَع من الأرض. فإن اليهودي النقي السلالة سيُقطع إذا أهمل عيد الفصح، في حين سيُقبَل أيُّ غَرِيبٍ أممي يعمل الفصح.
• لكن، كان على الزائر الأممي أن يخضع لشريعة إله إسرائيل. فإن خروج ١٢: ٤٨ يطالب الذين من خارج إسرائيل بأن يُختتنوا أولًا، حتى يُسمَح لهم بعمل الفصح.
• “إن ضم الغرباء إلى شريعة عهدية كهذه يُذَكِّرنا بنعمة الله العظيمة، وبقصده المحتوم بأن يصل إلى جميع الشعوب بواسطة شعبه.” ألن (Allen)
٦. فَلْيَعْمَلْ فِصْحًا لِلرَّبِّ. حَسَبَ فَرِيضَةِ الْفِصْحِ وَحُكْمِهِ كَذَلِكَ يَعْمَلُ: كان ينبغي عمل ’الفصح الثاني‘ حسب فَرِيضَةِ وَحُكْمِ العيد المعتاد. وكان ينبغي أيضًا أن يكون العشاء والطقس واحدًا.
• “نُقل عن المعلم اليهودي غمالائيل، معلِّم شاول… قوله بأنه إذا لم يأكل أحدهم الشاة، والفطير، والأعشاب المُرة، فإنه لا يكون بذلك قد عمل الفصح. وقد بنى كلامه هذا على الآية ١١.” ألن (Allen)
• أوحت هذه الوصية لتشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) بثلاث أفكار:
من الناحية الروحية، ينبغي أن نتغذَّى على يسوع المسيح.
ينبغي أن نتغذَّى على المسيح بأكمله، أي على كل طبيعته، وكل وظائفه، وكل تعاليمه، وكل إنذاراته، وكل وصاياه، وكل عمله.
إننا نأخذ المسيح في الجماعة، أي في وحدة مع الآخرين.
ثانيًا. السحابة والنار يقودان شعب اسرائيل
أ ) الآية (١٥): حضور الله مع شعب إسرائيل يتجلَّى في السحابة والنار.
١٥وَفِي يَوْمِ إِقَامَةِ الْمَسْكَنِ، غَطَّتِ السَّحَابَةُ الْمَسْكَنَ، خَيْمَةَ الشَّهَادَةِ. وَفِي الْمَسَاءِ كَانَ عَلَى الْمَسْكَنِ كَمَنْظَرِ نَارٍ إِلَى الصَّبَاحِ.
١. وَفِي يَوْمِ إِقَامَةِ الْمَسْكَنِ: عندما بُني (إِقَامَةِ) الْمَسْكَن لأول مرة، باركه الله عن طريق استعلان حضوره في صورة السحابة نهارًا والنار ليلًا (خروج ٤٠: ٣٤-٣٨)
٢. غَطَّتِ السَّحَابَةُ الْمَسْكَنَ: ظهرت سحَابَةُ مجد الشكيناه (الحضور) الإلهي في فترات مختلفة من تاريخ إسرائيل. فعلى سبيل المثال، عندما بنى سليمان الهيكل، ملأت سحابة المجد الهيكل (١ ملوك ٨: ١٠-١١). وعندما حاد شعب إسرائيل تمامًا عن الله، وقبل خراب الهيكل على يد الغزو البابلي، فارقت سحابة المجد الهيكل (حزقيال ١٠: ٣-٤، ١٨-١٩).
٣. وَفِي الْمَسَاءِ كَانَ عَلَى الْمَسْكَنِ كَمَنْظَرِ نَارٍ إِلَى الصَّبَاحِ: كانت هذه الآيات تتعدَّى كونها مجرد تأكيد منظور على حضور الله، بل كانت السحابة في الصباح والنار في الليل هما مصدر معونة وطمأنينة لشعب إسرائيل. فقد كانت النَار في الليل تبعث الطمأنينة في شعب إسرائيل في وسط برية مظلمة، والسَّحَابَة في النهار تظلِّل عليهم من شمس البرية الحارة.
• هذه الفكرة المتعلِّقة باتخاذ حضور الله شكل الظل الواقي تكرَّرت في مواضع أخرى في الكتاب المقدس:
“لِأَنَّكَ كُنْتَ حِصْنًا لِلْمِسْكِينِ، حِصْنًا لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجًا مِنَ السَّيْلِ، ظِلًّا مِنَ الْحَرِّ.” (إشعياء ٢٥: ٤)
“الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى. لَا تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ.” (مزمور ١٢١: ٥-٦)
ب) الآيات (١٦-٢٣): القيادة عن طريق السحابة نهارًا والنار ليلًا.
١٦هكَذَا كَانَ دَائِمًا. السَّحَابَةُ تُغَطِّيهِ وَمَنْظَرُ النَّارِ لَيْلًا. ١٧وَمَتَى ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ كَانَ بَعْدَ ذلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ، وَفِي الْمَكَانِ حَيْثُ حَلَّتِ السَّحَابَةُ هُنَاكَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَنْزِلُونَ. ١٨حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَنْزِلُونَ. جَمِيعَ أَيَّامِ حُلُولِ السَّحَابَةِ عَلَى الْمَسْكَنِ كَانُوا يَنْزِلُونَ. ١٩وَإِذَا تَمَادَتِ السَّحَابَةُ عَلَى الْمَسْكَنِ أَيَّامًا كَثِيرَةً كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ وَلاَ يَرْتَحِلُونَ. ٢٠وَإِذَا كَانَتِ السَّحَابَةُ أَيَّامًا قَلِيلَةً عَلَى الْمَسْكَنِ، فَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَنْزِلُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. ٢١وَإِذَا كَانَتِ السَّحَابَةُ مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ فِي الصَّبَاحِ، كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. ٢٢أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، مَتَى تَمَادَتِ السَّحَابَةُ عَلَى الْمَسْكَنِ حَالَّةً عَلَيْهِ، كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَنْزِلُونَ وَلاَ يَرْتَحِلُونَ. وَمَتَى ارْتَفَعَتْ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. ٢٣حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَنْزِلُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. وَكَانُوا يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ بِيَدِ مُوسَى.
١. هَكَذَا كَانَ دَائِمًا: مع أن الله كان قد رتَّب حياة شعب إسرائيل، ومع أنهم كانوا قد تطهَّروا، وأُفرِزوا، وبورِكوا، وأصبحوا أسخياء في العطاء، وصاروا يسلكون بحسب كهنوتهم، فإنهم ظلُّوا مطالَبين بأن يخضعوا لقيادة الله في كل خطوة في الطريق، حتى ينجحوا في الوصول إلى أرض كنعان، أرض الموعد. فإن الله لم يفعل كلَّ تلك الأمور السابقة ليجعلهم قادرين على السير صوب أرض الموعد دونه، بل بالأحرى ليخطوا كلَّ خطوة في اتكال مستمر عليه.
• دَائِمًا: “يفترض النص هنا دوام حلول السحابة فوق المحلة، من خلال كلمة دَائِمًا التي معناها: ’هكذا استمر الحال،‘ فإن الكلمة العبرية (tamid) معناها ’باستمرار‘ أو ’دون توقف.‘” ألن (Allen)
٢. وَمَتَى ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ: عندما كانت السَّحَابَة تتحرك، كان شعب إسرائيل يتحركون، وعندما كانت السَّحَابَة تبقى في مكانها، كانوا يبقون في مكانهم. فإنهم كانوا يذهبون فقط إلى حيث يقودهم حضور الله، ويبقون فقط حيث يبقى حضور الله.
• “هذه رموز لا نريد، بل ولا نستطيع، أن نتجاهلها. فقد كانت رائعة، وعجيبة، واستثنائية، وغير متوقَّعة، ومطمئنة، وواقية. فللتخفيف من حرارة شمس الصحراء، كانت هناك سحابة في النهار. ولمقاومة الظلمة الباردة لليل الصحراء، كانت هناك نار فوقهم لتهدئة روعهم.” ألن (Allen)
• “استخدم العهد الجديد أيضًا صورة السحابة للإشارة إلى حضور الله. فقد ظلَّلت سحابةٌ ربَّنا يسوع عند تجلِّيه، كما أنه اختفى في سحابة عند صعوده (لوقا ٩: ٣٤؛ أعمال الرسل ١: ٩).” وينهام (Wenham)
• على هذا المنوال نفسه، على المؤمنين أن ينقادوا بحضور الله. يقول كولوسي ٣: ١٥، “وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلَامُ اللهِ.” يعني ذلك أن نسمح لحضور سلام الله أن يكون حَكَمًا أو قاضيًا على قلوبنا وحياتنا.
٣. أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً: لم يكن ممكنًا لأحدٍ أن يتنبَّأ بموعد تحرُّك السحابة. فلم يكن الله ليسمح لشعب إسرائيل بأن ينقادوا بأمور روتينية أو تقليدية، إنما كان عليهم أن يشاهدوا حضور الله، ويتجاوبوا معه.
• “هذه العبارة التي تكرَّرت ثلاث مرات تلخص الأمر برمته: ’فَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَنْزِلُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ‘ (الآيتان ٢٠، ٢٣، راجع الآية ١٨). فإن السحابة التي كانت فوق المسكن شكَّلت الوسيلة المثالية للقيادة الإلهية: إذ كان على الشعب أن يتجاوبوا معها في طاعة تامة.” وينهام (Wenham)
• “لم تقع على عاتق الشعب مسئولية أخرى سوى الطاعة. فإنهم لم يكونوا مطالَبين بالتفكير في توقيت تحركهم، أو في اتجاه مسيرهم، لكن لم يُسمح لهم بالقدر نفسه أيضًا أن يعترضوا أو يؤجِّلوا. كلُّ هذا أسهم في بقاء حقيقة سلطان يهوه السيادي نصب أعينهم باستمرار.” مورجان (Morgan)
• “اختار الله أن يُبقِي هذا الشعب في حالة اتكال شديد عليه، وفي حالة خضوعٍ للقرارات النابعة من مشيئته، لدرجة أنه لم يخبرهم بأوقاتٍ منتظمة للارتحال أو البقاء، بل كان عليهم أن يرتحلوا أو يبقوا في أماكنهم في الوقت والمكان الذي يراه الله مناسبًا.” كلارك (Clarke)
• “نحتاج أن نرخي قبضتنا عن العالم الحاضر، بحيث نكون على استعداد أن نطوي خيامنا، ونخرج إلى الطريق، إذا أراد الله ذلك. فينبغي ألا نتوقَّع دوام الحال، وألا نعمِّق جذورنا كثيرًا لدرجة أن يستلزم الأمر إعصارًا لاقتلاعنا من مكاننا.” ماكلارين (Maclaren)