سفر العدد – الإصحاح ١٩
البقرة الحمراء وماء النجاسة
أولًا. فريضة التطهير – رماد ذبيحة بقرة حمراء
أ ) الآيات (١-٢): أخذ بَقَرَةً حَمْرَاءَ.
١وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا: ٢«هذِهِ فَرِيضَةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ قَائِلًا: كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا إِلَيْكَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ صَحِيحَةً لاَ عَيْبَ فِيهَا، وَلَمْ يَعْلُ عَلَيْهَا نِيرٌ.
١. أَنْ يَأْخُذُوا إِلَيْكَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ: يعرض هذا نوعًا فريدًا من التقدمات في العهد القديم. فإن هذه البَقَرَةً الحَمْرَاءَ لم تكن تُذبَح ليقدَّم دمها على المذبح، بل في المقابل، كانت تُحرَق كاملةً، ويضاف رمادها إلى الماء لاستخدامه في التطهير الطقسي.
• كلمة بَقَرَةً (heifer) التي استُخدِمت في الترجمة الإنجليزية معناها بقرة لم تحبل من قبل، وبالتالي لا تستطيع بعد أن تنتج اللبن. لم يؤكِّد النص العبري تحديدًا أن هذه البقرة كان ينبغي أن تكون من النوع heifer، لكنه ذكر ببساطة أنها كانت مجرد بقرة أنثى صغيرة في العمر، وحَمْرَاءَ اللون.
• عند اختيار حيوانٍ للذبيحة في إسرائيل القديمة، “لم يكن لون الحيوان يمثِّل أهمية في المعتاد. أما هذه البقرة، فكان ينبغي أن تكون حمراء اللون مثل الدم.” وينهام (Wenham)
٢. صَحِيحَةً لَا عَيْبَ فِيهَا، وَلَمْ يَعْلُ عَلَيْهَا نِيرٌ: هذه الشروط جعلت هذا الحيوان أكثر ندرة أيضًا. ومن ثَمَّ، كانت هذه البقرة الحمراء باهظة الثمن، ونادرة، وطاهرة إلى حد كبير، لأنها لم تتناسل قط من قبل.
• “كان ينبغي أن تكون البقرة بلا عيب، أي ألا تكون مختلطةً بأيِّ لون آخر. علَّق بلوتارخ (Plutarch) على ذلك قائلًا: ’إنه إذا كانت هناك شعرة واحدة في هذا الحيوان بيضاء أو سوداء، تُحسَب الذبيحة مشوَّهةً.‘” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٣-١٠): ذبح البقرة الحمراء، وحرقها، وجمع رمادها.
٣فَتُعْطُونَهَا لأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ، فَتُخْرَجُ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَتُذْبَحُ قُدَّامَهُ. ٤وَيَأْخُذُ أَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِهَا بِإِصْبِعِهِ وَيَنْضِحُ مِنْ دَمِهَا إِلَى جِهَةِ وَجْهِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. ٥وَتُحْرَقُ الْبَقَرَةُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ. يُحْرَقُ جِلْدُهَا وَلَحْمُهَا وَدَمُهَا مَعَ فَرْثِهَا. ٦وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزًا وَيَطْرَحُهُنَّ فِي وَسَطِ حَرِيقِ الْبَقَرَةِ، ٧ثُمَّ يَغْسِلُ الْكَاهِنُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَدْخُلُ الْمَحَلَّةَ. وَيَكُونُ الْكَاهِنُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. ٨وَالَّذِي أَحْرَقَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ بِمَاءٍ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. ٩وَيَجْمَعُ رَجُلٌ طَاهِرٌ رَمَادَ الْبَقَرَةِ وَيَضَعُهُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ، فَتَكُونُ لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي حِفْظٍ، مَاءَ نَجَاسَةٍ. إِنَّهَا ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. ١٠وَالَّذِي جَمَعَ رَمَادَ الْبَقَرَةِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. فَتَكُونُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ فِي وَسَطِهِمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً.
١. فَتُخْرَجُ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَتُذْبَحُ قُدَّامَهُ: كان هذا أقرب إلى الذبح (أو القتل) منه إلى تقديم ذبيحة. فإن معظم دم هذه البقرة كان يحترق معها، وفقط القليل منه كان يُرَش إلى جهة وَجْهِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، بما أن هذا الحيوان كان يُذبَح خَارِجِ الْمَحَلَّةِ.
• كانت إجراءات هذه التقدمة مختلفة إلى حدٍّ كبير عن غالبية التقدمات الأخرى المنصوص عليها في شريعة موسى. فصحيح أنها كانت ذبيحة، لكنها كانت نوعًا فريدًا من الذبائح من عدة نواحٍ:
كانت هذه التقدمة تستلزم اختيار حيوانٍ بلون معيَّن.
كانت هذه التقدمة تستلزم بقرة أنثى، وليس ثورًا ذكرًا.
كانت هذه التقدمة تُذبح (أي تُقتل)، ولم تكن تقدَّم ذبيحةً.
كانت هذه التقدمة تُذبَح خارج المحلة، وليس عند المذبح.
كانت هذه التقدمة تُحرَق كاملةً، ولا تقطَّع إلى أجزاء.
لم يكن دم هذه التقدمة يصفَّى ويُؤخَذ.
لم يكن دم هذه التقدمة يوضع على المذبح، بل كان يُنضَح (أي يُرَش) منه إلى جهة خيمة الاجتماع.
• دَمِهَا… وَتُحْرَقُ: على عكس كلِّ الذبائح الأخرى في العهد القديم، كان دم البقرة الحمراء يُحرَق مع الذبيحة، ولم يكن يُسفك بالكامل من رقبتها ويُسكَب على المذبح. ولذلك، كان الدم مشمولًا ضمن الرماد المتبقي من حرق جثة البَقَرَةً الحَمْرَاءَ.
٢. وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزًا وَيَطْرَحُهُنَّ فِي وَسَطِ حَرِيقِ الْبَقَرَةِ: في أثناء حرق البقرة الحمراء، كان الكاهن يضع في الحريق أيضًا خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزًا. وبالتالي، كان الرماد المتبقي من وَسَطِ حَرِيقِ البقرة يشمل جثة الحيوان، ودمه، وخَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزًا.
• في لاويين ١٤: ٤-٦، كان كلُّ شيء من هذه الأشياء الثلاثة يُستخدَم في طقس تطهير الأبرص، ولكلٍّ منها دلالته الخاصة:
خَشَبَ أَرْزٍ: هو نوع من الأخشاب المقاومة للآفات والعفن. وهو معروفٌ بجودته، وقيمته الثمينة، ورائحته العطرة . وربما كانت هذه الخصائص هي السبب في إدراجه هنا، بالإضافة إلى كونه إشارة رمزية إلى خشب الصليب. يفترض البعض أن الصليب الذي صُلِب عليه يسوع كان من خشب الأرز.
زُوفَا: كان الزوفا يُستخدَم في طقس تطهير الأبرص. ولذلك، فعندما قال داود لله في مزمور٥١: ٧، “طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ،” كان يربط نفسه بالأبرص الذي يحتاج إلى التطهير. كذلك، قُدِّم للمسيح على الصليب شرابٌ على غصن زوفا (يوحنا ١٩: ٢٩).
قِرْمِزًا: وهو لون الدم، وكان مستخدمًا في الحجاب، وفي أستار خيمة الاجتماع (خروج ٢٦: ٣١)، وكذلك في ثياب رئيس الكهنة (خروج ٢٨: ٥-٦)، وغطاء مائدة خبز الوجوه (سفر العدد ٤: ٨). كان القِرْمِز هو علامة نجاة راحاب (يشوع ٢: ٢١)، وهو أيضًا لون ’رداء الملوك‘ الذي وضعه الجنود الرومان على يسوع في نوعٍ من الاستهزاء به (متى ٢٧: ٢٨).
• “وفقًا لما قاله موسى بن ميمون، كان خشب الأرز يُجمَع في كتل خشبية، ثم يُربَط بالزوفا، ثم يغلَّف الكلُّ بالقرمز. وبالتالي، فإن كلَّ ما كان الشعب يرونه هو القرمز، الذي كان رمزًا للخطية وعقوبتها في الوقت نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَتَكُونُ لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي حِفْظٍ، مَاءَ نَجَاسَةٍ. إِنَّهَا ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ: كان رماد كثير ينتج عن احتراق جثة البقرة، والأرز، والزوفا، والقرمز معًا. وكان هذا الرماد يُجمَع ويُرَش في الماء شيئًا فشيئًا، ليصير الماء ملائمًا لطقوس التطهير (مَاءَ نَجَاسَةٍ).
• يصبح مَاءَ النَّجَاسَةِ فعالًا عند إضافة رماد البقرة الحمراء (مع خشب الأرز والزوفا والقرمز) إليه.
• كان مَاءَ النَّجَاسَةِ ضروريًّا بسبب الخطية ونتائجها الكثيرة. “كان أخطر وأوضح أنواع النجاسة البشرية هي تلك التي يسبِّبها الموت. فكلُّ من مسَّ ميتًا، أو عظم إنسان، أو قبرًا، أو دخل خيمة بها ميت، يكون نجسًا (سفر العدد ١٩: ١٤-١٦). علاوة على ذلك، كانت هذه النجاسة مُعديةً، لأن كلَّ ما يلمسه الشخص النجس يتنجس، بل وينقل عدوى النجاسة إلى آخرين أيضًا (سفر العدد ١٩: ٢٢؛ راجع لاويين ١٥).” وينهام (Wenham)
• كان مَاءَ النَّجَاسَةِ هذا لطفًا ورأفة من الله، لأنه دبَّر للشعب وسيلة تطهير أخرى من النجاسة الطقسية. يعرض سفر اللاويين طقسًا للتطهير، يتضمَّن الاغتسال في الماء، والانتظار حتى المساء (لاويين ١١: ٢٨، ٣٩-٤٠؛ ١٥: ١٦-١٨). وفي الحالات الأشد خطورة (مثل لمس جثة ميت)، كان على الشخص أن ينتظر سبعة أيام، ثم يقدِّم ذبيحة حيوانية (لاويين ١٤: ١٠-٣٢). لكن، كان ماء النجاسة بديلًا عن تلك الطقوس المطوَّلة وباهظة الثمن المذكورة في اللاويين ١٤. فباستخدام مَاءَ النَّجَاسَةِ، كان الشخص الذي تنجَّس يُرَش بالماء الذي يحوي كلَّ مكونات ذبيحة الخطية، بدلًا من أن يُطهَّر من خلال ذبيحة خطية.
• إن تقدمة البقرة الحمراء، وماء النجاسة الناتج عنها، يمثِّلان معًا رمزًا قويًّا يشير إلى العمل الكامل الذي عمله يسوع المسيح.
فنظير البقرة الحمراء، كانت ذبيحة يسوع “حمراء اللون،” لأن “المسيح كان مغطَّى بدمائه.” تراب (Trapp)
ونظير البقرة الحمراء، كان يسوع طاهرًا وبلا عيب.
ونظير البقرة الحمراء، لم يعلُ يسوع أيَّ نيرٍ (الخطية).
ونظير البقرة الحمراء، قُدِّم يسوع ذبيحةً خارج المحلة.
ونظير البقرة الحمراء، كانت ذبيحة يسوع فريدةً من نوعها.
ونظير البقرة الحمراء، قُدِّم يسوع بالكامل.
ونظير البقرة الحمراء، لذبيحة يسوع فاعلية لكل من يطلبها، بمن في ذلك الغريب والنزيل (الآية ١٠).
• لم يكن مَاءَ النَّجَاسَةِ، الذي يحتوي على رماد البقرة الحمراء، يحقِّق تطهيرًا مختلفًا. فمن ناحيةٍ، كان هذا الماء يفعل ما يفعله الطقس الأطول والأكثر كلفة وتعقيدًا، المنصوص عليه في لاويين ١٤. لكن ماء النجاسة أتاح وسيلة أفضل (أسهل، وتكاد تكون فورية) لتطهير حتى أشد الأشخاص نجاسةً بين شعب الله تطهيرًا طقسيًّا. وكان هذا يتحقًّق استنادًا إلى المبادئ القائمة بالفعل لتقديم الذبيحة، لكن مع تقديم ذبيحة مختلفة، لم تكن تحتاج إلى تكرار مستمر، بل فقط يُحتَكَم إليها مرارًا وتكرارًا. ويمكن القول إن مَاءَ النَّجَاسَةِ أتاح وسيلة أفضل للتطهير، أو طريقًا مختصرة مؤيَّدة من الله، دون أن يكون الأمر سهلًا على البقرة الحمراء نفسها. لذلك، فإن البقرة الحمراء ومَاءَ النَّجَاسَةِ هما مثال رائع للعمل الكامل الذي عمله يسوع المسيح على الصليب، كبديلٍ عن شعبه (عبرانيين ٩: ١٣-١٤). ففي كلتا الحالتين، حلَّت ذبيحة أفضل محل نظام سابق للتطهير.
• نسمع في يومنا هذا أخبارًا في بعض الأحيان عن معلِّمين من اليهود يبحثون، وربما يعثرون بالفعل، على بقرة حمراء بلا عيب، تكون ملائمةً لممارسة طقس التطهير هذا في الهيكل الذي سيُبنَى ثانيةً في المستقبل، والذي ستستعاد فيه الخدمة الكهنوتية. وفي حين تبدو هذه الفكرة مثيرة للاهتمام، لكن من الجيد أن نتذكَّر أنه بحسب الكتاب المقدس، لم يكن هناك شيء فريدٌ لا غنى عنه في ماء النجاسة الذي يحتوي على رماد البقرة الحمراء. فما كان ماء النجاسة يحققه كان من الممكن تحقيقه أيضًا من خلال الطقس الأطول والأكثر كلفة وتعقيدًا الذي وُصِف في لاويين ١٤.
ثانيًا. شرائع تطهير أخرى
أ ) الآيات (١١-١٣): أسوأ أنواع النجاسة الطقسية: لمس جسد إنسان ميت.
١١مَنْ مَسَّ مَيْتًا مَيْتَةَ إِنْسَانٍ مَا، يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. ١٢يَتَطَهَّرُ بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ يَكُونُ طَاهِرًا. وَإِنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ لاَ يَكُونُ طَاهِرًا. ١٣كُلُّ مَنْ مَسَّ مَيْتًا مَيْتَةَ إِنْسَانٍ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَتَطَهَّرْ، يُنَجِّسُ مَسْكَنَ الرَّبِّ. فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ إِسْرَائِيلَ. لأَنَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ لَمْ يُرَشَّ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً. نَجَاسَتُهَا لَمْ تَزَلْ فِيهَا.
١. مَنْ مَسَّ مَيْتًا مَيْتَةَ إِنْسَانٍ مَّا، يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ: بعد عرض شريعة ماء النجاسة، الذي يحوي رماد البقرة الحمراء، سرد الله على الفور أصعب الحالات التي تستلزم تطهيرًا طقسيًّا، وهي ملامسة جسد إنسان ميت.
• لم تكن النجاسة الطقسية ’خطية‘ كما قد نظن، لكن الشخص النجس من هذا المنطلق كان ينبغي أن يظل منعزلًا عن جماعة العبادة في إسرائيل إلى أن يتطهَّر طقسيًّا.
• كان الكهنة يتنجَّسون عند لمس جسد ميت (لاويين ٢٢: ١-٤). كذلك، لم يكن مسموحًا للنذير بالاقتراب من أية جثة (سفر العدد ٦: ٦) وإلا ينتهي نذره. وبالنسبة للذين لم يكونوا كهنة أو نذيرين، فإن ملامسة جسد ميت كانت تنجِّسهم لمدة سبعة أيام، يتحتم عليهم خلالها أن يظلُّوا خارج المحلة (لاويين ٥: ٢-٣).
• ذكر آدم كلارك (Adam Clarke) أن الفترة التي يكون فيها الإنسان نجسًا بعد لمس جثة إنسان كانت أطول من الفترة التي يكون فيها نجسًا بعد لمس جثة حيوان، فعلَّق على ذلك قائلًا: “يا للمستوى المتدنّي الذي أُنزِل إليه الإنسان! فمن مسًّ حيوانًا ميتًا لم يكن يتنجَّس إلا يومًا واحدًا فقط، بحسب لاويين ١١: ٢٤، ٢٧، ٣٩، وأما من مس إنسانًا ميتًا، فكان يتنجس لمدة سبعة أيام. كان الهدف من ذلك قطعًا هو التشديد على نجاسة الإنسان الخاصة، وإظهار مدى شره وفساده، الذي هو أسوأ سبع مرات من أحقر الحيوانات! كلارك (Clarke)
٢. وَإِنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ … فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ: كان الشخص النجس بحاجة إلى التطهير، ولم يكن مسموحًا له بأن يتجاهل حالته. ومع ذلك، يظل هذا الشخص جزءًا من الشعب، إلا إذا رفض فعلَ شيء حيال نجاسته.
• يمكن العثور على فكرة موازية لهذه الفكرة في يوحنا ١٣: ٥-١١. فعندما طلب بطرس من يسوع أن يغسل جسده كلَّه، قال له يسوع: “الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَّا إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ” (يوحنا ١٣: ١٠).
• “تحتاج الأرجل إلى غسل مستمر، لأن الدنس اليومي الناتج عن مسيرنا في عالم شرير يجعلنا بحاجة كلَّ يوم إلى التطهير من الخطايا الجديدة، وهذا هو ما يتيحه لنا السيد العظيم.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. يُنَجِّسُ مَسْكَنَ الرَّبِّ: كانت هذه الشرائع متصلة بكلِّ شعب إسرائيل، لكن بالكهنة على وجه الخصوص، لأنهم هم الذين كان من الممكن أن ينجِّسوا مسكن الرب. وفي العهد الجديد، للمؤمن أيضًا دعوة خاصة إلى الطهارة، لأن المؤمن النجس قد ينجِّس هيكل الله (١ كورنثوس ٦: ١٩-٢٠).
ب) الآيات (١٤-١٦): المزيد عن النجاسة الطقسية بسبب لمس جسد ميت.
١٤هذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ: إِذَا مَاتَ إِنْسَانٌ فِي خَيْمَةٍ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْخَيْمَةَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْخَيْمَةِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. ١٥وَكُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِدَادٌ بِعِصَابَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ. ١٦وَكُلُّ مَنْ مَسَّ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ قَتِيلًا بِالسَّيْفِ أَوْ مَيْتًا أَوْ عَظْمَ إِنْسَانٍ أَوْ قَبْرًا، يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
١. هَذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ: إِذَا مَاتَ إِنْسَانٌ فِي خَيْمَةٍ: كان تطبيق العزل على جميع الذين تلامسوا مع جثة إنسان إجراءً مفيدًا للصحة العامة أيضًا. فالذين من المحتمَل أن يكونوا قد أصيبوا بعدوى كانوا يُنَحُّون جانبًا حتى يمكن التأكُّد ممَّا إذا كانوا قد أصيبوا بمرضٍ من الميت أم لا.
٢. وَكُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِدَادٌ بِعِصَابَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ: في الواقع، يمتد هذا المبدأ إلى كُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ، لأنه من المحتمل أن يكون حاملًا لكائنات حية مسبِّبة للأمراض. فإذا كانت تلك الأواني موضوعةً بالقرب من جثة، تُعلَن نجاستها، وبالتالي تُعدَم، وهو ما كان يقلِّل من خطر الإصابة بالأمراض المعدية.
٣. يَكُونُ نَجِسًا: واحدٌ من أسباب اعتبار الجسد الميت نجسًا كان يتعلق بالرغبة في توصيل الفكرة التي مفادها أن الموت هو نتيجةٌ للخطية، وهو الدليل الفعلي الواضح على وجود الخطية (تكوين ٥: ١٥-١٧؛ رومية ٥: ١٢). فالموت هو ’الخطية في صورة منظورة.‘
• إذا مسَّ أحدهم جثة حيوان، يكون نجسًا لأقل من يوم واحد (لاويين ١١: ٢٤، ٢٧، ٣٩)، لكن إذا مسَّ جثة إنسان، يكون نجسًا لمدة سبعة أيام. فبحسب شريعة موسى، كان احتمال التقاط العدوى من الموت بين البشر أكبر منه بين الحيوانات.
• كذلك، إن تلامُسنا مع جسد ميت ينجِّسنا من الناحية الروحية أيضًا. في رومية ٧: ١٤، صرخ بولس في إحباطٍ من هزيمته أمام الخطية قائلًا: “مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هَذَا الْمَوْتِ؟” ولا يمكن أن نُنقذ من جسد الموت إلا بقبول عمل يسوع الثمين لأجلنا، وسلوكنا فيه.
ج) الآيات (١٧-١٩): استخدام ماء النجاسة الذي يحوي رماد البقرة الحمراء.
١٧فَيَأْخُذُونَ لِلنَّجِسِ مِنْ غُبَارِ حَرِيقِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ مَاءً حَيًّا فِي إِنَاءٍ. ١٨وَيَأْخُذُ رَجُلٌ طَاهِرٌ زُوفَا وَيَغْمِسُهَا فِي الْمَاءِ وَيَنْضِحُهُ عَلَى الْخَيْمَةِ، وَعَلَى جَمِيعِ الأَمْتِعَةِ وَعَلَى الأَنْفُسِ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ، وَعَلَى الَّذِي مَسَّ الْعَظْمَ أَوِ الْقَتِيلَ أَوِ الْمَيْتَ أَوِ الْقَبْرَ. ١٩يَنْضِحُ الطَّاهِرُ عَلَى النَّجِسِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْيَوْمِ السَّابعِ. وَيُطَهِّرُهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ بِمَاءٍ، فَيَكُونُ طَاهِرًا فِي الْمَسَاءِ.
١. فَيَأْخُذُونَ… مِنْ غُبَارِ حَرِيقِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ: كان رماد البقرة الحمراء (سفر العدد ١٩: ٩) يُرش في مَاء حَيّ، وكان هذا الماء يُستخدَم في طقوس التطهير.
• مَاءً حَيًّا: “كان ينبغي إيلاء عناية خاصة لهذا الأمر، حيث ينبغي ألا يُستخدَم لهذا الغرض سوى ماءٌ حيٌّ، أي ماء مأخوذ من تيار جارٍ.” واتسون (Watson)
• إن الرماد والماء معًا “يرمزان إلى رماد اِستحقاق وأهلِيّة المسيح، ومياه روحه القدوس.” تراب (Trapp)
• في هذه الصورة، نستطيع ملاحظة أن المَاء الحَيّ وحده لم يكن لديه القدرة في حدِّ ذاته على التطهير، بل كان ينبغي أن يجتمع مع غُبَارِ حَرِيقِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ. وهذا يوضح حقيقة أن الإشارة إلى عمل الروح القدس وحده، أو إلى كلمة الله وحدها، دون الإشارة إلى ذبيحة يسوع المسيح على الصليب، تُعتبَر بلا جدوى (١ كورنثوس ١: ٢٣؛ ٢ :٢). كذلك، إن الكرازة بعمل يسوع تكون عديمة الجدوى دون قوة الروح القدس. وبالتالي، فإننا نحتاج إلى كلٍّ من عمل يسوع، وعمل الروح القدس مع كلمة الله.
٢. فَيَكُونُ طَاهِرًا فِي الْمَسَاءِ: وهكذا، كان رماد البقرة الحمراء يُخلَط بالماء، للتطهير الطقسي. وكان هذا المزيج قادرًا على أن يطهِّر حتى تلك النجاسة الناتجة عن الموت.
• كانت هذه صورة نبوية قوية وواضحة لعمل يسوع في العهد الجديد. فإننا نستطيع القول إن رماد البقرة الحمراء يشير إلى عمل يسوع (انظر شرح سفر العدد ١٩: ٣-١٠)، وإن الماء يشير إلى عمل كلمة الله وروح الله (أفسس ٥: ١٠؛ يوحنا ٧: ٣٨-٣٩). فإن شخص يسوع المسيح وعمله، بالإضافة إلى عمل روح الله بواسطة كلمة الله، يحقِّقون معًا التطهير، حتى من سلطان الموت ونجاسته.
• يستطيع عمل يسوع أن يطهِّر الضمير من أعمال ميتة: “لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلهِ بِلَا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!” (عبرانيين ٩: ١٣-١٤)
د ) الآيات (٢٠-٢٢): طبيعة النجاسة.
٢٠وَأَمَّا الإِنْسَانُ الَّذِي يَتَنَجَّسُ وَلاَ يَتَطَهَّرُ، فَتُبَادُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ لأَنَّهُ نَجَّسَ مَقْدِسَ الرَّبِّ. مَاءُ النَّجَاسَةِ لَمْ يُرَشَّ عَلَيْهِ. إِنَّهُ نَجِسٌ. ٢١فَتَكُونُ لَهُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً. وَالَّذِي رَشَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَالَّذِي مَسَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. ٢٢وَكُلُّ مَا مَسَّهُ النَّجِسُ يَتَنَجَّسُ، وَالنَّفْسُ الَّتِي تَمَسُّ تَكُونُ نَجِسَةً إِلَى الْمَسَاءِ».
١. وَأَمَّا الْإِنْسَانُ الَّذِي يَتَنَجَّسُ وَلَا يَتَطَهَّرُ: يبيِّن هذا أن النجاسة لا يمكن أن تُصلِح نفسها بنفسها. فإن الإنسان النجس لا يمكن أن يصير طاهرًا مع الوقت، بل كان عليه أن يفعل شيئًا ما، وكان عليه أن يفعل ما أوصى به الله كي يتطهَّر. وبالتالي، فإن خططه أو جهوده الخاصة التي يبذلها ليتطهَّر لا تساوي شيئًا.
٢. وَالَّذِي رَشَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ: أولئك الذين يساعدون الآخرين ليتطهَّروا عليهم هم أنفسهم أن يسلكوا في الطهارة. والشخص الذي ينظر إلى ماء النجاسة على أنه شيء عادي (الَّذِي مَسَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ) سيُحسَب هو نفسه نجسًا.
٣. وَكُلُّ مَا مَسَّهُ النَّجِسُ يَتَنَجَّسُ: تنتقل النجاسة بسهولة، في حين ينبغي السعي عن عمدٍ إلى التطهُّر.
• هذه الشرائع المتعلِّقة بالتطهير الطقسي تقدِّم لنا العديد من المبادئ المهمة والثابتة:
ينبغي التمييز بين الطاهر والنجس. يعني ذلك أنه ليست كلُّ الأشياء واحدًا، بل يوجد فرق بين ما هو طاهر وما هو نجس.
النجاسة الطقسية هي مسؤولية الفرد، لكنها تؤثِّر في الجماعة بأكملها.
يجب الاعتراف بالنجاسة الطقسية والتعامل معها.
يمكن للفرد أن يتلوَّث بالنجاسة الموجودة في العالم المحيط به.
أتاح الله بالنعمة وسيلةً سريعةً و’سهلة‘ للتطهُّر (لكن، لم يكن الأمر ’سهلًا‘ على البقرة الحمراء).
يتحقَّق التطهير عن طريق الاحتكام إلى ذبيحة قُدِّمت سابقًا.
يتحقَّق التطهير من خلال كلٍّ من بقايا الذبيحة السابقة والماء الحي الجاري.
يشير رماد البقرة الحمراء ونظام الذبائح بأكمله إلى عمل يسوع المسيح الكامل (عبرانيين ٩: ١٣-١٤).
• “وكما وجد رجال العهد القديم في هذا الطقس وسيلة متاحة دائمًا لتطهير الجسد، هكذا يُذَكِّرنا ذلك بأن دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ (١يوحنا ١: ٧).” وينهام (Wenham)
• “يجب أن نسعى طوال الوقت إلى التطهير المتجدِّد في دم المسيح الثمين. ويُرمَز إلى دم المسيح هذا بهذه البقرة التي بلا عيب، التي ذُبِحت في مقتبل عمرها، واختلط رمادها بالماء الجاري، الذي يشهد لفاعليتها وتجدُّدها الدائمين.” ماكلارين (Maclaren)
• “ثمة ماء تطهير متاح دائمًا لتطهيري من كل الخطايا التي سأرتكبها على الإطلاق. فإن الدم الذي رُشَّ سبع مرات قد رَفَع عني هذه الخطايا أمام كرسي دينونة الله، والرماد المتبقي ينزع خطاياي من ضميري، ويطهِّره من أعمال ميتة.” سبيرجن (Spurgeon)