سفر العدد – الإصحاح ٢٠
بداية السنة الأخيرة
أولًا. احتجاج في وسط بني إسرائيل
أ ) الآية (١): موت مريم.
١وَأَتَى بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، إِلَى بَرِّيَّةِ صِينَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ. وَأَقَامَ الشَّعْبُ فِي قَادَشَ. وَمَاتَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ.
١. وَأَقَامَ الشَّعْبُ فِي قَادَشَ. وَمَاتَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ: ماتت مريم في قَادَش. فبعد سنوات من التيهان في البرية، وصل شعب إسرائيل الآن إلى قَادَش. ومن المرجَّح أن يكون هذا موضعًا آخر يُدعَى قَادَش، لكنه جاء هنا لتذكيرنا بسقطة الإيمان التي حدثت في قَادَش، والتي نقرأ عنها في سفر العدد ١٣: ٢٦.
• يربط سفر العدد ١٣: ٢٦ قَادَش ببرية فاران، في حين يربط سفر العدد ٢٠: ١ قَادَش ببرية صِين. إذن، ربما كان هناك موضعان مختلفان يُدعَى كلٌّ منهما قَادَشَ (أي ’الموضع المقدَّس‘).
٢. وَمَاتَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ: كان موت مريم مرحلةً بارزةً في رحلة الشعب من مصر إلى كنعان. فقد كانت مريم أول من مات في البرية من إخوة موسى، وكان موتها دليلًا على تحقُّق وعد الله بأن يموت الجيل الذي رفض دخول أرض كنعان في البرية، وبأن يدخل الجيل الجديد الأرض بدلًا منهم (سفر العدد ١٤: ٢٩-٣٤).
• يُبيِّن موت مريم عدم وجود استثناءات خاصة لعائلة موسى. فقد قال الله إن يشوع وكالب فقط هما اللذان سيبقيان على قيد الحياة من ذلك الجيل (سفر العدد ١٤: ٣٠)، وكان هذا يشمل مريم، وهارون، بل وموسى نفسه أيضًا. وسيُظهِر هذا الإصحاح نقائص كلِّ واحد من هؤلاء القادة البارزين.
• من الشائع أن يخدع البعض أنفسهم بالظن بأن لديهم استثناءً خاصًّا من الله، بسبب مكانتهم الخاصة عنده. لكن بما أنه لم يكن لموسى أو إخوته أي استثناء خاص، ينبغي إذن ألا نظن في كبريائنا أن لدينا حظوة ومكانة خاصة عند الله.
٣. وَمَاتَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ: كانت مريم شخصية معقَّدة. فقد كانت عظيمة بسبب شجاعتها في مساعدة موسى ووالديه (خروج ٤: ٤-٨)، وكذلك بسبب قيادتها لشعب إسرائيل في التسبيح للرب (خروج ١٥: ٢٠-٢١)؛ إلا أن العار لحق بها أيضًا بسبب تمرُّدها على موسى (سفر العدد ١٢). وحادثة التمرد هذه خلفت وصمة عار على حياتها.
• “يقول يوسابيوس إن قبر مريم ظل باقيًا في قادش حتى أيامه، في موضع قريب من مدينة البتراء.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٢-٦): احتجاج شعب إسرائيل على موسى وهارون بسبب العطش.
٢وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِلْجَمَاعَةِ فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ. ٣وَخَاصَمَ الشَّعْبُ مُوسَى وَكَلَّمُوهُ قَائِلِينَ: «لَيْتَنَا فَنِينَا فَنَاءَ إِخْوَتِنَا أَمَامَ الرَّبِّ. ٤لِمَاذَا أَتَيْتُمَا بِجَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى هذِهِ الْبَرِّيَّةِ لِكَيْ نَمُوتَ فِيهَا نَحْنُ وَمَوَاشِينَا؟ ٥وَلِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِتَأْتِيَا بِنَا إِلَى هذَا الْمَكَانِ الرَّدِيءِ؟ لَيْسَ هُوَ مَكَانَ زَرْعٍ وَتِينٍ وَكَرْمٍ وَرُمَّانٍ، وَلاَ فِيهِ مَاءٌ لِلشُّرْبِ!». ٦فَأَتَى مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا، فَتَرَاءَى لَهُمَا مَجْدُ الرَّبِّ.
١. وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِلْجَمَاعَةِ: كان هذا احتياجًا مشروعًا لدى الشعب ومواشيهم؛ ومع ذلك، كان بإمكانهم أن يثقوا بالله الذي كان يعولهم بشكل يومي، وأن يطلبوا الماءً من موسى بإيمان. لكنهم، في المقابل، اجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ.
٢. لَيْتَنَا فَنِينَا فَنَاءَ إِخْوَتِنَا أَمَامَ الرَّبِّ: دفعهم هذا الاحتجاج إلى الإدلاء بتصريحات عنيفة ومخزية، فتكلَّموا كمن لا ثقة لهم بالله. كان معظم جيل عدم الإيمان السابق قد ماتوا بالفعل، والآن ابتدأ الجيل الأحدث يتصرَّف تمامًا مثل الجيل غير المؤمن. فقد شكَّكوا صراحةً في وعد الله بأن يأتي بهم إلى أرض الموعد.
• “كما تذمَّر الآباء، هكذا فعل الأبناء.” كلارك (Clarke)
٣. لِمَاذَا أَتَيْتُمَا بِجَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ لِكَيْ نَمُوتَ فِيهَا نَحْنُ وَمَوَاشِينَا: دفعهم احتجاجهم هذا إلى توجيه اتهامات شنيعة لموسى وهارون بالتآمر على قتل الشعب (ومواشيهم).
٤. لَيْسَ هُوَ مَكَانَ زَرْعٍ وَتِينٍ وَكَرْمٍ وَرُمَّانٍ: تسبَّب احتجاجهم هذا في قصورٍ في رؤيتهم. فبدلًا من أن ينظروا إلى البرية على أنها مكانٌ لاختبار عناية الله الأمينة والمعجزية، لم يستطيعوا النظر إليها إلا على أنها مكان لا يحوي وفرة وخصب أرض كنعان.
• من المفارقة العجيبة أنهم لن يدخلوا البتة إلى وفرة وخصب أرض كنعان إلا إذا تعلَّموا كيف يثقون بالله في البرية.
٥. مُوسَى وَهَارُون… سَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا: فقد أدركا مدى خطورة الأمر. فإن احتجاج شعب إسرائيل قد يكشف أن هذا الجيل الجديد غير مؤمن وغير واثق بالله تمامًا مثل الجيل السابق. وإذا صحَّ ذلك، فإنهم سيموتون هم أيضًا في البرية.
• “نحن هنا أمام بداية حقبة جديدة في حياة هذا الشعب. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيكون هذا الجيل الجديد أفضل من الجيل السابق؟ وهذا ما يضفي أهمية على هذا الحدث، ويفسِّر المرارة التي شعر بها موسى عندما وجد أن التوجُّه القديم نفسه لا يزال موجودًا في الأبناء.” ماكلارين (Maclaren)
ج) الآيات (٧-٨): أمر الله لموسى بتوفير الماء لشعب إسرائيل.
٧وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٨«خُذِ الْعَصَا وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الْجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ».
١. خُذِ الْعَصَا… وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ: طلب الله من موسى تحديدًا أن يأخذ الْعَصَا، لكن دون أن يستخدمها. فقد وعد الله بتوفير الماء لشعب إسرائيل عندما يكلِّم موسى الصَّخْرَةَ.
٢. أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا: في جبل سيناء، أوصى الله موسى بأن يضرب الصخرة، فخرج منها ماءٌ (خروج ١٧: ٦). لكن هنا، أوصى الله موسى بأن يكَلِّمَ الصخرة فقط، وهو ممسكٌ بالْعَصَا في يده.
د ) الآيات (٩-١١): نزاع موسى مع شعب إسرائيل ومع الرب أيضًا.
٩فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ كَمَا أَمَرَهُ، ١٠وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجُمْهُورَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ، أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً؟». ١١وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا.
١. فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ كَمَا أَمَرَهُ: ابتدأ موسى ينفِّذ ما أمره به الرب تمامًا، إذ مُوسَى الْعَصَا، وجَمَعَ شعب إسرائيل.
٢. اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ، أَمِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً: أمر الله موسى فقط بأن يأخذ العصا ويكلِّم الصخرة (الآيتان ٧-٨)، ولم يطلب منه قط أن يلقي محاضرةً على شعب إسرائيل، ولا سيما إذا كانت بهذا الأسلوب القاسي والغاضب. صحيح أنه في بعض الأحيان، كان على موسى أن ينقل رسالة غضب من الله، لكن لم تكن هذه المرة واحدة من تلك المرات.
• كان من الخطأ أن يلقِي موسى محاضرة على شعب إسرائيل، وكان من الأسوأ أيضًا أن يفعل ذلك بغضب مليء بالامتعاض المرير. ففي مواقف سابقة، عندما كان شعب إسرائيل يحتجُّون على موسى، كان يبدي رد فعل مختلفًا.
ففي قادش، سقط موسى على وجهه أمام الله عندما تمرَّد الشعب (سفر العدد ١٦: ٤).
وفي مارَّة، صرخ موسى إلى الرب، لكن ليس في شكاية على الشعب (خروج ١٥: ٢٢-٢٥).
وفي مسَّة ومَريبة، واجه موسى الشعب (خروج ١٧: ١-٧)، لكن على ما يبدو دون نبرة الغضب، والامتعاض، والمرارة الحادة التي نراها هنا.
• توجد العديد من الأسباب التي تعلِّل ردَّ فعل موسى الخاطئ، لكن لم تكن هناك مبرِّرات كافية لذلك. فقد تعرَّض موسى للاستفزاز، لكنه تجاوب مع ذلك بارتكاب خطية، كما هو مذكور لاحقًا في مزمور ١٠٦: ٣٢-٣٣ “وَأَسْخَطُوهُ عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ حَتَّى تَأَذَّى مُوسَى بِسَبَبِهِمْ. لِأَنَّهُمْ أَمَرُّوا رُوحَهُ حَتَّى فَرَطَ بِشَفَتَيْهِ.”
٣. أَمِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً: بما أن موسى وهارون كانا واقفين أمام الشعب (الآيتان ٦، ١٠)، فإن الضمير الذي جاء في صيغة الجمع في ’نُخْرِجُ‘ يعود على الأرجح على كليهما. فقد تكلم موسى إلى الشعب كما لو كان هو وهارون، وليس الرب، هما اللذان سيوفران الماء للشعب.
٤. وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ: عصى موسى الله بصورة مباشرة، عندما ضرب الصخرة بدلًا من أن يكلِّمها. ولم يكتفِ بضربها، لكنه ضربها أيضًا مَرَّتَيْنِ. فحتى عندما ضرب موسى الصخرة في بداية رحلة الخروج، كان عليه عندئذ أن يضربها مرة واحدة فحسب (خروج ١٧: ٥-٧). أما هنا، فقد ضَرَبَ الصَّخْرَةَ مَرَّتَيْنِ من شدة غضبه وإحباطه.
• “يَذكُر الترجوم الفلسطيني بوضوح شديد أن الضربة الأولى للصخرة أخرجت دمًا، الأمر الذي يعبِّر عن الشر المفجع لهذه الضربة الغاضبة.” ماكلارين (Maclaren)
٥. فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ: رغم إخفاق موسى في كلٍّ من توجُّهه القلبي وسلوكه، أمدَّ الله الشعب بماء غَزِير. ربما ظنَّ موسى عندئذ أن الله راضٍ، وأن كلَّ شيء على ما يرام، لأنه نجح في إخراج ماءٍ من الصخرة.
• إن محبة الله لشعبه شديدة لدرجة أنه يرتضي بأن يستخدم أدوات غير مثالية. ولذلك، فإن حقيقة استخدام الله لأحدهم ليست دليلًا على أن هذا الشخص المستخدَم في علاقة صحيحة معه، أو أنه يخدم حسب قلب الله.
• “كتب الباحثون الجغرافيون ومفسِّرو الكتاب المقدس لسنوات كثيرة عن المياه الجوفية الغزيرة الموجودة تحت سطح الطبقات الصخرية لشبه جزيرة سيناء… ففي اللحظة التي أخطأ فيها موسى بضربه الصخرة، فجَّر الله مياهًا من مصدر المياه الجوفية، بكمية أكثر من كافية لتلبية احتياجات شعب إسرائيل.” كول (Cole)
هـ) الآيات (١٢-١٣): توبيخ الله لموسى وتأديبه.
١٢فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذلِكَ لاَ تُدْخِلاَنِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا». ١٣هذَا مَاءُ مَرِيبَةَ، حَيْثُ خَاصَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ، فَتَقَدَّسَ فِيهِمْ.
١. مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي: كان التوجُّه والسلوك الخاطئ اللذان صدرا عن موسى نابعَين من عدم إيمانٍ. فإن موسى لم يصدق الله حقًا عندما أمره بأن يكلِّم الصخرة لا بأن يضربها.
• يتخذ عدم الإيمان العديد من الأشكال. فمن السهل أن نرى عدم إيمان شعب إسرائيل في سفر العدد ١٤، عندما رفضوا أن يثقوا بالله ويدخلوا أرض كنعان. وهنا أيضًا، لم يكن موسى مؤمنًا، لكن في ظروف مختلفة. فإنه لم يثق بالله من جهة تأديب شعبه، ولذلك أخذ على عاتقه فعل ذلك في وقتٍ لم يكن الله يريد فيه أن يؤدب شعب إسرائيل. فقد تصرَّف في ذلك الوقت بعقلية الأمير المصري، وليس بعقلية خادم الرب.
• تحت الخطية الأكبر المتمثِّلة في لَمْ تُؤْمِنَا بِي، وإخفاق موسى وهارون في أن يُقَدِّسَا الرب أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كانت هناك العديد من الخطايا الأخرى التي ارتكبها موسى، والتي على قادة شعب الله اليوم أن يحرصوا بشكل خاص على تجنُّبها:
ربما كان موسى يعاني من حزن شديد على موت أخته.
خطية عصيان صريحة، أي عدم تنفيذ أمر الله.
كان قدوة سيئة، إذ لم يُظهِر قداسة الله أمام أعين الشعب.
لم يستمع إلى الله عندما أراد منه أن يفعل شيئًا مختلفًا، بل ظن أنه يستطيع التحكُّم في المعجزة بطريقته.
الانزعاج والضيق من جرح كرامته الشخصية.
نسب الفضل في عمل الله إلى نفسه.
الظن بأن عمل الله يستلزم أكثر من مجرد كلام.
التصريح بأن الله غاضب من شعبه في حين لم يكن الله كذلك.
الاستسلام للغضب الشخصي من شعب الله.
الاستسلام للخوف من أن يؤدِّي عدم إيمان شعب الله وعدم أمانتهم إلى أسوأ النتائج.
عدم الاستقاء من إمدادات قوة الله للصمود حتى النهاية.
كان صورة سلبية ليسوع.
• “ربما لا توجد قصة في كلِّ العهد القديم أشد تأثيرًا واختراقًا لقلوب جميع المدعوِّين لقيادة شعب الله من قصة سقوط موسى. فما فعله كان طبيعيًّا وفطريًّا للغاية، وفي ذلك تحديدًا تَكمُن مشكلته.” مورجان (Morgan)
٢. حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ما فعله موسى لم يكن أمرًا مقدَّسًا. فقد جعل الله أشبه برجل غاضب، أو بأحد الآلهة الوثنية متقلِّبة المزاج. فإنه لم يعكس أحشاء الله وطبيعته أمام الشعب.
٣. لِذَلِكَ لَا تُدْخِلَانِ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الْأَرْضِ: كان تأديب الله لموسى صارمًا وقاسيًا. فإن هذا القائد العظيم لن يُدخِل شعب إسرائيل إلى أرض كنعان. حلم موسى حتى وهو شاب بأن يكون منقذًا لشعبه، لكنه الآن لن يكمل هذا العمل، بل سيكمله شخص آخر.
• ربما ظننَّا، وربما ظن شعب إسرائيل، بل وربما ظن موسى نفسه، أنه مستثنى من القضاء الذي حكم بفناء كل الجيل الذي كان راشدًا في بداية رحلة الخروج في البرية. فرغم عظمة موسى كقائد، كان لا يزال تحت سلطان الله وتحت شريعته.
٤. لَا تُدْخِلَانِ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا: ربما يبدو هذا عقابًا قاسيًا بصورة غير مبرَّرة لموسى. فبسبب خطأ واحد يبدو بسيطًا، حُكِم عليه بأن يموت قبل دخول أرض كنعان. غير أن الله حاسب موسى بموجب معيارٍ أشد صرامة، وذلك بسبب منصبه القيادي في وسط الشعب، ولأنه كان يتمتع بعلاقة وثيقة وفريدة مع الله.
• من الخطأ أن نطالب المعلِّمين والقادة باستيفاء مقياس الكمال، لكن من الصواب أن يُحاسَب المعلِّمون والقادة بموجب معيار أشد صرامة من المعيار الذي يحاسَب الآخرون بموجبه (يعقوب ٣: ١).
• الأهم من ذلك أن موسى أفسد صورة رائعة لفداء يسوع، تتجلَّى في الصخرة التي أخرجت ماءً في البرية. يبيِّن العهد الجديد أن هذه الصخرة التي تخرج الماء وتهب حياة كانت رمزًا ليسوع (١ كورنثوس ١٠: ٤). فإن يسوع، الذي ضُرِب مرة واحدة، وهب الحياة لجميع الذين يشربون منه (يوحنا ٧: ٣٧). لكن لم يكن ضروريًّا، بل ولم يكن من الصواب، أن يُضرَب يسوع مرة أخرى، وذلك لأن ابن الله لم يكن بحاجة إلى أن يتألَّم سوى مرة واحدة (عبرانيين ١٠: ١٠-١٢). ونستطيع الآن أن نقترب إلى يسوع بكلمات الإيمان (رومية ١٠: ٨-١٠)، تمامًا كما كان ينبغي على موسى فقط أن يستخدم كلمات الإيمان كي يُخرِج الماء الواهب حياةً لشعب إسرائيل. وبهذا، ’أفسد‘ موسى هذه الصورة لعمل يسوع التي قصد الله أن يرسمها.
٥. فَتَقَدَّسَ فِيهِمْ: في نهاية الأمر برمته، تقدَّس الله في أعين بني إسرائيل. لم يقدِّس موسى الله في هذا الحدث، بل قدّس الله ذاته بتأديبه لموسى.
ثانيًا. بداية المرحلة الأخيرة من الرحلة إلى أرض كنعان، وطلب المرور من أدوم
أ ) الآيات (١٤-١٧): رُسُل إلى ملك أدوم.
١٤وَأَرْسَلَ مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادَشَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ: «هكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ: قَدْ عَرَفْتَ كُلَّ الْمَشَقَّةِ الَّتِي أَصَابَتْنَا. ١٥إِنَّ آبَاءَنَا انْحَدَرُوا إِلَى مِصْرَ، وَأَقَمْنَا فِي مِصْرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَأَسَاءَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَيْنَا وَإِلَى آبَائِنَا، ١٦فَصَرَخْنَا إِلَى الرَّبِّ فَسَمِعَ صَوْتَنَا، وَأَرْسَلَ مَلاَكًا وَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ. وَهَا نَحْنُ فِي قَادَشَ، مَدِينَةٍ فِي طَرَفِ تُخُومِكَ. ١٧دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمُرُّ فِي حَقْل وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ».
١. وَأَرْسَلَ مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادَشَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ: مرَّ زمان طويل منذ رفَضَ شعب إسرائيل دخول أرض كنعان بالإيمان في سفر العدد ١٤. لكنهم صاروا مستعدين الآن للاقتراب من أرض كنعان أكثر من أيِّ وقت مضى، متَّجهين من قَادَشَ، عبر أَدُومَ، إلى كنعان. يأتي بنا هذا المقطع من سفر العدد ٢٠ إلى المرحلة الخامسة والأخيرة من المراحل الخمس لرحلة خروج بني إسرائيل.
• المرحلة الأولى: من مصر إلى جبل سيناء (خروج ١٢: ٣١ – ١٨: ٢٧)
• المرحلة الثانية: الإقامة عند جبل سيناء (خروج ١٩: ١ – سفر العدد ١٠: ١٠)
• المرحلة الثالثة: الاقتراب الأول من أرض الموعد، انطلاقًا من جبل سيناء. لكن المحاولة أُحبِطت في قادش بسبب رفض الشعب دخول أرض الموعد بالإيمان (سفر العدد ١٠: ١١ – ١٤: ٤٥).
• المرحلة الرابعة: ٣٨ سنة من التيهان في البرية حتى مات الجيل غير المؤمن (سفر العدد ١٥: ١ – ٢٠: ١٣).
• المرحلة الخامسة: الاقتراب الثاني والأخير من أرض الموعد (سفر العدد ٢٠: ١٤ – يشوع ٢: ٢٤).
٢. هَكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ: كان شعب إسرائيل أخًا لأدُومَ، لأن إسرائيل الأب (والذي يُعرَف أيضًا باسم يعقوب) كان أخا عيسو (الذي يُعرَف أيضًا باسم أدوم)، كما نقرأ في تكوين ٢٥: ١٩-٣٤.
• “صيغ هذا الطلب في شكل رسالة دبلوماسية كثيرة الشبه بعادات الكتابة في الشرق، التي نعرف عنها من خلال سجلات مملكة مري، وبابل، وألالاخ، وتل العمارنة. فقد كانت الرسائل تتألَّف من العديد من الأجزاء الموحَّدة والثابتة.” وينهام (Wenham)
٣. قَدْ عَرَفْتَ كُلَّ الْمَشَقَّةِ: في رسالة موسى إلى ملك أدوم، توقَّع أنه كان يعرف تاريخ الفترة التي قضاها شعب إسرائيل في مصر، وكيف نجوا منها. وتوقع أيضًا أنه كان على دراية إلى حدٍّ ما بالرَّبِّ، وبمَلَاك الرب الذي رافقهم، وكذلك بأمانة الله الشديدة من نحو شعب إسرائيل. فمن بين الأسباب التي دفعت الله إلى إنقاذ شعب إسرائيل، وإرشاده، وإعالته هو أن يتمجَّد أمام أعين الأمم.
٤. دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ: طلب موسى السماح بأن يمُرَّ فِي أرض أدوم، الواقعة على الجانب الشرقي من الجزء الجنوبي من نهر الأردن والبحر الميت. ولم يتوقع شعب إسرائيل أن يحصلوا على أيِّ دعم من الأدوميين لأن الله كان يدبِّر لهم كلَّ احتياجاتهم.
• يشير المرور من أَدُومَ إلى اتباع شعب إسرائيل استراتيجية جديدة. “عندما أتى الشعب إلى قادش قبل ذلك بثماني وثلاثين سنة، يبدو أن خطتهم كانت تتمثَّل في التقدُّم باتجاه الشمال عبر أرض كنعان، والاستيلاء على الأراضي في طريقهم. لكن تقرير الجواسيس السلبي، وتمرُّد الشعب على الرب، غيَّر كلَّ شيء. ويبدو أن الخطة هذه المرة كانت تقتضي الدوران حول جنوب الأرض، والعبور من جنوب شرق الأردن، ثم اقتحام الأرض من جهة الشرق.” ألن (Allen)
• كان طَرِيقِ الْمَلِكِ هو طريق التجارة الذي يربط بين دمشق، ومصر، والجزيرة العربية، والأراضي الواقعة بينها.
ب) الآيات (١٨-٢١): رفض الأدوميين مرور شعب إسرائيل.
١٨فَقَالَ لَهُ أَدُومُ: «لاَ تَمُرُّ بِي لِئَلاَّ أَخْرُجَ لِلِقَائِكَ بِالسَّيْفِ». ١٩فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «فِي السِّكَّةِ نَصْعَدُ، وَإِذَا شَرِبْنَا أَنَا وَمَوَاشِيَّ مِنْ مَائِكَ أَدْفَعُ ثَمَنَهُ. لاَ شَيْءَ. أَمُرُّ بِرِجْلَيَّ فَقَطْ». ٢٠فَقَالَ: «لاَ تَمُرُّ». وَخَرَجَ أَدُومُ لِلِقَائِهِ بِشَعْبٍ غَفِيرٍ وَبِيَدٍ شَدِيدَةٍ. ٢١وَأَبَى أَدُومُ أَنْ يَسْمَحَ لإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، فَتَحَوَّلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ.
١. لَا تَمُرُّ بِي لِئَلَّا أَخْرُجَ لِلِقَائِكَ بِالسَّيْفِ: كان هذا رفضًا لا داعي له. فلم يكن الأمر ليكلِّف أدوم شيئًا، بل وكان من شأنه أيضًا أن يكون بادرة حسن نية منهم. لكن الأدوميين رفضوا ذلك، ربما بدافع الشك أو الخوف.
• “مع أن لكلِّ ملك الحق في رفض مرور أيِّ غرباء من أراضيه، لكن في حالةٍ كهذه، وفي زمن كانت الهجرة فيه أمرًا متكرِّرًا وشائعًا، ومسموحًا بها عالميًّا، كان من القسوة والظلم أن يرفض أدوم مرور جماعة من العُزَّل والمسالمين نسبيًّا من أراضيه، هم أيضًا من أقربائهم.” كلارك (Clarke)
٢. فَتَحَوَّلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ: هذا الرفض جعل رحلة بني إسرائيل أكثر إحباطًا وخطورة (سفر العدد ٢١: ٤-٥)، لكن يبدو أنه لا يوجد أيُّ ذكرٍ لمعاقبة الله لأدوم على هذه الخطية. بل في حقيقة الأمر، ظل شعب إسرائيل مطالَبين بأن يعاملوا الأدوميين على أنهم شعب شقيق (تثنية ٢٣: ٧).
• علَّم الله شعب إسرائيل هنا أن يتركوا له مهمة إدانة الذين يؤذونهم لله، وكيف يحبُّوا الذين تصرَّفوا معهم على أنهم أعداء، حتى وإن كانوا إخوتهم.
ثالثًا. موت هارون
أ ) الآيات (٢٢-٢٦): الاستعداد لموت هارون.
٢٢فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، مِنْ قَادَشَ وَأَتَوْا إِلَى جَبَلِ هُورٍ. ٢٣وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ فِي جَبَلِ هُورٍ عَلَى تُخُمِ أَرْضِ أَدُومَ قَائِلًا: ٢٤«يُضَمُّ هَارُونُ إِلَى قَوْمِهِ لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ قَوْلِي عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ. ٢٥خُذْ هَارُونَ وَأَلِعَازَارَ ابْنَهُ وَاصْعَدْ بِهِمَا إِلَى جَبَلِ هُورٍ، ٢٦وَاخْلَعْ عَنْ هَارُونَ ثِيَابَهُ، وَأَلْبِسْ أَلِعَازَارَ ابْنَهُ إِيَّاهَا. فَيُضَمُّ هَارُونُ وَيَمُوتُ هُنَاكَ».
١. فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، مِنْ قَادَشَ وَأَتَوْا إِلَى جَبَلِ هُورٍ: إلى جانب الآية ١٤، تُعتبَر هذه الآية مؤشرًا آخر على كون هذه هي المرحلة الأخيرة من رحلة شعب إسرائيل في البرية. يقول سفر العدد ٣٣: ٣٨ إن هذه الأحداث وقعت في السنة الأربعين من خروج شعب إسرائيل من أرض مصر.
• لم يسجَّل سوى القليل عن تلك الأحداث التي وقعت خلال هذه السنوات، حيث اقتصر تاريخ تلك الفترة فقط على خمسة إصحاحات ونصف، في حين خُصِّص ما يقرب من ٥٠ إصحاحًا لأحداث السنة الواحدة التي قضاها الشعب في جبل سيناء. وكان الهدف من ذلك هو إظهار أن هذه السنوات لم تحقِّق شيئًا سوى موت جيل عدم الإيمان.
• كانت تلك السنوات الثماني والثلاثين مليئة بالحركة، لكن دون إحراز أيِّ تقدم. وهكذا يمكن لمسيرتنا مع الله أن تكون أيضًا. “لم تسجَّل أحداث الجزء الأكبر من إقامة الشعب في البرية. وربما تعمَّد موسى فعل ذلك. فيبدو الأمر كما لو أن فترة الترحال في البرية كانت فترة غير محسوبةٍ من تاريخ الخلاص.” ألن (Allen)
• “منذ تمرُّد شعب إسرائيل، ضاعت حياتهم سدى. والآن فقط، وبعد انقضاء تلك المدة، وبعد كل هذا القدر من المعاناة، وجد شعب إسرائيل نفسه في وضعٍ يسمح له باستئناف المسير الذي تعطَّل في قادش. وهذا هو حال بعض الكنائس اليوم، التي وصلت إلى نقطة معيَّنة، ثم تمرَّدت على صوت الله. فإن حياتها ضيع سدى. فربما تظل تلك الكنائس موجودة، لكنها تصير خاليةً من الحياة. وربما توجد حركة كثيرة في وسطهم، لكنها حركة بلا هدف محدَّد وواضح، وبالتالي فإنها لا تؤدي بهم إلى أي مكان، بل ينتهي بهم الحال واقفين عند النقطة نفسها. وفقط بعد زمان طويل (هذا إن رحمهم الله)، قد يجد هؤلاء أنفسهم مرة أخرى في وضعٍ يسمح لهم بالبدء من جديد، دون أن يكونوا قد تقدَّموا خطوة واحدة إلى الأمام طوال تلك السنوات. هكذا حال الأفراد الذين لا يمضون قدمًا في عزمٍ عندما يُدعَون إلى ذلك. فإنهم يُستنزَفون، ويهدرون حياتهم في التحرُّك ذهابًا وإيابًا، دون إحراز أيِّ تقدُّم. وربما بعد عدة سنوات – أو بعد عمر بأكمله – من التيه والتجوال في الأماكن الجافة، يجدون أنفسهم مرة أخرى واقفين عند النقطة نفسها التي كانوا قد وصلوا إليها من قبل، وأنهم لم يتقدَّموا إلى الأمام ولو خطوة واحدة.” وينتربوثام (Winterbotham)
٢. يُضَمُّ هَارُونُ إِلَى قَوْمِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْأَرْضَ: ماتت مريم (الآية ١)، ثم أُخبِر موسى بأنه سيموت قبل دخول أرض كنعان (الآية ١٢)، والآن عرف هارون أنه هو أيضًا سيموت قريبًا، وأنه لَن يَدْخُل الْأَرْضَ. أُعطِي هارون نعمة الوقت والمعرفة كي يستعد لموته.
• “عبارة ’يُضَمُّ … إِلَى قَوْمِهِ‘ هي العبارة المعتادة التي تُستخدَم لوصف موت رجلٍ بارٍّ في شيخوخته. وقد استُخدِمت في حدث موت إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وموسى (تكوين ٢٥: ٨، ١٧؛ ٣٥: ٢٩؛ ٤٩: ٣٣؛ سفر العدد ٣١: ٢). وهذه العبارة هي أكثر من مجرد تعبير بلاغي، لكنها تصف قناعة أساسية كانت سائدة في العهد القديم بشأن الحياة بعد الموت، ومفادها أنه في الهاوية، التي هي موضع الموتى، سيجتمع الناس ثانيةً مع أفراد عائلاتهم.” وينهام (Wenham)
ب) الآيات (٢٧-٢٩): هارون على جبل هور.
٢٧فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ، وَصَعِدُوا إِلَى جَبَلِ هُورٍ أَمَامَ أَعْيُنِ كُلِّ الْجَمَاعَةِ. ٢٨فَخَلَعَ مُوسَى عَنْ هَارُونَ ثِيَابَهُ وَأَلْبَسَ أَلِعَازَارَ ابْنَهُ إِيَّاهَا. فَمَاتَ هَارُونُ هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، ثُمَّ انْحَدَرَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ عَنِ الْجَبَلِ. ٢٩فَلَمَّا رَأَى كُلُّ الْجَمَاعَةِ أَنَّ هَارُونَ قَدْ مَاتَ، بَكَى جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ عَلَى هَارُونَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا.
١. فَخَلَعَ مُوسَى عَنْ هَارُونَ ثِيَابَهُ وَأَلْبَسَ أَلِعَازَارَ: كانت هذه نقلةً مهمةً من أول رئيس كهنة لإسرائيل إلى ابنه وخليفته أَلِعَازَارَ. والآن، ارتدى لعازر ثِيَابَ رئيس الكهنة التي للمجد والبهاء (خروج ٢٨: ٢).
• مات هذا الرجل، لكنَّ الكهنوت، المقترن بإمكانية الدخول إلى الله والتمتع بعلاقة معه، استمرَّ. فلم تكن علاقة أيِّ إسرائيلي بالله لتتوقف على هارون، بل على وظيفة رئيس الكهنة، أيًا كان الشخص الذي يشغلها. وفي يسوع المسيح، حرص الله على أن يظل هناك دائمًا رئيس كهنة لنا (عبرانيين ٤: ١٤-١٦). ولذلك، فإننا لسنا بحاجة إلى الاعتماد على أيِّ إنسان في علاقتنا بالله. وإذا أمكن للكاهن ألا يموت البتة، يظل كهنوته باقيًا إلى الأبد. وبالتالي، فإن كهنوت يسوع باقٍ إلى الأبد.
٢. فَمَاتَ هَارُونُ هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ: مات هارون، الذي كان شخصية عظيمة، لكن معقَّدة أكثر من مريم أيضًا. فقد استخدمه الله بقوة، ليكون شريكًا لموسى (خروج ٤: ٢٧-٣١)، ولتأسيس الكهنوت (لاويين ٨)، وكذلك للتضرُّع مع موسى إلى الله من أجل الشعب (سفر العدد ١٦، ١٧). لكنه، في الوقت نفسه، لعب دورًا فعالًا في العبادة المشينة للعجل الذهبي (خروج ٣٢)، وكذلك في مقاومة سلطة موسى مع أخته مريم (سفر العدد ١٢).
• من بين الأمور التي نتعلَّمها من حياة هارون هو أن دور الخادم أهم من الخادم نفسه. فلم يكن هارون الخادم جديرًا بالاحترام طوال الوقت، لكن دور هارون ’رئيس الكهنة‘ كان دائمًا جديرًا بالإكرام.
• دُفن كل من هارون وموسى على الجبال المطلة على أرض كنعان. ودُفنت مريم في واحة قادش. ومن الأرجح أن جميعهم ماتوا خلال السنة نفسها.
٣. ثُمَّ انْحَدَرَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ عَنِ الْجَبَلِ: كان موت هارون علامة بارزة ومهمة في تاريخ شعب إسرائيل. فقد مات رئيس الكهنة، لكن مؤسَّسة الكهنوت استمرت، وظلت مستمرَّة أيضًا من خلال نسل هارون، إلى أن تحقَّق هذا الكهنوت في يسوع المسيح (عبرانيين ٢: ١٧؛ ٣: ١)، وفي شعب يسوع أيضًا (١ بطرس ٢: ٩).
• عندما رجع موسى وألعازر وحدهما إلى محلة إسرائيل، وكان لعازر لابسًا ثياب أبيه، رئيس الكهنة، علم كلُّ شعب إسرائيل أن هارون مات، وأن ابنه أصبح رئيس الكهنة الجديد.
• لم يستطع موسى، الذي كان يمثِّل الناموس، أن يُدخِل الشعب إلى أرض الموعد. ولم تستطع مريم، التي كانت تمثِّل الأنبياء، أن تُدخِلهم إلى أرض الموعد. ولم يستطع هارون أيضًا، الذي كان يمثِّل الكهنوت، أن يُدخِلهم إلى أرض الموعد. لكن يشوع وحده، أي يسوع، هو الذي استطاع أن يُدخِلهم إلى أرض الموعد، تلك الأرض التي وعد بها الله.