سفر العدد – الإصحاح ١١
شكوى الشعب
أولًا. شكوى شعب إسرائيل وشكوى موسى
أ ) الآيات (١-٣): قلب إسرائيل المتذمِّر.
١وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرًّا فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ. وَسَمِعَ الرَّبُّ فَحَمِيَ غَضَبُهُ، فَاشْتَعَلَتْ فِيهِمْ نَارُ الرَّبِّ وَأَحْرَقَتْ فِي طَرَفِ الْمَحَلَّةِ. ٢فَصَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى، فَصَلَّى مُوسَى إِلَى الرَّبِّ فَخَمَدَتِ النَّارُ. ٣فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «تَبْعِيرَةَ» لأَنَّ نَارَ الرَّبِّ اشْتَعَلَتْ فِيهِمْ.
١. وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ: في الإصحاحات العشرة الأولى من سفر العدد، صار شعب إسرائيل في حالة من الترتيب، والتنظيم، والطهارة، والقداسة، والبركة، وتعلَّموا العطاء، وجرى تذكيرهم بخلاص الله لهم، ووُهِبوا حضور الله في وسطهم، والوسائل اللازمة للتقدُّم صوب أرض الموعد. لكن بعدما انطلقوا في طريقهم إلى أرض كنعان، وفقط بعد أيام قليلة، اشتكى الشَّعْبُ.
• ربما نستغرب أن يتذمَّر شعبٌ نال كلَّ هذا القدر من البركات. فقد فعل الله الكثير جدًا لأجل شعب إسرائيل، وفيهم. ومع ذلك، تذمَّروا عليه. صحيح أنهم كانوا لا يزالون في البرية، ولم تكن ظروفهم سهلة، لكن لم تُسفر شكواهم عن أيِّ شيء إيجابي.
• “لسنا نعرف سبب هذا التذمر… ولكن من المؤكَّد أنه لم يوجد شعب ليست لديه أية أسباب للتذمر أكثر من هذا الشعب. فقد كان الله في وسطهم، وكانت عجائب صلاحه تُجرَى باستمرار لصالحهم.” كلارك (Clarke)
٢. وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرًّا فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ: قد أسفرت شكواهم عن استياء الله (شَرًّا فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ). فإن القلوب المتذمِّرة عادة ما تثير استياء الله، ولا سيما عندما لا تبدي امتنانًا على ما فعله لأجلها في الماضي، أو إيمانًا بما يستطيع أن يفعله في الوقت الحالي.
• لم يُذكَر هنا تحديدًا الأمر الذي كان شعب إسرائيل يَشْتَكُونَ منه. فربما نبعت هذه الشكوى ببساطة من قلب غير مكتفٍ في العموم. فإننا نتذمَّر في بعض الأحيان دون وجود أيِّ سبب وجيه، بل فقط لأن قلوبنا غير مكتفية.
٣. فَاشْتَعَلَتْ فِيهِمْ نَارُ الرَّبِّ: كان بنو إسرائيل يقدِّرون قيمة عمود النار الذي يشير إلى حضور الله معهم كلَّ ليلة. لكن هنا، أصبحت النار وأصبح حضور الله سيفًا ذي حدَّين. فقد كانت نار الله حاضرة مع بني إسرائيل لطمأنتهم، لكنها كانت حاضرة أيضًا للتصدِّي لخطاياهم.
• “لم يوضح النص في هذا الموقف ما الذي احترق تحديدًا، أهي فقط بضع شجيرات قرب الخيام، أم بعض من الخيام نفسها. لكن على أيِّ حال، أدرك الشعب أنهم في خطر، فلجأوا إلى موسى ليصلِّي لأجلهم.” وينهام (Wenham)
• “في هذا الحدث، إما أن الله أنزل عليهم نارًا بطريقة معجزية فائقة، وإما أنه أرسل عليهم بروقًا، وإما أنه ضربهم بتلك الرياح الحارة الخانقة التي كانت شائعة جدًا في تلك المناطق.” كلارك (Clarke)
• وَأَحْرَقَتْ فِي طَرَفِ الْمَحَلَّةِ: “اقتصرت نار التطهير هذه على أطراف المحلة، وهو ما يُعَد رحمة من الرب. فقد كان باستطاعته أن يُلقِي بناره في وسط المحلة، فيقتل عددًا من الأشخاص أكبر من الذين قاسوا هذه الدينونة الرهيبة.” ألن (Allen)
٤. فَصَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى: كان الوضع المثالي هو أن يصرخ شعب إسرائيل إلى الله مباشرةً. لكن بسبب افتقارهم إلى الوعي القوي بالعلاقة التي تربطهم بالله، رفعوا صراخهم إلى موسى وليس إلى الرب.
٥. فَصَلَّى مُوسَى إِلَى الرَّبِّ فَخَمَدَتِ النَّارُ: صَلَّى موسى لأجل الشعب، فخمدت النار. ودُعِي هذا المكان تَبْعِيرَةَ (اشتعال) تذكارًا لدينونة الله على القلوب المتذمِّرة من بين شعب إسرائيل.
ب) الآية (٤): تذمُّر شعب إسرائيل من عدم وجود اللحم.
٤وَاللَّفِيفُ الَّذِي فِي وَسَطِهِمِ اشْتَهَى شَهْوَةً. فَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيْضًا وَبَكَوْا وَقَالُوا: «مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟
١. وَاللَّفِيفُ الَّذِي فِي وَسَطِهِمِ: يقول خروج ١٢: ٣٨ إن ’لفيفًا كثيرًا‘ صعد من أرض مصر. يعني ذلك أن ليس كلُّ الجمع العظيم الذي خرج من أرض مصر مع موسى كانوا إسرائيليين عرقيين، بل قد خرج معهم أيضًا العديد من المصريين (وربما آخرون أيضًا من غير الإسرائيليين). وربما خرج هؤلاء معهم لأنهم كانوا هم أيضًا عبيدًا في أرض مصر، أو لأن إله إسرائيل أظهر آنذاك أنه أقوى من آلهة المصريين.
• نقرأ عن هذا اللَّفِيف للمرة الأولى في خروج ١٢: ٣٨، “وَصَعِدَ مَعَهُمْ لَفِيفٌ كَثِيرٌ أَيْضًا مَعَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ، مَوَاشٍ وَافِرَةٍ جِدًّا.” هذه العبارة الواردة في سفر الخروج تبيِّن أن أولئك الأشخاص كانوا أثرياء، إذ كان لديهم “غَنَمٍ وَبَقَرٍ، ومَوَاشٍ وَافِرَةٍ جِدًّا.” وربما يعلِّل ذلك استعداد شعب الله للسماح لهم بمرافقتهم.
• “إن حقيقة امتلاكهم كلِّ ذلك يبدو أنها توحي أيضًا بأنهم لم يكونوا يسعون فقط وراء المغامرة، بل كان لديهم اهتمام حقيقي بالهجرة، نابع على ما يبدو من الفضول. لكن الشيء الوحيد المؤكَّد هو أنهم لم يكونوا ضمن الحُكم الديني الثيوقراطي لشعب إسرائيل. وإذ لم يكن لهؤلاء نصيب أو قسمة حقيقية في جماعة الله، اشتهوا الأشياء التي كانت في مصر، وأصابوا شعب الله بعدوى هذه الشهوة غير المقدَّسة.” مورجان (Morgan)
• من الناحية الروحية أيضًا، نستطيع أن نقول إن شعب إسرائيل أنفسهم كانوا عبارة عن لَفِيف، بمعنى أنه ليس كلُّ من كان من نسل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب كانوا في علاقة حقيقية مع الله. وهذا ينطبق أيضًا على الكنيسة المنظورة، التي قال عنها يسوع إنها ستظل تشمل أبرارًا وأشرارًا إلى يوم الحصاد الأخير (متى ١٣: ٢٤-٣٠، ٣٦-٤٣).
٢. اشْتَهَى شَهْوَةً: الكلمة العبرية في الأصل هي taavah، واستُخدِمت أيضًا في تكوين ٣: ٦؛ ١صموئيل ٢: ١٦؛ أيوب ٣٣: ٢٠؛ مزمور ١٠: ٣، للتعبير عن رغبة شديدة في شيءٍ ممتعٍ، ربما يكون خطية (لكن ليس دائمًا).
• كي تصير شهوة شعب إسرائيل خطية، كان ينبغي أن يستسلموا لها. فإن رغبتهم الشريرة ما كانت لتتحقَّق إلا إذا تعاونوا معها بإرادتهم. يقول يعقوب ١: ١٤، “وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ.” فإن الانجذاب إلى الخطية هو أمرٌ موجود فينا جميعًا، لكن اختيارنا أن نخطئ بالفعل ناتج عن استسلامنا لتلك الرغبة الشريرة.
• علَّق ألن (Allen) على الفعل ’اشْتَهَى‘ قائلًا: “يمكن استخدام هذا الفعل للتعبير عن رغبات إيجابية وصالحة، لكنه يتوافق بصفة خاصة مع مشاعر الاشتهاء (غير اللائقة) والرغبات الجسدية.”
٣. مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ كان من الغريب أن يطرح الشعب هذا السؤال، بينما كان لديهم إلهٌ في السماء يلبِّي كلَّ احتياجاتهم. يبدو أن بعضًا من بني إسرائيل كانوا يبحثون عن مُعيلٍ آخر، لأنهم لم يكونوا مكتفين بما أخذوه من يد الله. وكانوا منزعجين من هذا الأمر حتى أنهم بَكَوْا.
• إن دموع التوبة أو الحزن على الخطية، أو دموع الفرح بالرب التي نذرفها، هي نوع رائع من الدموع. لكن يمكن للبعض، حتى من بين شعب الله، أن يذرفوا دموعًا بسبب بعض خيبات الأمل السخيفة والطفولية.
• كان بإمكان شعب إسرائيل أن يدبِّروا اللحم بأنفسهم، لأن الله لم ينههم عن صيد أي حيوان في البرية. كذلك، كانت لديهم قطعانهم، التي يمكن ذبحها والحصول على لحمها. لكنهم لم يرغبوا في فعل أيِّ شيء حيال رغبتهم في تناول اللحم إلا البكاء.
• “كانت لديهم بالفعل لحوم وماشية أتوا بها معهم من أرض مصر، لكنها كانت مخصَّصة للتكاثر، من أجل الدخول بها إلى أرض كنعان، وكانت قليلة جدًا في العدد لدرجة أنها لم تكن لتكفيهم لأكثر من شهرٍ.” بوله (Poole)
ج) الآيتان (٥-٦): شعب إسرائيل يتذكَّر أطعمة مصر.
٥قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ. ٦وَالآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا. لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ أَعْيُنَنَا إِلَى هذَا الْمَنِّ!».
١. قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا: قبل ذلك بنحو سنة، استجاب الله لشكوى شعب إسرائيل، ودبَّر لهم طعامًا بطريقة معجزية (خروج ١٦: ١١-٣٥)، وهو الطعام الذي أطلقوا عليه مَنًّا (خروج ١٦: ٣١). وبعد سنة من تناولهم المن كوجبة أساسية، تاقوا إلى الأطعمة التي كانوا يأكلونها (أحيانًا) وهم عبيد في أرض مصر. وكان أول نوع طعام ذكروه هو السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، لأنه لم يكن هناك سمك في البرية.
• وذكروا أيضًا الْقِثَّاءَ (أي الخيار) وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ، أي كلَّ الأطعمة الغضة، أو المقرمشة، أو الشهية التي كانوا يأكلونها أحيانًا وهم عبيد في مصر. يسجل خروج ١٦: ٣ شكوى مشابهةً قبل ذلك بنحو سنة: “إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزًا لِلشَّبَعِ!”
• “كانت أرض جاسان الواقعة شرق دلتا النيل تُعتبَر فعليًّا بمثابة سلة غذاء مصر، حيث كانت مليئةً بالنباتات، وتكثر فيها القنوات الطبيعية والصناعية التي تعج مياهها بالأسماك، وتذخر بالعناصر الغذائية اللازمة لإنتاج المحاصيل الوفيرة. وكانت الأطعمة المذكورة في هذه الآية ضمن المزروعات الأكثر شيوعًا في تلك المنطقة.” كول (Cole)
• عندما ادَّعى شعب إسرائيل أنهم تذكَّروا الحياة الهانئة المزعومة التي عاشوها في أرض مصر، ارتكبوا بهذا خطية الجحود، والذاكرة الانتقائية، وتحريف الماضي من أجل تبرير تذمُّرهم الحالي. فلا شك أنه كانت هناك بعض الأوقات الطيبة والأطعمة الشهية التي تمتع بها العبيد العبرانيون في أرض مصر، لكن في العموم، إن أسيادهم المصريين “مَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ” (خروج ١: ١٤).
• من ناحية، لم يكن تَذَكُّر الشعب للسَّمَكَ، وَالْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ كذبةً. ففي بعض الأحيان، كانوا يأكلون بالفعل مثل هذه الأطعمة. لكن من ناحية أخرى أعم، كانت هذه كذبةً، لأنهم اختاروا أن يتذكَّروا جانبًا حسنًا صغيرًا واحدًا من عبوديتهم في مصر، متجاهلين الجانب الأشد مرارة وقسوة بكثير. وإن تذكُّر الأمور الحسنة فقط (أو السيئة فقط) من الماضي قد يكون فخًّا للكثيرين.
• “نسي هؤلاء عبوديتهم. فإن عدم القناعة تلعب دائمًا على وتر ما ينقصنا، ولا تستمتع بشيء ممَّا هو عندنا بالفعل، تمامًا كما لم يستمتع هامان بالكرامة التي أُعطيت له، وكما لم يستمتع أخآب بمملكته، بل اشتهى أن يأكل من كرم نابوت.” تراب (Trapp)
• وقع شعب إسرائيل في حب وهمٍ من الماضي (وهو ظنُّهم بأن حياتهم في مصر كانت رائعة). لكن، كان عليهم بالأولى أن يتطلَّعوا إلى ما أعدَّه الله لهم في المستقبل، أي إلى اللبن والعسل اللذين يفيضان من أرض كنعان (خروج ١٣: ٥). وعلى شعب الله أن يتبنُّوا ذلك التوجُّه الذي أشار إليه بولس لاحقًا في فيلبي ٣: ١٣-١٤، وهو السعي إلى الأمام، والنظر إلى قدام، وعدم التركيز على الماضي.
٢. لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ… هَذَا الْمَنِّ: يبدو أن شعب إسرائيل تذمَّروا من كون الْمَنِّ غير ممتع كفاية، أي من كونه مضجرًا لهم. ولم يكن هذا الافتقار الرهيب إلى الشكر سوى رفضًا للرب (سفر العدد ١١: ٢٠).
• تذمَّر شعب إسرائيل بشأن تدبير الله للطعام ثلاث مرات مختلفة على الأقل في الكتاب المقدس، في سفر الخروج ١٦: ١-٣؛ سفر العدد ١١: ٤-٣٤؛ سفر العدد ٢١: ٤-٩. في سفر الخروج ١٦، تذمَّر الشعب من نقص الطعام؛ وفي سفر العدد ١١، تذمُّروا من عدم تنوُّع الطعام؛ وفي سفر العدد ٢١، عبَّروا مرة أخرى عن عدم اكتفائهم بالمن.
• إن الله هو عائلُنا، ورفضنا أو ازدراؤنا بما يقدمِّه لنا هو رفض وازدراء به هو نفسه. فليست مهمة الله هي أن يُمتِعنا ويرضينا، ولذلك يجب ألا نكون مجرد أطفال يطالبون بالمتعة والإثارة.
• “لم يتمكَّنوا قط من أن يشعروا بالرضا، ولم يستطع حتى الله نفسه إرضاءهم، لأنهم كانوا دائمًا يفضلون حكمتهم الشخصية على حكمة الله. فإما أن يخلِّصنا الله بطريقته الخاصة، وإما لا يخلِّصنا على الإطلاق، لأن طريقة الله هي خطته النابعة من حكمة غير محدودة، وبالتالي سيكون من المستحيل أن نخلص بأية طريقة أخرى.” كلارك (Clarke)
٣. وَالْآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا: تنطوي هذه الكلمات على مبالغة، وقد نطق بها شعب أُطعِم في ذلك الصباح عينه من الْمَنِّ. فلم يكتف شعب إسرائيل في تذمُّرهم بالمبالغة في إظهار محاسن الماضي، لكنهم بالغوا أيضًا في وصف مشكلات الحاضر. فإن قولهم “قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا” كان ينطوي على مبالغة رهيبة، لأن الله لم يكن ليسمح بأن يذبلوا في البرية؛ لكنه، في حقيقة الأمر، لبَّى كلَّ احتياجاتهم، لكن ليس كلَّ رغباتهم.
• ركَّز شعب إسرائيل على ما لم يكن لديهم. صحيح أنه لم يكن لديهم سَّمَك، ولا تلك الأنواع المختلفة من الخضروات التي ذكروها، لكن يبدو أنهم نسوا تمامًا ما كان لديهم بالفعل، وهو الإمداد اليومي والمعجزي من الله للغذاء، الذي أمكنه أن يشبع أمةً بأكملها في البرية. ومنذ ذلك الحين، اتَّبع الكثيرون هذا المسار الخطِر نفسه، المتمثِّل في نسيان ما قدَّمه الله، والتركيز على ما ليس لديهم (بعد).
د ) الآيات (٧-٩): وصف الْمَنّ.
٧وَأَمَّا الْمَنُّ فَكَانَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، وَمَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ الْمُقْلِ. ٨كَانَ الشَّعْبُ يَطُوفُونَ لِيَلْتَقِطُوهُ، ثُمَّ يَطْحَنُونَهُ بِالرَّحَى أَوْ يَدُقُّونَهُ فِي الْهَاوَنِ وَيَطْبُخُونَهُ فِي الْقُدُورِ وَيَعْمَلُونَهُ مَلاَّتٍ. وَكَانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِزَيْتٍ. ٩وَمَتَى نَزَلَ النَّدَى عَلَى الْمَحَلَّةِ لَيْلًا كَانَ يَنْزِلُ الْمَنُّ مَعَهُ.
١. وَأَمَّا الْمَنُّ فَكَانَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، وَمَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ الْمُقْلِ: يمدُّنا هذا المقطع، وخروج ١٦ أيضًا، بأكبر قدر من التفاصيل المتعلِّقة بطبيعة الْمَنّ، وكيف كان الله يعطيه للشعب.
• – ’الْمَنّ‘ هو الاسم الذي أطلقه شعب إسرائيل على هذا الشيء (خروج ١٦: ٣١)، لأنهم كانوا يجهلون ماهيته (خروج ١٦: ١٥). ودعاه الله ’خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ‘ (خروج ١٦: ٤؛ مزمور ٧٨: ٢٤)، و’خُبْزَ الْمَلَائِكَةِ‘ (مزمور ٧٨: ٢٥).
• أعطى الله الْمَنّ لشعب إسرائيل كي يمتحن طاعتهم (خروج ١٦: ٤).
• كان الله يعطي الْمَنّ بضعف الكمية في اليوم السادس، حتى يستريح شعب إسرائيل من التقاطه في اليوم السابع (خروج ١٦: ٥).
• كان الْمَنّ يظهر في الصباح، مثل النَّدَى على سطح الأرض (أيضًا في خروج ١٦: ١٣-١٤).
• كان الْمَنّ ’يَذُوبُ‘ في وقتِ لاحقٍ من الصباح (خروج ١٦: ٢١).
• كان الْمَنّ شيئًا صغير الحجم، وأبيض اللون، ودَقِيقًا كَالْجَلِيدِ عَلَى الْأَرْضِ (خروج ١٦: ١٤). وكان كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ الأبيض (أيضًا في خروج ١٦: ٣١). افترض البعض (مثل وينهام Wenham) أن الْمَنّ كان ينزل على شكل رقائق صغيرة الحجم وبيضاء اللون.
• كان كل واحد يخرج ليلتقط الْمَنّ لعائلته (خروج ١٦: ١٦).
• كان الْمَنّ الذي يُحتَفَظ به لليوم التالي ينتن (خروج ١٦: ١٩-٢٠)، باستثناء الكمية التي كانت تُلتقَط في اليوم السادس لتناوُلها في يوم السبت (خروج ١٦: ٢٣-٢٦).
• كان الْمَنّ يُعَد بطرق متنوعة (يَطْحَنُونَهُ بِالرَّحَى أَوْ يَدُقُّونَهُ فِي الْهَاوَنِ وَيَطْبُخُونَهُ فِي الْقُدُورِ وَيَعْمَلُونَهُ مَلَّاتٍ).
• كان الْمَنّ حلو المذاق، ’كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ‘ (خروج ١٦: ٣١). وكان طعمه كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِزَيْتٍ.
• ظل شعب إسرائيل يأكلون الْمَنّ لمدة ٤٠ سنة، إلى أن دخلوا أرض كنعان (خروج ١٦: ٣٥).
٢. وَكَانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِزَيْتٍ: كان الْمَنّ في حقيقة الأمر عطية رائعة. فقد كان شهي المذاق مثل قَطَائِفَ مخبوزة، تُطهَى بِزَيْتٍ (ربما يشبه كعك الدونات أو البان كيك في العصر الحديث). ومع ذلك، كان مصدرًا لكل التغذية التي كان شعب إسرائيل بحاجة إليها للقيام برحلة طويلة عبر البرية.
هـ) الآيات (١٠-١٥): شكوى موسى.
١٠فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى الشَّعْبَ يَبْكُونَ بِعَشَائِرِهِمْ، كُلَّ وَاحِدٍ فِي بَابِ خَيْمَتِهِ، وَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ جِدًّا، سَاءَ ذلِكَ فِي عَيْنَيْ مُوسَى. ١١فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى عَبْدِكَ؟ وَلِمَاذَا لَمْ أَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَنَّكَ وَضَعْتَ ثِقْلَ جَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ عَلَيَّ؟ ١٢أَلَعَلِّي حَبِلْتُ بِجَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ؟ أَوْ لَعَلِّي وَلَدْتُهُ، حَتَّى تَقُولَ لِي احْمِلْهُ فِي حِضْنِكَ كَمَا يَحْمِلُ الْمُرَبِّي الرَّضِيعَ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفْتَ لآبَائِهِ؟ ١٣مِنْ أَيْنَ لِي لَحْمٌ حَتَّى أُعْطِيَ جَمِيعَ هذَا الشَّعْبِ؟ لأَنَّهُمْ يَبْكُونَ عَلَيَّ قَائِلِينَ: أَعْطِنَا لَحْمًا لِنَأْكُلَ. ١٤لاَ أَقْدِرُ أَنَا وَحْدِي أَنْ أَحْمِلَ جَمِيعَ هذَا الشَّعْبِ لأَنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيَّ. ١٥فَإِنْ كُنْتَ تَفْعَلُ بِي هكَذَا، فَاقْتُلْنِي قَتْلًا إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، فَلاَ أَرَى بَلِيَّتِي».
١. وَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ جِدًّا، سَاءَ ذَلِكَ فِي عَيْنَيْ مُوسَى: لم يثِر بكاء الشعب الصبياني غضب الرب وحده، لكنه سَاءَ فِي عَيْنَيْ موسى أيضًا. وهذا الإحباط اقتاد موسى إلى الله، فاشتكى إليه من عجزه الشديد عن أن يلبِّي احتياجات شعب هذا عدده.
• من المؤكَّد أن سبب شكوى موسى إلى الله كان أفضل من أسباب شكوى الشعب، حيث إنه لم يشته شَهْوَةً كما فعل بنو إسرائيل. لكن، حتى شكواه هذه لم تكن مقبولة، لأنها كشفت عن تراجعٍ في مستوى اتكاله على الله.
• ربما أُخِذ موسى على حين غُرة، إذ فوجئ بتمرُّد الشعب بهذه السرعة، بعد الإنذار القوي الذي تلقُّوه في تَبْعِيرَةَ (سفر العدد ١١: ١-٣). ومن السهل على أي قائد أن يخطئ حين يُؤخَذ على حين غرة!
٢. لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى عَبْدِكَ؟ خاطب موسى الله بالطريقة التي يخاطبه بها الكثير منا في وقت المحنة، قائلًا ما معناه: “يا رب، إنني أخدمك، فلماذا فعلتَ بي هذا؟” من السهل أن نقول إن الله لم يكن هو الذي فعل هذا بموسى، بل الشعب الجسداني وغير الشاكر. ولكن، مع أن الله لم يسيء إلى موسى في هذا الأمر بصورة مباشرة، فإنه في النهاية سمح بحدوث ذلك.
• سمح الله بذلك للسبب نفسه الذي يسمح لأجله بأيِّ ضيق، وهو أن يدفعنا إلى مزيدٍ من الاتكال عليه، وإلى الاشتراك معه في اجتياز الحواجز، وكذلك كي نحبَّه ونسبحَه أكثر فأكثر من خلال اتكالنا المتزايد عليه، ومن خلال الخلاص الأعظم الذي يحقِّقه. ولهذه الأسباب وغيرها أيضًا، يعيِّن الله أحيانًا بعض الضيقات في حياة شعبه (١ تسالونيكي ٣: ٣).
• من السهل أن نظن في وسط الضيقات التي نجتاز فيها أن الله ضدنا، تمامًا كما ظن موسى (لِمَاذَا لَمْ أَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ). وردُّ الله على ذلك لا يتغيَّر البتة: “إنني أدرِّبك وأبنيك في الإيمان، لأنني أحبك بحقٍّ.”
• “أكَّد موسى لحُوبَاب أن الله سوف يُحسن إلى إسرائيل، لكنه بعد وقت ليس بكثير سأل الله قائلًا: ’لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى عَبْدِكَ؟‘ (سفر العدد ١٠: ٣٢؛ ١١: ١١).” وينهام (Wenham)
٣. أَلَعَلِّي حَبِلْتُ بِجَمِيعِ هَذَا الشَّعْبِ؟ أَوْ لَعَلِّي وَلَدْتُهُ: عندما شبَّه موسى نفسه بالأم، وبني إسرائيل بأبنائه، استخدم تعبيرًا بلاغيًّا ملائمًا، لأن شعب إسرائيل كانوا يتصرفون بالفعل مثل الأطفال الرضع الجائعين، الذين يذرفون الدموع أنهارًا (لِأَنَّهُمْ يَبْكُونَ عَلَيَّ).
• كان على موسى، شأنه شأن العديد من خدام الله منذ ذلك الحين، أن يفهم أنه مع أن قيادة شعب الله هي عمل مزعج في بعض الأحيان، يستخدم الله مثل هذه الصعوبات في حياة خدَّامه. “فإن الله لا يزيل المضايقات من طريق حتى أكثر خدامه أمانة وتكريسًا. تذكَّر جيدًا كيف كان بولس يبدأ كلَّ يوم جديد منزعجًا ومثقَّلًا بالأفكار والهموم.” واتسون (Watson)
٤. لَا أَقْدِرُ أَنَا وَحْدِي أَنْ أَحْمِلَ جَمِيعَ هَذَا الشَّعْبِ: كان إدراك موسى أن مهمة قيادة شعب إسرائيل أكبر منه أمرًا حسنًا، لأن هذا يمكن أن يدفعه إلى الاتكال على الله، وعدم محاولة فعل شيء دونه. فإن موسى لم يقدر أن يحمل جميع هذا الشعب وحده، ولذلك، فإن الله هو الذي سيحملهم، فيه ومن خلاله.
• في إعادة صياغة من المُصلح الألماني فيليب ميلانكثون (Philip Melancthon) لكلام جون تراب (John Trapp)، قال إن الأعمال الثلاثة الأشد إيلامًا هي: خدام الله، والرؤساء المدنيين، والمرأة التي تلد.
• “أفضل معروف يمكن أن يقدَّمها لنا جميع القادة، أو المُعاونين، أو الأحباء من البشر هي أن يقرُّوا بقصورهم وعدم كفايتهم، ويوجِّهونا إلى يسوع، الذي فيه وحده دون سواه يوجد كلُّ ما يحتاجه البشر.” ماكلارين (Maclaren)
٥. فَإِنْ كُنْتَ تَفْعَلُ بِي هَكَذَا، فَاقْتُلْنِي قَتْلًا: كان موسى محبطًا للغاية، ولذلك سكب كلَّ مشاعره، وألمه، وإحباطه أمام الرب. لم يكن لائقًا أن يُطلَب من الرب طلب كهذا، لكننا نستطيع أن نتفهَّم مدى بؤس موسى. وقد فعل الصواب بسكبه قلبه وشكواه أمام الرب.
• لم يجب الله بالموافقة عندما طلب منه موسى قائلًا: ’اقْتُلْنِي قَتْلًا،‘ لكنه مع ذلك أعان هذا الرجل المنهَك والمثقَّل، الذي كان يعلم أن مهمة قيادة شعب الله أكبر من أن يقوم بها دون معونة الله.
• فَلَا أَرَى بَلِيَّتِي: من ناحية، أراد الله أن يرى موسى بَلِيَّتِه، أي أن يدرك عجزه عن القيام بالعمل الذي دعاه الله إليه بقوته الشخصية. وقد تعلَّم الرسول بولس لاحقًا هذا الدرس نفسه أيضًا، وهو أن قوة الله تُكمل في الضعف (٢ كورنثوس ١٢: ٩).
ثانيًا. الله يستجيب لشكوى بني إسرائيل وشكوى موسى
أ ) الآيات (١٦-١٧): الله يساعد موسى عن طريق إرسال شيوخٍ لمعاونته.
١٦فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اجْمَعْ إِلَيَّ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ شُيُوخُ الشَّعْبِ وَعُرَفَاؤُهُ، وَأَقْبِلْ بِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ فَيَقِفُوا هُنَاكَ مَعَكَ. ١٧فَأَنْزِلَ أَنَا وَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ هُنَاكَ، وَآخُذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأَضَعَ عَلَيْهِمْ، فَيَحْمِلُونَ مَعَكَ ثِقْلَ الشَّعْبِ، فَلاَ تَحْمِلُ أَنْتَ وَحْدَكَ.
١. اجْمَعْ إِلَيَّ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ: طلب الله من موسى أن يجمع رجالًا لمساعدته في مهمة قيادة بني إسرائيل. وهؤلاء السبعون رَجُلًا يجب أن يُجمَعوا أولًا إلى الله (اجْمَعْ إِلَيَّ)، قبل جمعهم إلى موسى، إذا كان ولاؤهم الأول لله وليس لموسى.
• “يقول البعض إنه في ذلك الوقت بدأ مجمع السَنهيدرين (السَنهيدريم)، وهو مجمع اليهود العظيم، الذي كان يتألف من سبعين شيخًا ورئيس واحد. وقد ظل هذا المجمع موجودًا حتى عهد هيرودس الكبير.” تراب (Trapp)
٢. الَّذِينَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ شُيُوخُ الشَّعْبِ: لم يكن على موسى أن ينتقي الرجال الذين يرى أنهم قد يصبحون شيوخًا، بل كان عليه أن ينتقي الرجال المعروفين بالفعل أنهم شيوخ بسبب حكمتهم، وسلوكهم، وخدمتهم للآخرين. فإن الله هو الذي يصنع الشيوخ، والبشر فقط يتعرَّفون عليهم.
٣. فَيَقِفُوا هُنَاكَ مَعَكَ: دُعِي هؤلاء الشيوخ فقط إلى أن يَقِفُوا هُنَاكَ مَعَ موسى أمام الرب. فقد كانوا مصدر دعم وقوة لموسى بمجرد وجودهم.
٤. وَآخُذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأَضَعَ عَلَيْهِمْ: على الشيوخ أن تكون لديهم الأحشاء نفسها، والرؤية نفسها، والرُّوحِ نفسه الذي كان على موسى، وإلا لن يتفق قادة الأمة معًا، الأمر الذي قد يأتي بكارثة على إسرائيل.
٥. فَيَحْمِلُونَ مَعَكَ ثِقْلَ الشَّعْبِ: كان الهدف من وجود الشيوخ هو مساعدة موسى على حمل العبء الروحي، ورعاية الشعب وخدمتهم، وكذلك ليكونوا سندًا له في الخدمة. كان من شأن معونة الله أن تأتي إلى موسى من خلال دعم بعض الرجال الأتقياء. وهذه هي الوسيلة المعتادة التي يستخدمها الله لتسديد احتياجاتنا.
ب) الآيات (١٨-٢٠): الله يَعِد بإمداد بني إسرائيل باللحم.
١٨وَلِلشَّعْبِ تَقُولُ: تَقَدَّسُوا لِلْغَدِ فَتَأْكُلُوا لَحْمًا، لأَنَّكُمْ قَدْ بَكَيْتُمْ فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ قَائِلِينَ: مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ إِنَّهُ كَانَ لَنَا خَيْرٌ فِي مِصْرَ. فَيُعْطِيكُمُ الرَّبُّ لَحْمًا فَتَأْكُلُونَ. ١٩تَأْكُلُونَ لاَ يَوْمًا وَاحِدًا، وَلاَ يَوْمَيْنِ، وَلاَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ عِشْرِينَ يَوْمًا، ٢٠بَلْ شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَنَاخِرِكُمْ، وَيَصِيرَ لَكُمْ كَرَاهَةً، لأَنَّكُمْ رَفَضْتُمُ الرَّبَّ الَّذِي فِي وَسَطِكُمْ وَبَكَيْتُمْ أَمَامَهُ قَائِلِينَ: لِمَاذَا خَرَجْنَا مِنْ مِصْرَ؟»
١. لِأَنَّكُمْ قَدْ بَكَيْتُمْ فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ: سمع الله بكاء شعب إسرائيل، وعلِم أنها دموع شعب جاحد ومتذمِّر. فقد سمع الله قولهم “كَانَ لَنَا خَيْرٌ فِي مِصْرَ،” وكان يعلم جيدًا أن هذه الكلمات ليست إلا تحريفًا انتقائيًّا منهم للماضي من أجل تبرير شكواهم.
٢. فَيُعْطِيكُمُ الرَّبُّ لَحْمًا فَتَأْكُلُونَ: لم تكن هذه بركةً. فقد وعد الله بأن يلبِّي شهوة قلب بني إسرائيل، لكن ليس بالطريقة التي تعود بالبركة عليهم. يؤدب الله شعبه أحيانًا بأن يعطيهم ما طلبوه، أي ما تصرخ شهواتهم مطالبةً به.
٣. حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَنَاخِرِكُمْ، وَيَصِيرَ لَكُمْ كَرَاهَةً: وعد الله بأن يعطيهم لحمًا كثيرًا جدًا لدرجة أنهم سوف يشمئزون منه، وذلك لأنهم أنكروا مدى صلاح خلاص الله، وتشكَّكوا فيه. ليس حسنًا أن ينكر شعب الله مدى صلاح خلاص الله في حياتهم.
ج) الآيات (٢١-٢٣): رد فعل موسى تجاه وعد الله بإمداد بني إسرائيل باللحم.
٢١فَقَالَ مُوسَى: «سِتُّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ هُوَ الشَّعْبُ الَّذِي أَنَا فِي وَسَطِهِ، وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: أُعْطِيهِمْ لَحْمًا لِيَأْكُلُوا شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ. ٢٢أَيُذْبَحُ لَهُمْ غَنَمٌ وَبَقَرٌ لِيَكْفِيَهُمْ؟ أَمْ يُجْمَعُ لَهُمْ كُلُّ سَمَكِ الْبَحْرِ لِيَكْفِيَهُمْ؟» ٢٣فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَلْ تَقْصُرُ يَدُ الرَّبِّ؟ الآنَ تَرَى أَيُوافِيكَ كَلاَمِي أَمْ لاَ».
١. سِتُّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ هُوَ الشَّعْبُ الَّذِي أَنَا فِي وَسَطِهِ: كان ردُّ فعل موسى مماثلًا لردود فعلنا في معظم الأحيان. فإننا نحاول دائمًا أن نفهم كيف سينفِّذ الله وعده. لم يستطع موسى أن يفهم كيف يمكن لله أن يفعل ذلك، لكن الله لم يطلب منه قط أن يفهم. فإن الله سوف يدبِّر أمورهم من موارده التي لا تنضب.
• “ذكَّر موسى الله (!) هنا بعدد الشعب، وهو ستمئة ألف ماشٍّ… وإن قوة من المشاة بهذا العدد تشير إلى أن إجمالي عدد الشعب كان يتجاوز المليونين.” ألن (Allen)
• “تستطيعون أن تروا في الحال، وبسهولة، يا إخوتي، الخطأ الذي ارتكبه موسى. فقد نظر إلى المخلوق وليس إلى الخالق. فهل ينتظر الخالق من المخلوق أن يتولَّى بنفسه تنفيذ وعد الخالق؟ كلا، فإن الذي يقطع الوعد هو الذي يفي به. وإذا تكلَّم، فإنه يتمِّم الأمر، ويتمِّمه بنفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. هَلْ تَقْصُرُ يَدُ الرَّبِّ؟ لم يصر الله فجأة ضعيفًا أو محدودًا. فقد كانت لدى الله موارد لم يكن موسى يعلم شيئًا عنها. وقد سدَّد الله احتياج بني إسرائيل بطريقة غير متوقَّعة على الإطلاق.
د ) الآيات (٢٤-٢٥): روح الرب يحلُّ على السبعين شيخًا.
٢٤فَخَرَجَ مُوسَى وَكَلَّمَ الشَّعْبَ بِكَلاَمِ الرَّبِّ، وَجَمَعَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَأَوْقَفَهُمْ حَوَالَيِ الْخَيْمَةِ. ٢٥فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي سَحَابَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى السَّبْعِينَ رَجُلًا الشُّيُوخَ. فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِمِ الرُّوحُ تَنَبَّأُوا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا.
١. وَجَمَعَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَأَوْقَفَهُمْ حَوَالَيِ الْخَيْمَةِ: قبل أن يمدَّ الله بني إسرائيل باللحم (وهو الأمر الذي طلبوه، لكنهم لم يكونوا بحاجة فعلية إليه)، أمدَّهم أولًا بالمزيد من القيادة والإشراف (وهو الأمر الذي لم يطلبوه، لكنهم كانوا حقًّا بحاجة إليه).
٢. وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى السَّبْعِينَ رَجُلًا الشُّيُوخَ: كي تتمكَّن هذه المجموعة من القادة من القيام بالمهمة، كانوا بحاجة إلى انسكابٍ من الروح القدس، وكانوا بحاجة إلى الروح نفسه الذي كان على موسى، وذلك حتى يتبنُّوا رؤيته، وتكون لديهم أحشاؤه، ويتبنُّوا توجهاته.
• إذا لم تكن قوة الروح القدس تتدفَّق في حياة أحدهم، وإذا لم يكن لديه الروح نفسه الذي لدى أولئك الذين يخدم الرب معهم أو تحت قيادتهم، فإنه يصير غير مؤهَّل للخدمة كما ينبغي. وسينتهي الحال بهذا الشخص عائقًا للخدمة، وليس سبب بركة لها.
٣. فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِمِ الرُّوحُ تَنَبَّأُوا: من الصعب أن نتخيل تحديدًا كيف بدا هذا الأمر. فربما نطق كلُّ واحد منهم تلقائيًّا بكلامٍ من عند الله، أو بتسابيح موحى بها لله. بغض النظر عما حدث تحديدًا، كان الأمر علامة واضحة على أن روح الرب حلَّ عليهم.
• “ربما كان التنبؤ المشار إليه هنا عبارة عن نطقٍ بكلمات غير مفهومة في حالةٍ من النشوة، كما حدث مع شاول؛ وهو ما يسميه العهد الجديد بالتكلُّم بألسنة، ويختلف عن الكلمات الموحى بها والمفهومة التي نطق بها أنبياء العهد القديم العظماء، وأنبياء الكنيسة الأولى الذين لم تُذكَر أسماؤهم.” وينهام (Wenham)
٤. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا: من الواضح أن موهبة التنبؤ أُعطيت لهؤلاء الشيوخ في تجربة استثنائية لمرة واحدة. فقد تَنَبَّأُوا تلك المرة فحسب، لكنهم لم يصيروا أنبياء. كان الغرض من ذلك هو تقديم دليل منظور على تأهيل الروح القدس لهؤلاء الرجال لدور الشيوخ، وليس لدور الأنبياء.
• نظير ألسنة النار التي نزلت في يوم الخمسين، والتي نقرأ عنها في أعمال الرسل ٢، لم تستمر موهبة هؤلاء الشيوخ النبوية، لكن خدمتهم المؤيَّدة بالقوة من الروح القدس استمرَّت.
هـ) الآيات (٢٦-٣٠): حلول روح الرب على أَلْدَاد ومِيدَاد، وعلى كلِّ شعب الله.
٢٦وَبَقِيَ رَجُلاَنِ فِي الْمَحَلَّةِ، اسْمُ الْوَاحِدِ أَلْدَادُ، وَاسْمُ الآخَرِ مِيدَادُ، فَحَلَّ عَلَيْهِمَا الرُّوحُ. وَكَانَا مِنَ الْمَكْتُوبِينَ، لكِنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا إِلَى الْخَيْمَةِ، فَتَنَبَّآ فِي الْمَحَلَّةِ. ٢٧فَرَكَضَ غُلاَمٌ وَأَخْبَرَ مُوسَى وَقَالَ: «أَلْدَادُ وَمِيدَادُ يَتَنَبَّآنِ فِي الْمَحَلَّةِ». ٢٨فَأَجَابَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ خَادِمُ مُوسَى مِنْ حَدَاثَتِهِ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي مُوسَى، ارْدَعْهُمَا!» ٢٩فَقَالَ لَهُ مُوسَى: «هَلْ تَغَارُ أَنْتَ لِي؟ يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ إِذَا جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ». ٣٠ثُمَّ انْحَازَ مُوسَى إِلَى الْمَحَلَّةِ هُوَ وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ.
١. فَتَنَبَّآ فِي الْمَحَلَّةِ: لم يقتصر عمل الروح القدس على مكان واحد فحسب. فحتى هذين الرجلين (أَلْدَادُ ومِيدَادُ)، اللذين لم يكونا في الخيمة مع بقية الشيوخ السبعين، امتلآ أيضًا من الروح القدس، الأمر الذي تبرهن من خلال موهبة التنبؤ.
• ذُكِر يشوع للمرة الأولى في خروج ٣٣: ٧-١١، حيث كان قائدًا للمعركة مع عماليق. وحين علم يشوع بما فعله أَلْدَاد ومِيدَاد، أراد أن يدعم موسى. فقد كان اهتمامه الأول منصبًّا على خدمة موسى، وخشي أن يؤدي هذا الاستعلان الاستثنائي للروح القدس إلى عرقلة أو إضعاف هذه الخدمة بشكلٍ ما. فربما يصير أَلْدَاد ومِيدَاد منافسَين لموسى.
٢. يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ إِذَا جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ: على الأرجح، قدَّر موسى أن يشوع كان يغَارُ له، لكنه لم يخش أن يصير هذان الرجلان منافسَين له، بل كان يتوق بالأحرى إلى أن ينال كلُّ شعب الله عطية رُوحَهُ.
• هذا الانسكاب واسع النطاق لروح الله على كلِّ شعب الله كان لا يزال ينتظر عهدًا أفضل، أي عهدًا جديدًا. ففي ظل العهد الجديد، وعد الله بأن يسكب من روحه على كلِّ شعبه (حزقيال ٣٦: ٢٧؛ يوئيل ٢: ٢٨-٢٩).
• “هذا الكلام الذي نطق به موسى يثبت عظمة شخصية موسى التي لا مثيل لها. فإن صغار النفوس يحبُّون احتكار كلِّ شيء لأنفسهم. فهم يحبون أن يكونوا بحالة جيدة، وأن يتمتعوا بالمواهب، لأن هذا يعطيهم نوعًا من التفوُّق والسمو على الآخرين، وينزعجون من أي رفع من شأن الآخرين، مثلما حدث أَلْدَاد ومِيدَاد، لئلا يكونوا على قدم المساواة معهم.” ماير (Meyer)
و ) الآيات (٣١-٣٥): الله يمدُّ بني إسرائيل باللحم.
٣١فَخَرَجَتْ رِيحٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ وَسَاقَتْ سَلْوَى مِنَ الْبَحْرِ وَأَلْقَتْهَا عَلَى الْمَحَلَّةِ، نَحْوَ مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ هُنَا وَمَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ هُنَاكَ، حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ، وَنَحْوَ ذِرَاعَيْنِ فَوْقَ وَجْهِ الأَرْضِ. ٣٢فَقَامَ الشَّعْبُ كُلَّ ذلِكَ النَّهَارِ، وَكُلَّ اللَّيْلِ وَكُلَّ يَوْمِ الْغَدِ وَجَمَعُوا السَّلْوَى. الَّذِي قَلَّلَ جَمَعَ عَشَرَةَ حَوَامِرَ. وَسَطَّحُوهَا لَهُمْ مَسَاطِحَ حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ. ٣٣وَإِذْ كَانَ اللَّحْمُ بَعْدُ بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ، حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى الشَّعْبِ، وَضَرَبَ الرَّبُّ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدًّا. ٣٤فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ» لأَنَّهُمْ هُنَاكَ دَفَنُوا الْقَوْمَ الَّذِينَ اشْتَهَوْا. ٣٥وَمِنْ قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ ارْتَحَلَ الشَّعْبُ إِلَى حَضَيْرُوتَ، فَكَانُوا فِي حَضَيْرُوتَ.
١. فَخَرَجَتْ رِيحٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ وَسَاقَتْ سَلْوَى: ساق الله عددًا ضخمًا من السَلْوَى بطريقة معجزية إلى محلة إسرائيل، كي تُذبَح هناك وتؤكَل. تهاجر طيور السَلْوَى فوق صحراء سيناء كلَّ عام. وقيل إن العرب الذين كانوا يعيشون قرب تلك المنطقة كان بإمكانهم أن يصطادوا باستخدام الشباك ما بين مليون إلى مليونين من طيور السَلْوَى في أثناء هجرتهم الخريفية.
• أتت طيور السَلْوَى حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ، أي في محيط المحلة الخارجي. فعندما انسكب الروح القدس على الشيوخ، جذب هذا الأمر الشعب إلى وسط المحلة، أي في وسط شعب الله تمامًا. لكن كي يحصل الشعب على السَلْوَى، كان عليهم أن يخرجوا إلى خارج المحلة، أي أن يبتعدوا عن شعب الله.
• “لا بد أن المشهد كان أشبه بحالةٍ من الشغب، حيث كان الشعب يصرخون، وامتزج صراخهم بصوت رفرفة أجنحة الطيور. وهنا وهناك، نستطيع أن نشهد تحركات طائشة من شعب جائع إلى اللحم، في وسط بحر من الطيور.” ألن (Allen)
• أُعطِي الروح للشيوخ كي يعاونوا موسى (سفر العدد ١١: ٢٥، ٢٩)، وساقت الريح طيور السَلْوَى (سفر العدد ١١: ٣١). استُخدِمت الكلمة العبرية نفسها (ruah) في هذين الحدثين، وتُرجِمت إلى ’الروح‘ و’الريح.‘
٢. وَإِذْ كَانَ اللَّحْمُ بَعْدُ بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ، حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى الشَّعْبِ: قام الشعب، بجهد وحماس كبيرين، بجمع السَلْوَى، وأعدُّوها للأكل. لكن عندما أكلوا – إِذْ كَانَ اللَّحْمُ بَعْدُ بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ – أرسل الرب ضربة عظيمة بينهم، فمات الكثيرون منهم.
• وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا مِثْلَ التُّرَابِ، وَكَرَمْلِ الْبَحْرِ طُيُورًا ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ. وَأَسْقَطَهَا فِي وَسَطِ مَحَلَّتِهِمْ حَوَالَيْ مَسَاكِنِهِمْ. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جِدًّا، وَأَتَاهُمْ بِشَهْوَتِهِمْ. لَمْ يَزُوغُوا عَنْ شَهْوَتِهِمْ. طَعَامُهُمْ بَعْدُ فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَصَعِدَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ، وَقَتَلَ مِنْ أَسْمَنِهِمْ، وَصَرَعَ مُخْتَارِي إِسْرَائِيلَ. (مزمور ٧٨: ٢٧-٣١)
• أَسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ. لَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ. بَلِ اشْتَهَوْا شَهْوَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ. فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ، وَأَرْسَلَ هُزَالًا فِي أَنْفُسِهِمْ. (مزمور ١٠٦: ١٣-١٥)
• عندما نسمح للشهوات الشريرة والردية بأن تتحكَّم في حياتنا، قد يعطينا الله ما نشتهيه، لكنه قد يعطي معها أيضًا هزالًا في أنفسنا. لذلك، من الأفضل أن تتغذَّى أرواحنا جيدًا، وأن نُحرَم من شهواتنا الشريرة.
• “في بعض الأحيان، يستجيب الله لطلبة غير مبرَّرة، حتى يتعلَّم الناس، من خلال التجربة، مدى حماقة رغباتهم.” مورجان (Morgan)
• كانت هذه دينونة صارمة، لكنها أفادت بني إسرائيل، لأنها علَّمتهم ألا يسمحوا لرغباتهم وشهواتهم بالتحكُّم فيهم. وإذا تعلَّموا هذا الدرس، سيعود ذلك بفائدة كبيرة على الأمة. فكي يرث هذا الشعب أرض كنعان، تلك الأرض التي وعد بها الله شعب لإسرائيل، كان عليهم أن يخضعوا لما هو أهم وأكبر من رغباتهم الجسدية أو العاطفية.
٣. فَدُعِيَ اسْمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ «قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ»: أُطلِق على هذا المكان اسم قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ، ومعناه ’قبور الشهوة.‘ ومن الناحية الروحية، يموت الكثيرون بسبب رغباتهم الجامحة.
• أعلن يسوع أنه هو الخبز الحقيقي النازل من السماء من عند الله (يوحنا ٦: ٢٩-٣٥). فنظير الْمَنِّ في البرية، كان يسوع هو الإمداد الإلهي، الذي لم يكن من الممكن تناوُل شيء آخر غيره. وكما اقتات شعب إسرائيل فقط على الْمَنّ في البرية، هكذا لا يمكن للتلميذ أن يعيش إلا بالتغذي على يسوع وحده.