سفر العدد – الإصحاح ١٣
إرسال الجواسيس إلى كنعان
أولًا. اختيار الجواسيس وتكليفهم بالمهمة
أ ) الآيات (١-٣): إرسال الجواسيس.
١ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٢«أَرْسِلْ رِجَالًا لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. رَجُلًا وَاحِدًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ آبَائِهِ تُرْسِلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسٌ فِيهِمْ». ٣فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. كُلُّهُمْ رِجَالٌ هُمْ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. أَرْسِلْ رِجَالًا لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ: أُرسِل هؤلاء الرجال في بعثة استكشافية، حيث كان عليهم أن يفحصوا أرض كنعان، ويعودوا بتقريرٍ يقدِّمونه إلى الأمة. وكان عليهم أن يستكشفوا الطريق إلى كنعان، ويتحققوا من كون الأرض صالحةً للإقامة، ويعرفوا معلومات عن القوة العسكرية للكنعانيين.
• كان هذا وقتًا فاصلًا بالنسبة لأسباط إسرائيل. “في ضوء كل التجارب التي مرَّ بها ذلك الشعب في الشهور الماضية من الاستعداد والارتحال، حان الوقت، أخيرًا، لامتلاك وعد الله، والإيمان بقدرته، والسير إلى الأمام باسمه، ودخول أرضه.” ألن (Allen)
٢. رَجُلًا وَاحِدًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ آبَائِهِ تُرْسِلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسٌ فِيهِمْ: اختير هؤلاء الجواسيس من بين الشعب. ووفقًا لما ورد في تثنية ١: ٢٠-٢٥، لم يكن موسى هو المقترح الأصلي لخطة إرسال الجواسيس، بل الشعب.
• وردت في تثنية ١: ٢١ كلمات موسى عند وصول شعب إسرائيل إلى قادش برنيع في برية فاران: “اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ إِلَهُكَ الْأَرْضَ أَمَامَكَ. اصْعَدْ تَمَلَّكْ كَمَا كَلَّمَكَ الرَّبُّ إِلَهُ آبَائِكَ. لَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ.” فقد طلب منهم موسى بكلِّ بساطة أن يصعدوا ويمتلكوا الأرض التي وعد بها الله. وبحسب حزقيال ٢٠: ٦، كان الله قد تجسَّس لهم الأرض بالفعل. لذلك، لم يكن هناك داعٍ أن يفعلوا ذلك بأنفسهم.
• لكن، ردًّا على كلام موسى، اقترح الشعب هذه الخطة، أي خطة تجسُّس الأرض (“فَتَقَدَّمْتُمْ إِلَيَّ جَمِيعُكُمْ وَقُلْتُمْ،” تثنية ١: ٢٢)، إلا أن موسى وافق على الخطة، إذ قال: “فَحَسُنَ الْكَلَامُ لَدَيَّ” (تثنية ١: ٢٣).
• أسفر إرسال الجواسيس عن نتيجة سلبية. ونستطيع القول إن موسى أخطأ حين وافق على اقتراح الشعب. وربما كانت اتهامات مريم وهارون له (بقدر كونها تافهة، وخاطئة، وأنانية) هي التي أصابته بالتردُّد حيال اتخاذ قرار قيادي حازم.
• بما أن شعب إسرائيل هم الذين بادروا باقتراح القيام بهذه الرحلة، فربما أتى موسى إلى الله فقط ليسأله كيف يجب أن يرسل الجواسيس، وليس هل يجب أن يرسل الجواسيس من الأساس أم لا. ومع ذلك، أرشدهم الله إلى كيفية القيام بذلك: رَجُلًا وَاحِدًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ آبَائِهِ تُرْسِلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسٌ فِيهِمْ. أوضح ذلك طريقة إرسال الجواسيس.
٣. حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ: رغم ذلك، كان هذا كلُّه ضمن خطة الله، بحسب الصورة الأكبر. فقد استخدم الله تقرير الجواسيس ليكون امتحانًا لإيمان شعب إسرائيل.
ب) الآيات (٤-١٦): الرجال الذين اختيروا جواسيس.
٤وَهذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ شَمُّوعُ بْنُ زَكُّورَ. ٥مِنْ سِبْطِ شِمْعُونَ شَافَاطُ ابْنُ حُورِي. ٦مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ. ٧مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ يَجْآلُ بْنُ يُوسُفَ. ٨مِنْ سِبْطِ أَفْرَايِمَ هُوشَعُ بْنُ نُونَ. ٩مِنْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ فَلْطِي بْنُ رَافُو. ١٠مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ جَدِّيئِيلُ بْنُ سُودِي. ١١مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ: مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى جِدِّي بْنُ سُوسِي. ١٢مِنْ سِبْطِ دَانَ عَمِّيئِيلُ بْنُ جَمَلِّي. ١٣مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ سَتُورُ بْنُ مِيخَائِيلَ. ١٤مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي نَحْبِي بْنُ وَفْسِي. ١٥مِنْ سِبْطِ جَادَ جَأُوئِيلُ بْنُ مَاكِي. ١٦هذِهِ أَسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ. وَدَعَا مُوسَى هُوشَعَ بْنَ نُونَ «يَشُوعَ».
١. وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: اختير رجل واحد من كل سبط، وبالتالي مثَّل هؤلاء الجواسيس جماعة إسرائيل بأكملها.
٢. كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ: كان هذا هو الممثل عن سبط يهوذا. واسم كَالِب يشبه إلى حدٍّ كبير الكلمة العبرية keleb التي معناها “كلب.”
• خمَّن ألن (Allen) أنه رغم الدلالة السلبية للكلاب في العهد القديم، فإن “اسم هذا المرافق الشجاع والبطل ليشوع معناه في واقع الأمر ’كلب،‘ لكن بالمعنى الإيجابي للكلمة. وربما نستطيع أن نسميه ’كلب الله‘ بأكثر معنى تبجيلي يمكن لهذه العبارة أن تحمله وتعبِّر عنه.
٣. وَدَعَا مُوسَى هُوشَعَ بْنَ نُونَ «يَشُوعَ»: اختير يشوع قائدًا لهذه المجموعة. وذُكِر أن اسمه أولًا كان هُوشَعَ، ومعناه “الخلاص.” ونقرأ هنا أن موسى أعطاه الاسم الذي عُرِف به بعد ذلك، وهو “ياهوشع” أو “يشوع،” الذي معناه “يهوه خلاصٌ.” وهذا هو النطق العبري لاسم “يسوع.”
• نستطيع أن نتخيَّل الحديث الذي دار بين موسى ويشوع في أول لقاء بينهما:
موسى: “ما اسمك؟”
يشوع: “اسمي هوشع” (أو “أنا هو الخلاص”)
موسى: “كلا، بل سيكون اسمك يا هوشع!” (أو “يهوه هو الخلاص”)
يشوع: “نادني فقط باسم يشوع”
ج) الآيات (١٧-٢٠): موسى يكلف الجواسيس بالمهمة.
١٧فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ، وَقَالَ لَهُمُ: «اصْعَدُوا مِنْ هُنَا إِلَى الْجَنُوبِ وَاطْلَعُوا إِلَى الْجَبَلِ، ١٨وَانْظُرُوا الأَرْضَ، مَا هِيَ: وَالشَّعْبَ السَّاكِنَ فِيهَا، أَقَوِيٌّ هُوَ أَمْ ضَعِيفٌ؟ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ؟ ١٩وَكَيْفَ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي هُوَ سَاكِنٌ فِيهَا، أَجَيِّدَةٌ أَمْ رَدِيئَةٌ؟ وَمَا هِيَ الْمُدُنُ الَّتِي هُوَ سَاكِنٌ فِيهَا، أَمُخَيَّمَاتٌ أَمْ حُصُونٌ؟ ٢٠وَكَيْفَ هِيَ الأَرْضُ، أَسَمِينَةٌ أَمْ هَزِيلَةٌ؟ أَفِيهَا شَجَرٌ أَمْ لاَ؟ وَتَشَدَّدُوا فَخُذُوا مِنْ ثَمَرِ الأَرْضِ». وَأَمَّا الأَيَّامُ فَكَانَتْ أَيَّامَ بَاكُورَاتِ الْعِنَبِ.
١. وَانْظُرُوا الْأَرْضَ، مَا هِيَ: ربما دلَّت تعليمات موسى للجواسيس إلى حد ما على عدم إيمان. فعندما كلف الله موسى أولًا بالمهمة، قال له إن تلك الأرض “أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا” (خروج ٣: ٨). وقال موسى لبني إسرائيل إن الأرض جيدة (خروج ١٣: ٥). وبالتالي، فمن ناحية ما، ربما أرسل موسى الجواسيس ليتأكدوا من صحة وصف الله لهذه الأرض.
• ومع ذلك، كان من المنطقي تمامًا أن يفعل موسى ذلك، وكان هذا يعكس فضول كلِّ شعب إسرائيل. ففي النهاية، هم لم يروا هذه الأرض من قبل، ولم يرها أيُّ إسرائيلي منذ ما يقرب من ٤٠٠ سنة.
٢. وَالشَّعْبَ السَّاكِنَ فِيهَا، أَقَوِيٌّ هُوَ أَمْ ضَعِيفٌ: كان هذا السؤال، من ناحية ما، خطيرًا. فإذا رأوا أن شعب كنعان قَوِيٌّ، ربما يخشون دخول الأرض والهجوم عليهم. وإذا رأوا أنه شعب ضَعِيفٌ، فقد يدخلون الأرض واثقين في قوتهم الشخصية.
• “كانت أَيَّامَ بَاكُورَاتِ الْعِنَبِ (سفر العدد ١٣: ٢٠) تأتي في أواخر شهر تموز/يوليه، وبالتالي حدث هذا بعد الارتحال من سيناء بنحو شهرين (سفر العدد ١٠: ١١).” وينهام (Wenham)
ثانيًا. تقرير الجواسيس
أ ) الآيات (٢١-٢٥): الجواسيس الاثنا عشر في أرض الموعد.
٢١فَصَعِدُوا وَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ مِنْ بَرِّيَّةِ صِينَ إِلَى رَحُوبَ فِي مَدْخَلِ حَمَاةَ. ٢٢صَعِدُوا إِلَى الْجَنُوبِ وَأَتَوْا إِلَى حَبْرُونَ. وَكَانَ هُنَاكَ أَخِيمَانُ وَشِيشَايُ وَتَلْمَايُ بَنُو عَنَاق. وَأَمَّا حَبْرُونُ فَبُنِيَتْ قَبْلَ صُوعَنِ مِصْرَ بِسَبْعِ سِنِينَ. ٢٣وَأَتَوْا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ، وَقَطَفُوا مِنْ هُنَاكَ زَرَجُونَةً بِعُنْقُودٍ وَاحِدٍ مِنَ الْعِنَبِ، وَحَمَلُوهُ بِالدُّقْرَانَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، مَعَ شَيْءٍ مِنَ الرُّمَّانِ وَالتِّينِ. ٢٤فَدُعِيَ ذلِكَ الْمَوْضِعُ «وَادِيَ أَشْكُولَ» بِسَبَبِ الْعُنْقُودِ الَّذِي قَطَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ هُنَاكَ. ٢٥ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ تَجَسُّسِ الأَرْضِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
١. فَصَعِدُوا وَتَجَسَّسُوا الْأَرْضَ: بينما كان هؤلاء الجواسيس يتجولون في الأرض، رأوا بعضًا من شعبها، ورأوا محصول الأرض. اشتمل هذا المحصول المذهل على عناقيد عنب ضخمة، لدرجة أنهم اضطروا أن يحملوها بين رجلين بِالدُّقْرَانَةِ (عصا)، وهو ما يؤكد أنها كانت أرضًا جيدة.
• قدَّم آدم كلارك (Adam Clarke) العديد من الشهادات التاريخية التي تشير إلى الحجم الضخم للعنب في تلك المنطقة، وأضاف قائلًا: “قمتُ بنفسي ذات مرة بقطف عنقود من العنب يبلغ وزنه حوالي عشرين رطلًا. فالذين يعيشون في مناخ بارد لا يستطيعون تخيُّل مدى روعة العنب والفواكه الأخرى التي تنمو في المناخ الدافئ، وحيث تكون التربة ملائمة لنموها.”
٢. وَأَتَوْا إِلَى حَبْرُونَ: وعد الله إبراهيم بأن تكون كل أرض كنعان له، إلا أن الجزء الوحيد الذي امتلكه إبراهيم (في نظر الكنعانيين) هو المغارة التي اتخذها موضع دفن في حبرون. أتى الجواسيس إلى حبرون، لكن لم يُذكَر شيء هنا عن قبور إبراهيم، وسارة، وإسحاق، ورفقة، ويعقوب، وليئة.
• “كان الراوي يعرف هذا التراث جيدًا، وافترض أن الجواسيس، والقارئ أيضًا يعرفونه. ومن الضروري أن يُؤخَذ هذا التراث التاريخي في الاعتبار فيما تتكشَّف بقية القصة.” وينهام (Wenham)
• وَأَمَّا حَبْرُونُ فَبُنِيَتْ قَبْلَ صُوعَنِ مِصْرَ بِسَبْعِ سِنِينَ: “يبدو أن هذه المعلومة ذُكِرت لمواجهة المصريين، الذين كانوا يتباهون باطلًا بقدم مدينتهم صُوعَن عن أيِّ مكان آخر.” بوله (Poole)
٣. وَكَانَ هُنَاكَ… بَنُو عَنَاقٍ: كان هذا أول ذكر لأولئك الأشخاص في الكتاب المقدس؛ وقد كانوا قَوْمًا عِظَامًا وَطِوَالًا (سفر العدد ١٣: ٣٣)، ويُعتقَد أيضًا أنهم كانوا محاربين شرسين (تثنية ٩: ٢).
• رأى الجواسيس بَنُي عَنَاقٍ في حَبْرُون. “نظر الجواسيس إلى أحجام المباني وقامات الأشخاص، بدلًا من أن يتطلَّعوا إلى الآباء والوعود… فقد صرفوا أنظارهم عن قبور الآباء، وتجاهلوا وعد الله، واستحوذ على اهتمامهم حجم ثلاثة رجال عمالقة ساكنين في حبرون.” ألن (Allen)
• “في يشوع ١١ : ٢١-٢٢، ذُكِر أن العناقيين كانوا يسكنون في منطقة حبرون، وفي الغرب في المناطق المنخفضة (الشفيلة)، في مدن مثل جت؛ وكذلك على السهل الساحلي، في مدينة غزة ومدينة أشدود. وافترض البعض أن جليات الشهير، الذي هُزم على يد داود، كان من النسل الباقي على قيد الحياة لهؤلاء العمالقة. وقد تمكن رجال داود من قتل أربعة آخرين من هؤلاء في المعركة المذكورة في ٢صموئيل ٢١: ١٥-٢٢.” كول (Cole)
٤. ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ تَجَسُّسِ الْأَرْضِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا: غطت هذه الرحلة الاستكشافية مسافة نحو ٢٥٠ ميلًا (٤٠٠ كيلومترًا)، واستغرقت أَرْبَعِينَ يَوْمًا. ارتبطت مدة أَرْبَعِينَ في الكتاب المقدس (مثل أربعين يومًا أو أربعين سنة) عادةً بالامتحان (أو التجربة).
ب) الآيات (٢٦-٢٩): التقرير المختص بالأرض.
٢٦فَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ، إِلَى قَادَشَ، وَرَدُّوا إِلَيْهِمَا خَبَرًا وَإِلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَأَرَوْهُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ. ٢٧وَأَخْبَرُوهُ وَقَالُوا: «قَدْ ذَهَبْنَا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرْسَلْتَنَا إِلَيْهَا، وَحَقًّا إِنَّهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَهذَا ثَمَرُهَا. ٢٨غَيْرَ أَنَّ الشَّعْبَ السَّاكِنَ فِي الأَرْضِ مُعْتَزٌّ، وَالْمُدُنُ حَصِينَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا. وَأَيْضًا قَدْ رَأَيْنَا بَنِي عَنَاقَ هُنَاكَ. ٢٩الْعَمَالِقَةُ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِ الْجَنُوبِ، وَالْحِثِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ وَالأَمُورِيُّونَ سَاكِنُونَ فِي الْجَبَلِ، وَالْكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ عِنْدَ الْبَحْرِ وَعَلَى جَانِبِ الأُرْدُنِّ».
١. وَرَدُّوا إِلَيْهِمَا خَبَرًا وَإِلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَأَرَوْهُمْ ثَمَرَ الْأَرْضِ: أخبر الجواسيس العائدون كلَّ شعب إسرائيل بما رأوه في تلك الأرض، وأروهم ما أتوا به أيضًا، وهو ما كان يشمل عنقود العنب الضخم المذكور في الآية ٢٣.
٢. قَدْ ذَهَبْنَا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرْسَلْتَنَا إِلَيْهَا: يبدو أن الجواسيس شعروا بأنهم كانوا في مهمةٍ بتكليف من شعب إسرائيل، وليس في إرسالية من الله.
٣. وَحَقًّا إِنَّهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا: فما وعد به الله بشأن هذه الأرض كان صحيحًا بالفعل. وقد أظهرت الثمار التي جلبوها معهم، مثل العنب والرمان والتين، مدى خصوبة أرض كنعان، ومدى وفرة إنتاجها الزراعي.
٤. غَيْرَ أَنَّ: هذه العبارة، بحسب وينهام (Wenham) وكول (Cole)، تُعَد وسيلة فعالة للتعبير عن تناقض الجملة التالية مع الجملة التي تسبقها. فعبارة غَيْرَ أَنَّ معناها “على الرغم من كل ذلك.” فقد كانت الرسالة التي أتى بها غالبية الجواسيس هي: “إن الأرض رائعة، تمامًا كما وعد الله، لكننا لا نستطيع أن نستولي عليها.”
• فرغم وعد الله الصادق والأمين، فإن الشَّعْبَ السَّاكِنَ فِي الْأَرْضِ مُعْتَزٌّ.
• ورغم وعد الله الصادق والأمين، فإن الْمُدُنُ حَصِينَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا.
• ورغم وعد الله الصادق والأمين، فإننا رَأَيْنَا بَنِي عَنَاقَ هُنَاكَ.
• ورغم وعد الله الصادق والأمين، فإن الْعَمَالِقَةُ سَاكِنُونَ… وَالْحِثِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ وَالْأَمُورِيُّونَ سَاكِنُونَ… وَالْكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ في الأرض، ولا يوجد مكان فيها لشعب إسرائيل.
حَصِينَةٌ: “كلمة besurot العبرية (التي تُرجِمت إلى ’حصينة‘) استُخدِمت في ٢ ملوك ١٨: ١٣ للإشارة إلى المدن التي يصعب دخولها، وفي إرميا ٣٣: ٣ أيضًا للإشارة إلى الأشياء المستعصية عن المعرفة (عَوَائِصَ). وبالتالي، فإن المقصود هنا هو أن مدن كنعان بعيدة عن متناول شعب إسرائيل.” ألن (Allen)
من الصعب أن نتخيَّل أن ينم أيُّ تقرير آخر عن عدم إيمان وعدم أمانة من نحو الله أكثر من هذا التقرير. فإن هذا التقرير أقرَّ بصدق وعد الله، وصدق كلمته، ومع ذلك قال: “على الرغم من كلِّ ذلك، لن نستطيع الاستيلاء على هذه الأرض.”
إذا كان إيمان الجواسيس قد امتُحِن خلال هذه الجولة التي استغرقت ٤٠ يومًا، فإنهم حتمًا فشلوا في الامتحان. فإنهم لم يؤمنوا بأن الله يستطيع أن يحقِّق وعده بأن يعطي هذه الأرض لشعب إسرائيل، كما جاء في العهد الذي قطعه مع إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب.
“من المحتمل أنهم ذهبوا إلى الأرض في ثقة منهم بأنهم في مهمة إلهية، لكنهم رجعوا خائفين ومتذلِّلين أمام البشر، غير خائفين الله بعد.” ألن (Allen)
ج) الآية (٣٠): اعتراض كالب المفعَم بالإيمان.
٣٠لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلَى مُوسَى وَقَالَ: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا».
١. لَكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ: أوصى كالب الشعب بأن يتكلوا على الله، ويطيعوه، ويمتلكوا الأرض على الفور. فقد كان يدرك أنهم بالرب قَادِرُونَ عَلَيْهَا.
٢. إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا: تطلَّب وقوف هذا الرجل ضد أمواج عدم الإيمان والشك شجاعة كبيرة منه. فقد تبنَّى كالب القناعة نفسها التي نقرأ عنها في رومية ٣: ٤، “ليَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا.”
د ) الآيات (٣١-٣٣): رد فعل الجواسيس الآخرين تجاه كالب.
٣١وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: «لاَ نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلَى الشَّعْبِ، لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا». ٣٢فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ الْقَامَةِ. ٣٣وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ، بَنِي عَنَاق مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ، وَهكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ».
١. وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: كان ردُّهم غير المؤمن عبارة عن مزيج من الحقائق، والأكاذيب، والمبالغة.
• فقد كان من الصواب، من المنظور البشري، أَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا، لكنَّ قولهم ’لَا نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلَى الشَّعْبِ‘ كان كذبًا.
• وكان من الصواب أنهم مرُّوا في الأرض ليتجسَّسوها، لكن قولهم إنها ’أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا‘ كان كذبًا.
• وتنطوي العبارات التالية: ’جَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ الْقَامَةِ،‘ و’الْجَبَابِرَةَ‘ و’كُنَّا كَالْجَرَادِ‘ على مبالغات شديدة، بمعنى أنها أيضًا كانت كذبًا.
“لاحظ أيضًا المبالغة في الترويع التي تكمن في عبارة ’وَجَمِيعُ الشَّعْبِ … بَنِي عَنَاقٍ.‘ فإن حجم العمالقة قد ازداد، بل وعددهم أيضًا. لاحظ ذلك في قولهم أيضًا ’فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ.‘ لا شك أن بني عناق كانوا ضخام الحجم، لكن الخوف أضاف إلى قامتهم ذراعًا، وكأنه صنع معجزة.” ماكلارين (Maclaren)
عقد ف. ب. ماير (F. B. Meyer) مقارنة بين منظور الجواسيس العشرة غير المؤمنين، ومنظور الجاسوسين المخلِصَين، كالب ويشوع، قائلًا: “رأى جميعهم المشاهد نفسها في أثناء معاينتهم للأرض، لكن النتيجة في الحالة الأولى كانت الذعر، أما في الحالة الثانية فكانت الثقة والسلام. وما الذي شكَّل هذا الفارق؟ كان الفارق يكمن في مقارنة الجواسيس العشرة أنفسهم بالعمالقة، في حين قارن الجاسوسان الآخران العمالقة بالله.”
“إن المصير الذي خشي هؤلاء أن يلاقوه في كنعان لحق بهم فعليًّا في البرية” (سفر العدد ١٤: ٣، ٢٩-٣٤). وينهام (Wenham)
٢. الْأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا: احتكم الجواسيس غير المؤمنين إلى سلطتهم، وذلك لأنهم رأوا بأنفسهم مدن كنعان القوية وشعبها. فقد ظنوا وقالوا أيضًا إن الحقائق والواقع العملي في صفهم، مع أن أكثر شيء واقعي وعملي يمكن أن نفعله هو أن نثق في وعود الله الحي. ففي النهاية، لم يكن عدم إيمانهم متوافقًا مع الحقائق، بل كان على الرغم من الحقائق.
• من المثير للاهتمام أن رجلين شاهدا الأشياء نفسها – أي العنب نفسه، والكنعانيين أنفسهم، والأرض نفسها، والمدن نفسها – لكن الأول (وهو كالب) رجع متشددًا في الإيمان، في حين شعر الثاني بأن مصيره الموت المحقَّق. وبالتالي، ليس الإيمان أو عدم الإيمان قائمين في الأساس على الظروف أو البيئة المحيطة، لكنَّ الإيمان متأصِّل في قلب يثق بالله وبوعوده.
• “الحقيقة اللافتة للنظر هي أنه لم ترد في تقرير هؤلاء الجواسيس أية إشارة إلى الله. فيبدو أنهم نسوا الله تمامًا في ذلك الوقت.” مورجان (Morgan)
• “ربح التقرير الشرير الجولة. فإن عشرة رجال خائفين يستطيعون قطعًا بصراخهم ورعبهم أن يطغوا على صوت رجلين شجاعين.” ألن (Allen)