سفر العدد – الإصحاح ١٦
تمرُّد قُورَح
أولًا. قُورَح وأتباعه يعارضون قيادة موسى
أ ) الآيات (١-٣): الشكوى ضد موسى وهارون.
١وَأَخَذَ قُورَحُ بْنُ يِصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لاَوِي، وَدَاثَانُ وَأَبِيرَامُ ابْنَا أَلِيآبَ، وَأُونُ بْنُ فَالَتَ، بَنُو رَأُوبَيْنَ، ٢يُقَاوِمُونَ مُوسَى مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ مَدْعُوِّينَ لِلاجْتِمَاعِ ذَوِي اسْمٍ. ٣فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لَهُمَا: «كَفَاكُمَا! إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ. فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟».
١. وَأَخَذَ قُورَحُ بْنُ يِصْهَارَ: كان لهذا التمرُّد، مثله مثل أيِّ تمرد آخر، قائد وأتباع. وهذا القائد هو قُورَح، من نسل قَهَات. كان كلٌّ من موسى وقُورَح من نسل قَهَات، لكن من أبوين مختلفين. كان موسى من عشيرة عَمْرَام (سفر العدد ٢٦: ٥٨-٥٩)، أما قُورَح فكان من عشيرة يِصْهَار.
• من بين الفروع الثلاثة لسبط لاوي، كُلِّف بنو قَهَات بالمهام الأعلى مقامًا. فقد كانوا مسئولين عن حمل أمتعة قدس الأقداس، والاعتناء بها، بعدما يكون هارون وبنوه قد غطُّوها بالأغطية المعَدَّة خصيصًا لذلك (سفر العدد ٤: ١٥).
• كان دَاثَان وأَبِيرَام وأُون من سبط رَأُوبَيْن. ففي أثناء تقسيم الأسباط، وُضِعت عشيرة قَهَات من سبط لاوي في موضع قريب من سبط رأُوبين. ولذلك، لا نستغرب انتشار تمرُّد قُورَح بين هؤلاء الرجال الثلاثة الذين هم من بني رأوبين.
• ربما قال قُورَح في نفسه: “أنا أيضًا من سبط لاوي، ويُعتبَر هارون ابن عمٍّ لي؛ فلمَ صار هو كاهنًا، وأنا لم أصر كذلك؟” وربما قال داثان وأبيرام: “كان رأوبين هو بكر إسرائيل (يعقوب)، وبالتالي كان ينبغي أن يتولَّى سبطنا القيادة. فلمَ أصبح موسى هو القائد، ولم نصبح نحن كذلك؟”
٢. كَفَاكُمَا! إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ: اتَّهم قُورَح موسى بالكبرياء (كَفَاكُمَا)، وحُب السلطة، ورفض السماح للآخرين بالقيادة (إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ). فعلى الأرجح، أراد قُورَح لنفسه بعضًا من السلطة والمكانة اللذين أعطاهما الله لموسى.
• من اللافت للانتباه أن هذا الاتهام وُجِّه علانيةً، أمام مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ من رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ … ذَوِي اسْمٍ. كان قُورَح يتحدث أمام مجموعة من الناس، على أمل أن يجتذب أتباعًا لنفسه.
٣. كَفَاكُمَا! إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ: كان هذا هجومًا بارعًا. فقد تصرَّف قُورَح كما لو كان يمثِّل الشعب، ويكافح من أجل حماية مصالحهم. لكن على الأرجح، كان قُورَح يريد لنفسه بعضًا من السلطة والنفوذ اللذين منحهما الله لموسى.
• بدا الأمر كما لو أن قُورَح قال: “يا موسى، لِمَ ينبغي أن تكون أنت وحدك القائد؟ دع الجميع يكونون قادةً. فإن الله يستطيع أن يتكلَّم إلى الجميع.”
• من الجدير بالذكر أن قُورَح أشار إلى أن الشعب مقدَّسٌ (إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ)، ورأى أنه لا ضرورة لوجود قيادة قوية عليهم (كَفَاكُمَا)، في الوقت نفسه الذي لم يكن فيه الشعب مقدسًا، وكان في أمس الحاجة إلى قيادة قوية. فقد أساء قُورَح تمامًا فهم حالة شعب الله، لأنه لم يكن راعيًا حقيقيًّا.
٤. فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ: اتَّهم قُورَح موسى (وهارون) بالكبرياء والأنانية والانتهازية. لكن الحقيقة هي أن موسى لم يصبح قائدًا لشعب إسرائيل بطموح شخصي أو برغبة شخصية منه، بل كان ذلك بدعوة مباشرة من الله. فقد كان لموسى منصب قيادي واضح معيَّن له من الله، ولم يكن رجلًا متكبرًا، يرى نفسه أعلى من جَمَاعَةِ الرَّبِّ.
• “كان التوجُّه الذي تبنَّاه منظِّمو حركة التمرد هذه معقولًا وشائعًا، ويُعبر عن الفكر الديمقراطي: ’إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ.‘ كانت هذه مطالبة بالمساواة في الحقوق، والاستقلالية والحرية في التصرُّف.” مورجان (Morgan)
٥. مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ مَدْعُوِّينَ لِلِاجْتِمَاعِ ذَوِي اسْمٍ: على المستوى البشري، نجح قُورَح، لأن هؤلاء المِئَتَيْنِ وَالخَمْسِينَ من رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَة اتبعوه. لم يَقُد هؤلاء الرجال التمرد، لكن لم يكن لديهم التمييز الكافي ليعارضوا قُورَح، وبالتالي فإنهم اتبعوه. وإن تأييد ٢٥٠ من الرُؤَسَاءِ البارزين لشخص مثل قُورَح يشكِّل أزمة كبيرة.
• كان هؤلاء الرجال البالغ عددهم ٢٥٠ من الرُؤَسَاء، لكنهم لم يكونوا هم أنفسهم شيوخ إسرائيل الذين أقيموا في سفر العدد ١١: ١٦-٣٠ . ويتضح الفرق بين هؤلاء الرُؤَسَاءِ وشيوخ إسرائيل في الآية ٢٥.
ب) الآيات (٤-١١): ردُّ موسى على قُورَح ورفقائه.
٤فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ. ٥ثُمَّ كَلَّمَ قُورَحَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ قَائِلًا: «غَدًا يُعْلِنُ الرَّبُّ مَنْ هُوَ لَهُ، وَمَنِ الْمُقَدَّسُ حَتَّى يُقَرِّبَهُ إِلَيْهِ. فَالَّذِي يَخْتَارُهُ يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ. ٦اِفْعَلُوا هذَا: خُذُوا لَكُمْ مَجَامِرَ. قُورَحُ وَكُلُّ جَمَاعَتِهِ. ٧وَاجْعَلُوا فِيهَا نَارًا، وَضَعُوا عَلَيْهَا بَخُورًا أَمَامَ الرَّبِّ غَدًا. فَالرَّجُلُ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ هُوَ الْمُقَدَّسُ. كَفَاكُمْ يَا بَنِي لاَوِي!». ٨وَقَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: «اسْمَعُوا يَا بَنِي لاَوِي. ٩أَقَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ أَفْرَزَكُمْ مِنْ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ لِيُقَرِّبَكُمْ إِلَيْهِ لِكَيْ تَعْمَلُوا خِدْمَةَ مَسْكَنِ الرَّبِّ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ الْجَمَاعَةِ لِخِدْمَتِهَا؟ ١٠فَقَرَّبَكَ وَجَمِيعَ إِخْوَتِكَ بَنِي لاَوِي مَعَكَ، وَتَطْلُبُونَ أَيْضًا كَهَنُوتًا! ١١إِذَنْ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَتِكَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الرَّبِّ. وَأَمَّا هَارُونُ فَمَا هُوَ حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْهِ؟»
١. فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ: عندما سمع موسى في وقت سابق بعدم إيمان شعب إسرائيل الذي يشكِّل خطورة كبيرة، سقط هو وهارون على وجهيهما أمام الله (سفر العدد ١٤: ٥). والآن، أمام تمرُّد قُورَح الذي يشكِّل خطورة أيضًا، سَقَطَ موسى عَلَى وَجْهِهِ مرة أخرى، في وضعية صلاة وتذلُّل.
• كان موسى رجلًا متضعًا، ومن ثَمَّ فإنه ربما سأل الله ما إذا كان منتقدوه على حقٍّ، أو ما إذا كان لدى الله شيء يريد أن يعلِّمه إياه من خلالهم. أو ربما سأل موسى الله ماذا ينبغي أن يفعل في هذا الموقف. ومن المؤكَّد أنه طلب من الله أن يرحم الشعب، وطلب منه أيضًا ألا يسمح لهؤلاء الرجال المثيرين للشقاق بأن يكونوا سببًا في جلب ضررٍ دائمٍ على شعب الله.
٢. غَدًا يُعْلِنُ الرَّبُّ مَنْ هُوَ لَهُ، وَمَنِ الْمُقَدَّسُ: لسنا نَعلَم الوقت الذي استغرقته صلاة موسى، لكن بعدما صلَّى، تلقَّى من الله نوعًا من الإرشاد لحلِّ هذه الأزمة. اقترح موسى تحديًا، بأن يأتي قُورَح وأتباعه أمام الرب، ويأتي أيضًا موسى وهارون، حتى يعلن الرب بوضوح من هم القادة الذين يختارهم.
٣. كَفَاكُمْ يَا بَنِي لَاوِي: يبيِّن ذلك أن موسى لم يشك في نتيجة هذا الاختبار. فقد كان يَعلَم أن الله سيثبت خطأ قُورَح؛ ولذلك، لم يخش إجراء هذا الاختبار.
٤. أَقَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ أَفْرَزَكُمْ مِنْ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ: ذكَّر موسى قُورَح بأن الله وكَّلهم على خدمة مُكرَّمة، يبدو الآن أنهم صاروا يعتبرونها أمرًا قَلِيلًا. فإن دورهم المتمثِّل في خدمة الكهنة، وحمل أمتعة المسكن المقدَّسة، والاعتناء بها، كان يقرِّبهم إلى الله. إلا أن قُورَح لم يكن قانعًا بدعوته.
• حتى وإن كان قُورَح على حقٍّ، أي إن كان موسى قد أصبح متكبرًا ومتعطشًا للسلطة، فإن هذا الأسلوب للتعامل مع المشكلة كان خاطئًا. كانت هذه المواجهة العلنية أسلوبًا خاطئًا للتعامل مع شخص مثل موسى الذي كان من الواضح أنه مدعوٌّ ومعيَّن للقيادة. فإن استخدام قُورَح لأساليب خاطئة وشريرة (الاتهام، والتهديد، وجمع أتباع منافسين) كان خطًا.
٥. وَأَمَّا هَارُونُ فَمَا هُوَ حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْهِ: لا يسعُنا أن نتخيَّل ما الذي كان يدور ببال هارون حيال كلِّ ذلك. فقد سبق وانقلب هو وأخته مريم على موسى، كما نقرأ في سفر العدد ١٢، وانتهى ذلك بالخراب على كليهما. وبالتالي، نستطيع أن نتخيَّل أن هارون قال في نفسه: “يا قُورَح، لا ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبتُه قبلك.”
ج) الآيات (١٢-١٤): داثان وأبيرام يتحدَّثان نيابة عن المتمرِّدين.
١٢فَأَرْسَلَ مُوسَى لِيَدْعُوَ دَاثَانَ وَأَبِيرَامَ ابْنَيْ أَلِيآبَ. فَقَالاَ: «لاَ نَصْعَدُ! ١٣أَقَلِيلٌ أَنَّكَ أَصْعَدْتَنَا مِنْ أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا لِتُمِيتَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ حَتَّى تَتَرَأَسَ عَلَيْنَا تَرَؤُسًا؟ ١٤كَذلِكَ لَمْ تَأْتِ بِنَا إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَلاَ أَعْطَيْتَنَا نَصِيبَ حُقُول وَكُرُومٍ. هَلْ تَقْلَعُ أَعْيُنَ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ؟ لاَ نَصْعَدُ!».
١. دَاثَانَ وَأَبِيرَامَ: كان هذان الرجلان من المتآمرين مع قُورَح (سفر العدد ١٦: ١). وقد رفضا أن يلتقيا بموسى، أو أن يستجيبا لتحدِّيه. وفي المقابل، اتهما موسى بالرغبة في قتل شعب الله.
٢. أَصْعَدْتَنَا مِنْ أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا: إن داثان وأبيرام كذبا بشأن الماضي، إذ اعتبرا مصر أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، حتى للعبيد العبرانيين. وكذبهما بشأن الماضي جعل موسى يبدو في أسوأ صورة ممكنة.
٣. لِتُمِيتَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ: كذلك، داثان وأبيرام نسبا إلى موسى نوايا شريرة. فقد تحدَّثا كما لو كانا قد اكتشفا مؤامرة سرية بين موسى وهرون، بأن يقودا شعب إسرائيل إلى البرية لقتلهم جميعًا. وكان هذا الاتهام حماقةً.
٤. حَتَّى تَتَرَأَسَ عَلَيْنَا تَرَؤُّسًا: وإن داثان وأبيرام رفضا الاعتراف بالتقدُّم الذي حدث في حياة موسى. فقبل ذلك بنحو ٤٠ عامًا، كان موسى أميرًا (رئيسًا)، وشخصا واثقًا بنفسه، يظن أنه يستطيع بقوته أن ينقذ شعب إسرائيل ويقودهم. وقد كسر الله ثقته هذه بنفسه خلال ٤٠ سنة قضاها في البرية يؤدي خدمة وضيعة. ومع ذلك، تحدَّث داثان وأبيرام هنا كما لو كان موسى لا يزال أميرًا (رئيسًا) متكبرًا.
٥. لَمْ تَأْتِ بِنَا إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا: يبيِّن ذلك أن داثان وأبيرام كانت لديهما توقعات غير عادلة من موسى. فصحيح أن موسى لم يكن قد أتى بهم بعد إلى أرض كنعان، لكن كان من الخطأ أن يلقيا اللوم على موسى في هذا الأمر، وكان من الخطأ أيضًا أن يظنا أن قُورَح يستطيع أن يبلي بلاءً أفضل من موسى.
• من السهل على أناسٍ مثل قُورَح أن يقولوا: “لو كنتُ قائدًا لشعب إسرائيل، لكنا قد وصلنا الآن بالفعل إلى أرض كنعان.” إلا أن قُورَح لم يكن قائدًا لشعب إسرائيل، والأشخاص من هذا النوع نادرًا ما يتولون القيادة. فنادرًا ما يضع الله أشخاصًا ناقدين في مناصب قيادية حقيقية، إلا كعقابٍ لهم، حتى يبيِّن لهم مدى صعوبة القيادة، ويثبت لهم أن القيادة المثالية أمر مستحيل، مثلها مثل أيِّ شيء مثالي آخر.
• على القادة أن يتوقَّعوا أن يحاسَبوا وفقًا لمعايير أسمى من الأشخاص العاديين، لكن من الظلم أن نتوقع من القائد أن يكون كاملًا أو مثاليًّا تمامًا.
٦. لَا نَصْعَدُ: كذلك، داثان وأبيرام اعتبرا نفسيهما غير خاضعَين لأيِّ سلطة. يبدو الأمر كما لو أنهم قالوا: “يا موسى، نحن لسنا نكنُّ احترامًا لسلطتك. فإننا سوف نستمع إلى الله مباشرة، وليس إليك أنت. فإن كلامك لا يعني لنا شيئًا، ولذلك فإننا لَا نَصْعَدُ.” ويبدو أن الرؤساء الآخرين البالغ عددهم ٢٥٠ كانوا متفقين مع داثان وأبيرام في الرأي، حيث لم يبد أيٌّ منهم اعتراضًا على اتهاماتهما القاسية لموسى.
• “من الصعب أن نصدِّق مدى فظاظة داثان وأبيرام. فقد رفضا حتى أن يصعدا للمثول أمام موسى لمواجهة الاتهامات، ورفضا ذلك رفضًا قاطعًا مرتين.” ألن (Allen)
د ) الآيات (١٥-١٩أ): موسى يُكرّر تَحَدّيه.
١٥فَاغْتَاظَ مُوسَى جِدًّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: «لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى تَقْدِمَتِهِمَا. حِمَارًا وَاحِدًا لَمْ آخُذْ مِنْهُمْ، وَلاَ أَسَأْتُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ». ١٦وَقَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: «كُنْ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَتِكَ أَمَامَ الرَّبِّ، أَنْتَ وَهُمْ وَهَارُونُ غَدًا، ١٧وَخُذُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ، وَاجْعَلُوا فِيهَا بَخُورًا، وَقَدِّمُوا أَمَامَ الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ. مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مِجْمَرَةً. وَأَنْتَ وَهَارُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ». ١٨فَأَخَذُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلُوا فِيهَا نَارًا وَوَضَعُوا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَوَقَفُوا لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ. ١٩وَجَمَعَ عَلَيْهِمَا قُورَحُ كُلَّ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ.
١. فَاغْتَاظَ مُوسَى جِدًّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: بعد كلام داثان وأبيرام، اغْتَاظَ مُوسَى جِدًّا. فقد كان يَعلَم أنه لم يفعل شيئًا يستحق عليه هذه الاتهامات. وفعل موسى الصواب، إذ ترك الأمر في يد الله.
• كان موسى رجلًا يتمتع بنفوذ سياسي، وكان لديه تحت إمرته جنود أو ما يشبه رجال الشرطة. ولذلك، كان بإمكانه أن يأمر بإلقاء القبض على قورح وداثان وأبيرام وأتباعهم، وإعدامهم. لكنه، في المقابل، اتَّكل على الله كي يحسم هذا التمرد.
• يستاء الناس في بعض الأحيان لأن رجلًا مثل موسى اغتاظ من أناس مثل داثان وأبيرام، ويرون أن رد الفعل السليم كان ينبغي أن يتمثل في تقديم المحبة المترفقة والهادئة لهما. نستطيع أن نتفهم طريقة التفكير هذه، لكنها خاطئة. فإن الرعاة يجب أن يترفَّقوا بالخراف الضالة التي قد تؤذي نفسها، لكنهم يجب أن يكونوا حازمين مع الذئاب التي قد تؤذي القطيع.
٢. حِمَارًا وَاحِدًا لَمْ آخُذْ مِنْهُمْ، وَلَا أَسَأْتُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ: قال موسى إنه كان رجلًا نزيهًا، وخادمًا للشعب. فقد استطاع موسى أن يستند إلى ضميره الطاهر أمام الله.
• يُذَكِّرنا هذا بشهادة بولس عن نفسه أمام قادة كنيسة أفسس في أعمال الرسل ٢٠: “لِذَلِكَ أُشْهِدُكُمُ الْيَوْمَ هَذَا أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ الْجَمِيعِ، لِأَنِّي لَمْ أُؤَخِّرْ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ اللهِ… فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ… فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ” (أعمال الرسل ٢٠: ٢٦-٢٧، ٣٣، ٣٥). فعندما ينزعج القائد من أشخاص متمرِّدين ومثيرين للشقاق، يجب أن يكون قادرًا على الاحتكام إلى ضميره الطاهر.
٣. وَخُذُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ، وَاجْعَلُوا فِيهَا بَخُورًا، وَقَدِّمُوا أَمَامَ الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ: كان هذا هو مضمون التحدي. فإما أن يقبل الله المائتي وخمسين رجلًا المجتمعين بمجامر البخور لدى باب خيمة الاجتماع، وإما أن يرفضهم.
• كان هناك سبب وجيه لاستخدام الله المجامر مع النار والبخور في هذا الاختبار. فإن المِجْمَرَة هي وعاء معدني يُستخدَم لإيقاد البَخُور، وكانت تُستخدم في خدمة شعب إسرائيل الكهنوتية. وبما أن قُورَح وجماعته شكَّكوا في أحقية موسى وهارون في قيادة الشعب ورئاسة الكهنوت، فإن كلَّ فريق سيأتي إلى الرب مثل كهنة عابدين، وسيعلن الرب الفريق الذي يحظى بقبوله.
• سمح موسى للمتمرِّدين بأن يشغلوا المنصب الذي أرادوه، أي منصب الكهنة. وفي بعض الأحيان، تكون أفضل دينونة على مثيري الشقاق والمتمردين هي السماح لهم بالقيادة.
• من المنظور البشري، لم تكن الأمور في صف موسى وهارون. فقد كانا مجرد رجلين يقفان ضد أكثر من ٢٥٠ رجلًا آخرين، وفي حضور كُلَّ الْجَمَاعَةِ. ومع ذلك، كان الله، وليس رأي الأغلبية، هو الذي سيقوم بالاختيار.
• “جَمَعَ … قُورَحُ كُلَّ الْجَمَاعَةِ ليكونوا شهودًا على هذا الحدث. وفي حالة نجاحهم، وهو الأمر الذي لم يكن لدى قُورح أدنى شك فيه، قد تهجم هذه الجماعة بغضب شعبي على موسى وهارون، ويقضوا عليهما.” بوله (Poole)
ثانيًا. الله يصادق على قيادة موسى لشعب إسرائيل
أ ) الآيات (١٩ب-٢١): الله يعلن دينونته على المتمردين.
١٩… فَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ. ٢٠وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا: ٢١«افْتَرِزَا مِنْ بَيْنِ هذِهِ الْجَمَاعَةِ فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ فِي لَحْظَةٍ».
١. فَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ: كان هذا هو حضور الشكينة، أي سحابة مجد الله. فقد أراد الله أن يحسم هذا الصراع بطريقة قوية ومباشرة وواضحة.
٢. افْتَرِزَا مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ: بدا الأمر كما لو أن الله يقول: “يا موسى وهارون، ابتعدا من هنا، فإني سأفني هؤلاء المتمرِّدين جميعهم في لحظة، ولا أريد أن تتعرَّضا للأذى.”
٣. فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ فِي لَحْظَةٍ: قرَّر الله أن يجعل قراره واضحًا بصورة فورية. في بعض الأحيان، لا يفعل الله ذلك عند تعامله مع أناسٍ متمرِّدين ومثيرين للشقاق، لكن كانت هذه هي الطريقة التي تعامل بها في هذه الواقعة.
ب) الآية (٢٢): تشفُّع موسى وهارون عن قُورَح والمتمردين.
٢٢فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا وَقَالاَ: «اللّهُمَّ، إِلهَ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ، هَلْ يُخْطِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَسْخَطَ عَلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ؟»
١. فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا: مرة أخرى، اتضع موسى وهارون وتذلَّلا أمام الله. وفي محبة شديدة، طلبا من الله أن يرحم كُلِّ الْجَمَاعَةِ.
• ربما من أسباب سماح الله لموسى وهارون بأن يختبرا هذا التمرد المؤلم هو إتاحة الفرصة لهما لإظهار هذا النوع من المحبة لكُلِّ الْجَمَاعَةِ. وتبيِّن هذه المحبة تجاه أناسٍ لا يستحقون أن موسى وهارون قد اختبرا نموًّا في المحبة، وكانا يتغيَّران بالفعل إلى صورة يسوع، حتى قبل أن يسير يسوع على الأرض.
• مرة أخرى، نجد هنا تشديدًا على أهمية الصلاة. فالأمر يبدو وكأنه لو لم تُرفَع تلك الصلاة، لكانت الجماعة المتمردة بأكملها قد هلكت. فإننا يجب أن ندرك أن صلاة موسى كانت ضرورية.
٢. هَلْ يُخْطِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَسْخَطَ عَلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ: مع أن أكثر من ٢٥٠ من الرؤساء قاوموا موسى وهارون، أدرك كلاهما بالصواب أن هذا كان خطأ رَجُل وَاحِد، حيث كان قُورح هو أساس كلِّ ذلك.
ج) الآيات (٢٣-٢٧): الله يحذِّر من الدينونة التي توشك أن تقع على قُورَح وجماعته.
٢٣فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٢٤«كَلِّمِ الْجَمَاعَةَ قَائِلًا: اطْلَعُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ». ٢٥فَقَامَ مُوسَى وَذَهَبَ إِلَى دَاثَانَ وَأَبِيرَامَ، وَذَهَبَ وَرَاءَهُ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ. ٢٦فَكَلَّمَ الْجَمَاعَةَ قَائِلًا: «اعْتَزِلُوا عَنْ خِيَامِ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ الْبُغَاةِ، وَلاَ تَمَسُّوا شَيْئًا مِمَّا لَهُمْ لِئَلاَّ تَهْلِكُوا بِجَمِيعِ خَطَايَاهُمْ». ٢٧فَطَلَعُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ، وَخَرَجَ دَاثَانُ وَأَبِيرَامُ وَوَقَفَا فِي بَابِ خَيْمَتَيْهِمَا مَعَ نِسَائِهِمَا وَبَنِيهِمَا وَأَطْفَالِهِمَا.
١. اطْلَعُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ: كانت هذه رحمةً من الله. فقد أوصى الرب موسى بأن ينبِّه شعب إسرائيل إلى ضرورة أن يعزلوا أنفسهم عن تمرد قُورَح، لئلا يقعوا تحت وطأة الدينونة التي كانت على وشك أن تقع عليهم.
٢. وَذَهَبَ وَرَاءَهُ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ: كان هذا رائعًا. فقد عيَّن الله الشيوخ في سفر العدد ١١: ١٦-٣٠ ردًّا على هجوم سابق على قيادة موسى. وكان على هؤلاء الشيوخ أن يكونوا رجالًا لديهم روح ورؤية موسى، وأن يساعدوه ويساندوه في تحمل العبء. وهنا، فعل هؤلاء الرجال تحديدًا ما عيَّنهم الله له.
٣. لِئَلَّا تَهْلَكُوا بِجَمِيعِ خَطَايَاهُمْ: في استجابةٍ من موسى لأمر الله بالابتعاد عن خيام قادة التمرُّد (قُورَح، وداثان، وأبيرام)، ناشد الشعب بأن ينفصلوا عن الأشخاص المثيرين للشقاق. وهذا ما فعله الشعب بالفعل (فَطَلَعُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ).
• هذا التوجُّه نفسه يجب أن يكون موجودًا بين شعب الله اليوم. فعليهم أن يبتعدوا عن الأشخاص المثيرين للشقاق والجدل والنزاع في عائلة الله، وأن يخشوا أن تطالهم الدينونة نفسها أو التأديب نفسه الذي سيجلبه هؤلاء على أنفسهم.
• يشير العهد الجديد أيضًا إلى هذا المبدأ نفسه:
“اَلرَّجُلُ الْمُبْتَدِعُ بَعْدَ الْإِنْذَارِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ، أَعْرِضْ عَنْهُ. عَالِمًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَدِ انْحَرَفَ، وَهُوَ يُخْطِئُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ.” (تيطس ٣: ١٠-١١)
“وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنْ تُلَاحِظُوا الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الشِّقَاقَاتِ وَالْعَثَرَاتِ، خِلَافًا لِلتَّعْلِيمِ الَّذِي تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ. لِأَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ لَا يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ وَالْأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ.” (رومية ١٦: ١٧-١٨).
• إن الأشخاص مثيري الشقاق ومحبِّي النزاعات لن يصرِّحوا البتة بأنهم كذلك، لكنهم في المعتاد يعتبرون ما يفعلونه عملًا نبيلًا. ولذلك، يحتاج شعب الله إلى التمييز حتى ينظروا إلى ما يفعله الآخرون، وليس فقط إلى ما يقولونه.
د ) الآيات (٢٨-٣٥): دينونة الله على قُورح وجماعته.
٢٨فَقَالَ مُوسَى: «بِهذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي لأَعْمَلَ كُلَّ هذِهِ الأَعْمَالِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِي. ٢٩إِنْ مَاتَ هؤُلاَءِ كَمَوْتِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَأَصَابَتْهُمْ مَصِيبَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، فَلَيْسَ الرَّبُّ قَدْ أَرْسَلَنِي. ٣٠وَلكِنْ إِنِ ابْتَدَعَ الرَّبُّ بِدْعَةً وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَكُلَّ مَا لَهُمْ، فَهَبَطُوا أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ، تَعْلَمُونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْقَوْمَ قَدِ ازْدَرَوْا بِالرَّبِّ». ٣١فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّكَلُّمِ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ، انْشَقَّتِ الأَرْضُ الَّتِي تَحْتَهُمْ، ٣٢وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَكُلَّ مَنْ كَانَ لِقُورَحَ مَعَ كُلِّ الأَمْوَالِ، ٣٣فَنَزَلُوا هُمْ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُمْ أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمِ الأَرْضُ، فَبَادُوا مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ. ٣٤وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ هَرَبُوا مِنْ صَوْتِهِمْ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «لَعَلَّ الأَرْضَ تَبْتَلِعُنَا». ٣٥وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمِئَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ رَجُلًا الَّذِينَ قَرَّبُوا الْبَخُورَ.
١. بِهَذَا تَعْلَمُونَ: أعطى الله موسى بصيرة فائقة ليعرف أن دينونةً من نوع خاص (بِدْعَةً) ستقع على قُورَح وَدَاثَان وَأَبِيرَام. فإن الأرض سوف تبتلعهم، كدليل على أن هؤلاء القوم قَدِ ازْدَرَوْا بِالرَّبِّ.
٢. انْشَقَّتِ الْأَرْضُ الَّتِي تَحْتَهُمْ، وَفَتَحَتِ الْأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ: كانت هذه هي دينونة الله على قُورَح وَدَاثَان وَأَبِيرَام، وعائلاتهم.
• إننا ننزعج من وقوع الدينونة على عائلاتهم أيضًا، لكن هذا يُظهِر أن عائلات المتمرِّدين ومثيري الشقاقات والنزاعات تعاني أيضًا، وبدرجة كبيرة في كثير من الأحيان.
٣. فَنَزَلُوا… أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ: الكلمة العبرية التي تُرجِمت هنا إلى الهاوية هي Sheol. كان هذا هو المفهوم العبري لعالم الموتى، الموجود تحت سطح الأرض (حيث يُدفَن الموتى). لكنَّ هؤلاء لم يُدفَنوا، بل نَزَلُوا… أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ. فلم يكن هناك داعٍ لحفر قبور، بل الله نفسه هو الذي حفر قبورهم، وأرسلهم مباشرة إلى عالم الموتى.
• في هذا الحدث، أُظهِرت رحمةٌ استثنائية تجاه بقيةٍ من هؤلاء. “فقد تبيَّن بعد ذلك أنه كان هناك ناجون من عائلة قُورح، امتدَّ نسلهم إلى أيام داود وإلى ما بعد ذلك أيضًا. يخبرنا سفر العدد ٢٦: ١٠-١١ بأن قُورح كان ضمن الذين ابتلعتهم الأرض، في حين لم يمت بنوه معه. وأصبح بنو قُورح فيما بعد مغنِّين في الهيكل، ومسئولين عن كتابة العديد من المزامير.” ألن (Allen)
٤. وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمِئَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ رَجُلًا: قضى الله بدينونةٍ على الذين انحازوا إلى قُورح. فإن قُورح والمقرَّبين منه من معاونيه ابْتَلَعَتْهُمْ الأرض، أما الْمِئَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ رَجُلًا، فهلكوا بالنار. وبالتالي، لم تُقبَل عبادتهم.
• “بالنار أخطأوا وبالنار تألَّموا.” تراب (Trapp)
• “وهكذا، أُنزِلت عقوبتان مختلفتان، وهما الهاوية والنار، على هذين القسمين من المتمرِّدين.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (٣٦-٤٠): غشاء للمذبح من النحاس.
٣٦ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٣٧«قُلْ لأَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ أَنْ يَرْفَعَ الْمَجَامِرَ مِنَ الْحَرِيقِ، وَاذْرِ النَّارَ هُنَاكَ فَإِنَّهُنَّ قَدْ تَقَدَّسْنَ. ٣٨مَجَامِرَ هؤُلاَءِ الْمُخْطِئِينَ ضِدَّ نُفُوسِهِمْ، فَلْيَعْمَلُوهَا صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ، لأَنَّهُمْ قَدْ قَدَّمُوهَا أَمَامَ الرَّبِّ فَتَقَدَّسَتْ. فَتَكُونُ عَلاَمَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ». ٣٩فَأَخَذَ أَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ مَجَامِرَ النُّحَاسِ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُحْتَرِقُونَ، وَطَرَقُوهَا غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ، ٤٠تَذْكَارًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لِكَيْ لاَ يَقْتَرِبَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ لِيُبَخِّرَ بَخُورًا أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَكُونَ مِثْلَ قُورَحَ وَجَمَاعَتِهِ، كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى.
١. أَنْ يَرْفَعَ الْمَجَامِرَ مِنَ الْحَرِيقِ… فَإِنَّهُنَّ قَدْ تَقَدَّسْنَ… فَلْيَعْمَلُوهَا صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ: طُرِقت المجامر في شكل صفائح، واستُخدِمت لتغطي المذبح الرئيسي الذي تقدَّم عليه الذبائح. فقد تَقَدَّسَتْ مجامر المتمردين، واحتُفِظ بها، لأنه مع أن قُورح وأتباعه قدَّموا عبادة خاطئة، فإنهم عبدوا الإله الصحيح.
• “هل تستطيع تخيُّل هذا المشهد؟ فقد فتَّش الكهنة الحقيقيون بين الجثث، والأجساد المتفحِّمة، والرائحة الكريهة، والدخان، والجمر المشتعل، والأعضاء المشوَّهة. وكان عليهم أن يجروا إحصاءً. فقد كانت هناك ٢٥٠ مجمرة، وكان ينبغي ألا يفقدوا أيًّا منها. ثم رُصِدت أعداد كلِّ المجامر، وتطهَّرت، وتقدَّست.” ألن (Allen)
• في نهاية المطاف، صار هؤلاء المائتا وخمسين رجلًا واحدًا مع قُورح. ربما لم يكن هذا ما أرادوه. فإننا نستطيع أن نتخيَّل واحدًا من هؤلاء الرجال يقول: “لستُ أتفق مع كلِّ ما يقوله قُورح، لكن لديه بعض الحق.” لكن أمام الله، اختفت كلُّ تلك الفوارق. فقد طُرِقت كل المجامر معًا، ولُقِّبت الجماعة بأكملها باسم قُورَحَ وَجَمَاعَتِهِ.
٢. وَاذْرِ النَّارَ هُنَاكَ: لم تكن النار التي قدَّمها المائتا وخمسين رئيسًا مقدَّسة، ولذلك كان ينبغي أن تُذرى بعيدًا. فقد كانت نارًا غريبة، غير مقبولة من الله على الإطلاق.
٣. وَطَرَقُوهَا غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ، تَذْكَارًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: وهكذا، خُلِّدت ذكرى المجامر، وصارت بمثابة تذكارٍ مهم بأن الله هو الذي يعيِّن قادته، وينبغي ألا يكون أحد متمردًا ومثيرًا للشقاق مثل قُورح. كانت المجامر التي طُرِقت بمثابة عَلَامَة لشعب إسرائيل، وتحذير رسمي لهم، مثلما يمكن لحطام سيارة أن ينبِّه الآخرين إلى ضرورة عدم التهوُّر في القيادة.
• إذا حدث وواجه المؤمنون اليوم مشكلات مع قادة غير صالحين، أو مثيرين للشقاق، فيجب أن يحرصوا على ألا يكرِّروا أخطاء قُورح وجماعته. ففي كثير من الأحيان (لكن ليس دائمًا)، يكون التوجه السليم هو أن يحافظ الشخص على سلامته الشخصية، ويترك لله أمر التعامل مع هؤلاء القادة المتكبرين، أو الذين يسيئون استغلال سلطتهم، مثلما فعل داود لاحقًا مع شاول.
• في الطبعة العبرية للعهد القديم، يمثِّل سفر العدد ١٦: ٣٦ بداية إصحاح جديد (الإصحاح ١٧).
ثالثًا. تذمر الشعب على موسى وهارون
أ ) الآية (٤١): توجيه الاتهام: أَنْتُمَا قَدْ قَتَلْتُمَا شَعْبَ الرَّبِّ.
٤١فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْغَدِ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلِينَ: «أَنْتُمَا قَدْ قَتَلْتُمَا شَعْبَ الرَّبِّ».
١. فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْغَدِ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ: كم أن موسى مسكين! فربما كان يأمل أن تكون كلُّ المتاعب قد انتهت بإدانة المتمردين. لكن الآن، وجب عليه أن يتعامل مع الذين تعاطفوا مع مثيري للشقاق وأشفقوا عليهم.
٢. أَنْتُمَا قَدْ قَتَلْتُمَا شَعْبَ الرَّبِّ: كان اتهامهم لموسى غريبًا. فمن المؤكَّد أن موسى لم يقتلهم. فمن الواضح أن الدينونة التي وقعت على أكثر من ٢٥٠ شخصًا كانت من يد الله وليس موسى.
ب) الآيات (٤٢-٤٥): التهديد بالدينونة على بني إسرائيل لتعاطفهم مع قُورح.
٤٢وَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ انْصَرَفَا إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَإِذَا هِيَ قَدْ غَطَّتْهَا السَّحَابَةُ وَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ. ٤٣فَجَاءَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. ٤٤فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٤٥«اِطْلَعَا مِنْ وَسَطِ هذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ بِلَحْظَةٍ». فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا.
١. وَإِذَا هِيَ قَدْ غَطَّتْهَا السَّحَابَةُ وَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ: مرة أخرى، ظهر مجد الشكينة الإلهي، ودافع عن موسى.
٢. اِطْلَعَا مِنْ وَسَطِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ بِلَحْظَةٍ: تفاعل الله مع الْجَمَاعَةِ الذين تعاطفوا مع قُورح تمامًا مثلما تفاعل مع قُورح وجماعته. ومن الواضح أن هؤلاء كانوا يستحقُّون أن يدانوا.
٣. فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا: مرة أخرى، تذلَّل موسى وهارون أمام الله، وهو ما بيَّن أنهما أخذا التهديد بالدينونة على محمل الجد. فقد أدركا أن تعاطف الجماعة مع مثيري الشقاق والنزاع، الذين عارضوا موسى وهارون، لم يكن بالأمر الهيِّن.
ج) الآيات (٤٦-٥٠): شفاعة هارون توقِف دينونة الْوَبَأ على بني إسرائيل.
٤٦ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذِ الْمِجْمَرَةَ وَاجْعَلْ فِيهَا نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَضَعْ بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلَى الْجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ، لأَنَّ السَّخَطَ قَدْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. قَدِ ابْتَدَأَ الْوَبَأُ». ٤٧فَأَخَذَ هَارُونُ كَمَا قَالَ مُوسَى، وَرَكَضَ إِلَى وَسَطِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا الْوَبَأُ قَدِ ابْتَدَأَ فِي الشَّعْبِ. فَوَضَعَ الْبَخُورَ وَكَفَّرَ عَنِ الشَّعْبِ. ٤٨وَوَقَفَ بَيْنَ الْمَوْتَى وَالأَحْيَاءِ فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ. ٤٩فَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ، عَدَا الَّذِينَ مَاتُوا بِسَبَبِ قُورَحَ. ٥٠ثُمَّ رَجَعَ هَارُونُ إِلَى مُوسَى إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَالْوَبَأُ قَدِ امْتَنَعَ.
١. خُذِ الْمِجْمَرَةَ وَاجْعَلْ فِيهَا نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَضَعْ بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلَى الْجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ: هدَّد الله بإيقاع دينونة في الآية ٤٥ (فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ بِلَحْظَةٍ). ولذلك، طلب موسى من هارون، بصفته رئيس كهنة شعب الله، أن يقرِّب البخور على الفور وَيكَفِّرْ عن الجماعة.
• “أخذ هارون المجمرة الكهنوتية الصحيحة، واستخدمها للتكفير والتطهير عن محلة بني إسرائيل، حتى يُمنَع الْوَبَأ الناتج عن التمرُّد.” كول (Cole)
• نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ: لم تكن النار التي استُخدِمت في مجامر قُورح وجماعته آتيةً من على المذبح، بل كانت نارًا غريبة، أي نارًا محرَّمة. وعندما طلب موسى من هارون أن يقدم بخورًا لإيقاف الْوَبَأ، طلب منه بصورة محدَّدة أن يأخذ نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَح.
٢. فَأَخَذَ هَارُونُ كَمَا قَالَ مُوسَى، وَرَكَضَ إِلَى وَسَطِ الْجَمَاعَةِ: فيما اجتاح الْوَبَأُ الشعب كالنار في الهشيم، هارون، رئيس الكهنة، رَكَضَ إِلَى وَسَطِ الخطر، لإنقاذ أولئك الذين أرادوا موته وموت موسى أيضًا.
• ما من سبب يدفعنا إلى الظن بأن قُورح أو جماعته كانوا ليُظهِروا هذه الرحمة نفسها من نحو موسى. فربما كانوا سيقولون بسلبيةٍ: “هيا أعطهم يا الله ما يستحقُّونه. كنا نعلم أنهم يستحقُّون ذلك.” فإن قُورح والمتمرِّدين لم يكن لديهم قلب وأحشاء الراعي التي كانت لدى موسى وهارون من نحو شعب إسرائيل.
٣. فَوَضَعَ الْبَخُورَ وَكَفَّرَ عَنِ الشَّعْبِ: استُخدِمت مجمرة مليئة بالبخور المتقد لإيقاف الْوَبَأ. يُعتَبَر البخور رمزًا للصلاة في الكتاب المقدس (كما في رؤيا ٨: ٣-٤)، وذلك لأن دخان البخور ذي الرائحة العطرة الذي يصعد إلى السماء يمثِّل الصلاة التي تُرضي الله. كانت هذه صورة مؤثِّرة لهارون، رئيس الكهنة، وهو يشفع في شعب الله.
٤. وَوَقَفَ بَيْنَ الْمَوْتَى وَالْأَحْيَاءِ فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ: امتنع الْوَبَأُ عندما صلَّى هارون. ويفعل المتشفعون الشيء نفسه اليوم، إذ يقفون بين الموتى والأحياء، متوسِّلين إلى الله طلبًا لرحمته. وبفضل صلواتهم، يحفظون ويساندون حياة آخرين.
• إن الوقوف بَيْنَ الْمَوْتَى وَالْأَحْيَاءِ يعبِّر عن مدى جدية مسألة الصلاة. فإنها ليست مجرد ممارسة عرضية وتافهة، أو تدريبًا يهدف إلى التحسين من الذات، بل إن الصلاة تحرِّك يد الله، لمنع الموت ومنح الحياة.
٥. فَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ: هذا عدد كبير، لكنه لا يقارَن بفناء الشعب بأكمله. وكانت هذه خطوة أخرى نحو فناء الجيل غير المؤمن في البرية، حتى ينشأ جيل جديد مؤمن وباسل لامتلاك أرض الموعد.
• إن ما فعله هارون رئيس الكهنة هنا يشير إلى رئيس كهنتنا، يسوع المسيح، وعمله لأجلنا. فقد كنا خطاة مذنبين نستحق بعدلٍ الدينونة والْوَبَأ.
أُرسِل مخلِّصنا في إرسالية خلاص.
اتُّهِم مخلِّصنا ظلمًا وتعرَّض للهجوم.
أَنقَذ مخلِّصنا الذين أرادوا موته.
صلَّى مخلِّصنا لأجلنا.
رَكَضَ مخلِّصنا كي يخلِّصنا.
قام مخلِّصنا بهذا العمل بمفرده، دون مساعدة من موسى، مُشرِّع الناموس. فكل ما يستطيع الناموس أن يفعله هو أن يقول: “يجب فعل شيء حيال ذلك،” لكن الناموس كان عاجزًا عن إنقاذنا. ورئيس الكهنة وحده هو الذي كان بإمكانه أن يوقِف هذا الْوَبَأ القاتل.
وقف مخلِّصنا بين الموت والحياة لأجلنا.
إن مخلِّصنا هو الفرصة الوحيدة للخلاص.
إن مخلِّصنا هو الحد الفاصل بين الموت والحياة.
• “وضع هارون نفسه بحكمةٍ في طريق الْوَبَأ. ففيما تقدَّم الْوَبَأ، مكتسحًا كلَّ شيء أمامه، وقف هارون الوسيط بذراعين ممدودتين، ومجمرةٍ تتأرجح باتجاه السماء، واضعًا نفسه بين سهام الموت وبين الشعب. يبدو أنه قال ما معناه: ’إذا كان ينبغي أن تطير بعض السهام، فلتخترقني أنا أولًا، أو ليحفظني البخور منها أنا والشعب معًا.‘” سبيرجن (Spurgeon).
• “إذا كان هارون، رئيس الكهنة، قد تمكَّن بمجمرته وبخوره من أن يوقف غضب إلهٍ مهان وغاضب، منقذًا حياة شعب مذنب لا يستحق سوى الهلاك، فكم بالحري وبالأولى نتوقَّع أن تكون فاعلية الكفارة العظيمة التي صنعها الرب يسوع المسيح، الذي كان هارون مجرد مثالٍ له! فإن الذبائح الحيوانية كانت تشير إلى موت المسيح على الصليب، والبخور يشير إلى شفاعته. فإنه بموته اقتنى الخلاص للعالم، وبشفاعته، أنقذ حياة بني البشر المتعدِّين.” كلارك (Clarke)
• لم يكن الله ليسمح بوجود ’كهنوت ثانٍ‘ بقيادة قُورح أو أي شخص آخر. فقد عيَّن الله طريقًا واحدًا للكفارة والخلاص، ولم يكن ليؤسِّس طريقًا آخر. “إن الطريق الذي عيَّنه الله، وهو آلام المسيح وموته، هو الطريق الوحيد الذي يمكن للنفوس أن تخلص به. فإن كهنوته هو الكهنوت الوحيد، وذبيحته هي الذبيحة الوحيدة المتاحة. وبالتالي، فإن كلَّ طرق وخطط الخلاص الأخرى هي من اختراع البشر أو الشياطين، وفي النهاية سيتبيَّن أنها مدمِّرة لكلِّ من يثق بها.” كلارك (Clarke)