سِفر عاموس – الإصحاح ٢
دينونة على شعب الله
أولًا. دينونة مُوآب ويَهُوذا
أ ) الآيات (١-٣): كلمة الرب ضد مُوآب.
١هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ مُوآبَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ أَحْرَقُوا عِظَامَ مَلِكِ أَدُومَ كِلْسًا. ٢فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مُوآبَ فَتَأْكُلُ قُصُورَ قَرْيُوتَ، وَيَمُوتُ مُوآبُ بِضَجِيجٍ، بِجَلَبَةٍ، بِصَوْتِ الْبُوقِ. ٣وَأَقْطَعُ الْقَاضِيَ مِنْ وَسَطِهَا، وَأَقْتُلُ جَمِيعَ رُؤَسَائِهَا مَعَهُ، قَالَ الرَّبُّ».
١. لأَنَّهُمْ أَحْرَقُوا عِظَامَ مَلِكِ أَدُومَ كِلْسًا: كان موآب جارًا ليهوذا من الجنوب، وهذه الدينونة هي الأخيرة من بين ستّ دينونات أعلنها عاموس على الشعوب الأممية في هذا الجزء. وقد وعد الله بالدينونة على موآب بسبب قسوتهم على أدوم وملكها.
• يمكننا القول إنّ موآب اقترف إثمًا في حقّ الماضي، حين دنّس عظام بطل أَدُومِيّ.
ب) الآيات (٤-٥): كلمة الرب على يَهُوذا.
٤هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ يَهُوذَا الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ رَفَضُوا نَامُوسَ اللهِ وَلَمْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ، وَأَضَلَّتْهُمْ أَكَاذِيبُهُمُ الَّتِي سَارَ آبَاؤُهُمْ وَرَاءَهَا. ٥فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى يَهُوذَا فَتَأْكُلُ قُصُورَ أُورُشَلِيمَ».
١. مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ يَهُوذَا الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ: إنّه لأمر لافت أن نرى نفس صيغة الدينونة تُطبَّق على يهوذا – أي شعب الله – كما طُبِّقت على الشعوب الوثنية الست السابقة. هذا يُبيِّن أن يهوذا لم يكن أفضل حالًا من الأمم، بل تمادى في الخطية، وراكم الذنب فوق الذنب، كما فعلت سائر الشعوب.
• من السهل علينا – بل ومن المريح – أن نُظهر خطايا الذين لا يتبعون الله ونوبّخها. وهذا ما فعله عاموس في أول ست إعلانات للدينونة. ولكن كما التفت عاموس إلى خطية شعب الله، هكذا علينا نحن أيضًا أن نفعل نفس الشيء.
٢. لأَنَّهُمْ رَفَضُوا نَامُوسَ اللهِ: كانت خطية يهوذا هي أنّهم رَفَضُوا نَامُوسَ اللهِ وَلَمْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ. لقد كانت عليهم مسؤولية أعظم من سائر الأمم الستّ التي ذُكرت سابقًا في سفر عاموس، لأنّ الله أنعم على شعبه بنَامُوسه وفَرَائِضَهُ، وكان ينتظر منهم أن يكرموا كلمته ويطيعوها.
٣. وَأَضَلَّتْهُمْ أَكَاذِيبُهُمُ: لأنّ كلمة الله تحمل إلينا الحق، فإنّ رفضِها وعصيانها يقوداننا بطبيعة الحال إلى اعتناق الأكَاذِيب واتّباعها. فلا يمكن للمرء أن يرفض الحق دون أن يتشبّث بالكذب.
٤. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى يَهُوذَا فَتَأْكُلُ قُصُورَ أُورُشَلِيمَ: ولأنّ يهوذا أخطأ كسائر الأمم، فسوف يُدانون كسائر الأمم بإرسال نَار عليهم وعلى قُصُورهم (عاموس ١: ٤، ١: ٧، ١: ١٠، ١: ١٢، ١: ١٤، ٢: ٢).
• يمتدّ الاستخدام المتكرّر لِلنَّار كتعبير عن الدينونة أيضًا في العهد الجديد. ولا شكّ أنّ عاموس كان يقصد نارًا ماديّة حقيقية تأتي على الأسوار والقصور، لكنّ الكتاب المقدّس يستخدم النَّار أيضًا بصورة روحيّة، ليدلّ على عمل الله المُطهّر في حياة المؤمن. فالكِتاب المقدس يُعلّم أنّ الرب سَيَمْتَحِنُ بالنَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ، حتى تحرق النار كلّ ما هو بلا قيمة (١ كورنثوس ٣: ١٣-١٥). ويُعلّم الكتاب المقدس أيضًا أن المؤمنين سيُمتَحنون بالنار (١ بطرس ١: ٦-٧).
• عندما نتأمّل في نار الله المُطهّرة، فلننظر إليها كما رآها الرسول بطرس حين قال: لأَنَّهُ الْوَقْتُ لابْتِدَاءِ الْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ اللهِ (١ بطرس ٤: ١٧). علينا أن ندعو الرب أن يحرق كلّ “أسوار” أو “قصور” شيّدناها ضده، حتّى يُتمّم عمله فينا ومن خلالنا بلا عائق.
ثانيًا. دينونة إسرائيل
أ ) الآيات (٦-٨): خطايا إسرائيل.
٦هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ إِسْرَائِيلَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ بَاعُوا الْبَارَّ بِالْفِضَّةِ، وَالْبَائِسَ لأَجْلِ نَعْلَيْنِ. ٧الَّذِينَ يَتَهَمَّمُونَ تُرَابَ الأَرْضِ عَلَى رُؤُوسِ الْمَسَاكِينِ، وَيَصُدُّونَ سَبِيلَ الْبَائِسِينَ، وَيَذْهَبُ رَجُلٌ وَأَبُوهُ إِلَى صَبِيَّةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُدَنِّسُوا اسْمَ قُدْسِي. ٨وَيَتَمَدَّدُونَ عَلَى ثِيَابٍ مَرْهُونَةٍ بِجَانِبِ كُلِّ مَذْبَحٍ، وَيَشْرَبُونَ خَمْرَ الْمُغَرَّمِينَ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ.
١. مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ إِسْرَائِيلَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ: واستمر النمط ذاته؛ فقد راكمت أسباط إسرائيل الشمالية الذنب فوق الذنب، تمامًا كما فعلت الشعوب الأممية السابقة.
٢. لأَنَّهُمْ بَاعُوا الْبَارَّ بِالْفِضَّةِ، وَالْبَائِسَ لأَجْلِ نَعْلَيْنِ: لقد رأى عاموس ظُلم الأغنياء للمساكين، وكيف أنّهم يستغلّونهم بقساوة. والأهم من ذلك، أنّ الله رأى هذا الظلم ووعد بالدينونة.
٣. وَيَذْهَبُ رَجُلٌ وَأَبُوهُ إِلَى صَبِيَّةٍ وَاحِدَةٍ: رأى عاموس الفجور الجنسي والانحراف الأخلاقي في أيّامه، وكيف أنّ المبادئ التي كانت يومًا مقبولة قد أُهملت وتُركت.
• غالبًا ما يشير هذا إلى أن الأب والابن كانا يستخدمان نفس الزانية الطقسية المرتبطة بالعبادة الوثنية. “لقد انغمسوا في النجاسة حتى أقصى درجاتها، ففي أعياد أصنامهم، حيث كانت الفتيات يُدنّسن أجسادهنّ علنًا تكريمًا لعَشْتَارُوث، كان الأب والابن يدخلان معًا في علاقات نجسة مع نفس المرأة.” كلارك (Clarke)
٤. وَيَتَمَدَّدُونَ عَلَى ثِيَابٍ مَرْهُونَةٍ بِجَانِبِ كُلِّ مَذْبَحٍ: رأى عاموس عبادة الأوثان في أيّامه، وكيف أنّ الشعب كان يسجد للأصنام، وفي الوقت عينه يظلم المساكين بقسوة. أوصى الرب في سفر الخروج ٢٢: ٢٦-٢٧، “إِنِ ارْتَهَنْتَ ثَوْبَ صَاحِبِكَ فَإِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ تَرُدُّهُ لَهُ، لأَنَّهُ وَحْدَهُ غِطَاؤُهُ، هُوَ ثَوْبُهُ لِجِلْدِهِ، فِي مَاذَا يَنَامُ؟ فَيَكُونُ إِذَا صَرَخَ إِلَيَّ أَنِّي أَسْمَعُ، لأَنِّي رَؤُوفٌ.” وقد بيّنت نبوة عاموس أنّ الرب سمع صراخ المساكين في إسرائيل، وسيُرسل دينونة على الظالمين.
• تكاد تكون الصورة صادمة وسط هذه الصورة مجتمعة. فقد صوّر عاموس رجلًا يرتكب الزنى مع زانية في هيكل وثني – هي بعينها التي اضطجع معها ابنه في اليوم السابق – ويستدفئ بثوبٍ انتزعه ظلمًا من فقير، ويشرب مُحتفِلًا بنجاحه، بخمرٍ اشتراه بمالٍ اكتسبه بخداع وغش.
ب) الآيات (٩-١٢): صلاح الله لإسرائيل، وكيف رفضوه.
٩«وَأَنَا قَدْ أَبَدْتُ مِنْ أَمَامِهِمِ الأَمُورِيَّ الَّذِي قَامَتُهُ مِثْلُ قَامَةِ الأَرْزِ، وَهُوَ قَوِيٌّ كَالْبَلُّوطِ. أَبَدْتُ ثَمَرَهُ مِنْ فَوْقُ، وَأُصُولَهُ مِنْ تَحْتُ. ١٠وَأَنَا أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَسِرْتُ بِكُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِتَرِثُوا أَرْضَ الأَمُورِيِّ. ١١وَأَقَمْتُ مِنْ بَنِيكُمْ أَنْبِيَاءَ، وَمِنْ فِتْيَانِكُمْ نَذِيرِينَ. أَلَيْسَ هكَذَا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ ١٢لكِنَّكُمْ سَقَيْتُمُ النَّذِيرِينَ خَمْرًا، وَأَوْصَيْتُمُ الأَنْبِيَاءَ قَائِلِينَ: لاَ تَتَنَبَّأُو.
١. وَأَنَا قَدْ أَبَدْتُ مِنْ أَمَامِهِمِ الأَمُورِيَّ: ذكّر الله إسرائيل بقوّته وأمانته معهم في الماضي. فعندما دخلوا أرض الموعد أول مرة، خافوا من الأمم العظيمة الساكنة هناك مثل الأَمُورِيِّين، لكنّ الرب هو الذي هزمهم. فكيف يرفضون ويحتقرون إلهًا قد صنع معهم كل هذا الصلاح؟
• إن هذا المبدأ – أي السير مع الله بروح الامتنان لما صنعه لأجلنا – أساسي في حياة المؤمن، ويبين سبب احتياج المؤمن المستمر لسماع رسالة الصليب. فعلينا أن نحيا كل أيامنا بروح الشكر الحقيقي لما فعله الرب من أجلنا.
٢. وَأَقَمْتُ مِنْ بَنِيكُمْ أَنْبِيَاءَ: ذكّر الله إسرائيل بالامتياز العظيم الذي نالوه في عملهم معه. وكان يجب أن يقودهم امتنانهم لهذا الشرف العظيم إلى التواضع وطاعة الرب، لكنهم رفضوه واستهانوا به (أَوْصَيْتُمُ الأَنْبِيَاءَ قَائِلِينَ: لاَ تَتَنَبَّأُو).
٣. وَمِنْ فِتْيَانِكُمْ نَذِيرِينَ: إن نذر النذير كان نذرًا خاصًا للتكريس للرب، وقد منح الله شعب إسرائيل هذه العطيّة كفرصة لشركة أعمق معه. لكن عوضًا عن أن يقبلوا هذا الشرف بروح الشكر والتواضع، رفضوا الرب واستهانوا به (سَقَيْتُمُ النَّذِيرِينَ خَمْرًا).
• إن نذر النذير الموصوف في سفر العدد ٦، كان يُعبّر عن رغبة خاصّة في الاقتراب من الله، والانفصال عن ملذات هذا العالم. كان على النَّذِيرِ أن يمتنع عن أكل أو شرب ما يُستخرج من الكرمة، ولا يقصّ شعره، ولا يقترب من جثّة ميت.
ج) الآيات (١٣-١٦): الدينونة الآتية على إسرائيل.
١٣« هأَنَذَا أَضْغَطُ مَا تَحْتَكُمْ كَمَا تَضْغَطُ الْعَجَلَةُ الْمَلآنَةُ حِزَمًا. ١٤وَيَبِيدُ الْمَنَاصُ عَنِ السَّرِيعِ، وَالْقَوِيُّ لاَ يُشَدِّدُ قُوَّتَهُ، وَالْبَطَلُ لاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ، ١٥وَمَاسِكُ الْقَوْسِ لاَ يَثْبُتُ، وَسَرِيعُ الرِّجْلَيْنِ لاَ يَنْجُو، وَرَاكِبُ الْخَيْلِ لاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ. ١٦وَالْقَوِيُّ الْقَلْبِ بَيْنَ الأَبْطَالِ يَهْرُبُ عُرْيَانًا فِ
١. هأَنَذَا أَضْغَطُ مَا تَحْتَكُمْ: اعتبر الله شعب إسرائيل عبئًا مُتعِبًا، وليس مصدر فرح لقلبه. إنه الفرق بين السرور الذي يشعر به الوالد عند التعامل مع طفل مطيع، وبين العناء الذي يشعر به عند التعامل مع طفل عنيد ومتمرّد.
• كلّما انحرفت العدالة – في كل مرة ينال الأغنياء تفضيلًا ويتعرّض الفقراء للظلم – صار ذلك ثِقلًا على قلب الله الذي يرى من السماء، ويعد بأن يقيم الحق.
• كلّما غشّ الناس واحتالوا، وجمعوا مالًا بطرق مريبة – حتى وإن كانت مشروعة – صار ذلك ثِقلًا على قلب الله الذي يرى من السماء، ويعد بأن يقيم الحق.
• كلّما اغتنى الناس ظلمًا على حساب البائسين، صار ذلك ثِقلًا على قلب الله الذي يرى من السماء، ويعد بأن يقيم الحق.
• “والآن، لا بُدّ أن ندرك، أيّها الأحبّاء، قبل أن نُكمل، أنّ نصّنا هذا هو مجاز لا أكثر، إذ لا يمكن للإنسان أن يُثقِل الله حقًّا؛ فكل خطايا البشر، مهما عظمت، لا تقدر أن تُعكّر صفو كمالاته، ولا أن تُحدِث تموّجًا في بحر سكينته الأبدية. إنه يتكلّم معنا بلغة البشر… وهكذا يُعلن السيّد أنّه مضغوط تحت ثِقل ذنوب الإنسان حتى إنه يصرخ، لأنه لم يعد يحتمل إثم الذين يُسيئون إليه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَيَبِيدُ الْمَنَاصُ عَنِ السَّرِيعِ، وَالْقَوِيُّ لاَ يُشَدِّدُ قُوَّتَهُ: من مظاهر دينونة الله على بني إسرائيل أنهم سيجدون أنفسهم عاجزين عن النجاح بطرقٍ ظنوا سابقًا أنهم أقوياء فيها. فبدون بركة الله، لن يكون السَّرِيعِ سريعًا بما يكفي، ولا الْقَوِيّ قويًا بما يكفي، ولا الْبَطَلُ جبارًا بما يكفي لتحقيق النجاح. لقد اتّكل بني إسرائيل على قوتهم الخاصة، لكن الله سيُذلّهم.
• نستطيع أن ننجو من هذه الدينونة إن أدركنا الآن أن قوّتنا لا تُساوي شيئًا بدون الرب. وقد عبّر بولس عن هذه الفكرة في ١ كورنثوس ١٠: ١٢ قائلًا: “إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ.” قد نكون أكثر عُرضة للسقوط في نقاط قوّتنا الظاهرة من نقاط ضعفنا المُعتَرَف بها.