سِفر عاموس – الإصحاح ٣
الحكمة وراء دينونة الله
أولًا. الحكمة وراء دينونة الله
أ ) الآيات (١-٢): محبة الله وعنايته بإسرائيل تجعلان دينونتهم أمرًا لا مفرّ منه.
١اِسْمَعُوا هذَا الْقَوْلَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، عَلَى كُلِّ الْقَبِيلَةِ الَّتِي أَصْعَدْتُهَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ قَائِلاً: ٢«إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، لِذلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ».
١. عَلَى كُلِّ الْقَبِيلَةِ الَّتِي أَصْعَدْتُهَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ: كان رفض إسرائيل وتجاهله لله أمرًا لا مُبرر له، في ضوء خلاصه العظيم الذي صنعه لهم. فعندما أصعدهم مِنْ أَرْضِ مِصْر، أظهر لهم محبّته ورعايته لهم. وكون الله يتكلّم عَلَيهم، فهذا يوضح أنّهم أغاظوه بشدّة.
• كان خروج بني إسرائيل من أرض مصر هو الحدث المركزي في الفداء في العهد القديم. وعلى مدار العهد القديم، دعا الله بني إسرائيل إلى التأمل في الماضي ليتذكروا أنه الإله الذي حرّرهم من عبودية مصر. أما الحدث المركزي في الفداء في العهد الجديد – وفي خطة الله الكاملة للفداء – فهو عمل يسوع على الصليب. وبالمثل، نحن مدعوون أن ننظر باستمرار إلى الوراء ونتذكّر ما فعله يسوع على الصليب، وأن نحيا في ضوء هذه الحقيقة العظيمة.
٢. إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، لِذلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ: أوضح الله الارتباط بين الامتياز العظيم الذي ناله إسرائيل (إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ) والمسؤولية الجسيمة التي يفرضها هذا الامتياز (لِذلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ). فإذا ظنّ بنو إسرائيل أن مكانتهم كشعب مختار تجعلهم أقل مسؤولية أمام الله، فقد أخطأوا خطأً مأساويًا.
• “الاستنتاج الخاطئ الذي كثيرًا ما يُفترض هو أنه بما أننا شعب الله المميّز، لذا يمكننا أن نتوقّع رحمة الله، وأنه لن يُعاقبنا. لكن الأمر ليس كذلك. فعلى قدر مقدار الامتياز الذي نناله بحسب التدبير الإلهي يكون بالضبط مقدار المسؤولية المُلقاة علينا. فإن أخفقنا في أداء تلك المسؤولية، فلن يتغاضى الرب عن خطايانا، بل سيُجازينا على كل آثامنا. ومن الحكمة أن تضع الأمم التي تتفاخر بنعمة الله هذا الدرس في قلوبها.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٣-٦): الحكمة وراء دينونة الله التي لا مفر منها.
٣هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟ ٤هَلْ يُزَمْجِرُ الأَسَدُ فِي الْوَعْرِ وَلَيْسَ لَهُ فَرِيسَةٌ؟ هَلْ يُعْطِي شِبْلُ الأَسَدِ زَئِيرَهُ مِنْ خِدْرِهِ إِنْ لَمْ يَخْطَفْ؟ ٥هَلْ يَسْقُطُ عُصْفُورٌ فِي فَخِّ الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ شَرَكٌ؟ هَلْ يُرْفَعُ فَخٌّ عَنِ الأَرْضِ وَهُوَ لَمْ يُمْسِكْ شَيْئًا؟ ٦أَمْ يُضْرَبُ بِالْبُوقِ فِي مَدِينَةٍ وَالشَّعْبُ لاَ يَرْتَعِدُ؟ هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟
١. هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا: في هذا المقطع، يربط عاموس بين ستّ عبارات كانت بديهيّة وواضحة. وقد قادت هذه العبارات الستّ الواضحة إلى تصريح سابع. وقد عمل كلٍ تصريح على تعزيز هذه النقطة الأخيرة وتأكيدها.
٢. هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟: عندما يأتي قضاء على مدن إسرائيل، فيجب على الجميع أن يعلم أنّ الرَّبّ هو الذي صْنَعَ هذا. فهي لن تكون صدفة، ولا قدر، ولا حظًّا، بل هي يدُ الرب.
ج) الآيات (٧-٨): الرسالة الحتميّة للنبيّ.
٧إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. ٨الأَسَدُ قَدْ زَمْجَرَ، فَمَنْ لاَ يَخَافُ؟ السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمَ، فَمَنْ لاَ يَتَنَبَّأُ؟
١. إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ: تحدث عاموس، في سياق الكلام، عن الدينونة الآتية على إسرائيل. وقد أعلن الله هذا السِّرِّ لأنبيائه، وتنبّأوا به مرارًا على مدى سنين قبل أن يتحقّق، حتى تُتاح لإسرائيل كل فرصة مُمكنة للتوبة.
• إن الله يعلن أسرار دينونته الآتية، على وجه الخصوص، لكي يمنح الناس وقتًا للتوبة، فلا يكون لديهم عُذر أو يفاجئهم القضاء. “إن أسرار الله هذه قد أُعلنت لأنبيائه لكي يخبروا الناس، لعلّهم بالتوبة والرجوع يتجنّبون الشرّ، وبالسير مع الله يضمنون رضاه واستمرار صلاحه.” كلارك (Clarke)
• يجب أن نتذكّر السياق الذي كُتب فيه سفر عاموس، ونفهم أنّ هذا لا يعني أنّ الله لا يصنع شيئًا إلا إذا أعلنه أوّلًا لنبيّ. ففي أفسس ٣: ٥، أوضح بولس أنّ الله تعمّد أن يُخفي سرّ الكنيسة (كونها جسدًا جديدًا، حيث لا يهوديًا ولا أمميًا) عن أنبياء العهد القديم. وهذا أحد الأمثلة على أمرٍ لم يُعلَنه الله أو يوضحه إلا بعد تحقيقه، دون إعلان مُسبق لنبي.
٢. الأَسَدُ قَدْ زَمْجَرَ، فَمَنْ لاَ يَخَافُ؟ السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمَ، فَمَنْ لاَ يَتَنَبَّأُ؟: يقول عاموس: «لا تُلقوا اللوم عليّ، فأنا مجرد رسول». فكما أنه من الطبيعي أن يَخَاف الإنسان إذا زأر الأسد، هكذا من الطبيعي أن يَتَنَبَّأُ النبيّ إذا تَكَلَّمَ السَّيِّدُ الرَّبّ.
د ) الآيات (٩-١٠): رسالة الدينونة على إسرائيل تمتدّ إلى الشعوب المحيطة.
٩نَادُوا عَلَى الْقُصُورِ فِي أَشْدُودَ، وَعَلَى الْقُصُورِ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَقُولُوا: «اجْتَمِعُوا عَلَى جِبَالِ السَّامِرَةِ وَانْظُرُوا شَغْبًا عَظِيمًا فِي وَسَطِهَا وَمَظَالِمَ فِي دَاخِلِهَا. ١٠فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ أَنْ يَصْنَعُوا الاسْتِقَامَةَ، يَقُولُ الرَّبُّ. أُولئِكَ الَّذِينَ يَخْزِنُونَ الظُّلْمَ وَالاغْتِصَابَ فِي قُصُورِهِمْ.
١. نَادُوا عَلَى الْقُصُورِ فِي أَشْدُودَ، وَعَلَى الْقُصُورِ فِي أَرْضِ مِصْرَ: كانت مدينة أَشْدُود إحدى المدن الرئيسية للفلسطينيين. وقد دعا الله الشعوب – مُمَثّلة هنا في فلسطين ومصر – للمجيء إلى السَّامِرَة (عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية) ولينظروا خطيتهم (شَغْبًا عَظِيمًا فِي وَسَطِهَا وَمَظَالِمَ فِي دَاخِلِهَا).
• يعلّق هابَرد (Hubbard) على اختيار المصريّين والفلسطينيين كشهود بقوله: “كانت سمعتهم في الظلم والقسوة تُعدّ مُهينة لبني إسرائيل، الذين كانوا يرَون أنفسهم أرفع أخلاقيًّا من كل من دعاهم الله ليكونوا شهودًا.” وهذا يُبيّن أيضًا “أنّ شريعة العهد ليست هي المعيار الوحيد لامتحان سلوك إسرائيل، بل إنّه بحسب أبسط مقاييس اللياقة بين الأمم، قد وُجدوا مُذنبين.”
٢. أُولئِكَ الَّذِينَ يَخْزِنُونَ الظُّلْمَ وَالاغْتِصَابَ فِي قُصُورِهِمْ: استخدم الأغنياء والأقوياء في إسرائيل غناهم وسلطانهم ليظلموا الآخرين ويسلبوا حقوقهم. وقد دعا الله الأمم أن تنظر إلى خطيّة إسرائيل، لكي يفهموا عدالة الدينونة التي سيُنزلها عليهم.
ثانيًا. الخراب الذي تجلبه دينونة الله
أ ) الآيات (١١-١٢): سيُهزم إسرائيل ويُسبى.
١١لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ضِيقٌ حَتَّى فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَيُنْزِلَ عَنْكِ عِزَّكِ وَتُنْهَبُ قُصُورُكِ». ١٢هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «كَمَا يَنْزِعُ الرَّاعِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ كُرَاعَيْنِ أَوْ قِطْعَةَ أُذُنٍ، هكَذَا يُنْتَزَعُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْجَالِسُونَ في السَّامِرَةِ في زَاوِيَةِ السَّرِيرِ وَعَلَى دِمَقْسِ الْفِرَاشِ!
١. ضِيقٌ حَتَّى فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنَ الأَرْضِ: لقد تحققت هذه النبوة حين غزت أشور إسرائيل، بعد أقل من ثلاثين سنة من نبوة عاموس هذه. ولمدة عشر سنوات، كانت إسرائيل دولة تابعة للإمبراطورية الأشورية.
٢. كَمَا يَنْزِعُ الرَّاعِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ: يقول سفر الخروج ٢٢: ١٠-١٣ إنّه إذا مات حيوان وهو في عُهدة رجل آخر – كراعٍ مثلًا – فعلى الراعي أن يُعوِّض صاحب الحيوان، إلا إذا استطاع أن يُحضر بقايا تُثبِت أن المفترس هو من هاجمه.
• “إن مقارنة عاموس هنا، تحمل في طياتها نبرة تهكم، ليقول إنّه عند غزو إسرائيل، سيكون الخراب شاملًا إلى درجة أنّ ما سيُنتشل هو دليلًا على الموت – مثل قصاصات من الأثاث.” هابَرد (Hubbard)
٣. هكَذَا يُنْتَزَعُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْجَالِسُونَ في السَّامِرَةِ: تحقق هذا في السبي الأشوري، بعد أقلّ من أربعين عامًا من نبوة عاموس. فبعد أن بقيت إسرائيل أكثر من عشر سنوات تحت الحكم الأشوري كدولة خاضعة، غزاها الأشوريّون تمامًا، وسبَوا شعبها من أرضهم، وبدّدوهم في أرجاء الإمبراطوريّة الأشوريّة.
ب) الآيات (١٣-١٥): دينونة على الأماكن الشريرة.
١٣اِسْمَعُوا وَاشْهَدُوا علَى بَيتِ يَعْقُوبَ، يَقُولُ السّيِّدُ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ. ١٤إِنِّي يَوْمَ مُعَاقَبَتِي إِسْرَائِيلَ عَلَى ذُنُوبِهِ أُعَاقِبُ مَذَابحَ بَيْتِ إِيلَ، فَتُقْطَعُ قُرُونُ الْمَذْبَحِ وَتَسْقُطُ إِلَى الأَرْضِ. ١٥وَأَضْرِبُ بَيْتَ الشِّتَاءِ مَعَ بَيْتِ الصَّيْفِ، فَتَبِيدُ بُيُوتُ الْعَاجِ، وَتَضْمَحِلُّ الْبُيُوتُ الْعَظِيمَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ».
١. أُعَاقِبُ مَذَابحَ بَيْتِ إِيلَ، فَتُقْطَعُ قُرُونُ الْمَذْبَحِ وَتَسْقُطُ إِلَى الأَرْضِ: إنّ المذابح التي قدّسها الشعب لعبادة الأوثان ستهدمها دينونة الرب. وبالنسبة لنا نحن، متى بنينا موضعًا للوثن، فإننا ندعو الربّ ليهدمه. لقد كانت قُرُونُ الْمَذْبَحِ في أركانه تُعتبَر رمزًا لقوّته، كما أنّ القرون في الحيوان ترمز إلى قوته.
٢. وَتَضْمَحِلُّ الْبُيُوتُ الْعَظِيمَةُ: لن يقف الله عند أماكن العبادة الوثنية، بل ستمتدّ أيضًا إلى الأماكن التي بُنيت وتنعّم بها الناس على حساب الظلم والسلب.
• في الحقبة التي سبقت يربعام الثاني، كانت بيوت المدن في إسرائيل متقاربة في الحجم. لكنّ علماء الآثار لاحظوا تغيّرًا بدأ في القرن الثامن قبل الميلاد – إذ ظهرت في مدن قديمة مثل تِرْصَة أحياء تضمّ بيوتًا كبيرة فخمة، بجانب أحياء أخرى مكتظّة تحوي مساكن صغيرة، أصغر حتى من بيوت العصور السابقة. وكانت البيوت الكبرى مليئة بعلامات الرفاهية والازدهار، وقد ظنّ الأغنياء الظالمون في إسرائيل أنّهم يجدون أمانهم فيها – لكن دينونة الله جاءت على تلك البيوت أيضًا، كما تنبأ عاموس.