سِفر عاموس – الإصحاح ٧
رؤى الدينونة وقوة صلاة النبي
أولًا. الدينونة كما ظهرت في ثلاث رؤى
أ ) الآيات (١-٣): رؤية الجراد.
١هكَذَا أَرَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ جَرَادًا فِي أَوَّلِ طُلُوعِ خِلْفِ الْعُشْبِ. وَإِذَا خِلْفُ عُشْبٍ بَعْدَ جِزَازِ الْمَلِكِ. ٢وَحَدَثَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَكْلِ عُشْبِ الأَرْضِ أَنِّي قُلْتُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، اصْفَحْ! كَيْفَ يَقُومُ يَعْقُوبُ؟ فَإِنَّهُ صَغِيرٌ!». ٣فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى هذَا. «لاَ يَكُونُ» قَالَ الرَّبُّ.
١. هكَذَا أَرَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ: النبي عاموس سيروي رؤية من الرب. شيء رآه بعينيه، شيء أَرَاه الرَّبُّ له.
٢. وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ جَرَادًا فِي أَوَّلِ طُلُوعِ خِلْفِ الْعُشْبِ: في أواخر موسم الحصاد، رأى عاموس سِربًا مِنَ الجَرَادِ قادمًا لالتهام محاصيل إسرائيل. جاء بَعْد جِزَاز الْمَلِكِ، أي أن البلاط الملكي كان قد استوفى ضرائبه، ولم يَبقَ لبني إسرائيل شيء على الإطلاق.
• “إذا كانت الحصّة الأولى قد ذهبت إلى البلاط الملكي، والمحصول الثاني إلى الجراد، فإن إسرائيل سيُترك مُعدمًا حقًّا.” هابَرد (Hubbard)
٣. كَيْفَ يَقُومُ يَعْقُوبُ؟ فَإِنَّهُ صَغِيرٌ: عند رؤيته لهذه الدينونة المروّعة، امتلأ قلب النبي شفقة ورحمة على بني إسرائيل، وطلب من الله أن يراعي ضعفهم.
• “دُعِيَ إسرائيل يعقوب كتذكير بأنه كان الأصغر والأضعف مقارنة بعيسو في عائلة إسحق؛ لقد اختاره الله عن قصد، ولذلك كان مُلزمًا بالوقوف إلى جانبه في ضعفه وعجزه.” هابَرد (Hubbard)
٤. فَنَدِمَ الرَّبُّ: استجابة لصلاة النبي، نَدِمَ الرَّبُّ. يبدو ذلك بسيطًا بشكل لافت. لكن، ماذا لو لم يُصلِّ عاموس، أو لو لم يُصلِّ بهذه الحماسة والجدية؟ يوحي هذا النص بأن الرب ما كان لينَدِم لولا صلاة النبي.
• هذا مثال مدهش آخر يُظهر كم تعتمد الأمور على الصلاة. قد ندخل في جدالات لا تنتهي حول ما تعنيه هذه الحادثة في قضيّة التعيين المُسبق ومسؤولية الإنسان، لكن الواضح تمامًا أننا نُتَرك مع انطباع قوي بأن الضربة – إما جاءت أو تم إرجاؤها – استجابةً لصلاة النبي.
ب) الآيات (٤-٦): رؤية النار.
٤هكَذَا أَرَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ، وَإِذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ دَعَا لِلْمُحَاكَمَةِ بِالنَّارِ، فَأَكَلَتِ الْغَمْرَ الْعَظِيمَ وَأَكَلَتِ الْحَقْلَ. ٥فَقُلْتُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، كُفَّ! كَيْفَ يَقُومُ يَعْقُوبُ؟ فَإِنَّهُ صَغِيرٌ!». ٦فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى هذَا. «فَهُوَ أَيْضًا لاَ يَكُونُ» قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
١. وَإِذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ دَعَا لِلْمُحَاكَمَةِ بِالنَّارِ: بعد رؤية الجراد، رأى عاموس الآن رؤية لنار عظيمة آكلة تضرب أرض إسرائيل. وردًا على ذلك، فعل ما فعله من قبل، توجّه إلى الله طالبًا الرحمة (كَيْفَ يَقُومُ يَعْقُوبُ؟ فَإِنَّهُ صَغِيرٌ!).
٢. فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى هذَا: وكما حدث في رؤية الجراد، نَدِمَ الرَّبُّ استجابةً لصلاة النبي.
ج) الآيات (٧-٩): رؤية الزِّيج.
٧هكَذَا أَرَانِي وَإِذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَى حَائِطٍ قَائِمٍ وَفِي يَدِهِ زِيجٌ. ٨فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «مَا أَنْتَ رَاءٍ يَا عَامُوسُ؟» فَقُلْتُ: «زِيجًا». فَقَالَ السَّيِّدُ: «هأَنَذَا وَاضِعٌ زِيجًا فِي وَسَطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. لاَ أَعُودُ أَصْفَحُ لَهُ بَعْدُ. ٩فَتُقْفِرُ مُرْتَفَعَاتُ إِسْحَاقَ وَتَخْرَبُ مَقَادِسُ إِسْرَائِيلَ، وَأَقُومُ عَلَى بَيْتِ يَرُبْعَامَ بِالسَّيْفِ».
١. هأَنَذَا وَاضِعٌ زِيجًا فِي وَسَطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ: يُستخدم الزِّيج (المِطْمَار) لقياس استقامة الحائط. وبنفس الطريقة، استخدم الله هذا المقياس مع بني إسرائيل ليفحص ما إذا كانوا مستقيمين بحسب مقياسه الإلهي.
• فَتُقْفِرُ مُرْتَفَعَاتُ إِسْحَاقَ: “هذه الإشارة إلى إِسْحَاقَ هي من المواضع القليلة في العهد القديم التي يُستخدم فيها اسم إِسْحَاقَ للدلالة على الأمة التي خرجت من نسله، وليس على الأب إِسْحَاقَ نفسه. ويبدو أن عاموس يشير إلى التقدير الخاص الذي كان يكنّه شعب المملكة الشمالية تجاه إِسْحَاقَ… ربما كان عاموس يُعلن ويرثي انفصالهم المأساوي عن الماضي المرتبط بالعهد.” هابَرد (Hubbard)
٢. وَأَقُومُ عَلَى بَيْتِ يَرُبْعَامَ بِالسَّيْفِ: لأن إسرائيل كان منحرفًا بشكل مُزمن عن زِيج الاستقامة الذي وضعه الله، فستنزل الدينونة بِالسَّيْفِ على الأمة وقادتها.
ثانيًا. الاستماع لكل الأطراف
أ ) الآيات (١٠-١٣): أقوال أَمَصْيَا ضد عَامُوس.
١٠فَأَرْسَلَ أَمَصْيَا كَاهِنُ بَيْتِ إِيلَ إِلَى يَرُبْعَامَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: «قَدْ فَتَنَ عَلَيْكَ عَامُوسُ فِي وَسَطِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. لاَ تَقْدِرُ الأَرْضُ أَنْ تُطِيقَ كُلَّ أَقْوَالِهِ. ١١ لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ عَامُوسُ: يَمُوتُ يَرُبْعَامُ بِالسَّيْفِ، وَيُسْبَى إِسْرَائِيلُ عَنْ أَرْضِهِ». ١٢فَقَالَ أَمَصْيَا لِعَامُوسَ: «أَيُّهَا الرَّائِي، اذْهَبِ اهْرُبْ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا وَكُلْ هُنَاكَ خُبْزًا وَهُنَاكَ تَنَبَّأْ. ١٣وَأَمَّا بَيْتُ إِيلَ فَلاَ تَعُدْ تَتَنَبَّأُ فِيهَا بَعْدُ، لأَنَّهَا مَقْدِسُ الْمَلِكِ وَبَيْتُ الْمُلْكِ».
١. فَأَرْسَلَ أَمَصْيَا كَاهِنُ بَيْتِ إِيلَ إِلَى يَرُبْعَامَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ: كان أَمَصْيَا رجلًا شريرًا، لأنه كان معروفًا باعتباره كَاهِن بَيْتِ إِيل، التي هي أحد مراكز العبادة الوثنية في إسرائيل. وقد أرسل رسالة إِلَى يَرُبْعَام مَلِكِ إِسْرَائِيل، الذي كان ناجحًا بحسب المقاييس الدنيوية، لكنه كان ملكًا شريرًا في نظر الله.
٢. قَائِلًا: قَدْ فَتَنَ عَلَيْكَ عَامُوسُ: اتّهم أَمَصْيَا النبي عاموس بالتآمر ضد الملك يربعام وشعب إسرائيل. وقال أيضًا إن رسالة عاموس كانت قاسية جدًا (لاَ تَقْدِرُ الأَرْضُ أَنْ تُطِيقَ كُلَّ أَقْوَالِهِ).
٣. اهْرُبْ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا وَكُلْ هُنَاكَ خُبْزًا وَهُنَاكَ تَنَبَّأْ: استاء أَمَصْيَا من مجيء عاموس إلى بَيْتِ إِيل وتنبّئه هناك، فبذل ما في وسعه ليُعيده إلى يهوذا.
• “كان الكهنة المأجورون من هذا النوع دائمًا من أشدّ أعداء أنبياء الله الحقيقيين؛ فعندما لا يجدون ما يتهمونهم به من بدعة أو فساد أخلاقي، اتّهموهم بالتآمر على الحكومة. وبسبب وعظهم ضد الخطية، صوّروهم على أنهم يثيرون الفتنة بين الناس.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٤-١٥): ردّ عاموس.
١٤فَأَجَابَ عَامُوسُ وَقَالَ لأَمَصْيَا: «لَسْتُ أَنَا نَبِيًّا وَلاَ أَنَا ابْنُ نَبِيٍّ، بَلْ أَنَا رَاعٍ وَجَانِي جُمَّيْزٍ. ١٥فَأَخَذَنِي الرَّبُّ مِنْ وَرَاءِ الضَّأْنِ وَقَالَ لِي الرَّبُّ: اذْهَبْ تَنَبَّأْ لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ.
١. لَسْتُ أَنَا نَبِيًّا وَلاَ أَنَا ابْنُ نَبِيٍّ: ردّ عاموس على أَمَصْيَا مبيّنًا أنه نبي متردد وغير محترف في الأصل، فهو في الأساس يعمل كمزارع. لم يكن عاموس بالشخص الذي يمكن أن يُدبّر مؤامرةً.
٢. فَأَخَذَنِي الرَّبُّ مِنْ وَرَاءِ الضَّأْنِ: مثل كثيرين في الكتاب المقدس، دعا الله عاموس وهو يؤدي دعوته الحالية بأمانة، ولأنه كان راعيًا شريفًا وَجَانِي جُمَّيْزٍ أمينًا، أقامه الله نبيًّا مكرمًا.
• نرى أيضًا أن الله استخدم عاموس كرَاعٍ وَجَانِي جُمَّيْزٍ. ومع كثرة الإشارات والتشبيهات المستمدة من عالم الزراعة، كان عاموس يتكلم بلسان الفلاح، وقد استخدمه الله كما هو. “لكل نبي أسلوبه وطابعه الفريد. فرغم أن الله هو الذي يتكلّم من خلالهم جميعًا، إلا أن شخصياتهم لا تُمحى، ولا يفقدون تميّزهم. فالنَفخة التي تصنع اللحن واحدة، لكن لا تصدر آلتان الصوت نفسه تمامًا. صحيح أنهم جميعًا ينطقون بكلام الله، لكن لكلّ صوت صرخته الخاصة والمُميَّزة، بحيث يُرى الله أولًا وبوضوح، دون أن تضيع شخصية الإنسان في الرسالة.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٦-١٧): ردّ الرب.
١٦«فَالآنَ اسْمَعْ قَوْلَ الرَّبِّ: أَنْتَ تَقُولُ: لاَ تَتَنَبَّأْ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَلاَ تَتَكَلَّمْ عَلَى بَيْتِ إِسْحَاقَ. ١٧لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: امْرَأَتُكَ تَزْنِي فِي الْمَدِينَةِ، وَبَنُوكَ وَبَنَاتُكَ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَأَرْضُكَ تُقْسَمُ بِالْحَبْلِ، وَأَنْتَ تَمُوتُ فِي أَرْضٍ نَجِسَةٍ، وَإِسْرَائِيلُ يُسْبَى سَبْي
١. امْرَأَتُكَ تَزْنِي فِي الْمَدِينَةِ، وَبَنُوكَ وَبَنَاتُكَ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ: كانت كلمة الله إلى أَمَصْيَا – على لسان النبي عاموس نفسه – أن المصيبة التي أراد إسكات عاموس بشأنها ستحل عليه حتمًا.
٢. وَإِسْرَائِيلُ يُسْبَى سَبْيًا عَنْ أَرْضِهِ: هذا بالضبط ما اتّهم أَمَصْيَا عاموس بقوله كجزء مما وصفه بالمؤامرة. لكن عاموس كان جريئًا بما يكفي ليعلن كلمة الرب، ويخبر أَمَصْيَا والجميع أن سبي إسرائيل الوشيك هو أمر حقيقي لا مفرّ منه. كانت هذه رسالة ثقيلة في ظروف صعبة، لكن عاموس كان أمينًا لينقلها.