سِفر عاموس – الإصحاح ٦
وَيْلٌ لكبرياء يعقوب
أولًا. وَيْلٌ للمستريحين في صهيون
أ ) الآيات (١-٢): مقارنة إسرائيل بجيرانهم الأمم.
١وَيْلٌ لِلْمُسْتَرِيحِينَ فِي صِهْيَوْنَ، وَالْمُطْمَئِنِّينَ فِي جَبَلِ السَّامِرَةِ، نُقَبَاءِ أَوَّلِ الأُمَمِ. يَأْتِي إِلَيْهِمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ. ٢اُعْبُرُوا إِلَى كَلْنَةَ وَانْظُرُوا، وَاذْهَبُوا مِنْ هُنَاكَ إِلَى حَمَاةَ الْعَظِيمَةِ، ثُمَّ انْزِلُوا إِلَى جَتِّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. أَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ هذِهِ الْمَمَالِكِ، أَمْ تُخُمُهُمْ أَوْسَعُ مِنْ تُخُمِكُمْ؟
١. وَيْلٌ لِلْمُسْتَرِيحِينَ فِي صِهْيَوْن: في كبريائها وانغماسها في الملذات، لم تسعَ إسرائيل إلا للراحة. لكن هذا الشغف المفرِط للراحة والترف يُعدّ خطية، وقد وعد الله بأن يُدين إسرائيل بسبب ذلك.
• يمكن للراحة أن تكون أمرًا صالحًا ومقدسًا. فالمسيح نفسه يريد أن يمنحنا الراحة (متى ١١: ٢٨-٢٩). وهناك راحة تنتظر شعب الله (عبرانيين ٤: ٩-١١). كما أن لنا راحة أبدية في السماء (رؤيا ١٤: ١٣). لكن هناك نوعًا آخر من الراحة – راحة خاطئة – ترتبط باللامبالاة، والكسل، وحياة الترف.
• ومع ذلك، تحدّث النبي عاموس عن “راحة جسدية، وأمان جسدي خادع، ليست عن ثقة إنسان نال الغفران، بل عن بلادة إنسان شقيّ قاسٍ تعلّم أن يحتقر أداة العقوبة. إنها ليست راحة من ثبت على الصخر، بل راحة زائفة لسكران بلا وعي، بيته على وشك الانهيار على أساس رملي، ومع ذلك يواصل حياته بتهوّر؛ إنه ليس هدوء نفس متصالحة وفي سلام مع الله، بل هي راحة مجنون أخفى خطيّته عن عينيه، فظنّ أنه أخفاها عن الله. إنها راحة وسلام مَن تبلّدت مشاعره، وتقسّى قلبه، وتحوّل إلى إنسان غليظ، جاهل، كئيب، وغير مبالٍ؛ إنسان دخل في نوم عميق. نسأل الله أن يُوقظه منه سريعًا، وإلا فسينتهي به المطاف حيث يُمَهّد له فراش في الجحيم.” سبيرجن (Spurgeon)
• كيف تجلّت هذه الراحة الآثمة في شعب الله؟
تجلّت راحة إسرائيل الآثمة في غرورها، لأنها اتّكلت على حصانة جبل السامرة.
تجلّت راحة إسرائيل الآثمة في تأجيلها، لأنها أبعدت عن فكرها يَوْمَ الْبَلِيَّة (عاموس ٦: ٣).
تجلّت راحة إسرائيل الآثمة في قسوتها تجاه الآخرين، إذ قرّبت مَقْعَدَ الظُّلْمِ (عاموس ٦: ٣).
تجلّت راحة إسرائيل الآثمة في محبتها لذاتها، من خلال الانغماس في الملذّات التي تم وصفها في عاموس ٦: ٤-٦.
تجلّت راحة إسرائيل الآثمة في عدم مبالاتها، من خلال الجهل المتعمد والسُكر الموصوف في عاموس ٦: ٦.
• الانغماس في الذات! آه، هذا هو الإله الذي يعبده الكثيرون! فهم لا يعيشون للمسيح – فما الذي يقدّمه هؤلاء له؟ ولا يعيشون من أجل كنيسته – فما شأنهم بذلك؟ إنهم يعيشون لأنفسهم، ولأنفسهم فقط. ولاحظ أن مثل هؤلاء موجودون بين الفقراء كما بين الأغنياء، لأن جميع الطبقات تعاني من هذه الخميرة الفاسدة.” سبيرجن (Spurgeon)
• كان لدى الملك داود راحة غير تقية عندما لم يخرج للحرب فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ – فسقط في الخطية مع بَثْشَبَع، وانتهى به الأمر إلى قتل زوجها ليُخفي خطيته (صموئيل الثاني ١١).
٢. أَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ هذِهِ الْمَمَالِكِ: أراد الله أن يوبّخ كبرياء بني إسرائيل بأن يجعلهم يقارنون أنفسهم ببعض جيرانهم من الشعوب الوثنية. أراد الله أن يُريهم أن تلك المدن والْمَمَالِكِ الوثنية لم تكن عظيمة على الإطلاق. وربما عانت هذه المدن بالفعل من دينونة الله، وأراد الله أن يُدرك شعب إسرائيل أنهم سيكونون هم التاليين، لأنهم لم يكونوا أفضل حالًا منهم.
ب) الآيات (٣-٧): ذوو الشأن في إسرائيل سيُذلّون.
٣أَنْتُمُ الَّذِينَ تُبْعِدُونَ يَوْمَ الْبَلِيَّةِ وَتُقَرِّبُونَ مَقْعَدَ الظُّلْمِ، ٤الْمُضْطَجِعُونَ عَلَى أَسِرَّةٍ مِنَ الْعَاجِ، وَالْمُتَمَدِّدُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ، وَالآكِلُونَ خِرَافًا مِنَ الْغَنَمِ، وَعُجُولاً مِنْ وَسَطِ الصِّيَرةِ، ٥الْهَاذِرُونَ مَعَ صَوْتِ الرَّبَابِ، الْمُخْتَرِعُونَ لأَنْفُسِهِمْ آلاَتِ الْغِنَاءِ كَدَاوُدَ، ٦الشَّارِبُونَ مِنْ كُؤُوسِ الْخَمْرِ، وَالَّذِينَ يَدَّهِنُونَ بِأَفْضَلِ الأَدْهَانِ وَلاَ يَغْتَمُّونَ عَلَى انْسِحَاقِ يُوسُفَ. ٧لِذلِكَ الآنَ يُسْبَوْنَ فِي أَوَّلِ الْمَسْبِيِّينَ، وَيَزُولُ صِيَاحُ الْمُتَمَدِّدِينَ.
١. أَنْتُمُ الَّذِينَ تُبْعِدُونَ يَوْمَ الْبَلِيَّةِ… الْهَاذِرُونَ مَعَ صَوْتِ الرَّبَابِ… الشَّارِبُونَ مِنْ كُؤُوسِ الْخَمْرِ… وَلاَ يَغْتَمُّونَ: تنبأ عاموس في زمن كانت فيه إسرائيل تمرّ بازدهار اقتصادي، لكن الناجحين في إسرائيل استغلّوا هذا الازدهار لإشباع ملذاتهم. فعندما يمنحنا الله الرخاء، علينا أن نتعهد بأن نستخدم ما أعطانا إياه بطريقة تمجّده، لا أن نُدلّل به أنفسنا.
٢. لِذلِكَ الآنَ يُسْبَوْنَ فِي أَوَّلِ الْمَسْبِيِّينَ: حذّر الله قادة إسرائيل ووجهائها بأنهم سيكونون في مقدمة موكب السبي عندما يغزو الأشوريون إسرائيل.
ثانيًا. الخراب القادم على إسرائيل
أ ) الآيات (٨-١١): المدينة تُسلَم للدمار.
٨قَدْ أَقْسَمَ السَّيِّدُ الرَّبُّ بِنَفْسِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ: «إِنِّي أَكْرَهُ عَظَمَةَ يَعْقُوبَ وَأُبْغِضُ قُصُورَهُ، فَأُسَلِّمُ الْمَدِينَةَ وَمِلأَهَا». ٩فَيَكُونُ إِذَا بَقِيَ عَشَرَةُ رِجَال فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ. ١٠وَإِذَا حَمَلَ أَحَدًا عَمُّهُ وَمُحْرِقُهُ لِيُخْرِجَ الْعِظَامَ مِنَ الْبَيْتِ، وَقَالَ لِمَنْ هُوَ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ: «أَعِنْدَكَ بَعْدُ؟» يَقُولُ: «لَيْسَ بَعْدُ». فَيَقُولُ: «اسْكُتْ، فَإِنَّهُ لاَ يُذْكَرُ اسْمُ الرَّبِّ». ١١لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَأْمُرُ فَيَضْرِبُ الْبَيْتَ الْكَبِيرَ رَدْمًا، وَالْبَيْتَ الصَّغِيرَ شُقُوقًا.
١. إِنِّي أَكْرَهُ عَظَمَةَ يَعْقُوبَ: بقدر ما أبغض الله سلوكهم الخاطئ، فقد أبغض أيضًا عَظَمَةَ يَعْقُوب. ففي زمن ازدهارهم ونجاحهم، ارتفعت قلوبهم في الكِبرياء، وسيُرسل الله جيشًا مهلكًا ليُذلّهم.
• هذا المبدأ في غاية الأهمية عند الرب، حتى إنه كرره ثلاث مرات: «اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (١ بطرس ٥:٥، يعقوب ٦:٤، أمثال ٣٤:٣).
٢. اسْكُتْ، فَإِنَّهُ لاَ يُذْكَرُ اسْمُ الرَّبِّ: سيرتعب الشعب من دينونة الله لدرجة أنهم سيخافون حتى من سماع ذِكر اسم الرب.
• “حين يأتي قريب أحد الموتى ليحرق الجثث، فإن وجد شخصًا واحدًا لا يزال حيًّا، فلن يسمح له بذكر اسم الرب، خشية أن يصبّ الرب غضبه عليه أيضًا.” مكومسكي (McComiskey)
ب) الآيات (١٢-١٤): الظلم والكبرياء في إسرائيل جعلاها هدفًا للدينونة.
١٢هَلْ تَرْكُضُ الْخَيْلُ عَلَى الصَّخْرِ؟ أَوْ يُحْرَثُ عَلَيْهِ بِالْبَقَرِ؟ حَتَّى حَوَّلْتُمُ الْحَقَّ سَمًّا، وَثَمَرَ الْبِرِّ أَفْسَنْتِينًا. ١٣أَنْتُمُ الْفَرِحُونَ بِالْبُطْلِ، الْقَائِلُونَ: «أَلَيْسَ بِقُوَّتِنَا اتَّخَذْنَا لأَنْفُسِنَا قُرُونًا؟» ١٤«لأَنِّي هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ، أُمَّةً فَيُضَايِقُونَكُمْ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي الْعَرَبَةِ».
١. هَلْ تَرْكُضُ الْخَيْلُ عَلَى الصَّخْرِ؟: لا يمكنك أن تتوقع نتيجة جيدة إن جعلت حصانًا يركض على صخور خشنة، لأنه سيتعرض للأذى ويُصاب. وبنفس الطريقة، لا يمكن لبني إسرائيل أن يتوقعوا نتيجة جيدة بينما هم يحوّلون الْحَقَّ سَمًّا، وَثَمَرَ الْبِرِّ أَفْسَنْتِينًا.
• هنا، عاموس “يجمع مثلَين كانا شائعين للدلالة على أن الإنسان، في العادة، لا يستمرّ في العمل عبثًا ولا يبدّد قوّته بلا طائل. فالحكماء لا يرسلون خيولهم لتركض على الصخور، ولا يبعثون بقرهم ليفلحوا أرضًا صخرية حيث يضيع كل جهدهم سدى. ’هل تركض الخيول على الصخر؟‘ ’هل يحرث أحد الصخور بالثيران؟‘ – الجواب الضمني هو: ’قطعًا لا.‘ والمعنى المقصود هو أن الأمر إذا كان غير ممكن، أو لا يستحق المحاولة إن أمكن، فالأفضل ألا نخوض فيه أصلًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لأَنِّي هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: رجع عاموس إلى هذا الموضوع المتكرّر – فبسبب خطية إسرائيل الجسيمة والمتغلغلة، ستأتي عليهم الدينونة على يد أمة غازية منتصرة.
• “يشير الرب إلى مدن أخرى كانت قد دُمّرت – إلى كَلْنَة، حَمَاة، وجَتّ، التي ضربها بسبب خطايا الشعوب التي سكنت فيها؛ ويقول: ’يا سكان أورشليم، ويا ساكني السامرة، لا تظنوا أنكم ستفلتون من عواقب خطيتكم. لقد استطعت أن أمد يدي على سكان تلك المدن المتغطرسة، رغم حصونهم القوية وجيوشهم العظيمة؛ وأستطيع أن أمدها عليكم أنتم أيضًا.‘ فعندما نتأمل في دينونات الله على البشر المذنبين، نستنتج أنه لا يحق لأي خاطئ أن يظن أنه سينجو. فالله قد أذلّ أعظم المتكبرين وأقواهم، وسيظل يُذلّ كل من يتجرأ على مقاومة العليّ، إلى نهاية الدهر.” سبيرجن (Spurgeon)