سفر العدد – الإصحاح ١٥
شرائع وأحكام متنوِّعة
أولًا. تقدمات الدَقِيق، والسَّكِيب، والرَّفِيعَة
أ ) الآيات (١-٥): يجب أن تكون ذبيحة الخروف مصحوبة بتقدمة دقيق وخمر.
١وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٢«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَتَى جِئْتُمْ إِلَى أَرْضِ مَسْكَنِكُمُ الَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ، ٣وَعَمِلْتُمْ وَقُودًا لِلرَّبِّ، مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً، وَفَاءً لِنَذْرٍ أَوْ نَافِلَةً أَوْ فِي أَعْيَادِكُمْ، لِعَمَلِ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ مِنَ الْبَقَرِ أَوْ مِنَ الْغَنَمِ، ٤يُقَرِّبُ الَّذِي قَرَّبَ قُرْبَانَهُ لِلرَّبِّ تَقْدِمَةً مِنْ دَقِيق، عُشْرًا مَلْتُوتًا بِرُبْعِ الْهِينِ مِنَ الزَّيْتِ، ٥وَخَمْرًا لِلسَّكِيبِ رُبْعَ الْهِينِ. تَعْمَلُ عَلَى الْمُحْرَقَةِ أَوِ الذَّبِيحَةِ لِلْخَرُوفِ الْوَاحِدِ.
١. كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: كان شعب إسرائيل في واحدة من أسوأ الفترات في تاريخه. ففي تمرُّدٍ منهم، كانوا قد رفضوا لتوِّهم وعد الله بأن يُدخِلهم إلى أرض كنعان، فحكم الله عليهم بالتيهان في البرية لمدة ٣٨ سنة، حتى يفنى الجيل غير المؤمن في البرية، ويتمكن جيل جديد مؤمن من امتلاك أرض الموعد. ومع ذلك، وبعد هذا التمرد الشديد والتأديب من الرب مباشرة، شهد شعب إسرائيل أمثلة ثمينة لرحمة الله، وعنايته، ومعونته لإسرائيل.
• يشبه أسلوب الإصحاح ١٥ العديد من المقاطع التي وردت في الإصحاحات العشرة الأولى من سفر العدد. فمن ناحيةٍ، يبدو أن هذا الإصحاح يفتح صفحة جديدة مع ذلك الشعب العاصي وغير المؤمن الذي نراه في الإصحاح ١٤، منطلقًا معهم من نقطة الصفر. وهذه البداية الجديدة كانت تعني أن العملية بأكملها ستستغرق وقتًا أطول بكثير. “رغم وقوع الكثير من الأحداث، يبدو هنا كما لو أن شيئًا لم يكن. فإن الأرض لا تزال في انتظار الشعب، لكن كان على الشعب الآن أن ينتظر بعض الوقت لينال الأرض.” ألن (Allen)
٢. مَتَى جِئْتُمْ إِلَى أَرْضِ: كان الله مهتمًّا بشعب إسرائيل. فإن هذه الوصايا لا يمكن تنفيذها إلا في أرض الموعد. وبالتالي، تحوي هذه الشرائع في طياتها وعدًا بأن الله سيأتي بهم إلى هناك، ولن يتركهم في البرية إلى الأبد.
• قال الله: مَتَى جِئْتُمْ إِلَى أَرْضِ مَسْكَنِكُمُ الَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ. قال مَتَى جئتم إلى الأرض، وليس إذا جئتم إلى الأرض. يعني ذلك أن الله لم ولن يفقد الأمل في شعب إسرائيل. يشعر الكثير من المؤمنين الواقعين تحت عصا تأديب الله بأن الله تخلَّى عنهم، وكأنه فقد الأمل فيهم، لكن الله يظل قريبًا دائمًا من المؤمن الواقع تحت التأديب.
٣. وَعَمِلْتُمْ وَقُودًا لِلرَّبِّ، مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً: تتجلَّى رحمة الله من نحو شعب إسرائيل في هذه التعليمات المتعلِّقة بالتقدمات سواء بهدف ستر الخطايا، أو التعبير عن الامتنان. كان شعب إسرائيل، في هذه المرحلة من الفشل، يحتاجون أن يتذكَّروا ذبيحة الكفارة، وأن يتذكَّروا أيضًا حاجتهم إلى تقديم الشكر.
• يعتقد الكثيرون أن الوصية المتعلِّقة بتقديم الدَقِيقٍ، والزَّيْتِ، والخَمْر مع كبش المحرقة كانت وسيلة تعبير عن الشكر. فبعد مأساة عدم الإيمان، ودينونات الإصحاح ١٤، كان شعب إسرائيل لا يزال بحاجة إلى التفكير في كيفية إظهار الامتنان لله على صلاحه من نحوهم.
• بحسب ألن (Allen)، كان الدَقِيقٍ طعامًا فاخرًا يُستخدم في طهي ’الأطعمة الشهية‘ (حزقيال ١٦: ١٣)، وكان طعامًا يليق بالملوك (١ ملوك ٤: ٢٢).
• عُشْرًا: كان هذا يقدَّر بنحو لترين؛ ورُبْعِ الْهِينِ كان يقدَّر بنحو لتر واحد.
ب) الآيات (٦-٧): يجب أن تكون ذبيحة الكبش مصحوبة بتقدمة دقيق وخمر.
٦لكِنْ لِلْكَبْشِ تَعْمَلُ تَقْدِمَةً مِنْ دَقِيق عُشْرَيْنِ مَلْتُوتَيْنِ بِثُلْثِ الْهِينِ مِنَ الزَّيْتِ، ٧وَخَمْرًا لِلسَّكِيبِ ثُلْثَ الْهِينِ تُقَرِّبُ لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.
١. لِلْكَبْشِ تَعْمَلُ تَقْدِمَةً: متى دخل شعب إسرائيل إلى الأرض، كان على ذبيحة الكبش أن تشمل أيضًا تَقْدِمَةً من دَقِيقٍ، وزَيْتِ، وخَمْر، على أن تكون هذه بكميات أكبر من تلك المطلوبة في ذبيحة الخروف (سفر العدد ١٥: ١-٥).
٢. لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ: تكرَّرت هذه العبارة في ذبيحة الخروف، والكبش، وابن البقر. وقد تكرَّرت كثيرًا في سفر اللاويين أيضًا، واستُخدِمت عادة لوصف الذبيحة الباعثة على السرور أو “الناجحة.” فإن تقديم الذبيحة كما أمر الله (وهي هنا تشمل الدقيق، والزيت، والخمر) يُسِر الله كما تُسِر رَائِحَةِ السَرُورٍ (الرائحة العطرة) الحواس. ويخبرنا الكتاب المقدس بأن يسوع المسيح تمَّم هذه الذبيحة تحديدًا عن طريق تقديم نفسه، حيث أرضى الله بالتمام عندما وضع نفسَه على الصليب: “كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً لِلهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً.” (أفسس ٥: ٢)
• يشير ذلك أيضًا إلى ذبيحة يسوع المسيح الكاملة. فإن تلك الذبيحة النهائية ستكون مصدر سَرُورٍ تام لله، وبالتالي فإنها ستقدَّم مرةً واحدةً (عبرانيين ٧: ٢٧؛ ٩: ١٢؛ ١٠: ١٠)
ج) الآيات (٨-١٠): يجب أن تكون ذبيحة ابْنَ بَقَرٍ مصحوبة بتقدمة دقيق وخمر.
٨وَإِذَا عَمِلْتَ ابْنَ بَقَرٍ مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً وَفَاءً لِنَذْرٍ أَوْ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ، ٩تُقَرِّبُ عَلَى ابْنِ الْبَقَرِ تَقْدِمَةً مِنْ دَقِيق ثَلاَثَةَ أَعْشَارٍ مَلْتُوتَةً بِنِصْفِ الْهِينِ مِنَ الزَّيْتِ، ١٠وَخَمْرًا تُقَرِّبُ لِلسَّكِيبِ نِصْفَ الْهِينِ وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.
١. وَإِذَا عَمِلْتَ ابْنَ بَقَرٍ مُحْرَقَةً: عندما يأتي شعب إسرائيل إلى الأرض، كان على ذبيحة ابن البقر (التي تقدَّم لوَفَاءً نَذْرٍ أَو كذَبِيحَةَ سَلَامَةٍ) أن تشمل أيضًا تَقْدِمَةً مِنْ دَقِيقٍ.
٢. دَقِيقٍ… مَلْتُوتَةً بِنِصْفِ الْهِينِ مِنَ الزَّيْتِ: كانت تقدمة الخروف تستلزم عُشرًا من الدقيق، وتقدمة الكبش تستلزم عُشرين؛ أما تقدمة ابن البقر، فكانت تستلزم ثلاثة أعشار. فإذا اعتبرنا أن الدقيق، والزيت، والخمر في تقدمة الدقيق يشيرون إلى الفرح والامتنان، فإن هذا يعبِّر عن مبدأ مفاده أنه كلما كانت ذبيحتنا أكبر، لزم أن نقدِّم معها مزيدًا من الفرح والامتنان.
د ) الآيات (١١-١٦): الطبيعة العامة لهذه الشرائع.
١١هكَذَا يُعْمَلُ لِلثَّوْرِ الْوَاحِدِ أَوْ لِلْكَبْشِ الْوَاحِدِ أَوْ لِلشَّاةِ مِنَ الضَّأْنِ أَوْ مِنَ الْمَعْزِ. ١٢كَالْعَدَدِ الَّذِي تَعْمَلُونَ هكَذَا تَعْمَلُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ. ١٣كُلُّ وَطَنِيٍّ يَعْمَلُ هذِهِ هكَذَا، لِتَقْرِيبِ وَقُودِ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. ١٤وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكُمْ غَرِيبٌ، أَوْ كَانَ أَحَدٌ فِي وَسَطِكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ وَعَمِلَ وَقُودَ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ، فَكَمَا تَفْعَلُونَ كَذلِكَ يَفْعَلُ. ١٥أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ، لَكُمْ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ عِنْدَكُمْ فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ دَهْرِيَّةٌ فِي أَجْيَالِكُمْ. مَثَلُكُمْ يَكُونُ مَثَلَ الْغَرِيبِ أَمَامَ الرَّبِّ. ١٦شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ يَكُونُ لَكُمْ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ عِنْدَكُمْ».
١. هَكَذَا يُعْمَلُ: كان على كلِّ من يقدم ذبيحة أن يقدم معها دقيق الشكر وفرح الخمر. فلم يكن الله يريد أن تُقدَّم له ذبائح من شعب متبرِّم ومتذمِّر. فإذا لم نستطع المرء أن ’يعْبُد الرَّبَّ بِفَرَحٍ‘ (مزمور ١٠٠: ٢)، فإن الله لا يريد عبادته هذه على الإطلاق.
٢. لَكُمْ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ عِنْدَكُمْ: كان يُنتظَر من الذين يأتون من شعوب أخرى ويسكنون في إسرائيل (الْغَرِيبِ) أن يعبدوا الرب ويقدموا له ذبائح. وكانت هذه الشرائع الخاصة بتقديم الذبائح تنطبق على جميع الذين يقدمون الذبائح، وليس على الوَطَنِيّ فحسب.
• كان الْغَرِيبِ الذي يسكن في وسط إسرائيل مدعوًّا إلى عبادة إله إسرائيل وفقًا لأوامر الله. وكانت عبادة الآلهة الغريبة والوثنية محظورة. “سنرى الضرورة الحتمية لوجود شكل واحد فقط من أشكال العبادة في الأرض… لم يكن من الممكن التساهل مع أي أشكال أخرى من العبادة لأنها كانت عبادات وثنية. لذلك، كان مطلوبًا من جميع الغرباء – أي جميع الذين أتوا ليتغربوا في الأرض – أن يلتزموا بهذا. وكان من العدل أن يتمتع أولئك الذين يلتزمون بها بالفعل بحقوق وامتيازات مساوية لما يتمتع به العبرانيون أنفسهم.” كلارك (Clarke)
• هذه الإشارة إلى الوَطَنِيّ كانت في حد ذاتها وعدًا بأنهم سيدخلون أرض كنعان، ويسكنون فيها لأجيال كثيرة.
هـ) الآيات (١٧-٢١): رَفِيعَة شكرٍ للرب.
١٧وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ١٨«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَتَى دَخَلْتُمُ الأَرْضَ الَّتِي أَنَا آتٍ بِكُمْ إِلَيْهَا، ١٩فَعِنْدَمَا تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ الأَرْضِ تَرْفَعُونَ رَفِيعَةً لِلرَّبِّ. ٢٠أَوَّلَ عَجِينِكُمْ تَرْفَعُونَ قُرْصًا رَفِيعَةً، كَرَفِيعَةِ الْبَيْدَرِ هكَذَا تَرْفَعُونَهُ. ٢١مِنْ أَوَّلِ عَجِينِكُمْ تُعْطُونَ لِلرَّبِّ رَفِيعَةً فِي أَجْيَالِكُمْ.
١. مَتَى دَخَلْتُمُ الْأَرْضَ الَّتِي أَنَا آتٍ بِكُمْ إِلَيْهَا: مرة أخرى، وبعد فشل شعب إسرائيل في دخول أرض كنعان بالإيمان مباشرةً، أعطاهم الله فرائض يجب أن يطيعوها مَتَى دخلوا الْأَرْضَ. فلم يشكِّك الله في إمكانية سكناهم في كنعان، بل كلمهم فقط عن ’مَتَى.‘
٢. فَعنْدَمَا: وهذا أعطاهم نظرة مستقبليَّة على الوعد. فحتى إن لم يكن أبناء الله يتمتعون بغنى وعوده الآن، فإنهم بحاجة إلى تثبيت أعينهم وأذهانهم على السماويات. يقول أفسس ٢: ٦ إن الله “أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” فحتى إن لم يكن الوضع الحالي يبدو كذلك بالنسبة لك، ثبِّت قلبك وذهنك على تلك السماويات!
٣. كَرَفِيعَةِ الْبَيْدَرِ: يشير خروج ٢٩: ٢٧-٢٨، ولاويين ١٠: ١٤ إلى الرفيعة التي تقدَّم من لحم الذبائح. لكن هنا، كما في لاويين ٧: ١٤ أيضًا، تقدَّم الرفيعة من تقدمة الدقيق (أَوَّلَ عَجِينِكُمْ تَرْفَعُونَ قُرْصًا رَفِيعَةً، كَرَفِيعَةِ الْبَيْدَرِ).
• يرى معظم المفسِّرين أن ’أَوَّلَ عَجِينِكُمْ‘ هو جزء من العجين المصنوع من الحصاد الأول. كان كلُّ بيت في إسرائيل يُحضِر أَوَّلَ قُرْص من العَجِين كتقدمة شكر وباكورة. أشار بولس إلى هذا العُرف في رومية ١١: ١٦.
• “حتى أكثر الممارسات اليومية التي تبدو اعتيادية ودنيوية، مثل عجن العجين لصُنع الخبز، كان ينبغي أن تكون وقت عبادة واحتفاء بإحسان الله وأمانته.” كول (Cole)
• “ظل هذا العُرف مُتبَعًا حتى بعد سقوط الهيكل الثاني، حيث كان اليهود الخائفون الله يلقون حفنةً من العجين في النار كنوعٍ من الذبيحة المصغَّرة، جاعلين بهذا كلَّ موقد مذبحًا، وكل مطبخ بيتًا لله.” وينهام (Wenham)
• “يشبه رفع أول قرص من العجين العُرف المتبع اليوم في الشركات الصغيرة لوضع أول دولار ربحته الشركة داخل إطار. لكن، يوجد اختلاف كبير أيضًا بين الاثنين. فإن قرص العجين كان يُرفَع امتنانًا للرب، في حين لا يكون هذا هو الدافع في المعتاد لوضع الدولار الأول داخل إطار.” ألين (Allen)
ثانيًا. علاجات الخطية
أ ) الآيات (٢٢-٢٩): علاج خطايا السهو، سواء للأمة أو الأفراد.
٢٢«وَإِذَا سَهَوْتُمْ وَلَمْ تَعْمَلُوا جَمِيعَ هذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي كَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى، ٢٣جَمِيعَ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ الرَّبُّ فَصَاعِدًا فِي أَجْيَالِكُمْ، ٢٤فَإِنْ عُمِلَ خُفْيَةً عَنْ أَعْيُنِ الْجَمَاعَةِ سَهْوًا، يَعْمَلُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ ثَوْرًا وَاحِدًا ابْنَ بَقَرٍ مُحْرَقَةً لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ، مَعَ تَقْدِمَتِهِ وَسَكِيبِهِ كَالْعَادَةِ، وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. ٢٥فَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنْ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيُصْفَحُ عَنْهُمْ لأَنَّهُ كَانَ سَهْوًا. فَإِذَا أَتَوْا بِقُرْبَانِهِمْ وَقُودًا لِلرَّبِّ، وَبِذَبِيحَةِ خَطِيَّتِهِمْ أَمَامَ الرَّبِّ لأَجْلِ سَهْوِهِمْ، ٢٦يُصْفَحُ عَنْ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْغَرِيبِ النَّازِلِ بَيْنَهُمْ، لأَنَّهُ حَدَثَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ بِسَهْوٍ. ٢٧«وَإِنْ أَخْطَأَتْ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ سَهْوًا، تُقَرِّبْ عَنْزًا حَوْلِيَّةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، ٢٨فَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنِ النَّفْسِ الَّتِي سَهَتْ عِنْدَمَا أَخْطَأَتْ بِسَهْوٍ أَمَامَ الرَّبِّ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهَا، فَيُصْفَحُ عَنْهَا. ٢٩لِلْوَطَنِيِّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ بَيْنَهُمْ تَكُونُ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْعَامِلِ بِسَهْوٍ.
١. وَإِذَا سَهَوْتُمْ: يتحدث الكتاب المقدس بوضوح عن الخطايا التي تُرتكَب سَهْوًا. يُظَن في كثير من الأحيان أنه إذا كان فعلٌ ما غير متعمَّد، فإنه يجب ألا يُحسَب خطية. لكن الكثير من أسوأ الخطايا تُرتَكب بأحسن النوايا. لذا، فإن النوايا الحسنة لا تبرِّر الخطية الناتجة عن ذلك.
• على مدار التاريخ، ارتُكِبت الكثير من الجرائم الوحشية والأهوال على يد أناس كرَّسوا أنفسهم لقضايا سامية. فإن واحدًا من الأهداف المُعلَنة للشيوعية هو تأسيس نظام اقتصادي عادل ومنصف، يعمل فيه كلُّ إنسان بحسب إمكانياته، ويأخذ بحسب حاجته. لكن رغم هذه النوايا الحسنة، استُخدمت أهداف الشيوعية لتبرير قتل عشرات الملايين من البشر في القرن العشرين، وربما وصل عدد القتلى إلى مئة مليون شخصًا.
• في وسط شعب الله، يوجد الكثير من الثرثارين، والنمامين، والكثير أيضًا من مثيري الانقسامات، الذين يدَّعون حسن النوايا. لكن حتى إن كانت نواياهم حسنة، فإنهم يرتكبون خطايا جسيمة. وهذا الشيء نفسه ينطبق على العديد من الخطايا الأخرى التي قد نتجاهلها أو نستهين بها لأننا نظن أن النوايا الحسنة هي عذرٌ للخطية. وتبيِّن الذبيحة التي تقدَّم عن الخطايا التي تُرتكب سَهْوًا أن النوايا الحسنة لا تبرِّر الخطايا.
٢. يَعْمَلُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ ثَوْرًا وَاحِدًا ابْنَ بَقَرٍ مُحْرَقَةً: كانت خطايا السهو تحتاج إلى كفارة دموية. لذلك، كان لا بد من تقديم ثَوْر وَاحِد ابْنَ بَقَرٍ ذبيحة، عندما تخطئ الجماعة، في حين يقرَّب عَنْزٌ عندما تخطئ نفس واحدة.
٣. تَكُونُ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْعَامِلِ بِسَهْوٍ: لم يكن هناك أي استثناء. فالخطية هي الخطية، ويجب أن ننظر إليها على هذا الأساس، حتى وإن بدت الدوافع جيدة.
• لِلْغَرِيبِ: “كما في الشريعة السابقة، المذكورة في الآيات ١٣-١٦، امتدت فاعلية هذه الممارسة الطقسية لتشمل الأجنبي المقيم في إسرائيل، إلى جانب الإسرائيلي الوطني أيضًا، حيث كان يُنظر إلى جماعة الإيمان على أنها جماعة واحدة متناغمة معًا، لا على أنها جماعة منقسمة عرقيًّا.” كول (Cole)
ب) الآيات (٣٠-٣١): علاج الخطية التي تُرتكَب بيد رفيعة (أي بوقاحة).
٣٠وَأَمَّا النَّفْسُ الَّتِي تَعْمَلُ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ مِنَ الْوَطَنِيِّينَ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ فَهِيَ تَزْدَرِي بِالرَّبِّ. فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ بَيْنِ شَعْبِهَا، ٣١لأَنَّهَا احْتَقَرَتْ كَلاَمَ الرَّبِّ وَنَقَضَتْ وَصِيَّتَهُ. قَطْعًا تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ. ذَنْبُهَا عَلَيْهَا».
١. وَأَمَّا النَّفْسُ الَّتِي تَعْمَلُ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ: التعبير بِيَدٍ رَفِيعَةٍ (وهو الترجمة الحرفية للأصل العبري) معناه أن يخطئ أحدهم بوقاحة وتبجُّح. يعبِّر ذلك عن تمرُّد صريح دون خجلٍ على الله، وعلى شريعة موسى، وعلى الأمة بأكملها أيضًا.
• “الذي يخطئ بيد رفيعة لا يشعر بالذنب، وبالتالي لا يمكن التكفير عن إساءته بواسطة ذبيحة. ربما لا يشعر الشخص الذي يخطئ في تحدٍّ صريح لله بمدى جُرم تعدِّيه، لكنه مع ذلك يكون مذنبًا أمام الله والناس.” كول (Cole)
٢. قَطْعًا تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ. ذَنْبُهَا عَلَيْهَا: لم يكن من الممكن التساهل مع مثل هذه الخطية في إسرائيل. وكانت هذه الوصية بمثابة آلية ثقافية للتصدِّي لمثل هذه الخطايا، والتأكيد على أن مثل هذا التحدي المتبجِّح للأخلاقيات العامة لن يُكافَأ.
• يتعارض ذلك مع الثقافة الحديثة، حيث يُكافَأ الخطاة المتبجِّحون وسيئو السمعة أحيانًا بالشهرة والثروة. فبدلًا من أن يكون ذَنْبُهَم عَلَيْهَم، تضع ثقافتنا الذنب عادةً على أي شخص قد يدين أولئك الخطاة المتبجِّحين، أو يدين أفعالهم، أو يتصدَّى لهم.
ج) الآيات (٣٢-٣٦): الموت لرجلٍ كسر وصية السبت.
٣٢وَلَمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَجَدُوا رَجُلًا يَحْتَطِبُ حَطَبًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ. ٣٣فَقَدَّمَهُ الَّذِينَ وَجَدُوهُ يَحْتَطِبُ حَطَبًا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ. ٣٤فَوَضَعُوهُ فِي الْمَحْرَسِ لأَنَّهُ لَمْ يُعْلَنْ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ. ٣٥فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «قَتْلًا يُقْتَلُ الرَّجُلُ. يَرْجُمُهُ بِحِجَارَةٍ كُلُّ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ». ٣٦فَأَخْرَجَهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ، فَمَاتَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.
١. وَجَدُوا رَجُلًا يَحْتَطِبُ حَطَبًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ: كان هذا مثالًا فوريًّا لكيفية التعامل مع شخص أخطأ بيدٍ رفيعة (سفر العدد ١٥: ٣٠-٣١). كان جميع شعب إسرائيل يعرفون شريعة السبت خير المعرفة، لكن ربما ظن هذا الرجل أنه مُصلِح اجتماعي مقدام، يحاول بفعلته هذه أن يحرِّر الشعب من عبوديتهم لشريعة السماء.
• “يبدو على الأرجح، أن القصة التالية، المتعلِّقة بالرجل الذي كسر شريعة السبت، تبيِّن ما يعنيه ارتكاب الخطية بيد رفيعة.” وينهام (Wenham)
• “الغرض من هذه القصة هو القول بأن كسر وصية يوم السبت هو بمثابة رفع الإنسان قبضته في وجه الرب، متحدِّيًا إياه. فإن هذه الإساءة أصابت أساس مسؤولية شعب إسرائيل أمام الرب. وبهذه الفعلة (الآية ٣٢)، كان هذا الرجل يتحدَّى الله صراحةً.” ألن (Allen)
٢. قَتْلًا يُقْتَلُ الرَّجُلُ: أمر الله بأن يُقتَل هذا الخاطئ الذي أخطأ بيد رفيعة، حتى يخاف الجميع. وكان هذا ليعرف الجميع أن النظام الاجتماعي وشريعة الله أهم من ’حقِّ‘ أي فرد في مهاجمة أو تخريب هذا النظام الاجتماعي أو شريعة الله.
• وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ، فَمَاتَ: “حُكِم على هذا الرجل بالرجم، وهي العقوبة التي كانت تستلزم مشاركة مجموعة كبيرة من البشر، أي ’كُلُّ الْجَمَاعَةِ‘ (الآية ٣٦)، الأمر الذي كان يرمز إلى رفض الجماعة بأكملها لهذه الإساءة. فبما أن السبت كان علامة العهد، فإن تدنيسه كان أمرًا بالغ الخطورة بصفة خاصة (تثنية ٥: ١٥).” وينهام (Wenham)
د ) الآيات (٣٧-٤١): تذكير الشعب بقداسته.
٣٧وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٣٨«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: أَنْ يَصْنَعُوا لَهُمْ أَهْدَابًا فِي أَذْيَالِ ثِيَابِهِمْ فِي أَجْيَالِهِمْ، وَيَجْعَلُوا عَلَى هُدْبِ الذَّيْلِ عِصَابَةً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ. ٣٩فَتَكُونُ لَكُمْ هُدْبًا، فَتَرَوْنَهَا وَتَذْكُرُونَ كُلَّ وَصَايَا الرَّبِّ وَتَعْمَلُونَهَا، وَلاَ تَطُوفُونَ وَرَاءَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْيُنِكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ فَاسِقُونَ وَرَاءَهَا، ٤٠لِكَيْ تَذْكُرُوا وَتَعْمَلُوا كُلَّ وَصَايَايَ، وَتَكُونُوا مُقَدَّسِينَ لإِلهِكُمْ. ٤١أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلهًا. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ».
١. أَهْدَابًا فِي أَذْيَالِ ثِيَابِهِمْ… عَلَى هُدْبِ الذَّيْلِ عِصَابَةً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ: كان الغرض من هذه الأشياء هو تذكير شعب إسرائيل بالشخص الذي ينتمون إليه. هم شعب الله. ويمكن لمثل هذه التذكارات أن تبقي المؤمنين بعيدين عن الخطية، ومنتبهين جيدًا إلى الله.
• ربما أوصي الشعب بوضع عِصَابَة مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ لأن تابوت العهد كان موضوعًا وراء حجاب أَسْمَانْجُونِي اللون (أزرَقَ)، وكانت شقق مصنوعة من اللون الأسمانجوني تزيِّن المسكن. كما أن اللون الأسمانجوني (الأزرق) كان يمثِّل جزءًا من ثياب رئيس الكهنة. وبالتالي، فإن هذا اللون كان مرتبطًا بذكريات مقدَّسة.
• “تلك العصابة من اللون الأسمانجوني كانت رمزًا لحقيقة أعمق متعلِّقة بحياتهم كشعب، وهي أنهم كانوا تحت الحُكم المباشر للسماء. فكلما وقعت العين على هذا الرمز البسيط، وجب على القلب أن يتذكَّر تلك الحقيقة السامية.” مورجان (Morgan)
• “كان الفريسيون يمارسون هذه الوصية في أيام المسيح، حيث عُرِف عنهم بأنهم كان يطيلون أهداب ثيابهم أكثر من المعتاد (متى ٢٣: ٥)؛ وقد مارسها المسيح نفسه أيضًا، كما قد نفهم من خلال لوقا ٨: ٤٤.” بوله (Poole)
٢. فَتَرَوْنَهَا وَتَذْكُرُونَ كُلَّ وَصَايَا الرَّبِّ وَتَعْمَلُونَهَا: ربما نتخيل هنا إسرائيليًا يُغوَى بارتكاب خطية، ثم تقع عيناه على ردائه المميَّز، فيُذَكِّره هذا الرداء بهويته، وبأن الآخرين أيضًا يعرفون هويته. فهو ابنٌ لله، وليس ابنًا للخطية التي يفكِّر فيها.
• ومن هذا المنطلق، يمكن للثياب ذات المطبوعات المسيحية، أو الحُلي ذات الطابع المسيحي أن تحقِّق فائدةً معيَّنة. فمثل هذه الأشياء يمكن أن تذكِّرنا بهويتنا، وتُخضِعنا لنوع من المساءلة عن سلوكنا.
• لكن لدى الإنسان دائمًا، في كبريائه الكامن في صميم طبيعته، طرقه الخاصة لتشويه وإفساد وصايا الله الصالحة والمقدَّسة. فقد وبَّخ يسوع الرؤساء الدينيين صراحةً على إساءة استخدامهم لهذه الوصية، قائلًا إنهم كانوا ’يُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ‘ (متى ٢٣: ٥)، ليُظهِروا هذه الأهداب قدر الإمكان، كنوعٍ من التباهي بقداستهم. يمكن لهذا الشيء نفسه أن ينطبق اليوم على الثياب والحُلي ذات الطابع المسيحي، حيث يمكن أيضًا إساءة استخدامها في نوعٍ من الرياء، بهدف إظهار البر الذاتي.
• أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلَهًا: “فمع أنني مستاءٌ منكم بالصواب، بسبب أفعال تمرُّدكم المتكررة والبغيضة، التي لأجلها أيضًا سأبقيكم أربعين سنة أخرى في البرية، لكنني لن أرفضكم بشكل نهائي، بل سأظل إلهكم، وسأظل أحفظكم وأعتني بكم في تلك البرية، ثم أُدخِلكم إلى أرض كنعان بعد انتهاء ذلك الوقت.” بوله (Poole)