سفر العدد – الإصحاح ١٨
الشرائع المختصَّة بالكهنة واللاويين
أولًا. مسئوليات الكهنة واللاويين
أ ) الآية (١): الكهنة مسئولون عن الْمَقْدِس والكهنوت.
١وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ الْمَقْدِسِ، وَأَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ كَهَنُوتِكُمْ.
١. أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ مَعَكَ: الكهنة – أي هارون وبنوه، ونسلهم – سوف يحملون ذَنْبَ الْمَقْدِسِ، وذنب الكهنوت. فإنهم خاضعون للمساءلة أمام الله.
٢. تَحْمِلُونَ ذَنْبَ: كان هذا هو الوجه الآخر من الامتياز الذي ناله هارون، بصفته كاهن الله المختار، والذي تجلَّى في إفراخ العصا في الإصحاح ١٧. حصل هارون على سلطةٍ من الله، بصفته رئيس الكهنة المعيَّن منه، لكن كان عليه أيضًا قدر كبير من المسئولية.
• لا يمنح الله السلطة دون مسئولية ومساءلة. فالاثنان متلازمان دائمًا. فإذا كان أحدهم في منصب قيادي بناء على توجيه من الله، ويُنتَظَر من الآخرين أن يخضعوا له، يضع عليه الله مسئولية خاصة، ويُخضِعه لنوع خاص من المساءلة.
ب) الآيات (٢-٧): اللاويون هم المختارون من الله لمساعدة الكهنة في خدمتهم عند المذبح وفي الخيمة.
٢وَأَيْضًا إِخْوَتُكَ سِبْطُ لاَوِي، سِبْطُ أَبِيكَ، قَرِّبْهُمْ مَعَكَ فَيَقْتَرِنُوا بِكَ وَيُوازِرُوكَ، وَأَنْتَ وَبَنُوكَ قُدَّامَ خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ، ٣فَيَحْفَظُونَ حِرَاسَتَكَ وَحِرَاسَةَ الْخَيْمَةِ كُلِّهَا. وَلكِنْ إِلَى أَمْتِعَةِ الْقُدْسِ وَإِلَى الْمَذْبَحِ لاَ يَقْتَرِبُونَ، لِئَلاَّ يَمُوتُوا هُمْ وَأَنْتُمْ جَمِيعًا. ٤يَقْتَرِنُونَ بِكَ وَيَحْفَظُونَ حِرَاسَةَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ مَعَ كُلِّ خِدْمَةِ الْخَيْمَةِ. وَالأَجْنَبِيُّ لاَ يَقْتَرِبْ إِلَيْكُمْ. ٥بَلْ تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ حِرَاسَةَ الْقُدْسِ وَحِرَاسَةَ الْمَذْبَحِ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ أَيْضًا سَخَطٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٦هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ إِخْوَتَكُمُ اللاَّوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَطِيَّةً لَكُمْ مُعْطَيْنَ لِلرَّبِّ، لِيَخْدِمُوا خِدْمَةَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. ٧وَأَمَّا أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ فَتَحْفَظُونَ كَهَنُوتَكُمْ مَعَ مَا لِلْمَذْبَحِ وَمَا هُوَ دَاخِلَ الْحِجَابِ، وَتَخْدِمُونَ خِدْمَةً. عَطِيَّةً أَعْطَيْتُ كَهَنُوتَكُمْ. وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَقْتَرِبُ يُقْتَلُ».
١. وَأَيْضًا إِخْوَتُكَ سِبْطُ لَاوِي: كان هارون نفسه من سبط لاوي. وفي حين أُعطي الكهنوت له ولنسله فحسب، إلا أن سبط لاوي بأكمله دُعي دعوة خاصة، تتمثَّل في مساعدة هارون والكهنة (سفر العدد ٣: ٥-١٠).
٢. فَيَقْتَرِنُوا بِكَ وَيُوازِرُوكَ: دُعِي اللاويون إلى مؤازرة عمل الكهنة. فإنهم لم يتمتعوا بالمكانة البارزة نفسها التي تمتع بها الكهنة، لكنهم كانوا مهمِّين لخدمتهم.
• وُصِف اللاويون بأنهم يخدمون (يوازرون) الكهنة (سفر العدد ١٨: ٢)، وجماعة إسرائيل (سفر العدد ١٦: ٩)، والله أيضًا (تثنية ١٠: ٨). وكان كلُّ نوع من أنواع الخدمة هذه صحيحًا.
٣. وَلَكِنْ إِلَى أَمْتِعَةِ الْقُدْسِ وَإِلَى الْمَذْبَحِ لَا يَقْتَرِبُونَ: لم يكن مسموحًا للاويين أن يعملوا ما كان الكهنة يعملونه، لِئَلَّا يَمُوتُوا. وكان قُورح مثالًا لواحدٍ من اللاويين تجرَّأ على الاقتراب إِلَى أَمْتِعَةِ الْقُدْسِ وَإِلَى الْمَذْبَحِ (سفر العدد ١٦: ١-٣)، فمات نتيجةً لذلك (سفر العدد ١٦: ١٦-١٩، ٣١-٣٣).
• الْأَجْنَبِيُّ: “كلمة ’الأجنبي‘ أو ’الغريب‘… التي تشير في المعتاد إلى شخص من جنسية أجنبية، استُخدِمت هنا للإشارة إلى جميع الخُدام الآخرين في المكان المُقَدَّس. فالوحيدون الذين كان لهم الحق أن يخدموا داخل قُدْسِ الْأَقْدَاسِ هم اللاويون، على أن يكون ذلك تحت إشراف الكهنة. وبالتالي، فإن الآخرين جميعهم يُحسَبون ’أجانب.‘” ألن (Allen)
٤. تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ حِرَاسَةَ الْقُدْسِ وَحِرَاسَةَ الْمَذْبَحِ: كان من الخطأ أن يغار اللاويون من العمل الذي يقوم به هارون وبنوه من الكهنة، أو يَطمَعوا فيه. كذلك، كان إهمال هارون وبنوه للعمل الذي كلَّفهم به الله خطيةً. فرغم نوال هارون وبنيه عَطِيَّة مساعدة اللاويين لهم، كان عليهم أن يحْفَظُوا كهنوتهم مَعَ مَا لِلْمَذْبَحِ وَمَا هُوَ دَاخِلَ الْحِجَابِ.
• “كان ينبغي ألا يُنظَر إلى اللاويين على الإطلاق على أنهم ’كهنة تحت التمرين.‘ فقد كان لديهم ’سقف مهنيّ‘ في دعوتهم يجب ألا يتعدُّوه. وكان ينبغي ألا يُستهان البتة بقدسية قُدْسِ الْأَقْدَاسِ.” ألن (Allen)
• وبالمثل، يقول العهد الجديد إننا جميعًا ’أعضاء‘ مختلفة في الجسد، لكل منها مواهب ودعوات (١ كورنثوس ١٢: ٤-٧). لذلك، يجب ألا نغار أو نطمع في مواهب ودعوات الآخرين.
• عَطِيَّةً أَعْطَيْتُ كَهَنُوتَكُمْ: “شدَّدت هذه الكلمات أكثر من غيرها على حقيقة أن هؤلاء الكهنة، وهؤلاء الأشخاص، لم يفعلوا شيئًا كي يستحقوا هذه العطية، بل كان الأمر برمته بالنعمة، وكان عطية من الله.” مورجان (Morgan)
ثانيًا. امتيازات الكهنة واللاويين
أ ) الآيات (٨-٢٠): تخصيص الأبكار وكلِّ محرَّم للكاهن.
٨وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: «وَهأَنَذَا قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِرَاسَةَ رَفَائِعِي، مَعَ جَمِيعِ أَقْدَاسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَكَ أَعْطَيْتُهَا، حَقَّ الْمَسْحَةِ وَلِبَنِيكَ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً. ٩هذَا يَكُونُ لَكَ مِنْ قُدْسِ الأَقْدَاسِ مِنَ النَّارِ، كُلُّ قَرَابِينِهِمْ مَعَ كُلِّ تَقْدِمَاتِهِمْ وَكُلِّ ذَبَائِحِ خَطَايَاهُمْ وَكُلِّ ذَبَائِحِ آثَامِهِمِ الَّتِي يَرُدُّونَهَا لِي. قُدْسُ أَقْدَاسٍ هِيَ لَكَ وَلِبَنِيكَ. ١٠فِي قُدْسِ الأَقْدَاسِ تَأْكُلُهَا. كُلُّ ذَكَرٍ يَأْكُلُهَا. قُدْسًا تَكُونُ لَكَ. ١١وَهذِهِ لَكَ: الرَّفِيعَةُ مِنْ عَطَايَاهُمْ مَعَ كُلِّ تَرْدِيدَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لَكَ أَعْطَيْتُهَا وَلِبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ مَعَكَ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً. كُلُّ طَاهِرٍ فِي بَيْتِكَ يَأْكُلُ مِنْهَا. ١٢كُلُّ دَسَمِ الزَّيْتِ وَكُلُّ دَسَمِ الْمِسْطَارِ وَالْحِنْطَةِ، أَبْكَارُهُنَّ الَّتِي يُعْطُونَهَا لِلرَّبِّ، لَكَ أَعْطَيْتُهَا. ١٣أَبْكَارُ كُلِّ مَا فِي أَرْضِهِمِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا لِلرَّبِّ لَكَ تَكُونُ. كُلُّ طَاهِرٍ فِي بَيْتِكَ يَأْكُلُهَا. ١٤كُلُّ مُحَرَّمٍ فِي إِسْرَائِيلَ يَكُونُ لَكَ. ١٥كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ يُقَدِّمُونَهُ لِلرَّبِّ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ، يَكُونُ لَكَ. غَيْرَ أَنَّكَ تَقْبَلُ فِدَاءَ بِكْرِ الإِنْسَانِ. وَبِكْرُ الْبَهِيمَةِ النَّجِسَةِ تَقْبَلُ فِدَاءَهُ. ١٦وَفِدَاؤُهُ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ تَقْبَلُهُ حَسَبَ تَقْوِيمِكَ فِضَّةً، خَمْسَةَ شَوَاقِلَ عَلَى شَاقِلِ الْقُدْسِ. هُوَ عِشْرُونَ جِيرَةً. ١٧لكِنْ بِكْرُ الْبَقَرِ أَوْ بِكْرُ الضَّأْنِ أَوْ بِكْرُ الْمَعْزِ لاَ تَقْبَلْ فِدَاءَهُ. إِنَّهُ قُدْسٌ. بَلْ تَرُشُّ دَمَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَتُوقِدُ شَحْمَهُ وَقُودًا رَائِحَةَ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. ١٨وَلَحْمُهُ يَكُونُ لَكَ، كَصَدْرِ التَّرْدِيدِ وَالسَّاقِ الْيُمْنَى يَكُونُ لَكَ. ١٩جَمِيعُ رَفَائِعِ الأَقْدَاسِ الَّتِي يَرْفَعُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلرَّبِّ أَعْطَيْتُهَا لَكَ وَلِبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ مَعَكَ حَقًّا دَهْرِيًّا. مِيثَاقَ مِلْحٍ دَهْرِيًّا أَمَامَ الرَّبِّ لَكَ وَلِزَرْعِكَ مَعَكَ». ٢٠وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: «لاَ تَنَالُ نَصِيبًا فِي أَرْضِهِمْ، وَلاَ يَكُونُ لَكَ قِسْمٌ فِي وَسَطِهِمْ. أَنَا قِسْمُكَ وَنَصِيبُكَ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. وَهَأَنَذَا قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِرَاسَةَ رَفَائِعِي: كانت الرَفَائِعِ (أي الجزء من التقدمة أو الذبيحة) تقدَّم إلى الله كجزءٍ من ذبيحة السلامة (خروج ٢٩: ٢٨؛ لاويين ٧: ١٤)، أو في تقدمة تقديس النذير (سفر العدد ٦: ٢٠)، وللشكر أيضًا (سفر العدد ١٥: ١٩-٢١). وفي الرفيعة، كان جزءٌ محدَّد من الحيوان الذي يقدَّم ذبيحة (الصدر أو الفخذ) يُرفَع أو يُردَّد أمام الرب.
• بعد ذلك، يصير هذا الجزء المحدَّد من اللحم للكاهن وأهل بيته، ويُحسَب مقدَّسًا، ولذلك كان ينبغي تناوُله في قُدْسِ الْأَقْدَاسِ.
• رَفَائِعِي: “كان يُنظَر إلى الشيء على أنه مقدَّس لا بسبب صفة داخلية سرية فيه، بل لأنه صار تحت استخدام الرب.” ألن (Allen)
• كُلِّ تَرْدِيدَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: “من خلال رفع الدقيق أو المحصول، والتلويح به ذهابًا وإيابًا في الهواء في إجلال، كان مقدِّم الذبيحة يقول إن الرب هو مصدر إنتاجه الوفير. وبما أن هذا الطعام لم يكن يُلقَى في النار، فإنه كان يُعطَى للكهنة وعائلاتهم.” ألن (Allen)
٢. كُلُّ قَرَابِينِهِمْ: كان الكاهن يحصل أيضًا على نصيبٍ من تَقْدِمَاتِهِمْ، وذَبَائِحِ خَطَايَاهُمْ، وذَبَائِحِ آثَامِهِمْ. كذلك، كانت عطايا من الزَّيْتِ، والْمِسْطَار، والْحِنْطَةِ، وأَبْكَارُ كُلِّ مَا فِي أَرْضِهِمِ تقدَّم للكهنة. وكان الكهنة يعالون في إسرائيل بهذه الطريقة.
• “كانت تقدمة الدقيق، الموصوفة في لاويين ٢: ١-١٣؛ ٦: ١٤-٢٣، عبارة عن مزيجٍ من دقيق فطير، وزيت، ولُبان. وكان تذكارها يوقد على المذبح، رائحة سرور للرب، وبقيتها يأكله الكهنة الهارونيون.” كول (Cole)
٣. كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ: كان البكر الذي يؤتَى به إلى خيمة الاجتماع، سواء ليقدَّم أو يُفتدَى بالمال، يصير هو أيضًا للكاهن.
• كان من الضروري توضيح أن الله لا يريد ذبائح بشرية من أيِّ نوع. لذلك، كان ينبغي ألا يقدَّم بِكْرِ الْإِنْسَانِ ذبيحةً لله على الإطلاق، بل ينبغي فداؤه، أي تقديم مبلغ من المال لخدمة الله كبديلٍ عن هذه الذبيحة.
٤. أَعْطَيْتُهَا لَكَ وَلِبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ مَعَكَ حَقًّا دَهْرِيًّا: كانت كل هذه الأجزاء من الذبائح للكهنة، وكان على شعب إسرائيل أن يؤدُّوا واجبهم المتمثل في الإتيان بها. وشدَّد الله على ذلك بدعوته إياها مِيثَاقَ مِلْحٍ دَهْرِيًّا.
• يرمز الملح إلى النقاء، والحفظ، والتكلفة. وبالتالي، فإن ميثاق الملح هو ميثاق نقي (لأن الملح يظل مركَّبَا كيميائيًّا نقيًّا)، وميثاق دائم (لأن الملح يحفظ الأطعمة)، وهو أيضا ميثاق ثمين (لأن الملح كان باهظ الثمن).
• علَّق سبيرجن (Spurgeon) على عبارة ’مِيثَاقَ مِلْحٍ‘ قائلًا: “المقصود بذلك هو أنه كان عهدًا غير قابل للتغير أو الفساد، لكنه عهدٌ باقٍ كما أن الملح يحفظ الأشياء، حتى لا تكون عرضة للعفن أو الفساد.”
• بحسب بعض العادات القديمة، كانت الصداقات تؤسَّس بأكل الملح، ويقال إنك ما أن تأكل ملح أحدهم، تصير صديقًا له مدى الحياة.
٥. لَا تَنَالُ نَصِيبًا فِي أَرْضِهِمْ: في حين كان الكهنة يحصلون، بأمرٍ من الله، على دعم مادي كبير من شعب إسرائيل (والكثير من اللحم)، إلا أنهم حُرِموا من أن يكون لهم نَصِيب فِي أَرْضِهِمْ. فلم يكن للكهنة نصيب دائم من الأرض، لأن الله قال لهم أَنَا قِسْمُكَ وَنَصِيبُكَ.
• استطاع الكثيرون من شعب الله عبر الأجيال أن يقولوا مع داود في مزمور ١٦: “الرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي، أَنْتَ قَابِضُ قُرْعَتِي” (الآية ٥). وأن يقولوا مع آساف في مزمور ٧٣: “قَدْ فَنِيَ لَحْمِي وَقَلْبِي. صَخْرَةُ قَلْبِي وَنَصِيبِي اللهُ إِلَى الدَّهْرِ” (الآية ٢٦). وأن يتفقوا مع قول داود في مزمور ١٤٢: “صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَارَبُّ. قُلْتُ: «أَنْتَ مَلْجَإِي، نَصِيبِي فِي أَرْضِ الْأَحْيَاءِ»” (الآية ٥).
• عندما يكون الله نصيبنا، يصير هو ميراثنا، أي رجاؤنا، والشخص الذي نضع مستقبلنا في يده. فإننا نكون مكتفين به. وبما أننا جميعًا كهنوت ملوكي (١ بطرس ٢: ٩)، فإن الرب هو نصيبنا جميعًا.
ب) الآيات (٢١-٢٤): العشور تُعطَى للاويين.
٢١«وَأَمَّا بَنُو لاَوِي، فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كُلَّ عُشْرٍ فِي إِسْرَائِيلَ مِيرَاثًا عِوَضَ خِدْمَتَهِمْ الَّتيِ يَخْدِمُونَهاَ، خِدْمَةِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. ٢٢فَلاَ يَقْتَرِبُ أَيْضًا بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِيَحْمِلُوا خَطِيَّةً لِلْمَوْتِ، ٢٣بَلِ اللاَّوِيُّونَ يَخْدِمُونَ خِدْمَةَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَهُمْ يَحْمِلُونَ ذَنْبَهُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ. وَفِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ لاَ يَنَالُونَ نَصِيبًا. ٢٤إِنَّ عُشُورَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي يَرْفَعُونَهَا لِلرَّبِّ رَفِيعَةً قَدْ أَعْطَيْتُهَا لِلاَّوِيِّينَ نَصِيبًا. لِذلِكَ قُلْتُ لَهُمْ: فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يَنَالُونَ نَصِيبًا».
١. وَأَمَّا بَنُو لَاوِي، فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كُلَّ عُشْرٍ فِي إِسْرَائِيلَ: في حين كان الكهنة يعالون من خلال أنصبتهم من الذبائح التي يؤتى بها إلى مذبح الله (سفر العدد ١٦: ٨-٢٠)، أمر الرب بأن يُعال اللاويون من عشور بني إسرائيل (أي بتخصيص ١٠% من دخل بني إسرائيل لهم). إن العشور هي في الأساس لله (قال الله إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ، وبالتالي فإنها له وهو الذي يعطيها)، لكن الله كان يعطيها بعد ذلك للَّاويين.
• عندما يمتنع أيُّ إسرائيليٍّ عن دفع عشوره، فإنه لم يكن بذلك يسلب اللاوي، حتى وإن كان المال يذهب إلى اللاويين في نهاية المطاف، بل يسلب الله (ملاخي ٣: ٨-١٠)، لأن الله هو الذي كان يأخذ العشور من مقدِّمها، ثم يعطيها للاوي.
• يعتقد البعض اليوم أن العشور المنصوص عليها هنا تشبه إلى حدٍّ كبير الضرائب التي تسدَّد للسلطات في العصر الحديث، وذلك لأن هذه العشور كان الغرض منها هو إعالة اللاويين الذين كانوا، من ناحيةٍ، موظفين حكوميين في إسرائيل القديمة. والذين يتبنُّون هذه الفكرة يدَّعون في كثير من الأحيان أن العطاء الطوعي، المذكور في العهد القديم، يكافئ كلام العهد الجديد عن العطاء. فإننا نستطيع أن نقول إن العهد الجديد لا يأمر بتقديم العشور تحديدًا، لكنه يتحدث قطعًا عن ذلك بطريقة إيجابية، إذا كان هذا يُعمَل بقلب مستقيم ودوافع سليمة (لوقا ١١: ٤٢).
• ثمة أهمية أيضًا أن نفهم أن مبدأ دفع العشور ليس مبدًا نابعًا من الشريعة الموسوية. فإن عبرانيين ٧: ٥-٩ يوضح أن دفع العشور كان ممارسة مكرَّمة من الله، حتى قبل ظهور ناموس موسى.
• يتحدث العهد الجديد بوضوح شديد عن مبدأ العطاء، ويخبرنا بأن العطاء يجب أن يكون بانتظام، وتخطيط، وتناسُب، وسرية (١ كورنثوس ١٦: ١-٤). كما يقول إن العطاء يجب أن يكون بسخاء، ودون قيدٍ، وبسرورٍ (٢ كورنثوس ٩).
• بما أن العهد الجديد لا يشدِّد على تقديم العشور، نستطيع إذن ألا نكون صارمين بشأنه مع المؤمنين، مع أن بعض المؤمنين يعترضون على تقديم العشور لأجل مصالحهم الشخصية. لكن بما أن العطاء يجب أن يكون بقدرٍ متناسبٍ (كما نقرأ في ١ كورنثوس ١٦: ٢)، فعلى المؤمنين اليوم أن يعطوا بنسبة معيَّنة. واستنادًا إلى وصف العهد القديم للعشور، ربما نستطيع أن نقول إن نسبة عشرة بالمئة هي نسبة جيدة للمؤمن المعاصر، أو تدريب جيد له على السخاء. لكن، ينبغي ألا نحسب أن نسبة ١٠ بالمئة هي نسبة مطلقة لا تتغير. فلا شك أن الله قد يطلب من البعض أن يعطوا أكثر من ذلك بكثير، إذا كان قد باركهم وأعطاهم بوفرة.
• إذا كان سؤالنا هو: “ما أقل قدر يمكن أن أعطيه وأظل مَرضيًّا عند الله؟” فهذا يدل على أن قلوبنا ليست في حالة جيدة. فينبغي أن نتبنَّى التوجُّه نفسه الذي تبنَّاه بعض المؤمنين الأوائل، الذين كانوا يقولون ما معناه: “لسنا ملزَمين بالعشور، بل نستطيع أن نعطي المزيد!” فإن العطاء وإدارة الأموال هي مسألة روحية في المقام الأول، وليست مجرد مسألة مادية (لوقا ١٦: ١١).
٢. عِوَضَ خِدْمَتَهِمْ الَّتِي يَخْدِمُونَهَا: كان الله يعطي العشور للاويين كأجرٍ أيضًا، وليس فقط كعطايا (أو هبات). فلأن اللاويين كرَّسوا أنفسهم لخدمة الله، وخدمة شعب الله، وخدمة أمور الله، كان من الإنصاف والصواب أن يعولهم الله من خلال عشور بني إسرائيل.
• “إن تخصيص العشور لسبط لاوي هو معلومة جديدة. كان تقديم العشور، أي عُشر الإنتاج الزراعي، مبدًا قديمًا اتُّبِع في الشرق الأدنى. فإن كلًّا من إبراهيم ويعقوب قدَّم العشور (تكوين ١٤: ٢٠؛ ٢٨: ٢٢). ونظَّم اللاويين ٢٧: ٣٠-٣٣ عملية فكاك العشور، الأمر الذي يفترض مسبقًا بوضوح وجود هذه الممارسة. لكن، لم يُذكَر من قبل إلى مَن ستؤول هذه العشور. إلا أن هذه الشريعة، التي تتطلَّع إلى المستقبل عند الاستقرار في أرض كنعان، حيث سيصير تقديم العشور ممكنًا، تنص على أن اللاويين هم الذين لهم حق الحصول على العشور.” وينهام (Wenham)
• عِوَضَ خِدْمَتَهِمْ الَّتِي يَخْدِمُونَهَا: يعني ذلك أن اللاويين كان لهم ’الحق‘ أن يتوقعوا أن يعالوا من خلال العشور. طبَّق بولس هذا المبدأ نفسه على خدام الإنجيل في العهد الجديد (١ كورنثوس ٩: ٧-١٤). ومع ذلك، أظهر بولس أيضًا، من خلال كلماته وحياته، أنه عندما يتعلَّق الأمر بمصلحة الإنجيل، ينبغي التنازل عن هذا الحق طواعيةً لمجد الله وتقدُّم ملكوته (١ كورنثوس ٩: ١٥).
• ومع ذلك، كانت العشور تُجمَع مرة كل ثلاث سنوات، وتوزَّع ليس على اللاويين وحدهم، بل أيضًا على الفقراء والمعوَزين من شعب إسرائيل (تثنية ١٤: ٢٨-٢٩).
• “كانت هذه المدفوعات بمثابة إقرارٍ بالأهمية الكبيرة لخدمة سبط لاوي، لأنهم كانوا يمثِّلون الأمة أمام الله، ويمثِّلون الله أمام الأمة. فبفضل وساطتهم، كان الشعب ينجو من خطر الإبادة. وبالمثل، توقع كلٌّ من يسوع وبولس من الذين سمعوا الإنجيل أن يعترفوا بقيمته عن طريق تقديم دعم مالي كافٍ لخدام الإنجيل (متى ١٠: ٩-١٠؛ ١ كورنثوس ٩: ٣-١٠؛ ١٦: ٢؛ راجع متى ٢٣: ٢٣).” وينهام (Wenham)
• بحسب سفر العدد ٢: ٣٢، كان إجمالي عدد الرجال الخارجين للحرب من بين أسباط إسرائيل الاثني عشر (باستثناء سبط لاوي) هو ٦٠٣,٥٥٠ رجلًا. ويقول سفر العدد ٣: ٣٩ إن عدد رجال سبط لاوي كان ٢٢,٠٠٠ رجلًا. فإذا اعتبرنا أن هؤلاء الرجال المعدودين هم أرباب العائلات، فإن عشور ٦٠٣,٥٥٠ عائلة كان من شأنها إذن أن تعول ٢٢,٠٠٠ عائلة من اللاويين.
• كان هذا دعمًا سخيًّا إلى حد كبير. فإن هذا معناه أن كلَّ عائلة من سبط لاوي كانت تُعال من حوالي ٢٧ عائلة من الأسباط الأخرى. من الصعب أن نجري مقارنة بين اقتصادنا الحديث وبين مجتمع زراعي قديم، لكن إذا افترضنا على سبيل المقارنة أن متوسط دخل كل عائلة إسرائيلية هو ١٠٠٠٠ دولار، وهو الدخل الذي يدفعون منه العشور (أي نسبة ١٠% وهي ١٠٠٠ دولار)، فإن إجمالي عشور ٦٠٣,٥٥٠ عائلة من اللاويين سيبلغ ٦٠٣.٥٥٠.٠٠٠ دولار، أي ما يزيد على ٦٠٣ مليون دولار. وإذا كان العُشر من هذا المبلغ يُعطَى للكهنة (كما أمر الله في سفر العدد ١٨: ٢٥-٣٢)، ثم يُعطَى ثلث المبلغ المتبقي للفقراء والمساكين في إسرائيل (كما ينص تثنية ١٤: ٢٨-٢٩)، سيكون متوسط ما تحصل عليه كل عائلة في سبط لاوي إذن أكثر من ١٦,٠٠٠ دولار (١٦,٤٦٠ دولار تحديدًا)، وهذا دخلٌ أعلى من دخل عائلة إسرائيلية متوسطة الحال بنسبة ١٦٠%. لكن، كان هذا ليتحقَّق بالفعل فقط إذا قدَّمت كل عائلة إسرائيلية عشورها بشكل صحيح.
• بما أنه ليس لدينا أيُّ دليل على أن عائلات اللاويين كانت تتمتع بالثراء، أو تعيش حياة رغدة، فمن المحتمل إذن أنه لم يكن الكثير من الإسرائيليين يدفعون العشور بشكل صحيح، الأمر الذي ذُكِر وشُجِب لاحقًا في ملاخي ٣: ٨-١٠. وربما كان قليل من الإسرائيليين القدامى هم الذين يقدِّمون بالفعل عُشر دخلهم، كما هو حال المؤمنين اليوم. ربما إذن كان هذا النظام الذي وضعه الله ’يضع في اعتباره‘ عصيان بني إسرائيل لهذه الوصية. من ناحيةٍ، إذن، لم يكن دفع كلِّ إسرائيلي عشوره أمرًا ’ضروريًّا‘ لإعالة اللاويين، لكنه كان أمرًا ضروريًّا لإظهار طاعتهم، ولحفظ قلوبهم من الجشع وحب المادة.
٣. اللَّاوِيُّونَ يَخْدِمُونَ خِدْمَةَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَهُمْ يَحْمِلُونَ ذَنْبَهُمْ: يبيِّن ذلك أن اللاويين أيضًا كانت عليهم مسئولية خاصة. فإذا أرادوا أن يُعالوا من العشور، كان عليهم إذن أن يؤدُّوا مهامهم، بل وأن يؤدُّوها باجتهاد.
• ربما لا يوجد ما هو أسوأ من أن يُعال أحدهم من عطايا شعب الله، لكن يكون متكاسلًا في أداء وظيفته. فإذا كان الموظَّف الكسول يُحسَب سارقًا لرب عمله، فكم بالحري يكون الخادم المتكاسل سارقًا لله ولشعبه.
٤. وَفِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ لَا يَنَالُونَ نَصِيبًا: نظير الكهنة، كان هذا الأمر ينطوي على تقديم بعض التنازلات. فلم يحصل اللاويون على كلِّ شيء، إذ لم يكن لهم نصيب شخصي في الأرض مثل الأسباط الأخرى.
• أولئك الذين يعالون من عطايا شعب الله يجب ألا يتوقعوا الحصول على كلِّ شيء. فإنهم لن يكونوا أثرياءً في هذه الحياة. لكن إن أمكن، يجب أن يعيشوا في مستوى جيد ومريح. فمن الخطأ أن تُبقي الكنيسة راعيها ’ذليلًا‘ بسبب الفقر، ومن الخطأ بالقدر نفسه أن يستخدم راعي الكنيسة عطايا شعب الله ليعيش في مستوى أعلى من مستوى معيشة رعيته.
ج) الآيات (٢٥-٣٢): اللاويون يعشرون للكهنة.
٢٥وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٢٦«وَاللاَّوِيُّونَ تُكَلِّمُهُمْ وَتَقُولُ لَهُمْ: مَتَى أَخَذْتُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعُشْرَ الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ مِنْ عِنْدِهِمْ نَصِيبًا لَكُمْ، تَرْفَعُونَ مِنْهُ رَفِيعَةَ الرَّبِّ: عُشْرًا مِنَ الْعُشْرِ، ٢٧فَيُحْسَبُ لَكُمْ. إِنَّهُ رَفِيعَتُكُمْ كَالْحِنْطَةِ مِنَ الْبَيْدَرِ، وَكَالْمِلْءِ مِنَ الْمِعْصَرَةِ. ٢٨فَهكَذَا تَرْفَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا رَفِيعَةَ الرَّبِّ مِنْ جَمِيعِ عُشُورِكُمُ الَّتِي تَأْخُذُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. تُعْطُونَ مِنْهَا رَفِيعَةَ الرَّبِّ لِهَارُونَ الْكَاهِنِ. ٢٩مِنْ جَمِيعِ عَطَايَاكُمْ تَرْفَعُونَ كُلَّ رَفِيعَةِ الرَّبِّ مِنَ الْكُلِّ، دَسَمَهُ الْمُقَدَّسَ مِنْهُ. ٣٠وَتَقُولُ لَهُمْ: حِينَ تَرْفَعُونَ دَسَمَهُ مِنْهُ يُحْسَبُ لِلاَّوِيِّينَ كَمَحْصُولِ الْبَيْدَرِ وَكَمَحْصُولِ الْمِعْصَرَةِ. ٣١وَتَأْكُلُونَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْتُمْ وَبُيُوتُكُمْ، لأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَكُمْ عِوَضَ خِدْمَتِكُمْ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. ٣٢وَلاَ تَتَحَمَّلُونَ بِسَبَبِهِ خَطِيَّةً إِذَا رَفَعْتُمْ دَسَمَهُ مِنْهُ. وَأَمَّا أَقْدَاسُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلاَ تُدَنِّسُوهَا لِئَلاَّ تَمُوتُوا».
١. عُشْرًا مِنَ الْعُشْرِ: لم يُعفَ اللاويون أنفسهم من تقديم العشور. فقد كان عليهم هم أيضًا أن يقدموا عُشْرًا مِنَ الْعُشْرِ، وأن يقدِّموا هذا العشر من دَسَمَهُ. كان هذا رَفِيعَةَ الرَّبِّ، وكان الرب يعطيه للكهنة.
• كان من الضروري أن يتعلَّم اللاويون أيضًا كيف يعطون بسخاء. فإن إعالتهم من عطايا شعب الله لا تعني إعفاءهم من العطاء. فإننا بحاجة جميعًا إلى أن نتعلَّم العطاء، لأن الله هو إله العطاء، وهو يريد أن يتمثَّل شعبه به.
• مِنَ الْكُلِّ، دَسَمَهُ: “كان على اللاويين أن يقدِّموا عشورهم من أفضل ما عندهم، أي من ’دَسَمَهُ‘ (heleb)، وهي الكلمة نفسها التي استُخدِمت لوصف ’كُلُّ دَسَمِ [أفضل ما في] الزَّيْتِ وَكُلُّ دَسَمِ الْمِسْطَارِ وَالْحِنْطَةِ‘ في الآية ١٢.” كول (Cole)
• “يميل الناس، آنذاك وفي يومنا هذا أيضًا، إلى الظن بأنهم إذا أمضوا حياتهم في خدمة الرب، فإنهم يكونون بهذا معفيين من المساهمة المادية في ذلك العمل. وهذا يقودنا إلى فكرةٍ صرنا نلاحظها، للأسف الشديد، بصورة متزايدة في أيامنا هذه، ألا وهي أن دعم الخدمة ماليًّا هو أمر واجبٌ يجب المطالبة به.” ألن (Allen)
٢. مِنْ جَمِيعِ عَطَايَاكُمْ تَرْفَعُونَ كُلَّ رَفِيعَةِ الرَّبِّ: لم يُذكَر ما إذا كان على الكهنة أيضًا أن يقدِّموا العشور ممَّا يُعطَى لهم أم لا. على الأرجح، لم يكن مطلوبًا منهم فعل ذلك، لأن ما كان للكهنة كان يُحسَب مقدسًا، ولا يجوز أن يستخدمه آخرون من خارج العشائر الكهنوتية.
• يبيِّن هذا الإصحاح بوضوح أن التزام شعب إسرائيل بالعطاء كان يتعدَّى كثيرًا مجرد دفع العشور (أي نسبة عشرة بالمائة)، بل كان على الإسرائيلي أيضًا أن يقدِّم باكورات كلِّ محاصيله الزراعية (سفر العدد ١٨: ١٢)، والأبكار من الغنم والبهائم (سفر العدد ١٨: ١٥). وكانت هذه الأنصبة تذهب إلى الكهنة واللاويين.
• كان تقديم أبكار الغنم وباكورات الحقل يُعَد نوعًا من المجازفة والسلوك بالإيمان، وذلك لأن البهيمة التي تلد عجلًا، أو النعجة التي تلد خروفًا، قد لا تلد ثانيةً. والحقل الذي ينتج الحبوب، أو الكرم الذي ينتج العنب، قد لا ينتج المزيد. ولذلك، فإن تقديم الباكورات والأبكار كان وسيلةً لتقديم الأول والأفضل لله، وإعطائه الأولوية. ووعد الله بأن يبارك هذا النوع من العطاء الذي يمارَس بالإيمان، قائلًا: “أَكْرِمِ الرَّبَّ مِنْ مَالِكَ وَمِنْ كُلِّ بَاكُورَاتِ غَلَّتِكَ، فَتَمْتَلِئَ خَزَائِنُكَ شِبْعًا، وَتَفِيضَ مَعَاصِرُكَ مِسْطَارًا” (أمثال ٣: ٩-١٠). اعتدنا كثيرًا أن نعطي مما يتبقَّى، أي من فضلاتنا، لدرجة أن الكثيرين منا يجهلون مبدأ تقديم الأبكار أو الباكورات.
• لم تنته العطايا المطلوبة من إسرائيل عند هذا الحد، لكن طُلِب منهم أيضًا أن يتركوا جزءًا من حصيد أرضهم دون أن يلتقطوه، حتى يتمكن الفقراء من الأكل منه (لاويين ١٩: ٩-١٠). كما طولِبت كل عائلة بتقديم ذبيحة الفصح كل سنة (خروج ١٢: ٤٣-٤٧). وفي بعض الأحيان، كان يُطلب منهم دفع ضريبة للهيكل (نحميا ١٠: ٣٢-٣٣)، أو زكاة خاصة (سفر العدد ٣١: ٢٨-٢٩).
• يصعب تقدير القيمة المالية المحدَّدة لالتزامات الشعب من الباكورات والأبكار، لأن هذا الأمر سيختلف من عائلة إلى الأخرى. لكن العطاء الذي طولِب به شعب إسرائيل فعليًّا كان أكثر بكثير من عشرة بالمائة (أي العُشور).
• يقول البعض إن تثنية ١٢: ٦ يتحدث عن تقديم عُشر إضافي (يُطلَق عليه أحيانًا ’عُشور العيد‘)؛ لكن بحسب السياق، يتحدث تثنية ١٢ فقط عن مكان تقديم العشور، ولا يطالب بتقديم عشور إضافية. كذلك، يزعم البعض أن تثنية ١٤: ٢٨-٢٩ يطالب بتقديم عُشر إضافي كل ثلاث سنوات (ويُطلَق عليه أحيانًا “عُشور الفقراء”). لكن، بما أن تثنية ١٤: ٢٨-٢٩ يتحدث عن العشور، ويَذكُر أن العشور كانت تذهب إلى اللاوي أيضًا، وليس فقط إلى الفقراء، فمن الأفضل أن نفهم إذن أن هذا لم يكن عُشرًا إضافيًّا، بل كان وصية تنص على منح العُشر مرة كل ثلاث سنوات للفقراء أيضًا، وليس فقط للاويين.
• إلى جانب العطاء المنصوص عليه، طُلِب من شعب إسرائيل أيضًا أن يقدِّموا ذبائح طوعية. يتحدَّث هذا الإصحاح عن الذبائح الطوعية، ومنها الرفيعة التي كانت تُعطَى للكهنة (سفر العدد ١٨: ٩-١١).
• لم ينته عطاء شعب إسرائيل الطوعي عند هذا الحد، بل طُلِب منهم أيضًا أن يتبرعوا لإقامة مشروعات خاصة، مثل بناء خيمة الاجتماع (خروج ٣٥: ٤-٩)، وكذلك أن يعطوا الفقراء طواعيةً.