سفر العدد – الإصحاح ٢١
في الطريق إلى كنعان
أولًا. الحية في البرية
أ ) الآيات (١-٣): هزيمة الْكَنْعَانِيُّ مَلِكُ عَرَاد.
١وَلَمَّا سَمِعَ الْكَنْعَانِيُّ مَلِكُ عَرَادَ السَّاكِنُ فِي الْجَنُوبِ أَنَّ إِسْرَائِيلَ جَاءَ فِي طَرِيقِ أَتَارِيمَ، حَارَبَ إِسْرَائِيلَ وَسَبَى مِنْهُمْ سَبْيًا. ٢فَنَذَرَ إِسْرَائِيلُ نَذْرًا لِلرَّبِّ وَقَالَ: «إِنْ دَفَعْتَ هؤُلاَءِ الْقَوْمَ إِلَى يَدِي أُحَرِّمُ مُدُنَهُمْ». ٣فَسَمِعَ الرَّبُّ لِقَوْلِ إِسْرَائِيلَ، وَدَفَعَ الْكَنْعَانِيِّينَ، فَحَرَّمُوهُمْ وَمُدُنَهُمْ. فَدُعِيَ اسْمُ الْمَكَانِ «حُرْمَةَ».
١. سَمِعَ الْكَنْعَانِيُّ مَلِكُ عَرَادَ السَّاكِنُ فِي الْجَنُوبِ أَنَّ إِسْرَائِيلَ جَاءَ: عندما ابتدأ الجيل الجديد من شعب إسرائيل يقترب من كنعان، واجهوا أول جيش معادٍ لهم، بقيادة الْكَنْعَانِيُّ مَلِكُ عَرَادَ.
• يتعارض وصف مَلِكُ عَرَاد مع البيانات الجغرافية والتسلسل الزمني. فإن الموقع المعروف باسم تل عَرَاد يقع غرب البحر الميت، في منتصف الطريق تقريبًا بين بئر سبع والبحر الميت، وعلى بعد نحو ٢٠ ميلًا (٣٢ كيلومترًا) جنوب حبرون. وهذا الموقع أبعد بكثير إلى جهة الشمال من الموقع الذي نتوقع أن يكون شعب إسرائيل فيه في ذلك الوقت، وهو الجزء الجنوبي من أرض كنعان. ولذلك، لا نستطيع أن نتوقع أن يصل شعب إسرائيل إلى هذا الجزء من أرض كنعان إلا بعد جزء لا بأس به من سفر يشوع. كذلك، تعود الأدلة الأثرية المأخوذة من تل عَرَاد إلى فترة زمنية أقدم.
• التفسير المرجَّح إذن هو أن مَلِكُ عَرَادَ كان في ذلك الوقت زعيمًا لمجموعة من الرحالة الذين كانوا يجوبون المنطقة الواقعة جنوب تل عَرَاد (السَّاكِنُ فِي الْجَنُوبِ). وعندما حَارَبَ إِسْرَائِيلَ، كان قد ارتحل لمسافة أبعد إلى الجنوب، حيث كان شعب إسرائيل نازلين.
٢. حَارَبَ إِسْرَائِيلَ وَسَبَى مِنْهُمْ سَبْيًا: بعدما أُسِر بعضٌ من رجال شعب إسرائيل لدى ملك عَرَاد، نذروا نذرًا لله بأن يحَرِّمُوا مدن عراد، بمعنى أن يخصِّصوا مدن عَرَاد لله عن طريق تخريبها بالكامل. وحينئذ، منحهم الله النصر (فَسَمِعَ الرَّبُّ لِقَوْلِ إِسْرَائِيلَ، وَدَفَعَ الْكَنْعَانِيِّينَ).
• فَنَذَرَ إِسْرَائِيلُ نَذْرًا لِلرَّبِّ: “لم يتكل الشعب على مهاراتهم الشخصية في القتال. فقد مكَّنهم الله قبل ذلك من هزيمة العمالقة، والكثير من الأعداء الآخرين. لكن عندما ظهر هذا العدو الجديد، لم يتكلوا على سيوفهم أو رماحهم أو أقواسهم، بل ذهبوا في الحال إلى الرب، وسكبوا أمامه دعواهم، والتمسوا معونته من خلال صلاة متضعة وصادقة.” سبيرجن (Spurgeon)
• شكَّلت هذه المعركة بداية حروب امتلاك شعب إسرائيل لأرض كنعان، وإيقاع الدينونة على الكنعانيين. وقد وردت معظم هذه المعارك في سفر يشوع. لم يكن الهدف من هذه المعارك هو فقط الاستيلاء على الأرض التي وعد بها الله شعب إسرائيل، لكنها أيضًا كانت جزءًا من حرب دينونةٍ فريدة من نوعها على الكنعانيين. فقد كانوا شعبًا آثمًا وفاسدًا للغاية، وأعطاهم الله فعليًّا مئات الأعوام فرصةً للتوبة. وكما استخدم الله في بعض الأحيان أممًا أخرى لإيقاع دينونة على شعبه، هكذا استخدم شعبه في هذه الفترة لإيقاع دينونة على الكنعانيين.
• ولأن تلك الحرب كانت للدينونة، كان على الشعب ألا يأخذوا منها أية غنائم على الإطلاق، بل كان عليهم أن يحَرِّمُوا كل شيء. كانت هناك بضعة أسباب وراء ذلك، لكن واحدًا من أهم هذه الأسباب هو أن الله لم يشأ أن يتربَّح شعبه أو يغتنوا من حربٍ للدينونة. فمثل هذه الحروب هي بمثابة تعبير مقدَّس عن حزن الله على ضرورة إيقاعه دينونةً، وبالتالي فإنه لم يشأ أن يربح شعبه شيئًا منها، أو أن يفرحوا بها. ولذلك، أمرهم بصرامة ألا يحصلوا على أيِّ شيء من غنيمة أية مدينة كنعانية يستولون عليها، وألا يذهب أي شيء من هذه الغنيمة إلى المسكن، أو إلى الكهنة، أو إلى موسى؛ بل ينبغي تحريم الكل، أي تكريسه لله وحده دون استفادة أي شخص آخر به.
٣. فَدُعِيَ اسْمُ الْمَكَانِ «حُرْمَةَ»: في حُرْمَةَ تعرَّض شعب إسرائيل للهزيمة، في محاولتهم الطائشة وغير الحكيمة لدخول أرض الموعد بالقوة، بعد رفضهم دخولها بالإيمان (سفر العدد ١٤: ٤٥). وهنا، أعادهم الله إلى المكان نفسه، ومنحهم نصرةً.
• “هذا الانتصار على الكنعانيين في عَرَاد قدَّم للجيل الجديد عيِّنة من الأمور العظيمة التي تنتظرهم عندما يدخلون أرض الموعد بقوة الله وبقيادة يشوع.” كول (Cole)
ب) الآيات (٤-٥): إسرائيل يتكلَّم على الله من ضيقه من مشقة الرحلة.
٤وَارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ هُورٍ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفٍ لِيَدُورُوا بِأَرْضِ أَدُومَ، فَضَاقَتْ نَفْسُ الشَّعْبِ فِي الطَّرِيقِ. ٥وَتَكَلَّمَ الشَّعْبُ عَلَى اللهِ وَعَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: «لِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ لأَنَّهُ لاَ خُبْزَ وَلاَ مَاءَ، وَقَدْ كَرِهَتْ أَنْفُسُنَا الطَّعَامَ السَّخِيفَ».
١. لِيَدُورُوا بِأَرْضِ أَدُومَ: كان على الشعب أن يبتعدوا كثيرًا عن طريقهم بسبب رفض الأدوميين مرورهم من أرضهم (سفر العدد ٢٠: ١٤-٢١). وكي يدوروا بأرض أدوم، كان عليهم أن يعودوا إلى البرية مرة أخرى، وبالتالي يبتعدوا عن أرض كنعان. لا عجب إذن أن ضَاقَتْ نَفْسُ الشَّعْبِ فِي الطَّرِيقِ.
• كان هذا وضعًا محبطًا، لكنه كان فرصةً أيضًا للوثوق بالله. فإن الإله نفسه الذي أعطاهم لتوِّه النصر في حُرْمَة، وسدَّد كلَّ احتياجاتهم، هو الذي سيرشدهم خلال هذه الانتكاسة.
٢. وَتَكَلَّمَ الشَّعْبُ عَلَى اللهِ وَعَلَى مُوسَى: بدا الجيل الجديد في إسرائيل شبيهًا بالجيل القديم الذي مات في البرية. وفي حال سار هذا الجيل الجديد على خطى آبائهم، لن يصير بإمكانهم أن يمتلكوا أرض كنعان، مثلهم مثل الجيل السابق.
• نستطيع القول إن الجيل الجديد تصرَّف أمام هذه التحديات المبكِّرة بطريقة أسوأ من آبائهم. فقد قيل عن بني إسرائيل في ثمانية مقاطع سابقة (خروج ١٥: ٢٤؛ ١٦: ٢؛ ١٧ :٣؛ سفر العدد ١٢: ١؛ ١٤: ٢؛ ١٦: ٣، ٤١؛ ٢٠: ٢) إنهم تكلَّموا على موسى. وفي تلك المواقف، كان موسى يَعلَم جيدًا (خروج ١٦: ٧-٨)، وكان الرب أيضًا يَعلَم جيدًا (سفر العدد ١٤: ٢٧) أنهم في الحقيقة يتكلَّمون على الله. لكن الشعب لم يكن وقحًا بما يكفي ليفعل ذلك بصورة مباشرة. أما هنا، فقد تجرأ الشعب بما يكفي، إذ تَكَلَّمَ الشَّعْبُ عَلَى اللهِ وَعَلَى مُوسَى.
• كانت هذه مشكلة كبيرة. فقد كانوا على أعتاب أرض كنعان، وصاروا أقرب إليها ممَّا وصل الجيل السابق غير المؤمن، لكنهم ابتدأوا الآن يتصرفون بعدم الإيمان نفسه الذي سلك آباؤهم فيه، بل وأسوأ أيضًا.
• “عندما تسيطر علينا روح التذمُّر، فإننا نتذمَّر على أي شيء وكل شيء، مثلما فعل هؤلاء الإسرائيليون، إذ تذمروا على الله، وعلى موسى، وعلى الْمَنّ. وكانوا على استعداد للتذمر على هارون أيضًا، لكن لحسن حظه، كان قد مات منذ شهر أو ما يقرب من ذلك، ولذلك صبُّوا القدر الأكبر من المرارة والغضب على موسى. فبالنسبة لهؤلاء، لم يكن أي شيء على ما يرام، ولم يكن من الممكن أن يكون كذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَقَدْ كَرِهَتْ أَنْفُسُنَا الطَّعَامَ السَّخِيفَ: نظير جيل آبائهم، ازدرى هذا الجيل أيضًا بعطية الْمَنّ، ودعوه الطَّعَامَ السَّخِيفَ. وكان تذمُّرهم على “بُرَّ [خبز] السَّمَاء” (مزمور ٧٨: ٢٣-٢٤) خطيةً، تمثَّلت في عدم الامتنان لله، الذي كان يعولهم ويحفظهم بطريقة معجزية في البرية.
• “عندما يكون قلب الإنسان عازمًا على التمرُّد، وواقعًا في فخ عدم الرضا، فحتى أفضل عطايا الرب قد تفقد لذتها في عينيه، ولا يمكن لشيء أن يرضيه بالكامل إلا إذا انصلح حال قلبه.” كول (Cole)
ج) الآية (٦): الرب يرسل الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَة.
٦فَأَرْسَلَ الرَّبُّ عَلَى الشَّعْبِ الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَةَ، فَلَدَغَتِ الشَّعْبَ، فَمَاتَ قَوْمٌ كَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيلَ.
١. فَأَرْسَلَ الرَّبُّ عَلَى الشَّعْبِ الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَةَ: يظن البعض أن هذه الْحَيَّاتِ كانت مُحْرِقَةَ من حيث أنها كانت حمراء اللون مثل النار. ويرى آخرون أن لدغتها كانت تتسبب في حروق شديدة، ولذلك سُمِّيت الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَةَ.
• كانت هناك صلة بين ازدراء الشعب بالْمَنّ (سفر العدد ٢١: ٥)، وبين هذه الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَة والسامة:
فلأنهم ازدروا بالخبز النازل من السماء، أرسل إليهم الله حَيَّات من الأرض.
ولأنهم ازدروا ببركات الله، أعطاهم الله سمًّا حارقًا.
ولأنهم ازدروا بالحياة التي أمَّنها الله لهم، أعطاهم الله الموت.
• “بخصوص الهوية المحتمَلة لتلك الحَيَّاتِ الْمُحْرِقَة، اقتُرِحت عدة فصائل من الحَيَّات. وصف ت. إي. لورنس (T. E. Lawrence) بضعة لقاءات له مع الأفاعي ذات القرون، والأفاعي النفاثة، والكوبرا، والثعابين السوداء في شرق الأردن. وتعتبر “الأفعى الحَارِيَة” أفعى سامة للغاية، وهي معروفة في أفريقيا والشرق الأوسط، وبالتالي فربما تكون هي المرشح المرجَّح لتكون الحيات المحرقة.” كول (Cole)
٢. فَأَرْسَلَ الرَّبُّ… الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَةَ: أتت هذه الحَيَّات من عند الله، لتلفت انتباه الشعب إلى تلك المرحلة الحرجة من رحلتهم إلى أرض كنعان. فإذا استمروا في عدم الإيمان الذي نقرأ عنه في الآيات السابقة، لن يمتلكوا هذه الأرض على الإطلاق.
٣. فَمَاتَ قَوْمٌ كَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيلَ: من المحتمَل أن يكون هؤلاء القوم الذين ماتوا ضمن الجيل السابق غير المؤمن. فربما كانت تلك هي وسيلة الله الأخيرة لتتميم وعده بأن يفنى هؤلاء في البرية، ولا يدخلوا أرض الموعد.
د ) الآيات (٧-٩): الخلاص بالنظر إلى الحَيَّة النحاسية.
٧فَأَتَى الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى وَقَالُوا: «قَدْ أَخْطَأْنَا إِذْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَيْكَ، فَصَلِّ إِلَى الرَّبِّ لِيَرْفَعَ عَنَّا الْحَيَّاتِ». فَصَلَّى مُوسَى لأَجْلِ الشَّعْبِ. ٨فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا». ٩فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا.
١. قَدْ أَخْطَأْنَا إِذْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَيْكَ: إذا كان هذا الجيل الجديد قد استطاع ارتكاب خطايا أشر من الجيل السابق له (مثل التذمر السريع والصريح على الرب في سفر العدد ٢١: ٥)، إلا أن قلوبهم كانت أكثر ليونة، وأسرع إلى التوبة. فقد تواضعوا سريعًا أمام الرب وأمام موسى، واعترفوا بخطيتهم بطريقة لائقة.
• “إن إدراكهم السريع لمصدر هذه الحَيَّات، والغرض منها، وتوبتهم السريعة، يجب أن تُحسَب لهم. هكذا حريٌّ بنا نحن أيضًا أن نفسِّر دينونات الله بأنفسنا، دون أن نحتاج إلى موسى ليحثنا على الاتضاع أمامه.” ماكلارين (Maclaren)
٢. فَصَلِّ إِلَى الرَّبِّ: وفي اتضاعهم هذا، طلبوا من موسى أن يصلِّي لأجلهم. وكان هذا تعبيرًا عن ثقتهم بموسى وبالرب أيضًا.
٣. اصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا: أمر الله موسى بأن يصنع حيَّة (فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ)، ويضعها على راية، حتى يحيا كلُّ من ينظر إليها، وهذا ما حدث بالفعل.
• كان هذا أمرًا استثنائيًّا وغير معتاد حتى بين المعجزات الأخرى. فلم تكن هناك أية علاقة منطقية مباشرة بين مجرد النظر إلى حيَّة موضوعة على راية والحياة؛ أو بين رفض النظر إليها والموت. لكن الله أمر بأن يُستخدَم مثل هذا الشيء غير المعتاد – حتى وإن كان ساذجًا وغير معقول – لمنح إسرائيل الخلاص.
٤. فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ: أشار يسوع إلى هذا الحدث اللافت للنظر في يوحنا ٣: ١٤-١٥، قائلًا: “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الْإِنْسَانِ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ.” وقال يسوع بوضوح إنه يوجد تماثل بين ما فعله موسى في هذا المقطع وما فعله يسوع على الصليب.
• تُستخدَم الحَيَّة في غالبية الأحيان في الكتاب المقدس لتمثِّل الشر (تكوين ٣: ١-٥؛ رؤيا ١٢: ٩)، لكن النُحَاس في الكتاب المقدس ارتبط بالدينونة لأنه يُصنَع بالنار. فمن ناحيةٍ، يستقبل النُحَاس نار الدينونة في أثناء صُنعه.
• وبالتالي، فإن الحَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ تشير إلى الشر، لكنها تشير إلى الشر الذي أُدين. فإن يسوع، الذي لم يعرف خطية، صار خطية لأجلنا على الصليب، وأُدينت خطايانا فيه. ولذلك، فإن الحَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ هي صورة للشر الذي أدين وعولِج.
• “فإن البشر الذين يموتون في خطاياهم يخلصون بواسطة جسد إنسان معلَّق على الصليب. وكما كان التلامس الجسدي مستحيلًا بين أولئك الذين لدغتهم الحيات وبين الحية النحاسية، هكذا لا يقدر الخطاة أن يلمسوا جسد المسيح الواهب حياة. لكن في كلتا الحالتين، على المتألمين أن ينتفعوا من قوة الله الشافية بأنفسهم، وذلك عن طريق النظر إلى الحية النحاسية أو عن طريق ’الإيمان بابن الإنسان‘ (يوحنا ٣: ١٥).” وينهام (Wenham)
• إذا كانت الحية قد وُضِعت بشكل أفقي على الراية الرأسية، فسيكون هذا أيضًا رمزًا بصريًّا للصليب. لكن تقول العديد من التقاليد إن الحية كانت ملفوفة حول الراية. وهذا المفهوم هو مصدر الشكل القديم الذي يُعَد رمزًا للشفاء والطب، وهو الثعبان الملفوف حول عمود أو راية.
• “تشبه الراية ذلك الصليب الذي رُفع عليه المسيح لأجل خلاصنا. والنظر إليها يشير إلى إيماننا بالمسيح.” بوله (Poole)
٥. فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا: كان الشعب ينجو من الموت ليس عن طريق فعل أي شيء، بل فقط بمجرد النظر إلى حية النحاس. فقد كان عليهم أن يثقوا بأن فعلًا ساذجًا مثل النظر إلى حية معلقة على راية كافٍ لإنقاذهم. وعلى الأرجح، هلك بعض من شعب إسرائيل لأنهم رأوا أن نوال الحياة بمجرد النظر إلى حية هو أمر ساذج وأحمق بشكل زائد عن الحد.
• عندما تذمر الجيل الجديد من شعب إسرائيل وتشكَّكوا في أوائل هذا الإصحاح، لم تكن أعينهم على الرب إلههم، بل على أنفسهم، وعلى ظروفهم الصعبة، وعلى التحديات التي تنتظرهم. لكن هنا، وضعهم الله في وضعٍ صاروا فيه مجبَرين على النظر إليه.
• لو شاء الله، لجعل تأثير الحية الشافي يتحقَّق عن طريق التلامس، بحيث إذا حكَّ أحدهم الحية يُشفَى. أو ربما كان الشفاء ليتحقق بواسطة الكاهن، أو بواسطة طقس معيَّن. لكن الله لم يختر أيَّا من هذه الطرق، بل كل ما كان على الشخص أن يفعله ليحيا هو أن ينظر.
• إذا بقيت أيُّ ذرة حياة في الشخص الذي تعرَّض للتسمُّم، فإنه يستطيع أن ينظر ويحيا. فبعضٌ من الذين كانوا قد لُدغوا لتوِّهم نظروا إلى الحية وعاشوا، وبعضٌ من الذين كانوا على وشك الموت نظروا إلى الحية وعاشوا. فلم تكن هناك حالة عويصة لدرجة تجعل الشخص ينظر ولا يحيا.
• إن قوة الخلاص الممثَّلة في الحية لا يمكن أن تُستنفَد. فلا حدَّ لعدد الذين يمكنهم أن ينظروا إليها ويحيوا.
• نجد هذه الفكرة لاحقًا في إشعياء ٤٥: ٢٢، “اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الْأَرْضِ، لِأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ.” فربما نكون على استعداد لفعل مئات الأشياء كي نربح خلاصنا بأنفسنا، لكن الله يأمرنا فقط بأن نثق به، أي بأن نلتفت إليه.
• “أولئك الذين نظروا إلى جراحهم، وليس إلى الراية، ماتوا. لكن أولئك الذين نظروا إلى الراية، ولو بعين واحدة، أو بعين تكاد تكون مغمَضة، نالوا الشفاء في الحال. وبالتالي، فإن الذين يركِّزون أنظارهم فقط على خطاياهم، وليس على مخلِّصهم، يقعون في اليأس ويموتون. أما الذين ينظرون إلى المسيح، الذي هو أمينٌ في الضعف، فسيخلصون حتمًا، حتى وإن كانوا ضعفاء في الإيمان.” تراب (Trapp)
• تشارلز سبيرجن، الواعظ العظيم الذي عاش في إنجلترا في العصر الفيكتوري، سلَّم حياته للمسيح بعدما استمع إلى عظة من إشعياء ٤٥: ٢٢، رُبِط فيها هذا النص بحدث رفع موسى الحية في البرية لينظر الشعب إليها ويحيوا. انبهر سبيرجن كثيرًا بهذا الرمز الذي يشير إلى الإنجيل والخلاص في سفر العدد، لدرجة أنه اختار صورةً لموسى وهو يرفع الحية في البرية لتكون شعارًا لمؤلَّفاته.
• أظهر سبيرجن من خلال حياته أننا لسنا فقط ننظر إلى يسوع في بداية حياتنا فيه، لكننا نواصل النظر إليه طوال الوقت، قائلًا: “يا أحبائي، حين أتيتُ أولًا إلى المسيح وأنا خاطئ مسكين، ونظرتُ إليه، رأيتُ وقتها أنه أثمن شيء وقعت عيني عليه على الإطلاق. لكنني في هذه الليلة أيضًا وأنا أعظكم، كنتُ أنظر إليه، متذكرًا إحباطاتي وشكواي. واليوم أيضًا أجد ربي يسوع أعز على قلبي من أيِّ وقت مضى. فقد كنتُ معتلًّا، ومكتئبًا، وأخشى أن أكون قد تمرَّدت أيضًا. ولذلك، فإنني أنظر إليه من جديد، وأخبركم بأنه، في هذه الليلة، يبدو في عيني أجمل مما كان عليه أولًا.”
٦. فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ: أمر الله موسى بأن يصنع تمثالًا لحية، مع أن مثل هذه التماثيل كانت محظورة بموجب خروج ٢٠: ٤. لكن في حقيقة الأمر، حظر خروج ٢٠: ٤ صنع الأوثان، ولم يكن هذا وثنًا، بل كان رمزًا، مصنوعًا بأمرٍ من الله، حتى يمكن للشعب أن ينظروا إليه بالإيمان فيحيوا.
• من المؤسف أنه حتى هذا الرمز الذي صُنِع بأمرٍ من الله تحوَّل إلى وثن. فمن بين الإصلاحات التي أجراها حزقيا الملك، “سَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الْأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ»” (٢ ملوك ١٨: ٤). يستطيع الإنسان الساقط أن يأخذ أيَّ شيء صالح ومجيد من يد الله، ويحوِّله إلى وثنٍ يستفيد منه.
• “من خلال التنقيب في منطقة وادي تمناع، الواقعة على بُعد نحو ١٥ ميلًا (٢٥ كيلومترًا) شمال إيلات، تم التوصُّل إلى براهين مذهلة تؤكِّد هذه القصة الكتابية، أو على الأقل تؤكِد أن تاريخها يعود إلى فترة البرية. فعند سفح واحد من أعمدة سليمان الموجودة في وادي تمناع، عثر روتنبرج (Rothenberg) على معبدٍ للإله المصري حتحور، كان مستخدمًا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وعندما ترك المصريون هذا المعبد نحو سنة ١١٥٠ ق. م.، استولى عليه المديانيون، وغطُّوه بالستائر والشقق لعمل خيمة مقدسة، شبيهة إلى حد ما بخيمة الاجتماع. وداخل هذه الخيمة، في قدس الأقداس، عُثِر على حية من نحاس يبلغ طولها ٥ بوصات (١٢ سم).” وينهام (Wenham)
ثانيًا. في الطريق إلى أرض الموعد
أ ) الآيات (١٠-٢٠): المسير باتجاه موآب.
١٠وَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلُوا فِي أُوبُوتَ. ١١وَارْتَحَلُوا مِنْ أُوبُوتَ وَنَزَلُوا فِي عَيِّي عَبَارِيمَ فِي الْبَرِّيَّةِ، الَّتِي قُبَالَةَ مُوآبَ إِلَى شُرُوقِ الشَّمْسِ. ١٢مِنْ هُنَاكَ ارْتَحَلُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي زَارَدَ. ١٣مِنْ هُنَاكَ ارْتَحَلُوا وَنَزَلُوا فِي عَبْرِ أَرْنُونَ الَّذِي فِي الْبَرِّيَّةِ، خَارِجًا عَنْ تُخُمِ الأَمُورِيِّينَ. لأَنَّ أَرْنُونَ هُوَ تُخْمُ مُوآبَ، بَيْنَ مُوآبَ وَالأَمُورِيِّينَ. ١٤لِذلِكَ يُقَالُ فِي كِتَابِ «حُرُوبِ الرَّبِّ»: «وَاهِبٌ فِي سُوفَةَ وَأَوْدِيَةِ أَرْنُونَ ١٥وَمَصَبِّ الأَوْدِيَةِ الَّذِي مَالَ إِلَى مَسْكَنِ عَارَ، وَاسْتَنَدَ إِلَى تُخُمِ مُوآبَ». ١٦وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى بِئْرٍ. وَهِيَ الْبِئْرُ حَيْثُ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اجْمَعِ الشَّعْبَ فَأُعْطِيَهُمْ مَاءً». ١٧حِينَئِذٍ تَرَنَّمَ إِسْرَائِيلُ بِهذَا النَّشِيدِ: «اِصْعَدِي أَيَّتُهَا الْبِئْرُ! أَجِيبُوا لَهَا. ١٨بِئْرٌ حَفَرَهَا رُؤَسَاءُ، حَفَرَهَا شُرَفَاءُ الشَّعْبِ، بِصَوْلَجَانٍ، بِعِصِيِّهِمْ». وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَتَّانَةَ، ١٩وَمِنْ مَتَّانَةَ إِلَى نَحْلِيئِيلَ، وَمِنْ نَحْلِيئِيلَ إِلَى بَامُوتَ، ٢٠وَمِنْ بَامُوتَ إِلَى الْجِوَاءِ الَّتِي فِي صَحْرَاءِ مُوآبَ عِنْدَ رَأْسِ الْفِسْجَةِ الَّتِي تُشْرِفُ عَلَى وَجْهِ الْبَرِّيَّةِ.
١. وَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلُوا: إلى جانب إشارة هذا المقطع إلى أسماء الأماكن التي مرَّ بها بنو إسرائيل في طريقهم إلى أرض الموعد، وردت فيه مقاطع شعرية قصيرة أيضًا، تعبِّر عن الابتهاج الذي لا بد أنهم شعروا به آنذاك. فقد ساد فيما بينهم فرح شاكر بالطرق التي دبَّر بها الله الماء لهم (وَاهِبٌ فِي سُوفَةَ وَأَوْدِيَةِ أَرْنُونَ… فَأُعْطِيَهُمْ مَاءً). فقد وثق شعب إسرائيل بالله، وهو أعالهم واعتنى بهم.
• كانت المرة الأخيرة التي سمعنا فيها غناء شعب إسرائيل هي عند البحر الأحمر (خروج ١٥). وكان ذلك منذ زمان طويل، أي منذ ما يقرب من ٤٠ سنة. ومرة أخرى، أنشد الشعب هنا أناشيد الفرح.
• أَوْدِيَةِ أَرْنُونَ: وهو وادي الموجب في العصر الحديث، الذي يقع في الأردن، شرق البحر الميت. وكان يقع على الحدود بين أرض الأموريين وأرض الموآبيين. كان شعب إسرائيل يتقدَّم شمالًا على الجانب الشرقي من نهر الأردن.
٢. كِتَابِ «حُرُوبِ الرَّبِّ»: استخدم البعض الإشارات إلى كتب كهذه في الكتاب المقدس حُجةً للدفع بأن الكتاب المقدس غير مكتمل، ومن ثم يجب استكماله بشيء إضافي – شيء إضافي مثل كتاب المورمون. لكن مجرد ذكر اسم كتاب في الكتاب المقدس لا يعني أن هذا الكتاب ينتمي إلى الأسفار المقدسة. صحيح أننا نتمنى أن نرى ونقرأ مثل هذه الكتابات القديمة التي فُقِدت عبر التاريخ، لكن أيَّ شيء موحي به ومهم في مثل هذه الكتابات قد دوِّن لنا في مقاطع مثل سفر العدد ٢١: ١٤-١٥.
• “كان هذا الكتاب على الأرجح عبارة عن تشكيلة قديمة من أناشيد الحرب التي تتغنى بصفات الله.” ألين (Allen)
• اقتبس بولس الرسول من شاعر وثني في أعمال الرسل ١٧: ٢٨. ولا يعني ذلك بالتأكيد أن كلَّ ما كتبه ذلك الشاعر الوثني موحى به من الله، أو أن كتابنا المقدس لن يكتمل دون إضافة النص الكامل الذي كتبه ذلك الشاعر الوثني.
٣. اِصْعَدِي أَيَّتُهَا الْبِئْرُ: يُحيِي هذا النشيد المبهج ذكرى الحدث الذي فيه ساعد رؤساء إسرائيل (شُرَفَاءُ الشَّعْبِ) في حفر الآبار، بل واستخدموا عِصِيِّهِم في ذلك.
• “حفر هؤلاء البئر بعصيهم، وليس بأدوات من الطراز الأول. ألم يكن من الأفضل استخدام المعول والجاروف لإتمام هذه المهمة؟ أجل، لكنهم فعلوا كما أُمِروا، وحفروا بعِصِيِّهِم. وأعتقد أن هذه العصي كانت عِصِيِّهِم الخاصة التي يحملونها في أيديهم، مثلما يفعل شيوخ الشرق، كرمزٍ للسلطة. وهي تشبه إلى حد ما عصي رعاة الغنم.” سبيرجن (Spurgeon)
• “علينا أن نحفر قدر استطاعتنا، ونستخدم كلَّ ما لدينا من إمكانيات. فعلى كلِّ مؤمن أن يحاول اكتشاف ونوال أكبر قدر ممكن من المواهب. أما إذا لم تكن لديك سوى موهبة واحدة، فاستخدم تلك الموهبة الواحدة.” سبيرجن (Spurgeon)
• استخدم ألكسندر ماكلارين (Alexander Maclaren) هذه الفكرة للإشارة إلى عمل يسوع لأجل شعبه، قائلًا: “حفر يسوع البئر بعصا صليبه. لكننا نرجو من الروح القدس، الذي هو ينبوع الماء الحي، الذي يتغذَّى بالماء منذ الأزل، ويعود به إلى منبعه، أن يفيض في تلك البئر بكمية أكبر من المياه، وبقوة أشد.”
ب) الآيات (٢١-٢٣): مقاومة الأموريين.
٢١وَأَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلًا إِلَى سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ قَائِلًا: ٢٢«دَعْنِي أَمُرَّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمِيلُ إِلَى حَقْل وَلاَ إِلَى كَرْمٍ وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ». ٢٣فَلَمْ يَسْمَحْ سِيحُونُ لإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، بَلْ جَمَعَ سِيحُونُ جَمِيعَ قَوْمِهِ وَخَرَجَ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، فَأَتَى إِلَى يَاهَصَ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ.
١. فَلَمْ يَسْمَحْ سِيحُونُ لِإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ: كما حدث مع الأدوميين، لم يسمح الْأَمُورِيُّونَ لشعب إسرائيل بالمرور من أرضهم، مع أن شعب إسرائيل وعدوهم بألا يسبٍّب لهم ذلك أي تكلفة أو متاعب.
٢. بَلْ جَمَعَ سِيحُونُ جَمِيعَ قَوْمِهِ وَخَرَجَ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ: هدَّد الأدوميون شعب إسرائيل، وجمعوا جيوشهم، لكنهم لم يهاجموهم (سفر العدد ٢٠: ١٨-٢١). أما الأموريون، فهاجموا شعب إسرائيل، بقيادة الملك سِيحُون.
• تصير هذه الحادثة أشد إثارة للاهتمام عندما نفكِّر فيما جاء في تثنية ٢: ٣٠، “لَكِنْ لَمْ يَشَأْ سِيحُونُ مَلِكُ حَشْبُونَ أَنْ يَدَعَنَا نَمُرَّ بِهِ، لِأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ قَسَّى رُوحَهُ، وَقَوَّى قَلْبَهُ لِكَيْ يَدْفَعَهُ إِلَى يَدِكَ.” فإن الله قسَّى قلب سِيحُون، كي يخرج للحرب وينهزم، ومن ثَمَّ يتمكن شعب إسرائيل من امتلاك أرضه.
• لم يكن ظلمًا من الله أن يقسِّي قلب سِيحُون، لأن سِيحُون لم يكن في الأصل يكنُّ أيَّة مشاعر إيجابية تجاه شعب إسرائيل. وبالتالي، فإن الله لم يغيِّر مشاعر سِيحُون، ليدفعه إلى أن يهاجم إسرائيل، لكننه ببساطة أسلم سِيحُون لشهوة قلبه الشرير.
ج) الآيات (٢٤-٣٢): هزيمة الملك سِيحُون والأموريين على يد بني إسرائيل.
٢٤فَضَرَبَهُ إِسْرَائِيلُ بِحَدِّ السَّيْفِ وَمَلَكَ أَرْضَهُ مِنْ أَرْنُونَ إِلَى يَبُّوقَ إِلَى بَنِي عَمُّونَ. لأَنَّ تُخُمَ بَنِي عَمُّونَ كَانَ قَوِيًّا. ٢٥فَأَخَذَ إِسْرَائِيلُ كُلَّ هذِهِ الْمُدُنِ، وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي جَمِيعِ مُدُنِ الأَمُورِيِّينَ فِي حَشْبُونَ وَفِي كُلِّ قُرَاهَا. ٢٦لأَنَّ حَشْبُونَ كَانَتْ مَدِينَةَ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ، وَكَانَ قَدْ حَارَبَ مَلِكَ مُوآبَ الأَوَّلَ وَأَخَذَ كُلَّ أَرْضِهِ مِنْ يَدِهِ حَتَّى أَرْنُونَ. ٢٧لِذلِكَ يَقُولُ أَصْحَابُ الأَمْثَالِ: «اِيتُوا إِلَى حَشْبُونَ فَتُبْنَى، وَتُصْلَحَ مَدِينَةُ سِيحُونَ. ٢٨لأَنَّ نَارًا خَرَجَتْ مِنْ حَشْبُونَ، لَهِيبًا مِنْ قَرْيَةِ سِيحُونَ. أَكَلَتْ عَارَ مُوآبَ. أَهْلَ مُرْتَفَعَاتِ أَرْنُونَ. ٢٩وَيْلٌ لَكَ يَا مُوآبُ. هَلَكْتِ يَا أُمَّةَ كَمُوشَ. قَدْ صَيَّرَ بَنِيهِ هَارِبِينَ وَبَنَاتِهِ فِي السَّبْيِ لِمَلِكِ الأَمُورِيِّينَ سِيحُونَ. ٣٠لكِنْ قَدْ رَمَيْنَاهُمْ. هَلَكَتْ حَشْبُونُ إِلَى دِيبُونَ. وَأَخْرَبْنَا إِلَى نُوفَحَ الَّتِي إِلَى مِيدَبَا». ٣١فَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي أَرْضِ الأَمُورِيِّينَ. ٣٢وَأَرْسَلَ مُوسَى لِيَتَجَسَّسَ يَعْزِيرَ، فَأَخَذُوا قُرَاهَا وَطَرَدُوا الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ هُنَاكَ.
١. فَضَرَبَهُ إِسْرَائِيلُ بِحَدِّ السَّيْفِ وَمَلَكَ أَرْضَهُ: نفهم الآن مدى إحسان الله ورحمته تجاه شعب إسرائيل. فقبل أن يواجهوا محاربي كنعان الأشداء، أعطاهم الله أعداء أصغر ومعارك أصغر ليقاتلوا فيها. ندرك هنا إذن مدى حماقة عدم إيمان الجيل السابق.
٢. وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي جَمِيعِ مُدُنِ الْأَمُورِيِّينَ: مع أن هذه الأرض كانت لا تزال على الجانب الشرقي من نهر الأردن، فإنها كانت أول أرض امتلكها شعب إسرائيل منذ خروجهم من أرض مصر. وهكذا، استطاع شعب إسرائيل للمرة الأولى أن يسكن في مُدُن، هي مُدُنِ الْأَمُورِيِّينَ التي استولوا عليها. وأصبحت هذه الأرض فيما بعد هي نصيب سبط رأوبين، وسبط جاد، ونصف سبط منسَّى (سفر العدد ٣٢).
٣. نَارًا خَرَجَتْ مِنْ حَشْبُونَ … وَيْلٌ لَكَ يَا مُوآبُ: هذا اقتباسٌ من نشيدٍ قديمٍ للأموريين، يحتفل بانتصار سِيحُون على مُوآب. والفكرة المقصودة هنا هي أنه إذا كان سِيحُون قد هزم مُوآب، وإذا كان شعب إسرائيل قد هزموا سِيحُونَ والْأَمُورِيِّينَ (كما ورد في سفر العدد ٢١: ٢٤)، فمن المؤكَّد إذن أن شعب إسرائيل قادر على هزيمة الموآبيين، وسوف يهزمهم بالفعل.
• هذا النشيد “هو الذي يُطلَق عليه اسم نشيد حشبون، وهو قصيدة قديمة للغاية، يبدو أنها من تأليف شعراء الأموريين، للاحتفال بانتصار سيحون على موآب. وربما أُدرِج النشيد في هذا المقطع لتبرير حق شعب إسرائيل في امتلاك الأرض.” وينهام (Wenham)
• ما يبدو هنا أنه تأكيدٌ على هزيمة موآب يهيئ القارئ لقصة بالاق وبلعام، التي جاءت في الإصحاحات التالية. “كان موآب هو الخصم التالي، وبدت هزيمتهم وشيكة. ولهذا السبب، أراد بالاق ملك موآب أن ينقل ساحة المعركة من عالم البشر إلى عالم الآلهة.” ألن (Allen)
• كان الموآبيون يُسمُّون أُمَّةَ كَمُوشَ، لأن كَمُوش هو الوثن الذي كانوا يعبدونه.
• وَأَرْسَلَ مُوسَى لِيَتَجَسَّسَ يَعْزِيرَ: “لا بد أن هؤلاء الجواسيس فَعَلوا ما أُمِروا به، على عكس الجواسيس المتمرِّدين الذي نقرأ عنهم في سفر العدد ١٣-١٤.” ألن (Allen)
د ) الآيات (٣٣-٣٥): هزيمة الملك عُوج، وأرض باشان.
٣٣ثُمَّ تَحَوَّلُوا وَصَعِدُوا فِي طَرِيقِ بَاشَانَ. فَخَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِهِمْ هُوَ وَجَمِيعُ قَوْمِهِ إِلَى الْحَرْبِ فِي إِذْرَعِي. ٣٤فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «لاَ تَخَفْ مِنْهُ لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ إِلَى يَدِكَ مَعَ جَمِيعِ قَوْمِهِ وَأَرْضِهِ، فَتَفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِ فِي حَشْبُونَ». ٣٥فَضَرَبُوهُ وَبَنِيهِ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَارِدٌ، وَمَلَكُوا أَرْضَهُ.
١. فَخَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِهِمْ: كانت هذه معركةً أخرى لم يبادر بها شعب إسرائيل. ومع ذلك، كانوا على مستوى التحدي. وبفضل إلههم، حقَّقوا نصرًا مجيدًا.
٢. لَا تَخَفْ مِنْهُ لِأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ إِلَى يَدِكَ: كان هذا التشجيع ضروريًا، لأن عُوج ملك بَاشَان كان معروفًا بحجمه الضخم وقوته الشديدة. يقول تثنية ٣: ١١ “إِنَّ عُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ وَحْدَهُ بَقِيَ مِنْ بَقِيَّةِ الرَّفَائِيِّينَ.”
٣. وَمَلَكُوا أَرْضَهُ: أصبحت هذه الأرض أيضًا جزءًا من أمة إسرائيل، ونصيبًا للأسباط التي سكنت شرقي الأردن.
• شهد هذا الإصحاح بدايةً من عدم الإيمان في الجيل الجديد من شعب إسرائيل. لكن بعد واقعة الحية النحاسية، وضع شعب إسرائيل ثقتهم في الله، فشهدوا العديد من الانتصارات، وابتدأوا يمتلكون الأرض. ومع ذلك، كانت تحديات كثيرة لا تزال تنتظرهم.