سفر العدد – الإصحاح ٣٥
مدن اللاويين، ومدن الملجأ
أولًا. تحديد مدن اللاويين
أ ) الآيات (١-٣): الأمر بمنح اللاويين مدنًا وأراضي للرَّعي حولها.
١ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا قَائِلًا: ٢«أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُعْطُوا اللاَّوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِ مُلْكِهِمْ مُدُنًا لِلسَّكَنِ، وَمَسَارِحَ لِلْمُدُنِ حَوَالَيْهَا تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ. ٣فَتَكُونُ الْمُدُنُ لَهُمْ لِلسَّكَنِ وَمَسَارِحُهَا تَكُونُ لِبَهَائِمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلِسَائِرِ حَيَوَانَاتِهِمْ.
١. أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُعْطُوا اللَّاوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِ مُلْكِهِمْ مُدُنًا لِلسَّكَنِ: لم تكن لسبط لاوي ’مدينة‘ أو ’مقاطعة‘ داخل إسرائيل، بل كان الرب وحده هو نصيبهم: “وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: لَا تَنَالُ نَصِيبًا فِي أَرْضِهِمْ، وَلَا يَكُونُ لَكَ قِسْمٌ فِي وَسَطِهِمْ. أَنَا قِسْمُكَ وَنَصِيبُكَ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.” (سفر العدد ١٨: ٢٠)
• إن منح اللاويين مُدُنًا… وَمَسَارِحُهَا (مراعي) لم يكن يتعارض مع المبدأ القائل إن الرب هو نصيب اللاويين. “حتى مع حساب مساحة أراضي رعي الماشية المحيطة بهذه المدن، سنجد أن المساحة الإجمالية التي خُصِّصت للاويين في الأرض كانت تبلغ ١٥ ميلًا مربعًا (٤٠ كيلومترًا مربعًا)، وهو ما يمثل نحو ٠.١% من مساحة أرض كنعان. وفي مجتمع تُعتبَر فيه الأراضي الزراعية ثروة، كان هذا الجزء الضئيل من الأرض يعني أن اللاويين سيظلُّون معتمدين على سخاء الأسباط التي يعيشون بينها.” وينهام (Wenham)
٢. فَتَكُونُ الْمُدُنُ لَهُمْ لِلسَّكَنِ: كان لا بد في النهاية أن يسكن اللاويون في مكانٍ ما. ولذلك، أمر الله كلَّ سبط بأن يعطي اللاويين مدنًا، بحيث ينتشر اللاويون في كلِّ أنحاء الأمة. وهذه المدن خُصِّصت بصورة رسمية للاويين في يشوع ٢١.
• “لكننا نقرأ بالفعل عن مدن الكهنة في الأسفار اللاحقة. وتُعَد مدينة عناثوث هي أشهر هذه المدن (يشوع ٢١: ١٨؛ ١ملوك ٢: ٢٦؛ إرميا ١: ١؛ ٣٢: ٧-٨). لكن تتبادر إلى أذهاننا أيضًا مدينة بيت إيل (قضاة ٢٠: ١٨؛ ١صموئيل ١٠: ٣؛ ٢ملوك ١٧: ٢٨)، ومدينة نوب (١صموئيل ٢١: ١؛ ٢٢: ١٩)، ومدينة شيلوه (١صموئيل ١: ٣).” ألين (Allen)
ب) الآيات (٤-٥): قياس المَسَارِح/المراعي المحيطة بكل مدينة.
٤وَمَسَارِحُ الْمُدُنِ الَّتِي تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ تَكُونُ مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الْخَارِجِ أَلْفَ ذِرَاعٍ حَوَالَيْهَا. ٥فَتَقِيسُونَ مِنْ خَارِجِ الْمَدِينَةِ جَانِبَ الشَّرْقِ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ، وَجَانِبَ الْجَنُوبِ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ، وَجَانِبَ الْغَرْبِ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ، وَجَانِبَ الشِّمَالِ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ، وَتَكُونُ الْمَدِينَةُ فِي الْوَسَطِ. هذِهِ تَكُونُ لَهُمْ مَسَارِحَ الْمُدُنِ.
١. تَكُونُ مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الْخَارِجِ أَلْفَ ذِرَاعٍ حَوَالَيْهَا: إن التحديد الفعلي لمعالم هذه الأراضي بناءً على هذه الأبعاد قد يشكِّل تحديًا. كان وينهام (Wenham) هو أفضل من قدَّم توضيحًا لها، مدرِجًا أيضًا بعض المخططات المفيدة.
• “استُخدِم هذا المقطع في وقت لاحق من التاريخ اليهودي كأساسٍ لتحديد ’المسافة المسموحة للتنقل يوم السبت،‘ التي كانت تبلغ في العموم ألفي ذراع من باب المدينة. وبالتالي، كانت المسافة تزداد باتساع المدينة واتساع محيط أسوارها.” كول (Cole)
٢. تَكُونُ لَهُمْ مَسَارِحَ الْمُدُنِ: كان ينبغي ألا يُعطى اللاويون المدن فحسب، بل مَسَارِحَ أيضًا حول كل مدينة، أي أراضٍ صالحة لرعي حيواناتهم، وللزراعة على نطاق ضيق.
ج) الآيات (٦-٨): عدد مدن اللاويين وتوزيعها.
٦«وَالْمُدُنُ الَّتِي تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ تَكُونُ سِتٌّ مِنْهَا مُدُنًا لِلْمَلْجَأِ. تُعْطُونَهَا لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ. وَفَوْقَهَا تُعْطُونَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَدِينَةً. ٧جَمِيعُ الْمُدُنِ الَّتِي تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ ثَمَانِي وَأَرْبَعُونَ مَدِينَةً مَعَ مَسَارِحُهَا. ٨وَالْمُدُنُ الَّتِي تُعْطُونَ مِنْ مُلْكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ الْكَثِيرِ تُكَثِّرُونَ، وَمِنَ الْقَلِيلِ تُقَلِّلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ نَصِيبِهِ الَّذِي مَلَكَهُ يُعْطِي مِنْ مُدُنِهِ لِلاَّوِيِّينَ».
١. وَالْمُدُنُ الَّتِي تُعْطُونَ اللَّاوِيِّينَ: كان ينبغي أن يكون إجمالي مدن اللاويين ٤٨ مدينة، ست منها هي مدن الملجأ، و٤٢ مدينة إضافية. فقد كان الله يريد أن ينتشر اللاويون في كل أنحاء إسرائيل.
• “وهكذا، نُشِر اللاويون في كل أرجاء أرض كنعان، حتى يتسنَّى لهم أن يعلِّموا الشعب. وبالمثل، على خدام الإنجيل، الذين يصح أن يُطلَق عليهم ملح الأرض، أن يُرَشُّوا إلى أعلى وأسفل، حتى يتسنَّى لهم أن يحفظوا الآخرين من الفساد والتعفُّن.” تراب (Trapp)
٢. مِنَ الْكَثِيرِ تُكَثِّرُونَ، وَمِنَ الْقَلِيلِ تُقَلِّلُونَ: كان ينبغي توزيع المدن بالتناسب في أنحاء الأمة، بحيث يقع عدد أكبر من مدن اللاويين في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية وذات المساحات الأكبر من الأرض، وذلك لئلا يكون أي شخص في إسرائيل بعيدًا عن مدن الملجأ.
٣. كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ نَصِيبِهِ الَّذِي مَلَكَهُ: وهذا يعكس رغبة الله في توزيع اللاويين – الذين من المفترض أنهم كانوا الأكثر تركيزًا على الأمور الروحية بين الإسرائيليين، مثل الخدام المتفرغين، إذا جاز التعبير – بالتساوي والتناسب في أنحاء إسرائيل، بحيث يكون تأثيرهم موزَّعًا على الأمة بأكملها.
• وهذا يبيِّن حكمة الله في عدم تخصيص أرضٍ للاويين يضطر الآخرون أن يذهبوا إليها. فقد قصد الله أن يَخرُج هؤلاء الخدام ليكونوا في وسط الشعب، كي يؤثروا فيهم روحيًّا.
• بحسب اللاويين ١٠: ١١، كانت واحدة من مسؤوليات الكهنة (وبالتالي اللاويين أيضًا) هي تعليم كلمة الله لشعب إسرائيل. يقول لاويين ١٠: ١١، “وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا.”
• كثيرًا ما نغفل عن هذه المسؤولية التي أُلقيت على عاتق الكهنة وأعوانهم من اللاويين. فإننا نميل إلى أن ننظر إليهم فقط على أنهم كانوا يقدِّمون الذبائح. وقد كانوا يفعلون ذلك بالتأكيد، لكنهم كانوا مدعوِّين أيضًا إلى أن يكونوا معلِّمين نشطين للكتاب المقدس. ونقرأ عن ’الكاهن المُعلِّم‘ في العديد من مقاطع العهد القديم.
التثنية ٣٣: ١٠، “يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ.”
٢أخبار الأيام ١٧: ٧، “وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِمُلْكِهِ أَرْسَلَ إِلَى رُؤَسَائِهِ، إِلَى بِنْحَائِلَ وَعُوبَدْيَا وَزَكَرِيَّا وَنَثَنْئِيلَ وَمِيخَايَا أَنْ يُعَلِّمُوا فِي مُدُنِ يَهُوذَا.”
٢أخبار الأيام ١٥: ٣، “وَلِإِسْرَائِيلَ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ بِلَا إِلَهٍ حَقٍّ وَبِلَا كَاهِنٍ مُعَلِّمٍ وَبِلَا شَرِيعَةٍ.”
نحميا ٨: ٧، “وَيَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايُ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلَايَا وَاللَّاوِيُّونَ أَفْهَمُوا الشَّعْبَ الشَّرِيعَةَ.”
ميخا ٣: ١١، “رُؤَسَاؤُهَا يَقْضُونَ بِالرَّشْوَةِ، وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ بِالْأُجْرَةِ، وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِالْفِضَّةِ.”
حزقيال ٧: ٢٦، “سَتَأْتِي مُصِيبَةٌ عَلَى مُصِيبَةٍ، وَيَكُونُ خَبَرٌ عَلَى خَبَرٍ، فَيَطْلُبُونَ رُؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ، وَالشَّرِيعَةُ تُبَادُ عَنِ الْكَاهِنِ، وَالْمَشُورَةُ عَنِ الشُّيُوخِ.”
ملاخي ٢: ٧، “لِأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لِأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ.”
عزرا ٧: ٢٥، “أَمَّا أَنْتَ يَا عَزْرَا، فَحَسَبَ حِكْمَةِ إِلَهِكَ الَّتِي بِيَدِكَ ضَعْ حُكَّامًا وَقُضَاةً يَقْضُونَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ الَّذِي فِي عَبْرِ النَّهْرِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَعْرِفُ شَرَائِعَ إِلَهِكَ. وَالَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ فَعَلِّمُوهُمْ.”
هوشع ٤: ٦، “قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لِأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لَا تَكْهَنَ لِي. وَلِأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ.”
إرميا ١٨: ١٨، “فَقَالُوا: هَلُمَّ فَنُفَكِّرُ عَلَى إِرْمِيَا أَفْكَارًا، لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَبِيدُ عَنِ الْكَاهِنِ، وَلَا الْمَشُورَةَ عَنِ الْحَكِيمِ، وَلَا الْكَلِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ.”
• وبانتشارهم بالتساوي في أنحاء أرض كنعان، لن يكون أيُّ شخص في إسرائيل بعيدًا عن خدمة كلمة الله.
• واليوم أيضًا، يريد الله أن ينتشر شعبه على نطاق واسع في أنحاء العالم. فلم يشأ الله أن تكون هناك دولة أو مدينة مسيحية يعيش فيها كلُّ المؤمنين معًا في نعيم روحي، ويقولون للعالم بكل بساطة: “تعالوا وانضموا إلينا إذا شئتم.” بل بالأحرى، يريد الله أن يُرَش المؤمنون كالملح في أنحاء العالم بأكمله، كي يحثُّوا الناس على اتباع يسوع المسيح، ويكونوا رسلًا لكلمته.
ثانيًا. مدن الملجأ
أ ) الآيات (٩-١٢): الغرض من مدن الملجأ.
٩وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ١٠«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. ١١فَتُعَيِّنُونَ لأَنْفُسِكُمْ مُدُنًا تَكُونُ مُدُنَ مَلْجَأٍ لَكُمْ، لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسًا سَهْوًا. ١٢فَتَكُونُ لَكُمُ الْمُدُنُ مَلْجًَا مِنَ الْوَلِيِّ، لِكَيْلاَ يَمُوتَ الْقَاتِلُ حَتَّى يَقِفَ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ لِلْقَضَاءِ.
١. فَتُعَيِّنُونَ… مُدُنًا تَكُونُ مُدُنَ مَلْجَإٍ: هذه الوصية بتعيين مُدُنَ مَلْجَإٍ نُفِّذت فعليًّا في يشوع ٢٠. ويخبرنا تثنية ١٩: ٢-٣ بأنه كان ينبغي إنشاء وصيانة وإصلاح طرق جيدة وممهَّدة تؤدِّي إلى هذه المدن. فلم تكن هذه المدن لتجدي القاتل بشيء إذا لم يتمكن من الوصول إليها سريعًا.
• مع أن يشوع ٢٠ تحدَّث عن تأسيس هذه المدن، لا توجد أيُّ واقعة في تاريخ العهد القديم تشير إلى استخدام، أو حتى إساءة استخدام، مُدُنَ المَلْجَإٍ.
٢. لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسًا سَهْوًا: كان الغرض من مدن الملجأ هو حماية الْقَاتِلُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسًا سَهْوًا. فقد كان من المفترَض أن تحمي هذه المدن أي شخص في حالة القتل السهو (غير العمد)، وليس القتل العمد.
• “الكلمة العبرية bisgaga، التي تُرجمت إلى ’سهوًا‘ تُرجِمت هكذا أيضًا في سفر العدد ١٥: ٢٢-٢٩، وهو المقطع الذي تناول الأمور الخاصة بالتكفير عن خطايا السهو.” كول (Cole)
٣. فَتَكُونُ لَكُمُ الْمُدُنُ مَلْجًَا مِنَ الْوَلِيِّ: يحتاج الشخص الذي قتل شخصًا آخر سهوًا (عن غير قصد) إلى حمايةٍ من الْوَلِيِّ. الأصل العبري لكلمة الْوَلِيِّ هو goel، ومعناها في هذا السياق الشخص الممثِّل لعائلة المجني عليه، والمكلَّف بالحرص على تطبيق العدالة ضد من قتل فردًا من عائلته.
• في الثقافة الإسرائيلية القديمة، لم يكن أمر الانتقام من القاتل متروكًا بالكامل في يد السلطة الحاكمة، بل كان لكلِّ عائلة كبيرة وَلِيِّ معروف، يحرص على أن يُقتَل الشخص الذي قتل أحد أفراد عائلته. لا نجد أية وصية في الكتاب المقدس تنص على تعيين وَلِيِّ للعائلة، بل كانت هذه ممارسة ثقافية عامة يحكمها وينظمها الكتاب المقدس.
• بُنيت هذه الممارسة على فهم سليم لما جاء في تكوين ٩: ٦، “سَافِكُ دَمِ الْإِنْسَانِ بِالْإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لِأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الْإِنْسَانَ.” كذلك، يذكر العهد الجديد حقَّ الدولة في استخدام سيف حُكم الإعدام (رومية ١٣: ٣-٤).
• “وليُّ الدم هو أحد أقارب القتيل، الذي سيأخذ على عاتقه مسؤولية حماية حقوق العائلة، والانتقام لأقاربه من أجل الخسارة التي لحقت بالعائلة. وفي حقيقة الأمر، كلمة goel، التي تُترجَم في المعتاد إلى ’الْوَلِيِّ‘ أو ’الفادي،‘ تحمل هذه الفكرة الأساسية نفسها. فإن الْوَلِيِّ هو في الأساس ’حامي حقوق العائلة‘ (انظر لاويين ٢٥: ٤٨؛ راعوث ٣: ١٣).” ألن (Allen)
• “لم يكن السماح بتنفيذ هذا الفعل حقًّا مطلقًا بلا أي قيودٍ. يشير هاورد (Howard) إلى أن ’وليَّ الدم‘ لم يكن يملك الحرية في الانتقام لنفسه، وذلك لأن الكتاب المقدس يحتفظ بوضوح بحق النقمة لله وحده (تثنية ٣٢: ٣٥؛ إشعياء ٣٤: ٨؛ رومية ١٢: ١٩).” كول (Cole)
٤. لِكَيْلَا يَمُوتَ الْقَاتِلُ حَتَّى يَقِفَ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ لِلْقَضَاءِ: كان لاستخدام الْوَلِيِّ مبرِّره في مجتمعٍ لا توجد فيه مؤسسات عدالة متطوِّرة بما يكفي. ومع ذلك، كان لهذا النظام موطنُ ضعفٍ بالغ الأهمية. فماذا لو طارد الْوَلِيِّ شخصًا قتل أحدهم سهوًا، وليس عمدًا؟ وماذا لو كان من الصعب إثبات أن القتل كان سهوًا (عن غير قصد)؟
• نستطيع أن نتخيَّل هذا الوضع بسهولة. فعلى سبيل المثال، كان رجلان يعملان معًا في قطع الأشجار، ثم لوَّح أحدهما بالفأس، فانفصلت رأس الفأس، وطارت، وضربت الرجل الآخر في رأسه، فقتلته في الحال. سيكون لهذا الرجل إذًا سبب وجيه يدعوه للاعتقاد بأن ولي الدم الذي ينتمي إلى عائلة القتيل سيتعقبه ويقتله، ظنًّا منه أن الوفاة كانت نتيجة القتل العمد.
• “ثمة احتمال كبير أن نرتكب الظلم باسم العدالة. ولهذا السبب، عُيِّنت هذه المدن.” مورجان (Morgan)
• لذلك، يستطيع مثل هذا أن يهرب إلى إحدى مدن الملجأ، أي إلى إحدى المدن المعيَّنة للاويين، حيث يقيم في مأمن من وليِّ الدم، إلى أن يتمكن من الوقوف أَمَامَ الْجَمَاعَةِ لِلْقَضَاءِ، وحينئذ يستطيع أن يغادر مدينة الملجأ دون خوفٍ.
ب) الآيات (١٣-١٤): تحديد أماكن مدن الملجأ.
١٣وَالْمُدُنُ الَّتِي تُعْطُونَ تَكُونُ سِتَّ مُدُنِ مَلْجَأٍ لَكُمْ. ١٤ثَلاَثًا مِنَ الْمُدُنِ تُعْطُونَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، وَثَلاَثًا مِنَ الْمُدُنِ تُعْطُونَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. مُدُنَ مَلْجَأٍ تَكُونُ.
١. تَكُونُ سِتَّ مُدُنِ مَلْجَإٍ لَكُمْ: كان ينبغي تعيين ست مدن ملجأ، بحيث تكون ثلاثة منها على كل جانب من جانبي نهر الأردن. وستوزَّع كل مدينة من المدن الثلاث على أيٍّ من الجانبين بين الشمال والوسط والجنوب.
• نقرأ في يشوع ٢٠: ٧-٨ عن الاختيار الفعلي لتلك المدن. وقد تمَّم هذا الاختيار على أكمل وجه خطة توزيع المدن بالتساوي. ونقرأ في تثنية ١٩: ٣ أيضًا عن ضرورة إنشاء وصيانة وإصلاح طرق ممهَّدة تؤدِّي إلى مدن الملجأ هذه. فلم تكن مدينة الملجأ لتجدي القاتل بشيء إذا لم يتمكن من الوصول إليها سريعًا.
• “المدن التي وقع عليها الاختيار لاحقًا لتكون مدن ملجأ هي: بَاصَرَ، وَرَامُوتَ جِلْعَادَ، وَجُولَانَ في شرق الأردن، وحَبْرُونُ، وَشَكِيمَ، وقَادَشَ في غرب الأردن (انظر تثنية ٤: ٤٣؛ يشوع ٢٠: ٧-٨؛ ٢١: ١٣، ٢١، ٢٧، ٣٢، ٣٦، ٣٨).” ألين (Allen)
٢. مُدُنَ مَلْجَإٍ تَكُونُ: يعني ذلك أن تلك المدن كانت قريبة من الجميع. فلم يكن أحدٌ بعيدًا عن أية مدينة من مدن الملجأ. يمثِّل هذا أهمية حيوية ولا سيما عندما يكون ولي الدم بصدد مطاردة القاتل.
ج) الآية (١٥): الأشخاص الذين لهم حق الاحتماء بمدن الملجأ.
١٥لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ وَلِلْمُسْتَوْطِنِ فِي وَسَطِهِمْ تَكُونُ هذِهِ السِّتُّ الْمُدُنِ لِلْمَلْجَأِ، لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا سَهْوًا.
١. لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا سَهْوًا: كان مسموحًا لأي شخصٍ – سواء كان غَرِيبًا أو مواطنًا إسرائيليًّا – بالاحتماء بمدن الملجأ، لأن الاحتماء بتلك المدن لم يكن قاصرًا على بني إسرائيل.
د ) الآيات (١٦-٢١): كيفية تحديد القتل العمد.
١٦«إِنْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ حَدِيدٍ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ. ١٧وَإِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرِ يَدٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ. ١٨أَوْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ يَدٍ مِنْ خَشَبٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ. ١٩وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ. حِينَ يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ. ٢٠وَإِنْ دَفَعَهُ بِبُغْضَةٍ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا بِتَعَمُّدٍ فَمَاتَ، ٢١أَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ بِعَدَاوَةٍ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الضَّارِبُ لأَنَّهُ قَاتِلٌ. وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ حِينَ يُصَادِفُهُ.
١. فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ: من الجدير بالملاحظة أن الكتاب المقدس ميَّز بوضوح بين القتل السهو والقتل العمد. فكلاهما قتل، لكن ليس كلاهما قتلًا عن عمد. ولذلك، يحتاج المجتمع إلى قوانين ترسِّخ المبادئ التي تفصل بين القتل السهو والقتل العمد.
٢. إِنْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ حَدِيدٍ: يمكن تحديد القتل العمد من خلال الأداة المستخدمة. فإذا كانت أَدَاةِ حَدِيدٍ (من المرجَّح أن تسبِّب القتل)، أو حَجَر، أو أَدَاةِ يَدٍ مِنْ خَشَبٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ، فعندئذ يدان القاتل بتهمة القتل العمد.
٣. وَإِنْ دَفَعَهُ بِبُغْضَةٍ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا بِتَعَمُّدٍ فَمَاتَ: كما يمكن تحديد القتل العمد عن طريق الحالة القلبية للقاتل، ووجود سبق الإصرار. فإذا حدث القتل بِتَعَمُّدٍ، أو إذا ضرب القاتل الشخص بِعَدَاوَةٍ، يكون مذنبًا بالقتل العمد.
٤. وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ حِينَ يُصَادِفُهُ: إذا أمكن التأكُّد بالصواب من أن ما حدث هو قتل عمد، فعندئذٍ يجب أن يُقْتَلُ… الْقَاتِلَ، سواء على يد قضاة إسرائيل أو على يد وَلِيُّ الدَّم.
• “إذا ارتكب أحدهم ’خطية بيد رفيعة،‘ أي عن عمدٍ، مزدريًا بكلام الرب، يجب أن تُقطع تلك النفس من شعبها. وبالمثل، لم يكن القاتل عن عمدٍ ليُمنَح أية فرصة للُّجوء أو طلب الحماية بموجب الشريعة.” كول (Cole)
هـ) الآيات (٢٢-٢٤): كيفية تحديد القتل السهو (غير العمد).
٢٢وَلكِنْ إِنْ دَفَعَهُ بَغْتَةً بِلاَ عَدَاوَةٍ، أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ أَدَاةً مَا بِلاَ تَعَمُّدٍ، ٢٣أَوْ حَجَرًا مَا مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ بِلاَ رُؤْيَةٍ. أَسْقَطَهُ عَلَيْهِ فَمَاتَ، وَهُوَ لَيْسَ عَدُوًّا لَهُ وَلاَ طَالِبًا أَذِيَّتَهُ، ٢٤تَقْضِي الْجَمَاعَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَبَيْنَ وَلِيِّ الدَّمِ، حَسَبَ هذِهِ الأَحْكَامِ.
١. إِنْ دَفَعَهُ بَغْتَةً بِلَا عَدَاوَةٍ: في حالة غياب نية القتل، أو سبق الإصرار، أو إذا كان الموت عرضيًّا بشكل واضح، لا يكون هذا الشخص مذنبًا بتهمة القتل العمد، ولا يجوز تسليمه إلى وَلِيُّ الدَّم.
٢. تَقْضِي الْجَمَاعَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَبَيْنَ وَلِيِّ الدَّمِ، حَسَبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ: يوضح يشوع ٢٠: ٤ أن هذا الإجراء كان يتمُّ أمام شيوخ مدينة الملجأ. وكان كلا طرفي القصة يُؤخَذ في الاعتبار. فقد كان ينبغي ألا تصدر الأحكام بناء على كلام طرف واحد فقط من طرفي القصة.
• “لم يكن وصول قاتل النفس سهوًا إلى إحدى تلك المدن يعفيه من الخضوع للمساءلة والتحقيق، بل بالأحرى كان ذلك يجعل من التحقيق أمرًا ضروريًّا، ومن ثم يتيح له فرصة للتفسير، ويضمن له حُكمًا عادلًا.” مورجان (Morgan)
و ) الآيات (٢٥-٢٨): في حالة التأكد من براءة القاتل من تهمة القتل العمد.
٢٥وَتُنْقِذُ الْجَمَاعَةُ الْقَاتِلَ مِنْ يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ، وَتَرُدُّهُ الْجَمَاعَةُ إِلَى مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ الَّتِي هَرَبَ إِلَيْهَا، فَيُقِيمُ هُنَاكَ إِلَى مَوْتِ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ الَّذِي مُسِحَ بِالدُّهْنِ الْمُقَدَّسِ. ٢٦وَلكِنْ إِنْ خَرَجَ الْقَاتِلُ مِنْ حُدُودِ مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ الَّتِي هَرَبَ إِلَيْهَا، ٢٧وَوَجَدَهُ وَلِيُّ الدَّمِ خَارِجَ حُدُودِ مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ، وَقَتَلَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقَاتِلَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ، ٢٨لأَنَّهُ فِي مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ يُقِيمُ إِلَى مَوْتِ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ. وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ فَيَرْجعُ الْقَاتِلُ إِلَى أَرْضِ مُلْكِهِ.
١. وَتُنْقِذُ الْجَمَاعَةُ الْقَاتِلَ مِنْ يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ: بعد الحُكم على القاتل بأنه بريء من تهمة القتل العمد، كان بإمكانه أن يعيش في سلام وأمان، لكن فقط داخل أسوار مدينة الملجأ.
• من الجدير بالملاحظة أن الشخص الذي قتل شخصًا آخر، لكن حُكِم عليه بالبراءة من تهمة القتل العمد، تظل حياته متأثرة بذلك بشكل كبير. فإنه يضطر أن ينتقل من مدينته، ربما هو وعائلته أيضًا، وأن يعيش بقية حياته في مدينة الملجأ. وبالتالي، فإن تلك المأساة تؤثر في حياته هو أيضًا.
• “صحيح أنه سيحظى بمحاكمة عادلة، لكن حتى إذا حُكِم عليه بالبراءة، يجب أن يظل داخل حدود المدينة، حيث لا يمكن لوليِّ الدم أن يدخل بأي حال من الأحوال. فقد يقتله الوليُّ إذا خرج من المدينة. وبالتالي، كان على هذا الشخص أن يقاسي نفيًا دائمًا، حتى وإن كان قد تسبَّب في موت أحدهم سهوًا. وكان الغرض من ذلك هو أن يُدرك الشعب مدى تقدير الله لحقوق الدم، ومدى بشاعة قتل أيِّ إنسان بأي شكل من الأشكال.” سبيرجن (Spurgeon)
• وَتَرُدُّهُ الْجَمَاعَةُ إِلَى مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ الَّتِي هَرَبَ إِلَيْهَا: “هذه الإشارة إلى ردِّ الشخص المُدان بتهمة القتل السهو إلى المدينة توحي بأن المحاكمة كانت تنعقد خارج أسوار المدينة، لأنه بهذا يمكن تسليم الشخص المُدان بتهمة القتل العمد إلى وليِّ الدم بسهولة ليقتله. ونستطيع أن نفترض أيضًا أن مشاركة اللاويين، الذين كانت حياتهم مقدَّسة للرب، في هذا الإجراء ستكفل اتباع العدل والإنصاف في اتخاذ القرارات.” كول (Cole)
٢. فَيُقِيمُ هُنَاكَ إِلَى مَوْتِ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ: الشيء الوحيد الذي يمكن أن يطلق سراح هذا الشخص من مدينة الملجأ هو موت رئيس الكهنة. فعند موت رئيس الكهنة، لا يعود لوليِّ الدم أيُّ حق على الشخص المحتمي في مدينة الملجأ.
• “كانت هناك دلالة كفارية لموت رئيس الكهنة عند الشعب بأكمله (لاحظ عبارة ’الَّذِي مُسِحَ بِالدُّهْنِ الْمُقَدَّسِ‘). فإذا مات رئيس الكهنة خلال فترة اغتراب القاتل في مدينة الملجأ، تصير له الحرية أن يغادر المدينة؛ وليس هذا فحسب، لكنه سيتمكن أيضًا من استئناف حياته الطبيعية مرة أخرى، بما في ذلك استعادة نصيبه في أرض أجداده.” ألن (Allen)
• “كانت الكفارة عن القتل السهو تُصنَع بموت رئيس الكهنة. ويتجلَّى ذلك بوضوح في حظر دفع فدية عن مرتكبي القتل العمد ومرتكبي القتل السهو على حد سواء. فكما أن القاتل عن عمد لا يستطيع أن يشتري حياته مقابل المال (الآية ٣١)، هكذا القاتل سهوًا لا يستطيع أن يشتري حريته (الآية ٣٢). فكلاهما تسبب في موت شخص آخر، ولا يكفِّر عن القتل إلا موت إنسان.” وينهام (Wenham)
• إن استخدام عبارة ’مَوْتِ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ‘ يُذَكِّرنا في حد ذاته بأن رئيس كهنتنا، يسوع المسيح، حيٌّ في كلِّ حينٍ. فهو “رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الْأَبَدِ” (عبرانيين ٦: ٢٠)، وهو أيضًا رئيس كهنة “بِحَسَبِ قُوَّةِ حَيَاةٍ لَا تَزُولُ” (عبرانيين ٧: ١٦)، و”مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ، لَهُ كَهَنُوتٌ لَا يَزُولُ.” (عبرانيين ٧: ٢٤)
٣. وَلَكِنْ إِنْ خَرَجَ الْقَاتِلُ مِنْ حُدُودِ مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ الَّتِي هَرَبَ إِلَيْهَا: إذا خرج الشخص الذي التمس الحماية في مدينة الملجأ خارج أسوار المدينة قبل موت رئيس الكهنة، فإنه يصبح فريسة سهلة لوليِّ الدم، وهذا معناه أن هذا الشخص لن يكون آمنًا إلا داخل هذا الملجأ.
ز) مدن الملجأ مثالٌ ليسوع.
١. يطبِّق الكتاب المقدس في أكثر من موضع صورة مدن الملجأ على المؤمن الذي يجد في الله ملجًا له:
• مزمور ٤٦: ١، “اللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا.” وتصف المزامير الله بأنه ملجأنا أكثر من ١٥ مرة أخرى.
• كذلك، يوضح عبرانيين ٦: ١٨ أنه “حَتَّى بِأَمْرَيْنِ عَدِيمَيِ التَّغَيُّرِ، لَا يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا، تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ، نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا.”
٢. توجد أوجه شبه كثيرة بين مدن الملجأ وبين ملجئنا في يسوع.
• كلٌّ من يسوع ومدن الملجأ يسهل على المحتاج الوصول إليه. فلا جدوى من كليهما ما لم يتمكَّن الشخص من بلوغهما.
• كلٌّ من يسوع ومدن الملجأ متاح للجميع، وليس فقط لبني إسرائيل. فلا داعي أن يخشى أحد من أن يُرفَض من هذا الملجأ في وقت حاجته.
• كلٌّ من يسوع ومدن الملجأ يصير موضعًا يمكن للمحتاج أن يعيش فيه. فلا أحد يأتي إلى مدينة الملجأ في وقت حاجته فقط ليلقي نظرة على المكان، ويتجول فيه.
• كلٌّ من يسوع ومدن الملجأ هو البديل الوحيد المتاح للمحتاج. فدون هذه الحماية الخاصة، سيهلك هذا الشخص.
• كلٌّ من يسوع ومدن الملجأ يوفر الحماية فقط داخل حدوده. وبالتالي، فإن الخروج منهما يعني الموت.
• في حالة كلٍّ من يسوع ومدن الملجأ، تتحقَّق الحرية الكاملة بموت رئيس الكهنة.
٣. يوجد اختلاف جوهري بين مدن الملجأ وبين ملجئنا في يسوع.
• كان الغرض من مدن الملجأ هو مساعدة الأبرياء فقط، لكن يستطيع المذنبون أيضًا أن يأتوا إلى يسوع ويجدوا فيه ملجًا.
ينبغي أن نستفيد من الملجأ، أو الملاذ، المقدَّم لنا في يسوع المسيح. “إن ناموس الله هو بمثابة وليِّ الدم الذي يطاردك! فقد تعديتَه عمدًا، وقتلتَ، إن جاز التعبير، وصايا الله، ودُستها تحت أقدامك. لذلك، فإن الناموس هو وليُّ الدم، الذي يلاحقك، وسوف يقبض عليك قريبًا. والدينونة تُحلّق فوق رأسك الآن، وسوف تدركك حتمًا.” سبيرجن (Spurgeon)
“احرص على ألا تهرب إلا إلى المسيح، لأنه إذا هرب الشخص الذي قتل قريبه إلى أيِّ مكان آخر، أي إلى أية مدينة أخرى ليست ضمن مدن الملجأ، فلن يجديه هذا نفعًا.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. الشرائع المتعلقة بالقتل العمد
أ ) الآيات (٢٩-٣٠): يلزم وجود شاهدين قبل تنفيذ عقوبة القتل العمد.
٢٩فَتَكُونُ هذِهِ لَكُمْ فَرِيضَةَ حُكْمٍ إِلَى أَجْيَالِكُمْ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ. ٣٠كُلُّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فَعَلَى فَمِ شُهُودٍ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ. وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ لاَ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسٍ لِلْمَوْتِ.
١. كُلُّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا… يُقْتَلُ الْقَاتِلُ: عندما يتبيَّن أن أحدهم قَاتِلٌ عن عمدٍ، كان الله يأمر بقتله. وتعود جذور هذا المبدأ إلى العهد الذي قطعه الله مع نوح (تكوين ٩: ٥-٦).
• قدَّم آدم كلارك (Adam Clarke) سببين لصرامة شريعة الله إلى هذا الحد بشأن القتل: “لا عجب أن يكون الله صارمًا إلى هذا الحد في شرائعه بشأن القتلة: ١) لأنه هو رئيس وأصل الحياة، وليس لأحد غيره الحق في التخلُّص منها؛ ٢) لأن الحياة تمثِّل زمان الاستعداد للعالم الأبدي؛ وبموجب ذلك، يتوقف عليها خلاص النفس. وبالتالي، كان من المهم للغاية أن تطول حياة الإنسان إلى أقصى الحدود التي عيَّنتها العناية الإلهية.”
٢. وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ لَا يَشْهَدْ عَلَى نَفْسٍ لِلْمَوْتِ: لم يكن شاهد واحد كافيًا قط للحُكم على قاتل عن عمدٍ بالموت. علاوة على ذلك، على الشهود أن يكونوا على يقين تام من شهادتهم، لدرجة أن يكون أحدهم على استعداد للبدء في التنفيذ الفعلي لحُكم الإعدام بنفسه، أي بأن تكون يده “عَلَيْهِ أَوَّلًا لِقَتْلِهِ” (تثنية ١٧: ٦-٧).
• وهذا يستحضر إلى أذهاننا كلمات يسوع بشأن المرأة التي أُمسِكت في فعل الزنا في يوحنا ٨: “مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلَا خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ” (يوحنا ٨: ٧). فقد طلب يسوع من الشاهد الرسمي أن يتقدَّم ويوثق شهادته على جريمة الزنا هذه. وبالتالي، فإن كلَّ من قد يفعل ذلك سيُظهِر أنه مراءٍ، لأنه يدين المرأة في حين يبرِّر الرجل الذي زنى معها.
• هذا المبدأ القائل إن ’شَاهِدًا وَاحِدًا لَا يَشْهَدْ‘ يمتد إلى أبعد من حدود القتل الجسدي. فمن الممكن ’قتل‘ سمعة أحدهم دون شهادة كافية حتى من شاهد واحد.
• يهتم الله بموضوع قتل السمعة، مثلما يهتم بالقتل الجسدي. وقد أوصى قائلًا: “لَا تَقْبَلْ شِكَايَةً عَلَى شَيْخٍ إِلَّا عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ شُهُودٍ” (١تيموثاوس ٥: ١٩)، وهذا هو المعيار لنفسه المتَّبع لإثبات تهمة القتل.
• “كما نعلم، لم يكن حتى توافر شهود متعدِّدين ليضمن تلقائيًّا عدم حدوث تواطؤ. ويشهد على ذلك التحريف الصادم في مسار العدالة الذي حدث في إسرائيل على يد إيزابل، الكاهنة الأجنبية، في حادثة نابوت (١ملوك ٢١).” ألن (Allen)
ب) الآيات (٣١-٣٢): لا يمكن دفع فدية عن نفس القاتل.
٣١وَلاَ تَأْخُذُوا فِدْيَةً عَنْ نَفْسِ الْقَاتِلِ الْمُذْنِبِ لِلْمَوْتِ، بَلْ إِنَّهُ يُقْتَلُ. ٣٢وَلاَ تَأْخُذُوا فِدْيَةً لِيَهْرُبَ إِلَى مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ، فَيَرْجعَ وَيَسْكُنَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِ الْكَاهِنِ.
١. وَلَا تَأْخُذُوا فِدْيَةً عَنْ نَفْسِ الْقَاتِلِ: إذا حُكم على أحدهم بأنه مذنب بتهمة القتل العمد، فلا يجوز أن يقدِّم تعويضًا ماليًّا مقابل حياته. فإن المبدأ الوارد في تكوين ٩: ٦ يظل ساريًا: “سَافِكُ دَمِ الْإِنْسَانِ بِالْإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لِأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الْإِنْسَانَ.”
• “كانت شرائع الشرق الأدنى القديم الأخرى تسمح بالتسوية، أي بدفع فدية بدلًا من تنفيذ عقوبة الإعدام. لكن أصرَّت هذه الشريعة على عدم إباحة أيِّ تسوية مالية.” وينهام (Wenham)
٢. وَلَا تَأْخُذُوا فِدْيَةً لِيَهْرُبَ إِلَى مَدِينَةِ مَلْجَئِهِ: وهذا يعكس مبدًا مهمًّا، وهو أن المال لا يمكن أن يحلَّ محلَّ العدالة. في بعض الأحيان، كان من الممكن لتعويض مالي أن يرضي العدالة (على سبيل المثال، خروج ٢٢: ٤)؛ لكن في أحيان أخرى، لا يمكن ولا ينبغي استخدام المال بديلًا عن العدالة.
ج) الآيات (٣٣-٣٤): ضرورة تقديم القتلة العمد إلى العدالة.
٣٣لاَ تُدَنِّسُوا الأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، لأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الأَرْضَ. وَعَنِ الأَرْضِ لاَ يُكَفَّرُ لأَجْلِ الدَّمِ الَّذِي سُفِكَ فِيهَا، إِلاَّ بِدَمِ سَافِكِهِ. ٣٤وَلاَ تُنَجِّسُوا الأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ مُقِيمُونَ فِيهَا الَّتِي أَنَا سَاكِنٌ فِي وَسَطِهَا. إِنِّي أَنَا الرَّبُّ سَاكِنٌ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. لِأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الْأَرْضَ. وَعَنِ الْأَرْضِ لَا يُكَفَّرُ: إن القتل غير المحكوم عليه يدنِّس الأمة. فعندما لا يُقدَّم القتلة عن عمدٍ إلى العدالة، تكون هذه وصمة عار على الأمة، لا تطهِّرها إلا دينونة الله الصارمة.
• “من المفارقة العجيبة أن يكون الدم، في السياق الصحيح، هو وسيلة التطهير الأشد فعالية، والوسيلة الوحيدة لصنع الكفارة بين الله والإنسان، لكن في السياق الخطأ، يكون للدم تأثير عكسي: “لِأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الْأَرْضَ” (الآية ٣٣، راجع تثنية ١٩: ١٠؛ ٢١: ٩، ٢٣).” وينهام (Wenham)
• “رغم كلِّ الاهتمام الذي نوليه (بالصواب) لقضايا البيئة والتلوث في يومنا هذا، يوجد تلوث أكبر بكثير من إلقاء المخلفات في الأنهار، وقتل الكائنات البحرية، وقطع أشجار الغابات، وسكب الزيوت التي تفسد مياه البحار. وهذا التلوث يتمثَّل في إساءة معاملة البشر. فإن القتل غير المشروع هو الإساءة الأسوأ على الإطلاق. والله لن يقترب من أرض يكون الدم هو مصدر التلوُّث فيها.” ألن (Allen)
٢. إِلَا بِدَمِ سَافِكِهِ: الوسيلة الوحيدة لتجنُّب هذا التدنيس هو محاكمة القتلة وإعدامهم: “عَنِ الْأَرْضِ لَا يُكَفَّرُ لِأَجْلِ الدَّمِ الَّذِي سُفِكَ فِيهَا، إِلَا بِدَمِ سَافِكِهِ” (تكوين ٩: ٦).
• نستطيع أن نقول إنه بسبب التلوُّث الناجم عن عدم معاقبة الكثير جدًا من القتلة، صارت الولايات المتحدة الأمريكية أرضًا دنسةً. ففي جميع أنحاء البلاد، يُقتَل الكثيرون، ولا يقدَّم سوى قليلون منهم إلى العدالة. ولذلك، فإن دم هؤلاء القتلى يصرخ أمام الله، لِأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الْأَرْضَ.
• “لا تقسوا على أرضكم بأن تجعلوها مغارةً للقتلة.” بوله (Poole)