أمثال 4
سبيل الأبرار وسبيل الأشرار
أولًا. أبٌ يعلِّم أبناءه
أ ) الآيات (1-2): التماس من أجل الاستماع إلى حكمة أب.
1اِسْمَعُوا أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ تَأْدِيبَ ٱلْأَبِ، وَٱصْغُوا لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ ٱلْفَهْمِ، 2لِأَنِّي أُعْطِيكُمْ تَعْلِيمًا صَالِحًا، فَلَا تَتْرُكُوا شَرِيعَتِي.
1. اِسْمَعُوا أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ (يا أبنائي): سبق أن تَحَدَّث سليمان في سفر الأمثال كأب إلى ابنه، وربما كان في ذهنه وريثه الرئيسي. وهو الآن يوسّع متلقّي التعليم والإرشاد ليشملوا أبناءه بشكل عام.
“وهكذا يبقى البيت الساحة البارزة للتعلم، حيث يوصل الآباء والأمهات تقاليدهم إلى أبنائهم (انظر تثنية 6: 6-9).” روس (Ross)
2. وَٱصْغُوا لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ ٱلْفَهْمِ: يعني وجود هذا الالتماس، إضافة إلى الالتماس في السطر السابق للاستماع، أن هنالك تردُّدًا أو مقاومة من جانب الأبناء يتوجب التغلب عليها من خلال الالتماس والمناشدة. وغالبًا ما يُحبط الآباء والأمهات بمقاومة أبنائهم لحكمتهم وتعليمهم وإرشادهم. لكن ينبغي أن يخوضوا في هذا الموضوع الأمور بالتماس صادق.
3. لِأَنِّي أُعْطِيكُمْ تَعْلِيمًا صَالِحًا: كان للأب ثقة بالإرشاد الذي يقدمه. ولا شك أنه ارتكز على الحكمة الكتابية. ولأنه كان واثقًا بأن تعليمه صالح، كان بمقدوره أن يحثهم قائلًا: ’فَلَا تَتْرُكُوا شَرِيعَتِي.‘
ب) الآيات (3-5): إرشاد من أجيال سابقة: احصل على الحكمة!
3فَإِنِّي كُنْتُ ٱبْنًا لِأَبِي، غَضًّا وَوَحِيدًا عِنْدَ أُمِّي، 4وَكَانَ يُرِينِي وَيَقُولُ لِي: «لِيَضْبِطْ قَلْبُكَ كَلَامِي. ٱحْفَظْ وَصَايَايَ فَتَحْيَا. 5اِقْتَنِ ٱلْحِكْمَةَ. ٱقْتَنِ ٱلْفَهْمَ. لَا تَنْسَ وَلَا تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي.
1. فَإِنِّي كُنْتُ ٱبْنًا لِأَبِي: تذكَّر سليمان بحنان الدروس التي علّمها إياه أبوه. ويمكن أن يكون هذا تذكارًا مميزًا لأي ابن مع أبيه، لكن بشكل أكبر على نحو خاص عندما نضع في اعتبارنا أن أبا سليمان هو الملك داود، أعظم ملوك إسرائيل الأرضيين.
بتذكُّر تنشئته والاستشهاد بأبيه، فإن المعلم (سليمان) يتعاطف مع ابنه في صراعاته الحاضرة في حياته، ويعزز الكرامة الأبوية لكلامه. وقد صمدت هذه التعاليم أمام اختبار الزمن. جاريت (Garrett)
فَإِنِّي كُنْتُ ٱبْنًا لِأَبِي: يوضح والتكي (Waltke) أن المعنى هنا يفيد أنه ابن حقيقي بمعنى روحي وأخلاقي. وعندما كان ممكنًا التبرؤ من ابن متمرد في إسرائيل (تثنية 21: 18-21 و32: 19-20)، كان الابن المطيع يُعَد ابنًا حقيقيًّا بكل معنى الكلمة.
غَضًّا وَوَحِيدًا عِنْدَ أُمِّي (كنت الوحيد في نظر أمي): تشير 1 أخبار 3: 5 إلى أنه كان لدى بثشبع ابنان آخران لداود، لكن سليمان كان ابنها المميز، وقد اختاره الله ليتولى عرش إسرائيل. “رغم أنه كان لإبراهيم ابنان، إلا أن إسحاق دُعي وحيده Yahid (تكوين 22: 2، 12، 16) لتوكيد الوضع الخاص لنسل سارة.” والتكي (Waltke)
وَكَانَ يُرِينِي (يعلّمني): “ولهذا كان سقوطه اللاحق أكثر استحقاقًا للوم، لأنه تعلَّم بشكل نقي.” تراب (Trapp)
“يفترض في الذين يتلقون من آبائهم وأمهاتهم توجيهًا في مخافة الرب أن يكونوا شاكرين دائمًا. فلا يمكنهم أن يهربوا من قوة هذا التوجيه. ربما يرفضون جاذبيته، لكن حقيقة حصولهم عليه ستخلق لهم طريقًا للهروب من الشر عبر رحلة الحياة.” مورجان (Morgan)
2. لِيَضْبِطْ قَلْبُكَ كَلَامِي: قبل أن يتحدث داود إلى سليمان، نَمّى فيه قلبًا متقبِّلًا. فلم يُرد أن تسقط كلماته على أذن صماء أو قلب قاس. ولهذا عالج هذه المسألة أولًا.
قيل بوضوح إنه إن كان ملك إسرائيل أخذ الوقت الكافي ليعلّم أبناءه بهذه الطريقة، كذلك ينبغي أن يفعل هذا كل أب. “أيها الآباء والأمهات، يتوجب أن نتذكر أن الابن الذي لم يتعلّم سيكون عارًا حيًّا (أمثال 29: 15.” بريدجز (Bridges)
3. ٱحْفَظْ وَصَايَايَ فَتَحْيَا: كانت إحدى الطرق التي نمّى بها داود قلبًا متقبّلًا في ابنه إيصال أهمية تعليمه وإرشاده له. ولأن هذا التعليم أوصل حق الله بأمانة، فإن طاعة وصايا أبيه عنت الحياة أو الموت لسليمان.
4. اِقْتَنِ ٱلْحِكْمَةَ: “قبل أن يعطي داود سليمان كلمات الحكمة الفعلية، شجّعه على السعي إلى الحكمة. ويمكننا القول إن هذا أكثر أهمية من أية حكمة معينة، أو إنه واحد من الدروس الأولى للحكمة. ثمِّن الحكمة، واسعَ إلى الحكمة، وَضَّحِ من أجل الحكمة. اِقْتَنِ ٱلْحِكْمَةَ وٱلْفَهْمَ.
اِقْتَنِ ٱلْحِكْمَةَ: “هنالك طريقة فظّة لقول نفس الفكرة: “ليس ما يتطلبه الأمر عقلًا أو فرصة، بل قرار. هل تريدها؟ إذن تعال واقتنِها.” كيدنر (Kidner)
اِقْتَنِ ٱلْحِكْمَةَ: يشرح والتكي (Waltke) أن الفعل ’قنى‘ يحمل معنى ’يشتري.‘ “تعني كلمة ’قنى‘ اقتناء بضائع منقولة من خلال معاملات مالية.” والفكرة هنا هي أن الحكمة ستكلّف شيئًا، لكنها تستحق ذلك.
“توحي عبارة ’اِقْتَنِ ٱلْحِكْمَةَ‘ بمعنى ’اشترِ الحكمة،‘ لأن الكلمة العبرية تحمل معنى صفقة تجارية. فهنالك ثمن ينبغي دفعه إذا أراد المرء أن يعرف حق الله ويطيعه.” ويرزبي (Wiersbe)
5. لَا تَنْسَ وَلَا تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي: بمجرد السعي إلى الحكمة، والحصول عليها بمعنى ما، يتوجب الحفاظ عليها. ومن الممكن أن يمتلك المرء حكمة لبعض الوقت، وبعد ذلك يبتعد عنها في وقت لاحق.
وفي هذا الصدد، فإننا نقدّر شيئًا من السخرية الأدبية والمأساة في حياة سليمان. فقد علّم داود ابنه بشكل جيد، وتلقَّى سليمان الدروس مثمِّنًا الحكمة حتى إنه طلبها فوق كل شيء آخر (1 ملوك 3: 17-12). ومن المفارقات المأساوية أن سليمان ابتعد عن سبيل الحكمة لاحقًا (1 ملوك 11: 1-13). فحتى أفضل الدروس يمكن أن تُرفَض.
ج) الآيات (6-9): فوائد اكتساب الحكمة.
6لَا تَتْرُكْهَا فَتَحْفَظَكَ. أَحْبِبْهَا فَتَصُونَكَ. 7ٱلْحِكْمَةُ هِيَ ٱلرَّأْسُ. فَٱقْتَنِ ٱلْحِكْمَةَ، وَبِكُلِّ مُقْتَنَاكَ ٱقْتَنِ ٱلْفَهْمَ. 8ٱرْفَعْهَا فَتُعَلِّيَكَ. تُمَجِّدُكَ إِذَا ٱعْتَنَقْتَهَا. 9تُعْطِي رَأْسَكَ إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ. تَاجَ جَمَالٍ تَمْنَحُكَ.
- لَا تَتْرُكْهَا فَتَحْفَظَكَ: واصل سليمان في تَذّكُّره لتعليم أبيه له. فقد علّم الملك داود أنه إذا التزم سبيل الحكمة فستحفظه وتصونه.
“يستخدم المعلّم (سليمان) أفعالًا مؤنثة في الوعد بالحماية والأمان. ونجد هنا الحكمة مجسّدة كامرأة، وفي القراءة كعروس ينبغي أن تُحَب وتعانَق (الآية 8)، لكنها تتمتع أيضًا بصفات المربية المتنفذة القادرة على الحماية.” روس (Ross)
2. ٱلْحِكْمَةُ هِيَ ٱلرَّأْسُ (الشيء الرئيسي، الأصل): نقل الملك داود إلى ابنه ما هو أكثر من حقائق الحكمة. فقد أراد لابنه أن يحب الحكمة ويثمّنها ويكرمها. وغالبًا ما يعد الرجال والنساء المال أو الحب الرومانسي الرأس (أهم شيء). وينبغي لشعب الله أن يعطوا مكانة أعلى للحكمة.
3. ٱرْفَعْهَا فَتُعَلِّيَكَ: تكافأ محبة الحكمة والسعي إليها. إذ تجلب معها كرامتها وزينتها ومجدها. وقد كوفئ سليمان في بداية حياته من أجل سعيه إلى الحكمة (1 ملوك 3: 7-12).
إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ (مجد): “لن يكون تاج أو عمامة مرصعة بالجواهر أو إكليل أكثر تكريمًا لمن يرتديه من الحكمة السليمة والتدين الحقيقي المقترن بالتعلّم العميق، بالنسبة للمؤمن بالمسيح والباحث عن المعرفة والحكمة.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (10-13): اقبل دروس الحكمة وتمسّك بها.
10اِسْمَعْ يَا ٱبْنِي وَٱقْبَلْ أَقْوَالِي، فَتَكْثُرَ سِنُو حَيَاتِكَ. 11أَرَيْتُكَ طَرِيقَ ٱلْحِكْمَةِ. هَدَيْتُكَ سُبُلَ ٱلِٱسْتِقَامَةِ. 12إِذَا سِرْتَ فَلَا تَضِيقُ خَطَوَاتُكَ، وَإِذَا سَعَيْتَ فَلَا تَعْثُرُ. 13تَمَسَّكْ بِٱلْأَدَبِ، لَا تَرْخِهِ. ٱحْفَظْهُ فَإِنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ.
1. اِسْمَعْ يَا ٱبْنِي وَٱقْبَلْ أَقْوَالِي: يبدو أن تذكُّر سليمان لتعليم أبيه ينتهي عند أمثال 4: 9. وهو الآن يعود إلى الحديث إلى ابنه بشكل مباشر، مذكِّرًا إياه بالدروس التي تَعلَّمها.
فَتَكْثُرَ سِنُو حَيَاتِكَ: “تضر الرذيلة والإفراط بالصحة وتقصّر أيام الأشرار، بينما التدين الحقيقي والرصانة والاعتدال تطيل العمر. وينبع الجزء الرئيسي من أمراضنا من التراخي والرغبات الجامحة المضطربة. ويحثّنا التدين على الاجتهاد، ويعزز العادات الرصينة، ويقضي على الرغبات الجامحة الشريرة، ويعطي النفس انسجامًا. وهكذا، بمنعه أمراضًا كثيرة، فإنه يطيل العمر بالضرورة.” كلارك (Clarke)
2. أَرَيْتُكَ طَرِيقَ ٱلْحِكْمَةِ: نحس هنا بأن سليمان حصل على رضا ملائم في أداء واجبه في تعليم الحكمة لابنه، كما سبق أن علّمه أبوه. ومن شأن هذا أن يوجه ابنه إلى المستقبل (وَإِذَا سَعَيْتَ فَلَا تَعْثُرُ).
غالبًا ما يعمل الآباء والأمهات بجد لإعداد أبنائهم للنجاح في العالم… لكي يركضوا بشكل حسن في سباق الحياة. ومن دون هذا العمل الجاد على منح أبنائنا الحكمة، ربما نطلقهم ليركضوا، لكنهم سيعثرون ويقعون.
“الحياة حسب الحكمة مثل السير أو الركض على طريق آمن، على مسار خالٍ من العوائق بحيث يكون التقدم مؤكدًا.” روس (Ross)
هَدَيْتُكَ سُبُلَ ٱلِٱسْتِقَامَةِ: “ليس السبيل طريقًا وُجِد من دون أن يكون الناس قد ساروا عليه. بل هو الطريق الذي سار ويسير عليه الناس. وهكذا فإن الابن هنا سيسير على طريق قديم مزكّى.” والتكي (Waltke)
3. ٱحْفَظْهُ فَإِنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ: يؤكد سليمان مرة أخرى القيمة التي ينبغي أن تكون الحكمة عليها بالنسبة لنا. إذ ينبغي أن تُعَد محبة الحكمة والسعي إليها مسألة حياة أو موت. ويتوجب أن نتمسك بالحكمة لأن أشياء كثيرة تدفعنا إلى التخلي عنها.
“يبيّن هذا التحريض الحي على التمسّك بالإرشاد والتعليم أن الحفاظ على مبادئنا مسألة جهاد وليست أمرًا سهلًا. وبالفعل، فإن قبضتنا ضعيفة عندما لا نهتم بالحكمة إلا على أساس أنها بدعة (شيء جديد).” بريدجز (Bridges)
ثانيًا. إبعاد القلب عن سبل الأشرار.
أ ) الآيات (14-15): تجنّب سبيل الأشرار.
14لَا تَدْخُلْ فِي سَبِيلِ ٱلْأَشْرَارِ، وَلَا تَسِرْ فِي طَرِيقِ ٱلْأَثَمَةِ. 15تَنَكَّبْ عَنْهُ. لَا تَمُرَّ بِهِ. حِدْ عَنْهُ وَٱعْبُرْ.
1. لَا تَدْخُلْ فِي سَبِيلِ ٱلْأَشْرَارِ: طلب سليمان من ابنه (أبنائه) أن يمتنع عن البدء في السير في سبيل الأشرار. فإذا لم يتمّ دخول طريق ما، فلن تكون هنالك حاجة إلى التصحيح على الإطلاق.
“يتمثل التحذير في تجنُّب طرق الشر بعدم البدء في طريق حياة الأشرار. ويعيد بلاوت صياغة هذه الفكرة على نحو جميل: ’لا تَخطُ الخطوة الأولى، فربما لا تكون سيد مصيرك بعد ذلك.‘” روس (Ross)
“لا تعاشر أشخاصًا حياتهم شاذة وآثمة. لا ترافقهم في أيٍّ من أعمال التعدّي.” كلارك (Clarke)
2. وَلَا تَسِرْ فِي طَرِيقِ ٱلْأَثَمَةِ: إذا دخل المرء بحماقة سبيل الأشرار، ينبغي أن يحيد عنه ويعود فورًا. تتكلم الحكمة بإلحاح طالبة منه أن يتجنب عذا الطريق ويحيد عنه. إذ تجعل كل خطوة أخرى في طريق الأشرار الابتعاد عنه أكثر صعوبة.
ب) الآيات (16-19): لماذا ينبغي أن نتجنب طريق الأشرار.
16لِأَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا سُوءًا، وَيُنْزَعُ نَوْمُهُمْ إِنْ لَمْ يُسْقِطُوا أَحَدًا. 17لِأَنَّهُمْ يَطْعَمُونَ خُبْزَ ٱلشَّرِّ، وَيَشْرَبُونَ خَمْرَ ٱلظُّلْمِ. 18أَمَّا سَبِيلُ ٱلصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى ٱلنَّهَارِ ٱلْكَامِلِ. 19أَمَّا طَرِيقُ ٱلْأَشْرَارِ فَكَالظَّلَامِ. لَا يَعْلَمُونَ مَا يَعْثُرُونَ بِهِ.
1. لِأَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا سُوءًا: السائرون على سبيل الشر مكرّسون تمامًا لخطيّتهم. فهم مستعدون للتضحية بالنوم والمال والكرامة والحرية لفعل الشر والسوء. وهم لا يرتاحون تمامًا (وَيُنْزَعُ نَوْمُهُمْ) ما لم يجذبوا آخرين إلى سبيلهم الشرير. إذ تصبح الخطية طعامهم وشرابهم (لِأَنَّهُمْ يَطْعَمُونَ خُبْزَ ٱلشَّرِّ، وَيَشْرَبُونَ خَمْرَ ٱلظُّلْمِ).
“باستخدام المعلم (سليمان) المبالغات الأدبية، فإنه يصوّر معدن الأشرار الأخلاقي على أنهم مدمنون على الشر (أمثال 4: 16؛ انظر مزمور36: 4). إنهم مكرسون تمامًا للسلوك الشرير حتى إنهم لا يستطيعون النوم إلى أن يجدوا تعبيرًا عنه.” روس (Ross)
“لا يخفي الكتاب المقدس حقيقة أن المرء يمكن أن يكون غيورًا على الشر كما هو على الخير.” كيدنر (Kidner)
“بما أن المعدة الفارغة بالكاد تستطيع النوم، كذلك لا يستطيع عديمو الضمائر أن يرتاحوا إلى أن يمتلئوا حتى التخمة بحلويات الخطية مع فتات الأذى القاتلة. فلن يسمح لهم إبليس، سيدهم، بالوقت للنوم. وهذه عبودية صعبة.” تراب (Trapp)
- أَمَّا سَبِيلُ ٱلصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ: سبيل الأشرار مظلم بشكل متزايد. لكن سبيل الذين يقتنون الحكمة، سبيل الصديقين، يزداد إشراقًا، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى ٱلنَّهَارِ ٱلْكَامِلِ.
“سبيل الأشرار قاتم ومظلم وخطِر. وأما طريق الأبرار فمفتوح وبَنّاء. تتضمن هذه الآية استعارة رائعة. فهي تشير إلى شروق الشمس فوق الأفق والشَّفَق المتزايد إلى أن تسطع أشعتها على الأرض كلها.” كلارك (Clarke)
تشير الكلمة العبرية Nogah إلى بريق الضوء الساطع أو إشعاعه، كما لو من القمر (إشعياء 4: 5؛ 50: 10) أو النجوم (يوئيل 2: 10؛ 4: 15)، وتدل على عدم وجود غيوم ولا حتى ظل على هذا الطريق.” والتكي (Waltke)
“ليس هذا ضوء شمعة ضعيفًا، ولا بريق نيزك مؤقّتًا. لكنه إنارة عظيمة من السماء.” بريدجز (Bridges)
3. أَمَّا طَرِيقُ ٱلْأَشْرَارِ فَكَالظَّلَامِ: يفترض أن التفكير إلى أين يؤدي كل سبيل يساعد المرء على اتخاذ القرار الصحيح. وتتمثل إحدى إستراتيجيات المجرِّب في إخفاء عواقب سبيلنا، سواء أكان ذلك سبيل الصديقين أو سبيل الأشرار.
ج) الآيات (20-22) التماس الاستماع.
20يَا ٱبْنِي، أَصْغِ إِلَى كَلَامِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى أَقْوَالِي. 21لَا تَبْرَحْ عَنْ عَيْنَيْكَ. اِحْفَظْهَا فِي وَسَطِ قَلْبِكَ. 22لِأَنَّهَا هِيَ حَيَاةٌ لِلَّذِينَ يَجِدُونَهَا، وَدَوَاءٌ لِكُلِّ ٱلْجَسَدِ.
1. يَا ٱبْنِي، أَصْغِ إِلَى كَلَامِي: يمكن أن تُعطى دروس الحكمة من دون أن يتلقّاها سامعها. ولهذا حث سليمان ابنه كثيرًا على الانتباه (أَصْغِ) ووضْع دروس الحكمة نصب عينيه.
تَذكر أمثال 4: 20-27 الجسم إحدى عشرة مرة على الأقل (تُذكر العينان، والرجلان (القدمان)، والقلب مرتين، والأذن والجسد، والفم، والشفاه، والجفون مرة واحدة. فهذا قسم يتحدث بقوة كيف يمكننا أن نكرس كل جزء من جسمنا للحكمة وإكرام الله. وكتب الرسول بولس لاحقًا عن إخضاع أعضاء الجسم لله (رومية 6: 12-13).
2. لَا تَبْرَحْ عَنْ عَيْنَيْكَ. اِحْفَظْهَا فِي وَسَطِ قَلْبِكَ: ورغم أن هذا يتناقض مع طبيعتنا الآثمة الموروثة، يمكننا، بل يتوجب علينا، أن ننمّي قلبًا يحب الحكمة ويركز عليها. وإن كانت الحكمة مجرد نظام من القوانين والتهديدات، فلن يتحقق قصدها على الإطلاق. وينبغي أن نصلي من أجل الحكمة والسعي إليها في سويداء (وسط) القلب.
“إن نسختك المهملة من الكتاب المقدس دليل على قلب متغرب عن الله. فكيف يمكن أن نحصل على شرارة محبة له ما دام هذا الكتاب الممتلئ بمجده محتقرًا؟” بريدجز (Bridges)
3. هِيَ حَيَاةٌ لِلَّذِينَ يَجِدُونَهَا: تجلب كلمة الله – التي تنقلها أقوال هذا الأب لابنه (لأبنائه) – حياة وصحة. فالسعي إلى الحكمة يكافأ.
د ) الآية (23): احفظ قلبك.
23فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ ٱحْفَظْ قَلْبَكَ، لِأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ ٱلْحَيَاةِ.
1. فَوْقَ كُلِّ (بكل اجتهاد) تَحَفُّظٍ ٱحْفَظْ قَلْبَكَ: بما أن الحكمة تخص وسط القلب (أمثال 4: 21)، فمن الضروري أن نحفظ القلب بمعنى أن نحرسه. وبالمعنى الذي قصده سليمان هنا، ينبغي أن يُحفَظ القلب للحكمة، للحماية من طريق الأشرار (أمثال 4: 19).
وبشكل خاص من منظور العهد الجديد الذي يعد بقلب جديد (حزقيال 36: 26)، يمكننا القول إن حفظ القلب يوحي بقلب يستحق الحفظ، قلب جديد، قلب يستحق الحراسة.
القلب هو الخزّان، ويتوجب أن يبدأ التغيير هنا. فإذا كان الخزّان ملوثًا، فلن يجدي أن نصلح الأنابيب والصمامات.
ينبّهنا الكتاب المقدس إلى ضرورة تجنُّب القلب المزدوج (مزمور 12: 2)، والقلب القاسي (أمثال 28: 14)، والقلب المتكبر (أمثال 21: 4)، والقلب غير المؤمن (عبرانيين 3: 12)، والقلب البارد (متى 24: 12)، والقلب النجس (مزمور 51: 10).” ويرزبي (Wiersbe)
2. فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ (بكل اجتهاد): يوحي هذا بأنه ليس سهلًا أن يحفظ المرء قلبه. إذ ستكون هنالك فرص كثيرة لنعطي قلبنا لشخص أو سبيل تحذّرنا الحكمة منه.
“بما أن إبليس يراقب باجتهاد في نوبته، كذلك يتوجب علينا أن نراقب قلبنا باجتهاد عن كثب. فإذا تم الاستيلاء على القلعة، فلا بد أن تستسلم البلدة كلها. وإذا أُسِر القلب بأكمله – بعواطفه، ورغباته، ودوافعه، ومساعيه – فسيستسلم كاملًا.” بريدجز (Bridges)
3. لِأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ ٱلْحَيَاةِ: هنالك مكافأة عظيمة لمن يحرس قلبه، حافظًا إياه للحكمة (كما في أمثال 4: 21). فهو يتمتع بحياة متدفقة من قلبه، مثل نبع غزير ممتع. ويرى القلب غير المحروس اختناقًا أو قيدًا على فرح الحياة وبهجتها.
“توحي الاستعارة، حسب ديلتزتش (Delitzsch)، بأنه منابع الحياة ليست في القلب فحسب، بل إن القلب يوجه الحياة كلها أيضًا.” والتكي (Waltke)
يتمثل واحد من أعظم الإغراءات في طريق الأشرار (أمثال 4: 19) في أنه ممتع ومسلٍّ وأنه يجلب إحساسًا بالسعادة. وهذه كذبة. فنفس الإله الذي صمّمنا وخلقنا هو الذي يرشدنا في أوامره ومن خلالها. ورغم أن هذا ربما لا يكون واضحًا فورًا أو بشكل غريزي، فإن وصاياه هي لسعادتنا وخيرنا. فمع أن حفظ (حراسة) القلب بكل اجتهاد قد يعني رفضًا مؤلمًا مؤقتًا للإغراءات والمثيرات في طريق الأشرار، إلا أن النتجية الإجمالية هي السعادة والفرح والسرور.
“إنه منبع الحياة في قدرته على أن يحيا بفرح نابع من الداخل، لا من الظروف. ويجذب القلب الفاسد المرء إلى أسفل، إلى القبر، لكن الحكمة تحمي القلب من هذا الفساد.” جاريت (Garrett)
“إذا لَوَّثْنا هذا المنبع، فستنتشر العدوى. وقبل أن يمر وقت طويل، ستصبح الشهوات الخفية خطايا مكشوفة وعارًا عامًّا.” ويرزبي (Wiersbe)
هـ) الآيات (24-27): التماس للبقاء على الطريق الصحيح.
24ٱنْزِعْ عَنْكَ ٱلْتِوَاءَ ٱلْفَمِ، وَأَبْعِدْ عَنْكَ ٱنْحِرَافَ ٱلشَّفَتَيْنِ. 25لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إِلَى قُدَّامِكَ، وَأَجْفَانُكَ إِلَى أَمَامِكَ مُسْتَقِيمًا. 26مَهِّدْ سَبِيلَ رِجْلِكَ، فَتَثْبُتَ كُلُّ طُرُقِكَ. 27لَا تَمِلْ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً. بَاعِدْ رِجْلَكَ عَنِ ٱلشَّرِّ.
1. ٱنْزِعْ عَنْكَ ٱلْتِوَاءَ ٱلْفَمِ: يتوجب على المرء، إذا أراد أن يبقى على طريق الصّديقين، أن ينتبه إلى ما يقوله. إذ يُستخدم الكلام المخادع والمنحرف لتغطية الأفعال المخادعة والمنحرفة، ويقود هذا المرء إلى خطوة أخرى في طريق الأشرار. فإذا كان المرء لا يقدّر التكلم بطريقة منحرفة أو تقية، مصمِّمًا على أن لا يفعل أشياء تحتاج إلى فم مخادع ملتوٍ، فإنه يقطع شوطًا في تجنب أعمال الأشرار.
“سيسيطر البر على اللسان متجنبًا الكلام الملتوي المعوج. وهذه هي الخطوة المنطقية التالية، لأن الكلام يتدفق من القلب.” روس (Ross)
تتفاعل العادات السطحية للكلام في العقل، بحيث إن الثرثرة الساخرة، والتذمر المألوف، والتقلبات، وأنصاف الحقائق، على سبيل المثال، بالكاد تعني في المقام الأول التصلب في عادات الفكر الراسخة.” كيدنر (Kidner)
2. لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إِلَى قُدَّامِكَ: غالبًا ما نتخلى عن سبيل الأبرار بسبب الالتهاء. والغمامات الموضوعة على عيون الخيل مفيدة لها. وسيستفيد كثيرون منا إذا استخدمنا مثل هذه الغمامات.
قال يسوع إنه إذا أردنا أن نكون صالحين ولائقين لملكوته، يتوجب علينا أن نُبقي عيوننا متجهة إلى الأمام، لا أن نلتهي من جانب إلى آخر أو إلى الوراء (لوقا 9: 62).
3. مَهِّدْ (تأمّلْ، فكِّرْ في) سَبِيلَ رِجْلِكَ: إذا وضع المرء في اعتباره وجهة طريقه الحالي، فسيؤدي هذا إلى حياة أكثر حكمة. وعندما نفكر بعناية في وجهتنا ومصيرنا، فإن هذا يساعدنا على أن نحدد اتجاهنا، وأن لا نلتفت يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً.
“يتوجب على الابن أن يحرص على أن كل خطوة يخطوها تتماشى مع هذا الطريق. فأية خطوة خطأ يمكن أن تكون قاتلة. ويلفت استخدام تعبير “رجلك” (قدمك) Ragleka الانتباه إلى كل خطوة نتخذها في طريق الحياة.” والتكي (Waltke)
“من النصوص المثيرة للاهتمام على نحو خاص أمثال 4: 27، حيث التحذير من الالتفات يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، وتثنية 5: 32 و17: 11 و28: 14. ونص يشوع 23: 6 مشابه. والفكرة هي أنه لا ينبغي للمرء أن يلتهي عن طريق الحكمة.” جاريت (Garrett)