أمثال 26
طبيعة الأحمق والرجل الكسول
أولًا. الحمقى والكسالى
أ ) الآية (1): لا تليق الكرامة بالأحمق.
1كَٱلثَّلْجِ فِي ٱلصَّيْفِ وَكَالْمَطَرِ فِي ٱلْحَصَادِ، هَكَذَا ٱلْكَرَامَةُ غَيْرُ لَائِقَةٍ بِٱلْجَاهِلِ.
1. كَٱلثَّلْجِ فِي ٱلصَّيْفِ وَكَالْمَطَرِ فِي ٱلْحَصَادِ: هذان أمران ليسا في محلهما. وهما يشكلان، في اقتصاد معتمد على زراعة الحبوب في الحقول، كارثتين في سوء توقيتهما.
“سيدل سقوط الثلج في الصيف على اختلال الأزمنة وكارثيّتها (انظر 1 صموئيل 12: 17). إذ يتسبب الثلج أو المطر في القضاء على محصول الحبوب من خلال إتلافه والعمل على تعفُّنه.” والتكي (Waltke)
2. هَكَذَا ٱلْكَرَامَةُ غَيْرُ لَائِقَةٍ بِٱلْجَاهِلِ: لا تناسب الكرامة الأحمق (الجاهل) – بل يمكن أن يؤدي هذا إلى كارثة.
“’الجاهل‘ هو الشخص الغبي التافه المغرور (وهو النوع الذي يبدو أن الثقافة الشعبية تكرمه).” روس (Ross)
“يميل العصر الحالي، من خلال الدعاية، إلى تأليه أشخاص مغرورين فارغين، وهم أشخاص تقدم الآية الثالثة علاجًا أفضل لهم.” كيدنر (Kidner)
“لأنه لا يستحق الكرامة ولا يعرف كيف يستخدمها، لكن حماقته تزداد وتتجلى علنًا من خلالها.” بولي (Poole)
ب) الآية (2): مصير لعنة أُطلِقتْ بلا سبب.
2كَٱلْعُصْفُورِ لِلْفَرَارِ وَكَالسُّنُونَةِ لِلطَّيَرَانِ، كَذَلِكَ لَعْنَةٌ بِلَا سَبَبٍ لَا تَأْتِي.
1. كَٱلْعُصْفُورِ لِلْفَرَارِ وَكَالسُّنُونَةِ لِلطَّيَرَانِ: وصف سليمان طائرين يطيران من دون أن يحطّا على غصن أو سطح للراحة.
2. كَذَلِكَ لَعْنَةٌ بِلَا سَبَبٍ لَا تَأْتِي: وبنفس الطريقة التي يطير بها طائر من دون أن يهبط، فلن تعمل اللعنة التي يطلقها شخص ما من دون سبب وجيه أمام الله. فليس للعنة التي يطلقها شخص ما خواص سحرية. إذ لا بد أن يكون لها سبب أمام الله لكي تكون لها أية قوة.
“ولهذا، إذا عرف القلب أن لعنة ما غير عادلة، يمكنه أن يرتاح ويتأكد أنها لن تضره.” (مورجان)
“بما أن الخالق ورب التاريخ هو مصدر البركة واللعنة من خلال إنسان لأخيه، يستنتج المثل أن اللعنة غير المستحقة/غير اللائقة غير فعّالة، لأن الله لا يدعمها.” (والتكي)
“هل كانت لعنات شمعي المتهورة سيئة لداود؟ أم هل كانت لعنات كل الشعب لإرميا سيئة له؟ بإرميا 15: 10].” (تراب)
“بلعام هو الشاهد غير الراغب ضد كل خرافة: “كَيْفَ أَلْعَنُ مَنْ لَمْ يَلْعَنْهُ ٱللهُ” (عدد 23: 8).” (كدنر)
ج) الآيات (3-6): التعامل مع الحمقى.
3اَلسَّوْطُ لِلْفَرَسِ وَٱللِّجَامُ لِلْحِمَارِ، وَٱلْعَصَا لِظَهْرِ ٱلْجُهَّالِ. 4لَا تُجَاوِبِ ٱلْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلَّا تَعْدِلَهُ أَنْتَ. 5جَاوِبِ ٱلْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ. 6يَقْطَعُ ٱلرِّجْلَيْنِ، يَشْرَبُ ظُلْمًا، مَنْ يُرْسِلُ كَلَامًا عَنْ يَدِ جَاهِلٍ.
1. اَلسَّوْطُ لِلْفَرَسِ وَٱللِّجَامُ لِلْحِمَارِ: هنالك أداة ملائمة لكل من هذين الحيوانين. وهنالك أداة تليق بالأحمق أيضًا، وهي ٱلْعَصَا (لِظَهْرِ ٱلْجُهَّالِ). فما لا يتعلّمه الجهّال من كلام الحكمة لا بدّ أن يتعلموه من خلال الألم.
“إنهم مثل البهائم، فإن القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمونها.” جاريت (Garrett)
“كُتب هذا المثل وغيره من الأمثال لنا بصفتين اثنتين: كأشخاص يتعاملون مع الحمقى، وكحمقى محتملين.” كيدنر (Kidner)
2. لَا تُجَاوِبِ ٱلْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ: عندما يسكب أحمق حماقته، فغالبًا ما يكون الصواب هو أن لا نرد عليه. ففي بعض الأحيان، فإن مواجهتنا له حسب طريقته تجعلنا حمقى مثله.
لَا تُجَاوِبِ ٱلْجَاهِلَ: “عندما يكون غير قابل للإصلاح، أو عندما يكون ملتهبًا بانفعالات قوية أو بالخمر، أو عندما لا يكون الأمر ضروريًّا، أو عندما يحتمل أن هذا لن يفيده.” بولي (Poole)
“لا ينبغي للمرء أن ينزل إلى مستوى تفكيره. فمن شأن الدخول في جدال مع أحمق أن يجعل المرء يبدو وكأنه أحمق أيضًا.” روس (Ross)
“لم يشأ حزقيا أن يرد على ربشاقي، ولا إرميا على حنانيا [إرميا 28: 11]، ولا مخلّصنا على خصومه [متى 26: 62؛ يوحنا 19: 9]. ‘ٱلَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ’ [1 بطرس 2: 23].” تراب (Trapp)
3. جَاوِبِ ٱلْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ: في أحيان أخرى، فإن من الصواب أن تجاوب الأحمق. فمن الصواب أحيانًا أن تكشف حماقته وتمنعه من أن يكون حكيمًا في عينيه.
جَاوِبِ ٱلْجَاهِلَ: “عندما يكون قادرًا على نوال خير بجوابك، أو عندما يكون هذا لمجد الله، أو لدى القيام بواجبك، أو من أجل الآخرين.” بولي (Poole)
“يقلب الجواب المنسجم مع حكمة الرب هذا الأحمق رأسًا على عقب. وهكذا يكون الجواب لائقًا.” والتكي (Waltke)
أولئك الذين يعتقدون أن أمثال 26: 4 يناقض 26: 5 لا يعرفون طبيعة الحكمة العملية في الحياة. “يُجمع المثلان معًا لإظهار أن المشكلات البشرية غالبًا ما تُعَقَّد، ولا يمكن حلّها دائمًا بالاحتكام إلى قاعدة واحدة.” روس (Ross)
“يا لروعة الحكمة التي تحكم اللسان وتكتشف الوقت الملائم للكلام والوقت الملائم لالتزام الصمت. كم كان نموذج سيدنا العظيم منوِّرًا. كان صمته وأجوبته جديرًا به على نفس المستوى. أوصل الأول توبيخًا جليلًا، وتسبب الثاني في ارتباكٍ لأعدائه المُخاصمين.” بريدجز (Bridges)
4. مَنْ يُرْسِلُ كَلَامًا عَنْ يَدِ جَاهِلٍ: لا ينبغي للمرء أن يتوقع نتيجة إيجابية لإرسال رسالة على يد أحمق. فكأن المرسِل يؤذي نفسه بهذا. ومن الغريب أن الله اختار جهلاء (حمقى) العالم ليكونوا رسله (1 كورنثوس 1: 27)، لكنه يريدهم أن يكونوا أفضل من حمقى في عمله.
د ) الآيات (7-12): طبيعة الأحمق.
7سَاقَا ٱلْأَعْرَجِ مُتَدَلْدِلَتَانِ، وَكَذَا ٱلْمَثَلُ فِي فَمِ ٱلْجُهَّالِ. 8كَصُرَّةِ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ فِي رُجْمَةٍ، هَكَذَا ٱلْمُعْطِي كَرَامَةً لِلْجَاهِلِ. 9شَوْكٌ مُرْتَفِعٌ بِيَدِ سَكْرَانٍ، مِثْلُ ٱلْمَثَلِ فِي فَمِ ٱلْجُهَّالِ. 10رَامٍ يَطْعَنُ ٱلْكُلَّ، هَكَذَا مَنْ يَسْتَأْجِرُ ٱلْجَاهِلَ أَوْ يَسْتَأْجِرُ ٱلْمُحْتَالِينَ. 11كَمَا يَعُودُ ٱلْكَلْبُ إِلَى قَيْئِهِ، هَكَذَا ٱلْجَاهِلُ يُعِيدُ حَمَاقَتَهُ. 12أَرَأَيْتَ رَجُلًا حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ؟ ٱلرَّجَاءُ بِٱلْجَاهِلِ أَكْثَرُ مِنَ ٱلرَّجَاءِ بِهِ.
1. سَاقَا ٱلْأَعْرَجِ مُتَدَلْدِلَتَانِ، وَكَذَا ٱلْمَثَلُ فِي فَمِ ٱلْجُهَّالِ: يلوّن سليمان في سلسلة من عبارات تتضمن تشبيهات طبيعة الحمقى.
امتلاك الأحمق للحكمة (ٱلْمَثَلُ فِي فَمِ ٱلْجُهَّالِ) أمر بلا فائدة كساقي الأعرج المتدلدلتين (سَاقَا ٱلْأَعْرَجِ مُتَدَلْدِلَتَانِ).
حصول الأحمق على كرامة أمر سخيف مثل ربط حجر في مقلاع لئلا يُقذَف (كَصُرَّةِ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ فِي رُجْمَةٍ).
محاولة الأحمق إعلانه للحكمة مثل شوكة تدخل في يد رجل مخمور (ألمًا شَوْكٌ مُرْتَفِعٌ بِيَدِ سَكْرَانٍ).
ü هذه أمثلة توضيحية عبثية. لكن “ليس أقل عبثَا من ذاك الذي يمنح أحمق كرامة ومديحًا غير جديرين بهما، وبالحصول عليهما، أو بالاحتفاظ بهما، أو باستخدامهما بطريقة صحيحة، لكنهما يُهدَران عليه، ما يسبب أذى أكثر من الخير.” بولي (Poole)
ü كَصُرَّةِ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ فِي رُجْمَةٍ (حجر مربوط في مقلاع): “كان المقلاع يُصنع من الجلد أو من شريط من النسيج الذي تم توسيعه في الوسط، والذي كان يوضع فيه الحجر من دون أن يربط على الإطلاق.” والتكي (Waltke) “قد يرتد الحجر المربوط في المقلاع إلى الوراء ليضرب صاحب المقلاع.” جاريت (Garrett)
ü شَوْكٌ مُرْتَفِعٌ بِيَدِ سَكْرَانٍ: “يتعامل معها بقوة كما لو أنها نوع من الخشب فتدخل في يده. وهكذا يحاول الأشخاص المدنسون تحريف كلمة الله وتشويهها لهلاكهم وهلاك آخرين.” تراب (Trapp)
2. يَسْتَأْجِرُ ٱلْجَاهِلَ أَوْ يَسْتَأْجِرُ ٱلْمُحْتَالِينَ (يعطي الله الأحمق والمتعدين أجورهم): يمتد إرشاد الله وحكمه على كل شيء إلى الأحمق والمتعدين. وسيتأكد من أنهم سيحصلون على أجورهم كمستأجرين وعاملين.
“لأنه صنع الكل، فإنه يحافظ على الكل، حتى الأشرار وغير الشاكرين، أو يسمح لهم بمصدر رزق، ويعطيهم نصيبهم في هذه الحياة، ويملأ بطونهم بكنزه الصالح. لكنه بهذا يرسل الهزال في نفوسهم، أو إذا سمَّنهم، فإن هذا ليعدهم للهلاك، كما تُعَد السلعة إلى سوق اللحم.” تراب (Trapp)
3. كَمَا يَعُودُ ٱلْكَلْبُ إِلَى قَيْئِهِ، هَكَذَا ٱلْجَاهِلُ يُعِيدُ حَمَاقَتَهُ: لن يغيّر الأحمق طرقه بمعزل عن تحوُّل جذري في حياته. فكما أن من طبيعة الكلب أن يعود إلى قيئه، كذلك فإن من طبيعة الأحمق أن يعود إلى حماقته. وقد استخدمت 2 بطرس 2: 22 هذا المثل لتوضيح الطبيعة الكريهة للخاطئ الذي يعود إلى خطيته.
“هذا تشبيه مثير للاشمئزاز عن عمد. فهو يضع الأحمق جنبًا إلى جنب مع الكلب المزدرى، وحماقته الهدّامة جنبًا إلى جنب مع قيء الكلب، وعدم قابليته للإصلاح مع طبيعة الكلب المثيرة للاشمئزاز في عودته إلى قيئه، وشمِّه، ولَعْقِه، وأكْلِه في نهاية الأمر.” والتكي (Waltke)
“نحن ننفر فورًا من هذا المشهد. ليت لدينا نفس هذا الاشمئزاز من الخطية الذي يصوّره المثل بشكل حي.” بريدجز (Bridges)
4. أَرَأَيْتَ رَجُلًا حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ؟: رغم أن سليمان تعامل مع الأحمق معاملة قاسية، إلا أنه فكّر في رجل في خطر أكبر، وهو الرجل المتكبر، وهو الرجل الحكيم فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ. وهذا نوع خاص من الحماقة، حيث لا يتعلم الأحمق أبدًا طرق الحكمة.
“أكبر الحمقى هو الذي لا يعرف أنه أحمق.” مورجان (Morgan)
“هذا الخطر خفي جدًّا. فنحن ميالون في غرورنا إلى أن نظن أننا حكماء من دون أن نعرف أننا مغرورون. ويمكن استخدام اختبار بسيط لهذا. فعندما لا نسعى إلى الإرشاد الإلهي في أي فهم، فلأننا لا نشعر بأية حاجة إليه. وبعبارة أخرى، فإننا حكماء في غرورنا. ولا توجد حالة أكثر أمانًا للنفس من عدم الثقة بالنفس، ومن معرفة بجهلنا التي تدفعنا باستمرار إلى الحكمة التي تأتي من فوق.” مورجان (Morgan)
ه) الآيات (13-16): طبيعة الكسول.
13قَالَ ٱلْكَسْلَانُ: «ٱلْأَسَدُ فِي ٱلطَّرِيقِ، ٱلشِّبْلُ فِي ٱلشَّوَارِعِ!». 14اَلْبَابُ يَدُورُ عَلَى صَائِرِهِ، 15وَٱلْكَسْلَانُ عَلَى فِرَاشِهِ. اَلْكَسْلَانُ يُخْفِي يَدَهُ فِي ٱلصَّحْفَةِ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى فَمِهِ. 16اَلْكَسْلَانُ أَوْفَرُ حِكْمَةً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمُجِيبِينَ بِعَقْلٍ.
1. ٱلْأَسَدُ فِي ٱلطَّرِيقِ، ٱلشِّبْلُ فِي ٱلشَّوَارِعِ: يخلق الكسول أي عذر لتفادي العمل. إذ كان وجود أسد في الطريق أو شوارع المدينة أمرًا مستحيلًا في أزمنة الكتاب المقدس. وهنا يُظهر الكسول موهبة خلّاقة (فهو لا يتخيل أي أسد، بل أسدًا شرسًا جدًّا، وهو الشبل) وشكلًا من أشكال العمل، لكنه مكرس لجهد تجنُّب العمل.
2. اَلْبَابُ يَدُورُ عَلَى صَائِرِهِ (مفصلاته): الطريقة الوحيدة التي يدور بها الباب هي على مفصلاته. والدوران الوحيد الذي يقوم به الكسول هو على فراشه.
عَلَى فِرَاشِهِ: “لكنه لا يخرج منه ما لم يرفعه أو يوقعه أحد عنه. وهكذا لا يخرج الكسول من عشه الوثير، حيث يرقد منقوعًا ومضطجعًا ما لم يدفعه الجوع الشديد أو أية ضرورة أخرى إلى النهوض.” تراب (Trapp)
عَلَى صَائِرِهِ: “روح الفكاهة في هذه الآية مبنية على القياس التمثيلي للباب. فهو يتحرك، لكنه يبقى في مكانه. وبنفس الطريقة، فإن الكسول مثبَّت في فراشه.” روس (Ross)
3. وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى فَمِهِ: الافتقار إلى الطاقة والمبادرة لدى الرجل الكسول عميق جدًّا حتى إنه لا يهتم باحتياجاته الضرورية الشخصية.
“يبغض الكسول كل شكل من أشكال العمل جدًّا حتى إن فكرة بذل الجهد ترهقه.” والتكي (Waltke)
“ينبغي تخفيف الإعجاب بذكاء هذه الصورة بالانزعاج بالتأمل في أن الكسول سيكون آخر من يرى صفاته (انظر الآية 16)، لأنه ليست لديه فكرة أنه كسول. إذ يرى أنه ليس متهرّبًا من العمل بل ‘واقعي،’ (الآية 13) وأنه ليس منغمسًا في ذاته، بل ‘أقل من أفضل ما لديه في الصباح’ (الآية 14)، وقصوره هو ‘اعتراض على تعرُّضه للمضايقة’ (الآية 15)، وكسله الذهني هو التمسك برفضه لتغيير رأيه ومسلكه (الآية 16).” كيدنر (Kidner)
- اَلْكَسْلَانُ أَوْفَرُ حِكْمَةً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ: قد يفتقر الكسول إلى الطاقة والمبادرة، لكنه لا يفتقر إلى تقدير عالٍ لنفسه. فهو يرى أنه أَوْفَرُ حِكْمَةً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمُجِيبِينَ بِعَقْلٍ. إذ لديه ثقة بقدراته الخاصة، لكن لا يبدو أنه ينجز الكثير.
ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمُجِيبِينَ: تعني ’السبعة‘ هنا الكمال، أو الوفرة، أو الكثرة. وهو في نظره أحكم من كثرة من أحكم الحكماء.” كلارك (Clarke)
ثانيًا. يتجنب الإنسان خطايا الكلام
أ ) الآية (17): حكمة عدم التدخل في نزاعات الآخرين.
17كَمُمْسِكٍ أُذُنَيْ كَلْبٍ، هَكَذَا مَنْ يَعْبُرُ وَيَتَعَرَّضُ لِمُشَاجَرَةٍ لَا تَعْنِيهِ.
1. مَنْ يَعْبُرُ وَيَتَعَرَّضُ لِمُشَاجَرَةٍ لَا تَعْنِيهِ: يجد بعضهم التورط في نزاعات الآخرين أمرًا لا يقاوَم. فليست المشاجرة تعنيه، لكنه يجعلها تخصّه. وقد عرَف يسوع متى لا ينبغي التورط في نزاع الآخرين (لوقا 12: 14).
وَيَتَعَرَّضُ: “يعني الفعل العبري ‘يتحمس أو ينفعل.’ وتناسب هذه الكلمة العبرية خط الفكرة، – شخص يتحمس أو يغضب بسبب مشاجرة آخرين.” روس (Ross)
2. كَمُمْسِكٍ أُذُنَيْ كَلْبٍ: من الحمق أن تمسك بأذني كلب. فبمجرد أن يفعل المرء هذا، فإن من الصعب أن يتركه من دون أن يعضه. فالكلب لا يحب هذه الحركة على الإطلاق.
“يعرّض نفسه لمخاطر عظيمة لا لزوم لها لأجل كلب بلا داعٍ.” بولي (Poole)
“حتى شمشون لم يمسك الثعالب من آذانها (قضاة 15: 4).” والتكي (Waltke)
“هنالك فرق شاسع بين المعاناة كمؤمن بالمسيح والمعاناة كشخص فضولي. وحتى مع وجود نيّات مسيحية، فإن كثيرين منا مغرمون بالتدخل في شؤون الآخرين.” بريدجز (Bridges)
“هذا المثل صحيح بنسبة 99% من المرات، حيث يتدخل الناس في شجارات عائلية وخلافات بين رجال وزوجاتهم.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (18-19): خطر كثير المزاح الثقيل.
18مِثْلُ ٱلْمَجْنُونِ ٱلَّذِي يَرْمِي نَارًا وَسِهَامًا وَمَوْتًا، 19هَكَذَا ٱلرَّجُلُ ٱلْخَادِعُ قَرِيبَهُ وَيَقُولُ: “أَلَمْ أَلْعَبْ أَنَا؟”
1. مِثْلُ ٱلْمَجْنُونِ ٱلَّذِي يَرْمِي نَارًا (جمرات) وَسِهَامًا وَمَوْتًا: يرسم سليمان صورة لمحارب شرس يحمل أسلحة كثيرة ناشرًا الدمار في كل مكان.
2. ٱلرَّجُلُ ٱلْخَادِعُ قَرِيبَهُ: إنه الرجل الذي يلعب حيلًا على الآخرين ويخدعهم، مغطيًّا هذا بقوله: ’كنت أمزح، لا أكثر!‘ (أَلَمْ أَلْعَبْ أَنَا؟) فهذا الشخص خطر على الآخرين، وهو غير مرحب به كرفيق.
“لا يحمل حقدًا. إنه مولع بالتسبب في الأذى لا أكثر. وهو ينفّذ مخططًا يفرضه على الآخرين كَلَهْوٍ غير مؤذٍ. ويمدحه رفاقه على براعته وينضمون إلى ضحكة الانتصار على ضحية مزاحه القاسي.” بريدجز (Bridges)
ج) الآيات (20-22): خطر كلمات النمام.
20بِعَدَمِ ٱلْحَطَبِ تَنْطَفِئُ ٱلنَّارُ، وَحَيْثُ لَا نَمَّامَ يَهْدَأُ ٱلْخِصَامُ. 21فَحْمٌ لِلْجَمْرِ وَحَطَبٌ لِلنَّارِ، هَكَذَا ٱلرَّجُلُ ٱلْمُخَاصِمُ لِتَهْيِيجِ ٱلنِّزَاعِ. 22كَلَامُ ٱلنَّمَّامِ مِثْلُ لُقَمٍ حُلْوَةٍ فَيَنْزِلُ إِلَى مَخَادِعِ ٱلْبَطْنِ.
1. بِعَدَمِ ٱلْحَطَبِ تَنْطَفِئُ ٱلنَّارُ: كما أن الحطب يؤجج النار، كذلك فإن النمام يؤجج القيل والقال والنزاعات. فلا تستمر النار من دون حطب، ولا تستمر النزاعات عندما يكف النمام عن عمله. وقد وصف يعقوب قوة الكلمات التي تضرم نارًا مدمرة (يعقوب 3: 6).
ما زالت هنالك آذان راغبة في الاستماع، ولسان ناقل، سيستمر الافتراء الخبيث في الانتشار. لكنه يصل مباشرة إلى مستمع لن يهمس بها إلى الأمام، وفي هذا الاتجاه على الأقل، يتوقف تقدُّمه.” ماير (Meyer)
“النمّام ومستقبِل النميمة وسيطا الشقاق. وإذا لم يستفبل أحدهم النميمة في أول حالة، فلا يمكن أن تنتشر. ولهذا يقول المثل: ’المستقبِل سيئ كاللص تمامًا.‘ وتعاملهما قوانيننا على قدم المساواة، حيث إن متلقّي البضائع المسروقة، والعارف أنها مسروقة، يُشنَق، إضافة إلى ذاك الذي سرقها.” كلارك (Clarke)
2. هَكَذَا ٱلرَّجُلُ ٱلْمُخَاصِمُ لِتَهْيِيجِ ٱلنِّزَاعِ: لا يخلق النزاع نفسه. إذ له صانع، وهو النمام، الرجل المخاصم.
“في غياب مثل هذا الشخص، يمكن أن تُنَحَّى الجراحات القديمة جانبًا ويموت الخلاف ميتة طبيعية. ومع ذلك، نجد أن أخبار التشهير شهية لا تقاوَم.” جاريت (Garrett)
3. كَلَامُ ٱلنَّمَّامِ مِثْلُ لُقَمٍ حُلْوَةٍ: يشرح هذا المثل المكرَّر من أمثال 18: 8 أن النميمة والروايات التي يجلبها النمّام يكاد من المستحيل مقاومتها. ويجد أولئك الذين يفترض أنهم أكثر حكمة صعوبة في الطلب من النمّام أن يتوقف.
“يمكن لكلام النمام في لحظة غفلة أن يلحق أذى لا يمكن إصلاحه. وترحِّب بهذا الشر دوائر تزدهر على الفضائح. لكن هذا لا يغيّر طبيعة النمام الذي يمقته الله والإنسان على حد سواء.” بريدجز (Bridges)
4. فَيَنْزِلُ إِلَى مَخَادِعِ ٱلْبَطْنِ (أعماق الجسم): عندما نقبل كلمات النمام، فإنها في الغالب تؤثر فينا. إذ تدخل الكلمات إلى أعماقنا، وغالبًا ما تغيّر طريقة تفكيرنا ومشاعرنا تجاه الناس، حتى إذا لم تتثبّت صحة ما يقوله النمّام. ويقدّم الله كلمة قوية حول تثبيت الشهادة (تثنية 19: 15؛ 2 كورنثوس 13: 1؛ 1 تيموثاوس 5: 19).
حالما تبدأ بأكل هذه اللقم الحلوة، فإنه يصعب علينا التوقف. “عندما تؤخذ هذه اللقم الحلوة داخل الجسم، فإنها تحفز على الرغبة في المزيد.” روس (Ross)
قُدمت هذه الفكرة من قبل في أمثال 18: 8، وها هي تتكرر هنا على أنها نقطة اهتمام كبير بسلام كل المجتمعات ورفاهها. وهي تصلح أن تُطبع بقوة على ضمائر البشر بسبب ميلهم القوي العام إلى هذه الخطية.” بولي (Poole)
د ) الآية (23): كلمات حلوة تغطّي قلبًا كريهًا.
23فِضَّةُ زَغَلٍ تُغَشِّي شَقْفَةً، هَكَذَا ٱلشَّفَتَانِ ٱلْمُتَوَقِّدَتَانِ وَٱلْقَلْبُ ٱلشِّرِّيرُ.
1. ٱلشَّفَتَانِ ٱلْمُتَوَقِّدَتَانِ وَٱلْقَلْبُ ٱلشِّرِّيرُ: هنال أشخاص قادرون على التحدث بقوة وإقناع، لكن قلوبهم شريرة. ويصبح التأثير السيئ لقلبهم الشرير أكثر فاعلية بسبب كلماتهم المتوقّدة.
“وكما ترجم لوثر هذا النص: ‘فم سيئ وقلب أسوأ.’ ويقال إن الأشرار ‘بقلب فبقلب يتكلمون’ [مزمور 12: 2]، كأنّ قلبًا يقول شيئًا بينما يفكر قلب آخر في شيء آخر، راسمًا بهذا قفّازًا جميلًا على يد كريهة.” تراب (Trapp)
2. فِضَّةُ زَغَلٍ تُغَشِّي شَقْفَةً (إناء خزفيًّا): هذا مثل لشيء يبدو جيدًا ظاهريًّا بقشرة من الفضة، لكنه آنية خزفية (شقفة) لا قيمة لها من الداخل. وهكذا فإن الرجل المذكور في السطر الأول يمكن أن يجتذب الناس ظاهريًّا، لكنه في داخله تافه.
“استُخدم هذا الزغل بسبب لمعانه الفضي كطلاء للسيراميك.” والتكي (Waltke)
“الشفتان اللتان تتظاهران بالصداقة مثل آنية مطلية بمعدن خسيس ليجعله يبدو فضة، لكنه مجرد وعاء حقير حتى إن الخارج نفسه غير نقي.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (24-26): المُبغض السري.
24بِشَفَتَيْهِ يَتَنَكَّرُ ٱلْمُبْغِضُ، وَفِي جَوْفِهِ يَضَعُ غِشًّا. 25إِذَا حَسَّنَ صَوْتَهُ فَلَا تَأْتَمِنْهُ، لِأَنَّ فِي قَلْبِهِ سَبْعَ رَجَاسَاتٍ. 26مَنْ يُغَطِّي بُغْضَةً بِمَكْرٍ، يَكْشِفُ خُبْثَهُ بَيْنَ ٱلْجَمَاعَةِ.
1. بِشَفَتَيْهِ يَتَنَكَّرُ ٱلْمُبْغِضُ: من الشائع لمن يبغضون آخرين – الله أو البشر – أن يخفوا هذا بكلامهم. فهم لا يريدون التخلي عن بُغضهم، لكنهم لا يريدون أن يظهروا كأشخاص مبغِضين.
“ربما تغطّي الكلمات الساحرة الأفكار الشريرة.” روس (Ross)
2. وَفِي جَوْفِهِ يَضَعُ غِشًّا: يخدع المبغِض السري الآخرين، لكنه يخدع نفسه أيضًا. فهو يتخيل نفسه أفضل مما عليه.
3. إِذَا حَسَّنَ صَوْتَهُ فَلَا تَأْتَمِنْهُ: لا يمكن الوثوق بالمبغِض السري حتى لو تكلّم بلطف (إِذَا حَسَّنَ صَوْتَهُ). فكلماته لا تعكس أفكار قلبه الحقيقية. فالخداع يغطّي بُغضه.
لِأَنَّ فِي قَلْبِهِ سَبْعَ رَجَاسَاتٍ: “يشير تعبير سبع رجاسات إلى مجموعة كاملة من أفكاره وأفعاله الشريرة التي تسيء إلى مشاعر الأبرار الأخلاقية.” والتكي (Waltke)
4. يَكْشِفُ خُبْثَهُ بَيْنَ ٱلْجَمَاعَةِ: سواء أكانت هذه الجماعة في هذا العالم أم في العالم الآتي، سيكشف المبغِض السري قلبه الشرير.
“سيُكشف ويُبغَض من الجميع، آجلًا أم عاجلًا، وسيزيل الله طلاءه (قناعه) بأنهار الكبريت.” تراب (Trapp)
- الجماعة: “يشير هذا التعبير إلى التجمع القانوني الذي يتم استدعاؤه لمحاكمة العدو على أعماله الشريرة وإنزال العقوبة فيه. وتحقيق العدالة في سفر الأمثال أمر مستقبلي غير محدد يتجاوز الموت.” والتكي (Waltke)
و ) الآيات (27-28): الدينونة الذاتية على اللسان الكاذب.
27مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. 28اَللِّسَانُ ٱلْكَاذِبُ يُبْغِضُ مُنْسَحِقِيهِ، وَٱلْفَمُ ٱلْمَلِقُ يُعِدُّ خَرَابًا.
1. مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا: غالبًا ما يقرر الله في دينونته أن يحصد الناس ما يزرعونه، وأن يعاملهم كما عاملوا الآخرين، ليسقطوا في الحفرة التي حفروها لآخرين، وليرتد الحجر الذي دحرجوه على آخرين عليهم.
للاطّلاع على أمثلة، تأمل مصير هامان (أستير 7: 10) وأعداء دانيال (دانيال 6: 24-28).” روس (Ross)
يروى الكاردينال بينو قصة لا تُنسى للبابا هيلدرباند أو غريغوري السابع الذي استأجر شخصًا خسيسًا ليضع حجرًا كبيرًا على عارضة في الكنيسة التي اعتاد الملك هنري الرابع أن يصلي فيها، بحيث يسقط من قمة الكنيسة على رأس الإمبراطور ليقتله. لكن بينما كان هذا البائس يحاول القيام بهذا الأمر، سحبه الحجر بثقله إلى أسفل فسقط عليه، وسقط على الأرضية المرصوفة ممزَّقًا.” تراب (Trapp)
2. اَللِّسَانُ ٱلْكَاذِبُ يُبْغِضُ مُنْسَحِقِيهِ: يقوم الكاذب بعملية التدمير من دون شعور مع الآخرين. فلا يحس بالحزن أو الأسف على أولئك الذين يسحقهم. فهو يبغضهم بقوة.
“الكذب عمل كراهية. وبطريقة أو أخرى، فإن الأكاذيب تقضي على أولئك الذين تخدعهم. ولهذا فإن الكاذب لا يحتقر الحق فحسب، بل ضحاياه أيضًا.” جاريت (Garrett)
مُنْسَحِقِيهِ: صنّف بولس نفسه بين المسحوقين: ‘مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لَكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لَكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لَكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ’ (2 كورنثوس 4: 8-9).” والتكي (Waltke)
3. وَٱلْفَمُ ٱلْمَلِقُ يُعِدُّ خَرَابًا: “التملق طريقة أخرى يجلب بها اللسان الكاذب خرابًا. إذ يبني فم المتملق الكبرياء في نفوس المخدوعين، ويتلاعب بهم لأهدافه الخداعة.
“يُكشف قلب المسألة في الآية 28 بحقيقة أن الخِداع، سواء أكان يؤذي أم يلطّف، بُغْضًا عمليًّا، لأن الحق حيوي، والكبرياء قاتلة في ما يتعلق باتخاذ القرارات الصحيحة.” كيدنر (Kidner)
“تُظهر المحبة الزائفة بُغضًا حقيقيًّا.” تراب (Trapp)
“صلّوا من أجل الحكمة لاكتشاف الفخ، ومن أجل مبادئ كريمة ترفعنا فوق المديح الباطل، ومن أجل إنكار الذات، ومن أجل القدرة على أن نكون قانعين، بل شاكرين من دون هذه التملقات. إذ سيكون هذا أماننا.” بريدجز (Bridges)