أمثال 6
حكمة لابن حول الديون والعمل والخطية والإغواء
أولًا. حماقة ضمان ديون آخرين
أ ) الآيات (1-2): ضمان ديون أصدقاء أو غرباء.
1يَا ٱبْنِي، إِنْ ضَمِنْتَ صَاحِبَكَ، إِنْ صَفَّقْتَ كَفَّكَ لِغَرِيبٍ، 2إِنْ عَلِقْتَ فِي كَلَامِ فَمِكَ، إِنْ أُخِذْتَ بِكَلَامِ فِيكَ.
1. يَا ٱبْنِي، إِنْ ضَمِنْتَ صَاحِبَكَ: حذّر سليمان ابنه من أن يضمن ديون الآخرين، سواء أكانوا أصدقاء أم غرباء. كان هذا وعدًا بدفع ديون الصديق أو الغريب إذا لم يسد ديونه.
لم يكن هذا شبيهًا بإقراض شخص ما مالًا، ولا شبيهًا بتوقيع مشترك لضمان قرض. لكنه بالمصطلحات المالية الحديثة أكثر شبهًا بضمان لحد ائتماني مفتوح لشخص ما. “يُبيّن لنا العهد الجديد قبول بولس لالتزامات أُنسيمس السابقة، لكن ليس التزاماته المستقبلية (فليمون 18-19).” كيدنر (Kidner)
“إذا تعهّدتَ – بدلًا من أجل آخر – أن تأخذ العبء عنه، وتضعه على كتفيك… عندما يعرف أنه يوجد لديه شخص يقف بينه وبين مطالب القانون والعدالة، لن يحس بمسؤولية كبيرة، وستصبح همّته مشلولة.” كلارك (Clarke)
“حتى بالنسبة للمتلقّي، قد يكون التعهد غير المشروط عملًا مؤذيًا غير مقصود بتعريضه للتجربة وللحزن اللاحق لإيصال صديق إلى الدمار.” كيدنر (Kidner)
2. إِنْ عَلِقْتَ فِي كَلَامِ فَمِكَ: أن تَعِد بدفع ديون آخر يعني أن تضع نفسك في فخ. وهذا وعد قُطع بكلام فمك، لكنه سيؤثر في محفظتك وسيبتليها.
“تستخدم أيوب 17: 3 هذه الدائرة من الأفكار لتعلن أن أيوب خطر للغاية على أي شخص ما عدا الله، حيث يتضرع أيوب إلى الرب أن يضمنه (انظر مزمور 119: 122). وهكذا يتم بناء جسر في العهد القديم بين فكرة الإفلاس المادي (أو العجز عن الإيفاء بالدين) والروحي.” كيدنر (Kidner)
“بينما يحذّرنا إلهنا من توفير الأمان، فإنه أخذ هذا على عاتقه. تَبارَك اسمه على هذا. لقد أعطانا كلمته، رباطه، نعم، دمه كضمان للخطاة، والذي لا تستطيع أية قوة جهنمية أن تهزه.” بريدجز (Bridges)
ب) الآيات (3-5): ماذا ينبغي أن نفعل بعد أن ضمنّا ديون آخر.
3إِذًا فَٱفْعَلْ هَذَا يَا ٱبْنِي، وَنَجِّ نَفْسَكَ إِذَا صِرْتَ فِي يَدِ صَاحِبِكَ، ٱذْهَبْ تَرَامَ وَأَلِحَّ عَلَى صَاحِبِكَ. 4لَا تُعْطِ عَيْنَيْكَ نَوْمًا، وَلَا أَجْفَانَكَ نُعَاسًا. 5نَجِّ نَفْسَكَ كَٱلظَّبْيِ مِنَ ٱلْيَدِ، كَٱلْعُصْفُورِ مِنْ يَدِ ٱلصَّيَّادِ.
1. نَجِّ نَفْسَكَ: نصح سليمان ابنه، إن جعل نفسه مسؤولًا عن دَين شخص آخر، بأن يفعل ما بوسعه لينجّي نفسه. ينبغي أن يتواضع ويتوسل من أجل التحرر من وعده.
تَرامَ: “يقول النص العبري: ضع نفسك لتُداس، أو ارتمِ عند قدميه بما أنك جعلت نفسك عبدًا له. احمل ثمر حماقتك. وتوسّل بتواضع وجدية محتكمًا إلى حِلْمه ورأفته.” بولي (Poole)
2. كَٱلظَّبْيِ مِنَ ٱلْيَدِ، كَٱلْعُصْفُورِ مِنْ يَدِ ٱلصَّيَّادِ: الظبي مستعد لأن يفعل أي شيء للهروب من الصياد، وسيفعل العصفور أيضًا أي شيء للهروب من صياد الطيور. لقد حاول سليمان من خلال هاتين الصورتين أن يوصل لابنه الضرورة المُلِحّة للهروب من مسؤوليته عن ديون الآخرين.
“من الحماقة أن تكون ضامنًا، لأن الضمانة تَعِد للمستقبل ما لا يستطيع المرء أن يسيطر عليه (انظر أمثال 27: 1). وفضلًا عن ذلك، يكون قد سلّم نفسه للمدين الذي قد يلقي به من دون رحمة في يد الدائن.” والتكي (Waltke)
“رغم عدم وجود معلومات حول قوانين الكفالة في إسرائيل، إلا أن مصادرة الأصول والبيت، وحتى بيع المدين عبدًا كانت عقوبات شائعة لعدم الدفع. وكان الشريك الموقع على الضمان يلقى نفس المصير.” جاريت (Garrett)
ثانيًا. شرف العمل الجاد
أ ) الآيات (6-8): مثال النملة.
6اِذْهَبْ إِلَى ٱلنَّمْلَةِ أَيُّهَا ٱلْكَسْلَانُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا. 7ٱلَّتِي لَيْسَ لَهَا قَائِدٌ أَوْ عَرِيفٌ أَوْ مُتَسَلِّطٌ، 8وَتُعِدُّ فِي ٱلصَّيْفِ طَعَامَهَا، وَتَجْمَعُ فِي ٱلْحَصَادِ أُكْلَهَا.
1. اِذْهَبْ إِلَى ٱلنَّمْلَةِ أَيُّهَا ٱلْكَسْلَانُ: تحدَّث سليمان بحكمة إلى الكسلان، إن كان رجلًا أم امرأة. وينبغي لهذا الكسول أن يتعلم من النملة، وهي حشرة يُضرب بها المثل في العمل الجاد.
يتحدث سفر الأمثال كثيرًا عن قيمة العمل الجاد، ولسبب وجيه. غالبًا ما يكون العمل الجاد هو الفرق بين النجاح والفشل، وبين خيبة الأمل وتحقيقه.
“لا توجد حشرة أكثر اجتهادًا وعملًا من النملة، ولا حتى النحلة نفسها. وليست هنالك حشرة أكثر تعلقًا بصغارها وحرصًا عليها منها.” كلارك (Clarke)
“يرسلنا يسوع إلى مدرسة طيور السماء، وزنابق الحقل لنتعلم الاعتماد على العناية الإلهية [متى 6: 25-29]، وإلى اللقلق، وطائر الكركي، والدوريّ، لكي نتعلم مواسم النعمة، وأن لا نترك الفرص التي يضعها الله في أيدينا تضيع [إرميا 8: 7].” تراب (Trapp)
2. ٱلَّتِي لَيْسَ لَهَا قَائِدٌ أَوْ عَرِيفٌ أَوْ مُتَسَلِّطٌ (رئيس): النملة حكيمة وجديرة بالتمثل بها، لأنها تعمل بجد من دون أن يُطلب منها ذلك. إذ تأتي أخلاقيات الجد والاجتهاد من الداخل، ولا يلزم أن تُفرض من قائد أو عريف أو رئيس.
“أكّد أرسطو أيضًا أن النمل يعمل من دون حكام يوجهونه. فقد اكتشف علماء الحشرات الحديثون تنظيمًا اجتماعيًّا بين النمل. لكن كما لاحظ بلاوت، فإن هذا ’لا يوحي بوجود تسلسل هرمي للقيادة.‘” والتكي (Waltke)
3. وَتُعِدُّ فِي ٱلصَّيْفِ طَعَامَهَا، وَتَجْمَعُ فِي ٱلْحَصَادِ أُكْلَهَا: تعمل النملة عند وقت الحاجة، حيث يتم العمل في الصيف وفي الحصاد. ويعني هذا أن النملة تعطي درسًا جيدًا في طرقها وحكمتها.
“يا لهذه الكمية من الحبوب التي تجمعها في الصيف! وهي تتكبد آلامًا وتعبًا من أجلها، حيث لا تعمل في ضوء النهار فحسب، بل في ضوء القمر أيضًا. يا لها من أكوام ضخمة تمتلكها! ويا لَهذا الحرص على جلبها إلى محلها، وتجففها في الأيام المشمسة لئلا تتعفن مع الرطوبة.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (9-11): تحذير الرجل الكسول.
9إِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا ٱلْكَسْلَانُ؟ مَتَى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِكَ؟ 10قَلِيلُ نَوْمٍ بَعْدُ قَلِيلُ نُعَاسٍ، وَطَيُّ ٱلْيَدَيْنِ قَلِيلًا لِلرُّقُودِ، 11فَيَأْتِي فَقْرُكَ كَسَاعٍ وَعَوَزُكَ كَغَازٍ.
1. إِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا ٱلْكَسْلَانُ؟: طلب سليمان من الكسلان أن يعطي حسابًا عن طرقه. والفكرة هي: “أنت تريد النوم. فإلى متى؟ هنالك حياة ينبغي أن تعاش وعملٌ ينبغي القيام به.”
“الكسلان هو الجمهور (المخاطب) الصريح، لكن الجماهير الضمنية هي الابن والجهال (السّذج) المخاطبون في السفر (انظر أمثال 1: 4-5). يحذّر هؤلاء من الكسل من خلال تأديب الكسلان (انظر أمثال 19: 25).” والتكي (Waltke)
2. مَتَى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِكَ؟: من الواضح أن كل شخص يحتاج إلى النوم. وليست نصيحة سليمان أنه لا ينبغي أن ننام على الإطلاق، بل أن لا نفرط في النوم.
3. قَلِيلُ نَوْمٍ بَعْدُ قَلِيلُ نُعَاسٍ: تخيَّل سليمان الرجل الكسول وهو يقول هذا. ادعى هذا الشخص أنه يحتاج إلى نوم قليل فقط بعد، لكنه في الواقع محتاج إلى مزيد من العمل.
“النوم هو السمة المميزة للكسلان (انظر أمثال 20: 13). وحب النوم بالنسبة له مجرد هروب من الواقع، ورفضٌ لمواجهة العالم والمسؤوليات (أمثال 26: 14). وبالمقابل مع النوم اللذيذ للشخص العامل الجاد (أمثال 4: 23؛ جامعة 5: 12)، فإن نوم الكسلان المخدِّر يتوق إلى مزيد من النوم للهروب من العيش (أمثال 19: 15).” والتكي (Waltke)
4. فَيَأْتِي فَقْرُكَ كَسَاعٍ: سيجد الكسلان أن الفقر والعِوَز يسرعان إليه. فالكسلان يحب المماطلة والتأجيل. ويعتقد دائمًا أن الأشياء يمكن أن تتم لاحقًا. يستطيع العامل الجاد أن يتطلع إلى وقت لاحق، لكن هذا الوقت اللاحق سيأتي كَسَاعٍ (كلص) إلى الكسلان. وعندما يأتي، لن يكون عوزه مفروضًا بسبب ظروف أو سوء حظ، بل من خلال كسله.
فَيَأْتِي فَقْرُكَ: “هنالك ما لا يقل عن 14 مثلًا تتحدث عن الكسل صراحة أو ضمنًا. والنهاية المُرة للكسلان هو الفقر (انظر 20: 13؛ 24: 33-34). ولن يفتقر الكسلان إلى الغنى، بل إلى الطعام، إلى ضروريات الحياة (انظر 19: 15؛ 20: 13؛ 23: 21).” والتكي (Waltke)
كَغَازٍ (كرجل مسلَّح): “يعني هذا ’بغضب لا يقاوَم‘ وأنك لست مستعدًّا لمقاومته.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (12-15): مصير الرجل الشرير.
12اَلرَّجُلُ ٱللَّئِيمُ، ٱلرَّجُلُ ٱلْأَثِيمُ يَسْعَى بِٱعْوِجَاجِ ٱلْفَمِ. 13يَغْمِزُ بِعَيْنَيْهِ. يَقُولُ بِرِجْلِهِ. يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ. 14فِي قَلْبِهِ أَكَاذِيبُ. يَخْتَرِعُ ٱلشَّرَّ فِي كُلِّ حِينٍ. يَزْرَعُ خُصُومَاتٍ. 15لِأَجْلِ ذَلِكَ بَغْتَةً تُفَاجِئُهُ بَلِيَّتُهُ. فِي لَحْظَةٍ يَنْكَسِرُ وَلَا شِفَاءَ.
1. اَلرَّجُلُ ٱللَّئِيمُ (التافه)، ٱلرَّجُلُ ٱلْأَثِيمُ: انتقل سليمان من موضوع الرجل الكسول (أمثال 6: 6-11) إلى الرجل اللئيم، الرجل الشرير. وغالبًا ما ترتبط هاتان السّمتان الآثمتان إحداهما بالأخرى.
2. يَسْعَى بِٱعْوِجَاجِ ٱلْفَمِ: من السمات الرئيسية لأسلوب حياة الرجل اللئيم الشرير (مسعاه، سلوكه) فساد كلامه. ففمه معوج، ويحمل هذا فكرة الالتواء أو الفساد أكثر مما يحمل فكرة الانحراف الأخلاقي. فما يقوله ليس مستقيمًا أو صادقًا أو صحيحًا.
3. يَغْمِزُ بِعَيْنَيْهِ: يبيّن هذا الرجل اللئيم الشرير بعينيه وقدميه وأصابعه معدنه الأخلاقي المعوج وغير النزيه. وينبع الشر والتنافر من حياته.
4. بَغْتَةً تُفَاجِئُهُ بَلِيَّتُهُ: لم ينسب سليمان هذه الكارثة أو هذا الكسر إلى دينونة الله بشكل مباشر، لكنه أمر متضمَّن فالله يعرف كيف يضع الرجل (المرأة) في مكانه الذي يستحقه.
د ) الآيات (16-19): سبعة أشياء يبغضها الرب.
16هَذِهِ ٱلسِّتَّةُ يُبْغِضُهَا ٱلرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرَهَةُ نَفْسِهِ: 17عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، 18قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ ٱلْجَرَيَانِ إِلَى ٱلسُّوءِ، 19شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِٱلْأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ.
1. هَذِهِ ٱلسِّتَّةُ يُبْغِضُهَا ٱلرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرَهَةُ نَفْسِهِ: استخدم سليمان عدة مرات هذا التعبير لتقديم قائمة. وهذه هي قائمة الأشياء التي يبغضها الرب، بل هي مكرهة له.
“لكلمتي ’الستة‘ و’السبعة‘ في الجملة الافتتاحية شرحها في الوصف. فالستة تُكر أولًا، والأمر السابع هو النتيجة، أي زَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ.” مورجان (Morgan)
“يدوّي صوت صفير في جميع أنحاء الكتالوج، وبشكل خاص في هذه الآية: Ses (ستة)، Sane (يبغض)، Seba (سبعة)، Napso (الضمير المتصل الهاء).” والتكي (Waltke)
2. وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرَهَةُ نَفْسِهِ: يذكر سليمان سبع خطايا:
عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ
لِسَانٌ كَاذِبٌ
أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا
قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً
أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ ٱلْجَرَيَانِ إِلَى ٱلسُّوءِ
شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِٱلْأَكَاذِيبِ
زَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ
ü معظم هذه الخطايا مرتبطة بشيء نفعله بجسدنا أو من خلاله. فللعينين نظرة متعالية متكبرة، واللسان ويكذب، وهكذا. ومرة أخرى، نتذكر ما كتبه بولس في رومية حول تقديم أجزاء جسدنا (أعضائنا) لله من أجل عمل البر، لا من أجل الخطية (رومية 6: 13).
ü تركز مجموعة الخطايا السبع على كيفية معاملتنا للآخرين. ويتوجب أن نكرم الله ونعبده بالروح وبالحق، لكن الله مهتم أيضًا بالكيفية التي نعامل بها الآخرين. وكل خطية من هذه الخطايا السبع خطيرة ضد الآخرين.
- زَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ: تقدَّم هذه كنتيجة للخطايا الست السابقة أو بصفتها الأكثر أساسية بينها. فهي من أكثر الأشياء التي يبغضها الله ويعدّها مكرهة له.
سبعة: ومرة أخرى، فإن الشخص الذي يطلق النزاعات (انظر الآية 14) هو خاتمة هذا الكتالوج وذروته.” والتكي (Waltke)
يصف آدم كلارك (Adam Clarke) على أنه شخص “يكدّر صفو عائلة أو قرية أو دولة. وهو يسعى بأكاذيبه وتشويهه للحقائق إلى تأثُّر عقول الناس بالشر تجاه إخوتهم.”
“لا يوجد أحد يحب الأذى. غير أننا ميالون إلى الاعتقاد أن الخطية أقل من أن لا يتسامح معها الله. فقد نعتقد يقينًا أنه ما من رجل يسوده خوف الرب يمكن أن يزرع خصومات بين الإخوة.” مورجان (Morgan)
“سيقع انفجار مدمر على الذين يخلطون بين التحامل والمبدأ، فيتسببون في انقسامات لغاياتهم الأنانية (رومية 16: 17-18).” بريدجز (Bridges)
ثالثًا. أذى العاهرة
أ ) الآيات (20-24): تستطيع كلمة الرب أن تحفظك من إغواء المرأة الشريرة.
20يَا ٱبْنِي، ٱحْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ وَلَا تَتْرُكْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ. 21اُرْبُطْهَا عَلَى قَلْبِكَ دَائِمًا. قَلِّدْ بِهَا عُنُقَكَ. 22إِذَا ذَهَبْتَ تَهْدِيكَ. إِذَا نِمْتَ تَحْرُسُكَ، وَإِذَا ٱسْتَيْقَظْتَ فَهِيَ تُحَدِّثُكَ. 23لِأَنَّ ٱلْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَٱلشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَتَوْبِيخَاتِ ٱلْأَدَبِ طَرِيقُ ٱلْحَيَاةِ. 24لِحِفْظِكَ مِنَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلشِّرِّيرَةِ، مِنْ مَلَقِ لِسَانِ ٱلْأَجْنَبِيَّةِ.
1. ٱحْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ: ربما خطر ببال سليمان كل من الحكمة التي ينقلها الأب إلى أبنائه وكلمة الله التي يتلقّاها الأبوان ويعتزّان بها. وسيُبقي الابن الحكيم كلمة الله قريبة منه، في قلبه وحول عنقه.
اربطها: “هنا يصوّر النص الابن وهو يستظهرها بطريقة تؤثر بشكل دائم في كينونته الذهنية والروحية الجوهرية التي تدفع كل عمل.” والتكي (Waltke)
“تتضمن هذه الآيات الفهم الأساسي أن الحياة البيتية الصالحة، أي مشاركة الأبوين في تنشئة الأبناء معًا ستقطع شوطًا طويلًا في حفظ الشاب من الوقوع في الانحلال الأخلاقي.” روس (Ross)
“في الإصحاحات 5-7، يستهل كل تحذير من الزنا بنصيحة بالانتباه إلى كلمة الله (أمثال 5: 1-2؛ 6: 20-24؛ 7: 1-5).” ويرزبي (Wiersbe)
2. إِذَا ذَهَبْتَ تَهْدِيكَ: كلمة الله حية ونشطة. وعندما نعزّها ونبقيها قريبة منا، فإننا نستفيد من قوّتها الحية. وبعد ذلك تقودنا وتحفظنا وتتكلم إلينا. وينبغي لأي شخص يريد من الله أن يقوده أو يحفظه أو يتكلم إليه أن يبدأ بتقدير كلمة الرب.
تقدم أمثال 6: 22 كلمة الله كشخص يساعد بطرق كثيرة.
ü دليله: (تَهْدِيكَ)
ü حارسه: (تَحْرُسُكَ)
ü رفيقه: (تُحَدِّثُكَ)
تحدّثك: “هذا الكتاب المقدس كتاب ناطق بديع. ويوجد قدر كبير من الكلام المبارك في هذا المجلد الثمين. لقد أخبرني بالكثير عن أخطائي. وسيخبرك بها إذا سمحت له بذلك. وأخبرني الكثير ليعزّيني. ولديه الكثير ليخبرك به إذا أملت أذنك له. وهو كتاب توصيلي رائع. وهو يعرف كل شيء عنك، كل خروجك ودخولك وأين ينبغي أن تكون. ويستطيع أن يخبرك بكل شيء.” سبيرجن (Spurgeon)
3. لِأَنَّ ٱلْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ: يبدو أن سليمان يقتبس هنا مزمور 119: 105: ’سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلَامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي.‘ فعندما نهتم بكلمة الله ونثمّنها بشكل ملائم، فإنها تجلب نورًا إلى ظلمتنا.
4. لِحِفْظِكَ مِنَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلشِّرِّيرَةِ: يتحدث سليمان هنا إلى مكان حيث تستطيع كلمة الله أن تساعدنا. فلن تقودنا كلمة الله وحكمته أبدًا إلى المرأة الشريرة أو تُبقينا معها. إذ سيحفظنا نور كلمة الله بحكمة منها وسيتحدث إلينا بأشياء أفضل مِنْ مَلَقِ لِسَانِ ٱلْأَجْنَبِيَّةِ.
ب) الآيات (25-29): الضرر الذي يفعله الزنا.
25لَا تَشْتَهِيَنَّ جَمَالَهَا بِقَلْبِكَ، وَلَا تَأْخُذْكَ بِهُدُبِهَا. 26لِأَنَّهُ بِسَبَبِ ٱمْرَأَةٍ زَانِيَةٍ يَفْتَقِرُ ٱلْمَرْءُ إِلَى رَغِيفِ خُبْزٍ، وَٱمْرَأَةُ رَجُلٍ آخَرَ تَقْتَنِصُ ٱلنَّفْسَ ٱلْكَرِيمَةَ. 27أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلَا تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ 28أَوَ يَمْشِي إِنْسَانٌ عَلَى ٱلْجَمْرِ وَلَا تَكْتَوِي رِجْلَاهُ؟ 29هَكَذَا مَنْ يَدْخُلُ عَلَى ٱمْرَأَةِ صَاحِبِهِ. كُلُّ مَنْ يَمَسُّهَا لَا يَكُونُ بَرِيئًا.
1. لَا تَشْتَهِيَنَّ جَمَالَهَا بِقَلْبِكَ: أقر سليمان بأنه يمكن للمرأة الفاسقة جمال يُشتهى. وتستطيع الحكمة والكلمة أن يساعدا على منع المرء من الوقوع تحت سيطرة الرغبة في جمالها وجاذبيتها.
إنه لمديح تافه أن يقال إن للمرأة وجهًا جميلًا وطبيعة شقية، ملامح حاوة وحياة دنيئة.” تراب (Trapp)
2. وَلَا تَأْخُذْكَ بِهُدُبِهَا (لا تدعها تفتنك): في زمن داود، كان هذا الافتتان يتم في لقاء شخصي. وفي عالمنا الحديث، تهدف الصور إلى أن تفتن وتغري. وتساعدنا الحكمة والكلمة على أن نرى هذه الصور على حقيقتها. فهي أكاذيب ملتوية لا تعكس الحق حول الجنس أو العلاقات أو الطبيعة الإنسانية.
“يوحي التوازي بين ’لَا تَشْتَهِيَنَّ جَمَالَهَا‘ و’َلا تَأْخُذْكَ بِهُدُبِهَا‘ بأن الاشتهاء يبدأ بالسماح بالاتصال العيني. إذ تدخل الرغبة إلى قلبه من خلال التحفيز البصري الذي يثيره جمالها، وبشكل خاص بؤبؤا العينين.” والتكي (Waltke)
بِهُدُبِهَا (بجفنيها): “تُنتقى العينان هنا لأن العيون المرسومة والنظرات المغوية أعراض للإغواء (انظر 2 ملوك 9: 30).” روس (Ross)
3. بِسَبَبِ ٱمْرَأَةٍ زَانِيَةٍ يَفْتَقِرُ ٱلْمَرْءُ إِلَى رَغِيفِ خُبْزٍ: لا تضيف المرأة الزانية (العاهرة) بجمالها وجاذبيتها شيئًا إلى حياة زبونها. فهي تعد بالإثارة واللذة والانتباه، أو أي عدد من الأشياء الأخرى. لكنها لا تستطيع أن تفي بهذه الوعود. فهي تأخذ ولا تعطي. إذ تفترس نفسه الثمينة.
يفضل عدة مفسرين ترجمة 6: 26 مع فكرة مقارنة تكلفة العاهرة مع تكلفة الزنا. يفضّل أن تترجم هذه الآية هكذا: “رغم أن أجرة العاهرة يمكن أن تكون رغيفًا من الخبز، إلا أن زوجة رجل [آخر] تصطاد حياته الثمينة.” جاريت (Garrett)
“من الواضح أن هذا لا يعني الموافقة على الذهاب إلى عاهرة بدلًا من إقامة علاقة آثمة مع زوجة رجل آخر. لكنه يبيّن الحماقة الكاملة للتورط مع زوجة رجل آخر.” جاريت (Garrett)
4. أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلَا تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ: إن حكمة سليمان رائعة في وضوحها وبساطتها. فالتعامل مع العاهرة لعبٌ بالنار، والاحتراق مؤكد. وهو ينبّه إلى أن كل من يلمسها لن يكون بريئًا.
مَنْ يَدْخُلُ عَلَى ٱمْرَأَةِ صَاحِبِهِ: “أي أن يضاجعها، كما تدل العبارة في تكوين 19: 31؛ 29: 21، 23. ويعني أن ’يمسها‘ معرفة جسدية، كما تُستخدم الكلمة في تكوين 20: 6؛ و 1 كورنثوس 7: 1).” بولي (Poole)
لَا يَكُونُ بَرِيئًا: “ليس جيدًا لمثل هذا الرجل أن يشتكي فيما بعد من قوة التجربة. فلماذا لم يتجنّبها أصلًا؟” بريدجز (Bridges)
ج) الآيات (30-35): العار الذي يجلبه الزنا.
30لَا يَسْتَخِفُّونَ بِٱلسَّارِقِ وَلَوْ سَرِقَ لِيُشْبِعَ نَفْسَهُ وَهُوَ جَوْعَانٌ. 31إِنْ وُجِدَ يَرُدُّ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَيُعْطِي كُلَّ قِنْيَةِ بَيْتِهِ. 32أَمَّا ٱلزَّانِي بِٱمْرَأَةٍ فَعَدِيمُ ٱلْعَقْلِ. ٱلْمُهْلِكُ نَفْسَهُ هُوَ يَفْعَلُهُ. 33ضَرْبًا وَخِزْيًا يَجِدُ، وَعَارُهُ لَا يُمْحَى. 34لِأَنَّ ٱلْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ ٱلرَّجُلِ، فَلَا يُشْفِقُ فِي يَوْمِ ٱلِٱنْتِقَامِ. 35لَا يَنْظُرُ إِلَى فِدْيَةٍ مَّا، وَلَا يَرْضَى وَلَوْ أَكْثَرْتَ ٱلرَّشْوَةَ.
1. لَا يَسْتَخِفُّونَ بِٱلسَّارِقِ: وضع سليمان في اعتباره أنه يمكننا بطريقة ما أن نعذر لصًا يسرق من أجل البقاء. لكن عندما يتم القبض عليه، فإن العدالة تتطلب أن يرد ما سرقه وأكثر. وأما الزاني فيسرق، لكن ليس بدافع الضرورة، وبطريقة تجعل التعويض الحقيقي أمرًا مستحيلًا.
يَرُدُّ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ: “أي أضعافًا كثيرة، كما يحدد القانون، رغم أن هذا يصل إلى أقصى ما يمتلكه السارق. لكن أي تعويض يمكن للزاني أن يقدّم ليعوض بما هو أكثر؟ يسرق السارق بدافع الحاجة، وأما الزاني فبدافع الخلاعة.” تراب (Trapp)
رغم أن سليمان قارن السرقة مع الزنا، إلا أن هنالك صلة مثيرة للاهتمام بينهما. فالانحلال الجنسي والزنا مثل السرقة. فعندما نمارس الجنس مع شخص غير شريكنا المعيّن في عهد الزواج، فإننا نسرق شيئًا من شريك حياتنا (الحالي أو المستقبل)، ومن شريكنا الجنسي غير المشروع، ومن زوج شريكنا الجنسي غير المشروع (الحالي أو المستقبل). وقد أكد بولس وجه هذا الشبه في 1 تسالونيكي 4: 3-6، عندما كتب أن ارتكاب الزنا هو استغلال لأخينا واحتيال عليه.
2. ٱلْمُهْلِكُ نَفْسَهُ: ليس ارتكاب الزنا (وارتكاب الخطية الجنسية بشكل عام) خطية ضد الله والآخرين فحسب، بل هو أيضًا ضد النفس، أي ضد جسد الزاني (1 كورنثوس 6: 18-19). ونحن نعتقد بشكل عام أن عقوبة الانحلال الجنسي تأتي إذا عُرفت وفُضحت الخطية. وتخبرنا الحكمة وكلمة الله أن الزاني يدمر نفسه سواء أفُضحت أم لم تُفضح.
عَدِيمُ ٱلْعَقْلِ: كان الملك داود إستراتيجيًّا عبقريًّا في ميدان المعركة وحاكمًا حكيمًا على العرش. لكنه فقد فطرته السليمة عندما حدّق في زوجة قريبه واشتهاها (2 صموئيل 12).
3. ٱلْمُهْلِكُ نَفْسَهُ: لاحظْ أن اللوم يقع على الزاني. ويمكن للرجل أن يلقي اللوم على المرأة المُغوية، أو امرأته، أو شهواته، أو رغباته، أو ظروفه، أو الله، أو إبليس نفسه. لكن في نهاية الأمر، يهلك نفسه.
“يؤكد تعبير ’ٱلْمُهْلِك نَفْسَهُ‘ في الآية 32 أن المذنب يقضي على حياته بنفسه.” روس (Ross)
“تصطاد الثعلبة حياته، لكنه مسؤول عن تدمير نفسه.” والتكي (Waltke)
4. وَعَارُهُ لَا يُمْحَى: إضافة إلى الطرق التي يجلب بها الزنا الأذى، فإنه يجلب العار أيضًا عند اكتشافه. ولن يتردد الزوج الغيور عن الانتقام، ولن يقبل أية ترضية في غضبه.
لن يُمحى خزيه. فرغم غفران الله له، إلا أن العار والفضيحة سيبقيان.” بولي (Poole)
لَا يَنْظُرُ إِلَى فِدْيَةٍ (ترضية) مَّا: هذا أذى لا يسمح بأية فدية (ترضية). فلا يمكن لأية هدايا أن ترضي رجلًا عن الضرر الذي لحق بشرفه. لن يقبل رشوة أو فدية. ولا بد من الانتقام من أجل الشرف.” كلارك (Clarke)
“رغم أن المحكمة قد تحكم على الزاني بالضرب بالعصا، والعار، وتجريده من كل أملاكه، إلا أن زوج المرأة غير الوفية لن يهدأ، ولن يرضى بغير موت الرجل الزاني.” والتكي (Waltke)
5. ضَرْبًا (جروحًا) وَخِزْيًا يَجِدُ: ربما يقدم الانحلال الجنسي أو ربما لا يقدم اللذة والإثارة وغالبًا الرومانسية. لكن حتى لو قدّمتها، فإنه سيجلب جروحًا (ضربًا) وخزيا. إذ يجلب جروحً لجسده ونفسه، وخزيًا في العائلة والجماعة والمجتمع.
“يُجرح، لكن ليس كجندي أو كشهيد مسيحي. وهو ممتلئ بالعار، لا بالكرامة. واسمه ممتلئ بالخزي.” بريدجز (Bridges)
“قد تبدو صورة الزاني على أنه منبوذ اجتماعيًّا مبالغة فيها إلى حد كبير. فإن كان هذا الأمر كذلك، فإن التعديل الذي ينبغي إجراؤه هو القول إن مثل هذا الفعل في أي مجتمع صحي هو بمنزلة انتحار اجتماعي. ويبرهن التغاضي عن الخطية هذه – وهذا أمر مختلف عن الغفران – أن الزاني جزء من الانحطاط العام.” كيدنر (Kidner)