سفر التثنية – الإصحاح ٤
دعوة للطاعة
أولًا. موسى يتحدى الأمة في طاعة الرب
أ ) الآيات (١-٨): موسى يتحدى إسرائيل في التعلّم من مثال بعل فغور.
١فَالآنَ يَا إِسْرَائِيلُ اسْمَعِ الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ الَّتِي أَنَا أُعَلِّمُكُمْ لِتَعْمَلُوهَا، لِكَيْ تَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأَرْضَ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ يُعْطِيكُمْ. ٢لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ، لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا. ٣أَعْيُنُكُمْ قَدْ أَبْصَرَتْ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ بِبَعْلَ فَغُورَ. إِنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ وَرَاءَ بَعْلَ فَغُورَ أَبَادَهُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ وَسَطِكُمْ، ٤وَأَمَّا أَنْتُمُ الْمُلْتَصِقُونَ بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ فَجَمِيعُكُمْ أَحْيَاءٌ الْيَوْمَ. ٥اُنْظُرْ. قَدْ عَلَّمْتُكُمْ فَرَائِضَ وَأَحْكَامًا كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ إِلهِي، لِكَيْ تَعْمَلُوا هكَذَا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ دَاخِلُونَ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكُوهَا. ٦فَاحْفَظُوا وَاعْمَلُوا. لأَنَّ ذلِكَ حِكْمَتُكُمْ وَفِطْنَتُكُمْ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كُلَّ هذِهِ الْفَرَائِضِ، فَيَقُولُونَ: هذَا الشَّعْبُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ شَعْبٌ حَكِيمٌ وَفَطِنٌ. ٧لأَنَّهُ أَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ آلِهَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ كَالرَّبِّ إِلهِنَا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِنَا إِلَيْهِ؟ ٨وَأَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ عَادِلَةٌ مِثْلُ كُلِّ هذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَنَا وَاضِعٌ أَمَامَكُمُ الْيَوْمَ؟
١. فَالآنَ يَا إِسْرَائِيلُ اسْمَعِ: كان موسى قد ذكّر إسرائيل بكثرة تمردهم ضد الله في البرية. والآن، إذ كانوا مستعدين للدخول إلى أرض الموعد، أراد منهم أن يفكروا في احتياجهم إلى طاعة الرب وذلك في ضوء تمردات الماضي.
• كما لاحظنا من قبل، أن إحدى استراتيجيات الشيطان العظيمة هي أن يجعلنا نتذكر ما يجب أن ننساه وأن ننسى ما يجب أن نتذكره. فإذا لم نتذكر خطايانا الماضية وتمرداتنا ضد الله، فمن السهل أن نكررها ثانية، ونقع في نفس الأنماط والفخاخ الخاطئة: إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ. (١ كورنثوس ١٠: ١٢).
٢. لِكَيْ تَحْيَوْا: إذا نظرنا بالمعنى الأوسع، نجد أن الحياة الروحية والموت كانا يعتمدان على طاعة إسرائيل لله. ومع ذلك، فبالمعنى الأكثر مباشرة، الحياة الجسدية والموت أيضًا كانا يعتمدان على طاعتهما للرب. لقد كان شعب إسرائيل على وشك مهاجمة أمة قوية وطردهم من أرض الموعد – وإذا لم تكن بركة الرب عليهم، فسوف يقعون قريبًا في الكثير من المتاعب.
• وفي الواقع، لقد جاءت خسارة إسرائيل العسكرية الأولى في أرض الموعد، في عَايَ (يشوع ٧) على وجه التحديد، لأنهم عصوا الله. ومات في عَايَ ٣٦ رجلًا. وكان ذلك بسبب رجل واحد في إسرائيل (عَخَانُ) لم يسمع لقول الرب.
٣. لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ: إن هذا المبدأ هام جدًا فيما يتعلق بكلمة الله. فلا يجب أن نضيف لكلمة الله (بمعنى جعل تقاليد وآراء الناس مساوية لشريعة الله)، ولا يجب أن نحذف منها (عن طريق التعليم أو تفسير المقاطع الكتابية بشكل خاطئ).
• وتتكرر هذه الفكرة نفسها في سفر الرؤيا ٢٢: ١٨-١٩ “لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ.”
٤. أَعْيُنُكُمْ قَدْ أَبْصَرَتْ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ بِبَعْلَ فَغُورَ: لقد أخطأ شعب إسرائيل في بَعْلَ فَغُور بارتكابهم الزنا الجنسي والروحي مع نساء موآب. وقد حذر موسى شعب إسرائيل من أنهم إذا رفضوا الله الآن كما فعلوا في ذلك الوقت، فسيواجهون نفس العواقب السابقة. سيموت كثيرون تحت قضاء الرب.
٥. هذَا الشَّعْبُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ شَعْبٌ حَكِيمٌ وَفَطِنٌ: لقد كان قصد الله أن يُعظم شعب إسرائيل بين الأمم من خلال طاعتهم للعهد، وأن يجعلهم شهودًا. وكان يقصد من ذلك أن يرى الغرباء، مثل ملكة سبأ التي زارت سليمان في قمة بركته، كيف أن الرب إله إسرائيل هو حقًا الرب الإله (١ ملوك ١٠).
ب) الآيات (٩-٢٠): موسى يتحدى إسرائيل على التعلّم من المثال في جبل سيناء (حوريب).
٩«إِنَّمَا احْتَرِزْ وَاحفَظْ نَفْسَكَ جِدًّا لِئَلاَّ تَنْسَى الأُمُورَ الَّتِي أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ، وَلِئَلاَّ تَزُولَ مِنْ قَلْبِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَعَلِّمْهَا أَوْلاَدَكَ وَأَوْلاَدَ أَوْلاَدِكَ. ١٠فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَقَفْتَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ حِينَ قَالَ لِي الرَّبُّ: اجْمَعْ لِي الشَّعْبَ فَأُسْمِعَهُمْ كَلاَمِي، لِيَتَعَلَّمُوا أَنْ يَخَافُونِي كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي هُمْ فِيهَا أَحْيَاءٌ عَلَى الأَرْضِ، وَيُعَلِّمُوا أَوْلاَدَهُمْ. ١١فَتَقَدَّمْتُمْ وَوَقَفْتُمْ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَالْجَبَلُ يَضْطَرِمُ بِالنَّارِ إِلَى كَبِدِ السَّمَاءِ، بِظَلاَمٍ وَسَحَابٍ وَضَبَابٍ. ١٢فَكَلَّمَكُمُ الرَّبُّ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلاَمٍ، وَلكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً بَلْ صَوْتًا. ١٣وَأَخْبَرَكُمْ بِعَهْدِهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرِ، وَكَتَبَهُ عَلَى لَوْحَيْ حَجَرٍ. ١٤وَإِيَّايَ أَمَرَ الرَّبُّ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ فَرَائِضَ وَأَحْكَامًا لِكَيْ تَعْمَلُوهَا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. ١٥«فَاحْتَفِظُوا جِدًّا لأَنْفُسِكُمْ. فَإِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً مَّا يَوْمَ كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ فِي حُورِيبَ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. ١٦لِئَلاَّ تَفْسُدُوا وَتَعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، صُورَةَ مِثَال مَّا، شِبْهَ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، ١٧شِبْهَ بَهِيمَةٍ مَّا مِمَّا عَلَى الأَرْضِ، شِبْهَ طَيْرٍ مَّا ذِي جَنَاحٍ مِمَّا يَطِيرُ فِي السَّمَاءِ، ١٨شِبْهَ دَبِيبٍ مَّا عَلَى الأَرْضِ، شِبْهَ سَمَكٍ مَّا مِمَّا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. ١٩وَلِئَلاَّ تَرْفَعَ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَنْظُرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، كُلَّ جُنْدِ السَّمَاءِ الَّتِي قَسَمَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ، فَتَغْتَرَّ وَتَسْجُدَ لَهَا وَتَعْبُدَهَا. ٢٠وَأَنْتُمْ قَدْ أَخَذَكُمُ الرَّبُّ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ كُورِ الْحَدِيدِ مِنْ مِصْرَ، لِكَيْ تَكُونُوا لَهُ شَعْبَ مِيرَاثٍ كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ.
١. إِنَّمَا احْتَرِزْ وَاحفَظْ نَفْسَكَ جِدًّا: وبعد هذا التحذير قام موسى بتحذيرهم لأن يأخذوا وصايا الله وَيعَلِّمْوهَا لأَوْلاَدَهم وَأَوْلاَدَ أَوْلاَدِهم. لم يكن على شعب إسرائيل أن يلعب لعبة النفاق مع أولادهم والتي تنص على: “افعل ما أقوله وليس ما أفعله.” وبدلًا من ذلك كان عليهم أن يحْتَرِزْوا لأنفسهم أولًا، وبعدها يعلّموا أولادهم.
٢. كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ: قال موسى للأمة أن يخبروا أولادهم بشكل خاص عن اختبارهم في حوريب (أي جبل سيناء) – وهو اختبار قد عرفه معظم هؤلاء وهم أطفال، وربما لم يختبروه على الإطلاق.
• ففي حوريب، سمع شعب إسرائيل الله وهو يتكلم (فَأُسْمِعَهُمْ كَلاَمِي). لقد كان القصد من هذا اللقاء الشخصي هو طاعة الله، لكنهم لم يفعلوا.
٣. وَأَخْبَرَكُمْ بِعَهْدِهِ: عند جبل سيناء، لم يتلق شعب إسرائيل وصايا من الله فحسب؛ بل قد دخلوا أيضًا في عهد معه، ووعدوا بطاعته، ووعد الله بأن يباركهم إن فعلوا (خروج ٢٤: ١-٨).
٤. فَإِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً مَّا يَوْمَ كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ: في حوريب، كان لا بد من إطاعة الوصايا. ولأنهم لم يروا أي صورة لله، فقد أوصى الله ألا يصنعوا صورة تمثّله أبدًا.
• لقد منع الله إسرائيل أيضًا من أن يعبدوا خليقته. فلا توجد أي بَهِيمَةٍ أو طَيْرٍ أو الشَّمْسَ أوَ الْقَمَرَ أوَ النُّجُومَ يصلح لعبادتنا. وهذه هي عبادة الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالقِ (رومية ١: ٢٥).
٥. وَأَنْتُمْ قَدْ أَخَذَكُمُ الرَّبُّ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ كُورِ الْحَدِيدِ: ولأن الله قد خلصنا، فإن له حقوقًا علينا. فهو لم ينقذنا حتى نتمكن من القيام بأمورنا الخاصة، بل حتى نتمكن من القيام بأموره هو.
ج) الآيات (٢١-٢٤): موسى يتحدى إسرائيل في التعلّم من مثال فشله.
٢١وَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ، وَأَقْسَمَ إِنِّي لاَ أَعْبُرُ الأُرْدُنَّ وَلاَ أَدْخُلُ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ نَصِيبًا. ٢٢فَأَمُوتُ أَنَا فِي هذِهِ الأَرْضِ، لاَ أَعْبُرُ الأُرْدُنَّ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْبُرُونَ وَتَمْتَلِكُونَ تِلْكَ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ. ٢٣اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَنْسَوْا عَهْدَ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَكُمْ، وَتَصْنَعُوا لأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، صُورَةَ كُلِّ مَا نَهَاكَ عَنْهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. ٢٤لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ، إِلهٌ غَيُورٌ.
١. وَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ: لقد أدّب الله موسى من أجل إسرائيل، ولم يسمح له بالدخول إلى أرض الموعد. كان على الشعب أن يرى أنه لا يوجد أحد، ولا حتى موسى، فوق الناموس. وكان عليهم أيضًا أن يفهموا أنه كان من الأفضل حقًا أن يقودهم يشوع إلى أرض الموعد بدلًا من موسى.
٢. فَأَمُوتُ أَنَا فِي هذِهِ الأَرْضِ… وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْبُرُونَ وَتَمْتَلِكُونَ تِلْكَ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ: كان موسى متواضعًا بما فيه الكفاية ليدرك خطيته وفشله أمام إسرائيل، وكان لديه ما يكفي من الإيمان ليصدق أنهم قادرون على تحقيق النجاح – حتى بدونه.
• عرف موسى أنه يمكن استبداله. يا له من أمر خطير أن يبدأ أي شخص في الخدمة في الاعتقاد بأنه يفعل شيئًا لا يستطيع أي شخص آخر القيام به، أو أنه لا يمكن استبداله. يستطيع الله أن يستخدم أي شخص. وإن كانت الخدمة تعتمد على شخص واحد لا يمكن استبداله، فهي إذًا خدمة من إنسان وليست من الله. وقد كان موسى متواضعًا وحكيمًا بالقدر الكافي ليدرك ذلك.
٣. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ، إِلهٌ غَيُورٌ: إن فكرة موسى كانت بسيطة؛ “إن كان الله لم ينقذني عندما أخطأت إليه، فلا تظن أنه سيشفق عليكم إذا عبدتم آلهة أخرى. فالله نار آكلة، وعلينا أن نأخذه ونأخذ طاعته على محمل الجد.” ونفس الفكرة يتردد صداها في الرسالة إلى العبرانيين (١٢: ٢٩).
ثانيًا. موسى يحذر الأمة من خطورة العصيان
أ ) الآيات (٢٥-٢٨): السبي بين الأمم هو ثمن عبادة آلهة أخرى.
٢٥«إِذَا وَلَدْتُمْ أَوْلاَدًا وَأَوْلاَدَ أوْلادٍ، وَأَطَلْتُمُ الزَّمَانَ فِي الأَرْضِ، وَفَسَدْتُمْ وَصَنَعْتُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا صُورَةَ شَيْءٍ مَّا، وَفَعَلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ لإِغَاظَتِهِ، ٢٦أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ أَنَّكُمْ تَبِيدُونَ سَرِيعًا عَنِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. لاَ تُطِيلُونَ الأَيَّامَ عَلَيْهَا، بَلْ تَهْلِكُونَ لاَ مَحَالَةَ. ٢٧وَيُبَدِّدُكُمُ الرَّبُّ فِي الشُّعُوبِ، فَتَبْقَوْنَ عَدَدًا قَلِيلًا بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي يَسُوقُكُمُ الرَّبُّ إِلَيْهَا. ٢٨وَتَصْنَعُونَ هُنَاكَ آلِهَةً صَنْعَةَ أَيْدِي النَّاسِ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ مِمَّا لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشُمُّ.
١. أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ: فالخليقة نفسها سوف تشهد ضد عبادة إسرائيل للوثن. لذلك فهم سيُبِادُونَ في الأرض التي وعدهم الله أن يمنحهم إياها.
٢. وَيُبَدِّدُكُمُ الرَّبُّ فِي الشُّعُوبِ: لقد أعطى الله إسرائيل أرض الموعد، ولكن بشروط. ولو استمروا وأصروا على عبادة الأوثان لأخرجهم الله من الأرض وشتتهم في الأمم.
• وهذا بالضبط ما حدث بعد حوالي ٥٥٠ سنة، في زمن السبي البابلي ليهوذا.
٣. وَتَصْنَعُونَ هُنَاكَ آلِهَةً صَنْعَةَ أَيْدِي النَّاسِ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ مِمَّا لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشُمُّ: فإذا تم سبي إسرائيل، فهذا يعني أنهم قد تشبعوا بالأصنام. لذلك كان الله سيضعهم في أرض مملوءة بالأصنام.
• في كثير من الأحيان، يكون تأديب الله لنا هو أن يمنحنا ما تشتاق إليه قلوبنا الخاطئة. فإن أراد شعب إسرائيل الأصنام فسيعطيهم الله أصنامًا.
ب) الآيات (٢٩-٣١): رحمة الله على إسرائيل المسبية.
٢٩ثُمَّ إِنْ طَلَبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ إِذَا الْتَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ. ٣٠عِنْدَمَا ضُيِّقَ عَلَيْكَ وَأَصَابَتْكَ كُلُّ هذِهِ الأُمُورِ فِي آخِرِ الأَيَّامِ، تَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ وَتَسْمَعُ لِقَوْلِهِ، ٣١لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ رَحِيمٌ، لاَ يَتْرُكُكَ وَلاَ يُهْلِكُكَ وَلاَ يَنْسَى عَهْدَ آبَائِكَ الَّذِي أَقْسَمَ لَهُمْ عَلَيْهِ.
١. إِنْ طَلَبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ إِذَا الْتَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِك: لم يكن الله ليتخلى تمامًا عن إسرائيل في السبي. فعندما كانوا مستعدين للرجوع إليه، كان هو مستعدًا لاستقبالهم.
٢. إِذَا الْتَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ: ومع ذلك، إذا أرادوا أن يجدوا الرب، كان عليهم أن يطلبوه بِكُلِّ قلوبهم وبِكُلِّ نفوسهم.
• في هذا السياق، يحمل التماس الله بالقَلْبِ فكرة طلبهِ بشغف، تطلبه لأنك تريد حقًا أن تحب الرب. والتماس الرب بالنفس يحمل فكرة طلب الرب بأذهاننا وإرادتنا وعواطفنا، وتقديم كل كياننا له.
٣. تَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ وَتَسْمَعُ لِقَوْلِهِ: تدل هذه الكلمات على أننا عندما نطلب الله من كل قلوبنا ومن كل نفوسنا، فهذا سيظهر في صورة طاعتنا له.
ج) الآيات (٣٢-٤٠): إدراك معنى خدمة الله.
٣٢«فَاسْأَلْ عَنِ الأَيَّامِ الأُولَى الَّتِي كَانَتْ قَبْلَكَ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي خَلَقَ اللهُ فِيهِ الإِنْسَانَ عَلَى الأَرْضِ، وَمِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاءِ إِلَى أَقْصَائِهَا. هَلْ جَرَى مِثْلُ هذَا الأَمْرِ الْعَظِيمِ، أَوْ هَلْ سُمِعَ نَظِيرُهُ؟ ٣٣هَلْ سَمِعَ شَعْبٌ صَوْتَ اللهِ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ كَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ، وَعَاشَ؟ ٣٤أَوْ هَلْ شَرَعَ اللهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا مِنْ وَسَطِ شَعْبٍ، بِتَجَارِبَ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَحَرْبٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ رَفِيعَةٍ وَمَخَاوِفَ عَظِيمَةٍ، مِثْلَ كُلِّ مَا فَعَلَ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ فِي مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ؟ ٣٥إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ. لَيْسَ آخَرَ سِوَاهُ. ٣٦مِنَ السَّمَاءِ أَسْمَعَكَ صَوْتَهُ لِيُنْذِرَكَ، وَعَلَى الأَرْضِ أَرَاكَ نَارَهُ الْعَظِيمَةَ، وَسَمِعْتَ كَلاَمَهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. ٣٧وَلأَجْلِ أَنَّهُ أَحَبَّ آبَاءَكَ وَاخْتَارَ نَسْلَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، أَخْرَجَكَ بِحَضْرَتِهِ بِقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ مِنْ مِصْرَ، ٣٨لِكَيْ يَطْرُدَ مِنْ أَمَامِكَ شُعُوبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ، وَيَأْتِيَ بِكَ وَيُعْطِيَكَ أَرْضَهُمْ نَصِيبًا كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ. ٣٩فَاعْلَمِ الْيَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلْبِكَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ. ٤٠وَاحْفَظْ فَرَائِضَهُ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ لِكَيْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَإِلَى أَوْلاَدِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَلِكَيْ تُطِيلَ أَيَّامَكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ إِلَى الأَبَدِ».
١. فَاسْأَلْ: لقد طلب موسى من إسرائيل أن يتأملوا في الأَيَّامِ الأُولَى، وإذا كان الله قد تعامل مع أي أمة أخرى بنفس الطريقة التي تعامل بها مع إسرائيل! كان شعب إسرائيل بحاجة لأن يعرفوا أن لهم مكانة خاصة في خطة الله.
٢. إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ: عرف شعب إسرائيل أن الرب هو الله بسبب كل العجائب التي صنعها الله معهم.
• وبنفس الطريقة، عندما نتأمل كيف لمس الله حياتنا، – كيف اختبرنا القوة التي تحررنا من الخطية، وتعطينا الرجاء عندما نكون محبطين، والقوة التي تشفي أجسادنا، وتحرر قلوبنا المريرة، وتستجيب لصلواتنا، حتى ننتصر أمام أغلب وأصعب العقبات – عندما نفكر في هذه الأمور، يمكننا أن نعلم أن الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ.
٣. الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ: سمع شعب إسرائيل صوت الله المسموع من السماء؛ لقد رأوا ناره المقدسة وانتفعوا من اختياره الإلهي لهم. وكان بإمكانهم أن يعلموا ذلك بسبب تعاملات الله معهم الله.
٤. وَاحْفَظْ فَرَائِضَهُ وَوَصَايَاهُ: وفي ضوء هوية الله، وكل ما فعله لإسرائيل، فإن طاعة وصاياه أصبحت أمر منطقي تمامًا. لقد كان هذا ببساطة ما ينبغي القيام به. سنكون حمقى عندما نعصي إله المحبة والقوة.
• الرب يقدم دعوة للإنسان: هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبّ (إشعياء ١: ١٨). وعندما نفكر في البدائل، فإن خدمة وعبادة الله هي الخيار الوحيد. كثيرًا ما نعتقد أنه من الصعب علينا خدمة الرب، ولكننا سنكون في وضع أسوأ بكثير بدون الرب. لقد قيل مرة: “الديمقراطية هي أسوأ صور الحكم التي تم تأسيسها على الإطلاق، باستثناء جميع صور الحكم الأخرى.” ويمكننا أيضًا أن نقول: “إن خدمة الله هي أصعب طريقة للحياة، باستثناء كل الطرق الأخرى.”
د ) الآيات (٤١-٤٣): موسى يفرز مدن الملجأ في الأرض الواقعة شرق نهر الأردن.
٤١حِينَئِذٍ أَفْرَزَ مُوسَى ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ الشَّمْسِ ٤٢لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ الَّذِي يَقْتُلُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ. يَهْرُبُ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدُنِ فَيَحْيَا. ٤٣بَاصِرَ فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ السَّهْلِ لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ، وَرَامُوتَ فِي جِلْعَادَ لِلْجَادِيِّينَ، وَجُولاَنَ فِي بَاشَانَ لِلْمَنَسِّيِّينَ.
١. حِينَئِذٍ أَفْرَزَ مُوسَى ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ: وكان هذا جزءًا من الاستعداد الأساسي لدخول أرض الموعد. فقد أمر الله أن تُجهز ثلاث مدن للملجأ في كل جانب من نهر الأردن (سفر العدد ٣٥: ١٤)، وهنا تم تعيين المدن الثلاث التي تقع في شرق الأردن.
٢. ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ: لم يتمكن موسى من تعيين جميع مدن الملجأ الست بسبب أنهم لم يأخذوا الأرض الواقعة على الجانب الغربي من نهر الأردن بعد. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه لم يستطع إطاعة كل وصايا الله بتعيين ست مدن ملجأ، إلا أنه فعل ما بوسعه – وعين الثلاث مدن بشرق الأردن.
• “ولذلك دعونا نتعلم أنه حتى عندما لا نستطيع أن ننفذ بالكامل ما أمرنا الله أن نفعله في الحال، فلا يجب أن نكون كسولين بأي حال من الأحوال. لأنه لا شيء يقف في طريقنا إلا الكسل المطلق، ما لم نبدأ بسرعة في تتميم وصية الله، وما يريد أن يكمله.” كالفين (Calvin)
هـ) الآيات (٤٤-٤٩): موسى سوف يراجع وصايا الله مع شعب إسرائيل.
٤٤وَهذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي وَضَعَهَا مُوسَى أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٤٥هذِهِ هِيَ الشَّهَادَاتُ وَالْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي كَلَّمَ بِهَا مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ ٤٦فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ فِي الْجِوَاءِ مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ، فِي أَرْضِ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ سَاكِنًا فِي حَشْبُونَ، الَّذِي ضَرَبَهُ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ ٤٧وَامْتَلَكُوا أَرْضَهُ وَأَرْضَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ، مَلِكَيِ الأَمُورِيِّينَ، اللَّذَيْنِ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ الشَّمْسِ. ٤٨مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَةِ وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جَبَلِ سِيئُونَ الَّذِي هُوَ حَرْمُونُ ٤٩وَكُلَّ الْعَرَبَةِ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ نَحْوَ الشُّرُوقِ إِلَى بَحْرِ الْعَرَبَةِ تَحْتَ سُفُوحِ الْفِسْجَةِ.
١. وَهذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي وَضَعَهَا مُوسَى أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: عندما خاطب موسى الأمة بوصايا الشريعة كانوا على عتبة أرض الموعد. لقد مر حوالي ٣٨ عامًا منذ أن تسلموا شريعة الله على جبل سيناء، والآن قام موسى بمراجعة شريعة الله وتفسيرها مع الجيل الجديد.
٢. فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ: فإذا كانوا سيأخذون أرض الموعد، كان عليهم أن يتدربوا في كلمة الله. فهم لن يأخذوا الأرض على أساس مبدأ روحي كمبدأ “اخدم نفسك بنفسك،” بل فقط على أساس طاعة كلمة الله الأبدية. وينطبق الشيء نفسه بالنسبة لنا – فنحن لن نسير أبدًا في الحياة الأفضل التي يمنحها الله لنا ما لم نطيعه ونعمل ما يوصينا به في كلمته.