سفر التثنية – الإصحاح ٢٨
البركة واللعنة
أولًا. بركات الطاعة
أ ) الآيات (١-٢): تدركك البركة.
١وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، ٢وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ.
١. وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ: إن كلمة “وَإِنْ” تلوح في الأفق بشكل واسع. ففي هذا الإصحاح، حث موسى الأمة على القيام باختيار. فالعهد الذي قطعه الله مع إسرائيل يحتوي على ثلاث سمات رئيسية: الناموس، والذبيحة، والاختيار.
• إن الفكرة وراء الاختيار هي أن الله كان مصممًا على أن يعلن عن نفسه للعالم من خلال إسرائيل. وكان سيفعل ذلك إما عن طريق جعلهم مباركين لدرجة أن العالم سيعرف أن الله وحده هو الذي يستطيع أن يباركهم على هذا النحو؛ أو بجعلهم ملعونين لدرجة أن العالم يدرك أن الله وحده هو الذي يستطيع أن يلعنهم ويجعلهم على قيد الحياة. وكان اختيار اللعنة أو البركة متروكًا لإسرائيل.
• ومن الناحية الأدبية، فإن هذا الإصحاح يشبه المعاهدات القديمة بين الملك وشعبه؛ هذا هو الله الملك، الذي قطع عهدًا مع شعبه، إسرائيل.
• “في الشرق الأدنى القديم، كان من المعتاد أن تُختتم المعاهدات القانونية بمقاطع تحتوي على بركات لأولئك الذين التزموا بالتشريعات، ولعنة على أولئك الذين لم يلتزموا بها.” هاريسون (Harrrison)
٢. يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ: فإذا سمع إسرائيل للرب يَجْعَلُهم مُسْتَعْلِيًين عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، فتعظم البركات حتى تَأْتِي عَلَيْكَ وَتُدْرِكُكَ. لن يكونوا قادرين على الهروب من البركات.
ب) الآيات (٣-١٤): سيبارك الله بسخاء طاعة إسرائيل للعهد.
٣مُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ. ٤وَمُبَارَكَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ وَثَمَرَةُ بَهَائِمِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ. ٥مُبَارَكَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ. ٦مُبَارَكًا تَكُونُ فِي دُخُولِكَ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ. ٧يَجْعَلُ الرَّبُّ أَعْدَاءَكَ الْقَائِمِينَ عَلَيْكَ مُنْهَزِمِينَ أَمَامَكَ. فِي طَرِيق وَاحِدَةٍ يَخْرُجُونَ عَلَيْكَ، وَفِي سَبْعِ طُرُق يَهْرُبُونَ أَمَامَكَ. ٨يَأْمُرُ لَكَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ فِي خَزَائِنِكَ وَفِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ، وَيُبَارِكُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. ٩يُقِيمُكَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ شَعْبًا مُقَدَّسًا كَمَا حَلَفَ لَكَ، إِذَا حَفِظْتَ وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكَ وَسَلَكْتَ فِي طُرُقِهِ. ١٠فَيَرَى جَمِيعُ شُعُوبِ الأَرْضِ أَنَّ اسْمَ الرَّبِّ قَدْ سُمِّيَ عَلَيْكَ وَيَخَافُونَ مِنْكَ. ١١وَيَزِيدُكَ الرَّبُّ خَيْرًا فِي ثَمَرَةِ بَطْنِكَ وَثَمَرَةِ بَهَائِمِكَ وَثَمَرَةِ أَرْضِكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ الرَّبُّ لآبَائِكَ أَنْ يُعْطِيَكَ. ١٢يَفْتَحُ لَكَ الرَّبُّ كَنْزَهُ الصَّالِحَ، السَّمَاءَ، لِيُعْطِيَ مَطَرَ أَرْضِكَ فِي حِينِهِ، وَلْيُبَارِكَ كُلَّ عَمَلِ يَدِكَ، فَتُقْرِضُ أُمَمًا كَثِيرَةً وَأَنْتَ لاَ تَقْتَرِضُ. ١٣وَيَجْعَلُكَ الرَّبُّ رَأْسًا لاَ ذَنَبًا، وَتَكُونُ فِي الارْتِفَاعِ فَقَطْ وَلاَ تَكُونُ فِي الانْحِطَاطِ، إِذَا سَمِعْتَ لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكَ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، لِتَحْفَظَ وَتَعْمَلَ ١٤وَلاَ تَزِيغَ عَنْ جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، لِكَيْ تَذْهَبَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَعْبُدَهَا.
١. مُبَارَكًا تَكُونُ: سيبارك الرب إسرائيل الطائعة في كل مكان: فِي الْمَدِينَةِ… فِي الْحَقْلِ… فِي دُخُولِكَ… فِي خُرُوجِكَ. سيتبارك إسرائيل المطيع في بيوتهم ومزارعهم وفي طعامهم (ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ وَثَمَرَةُ بَهَائِمِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ، وسَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ).
٢. فِي طَرِيق وَاحِدَةٍ يَخْرُجُونَ عَلَيْكَ، وَفِي سَبْعِ طُرُق يَهْرُبُونَ أَمَامَكَ: يُبَارك إسرائيل المطيع في القتال. يتحدث هذا النوع من البركة عن نعمة إلهية واضحة.
٣. يُقِيمُكَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ شَعْبًا مُقَدَّسًا: ربما كانت أفضل بركة هي التي تتعلق بعلاقة إسرائيل مع الله. كان الله سيفرز إسرائيل المطيعة لنفسه، متحدثًا عن علاقة خاصة معها. ولولا هذه العلاقة المميزة لكانت كل النعم المادية التي سبق وصفها فارغة.
٤. يَرَى جَمِيعُ شُعُوبِ الأَرْضِ أَنَّ اسْمَ الرَّبِّ قَدْ سُمِّيَ عَلَيْكَ… وَيَجْعَلُكَ الرَّبُّ رَأْسًا لاَ ذَنَبًا، وَتَكُونُ فِي الارْتِفَاعِ فَقَطْ وَلاَ تَكُونُ فِي الانْحِطَاطِ: لقد كان هدف الله من مباركة إسرائيل أعظم من مجرد إثراء الأمة لمصلحتها الخاصة. لقد قصد أن يتمجد هو من خلال مباركتهم.
• عندما سار إسرائيل وراء الرب، كانت هذه البركات حقيقية؛ وأحد الأمثلة على ذلك هو عندما أتت ملكة سبأ إلى سليمان ورأت أمة مباركة جدًا، فعرفت أن كل ذلك من الله (ملوك الأول ١٠: ١-١٣) .
ثانيًا. لعنات المعصية
أ ) الآية (١٥): مقدمة إلى اللعنات.
١٥وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ.
١. وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ: كان جانب الاختيار في العهد هو سيفًا ذي حدين. فالطاعة ستحمل بركة عظيمة، لكن العصيان يحمل لعنات رهيبة.
٢. تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ: وتمامًا كما أن البركات ستكون لإسرائيل المطيعة، فإن اللعنات لإسرائيل المتمردة ستكون حتمية.
٣. جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ: إن بقية الإصحاح يكاد يكون غامرًا. “في الواقع، يكاد يكون من المستحيل إجراء تحليل منطقي لهذا الإصحاح، حيث أن الهدف النهائي لم يكن منطقيًا. كان الهدف هو بناء انطباع حي من خلال تقديم صورة تلو الأخرى عن نتائج عدم طاعة الرب حتى يتمكن المستمع من رؤية أهمية كلمات المتكلم واستيعابها.” طومسون (Thompson)
ب) الآيات (١٦-٦٨): اللعنات على عصيان إسرائيل.
١٦مَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ وَمَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ. ١٧مَلْعُونَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ. ١٨مَلْعُونَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ. ١٩مَلْعُونًا تَكُونُ فِي دُخُولِكَ، وَمَلْعُونًا تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ. ٢٠يُرْسِلُ الرَّبُّ عَلَيْكَ اللَّعْنَ وَالاضْطِرَابَ وَالزَّجْرَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ لِتَعْمَلَهُ، حَتَّى تَهْلِكَ وَتَفْنَى سَرِيعًا مِنْ أَجْلِ سُوْءِ أَفْعَالِكَ إِذْ تَرَكْتَنِي. ٢١يُلْصِقُ بِكَ الرَّبُّ الْوَبَأَ حَتَّى يُبِيدَكَ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا. ٢٢يَضْرِبُكَ الرَّبُّ بِالسِّلِّ وَالْحُمَّى وَالْبُرَدَاءِ وَالالْتِهَابِ وَالْجَفَافِ وَاللَّفْحِ وَالذُّبُولِ، فَتَتَّبِعُكَ حَتَّى تُفْنِيَكَ. ٢٣وَتَكُونُ سَمَاؤُكَ الَّتِي فَوْقَ رَأْسِكَ نُحَاسًا، وَالأَرْضُ الَّتِي تَحْتَكَ حَدِيدًا. ٢٤وَيَجْعَلُ الرَّبُّ مَطَرَ أَرْضِكَ غُبَارًا، وَتُرَابًا يُنَزِّلُ عَلَيْكَ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى تَهْلِكَ. ٢٥يَجْعَلُكَ الرَّبُّ مُنْهَزِمًا أَمَامَ أَعْدَائِكَ. فِي طَرِيق وَاحِدَةٍ تَخْرُجُ عَلَيْهِمْ، وَفِي سَبْعِ طُرُق تَهْرُبُ أَمَامَهُمْ، وَتَكُونُ قَلِقًا فِي جَمِيعِ مَمَالِكِ الأَرْضِ. ٢٦وَتَكُونُ جُثَّتُكَ طَعَامًا لِجَمِيعِ طُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُهَا. ٢٧يَضْرِبُكَ الرَّبُّ بِقُرْحَةِ مِصْرَ وَبِالْبَوَاسِيرِ وَالْجَرَبِ وَالْحِكَّةِ حَتَّى لاَ تَسْتَطِيعَ الشِّفَاءَ. ٢٨يَضْرِبُكَ الرَّبُّ بِجُنُونٍ وَعَمًى وَحَيْرَةِ قَلْبٍ، ٢٩فَتَتَلَمَّسُ فِي الظُّهْرِ كَمَا يَتَلَمَّسُ الأَعْمَى فِي الظَّلاَمِ، وَلاَ تَنْجَحُ فِي طُرُقِكَ بَلْ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مَظْلُومًا مَغْصُوبًا كُلَّ الأَيَّامِ وَلَيْسَ مُخَلِّصٌ. ٣٠تَخْطُبُ امْرَأَةً وَرَجُلٌ آخَرُ يَضْطَجع مَعَهَا. تَبْنِي بَيْتًا وَلاَ تَسْكُنُ فِيهِ. تَغْرِسُ كَرْمًا وَلاَ تَسْتَغِلُّهُ. ٣١يُذْبَحُ ثَوْرُكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَلاَ تَأْكُلُ مِنْهُ. يُغْتَصَبُ حِمَارُكَ مِنْ أَمَامِ وَجْهِكَ وَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْكَ. تُدْفَعُ غَنَمُكَ إِلَى أَعْدَائِكَ وَلَيْسَ لَكَ مُخَلِّصٌ. ٣٢يُسَلَّمُ بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ لِشَعْبٍ آخَرَ وَعَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ إِلَيْهِمْ طُولَ النَّهَارِ، فَتَكِلاَّنِ وَلَيْسَ فِي يَدِكَ طَائِلَةٌ. ٣٣ثَمَرُ أَرْضِكَ وَكُلُّ تَعَبِكَ يَأْكُلُهُ شَعْبٌ لاَ تَعْرِفُهُ، فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ مَظْلُومًا وَمَسْحُوقًا كُلَّ الأَيَّامِ. ٣٤وَتَكُونُ مَجْنُونًا مِنْ مَنْظَرِ عَيْنَيْكَ الَّذِي تَنْظُرُ. ٣٥يَضْرِبُكَ الرَّبُّ بِقَرْحٍ خَبِيثٍ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَعَلَى السَّاقَيْنِ، حَتَّى لاَ تَسْتَطِيعَ الشِّفَاءَ مِنْ أَسْفَلِ قَدَمِكَ إِلَى قِمَّةِ رَأْسِكَ. ٣٦يَذْهَبُ بِكَ الرَّبُّ وَبِمَلِكِكَ الَّذِي تُقِيمُهُ عَلَيْكَ إِلَى أُمَّةٍ لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ، وَتَعْبُدُ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ، ٣٧وَتَكُونُ دَهَشًا وَمَثَلًا وَهُزْأَةً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ يَسُوقُكَ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ. ٣٨بِذَارًا كَثِيرًا تُخْرِجُ إِلَى الْحَقْلِ، وَقَلِيلًا تَجْمَعُ، لأَنَّ الْجَرَادَ يَأْكُلُهُ. ٣٩كُرُومًا تَغْرِسُ وَتَشْتَغِلُ، وَخَمْرًا لاَ تَشْرَبُ وَلاَ تَجْنِي، لأَنَّ الدُّودَ يَأْكُلُهَا. ٤٠يَكُونُ لَكَ زَيْتُونٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ، وَبِزَيْتٍ لاَ تَدَّهِنُ، لأَنَّ زَيْتُونَكَ يَنْتَثِرُ. ٤١بَنِينَ وَبَنَاتٍ تَلِدُ وَلاَ يَكُونُونَ لَكَ، لأَنَّهُمْ إِلَى السَّبْيِ يَذْهَبُونَ. ٤٢جَمِيعُ أَشْجَارِكَ وَأَثْمَارِ أَرْضِكَ يَتَوَلاَّهُ الصَّرْصَرُ. ٤٣اَلْغَرِيبُ الَّذِي فِي وَسَطِكَ يَسْتَعْلِي عَلَيْكَ مُتَصَاعِدًا، وَأَنْتَ تَنْحَطُّ مُتَنَازِلًا. ٤٤هُوَ يُقْرِضُكَ وَأَنْتَ لاَ تُقْرِضُهُ. هُوَ يَكُونُ رَأْسًا وَأَنْتَ تَكُونُ ذَنَبًا. ٤٥وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتَتَّبِعُكَ وَتُدْرِكُكَ حَتَّى تَهْلِكَ، لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْفَظَ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضَهُ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا. ٤٦فَتَكُونُ فِيكَ آيَةً وَأُعْجُوبَةً وَفِي نَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ. ٤٧مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَعْبُدِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِفَرَحٍ وَبِطِيبَةِ قَلْبٍ لِكَثْرَةِ كُلِّ شَيْءٍ. ٤٨تُسْتَعْبَدُ لأَعْدَائِكَ الَّذِينَ يُرْسِلُهُمُ الرَّبُّ عَلَيْكَ فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ وَعُرْيٍ وَعَوَزِ كُلِّ شَيْءٍ. فَيَجْعَلُ نِيرَ حَدِيدٍ عَلَى عُنُقِكَ حَتَّى يُهْلِكَكَ. ٤٩يَجْلِبُ الرَّبُّ عَلَيْكَ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ كَمَا يَطِيرُ النَّسْرُ، أُمَّةً لاَ تَفْهَمُ لِسَانَهَا، ٥٠أُمَّةً جَافِيَةَ الْوَجْهِ لاَ تَهَابُ الشَّيْخَ وَلاَ تَحِنُّ إِلَى الْوَلَدِ، ٥١فَتَأْكُلُ ثَمَرَةَ بَهَائِمِكَ وَثَمَرَةَ أَرْضِكَ حَتَّى تَهْلِكَ، وَلاَ تُبْقِي لَكَ قَمْحًا وَلاَ خَمْرًا وَلاَ زَيْتًا، وَلاَ نِتَاجَ بَقَرِكَ وَلاَ إِنَاثَ غَنَمِكَ، حَتَّى تُفْنِيَكَ. ٥٢وَتُحَاصِرُكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ حَتَّى تَهْبِطَ أَسْوَارُكَ الشَّامِخَةُ الْحَصِينَةُ الَّتِي أَنْتَ تَثِقُ بِهَا فِي كُلِّ أَرْضِكَ. تُحَاصِرُكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ، فِي كُلِّ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. ٥٣فَتَأْكُلُ ثَمَرَةَ بَطْنِكَ، لَحْمَ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ الَّذِينَ أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقَةِ الَّتِي يُضَايِقُكَ بِهَا عَدُوُّكَ. ٥٤الرَّجُلُ الْمُتَنَعِّمُ فِيكَ وَالْمُتَرَفِّهُ جِدًّا، تَبْخُلُ عَيْنُهُ عَلَى أَخِيهِ وَامْرَأَةِ حِضْنِهِ وَبَقِيَّةِ أَوْلاَدِهِ الَّذِينَ يُبْقِيهِمْ، ٥٥بِأَنْ يُعْطِيَ أَحَدَهُمْ مِنْ لَحْمِ بَنِيهِ الَّذِي يَأْكُلُهُ، لأَنَّهُ لَمْ يُبْقَ لَهُ شَيْءٌ فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقَةِ الَّتِي يُضَايِقُكَ بِهَا عَدُوُّكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ. ٥٦وَالْمَرْأَةُ الْمُتَنَعِّمَةُ فِيكَ وَالْمُتَرَفِّهَةُ الَّتِي لَمْ تُجَرِّبْ أَنْ تَضَعَ أَسْفَلَ قَدَمِهَا عَلَى الأَرْضِ لِلتَّنَعُّمِ وَالتَّرَفُّهِ، تَبْخَلُ عَيْنُهَا عَلَى رَجُلِ حِضْنِهَا وَعَلَى ابْنِهَا وَبْنَتِهَا ٥٧بِمَشِيمَتِهَا الْخَارِجَةِ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهَا وَبِأَوْلاَدِهَا الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، لأَنَّهَا تَأْكُلُهُمْ سِرًّا فِي عَوَزِ كُلِّ شَيْءٍ، فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقَةِ الَّتِي يُضَايِقُكَ بِهَا عَدُوُّكَ فِي أَبْوَابِكَ. ٥٨إِنْ لَمْ تَحْرِصْ لِتَعْمَلَ بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذَا النَّامُوسِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هذَا السِّفْرِ، لِتَهَابَ هذَا الاسْمَ الْجَلِيلَ الْمَرْهُوبَ، الرَّبَّ إِلهَكَ، ٥٩يَجْعَلُ الرَّبُّ ضَرَبَاتِكَ وَضَرَبَاتِ نَسْلِكَ عَجِيبَةً. ضَرَبَاتٍ عَظِيمَةً رَاسِخَةً، وَأَمْرَاضًا رَدِيَّةً ثَابِتَةً. ٦٠وَيَرُدُّ عَلَيْكَ جَمِيعَ أَدْوَاءِ مِصْرَ الَّتِي فَزِعْتَ مِنْهَا، فَتَلْتَصِقُ بِكَ. ٦١أَيْضًا كُلُّ مَرَضٍ وَكُلُّ ضَرْبَةٍ لَمْ تُكْتَبْ فِي سِفْرِ النَّامُوسِ هذَا، يُسَلِّطُهُ الرَّبُّ عَلَيْكَ حَتَّى تَهْلِكَ. ٦٢فَتَبْقَوْنَ نَفَرًا قَلِيلًا عِوَضَ مَا كُنْتُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. ٦٣وَكَمَا فَرِحَ الرَّبُّ لَكُمْ لِيُحْسِنَ إِلَيْكُمْ وَيُكَثِّرَكُمْ، كَذلِكَ يَفْرَحُ الرَّبُّ لَكُمْ لِيُفْنِيَكُمْ وَيُهْلِكَكُمْ، فَتُسْتَأْصَلُونَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا. ٦٤وَيُبَدِّدُكَ الرَّبُّ فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا، وَتَعْبُدُ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ، مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ. ٦٥وَفِي تِلْكَ الأُمَمِ لاَ تَطْمَئِنُّ وَلاَ يَكُونُ قَرَارٌ لِقَدَمِكَ، بَلْ يُعْطِيكَ الرَّبُّ هُنَاكَ قَلْبًا مُرْتَجِفًا وَكَلاَلَ الْعَيْنَيْنِ وَذُبُولَ النَّفْسِ. ٦٦وَتَكُونُ حَيَاتُكَ مُعَلَّقَةً قُدَّامَكَ، وَتَرْتَعِبُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلاَ تَأْمَنُ عَلَى حَيَاتِكَ. ٦٧فِي الصَّبَاحِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ الْمَسَاءُ، وَفِي الْمَسَاءِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ الصَّبَاحُ، مِنِ ارْتِعَابِ قَلْبِكَ الَّذِي تَرْتَعِبُ، وَمِنْ مَنْظَرِ عَيْنَيْكَ الَّذِي تَنْظُرُ. ٦٨وَيَرُدُّكَ الرَّبُّ إِلَى مِصْرَ فِي سُفُنٍ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي قُلْتُ لَكَ لاَ تَعُدْ تَرَاهَا، فَتُبَاعُونَ هُنَاكَ لأَعْدَائِكَ عَبِيدًا وَإِمَاءً، وَلَيْسَ مَنْ يَشْتَرِي».
١. فِي الْمَدِينَةِ… فِي الْحَقْلِ… فِي دُخُولِكَ… فِي خُرُوجِكَ: ستُلعن إسرائيل العاصية في كل مكان.
٢. ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ… مَلْعُونَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ: ستُلعن إسرائيل العاصية في بيوتها ومزارعهما وفي طعامهم.
٣. الْوَبَأَ… بِالسِّلِّ… الْحُمَّى… قُرْحَةِ مِصْرَ وَالْبَوَاسِيرِ وَالْجَرَبِ وَالْحِكَّةِ… جُنُونٍ وَعَمًى وَحَيْرَةِ قَلْبٍ: ستُلعن إسرائيل العاصية في صحتها.
٤. تَكُونُ سَمَاؤُكَ… نُحَاسًا… وَيَجْعَلُ الرَّبُّ مَطَرَ أَرْضِكَ غُبَارًا، وَتُرَابًا: ستُلعن إسرائيل العاصية في طقسها.
٥. يَجْعَلُكَ الرَّبُّ مُنْهَزِمًا أَمَامَ أَعْدَائِكَ: ستُلعن إسرائيل المتمردة في الحرب.
٦. تَخْطُبُ امْرَأَةً وَرَجُلٌ آخَرُ يَضْطَجع مَعَهَا… يُذْبَحُ ثَوْرُكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَلاَ تَأْكُلُ مِنْهُ… يُسَلَّمُ بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ لِشَعْبٍ آخَرَ: ستُلعن إسرائيل العاصية بالمَظالِم والمآسي الرهيبة. كل هذه المآسي ستؤدي إلى نتيجة رهيبة: تَكُونُ مَجْنُونًا مِنْ مَنْظَرِ عَيْنَيْكَ الَّذِي تَنْظُرُ.
٧. يَجْلِبُ الرَّبُّ عَلَيْكَ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ: ستُهاجَم إسرائيل العاصية وتهزمها أُمَّةً جَافِيَةَ الْوَجْهِ، ويحاربونك حَتَّى تَهْلِكَ.
• فَتَأْكُلُ ثَمَرَةَ بَطْنِكَ: لقد صار هذا واقعًا مريرًا رهيبًا في أيام المملكة اللاحقة. يصف سفر الملوك الثاني ٢٤:٦-٣٠ مجاعة شديدة في مدينة إسرائيلية محاصرة لدرجة أنه كان هناك قتال بين امرأتين على أكل أطفالهما! لقد تحقق كلام الله ووعوده بشكل رهيب، يُعْطِيَ أَحَدَهُمْ مِنْ لَحْمِ بَنِيهِ الَّذِي يَأْكُلُهُ. يصف مراثي إرميا ٤: ١-١١ بوضوح أهوال حصار أورشليم.
٨. وَيُبَدِّدُكَ الرَّبُّ فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا: في النهاية سَتُبدد (تُشَتّت) إسرائيل. ونجد أنه بسبب عصيانها، أصبحت هذه اللعنات تاريخًا لأمة إسرائيل.
• بالطبع، العديد من هذه اللعنات الفظيعة على إسرائيل المتمردة قد تحققت في سنوات التاريخ المسجلة في العهد القديم؛ لكن تحقيقها لم ينته بنهاية تاريخ الكتاب المقدس، في عهديه القديم أو الجديد.
• على سبيل المثال، في حوالي عام ٦٨ م، سئم الرومان أخيرًا من اليهود المتمردين في مقاطعة يهوذا التابعة لهم، لذلك فرضوا حصارًا على أورشليم. في ذلك الوقت، توقع اليهود بشدة مجيء المسيا ليخلصهم ويهزم الرومان، وذلك بناءً على وعد الله بتدمير الجيوش التي كانت تحاصر أورشليم والوارد في زكريا ١٢: ١-٩. من المؤسف أن اليهود في ذلك الوقت رفضوا تحقيق ما جاء في زكريا ١٢: ١٠ الذي يصف توبتهم المتواضعة وقبول للمسيح المطعون.
• ومع ذلك، كان اليهود في ذلك الوقت واثقين جدًا من مجيء المسيا، لدرجة أن فصائلهم قاتلت بعضها البعض وأحرقت طعام بعضها البعض، محاولين أن يكونوا أقوى مجموعة عندما يأتي المسيح. ووفقًا للمؤرخ يوسيفوس، فقد كان الأمر “كما لو كانوا يخدمون الرومان عن عمد من خلال تدمير ما قامت به المدينة ضد الحصار وقطع أوصال قوتهم الخاصة.” (من كتاب حروب اليهود ٥. ٢٤). “سقطت المدينة من خلال المجاعة بكل تأكيد، وهو مصير كان من الممكن أن يكون مستحيلًا من الناحية العملية، لو لم يهيئوا الطريق له بأنفسهم بعدم طاعتهم للرب.” (حروب اليهود ٥. ٢٦)
• عندما وصل القائد الروماني فسبازيان (Vespasian) إلى أورشليم، كانت الفصائل اليهودية مشغولة بقتال بعضها البعض. فحثه المحاربون تحت قيادته على الهجوم فورًا، لكنه كان يعلم أن الهجوم سيوحد اليهود على الفور. لذلك تراجع وتركهم يدمرون بعضهم البعض لأطول فترة ممكنة. وقال إن الله قائد أفضل منه، وأن الله يسلم اليهود إلى أيدي الرومان. قبل مهاجمة أورشليم، أصبح فسبازيان إمبراطورًا، وعيّن ابنه تيطس مسؤولًا عن الهجوم.
• في المقابل، نجد المسيحيون في أورشليم متجاوبون مع كلمات يسوع في لوقا ٢١: ٢٠-٢٤، حين قال: وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ، حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، لأَنَّ هذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ.
• أثناء حصار أورشليم، أصبح الجوع عظيمًا لدرجة أن الكثيرين حاولوا الهروب من الأسوار والبحث عن الطعام. كانوا يأسرون ويصلبون كل يوم خمسمائة أو أكثر. “كان الجنود الرومان بدافع الغضب والكراهية يستمتعون بتسمير سجنائهم في أوضاع مختلفة؛ وكان عددهم كبيرًا جدًا لدرجة أنه لم يكن من الممكن العثور على مكان للصلبان ولا صلبان للأجساد. (كتاب حروب اليهود ٥. ٤٥١). لقد مات أكثر من ٦٠٠.٠٠٠ شخص بسبب الجوع، وألقيت جثثهم من على أسوار المدينة. وفي المجمل، مات أكثر من مليون شخص وتم أسر ٩٧.٠٠٠ شخص، وتم شحن معظم الأسرى كعبيد إلى مصر. لقد تحقق الوعد الوارد في تثنية ٢٨: ٦٨ بشكل مأساوي: فَتُبَاعُونَ هُنَاكَ لأَعْدَائِكَ عَبِيدًا وَإِمَاءً، وَلَيْسَ مَنْ يَشْتَرِي. لقد تحقق هذا عندما ملأ عدد كبير جدًا من العبيد اليهود سوق العبيد المصريين، ولم يتمكن أحد من شراء جميع العبيد المتاحين.
• بعد الغزو، كان اليهود الذين ما زالوا يعيشون في يهوذا يتعرضون باستمرار للإخضاع والإذلال من قِبل الرومان. استمر الرومان في تحصيل ضريبة الهيكل من اليهود، على الرغم من أن هيكلهم تم تدميره بالكامل. لذلك أخذ الرومان ضريبة الهيكل واستخدموها لبناء معابدهم الوثنية ودعمها.
• وبعد عدة سنوات من ذلك، تمرد يهود اليهودية ضد الرومان مرة أخرى في عام ١٣٢ م بقيادة رجل يُدعى بار كوخبا (bar-Kochoba). تم إعلانه أنه هو المسيا من قبل معلمي اليهود الذين دعموا الثورة. ولكن بعد تمرد بار كوخبا، سحقت روما أخيرًا وبشكل كامل السكان اليهود في يهوذا وأبادتهم. قال يوسيفوس أنه نتيجة للمعارك العديدة، تم تدمير الأرض التي كانت جميلة ذات يوم، لدرجة لا يمكن فيها حتى التعرف عليها.
• لكن اللعنة على إسرائيل لم تنته بعد. فلاحقًا، وبشكل مأساوي، انقلبت الكنيسة والمسيحيون على اليهود. كان الأمر كما لو أن أغصان الشجرة هاجمت جذورها. وعندما اكتسبت الكنيسة قوة سياسية وأصبحت هي الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية، قررت الكنيسة مهاجمة اليهود.
• لقد فعلوا ذلك جزئيًا كعقاب على السنوات الأولى البعيدة من الاضطهاد اليهودي للمسيحيين. وكان ذلك أيضًا لأن الرفض اليهودي الحالي ليسوع باعتباره المسيا كان يُعتقد أنه مهين للغاية. لكن الدافع الأكبر كان استراتيجية تبشيرية غريبة. فقد ظن المسيحيون أن “اليهود ملعونون لأنهم قتلوا مسيحهم. وأن القصد من اللعنات هو إعادة قلب الأمة إلى الله. ونحن سنساعد الله بأن نكون أداته للعن الشعب اليهودي.”
• ولعدة قرون، كان أسوأ أعداء اليهود على الإطلاق هم المسيحيون الذين اعتقدوا أن بإمكانهم مساعدة الله من خلال لعنة الشعب اليهودي. في وقت ما في روما في العصور الوسطى، أمر البابا بمرور موكبًا من اليهود عبر المدينة، حيث قدموا لفافة من العهد القديم إلى البابا. فأخذ السفر وقال: “شريعة جميلة؛ شعب بائس.” إن تاريخ الكنيسة المخزي ضد اليهود مسجل في قصة الحروب الصليبية والمذابح والأحياء اليهودية.
• وهذا يساعد على تفسير الفساد الكبير ونقص القوة الروحية في الكنيسة خلال العصور المظلمة. لقد وعد الله إبراهيم ونسله، شعب اليهود، أُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ (تكوين ١٢: ٣). لقد كانت استراتيجية الشيطان الذكية والقوية للعن الكنيسة استراتيجية فعّالة: العن الكنيسة من خلال إلهامهم بلعنة الشعب اليهودي. وكما أدان الله آشور وبابل وروما وألمانيا بسبب سوء معاملتهم للشعب اليهودي، كذلك كانت الكنيسة ملعونة طالما أنها تضطهد اليهود. تجاهلت الكنيسة بجهل كلمات يسوع في متى ١٨: ٧ “فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!” إذا كان يجب أن يُلعن الشعب اليهودي، فهذا من شأن الله، وليس من شأن الكنيسة!
• “صحيح أنهم أخطأوا خطًأ جسيمًا؛ ولكن أيها المسيحيون، ألم يتألموا بشدة من أجل ذلك؟ أليست ضربة الله ثقيلة عليهم؟ فلا تزيدوا من مآسيهم بأي معاملة غير لطيفة أو اضطهاد قاس. إنهم، قبل كل شيء، الرجال الذين رأوا البلاء بضربة عصاه.” آدم كلارك، ١٨١١ (Adam Clarke)
• ومن المجيد أن اللعنة لم تكن ولن تكون نهاية خطة الله للشعب اليهودي. وكما يصف حزقيال ٣٧، فإن الله سوف وهو يفعل الآن إذ يحيي الشعب اليهودي كما لو أنه يقيمهم من الأموات. وقد بدأ بذلك، وهو يعد الشعب لاستخدامهم في هذه الأيام الأخيرة. لم ينته الله من إسرائيل، ولن تكون اللعنة هي إرثهم الأخير.
٩. وَتَكُونُ دَهَشًا وَمَثَلًا وَهُزْأَةً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ يَسُوقُكَ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ: فكما هو الحال مع البركات، فإن قصد الله من لعنة إسرائيل سيكون أعظم من مجرد معاقبتهم على خطيتهم على الفور، إنما هو ليكون شاهدًا للأمم.
• سيفعل الله هذا لمجده، ولأن هذا يمجده، ويمكن القول أيضًا أنه سيفرح بهذا العمل: وَكَمَا فَرِحَ الرَّبُّ لَكُمْ لِيُحْسِنَ إِلَيْكُمْ وَيُكَثِّرَكُمْ، كَذلِكَ يَفْرَحُ الرَّبُّ لَكُمْ لِيُفْنِيَكُمْ وَيُهْلِكَكُمْ.
• “لأنه على الرغم من أنه لا يبتهج بموت الخاطئ في حد ذاته، فإنه بلا شك يبتهج بتمجيد عدله على الخطاة غير القابلين للإصلاح، إذ يرى أن ممارسة كل صفاته لا بد أن تسره، وإلا فإنه لم يكن مسرورًا تمامًا.” بوله (Poole)