أمثال 5
التحذير من الزنا
“هذا إصحاح هائل يتناول موضوعًا حساسًا بجرأة وبصراحة.” مورجان (Morgan)
أولًا. التحذير من الزنا
أ ) الآيات (1-2): الدعوة إلى الانتباه.
1يَا ٱبْنِي، أَصْغِ إِلَى حِكْمَتِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى فَهْمِي، 2لِحِفْظِ ٱلتَّدَابِيرِ، وَلْتَحْفَظَ شَفَتَاكَ مَعْرِفَةً.
1. يَا ٱبْنِي، أَصْغِ إِلَى حِكْمَتِي: كما في السابق، عرف سليمان أن إرشاده سيكون مفيدًا للغاية إن كان ابنه (أبناؤه) منتبهًا إليه. ويتوجب على المعلمين أن يفعلوا ما بوسعهم لجذب انتباه المتعلمين.
الحكمة في هذا الإصحاح “تحذير من رجل إلى رجل لتجنّب الاتصالات مع النساء المنحلات. وقد كان هذا موضوعًا شائعًا إلى حد ما في أدب الحكمة في الشرق الأدنى قديمًا.” روس (Ross)
2. لِحِفْظِ ٱلتَّدَابِيرِ (التعقل): أراد سليمان من ابنه أن يتمسك بالتعقل (حِفْظِ ٱلتَّدَابِيرِ) ويحفظ المعرفة. والفكرة هنا هي أن الابن بدأ بالفعل في هذه الأمور، لكن يتوجب عليه أن يواجه تحدّي البقاء فيها على مدى الحياة.
إذا اكتسبنا التدابير (التعقل)، فإنه يصعب علينا أن نثابر فيها. وينطبق هذا على نحو خاص في ما يتعلق بالأمور الكنسية الموصوفة في هذا الإصحاح. ” ليست قلوب رجال كثيرين أفضل حالًا من المواخير وبيوت الدعارة، بسبب الأفكار الدنيئة والبهيمية والشهوات التي تتجمع وتنغل هناك، مثل ذباب مصر.” تراب (Trapp)
ب) الآية (3): جاذبية المرأة المنحلة.
3لِأَنَّ شَفَتَيِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْأَجْنَبِيَّةِ تَقْطُرَانِ عَسَلًا، وَحَنَكُهَا أَنْعَمُ مِنَ ٱلزَّيْتِ.
1. لِأَنَّ شَفَتَيِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْأَجْنَبِيَّةِ تَقْطُرَانِ عَسَلًا: يفسر هذا سبب ضرورة تمسُّك الابن بالتدابير والمعرفة. وهذان أمران سيُختبران بإغراءات المرأة الأجنبية (المنحلة). والعسل حلو، والزيت طيب، ويمثل هذان إغراءات الانحلال الأخلاقي.
2. لِأَنَّ شَفَتَيِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْأَجْنَبِيَّةِ: إن صياغة سليمان شعرية وقوية. وتشير الشفتان والفم إلى الكلمات التي قد تستخدمها المرأة الأجنبية في إغرائها وقبلاتها المغوية.
الخطوات الأولى نحو الارتباطات غير الأخلاقية تأتي دائمًا تقريبًا من خلال ما يقال ويُنقَل. ويبيّن هذا الحاجة الكبيرة للرجال والنساء إلى الانتباه إلى كلامهم وتواصلهم مع الجنس الآخر.
الزيت: “كان الزيت المبهج يرمز إلى السرور (إشعياء 6: 3) والازدهار (تثنية 33: 24)، بينما كان غيابه يشير إلى الحزن أو الإذلال (يوئيل 10:1).” والتكي (Waltke)
3. ٱلْمَرْأَةِ ٱلْأَجْنَبِيَّةِ: ركّز سليمان على المرأة الأجنبية، لكن ليس لأنه اعتقد أن الرجال أخلاقيون دائمًا، لكن السبب الرئيسي هو أن النساء الأجنبيات هن اللائي يغوين ويفسدن الرجال الأخلاقيين. وكان سليمان – وهو كاتب نشيد الأنشاد – أكثر حكمة وفطنة في طرق الحب الرومانسي والنشاط الجنسي من أن يعتقد ذلك. وقد ركز سليمان على المرأة المنحلة لأنه كان يكتب إلى ابنه (أمثال 1: 5)، وأحس بأن هذا أعظم الأخطار الأخلاقية وأَقْربها.
في ظروف أخرى، ربما حذّر سليمان من الرجل المنحل أخلاقيًّا. ويمكن لمبادئ الإغواء التي حذّر منها تنطبق على كل من الرجال والنساء معًا.
المرأة الأجنبية: “المرأة الأجنبية في الآية الثالثة هي حرفيُّا ’المرأة الأخرى،‘ لا المرأة الزانية حسب بعض الترجمات. وهي تشير إلى امرأة غير زوجة الرجل.” جاريت (Garrett)
4. العسل … الزيت: في زمن سليمان، كانت لدى بعض النساء القدرة على جذب الرجال وإغوائهم بحلاوة العسل وسحر الزيت. وقد استخدمت بعض النساء اللائي كنّ يعملن خارج إطار عهد الزواج تلك القدرة لمصلحتهن الخاصة. فربما كن يحصلن على شيء عاطفي، أو مادي، أو حسّي، أو رومانسي، أو أية مكاسب أخرى محتملة. فكنّ خطرًا ينبغي التحذير منه.
وعصْرنا مثل عصر سليمان، أو ربما أسوأ. فالثقافة الغربية الحديثة مشبعة بصور النساء المغريات وإغوائهن من أجل كسب شيء حلو وممتع منهم.
ج) الآيات (4-7): خطر المرأة المنحلة.
4لَكِنَّ عَاقِبَتَهَا مُرَّةٌ كَٱلْأَفْسَنْتِينِ، حَادَّةٌ كَسَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ. 5قَدَمَاهَا تَنْحَدِرَانِ إِلَى ٱلْمَوْتِ. خَطَوَاتُهَا تَتَمَسَّكُ بِٱلْهَاوِيَةِ. 6لِئَلَّا تَتَأَمَّلَ طَرِيقَ ٱلْحَيَاةِ، تَمَايَلَتْ خَطَوَاتُهَا وَلَا تَشْعُرُ. 7وَٱلْآنَ أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ ٱسْمَعُوا لِي، وَلَا تَرْتَدُّوا عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي.
1. لَكِنَّ عَاقِبَتَهَا مُرَّةٌ كَٱلْأَفْسَنْتِينِ: العسل حلو، لكن الأفسنتين مُر. وتصبح الحلاوة في جاذبية المرأة المنحلة مُره، ويصبح فمها اللطيف كالزيت حادًّا كسيف ذي حدّين.
“إنه تغيير من العسل إلى الأفسنتين، من نعومة الزيت إلى حد السيف، ومن سبيل الحياة إلى طريق الموت.” مورجان (Morgan)
“السيف ذو الحدّين هو حرفيًّا في النص العبري سيف له فمان أو أكثر، ويدل هذا على أن الارتباط بهذه المرأة المنحلة يجلب الألم والدمار.” روس (Ross)
2. قَدَمَاهَا تَنْحَدِرَانِ إِلَى ٱلْمَوْتِ: يؤدي سبيل المرأة المنحلة إلى الموت. هي تعد بأن تضيف حياة إلى الرجل، لكن ينتهي الأمر بانتزاعها لكل حياة. ولهذا ينبغي للرجل الحكيم أن يتأمل سبيل الحياة.
3. تَمَايَلَتْ خَطَوَاتُهَا (غير مستقرة): ليس القرار بإغراء شخص آخر بالانخراط في الفجور قرارًا يتخذه شخص مستقر يرغب في الأفضل لنفسه أو للشخص الذي يريد إغواءه. وغالبًا ما يشعر الذين يُنقادون إلى الفجور دوافع شريكهم في الخطية، لكن سليمان لاحظ بالصواب أنك لا تعرفها.
- إن كان الانحلال مرغوبًا بسبب اندفاع المحبة، سيقول النضج والثبات: “إذا أحببتُ هذا الإنسان حقًّا، فلن أتصرف ضد مصلحته ومصلحتي. سأرفض هذا الفجور لأني أحبها فعلًا، ولن أعبّر عن محبتي إلا بطرق تكرم الله وشعبه.”
- إن كان الانحلال الجنسي مرغوبًا بدافع اللذة أو المغامرة، سيقول النضج والثبات: “لا يتوجب لرغبتي في اللذة والمغامرة أن تتسيد على حياتي. ومهما كان الخير الذي أعتقد أنه سيأتي من هذا، فإنه ليس خيرًا ولن يجلب الخير.”
4. وَٱلْآنَ أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ ٱسْمَعُوا لِي: نحس بالطبيعة الجادة لاحتكام (منطق، حجة) سليمان. فربما فهِم كيف أن الزنا جلب الكارثة لأبيه، الملك داود. (2 صموئيل 11).
د ) الآيات (8-14): الخراب الذي يجلبه الزنا.
8أَبْعِدْ طَرِيقَكَ عَنْهَا، وَلَا تَقْرَبْ إِلَى بَابِ بَيْتِهَا، 9لِئَلَّا تُعْطِيَ زَهْرَكَ لِآخَرِينَ، وَسِنِينَكَ لِلْقَاسِي. 10لِئَلَّا تَشْبَعَ ٱلْأَجَانِبُ مِنْ قُوَّتِكَ، وَتَكُونَ أَتْعَابُكَ فِي بَيْتِ غَرِيبٍ. 11فَتَنُوحَ فِي أَوَاخِرِكَ، عِنْدَ فَنَاءِ لَحْمِكَ وَجِسْمِكَ، 12فَتَقُولَ: «كَيْفَ أَنِّي أَبْغَضْتُ ٱلْأَدَبَ، وَرَذَلَ قَلْبِي ٱلتَّوْبِيخَ! 13وَلَمْ أَسْمَعْ لِصَوْتِ مُرْشِدِيَّ، وَلَمْ أَمِلْ أُذُنِي إِلَى مُعَلِّمِيَّ. 14لَوْلَا قَلِيلٌ لَكُنْتُ فِي كُلِّ شَرٍّ، فِي وَسَطِ ٱلزُّمْرَةِ وَٱلْجَمَاعَةِ.
1. أَبْعِدْ طَرِيقَكَ عَنْهَا: لم ينصح سليمان ابنه بالبقاء في حضور المرأة المنحلة ويمتحن قدرته على مقاومة إغراءاتها. كانت المسافة أفضل دفاع، لا أن يقترب إِلَى بَابِ بَيْتِهَا.
وسيكتب الرسول بولس لاحقًا: ’أمّا الشهوات الشبابية فاهرب منها‘ (2 تيموثاوس 2: 22). فكلما طال بقاء المرء في وجود مثل هذا الإغراء بالشر، ازداد الخطر سوءًا.
يتوجب أن نبعد طريقنا عنها، لا في وجودنا الجسمي فحسب، بل في الفكر والقلب أيضًا.. ويتوجب أن نتخلص من المواد الإباحية والإغراءات الشائعة في يومنا، ونعمل على تشكيل عقلية تحسم هذه الأمور المذكورة أعلاه (كولوسي 3: 1-2؛ فيلبي 4: 8).
“يردد العهد الجديد صدى هذه النصيحة العملية، وإن بدت غير بطولية (2 تيموثاوس 2: 22؛ متى 5: 28-29)، ما يعني، من حيث القرار المفصَّل، على سبيل المثال: ’غيّرْ وظيفتك‘ أو ’انفصل عن شلة الأصدقاء هذه…‘” كيدنر (Kidner)
“نعم، إنه منافق ذاك الذي يمتنع ظاهريًّا عن الخطايا الجسيمة، لكنه يوافق عليها داخليًّا… في قلبه ومخيّلته متخيّلًا نفسه معهم، راغبًا في أن يفعل ما يفعلونه. فهذا زنا عقلي وشرٌّ تأملي. فكما يموت هذا ملعونًامن نزيف داخلي، كذلك يمكن أن يموت ملعونًا بسبب غليان تلك الشهوات الحرّاقة، إن لم ينح عليها ويكبحها.” تراب (Trapp)
“من لا يريد الاحتراق، ينبغي أن يخشى النار، ومن لا يريد أن يسمع الجرس، فلا ينبغي أن يعبث بالحبل (الذي يحرك الجرس).” تراب (Trapp)
2. لِئَلَّا تُعْطِيَ زَهْرَكَ لِآخَرِينَ: سيذكر سليمان أشياء كثيرة تُفقَد من خلال الانحلال الجنسي. وقد بدأها بالكرامة أو الشرف (زَهْرَكَ). هنالك شعور مشروع بالكرامة يمكن أن يحصل عليه كل من يبقى طاهرًا.
“يعتقد الذين يرتكبون خطايا جنسية أن مشكلاتهم قد حُلَّت (هي تفهمني أكثر بكثير من زوجتي!)، وأن الحياة ستتحسن باستمرار. لكن عصيان قوانين الله يجلب معه دائمًا عواقب مؤسفة، ويدفع الخطاة ثمنًا باهظًا مقابل لحظات المتعة القصيرة.” ويرزبي (Wiersbe)
3. وَسِنِينَكَ لِلْقَاسِي: يدمّر الزنا والانحلال الجنسي حياة الأشخاص. فلم يعطِ الله وصيته بأن تبقى العلاقات الجنسية ضمن عهد الزواج من أجل سلب حياتنا ومتعتنا، بل من أجل الإضافة إليها.
4. لِئَلَّا تَشْبَعَ ٱلْأَجَانِبُ مِنْ قُوَّتِكَ: في عالمنا الحديث، يعرف رجال كثيرون ما يعنيه فقدان ثروتهم بسبب الزنا.
“العقوبة المفروضة على الذات بسبب علاقة آثمة بزوجة غير عفيفة سيئة جدًّا كما لو أن غرباء نهبوا البيت (انظر أمثال 1: 10-14؛ مزمور 109: 11ب). ورغم أن الانحلال الجنسي اليوم لا يؤدي إلى العبودية، إلا أنه يؤدي إلى النفقة، وإعالة الطفل، وبيوت مهدومة، وأذى، وغيرة، وإحساس بالوحدة، وإلى أمراض تناسلية.” والتكي (Waltke)
“هذه الخطية مَطْهَر للمحفظة، مع أنها جنّة للشهوات.” تراب (Trapp)
فَتَنُوحَ فِي أَوَاخِرِكَ: النواح المشار إليه هنا هو أكثر أنواع النواح إفراطًا. وغالبًا ما تطبَّق كلمة Naham العبرية على زمجرة الأسد وهدير البحر الخشن المتواصل.” كلارك (Clarke)
فِي أَوَاخِرِكَ (أخيرًا): “كاتن الشاب يحلم بالمتعة، وأمِل في مداعبته العابثة أن يجد البهجة، لكن عندما بدأ يسطع مصباح “فِي أَوَاخِرِكَ” (أخيرًا)، رأى النتانة في عظامه، والقذارة في جسده، وآلامًا وأحزانًا، وأسى كعواقب ضروؤية للخطية.” ويرزبي (Wiersbe)
5. عِنْدَ فَنَاءِ لَحْمِكَ وَجِسْمِكَ: يؤدي الانحلال الجنسي إلى المرض وانهيار الصحة. وحتى الضغط النفسي الناجم عن حياة مزدوجة خادعة كافٍ لسلب حياة المرء.
“يُفنى (يُستهلك) بسبب الأمراض المتعددة التي تجلبها الشهوات القذرة والمفرطة إلى الجسم. وهي أمراض يقدّم عنها الأطباء كتالوجًا ضخمًا جدًّا ومؤسفًا. وتقدّم أجسام زناة كثيرين أدلة كافية على ذلك.” بولي (Poole)
“الفكرة وراء هذه الآيات واضحة: قد يكون ثمن الخيانة مرتفعًا، لأن كل شيء يعمله المر – المنصب، والسلطة، والنجاح – يمكن أن يضيع من خلال المطالبات الجشعة للمرأة، أو صيحات المجتمع من أجل الاسترداد والتعويض.” روس (Ross)
6. فَتَقُولَ: “كَيْفَ أَنِّي أَبْغَضْتُ ٱلْأَدَبَ (الإرشاد)”: الندم جزء كبير من ثمن الانحلال الجنسي. فعندما نرى مدى فراغ وعود الخطية وعِظَم ثمن تلك الخطايا، فإن الحزن العميق والندم استجابة منطقية. وقد تساءل رجال ونساء كثيرون وقعوا في شرك الانحلال الجنسي: “كيف انتهى بي المطاف إلى هنا؟ كيف كنت بهذا الغباء؟ كيف أمكنني أن أتخلى عن الكثير من أجل شيء ضئيل جدًّا؟”
اعتقد ماثيو بولي (Matthew Poole) أن كلمات التوبة هذه ليست صادقة: “ليست هذه كلمات شخص نادم حقًّا على خطيته مبتعدًا عنها، لكنها كلمات رجل يتفجع على آثار شهوته المبهجة، ويتعذب بسبب ضميره المثقل بالذنب.”
رأى جون تراب (John Trapp) أن هذا يمكن أن يصف توبة حقيقية: “قد كنتُ شخصًا حقيرًا للغاية، وحشًا، كنتٌ شيطانًا حتى إني بددتُ بشكل مأساوي أدسم أوقاتي الثمينة، بدّدتُ زهرة عمري، وفوة جسدي وحيويتي ونشاطي، وكل ممتلكاتي في لذات ومسرات حسّيّة آثمة! هوذا نوع توبتي. ومع أنها متأخرة، ستُقبَل إن كانت صادقة.”
7. فِي وَسَطِ ٱلزُّمْرَةِ وَٱلْجَمَاعَةِ: فُضِح ما كان الزاني يعتقد أنه سيبقى سرًّا. فقد دخل إلى خطيته معتقدًا أنه لن يُكتشَف أبدًا. فعندما فُضحت حماقته فِي وَسَطِ ٱلزُّمْرَةِ وَٱلْجَمَاعَةِ، ظهرت الخيانة وعدم ضبط النفس علنًا.
“صرتُ، أنا الذي صممتُ وتوقعتُ أـن أتمتع بشهواتي بسرية وإفلات من العقاب، مثلًا ومشهدًا مخزيًا لجميع الناس في وسط إسرائيل، حيث عُلِّمتُ أشياء أفضل، وحيث هذه التصرفات بغيضة وسيئة السمعة.” بولي (Poole)
“لا يمكن لأي شخص نجس أن يحصل على ضمان أن خطيته ستبقى سرية دائمًا. لا، ليس في هذه الحياة. يجلب الرب غالبًا تهييجًا لرعب في ضمائرهم حتى إنهم يعلنون بأنفسهم عن قذارتهم السرية. تراب (Trapp)
ثانيًا. جِدْ إشباعًا في زوجتك
أ ) الآيات (15-19): تدبير الله في الزواج.
15اِشْرَبْ مِيَاهًا مِنْ جُبِّكَ، وَمِيَاهًا جَارِيَةً مِنْ بِئْرِكَ. 16لَا تَفِضْ يَنَابِيعُكَ إِلَى ٱلْخَارِجِ، سَوَاقِيَ مِيَاهٍ فِي ٱلشَّوَارِعِ. 17لِتَكُنْ لَكَ وَحْدَكَ، وَلَيْسَ لِأَجَانِبَ مَعَكَ. 18لِيَكُنْ يَنْبُوعُكَ مُبَارَكًا، وَٱفْرَحْ بِٱمْرَأَةِ شَبَابِكَ، 19ٱلظَّبْيَةِ ٱلْمَحْبُوبَةِ وَٱلْوَعْلَةِ ٱلزَّهِيَّةِ. لِيُرْوِكَ ثَدْيَاهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَبِمَحَبَّتِهَا ٱسْكَرْ دَائِمًا.
1. اِشْرَبْ مِيَاهًا مِنْ جُبِّكَ: ذكّر سليمان ابنه أن الله قد دبّر له زوجة من أجل احتياجاته الجنسية. وبدًلا من أن يهمل ما أعطاه الله له، ينبغي أن يجدد امتنانه وتركيزه على ما باركه الله به.
“يرمز الماء في الآية 15، كما في نشيد الأنشاد 5: 1 إلى إطفاء العطش الجنسي. ويشبَّه إشباع الدافع الجنسي بتناول طعام صلب في أمثال 30: 20، وبشراب وطعام في أمثال 9: 17.” والتكي (Waltke)
“تجعل الشهوة القلب ساخنًا وعطشانًا، ولهذا يرسل الله الرجال إلى هذا الجب.” تراب (Trapp)
“اشبع بزوجتك، ولتُظهر الزوجة توقيرًا لزوجها، لا أن تنفّره بعدم الاهتمام أو بعدم اللطف لكي يسعى في مكان آخر إلى ما له الحق في توقّعه، لكنه لا يجده في البيت.” كلارك (Clarke)
2. وَمِيَاهًا جَارِيَةً مِنْ بِئْرِكَ: تدبير الله للاحتياج الجنسي موجود في فراش الزوجية، وهو طاهر أمامه (عبرانيين 13: 4). وهو يشبه نبعًا نقيًّا منعشًا (مِيَاهًا جَارِيَةً). ورغم أن بعضهم غير راضين عما يقدمه الله في الزواج، إلا أن عدم الرضا هذا ينعكس عليهم أكثر مما ينعكس على شركاء حياتهم.
تعزز الثقافة المفرطة في التركيز على النشاط الجنسي، قديمًا أو حديثًا، مسألة الاهتياج الجسمي. وفي حين أن الأحمق هو وحده الذي ينكر الاستمتاع الجسمي بالجنس، إلا أن العقل الأكثر نضجًا يرى أن الحميمية – الكشف المفتوح غير المُعاق، والاستقبال، مع مشاركة الذات مع الآخر – مكافأة عظيمة أيضًا في العلاقة الجنسية. وعندما يكون الجنس محصورًا في الحدود الكتابية على مر السنوات والعقود، فإنه يقول:
ü أنا هنا من أجلِك، وأنتِ هنا من أجلي.
ü أنا لحبيبي وحبيبي لي.
ü أعرفك أكثر مما أعرف أي شخص آخر، ورغم هذا، فإني أحبك.
ü أنتِ تعرفينني أكثر مما تعرفين أي شخص آخر، ورغم هذا، فإنك تحبينني.
ü أبناؤنا وحياتي البيتية محمية وآمنة.
ü لسنا عبيدًا لرغباتنا الجنسية. فنحن نحيا حسب مبادئ أعظم من النوازع الجنسية.
ü سنبقى معًا، وسيدعم أحدنا الآخر مع تقدُّمنا في العمر.
تُعَد هذه المزايا، فرديًّا وجماعيًّا على نحو خاص، أعظم من خبرة النشوة الجنسية. فهذا جنس هادف (له معنى)، وليس متعة فقط. ويقوم العالم والجسد وإبليس بعمل بارع في ترويج كذبة أن الجنس يركز على المتعة أكثر مما يعد به الله في طاعة لخطته: الجنس الهادف.
“ليس الوفاء الزوجي الصارم انعزالية مفقرة. فمن مثل هذا الزواج تتدفق البركة في الأشخاص وتأثيرات العائلة الحقيقية.” كيدنر (Kidner)
3. لَا تَفِضْ يَنَابِيعُكَ إِلَى ٱلْخَارِجِ: تتغير الصورة هنا. والفكرة هنا هي أن على ابنه أن يُعِد النشاط الجنسي مثل مياه واهبة للحياة ينبغي أن تسير في القناة السليمة. إنه من أجل إشباع زوجته، لا للغرباء.
يتخذ المترجمون الفوريون المختلفون مناهج مختلفة في التعامل مع كل من الخزان (الجب) والنوافير الفائضة إلى خارج. إذ يَعُد بعضهم هذه صورة لإنجاب أبناء خارج الزواج، أو أفكار شبيهة بذلك. ويبدو أن أفضل نهج هو أن نأخذها على أنها مقابلة بين ما هو خاص وعام. فقد ثصد الله للجنس بأن يُتمتع ويحتفل به في سرية الزواج، لا في المجال العام، أو حتى في المجال التجاري.
لِتَكُنْ لَكَ وَحْدَكَ: “باستخدام صيغة الأمر، يواصل سليمان النصيحة لابنه أن يجد مصادر اللذة الجنسية في سرية الزواج، لا في ينابيع مع الرعاع والعامة. ويؤكد سرية الحب الزوجي باستخدام ’لَكَ وَحْدَكَ‘ والتكي (Waltke)
“الموضوع هنا هو المُلكية الخاصة مقابل المُلكية العامة أو المشتركة. وتُستخدم صور الجب والبئر والنافورة للإشارة إلى الزوجة (انظر نشيد الأنشاد 4: 15)، لأنها، شأنها شأن الماء، تشبع الرغبات. وبالتالي، فإن قنوات الماء في الشارع (سَوَاقِيَ مِيَاهٍ فِي ٱلشَّوَارِعِ) تشير إلى الاتصال الجنسي بامرأة داعرة.” روس (Ross)
يشبّه سليمان الاستمتاع بالحب الزوجي بشرب ماء نقي من بئر نقية منعشة، لكنه يشبّه ارتكاب الخطية الجنسية بشرب ماء ملوث من الميزاب أو المجاري. ويعني ارتكاب الخطية الجنسية أن تسكب هذه السواقي الجميلة في الشوارع والميادين العامة. فيل لَهذا التبديد!” ويرزبي (Wiersbe)
4. وَٱفْرَحْ بِٱمْرَأَةِ شَبَابِكَ: ألمح سليمان إلى خطة الله للزواج، حتى لو لم يتبعها بنفسه (1 ملوك 11: 3). وأفضل ما لدى الله للبشرية هو أن يتزوج رجل امرأة في شبابه وأن يفرح بها بقية حياته. وتعني الظروف المختلفة أنه ستكون هنالك طرق مختلفة للحياة. لكن عندما يتزوج رجل من امرأة في شبابه، فإن أفضل ما لدى الله هو أن يفرح بها إلى أن يفرق الموت بينهما.
الحث على ابتهاج الرجل بامرأة شبابه هنا عنصر اختيار. فهنالك أوقات يحتاج فيها الزوج (أو الزوجة) إلى أن يبتهج بشريك حياته. وتتأثر عواطفنا بالمكان الذي نختار أن نركز عليه أكثر بكثير مما يدركه الناس.
ليس لدينا سجل يثبت أن سليمان ارتكب الزنا وفق التعريف الاصطلاحي لهذه الخطية. فقد كان لدى سليمان 700 زوجة و300 محظية (1 ملوك 11: 3)، وكنّ جميعًا شريكات مشروعات. غير أنه قصّر كثيرًا عن خطة الله التي تقضي بأن يتزوج رجل واحد من امرأة واحدة، وأن يجد إشباعًا في امرأة شبابه. وقد كتب سليمان عن هذا المثل الأعلى في نشيد الأنشاد، لكنه لم يتمتع به قط، أو تمتع به لفترة قصيرة نسبيًّا. ويبيّن فشل سليمان في هذه الناحية أنه إذا لم يكتفِ الرجل بامرأة واحدة، فلن يكتفي بألف امرأة. وإذا لم يكتفِ بامرأة شبابه، فإن اللوم يقع دائمًا عليه، لا على الزوجة.
“تقول الفطرة السليمة إن الاتصالات القصيرة كهذه مع الغرباء لا تعطي أي وقت للحميمية – إذ تتطلب الحميمية ارتباطًا مدى الحياة مع امرأة شباب الرجل.” روس (Ross)
“يراقب الزاني النهر وهو يتحول إلى مياه المجاري، لكن الزوج الوفي يرى الماء وهو يتحول خمرًا.” ويرزبي (Wiersbe)
5. لِيُرْوِكَ ثَدْيَاهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ: ومرة أخرى، يتم التأكيد أن الله وفر مكانًا للرجل لإشباع احتياجاته الجنسية في الزواج مع امرأة شبابه. ويسهُل الشعور بأن الإشباع الجنسي لا بد أن يكون خارج الزواج، لكن هذا وهم وخداع.
لِيُرْوِكَ ثَدْيَاهَا: الكلمة العبرية هنا Daddeeyha مشتقة من ثغو (كلام غير واضح) الطفل الرضيع، ويقابلها بالعربية ’الحلمات.‘ وهذه الكلمة مرتبطة بالإثارة الجنسية في استخدام آخر فقط (حزقيال 23: 3، 8، 21).” والتكي (Waltke)
“من المهم للغاية أن ننظر إلى المتعة الجنسية في الزواج على أنه هبة من الله. ويثبت التاريخ أنه عندما يُنظر إلى الزواج بشكل رئيسي على أنه ترتيب عمل (تجاري) في سوء فهم لسخاء الله، فإن الشغف البشري (انظر الآية 20) يسعى إلى منافذ أخرى.” كيدنر (Kidner)
“لم يخلق الله الجنس للتناسل فحسب، بل للمتعة أيضًا. ولم يضع ’جدار الزواج‘ حول الجنس ليسلبنا المتعة، بل ليزيدها ويحميها.” ويرزبي (Wiersbe)
6. وَبِمَحَبَّتِهَا ٱسْكَرْ (التذّ للغاية) دَائِمًا: توجد هذه الصياغة بوجود عنصر اختيار. إذ نعتقد دائمًا أن الافتتان بحبها شيء يمكن أن يحصل لشيء إلا بسبب قوة حب صوفي. غير أننا نحب ما اخترنا أن نركز عواطفنا عليه. ويمكن للزوج أن يختار أن يُفتن بمحبة زوجته، حتى لو خشيا أن الحب تضاءل أو مات.
ٱسْكَرْ: ينبغي أن يؤسر الزوج بمحبة زوجته. وتدل الكلمة العبرية Shagah على مشية متهاوية، ولهذا تعبّر هنا عن نشوة فرح العاشق ’المأسور.‘ ويمكن أن تترجم أيضًا: ’كن مخمورًا (اسكر) بمحبتها.‘ روس (Ross)
يؤكد النص الارتباط بواحد، امرأة واحدة لرجل واحد. ورغم أن سليمان انحرف عن هذا المثل الأعلى (1 ملوك 11: 3)، إلا أنه أدرك قيمته ذات يوم. “يستطيع الرجل الحسي أن يجد إشباعًا في زوجته لا يمكن أن تعطيه إيه امرأة أخرى. ويُنظر إلى الزواج هنا على أنه أُحادي بقوة.” والتكي (Waltke)
“كانت زوجة حزقيال ’بهجة عينيه،‘ وكان يشعر برضا فريد في صحبتها. وهذا الفرح هو ثمرة الحب، وهو لهذا يوصى به لكل الرجال المتزوجين في الكلمات التالية.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (20-23): مصير الرجل المولع بالزنا.
20فَلِمَ تُفْتَنُ يَا ٱبْنِي بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَتَحْتَضِنُ غَرِيبَةً؟ 21لِأَنَّ طُرُقَ ٱلْإِنْسَانِ أَمَامَ عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ، وَهُوَ يَزِنُ كُلَّ سُبُلِهِ. 22ٱلشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ. 23إِنَّهُ يَمُوتُ مِنْ عَدَمِ ٱلْأَدَبِ، وَبِفَرْطِ حُمْقِهِ يَتَهَوَّرُ.
1. فَلِمَ تُفْتَنُ يَا ٱبْنِي بِأَجْنَبِيَّةٍ؟: وصف سليمان للتو تدبير الله لاحتياجات الرجل في الزواج. ولهذا، فإنه ليس منطقيًّا للرجل أن يسقط في فخ المرأة المنحلة. فلا ينبغي أن يقع في شركها أو في أحضانها.
“في ضوء الطريقة الفضلى للسعادة الزوجية مع زوجة مباركة، فإن الانخراط مع الزوجة غير العفيفة أمر عبثي.” والتكي (Waltke)
2. لِأَنَّ طُرُقَ ٱلْإِنْسَانِ أَمَامَ عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ: هذا تذكير مهم لأي رجل يتعامل مع إغراء المرأة الفاسقة. ومن الطبع البشري أن يعتقد المرء أن خطية كهذه يمكن أن تبرَّر إذا لم تخرج إلى العلن. وغالبًا ما نعتقد أن خطية كهذه يمكن أن تبرَّر إذا لم تُكشف. وقد جُرِّب كثيرون بالاعتقاد أن هذه فرصة خالية من المخاطر. ويذكّرنا سليمان بحق أن الله يرى كل طرقنا، وأنه ليست لديه خطايا مخفية. وَهُوَ يَزِنُ كُلَّ سُبُلِهِ.
“هنا، كما في أي موضع آخر، تتمثل الحكمة في الإدراك أن الحياة البشرية هي دائمًا تحت مراقبة الرب، وتحت إدارته.” مورجان (Morgan)
طُرُقَ ٱلْإِنْسَانِ: “انطلاقاته (مساراته)، أو سبله، وهي تدل على مسالك العربات أو آثارها التي تتشكل بالاستخدام المستمر. وهنالك تعبير دارج أفضل، وهو ’عادات.‘” كيدنر (Kidner)
3. وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ: الخطية الجنسية، وبشكل خاص انتهاك عهد الزواج، خطية توقع المرء في فخ وتُهلكه. وهي تجلب الموت، لا الحياة (إِنَّهُ يَمُوتُ مِنْ عَدَمِ ٱلْأَدَبِ). وإن عناية الله ورأفته هما اللتان تعطياننا إرشادًا لسلوكنا الجنسي وتعبيرنا عنه.
وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ: يعتقد معظم الأشخاص الذين يتبعون اللذات غير المشروعة أنهم يستطيعون التخلي عنها كلما شاءوا. لكن الخطية المتكررة تصبح أمرًا معتادًا. وسرعان ما يصبح العُرق عادة. وتتخذ العادة في النهاية شكل الضرورة. إذ يصبح الرجل مقيّدًا بحباله الخاصة، وهكذا يقاد أسيرًا من إبليس كيفما يريد.” كلارك (Clarke)
“ينشغل الفاجر طوال حياته بلفّ حبال الخطية. وكل خطاياه جدائل وفتائل تُصنع منها الحبال. وأفكاره ومخيلاته هي المواد الخامّة. وبينما هو يفكر في الشر، ويخطط للتعدي، ويشتهي القذارة، ويتبع مكائد شريرة، ويسعى برأسه ويده وقلبه وراء الأذى. وهكذا يظل على الدوام يلف حبال الخطية التي ستقيده فيما بعد.” سبيرجن (Spurgeon)
“وبعبارة أخرى، إذا لم يُؤسر الشاب بزوجته، بل صار مأسورًا من غريبة في أعمال آثمة، عندئذٍ، فإن آثامه ستأسره، وسيقاد إلى الدمار.” روس (Ross)
إِنَّهُ يَمُوت: “يشير هذا إلى الموت الأبدي بالمقابلة مع حياة الأبرار الأبدية، لا مجرد موت قبل أوانه (انظر الآية 11) أو موت سريري.” والتكي (Waltke)
بِفَرْطِ حُمْقِهِ: “يا لهؤلاء الرجال المجانين الذين يحرمون أنفسهم من غرفة في مدينة اللآلئ تلك من أجل مسرات قذرة قليلة وملذات جسدية.” تراب (Trapp)