سفر التثنية – الإصحاح ٢٣
تعليمات خاصة بتَجَمُّع الشعب، وقوانين أخرى متنوعة
أولًا. المستبعدون عن القيادة في إسرائيل
أ ) الآية (١): الخصيان مستبعدون من القيادة داخل جَمَاعَة إسرائيل.
١لاَ يَدْخُلْ مَخْصِيٌّ بِالرَّضِّ أَوْ مَجْبُوبٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ.
١. بِالرَّضِّ أَوْ مَجْبُوبٌ: وهذا يشير إلى أولئك المَخْصِيين إما بسبب عيب خلقي، أو حادث، أو إخصاء متعمد.
٢. لاَ يَدْخُلْ… فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ: تشير فكرة جَمَاعَةِ الرَّبِّ عادةً إلى الأمة المجتمعة أمام الرب في العبادة، كما حدث عندما اجتمع الشعب في جبل سيناء (تثنية ٥: ٢٢، ٩: ١٠، ١٠: ٤ و١٨: ١٦). ولكنها لا تأتي دائمًا بهذا المعنى.
- هناك عدة اقتراحات لما كان يشكّل جَمَاعَةِ الرَّبِّ: (١) مجتمع إسرائيل العام. (٢) ”مواطنو“ إسرائيل، وهم متميّزون عن ”المقيمين.“ (٣) أولئك المسموح لهم والمرحب بهم بالمشاركة في العبادة العامة والاحتفال بالأعياد. (٤) المجموعة الواسعة من القادة والمسؤولين المدنيين في إسرائيل. وهناك أسباب لمراعاة المعنى الأخير هنا.
- تشير تثنية ٣١: ٣٠ إلى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، بينما توضح تثنية ٣١: ٢٨ أن “كل الجماعة” كانت ممثلة في “كُلَّ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ.” لذلك، في بعض السياقات، يمكن أن تشير الجماعة إلى الشُيُوخِ والَعُرَفَاء (الضباط أو المسؤولين). ومن المحتمل جدًا أن يكون هذا الاستبعاد من جَمَاعَةِ الرَّبِّ استبعادًا ليس من الحياة الدينية لإسرائيل، بل من الحياة السياسية للأمة.
- يقترح بوله (Poole) أن فكرة جَمَاعَةِ الرَّبِّ تشير إلى قادة أو حكام إسرائيل. ولم يُمنع هؤلاء الأشخاص المخصيين من الحياة الدينية في إسرائيل، بل من تولي مناصب سياسية داخل الأمة. ويتفق تراب (Trapp) مع هذا الرأي قائلًا: “لا يدخل ويخرج أمام الشعب كمسؤول حكومي.” ويضيف كلارك (Clarke): “إذا كان الدخول في الجماعة يعني تولي منصب مدني بين الناس، مثل قاضي، أو حاكم، أو ما إلى ذلك، فإن المنطق وراء القانون يصبح واضحًا.”
٣. لاَ يَدْخُلْ… فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ: تم استبعاد الخصيان لأن عهد الله مع إسرائيل كان مرتبطًا بشكل حيوي بفكرة النسل، والخصاء هو “جريمة” ضد نسل الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، تم إخصاء معظم الخصيان في احتفالات وثنية ليكونوا مكرسين للآلهة الوثنية.
- يُظهِر إشعياء ٥٦: ٣-٥ أن الخِصيان والغرباء يمكن أن يُقبلوا أمام الرب إذا أطاعوه. بل ويُقبلون أكثر من أولئك الذين هم من شعب الله وكاملين في أجسادهم لكنهم عصوا الله. وعلى نحو مماثل، يسجّل سفر أعمال الرسل ٨: ٢٧-٣٨ قصة خصي آمن بيسوع.
ب) الآية (٢): يُستبعد مجهولو النسب من جَمَاعَةِ إسرائيل (القيادة المدنية في إسرائيل).
٢لاَ يَدْخُلِ ابْنُ زِنًى فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ لاَ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ.
١. ابْنُ زِنًى (أو “وليدًا غير شرعيًا” بحسب بعض الترجمات): من الصعب تحديد المقصود بالضبط من هذا المصطلح. عرّف بعض الكُتاب اليهود اللاحقين هذا المصطلح بأنه يعود على شخص وُلد من علاقة سِفاح القربى بين اليهود؛ بينما قال آخرون إنه يشير إلى المولودين من زيجات مختلطة بين شعب إسرائيل وجيرانهم الوثنيين (كما في نحميا ١٣: ٢٣).
- حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ: “إن الإشارة الزمنية التي في الآيتين ٢-٣ ’حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ،‘ كما تشير الآية ٦، تعني “يعني ما دامت الأمة موجودة. فلا يجب أن تُعدّ الأجيال، بل يجب أن يُفهم المعنى بالأحرى كما في قول الربّ يسوع عن عدد مرات غفران الأخ لأخيه: ’سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ‘ (أي دائمًا؛ راجع متى ٢٢:١٨).” كالاند (Kalland)
٢. جَمَاعَةِ الرَّبِّ: إن هذا الاستبعاد لابْن الزِنًى، كما هو الحال مع المخصيين في الآية ١، على الأرجح يكون متعلقّا بالقيادة المدنية في إسرائيل، وليس بعضوية المرء في مجتمع إسرائيل ككل.
ج) الآيات (٣-٦): العمونيون والموآبيون مستبعدون من جَمَاعَةِ إسرائيل (القيادة المدنية في إسرائيل).
٣لاَ يَدْخُلْ عَمُّونِيٌّ وَلاَ مُوآبِيٌّ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ لاَ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ، ٤مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُلاَقُوكُمْ بِالْخُبْزِ وَالْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَلأَنَّهُمُ اسْتَأْجَرُوا عَلَيْكَ بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ مِنْ فَتُورِ أَرَامِ النَّهْرَيْنِ لِكَيْ يَلْعَنَكَ. ٥وَلكِنْ لَمْ يَشَإِ الرَّبُّ إِلهُكَ أَنْ يَسْمَعَ لِبَلْعَامَ، فَحَوَّلَ لأَجْلِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ اللَّعْنَةَ إِلَى بَرَكَةٍ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ أَحَبَّكَ. ٦لاَ تَلْتَمِسْ سَلاَمَهُمْ وَلاَ خَيْرَهُمْ كُلَّ أَيَّامِكَ إِلَى الأَبَدِ.
١. لاَ يَدْخُلْ عَمُّونِيٌّ وَلاَ مُوآبِيٌّ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ: لم يعامل الموآبيون والعمونيون إسرائيل بقسوة في طريقهم إلى أرض الموعد فحسب، بل أصولهم أيضًا مخزية. فموآب وعمون هما الأبناء الذين ولدوا لابنتي لوط بعد معاشرتهما أبيهما (تكوين ٣٠:١٩-٣٨).
- إن قصة النبي الغريب بَلْعَام وملك موآب بَالاَق الذي استأجره ليلعن إسرائيل، موجودة في سفر العدد ٢٢-٢٤.
٢. جَمَاعَةِ الرَّبّ: كان لهذا القانون نفس تطبيق القوانين السابقة في هذا الجزء، وهو يتعلق بشكل خاص بالقيادة المدنية في إسرائيل، وليس بعضوية المجتمع الإسرائيلي ككل.
- “إن الاستبعاد من جماعة الرب لم يكن يعني الانفصال الكامل عن مجتمع العهد، كما رأينا في مثال راعوث الموآبية. فلا يوجد شك بأن شعب الرب قد رحّب بها كواحدة منهم.” ميريل (Merrill)
د ) الآيات (٧-٨): يجوز لأبناء أدوم ومصر أن يكونوا بين جَمَاعَةِ إسرائيل (القيادة المدنية في إسرائيل).
٧لاَ تَكْرَهْ أَدُومِيًّا لأَنَّهُ أَخُوكَ. لاَ تَكْرَهْ مِصْرِيًّا لأَنَّكَ كُنْتَ نَزِيلًا فِي أَرْضِهِ. ٨الأَوْلاَدُ الَّذِينَ يُولَدُونَ لَهُمْ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ يَدْخُلُونَ مِنْهُمْ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ.
١. لاَ تَكْرَهْ أَدُومِيًّا: كان الأدوميون مرتبطين عرقيًا بإسرائيل، لأن عيسو شقيق يعقوب كان أبًا للشعوب الأدومية. ولذلك أُمر إسرائيل ألاَ يكْرَهْ أَدُومِيًّا. بدءًا من الجيل الثالث، يمكن لنسل الأدوميين أو المصريين أن يكونوا جزءًا من قيادة إسرائيل.
- “يأتي الفعل ’تكره‘ (tieb) من نفس جذر الاسم ’رِجْس‘ (toeba) ويُستخدم عمومًا للإشارة إلى النجاسة الطقسية. والمقصود بصيغة الفعل هنا هو ’أن يُعامل الآخر وكأنه غير طاهر طقسيًا أو نَجِس‘” (راجع تثنية ٧: ٢٦).” تومسون (Thompson)
- ومن المثير للاهتمام أن أحد أشهر الأدوميين في التاريخ وقد كان مكروهًا من قبل إسرائيل هو – هيرودس الكبير. لم يكن الهدف من العديد من مشاريع البناء المذهلة التي قام بها في يهوذا هو تمجيد اسمه فحسب، بل أيضًا كسب تأييد اليهود الذين كانوا يحتقرونه باعتباره أدوميًا.
٢. لاَ تَكْرَهْ مِصْرِيًّا: كان للمصريون أيضًا أن ينالوا قبولًا أكثر عن الموآبيين أو العمونيين، ذلك لأن شعب إسرائيل كانوا ضيوفًا في مصر لما يقرب من ٤٠٠ سنة. على الرغم من أن السنوات التي قضاها إسرائيل في مصر كانت صعبة، إلا أن الله كان لديه قصد عظيم لهم. كانت مصر بمثابة رحم الأم لإسرائيل؛ لقد دخلوا كعائلة كبيرة وخرجوا كأمة متميزة.
- “كانت هناك أسباب مقنعة للغاية تمنع إسرائيل من إقامة أي علاقة سياسية مع مصر، ولكن لم يكن عليها أن يضمروا الكراهية ضد الشعب المصري.” مورجان (Morgan)
ثانيًا. شَرَائِعُ مُتَفَرِّقَة
أ ) الآيات (٩-١٤): النظافة في الْمَحَلَّة (المخيم).
٩إِذَا خَرَجْتَ فِي جَيْشٍ عَلَى أَعْدَائِكَ فَاحْتَرِزْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ رَدِيءٍ. ١٠إِنْ كَانَ فِيكَ رَجُلٌ غَيْرَ طَاهِرٍ مِنْ عَارِضِ اللَّيْلِ، يَخْرُجُ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ. لاَ يَدْخُلْ إِلَى دَاخِلِ الْمَحَلَّةِ. ١١وَنَحْوَ إِقْبَالِ الْمَسَاءِ يَغْتَسِلُ بِمَاءٍ، وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَدْخُلُ إِلَى دَاخِلِ الْمَحَلَّةِ. ١٢وَيَكُونُ لَكَ مَوْضِعٌ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ لِتَخْرُجَ إِلَيْهِ خَارِجًا. ١٣وَيَكُونُ لَكَ وَتَدٌ مَعَ عُدَّتِكَ لِتَحْفِرَ بِهِ عِنْدَمَا تَجْلِسُ خَارِجًا وَتَرْجِعُ وَتُغَطِّي بِرَازَكَ. ١٤لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ فِي وَسَطِ مَحَلَّتِكَ، لِكَيْ يُنْقِذَكَ وَيَدْفَعَ أَعْدَاءَكَ أَمَامَكَ. فَلْتَكُنْ مَحَلَّتُكَ مُقَدَّسَةً، لِئَلاَّ يَرَى فِيكَ قَذَرَ شَيْءٍ فَيَرْجِعَ عَنْكَ.
١. إِذَا خَرَجْتَ فِي جَيْشٍ عَلَى أَعْدَائِكَ فَاحْتَرِزْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ رَدِيءٍ: أوصى الله بنظافة طقسية وسط جيش إسرائيل. ربما تشير جملة: ’نَحْوَ إِقْبَالِ الْمَسَاءِ‘ إلى الإفرازات الليلي، ومراسم التطهير لهذا الأمر موصوفة في سفر اللاويين ١٥: ١٦-١٨. وبعد الاغتسال الطقسي، يستطيع ذلك الجندي أن يَدْخُلُ إِلَى دَاخِلِ الْمَحَلَّةِ.
- “في حين أن النص لا يشير إلى أن الفضلات أو الإفرازات الطبيعية للجسم – سواء كانت ذات طبيعة شبه جنسية أم لا – شريرة بطبيعتها أو حتى نجسة طقسيًا، إلا أنه يؤكد على أهمية الوقت والمكان المناسبين لمثل هذه الأمور.” ميريل (Merrill)
٢. وَيَكُونُ لَكَ وَتَدٌ مَعَ عُدَّتِكَ: أوصى الله بالنظافة الصحية في جيش إسرائيل. بالإضافة إلى أسلحته، كان على كل جندي أن يحمل نوعًا من المجرفة يمكنه بها أن يُغَطِّي بِرَازَه.
- “تجاوز سبيرجن التعليق على الآية ١٣، وركّز بدلًا من ذلك على الآية ١٤، قائلًا: “لن أشير كثيرًا إلى السياق، والذي يجب أن تدرسه بنفسك، ولكن يجب أن أقول أن الرب اهتم حرفيًا بنظافة شعبه أثناء وجودهم في البرية؛ وهذا النص مرتبط بنظام صحّي من أحكم الأنواع المُمكنة” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ فِي وَسَطِ مَحَلَّتِكَ: كانت أمة إسرائيل تتمتع بوجود الْمَسْكَن وتابوت العهد معها، وهو ما يرمز أو يشير إلى حضور الرب في وسطهم. ومع ذلك، أدركوا أيضًا أن حضور الله لا يقتصر على الْمَسْكَن (الخيمة) أو تابوت العهد. فقد كان الرب حاضرًا في كل مكان، وكأنه يسير في وسطهم في مَحَلَّة إسرائيل.
- “لا يوجد أي جزء من المَحَلَّة خارج حضور الله. فحضوره لم يكن مقصورًا على القدس أو قدس الأقداس بين الكروبيم، بل كان حاضرًا في كل طرق المدينة وبين الخيام وفي أطرافها.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لقد سار الله عبر دروب الخيام الطويلة، ولم ير فيها ما يسيء إليه أو يجعله يَرْجِعَ عَنْهم. يا له من درس رائع وعميق! إن الله يراقب باستمرار دروب حياتنا. كل جزء خفي من أفعالنا اليومية، وعلاقاتنا، وأفكار ونوايا قلوبنا معروفة وظاهرة تمامًا له.” ماير (Meyer)
- فَيَرْجِعَ عَنْكَ: “انتبه جيدًا للتحذير الخطير الذي أُضيف. فإذا تم التساهل مع شيء نجس داخل المحلة ووَجد الشعب مسرته فيه، ورآه الرب – إذا أصبح جليًا ومُحزنًا له فسيتبعه أسوأ العواقب – فَيَرْجِعَ عَنْكَ.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٥-١٦): إسرائيل توفر اللجوء للعبد الأجنبي الهارب.
١٥عَبْدًا أَبَقَ إِلَيْكَ مِنْ مَوْلاَهُ لاَ تُسَلِّمْ إِلَى مَوْلاَهُ. ١٦عِنْدَكَ يُقِيمُ فِي وَسَطِكَ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ فِي أَحَدِ أَبْوَابِكَ حَيْثُ يَطِيبُ لَهُ. لاَ تَظْلِمْهُ.
١. عَبْدًا أَبَقَ إِلَيْكَ مِنْ مَوْلاَهُ لاَ تُسَلِّمْ إِلَى مَوْلاَهُ: من المحتمل أن يشير هذا إلى عبد من دولة أجنبية تم أسره عن طريق الاختطاف، (فعل محظور في سفر الخروج ٢١: ١٦). وكانت هناك أيضًا حالات لعبيد هاربين يتجولون في أرض إسرائيل ( ١ صموئيل ٢٥: ١٠).
- “كان من المفترض أن يكون إسرائيل ملجأ للعبيد المضطهدين من الشعوب الأخرى.” مورجان (Morgan)
- “من الواضح أن العبد اللاجئ المذكور هنا آتى من أرض غريبة وإلا لكانت هناك تعقيدات قانونية، لأن العبيد كانوا ممتلكات ثمينة.” تومسون (Thompson)
٢. عِنْدَكَ يُقِيمُ فِي وَسَطِكَ: لا يجوز لإسرائيلي أن يأخذ عبدًا هاربًا ويستعبده مرة أخرى. كان العبد الهارب حرًا وله الحق في العيش فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ.
ج) الآيات (١٧-١٨): الدَعَارَة الدينية محظورة.
١٧لاَ تَكُنْ زَانِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، وَلاَ يَكُنْ مَأْبُونٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٨لاَ تُدْخِلْ أُجْرَةَ زَانِيَةٍ وَلاَ ثَمَنَ كَلْبٍ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ عَنْ نَذْرٍ مَّا، لأَنَّهُمَا كِلَيْهِمَا رِجْسٌ لَدَى الرَّبِّ إِلهِكَ.
١. زَانِيَةٌ: تشير إلى عَاهِرَةً فِي مَعْبَدٍ. ولفظ “مَأْبُونٌ” يشير إلى رجل زاني، وكلاهما كان شائعًا في الديانات الوثنية بين الكنعانيين وغيرهم في العالم القديم.
- وفي وقت لاحق، في عهد آسا الملك (١ ملوك ١٥: ١٢) ويوشيا الملك (٢ ملوك ٢٣: ٧) قيل لنا أن الأشخاص المأبونون (البغايا الذكور) طُردوا من إسرائيل. وهذا يعني أنه قبل طردهم بفترة من الزمن، مارسوا الزنا في عبادتهم أمام الرب، الأمر الذي هو رِجْسٌ لَدَى الرَّبِّ إِلهِك.
٢. لاَ تُدْخِلْ أُجْرَةَ زَانِيَةٍ وَلاَ ثَمَنَ كَلْبٍ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ: الأموال التي تتقاضاها الزانية (أُجْرَةَ زَانِيَةٍ) وما يتقاضاه الزاني (ثَمَنَ كَلْبٍ) لا تقدم للرب أبدًا. كانت ممارسة الدعارة “الدينية” شائعة في الديانات الوثنية التي كثرت في العالم القديم.
- “تصف الآية ١٨ الأُنْثَى العاهرة بأنها زانية (zona)، بينما تصف الذَّكَر بأنه كلب. إن استخدام كلمة ’ كلب‘ في هذا السياق ليس فريدًا في العهد القديم ولكنه موجود في أماكن أخرى” تومسون (Thompson). من المرجع أن سؤال جُلْيَات لِدَاوُد الشاب: «أَلَعَلِّي أَنَا كَلْبٌ» (١ صموئيل ١٧: ٤٣) كان مفهومًا بهذا المعنى. ويَظَهر استخدام مماثل في ٢ ملوك ٨: ١٣، وقد ينعكس نفس المعنى أيضًا في تحذير بولس في الرسالة إلى فيلبي ٣: ٢.
- إن عمل الرب لا يحتاج إلى مال مصدره مكاسب غير أخلاقية أو غير مشروعة. “لقد انخرطت جماعات بأكملها من العاملين في الهيكل من الذكور والإناث في طقوس جنسية فاسدة تهدف إلى حث الآلهة والإلهات المختلفة لإطلاق العنان لقواهم الإنجابية على الأرض. وكانت هذه الممارسة منتشرة بشكل خاص بين الآراميين والكنعانيين، مما جعل من الضروري تحذير إسرائيل منها بشكل خاص.” ميريل (Merrill)
د ) الآيات (١٩-٢٠): ضد السرقة من أخيك الإسرائيلي من خلال فوائد غير عادلة على القرض.
١٩لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا، رِبَا فِضَّةٍ، أَوْ رِبَا طَعَامٍ، أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَّا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا، ٢٠لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا، لِيُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا.
١. لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا، رِبَا فِضَّةٍ، أَوْ رِبَا طَعَامٍ: إن ذكر الطعام والوصية المشابهة في خروج ٢٢: ٢٥، يقود معظم الناس إلى الفهم بأن الفائدة على القروض المقدمة للفقراء كانت محظورة لسد احتياجاتهم الأساسية، ولم تمنع أخذ الفائدة على القروض التي لم تكن لإغاثة الفقراء.
- “يمكن ترجمة الآية ١٩ على النحو التالي: ’لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بفائدة زائدة،‘ وهو ما يشير إلى الفائدة المفرطة أو الرِّبا. أما النص العبري فيقول: ’برِّبًا لاذع.‘” تراب (Trapp)
- “إن فرض غرامات أو فوائد عالية على أخ إسرائيلي أشبه ’بِعَضِّة‘ لمفترس يستغل ضعف فريسته. (فالكلمة العبرية nesek تعني فائدة، والكلمة العبرية nasak تعني دفع الفائدة.)” ميريل (Merrill)
- “كانت أسعار الفائدة في الشرق الأدنى القديم مرتفعة للغاية. على سبيل المثال، تكشف العقود المبرمة في نوزي في شمال إمبراطورية أشور في القرن الخامس عشر قبل الميلاد عن أسعار فائدة مرتفعة تصل إلى خمسين بالمائة.” تومسون (Thompson)
٢. لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا: منحت مثل هذه القروض للأجانب لأغراض تجارية، وليس لإعالة الفقراء أو مساعدتهم.
- “ولكن بما أن التجار من الأمم الأخرى قد يأتون لأسباب تجارية إلى إسرائيل، أو يقدمون قروضًا بفائدة للإسرائيليين، فقد كان من الممكن فرض فائدة على الأجانب.” كالاند (Kalland)
هـ) الآيات (٢١-٢٣): ضد السرقة من الرب بعدم الوفاء بالنذر.
٢١إِذَا نَذَرْتَ نَذْرًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ فَلاَ تُؤَخِّرْ وَفَاءَهُ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يَطْلُبُهُ مِنْكَ فَتَكُونُ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ. ٢٢وَلكِنْ إِذَا امْتَنَعْتَ أَنْ تَنْذُرَ لاَ تَكُونُ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ. ٢٣مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيْكَ احْفَظْ وَاعْمَلْ، كَمَا نَذَرْتَ لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَبَرُّعًا، كَمَا تَكَلَّمَ فَمُكَ.
١. فَلاَ تُؤَخِّرْ وَفَاءَهُ: إن النذر أمام الله ليس بالأمر الهين. وقد أوصى الله صراحة أن يحرص إسرائيل على حفظ نذوره وإتمام كل قسم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يَطْلُبُهُ مِنْكَ فَتَكُونُ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ.
- في العديد من الدوائر اليوم، يعتبر الحنث بالقسم هو بالفعل معيار الممارسة التجارية – ولكن أمام الله، فهو ببساطة خطية.
- “إن الوفاء بالنذور أمر يؤكد عليه كل من كاتبي المزامير والأنبياء (مزمور ٢٢: ٢٥، ٥٠: ١٤، من بين شواهد أخرى، إشعياء ١٩: ٢١، يونان ٢: ٩، ناحوم ١: ١٥). وعلى العكس من ذلك، يتناول إرميا وملاخي قضية النذور غير اللائقة (إرميا ٤٤: ٢٥، ملاخي ١: ١٤).” كالاند (Kalland)
٢. وَلكِنْ إِذَا امْتَنَعْتَ أَنْ تَنْذُرَ: يتساءل الكثيرون عما إذا كان النذر أو القَسم مسموحًا به للمؤمن اليوم أم لا. بناءً على ما قاله يسوع في متى ٥: ٣٤-٣٧: “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ، لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللهِ، وَلاَ بِالأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ. وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ.” رسالة يعقوب ٥: ١٢ تُعبر عن نفس الفكرة.
- ولكن، بالنظر في سياق بقية الكتاب المقدس، نرى أن يسوع لم يمنع القسم، بقدر ما أخبرنا أننا يجب أن نكون ممتلئين بالنزاهة في كلماتنا بحيث لا يكون القسم ضروريًا. أجاب يسوع تحت القسم في محاكمته (متى ٦٣:٢٦-٦٤)، كما أن الله نفسه أقسم (لوقا ٧٣:١، أعمال الرسل ٣٠:٢، عبرانيين ١٨:٣، ١٣:٦، ١٧).
٣. وَلكِنْ إِذَا امْتَنَعْتَ أَنْ تَنْذُرَ لاَ تَكُونُ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ: إن الله لا يطلب نذرًا أبدًا؛ وفي كثير من الأحيان، من الأفضل عدم تقديم نذر.
٤. مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيْكَ احْفَظْ وَاعْمَلْ: إن هذه الكلمات توضح مدى أهمية الحفاظ على العهد الذي قطعته، تمامًا كما جاء في الجامعة ٥: ٤-٥ “إذَا نَذَرْتَ نَذْرًا للهِ فَلاَ تَتَأَخَّرْ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ، لأَنَّهُ لاَ يُسَرُّ بِالْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ. أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ.”
- العديد من الوعود هي مجرد حماقة واضحة. “لن أفعل ذلك مرة أخرى أبدًا” هو تعهد أحمق. ومن الحماقة وغير الحكمة أن نطلب مثل هذا التعهد من شخص آخر.
- بالطبع، هناك نذر يمكننا جميعًا بل ويجب علينا أن نقطعه – نذر تسبيح الله: اَللَّهُمَّ، عَلَيَّ نُذُورُكَ. أُوفِي ذَبَائِحَ شُكْرٍ لَكَ (مزمور ٥٦: ١٢). هكَذَا أُرَنِّمُ لاسْمِكَ إِلَى الأَبَدِ، لِوَفَاءِ نُذُورِي يَوْمًا فَيَوْمًا (مزمور ٦١: ٨).
و ) الآيات (٢٤-٢٥): ضد السرقة من المسافر من خلال رفض حق التقاط المحصول.
٢٤إِذَا دَخَلْتَ كَرْمَ صَاحِبِكَ فَكُلْ عِنَبًا حَسَبَ شَهْوَةِ نَفْسِكَ، شَبْعَتَكَ. وَلكِنْ فِي وِعَائِكَ لاَ تَجْعَلْ. ٢٥إِذَا دَخَلْتَ زَرْعَ صَاحِبِكَ فَاقْطِفْ سَنَابِلَ بِيَدِكَ، وَلكِنْ مِنْجَلًا لاَ تَرْفَعْ عَلَى زَرْعِ صَاحِبِكَ.
١. إِذَا دَخَلْتَ كَرْمَ صَاحِبِكَ: الفكرة هنا أنه أثناء سفرك، كان لك الحق في قطف القليل من العنب أو السنابل لتأكلها على طول الطريق. لم يكن من حقك أن تحصد من حقول جارك، بل كان من حقك أن توفر احتياجاتك المباشرة.
٢. فَاقْطِفْ سَنَابِلَ بِيَدِكَ: هذه هي الشريعة التي كان يسوع وتلاميذه يعملون بموجبها عندما قْطِفُوا السَّنَابِلَ وَأْكُلُوا وَهُمْ يَفْرُكُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ (لوقا ١:٦-٥). لقد اتهمهم الفريسيون بكسر السبت، ولكن ليس بسرقة الحبوب، لأن الفريسيين عرفوا هذه الشريعة في سفر التثنية.
- “ومع ذلك، لم يكن من المسموح إساءة استخدام هذا الامتياز بجمع العنب في سلّة أو حصاد حبوب الجيران بالمنجل لتخزينها لنفسك لاستخدامها لاحقًا.” كالاند (Kalland)