سفر التثنية – الإصحاح ٣٠
الاختيار
أولًا. استعادة إسرائيل التائبة
أ ) الآية (١): وَمَتَى أَتَتْ عَلَيْكَ كُلُّ هذِهِ الأُمُورِ.
١وَمَتَى أَتَتْ عَلَيْكَ كُلُّ هذِهِ الأُمُورِ، الْبَرَكَةُ وَاللَّعْنَةُ، اللَّتَانِ جَعَلْتُهُمَا قُدَّامَكَ، فَإِنْ رَدَدْتَ فِي قَلْبِكَ بَيْنَ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَيْهِمْ.
١. وَمَتَى أَتَتْ عَلَيْكَ كُلُّ هذِهِ الأُمُورِ: شرح موسى بعناية، وبإلهام الرب له، ما يخص البركات واللعنات التي ستحل على إسرائيل سواء المطيعة أو المتمردة. وبنفس الوحي والإلهام الإلهي عرف موسى أن كُلُّ هذِهِ الأُمُورِ ستأَتَي على إسرائيل.
• من ذروة البركة في عهدي داود وسليمان، إلى عمق اللعنة عند سقوط أورشليم، هكذا كان تاريخ إسرائيل هو نتيجة حتمية لكونهم مباركين أو تحت اللعنة وذلك بموجب شروط العهد القديم.
٢. فَإِنْ رَدَدْتَ فِي قَلْبِكَ بَيْنَ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَيْهِمْ: عرف الله أن إسرائيل سيُشتت ويُسبى، وهنا ومن خلال موسى، يدعو الله الذين تشتتوا (أي إسرائيل المشتتة بين الأمم) ليتذكروا وعود الرب الخاصة بالْبَرَكَةُ وَاللَّعْنَةُ.
ب) الآيات (٢-٥): وعد الله باسترداد إسرائيل لأرض الموعد.
٢وَرَجَعْتَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ، وَسَمِعْتَ لِصَوْتِهِ حَسَبَ كُلِّ مَا أَنَا أُوصِيكَ بِهِ الْيَوْمَ، أَنْتَ وَبَنُوكَ، بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ، ٣يَرُدُّ الرَّبُّ إِلهُكَ سَبْيَكَ وَيَرْحَمُكَ، وَيَعُودُ فَيَجْمَعُكَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ بَدَّدَكَ إِلَيْهِمِ الرَّبُّ إِلهُكَ. ٤إِنْ يَكُنْ قَدْ بَدَّدَكَ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ، فَمِنْ هُنَاكَ يَجْمَعُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَأْخُذُكَ، ٥وَيَأْتِي بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي امْتَلَكَهَا آبَاؤُكَ فَتَمْتَلِكُهَا، وَيُحْسِنُ إِلَيْكَ وَيُكَثِّرُكَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكَ.
١. وَرَجَعْتَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ: وإذ يرجع إسرائيل إلى الرب، يباركهم الله ويتمم كلمته ويَرُدُّ الرَّبُّ إِلهُكَ سَبْيَكَ وَيَرْحَمُكَ.
• وبطبيعة الحال، تحقق ذلك جزئيًا بعودة المنفيين البابليين في زمن عزرا ونحميا. ولكن التحقيق النهائي لهذا الأمر كان في انتظار القرن العشرين، عندما يجمع الله إسرائيل في أرض الموعد. إن إعادة التجميع الحديثة هذه هي استرداد أكبر وأوسع وأكثر سيادة وأكثر إعجازية من ذلك الاسترداد المسجل في عزرا ونحميا.
٢. مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ بَدَّدَكَ إِلَيْهِمِ الرَّبُّ إِلهُكَ: إن الاسترداد المعاصر لإسرائيل يحقق هذا الوعد بشكل أكثر دقة من عودتهم من السبي البابلي. واليوم، يسكن إسرائيل يهودًا من كل دول العالم تقريبًا. إن اتساع نطاق هذا الوعد مهم لأن الله يكرر الفكرة في الآية ٤: إِنْ يَكُنْ قَدْ بَدَّدَكَ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ، فَمِنْ هُنَاكَ يَجْمَعُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَأْخُذُكَ.
• أدرك آدم كلارك (Adam Clarke)، الذي كتب في عام ١٨١١، أن هذا التجميع يجب أن يتم في وقت ما في المستقبل: “بما أن هذا الوعد يشير إلى العودة من السبي الذي كانوا فيه مشتتين بين كل الأمم، وبالتالي فإن السبي البابلي ليس هو المقصود، ويجب أن تكون استعادة أراضيهم أمرًا مختلفًا عما نتج عن عودتهم من أرض الكلدانيين.”
٣. وَيَأْتِي بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي امْتَلَكَهَا آبَاؤُكَ فَتَمْتَلِكُهَا: وكان لا بد من ردهم في أرض إسرائيل. إن الاسترداد المعاصر لإسرائيل يحقق هذا الوعد بشكل أكثر دقة من العودة من السبي البابلي. ففي العودة من السبي البابلي، كانت إسرائيل لا تزال دولة تابعة للفُرس، ولكن في الاسترداد المعاصر لإسرائيل، ستَمْتَلِك إسرائيل أرض الموعد، وقد تحقق ذلك حرفيًا.
• في وقت ما، في الأيام الأولى للحركة الصهيونية، عرض البريطانيون دولة أوغندا على اليهود كمكان لإقامة دولة يهودية. لو حدث ذلك، ولو أن اليهود من جميع أنحاء العالم قد توافدوا هناك لتأسيس دولة يهودية، فلم يكن ذلك ليفي بوعد الاسترداد المذكور هنا وفي مقاطع أخرى من العهد القديم. الوعد هنا واضح: الأَرْضِ الَّتِي امْتَلَكَهَا آبَاؤُكَ.
٤. وَيُحْسِنُ إِلَيْكَ وَيُكَثِّرُكَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكَ: تحقق هذا الوعد فقط في الاسترداد المعاصر لإسرائيل، وليس في العودة من السبي البابلي. ففي أيام العودة من السبي البابلي، كانت الطائفة اليهودية صغيرة وضعيفة وفقيرة. لكن اليوم، في ظل الاسترداد المعاصر لإسرائيل، فدولة إسرائيل بالفعل قد أُحْسِنُ إِلَيْها، وقد تحقق الوعد: يُكَثِّرُكَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكَ. إن إسرائيل، كأمة، هي أكبر وأقوى وأكثر ثراء من أي وقت مضى في تاريخ الكتاب المقدس.
ج) الآية (٦): الاسترداد الروحي لإسرائيل.
٦وَيَخْتِنُ الرَّبُّ إِلهُكَ قَلْبَكَ وَقَلْبَ نَسْلِكَ، لِكَيْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ لِتَحْيَا.
١. وَيَخْتِنُ الرَّبُّ إِلهُكَ قَلْبَكَ وَقَلْبَ نَسْلِكَ، لِكَيْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ: على الرغم من أن الاسترداد المعاصر لإسرائيل كان رائعًا وذات مغزى نبوي، إلا أنه غير كامل. فالبعد الروحي للاسترداد لم يتحقق بعد.
• إسرائيل اليوم هي دولة علمانية إلى حد كبير. هناك احترام للكتاب المقدس باعتباره كتاب تاريخ وهوية وطنية، ولكن ليس هناك ولم يكن هناك تحول ورجوع حقيقي للرب الإله، وخاصة كأمة.
• يمكننا أن نقول إنه إلى حد ما، حتى اليهود المتدينين أو الأرثوذكس لم يرجعوا بالكامل إلى الرب. وعلى الرغم من أنه كان لهم دور مهم وثمين في خطة الله لإسرائيل وفي رفع الوعي الروحي للشعب اليهودي على البقاء على قيد الحياة خلال قرون التي كانوا مشتتين فيها، إلا أنهم لم يرجعوا حقًا إلى الرب. يمكننا أن نقول هذا لأنه قد تم التعبير عن شخصية الرب وطبيعته بشكل كامل في المسيا. فَنَادَى يَسُوعُ وَقَالَ: “الَّذِي يُؤْمِنُ بِي، لَيْسَ يُؤْمِنُ بِي بَلْ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي. وَالَّذِي يَرَانِي يَرَى الَّذِي أَرْسَلَنِي”. (يوحنا ١٢: ٤٤-٤٥) وبما أن الشعب اليهودي، باستثناء البقية الثمينة، يرفضون يسوع، فإنهم يرفضون الرب الإله.
• لكن وعد الله لا يزال قائمًا. وكجانب أخير من الوعد باسترداد إسرائيل، فسوف يستردهم الله روحيًا. يَعِد الرَّبُّ بعمل ذلك من خلال قوله إنه يَخْتِنُ قَلْبَك. وهذه الفكرة التي بسفر حزقيال تتكرر في وعود العهد الجديد. فحزقيال يقول ٢٦:٣٦-٢٧: “وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا.” ونحن نجد بولس يعد بأنه سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ (رومية ١١: ٢٦). وقال يسوع إنه لن يعود حتى تقبله إسرائيل باعتباره المسيح: “لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!” (متى ٢٣:٣٩).
• يعتقد البعض أنه نظرًا لأن الاسترداد المعاصر لإسرائيل لم يُظهِر بعد هذه الديناميكية الروحية، فلا علاقة له بهذه النبوءات. لكن هذه الديناميكية الروحية مذكورة بشكل صحيح في تثنية ٣٠: ٢-٦ باعتبارها آخر بركات الاسترداد. وأيضًا صورة التجديد الواردة في حزقيال ٣٧ – رؤية العظام اليابسة – تُظهر إسرائيل مُستردًا وقويًا، قبل أن ينفخ الرب نفخة روحه على إسرائيل المُستردة. ونحن نعتبر أن الاسترداد المعاصر لإسرائيل علامة رائعة، وتحقيقًا مهمًا للغاية، ولكن حتى الآن فهو تحقيقًا جزئيًا فقط لهذه النبوءات.
د ) الآيات (٧-١٠): بركات على إسرائيل التائب.
٧وَيَجْعَلُ الرَّبُّ إِلهُكَ كُلَّ هذِهِ اللَّعَنَاتِ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَعَلَى مُبْغِضِيكَ الَّذِينَ طَرَدُوكَ. ٨وَأَمَّا أَنْتَ فَتَعُودُ تَسْمَعُ لِصَوْتِ الرَّبِّ، وَتَعْمَلُ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، ٩فَيَزِيدُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ خَيْرًا فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ، فِي ثَمَرَةِ بَطْنِكَ وَثَمَرَةِ بَهَائِمِكَ وَثَمَرَةِ أَرْضِكَ. لأَنَّ الرَّبَّ يَرْجعُ لِيَفْرَحَ لَكَ بِالْخَيْرِ كَمَا فَرِحَ لآبَائِكَ، ١٠إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْفَظَ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضَهُ الْمَكْتُوبَةَ فِي سِفْرِ الشَّرِيعَةِ هذَا. إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ.
١. وَيَجْعَلُ الرَّبُّ إِلهُكَ كُلَّ هذِهِ اللَّعَنَاتِ عَلَى أَعْدَائِكَ… فَيَزِيدُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ: لقد تحققت هذه النبوءات الآن من جهة الاسترداد المعاصر لإسرائيل بشكل جزئي. ولكن ربما يكون تحقيقها النهائي في الملك الألفي، عندما يتم استرداد إسرائيل كشعب تحول حقًا إلى الرب وإلى مسيحه يسوع.
ثانيًا. يختتم موسى موعظته العظيمة: اختر الحياة!
أ ) الآيات (١١-١٤): قدرة إسرائيل على حفظ العهد.
١١إِنَّ هذِهِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ لَيْسَتْ عَسِرَةً عَلَيْكَ وَلاَ بَعِيدَةً مِنْكَ. ١٢لَيْسَتْ هِيَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَصْعَدُ لأَجْلِنَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ ١٣وَلاَ هِيَ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَعْبُرُ لأَجْلِنَا الْبَحْرَ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ ١٤بَلِ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا.
١. إِنَّ هذِهِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ: إن العهد الذي قطعه الله مع إسرائيل، أي العهد القديم، لَيْسَ عَسِرَا عَلَيْه وَلاَ بَعِيد مِنْه. وبإمكان إسرائيل بالفعل أن تحفظ هذا العهد. وهكذا فإن الله لم يكن يتوقع أمرًا مستحيلًا عندما توقع من إسرائيل أن تحفظ العهد.
٢. بَلِ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا: لكن هذا لا يعني أنه يمكن حفظ الناموس الموسوي بشكل كامل، وأن الشخص يمكن أن يكون مطيعًا بشكل مُرضي للشريعة الموسوية لكسب مكانة البار أمام الله.
• تذكر أن الناموس كان مجرد جانب واحد من العهد القديم. وكانت هناك أيضًا جوانب الذبيحة والاختيار. لم يتوقع الله قط من إسرائيل أن يطيع الناموس بشكل كامل وأن يحظى بالبر من خلال طاعته للناموس. ولهذا السبب أعد الرب الذبيحة – عقاب البريء بدلًا من الخاطئ. فلم يتوقع الله من الإسرائيلي أن يثق في طاعته للناموس ليخلّصه (رغم أن الله قد أراد أن يحب إسرائيل شريعته). إنما توقع الله من الإسرائيلي أن يثق في الكفارة التي يتم تقديمها في الذبيحة لتبريره، وأن يفهم أن هذه الذبيحة تشير إلى ذبيحة كاملة سيقدمها الله ذات يوم من خلال المسيا. وفي هذا كان الإسرائيلي التقي في العهد القديم يثق في عمل يسوع المسيا لخلاصه حتى قبل حلول زمن يسوع على الأرض.
٣. لِتَعْمَلَ بِهَا: مع ذلك، فيمكن حفظ العهد القديم ككل، بما في ذلك جوانب الناموس والذبيحة والاختيار. فلم يكن ذلك خارج قدرة إسرائيل للعمل به.
ب) الآيات (١٥-١٨): الاختيار.
١٥اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ، ١٦بِمَا أَنِّي أَوْصَيْتُكَ الْيَوْمَ أَنْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْلُكَ فِي طُرُقِهِ وَتَحْفَظَ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضَهُ وَأَحْكَامَهُ لِكَيْ تَحْيَا وَتَنْمُوَ، وَيُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا. ١٧فَإِنِ انْصَرَفَ قَلْبُكَ وَلَمْ تَسْمَعْ، بَلْ غَوَيْتَ وَسَجَدْتَ لآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدْتَهَا، ١٨فَإِنِّي أُنْبِئُكُمُ الْيَوْمَ أَنَّكُمْ لاَ مَحَالَةَ تَهْلِكُونَ. لاَ تُطِيلُ الأَيَّامَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ عَابِرٌ الأُرْدُنَّ لِكَيْ تَدْخُلَهَا وَتَمْتَلِكَهَا.
١. اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ: بموجب شروط العهد القديم، كان لإسرائيل الاختيار: الْحَيَاةَ أو الْمَوْتَ، الْخَيْرَ أو الشَّرّ. وكان الأمر متروك لهم. فالله سوف يمجد نفسه من خلال إسرائيل بطريقة أو بأخرى. والطريقة التي كان سيتمجد بها هي حقًا من اختيار إسرائيل.
٢. وَيُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا: وبموجب شروط العهد القديم، إذا أطاعت إسرائيل، سترى بركة. وإذا عصت إسرائيل فلاَ مَحَالَةَ تَهْلِكُ. الأمر متروك لإسرائيل ومبني على أساس سلوكهم.
• من الضروري بالنسبة لنا أن نفهم أننا، في شخص يسوع المسيح، لا نتعامل مع الله بشروط العهد القديم، بل بشروط عهد أفضل: العهد الجديد. في ظل العهد الجديد، علاقتي مع الله لا تعتمد على ما أفعله أنا من أجل الله، ولكن على ما فعله يسوع نيابة عني. بالطبع، هناك ما هو أكثر من هذا في العهد الجديد، ولكن هذا هو أحد الفروق الحاسمة بين العهدين.
• إذا كان هذا العهد القديم أقل شأنًا من العهد الجديد، وكان هناك ثمن باهظ يجب أن يدفعه المرء مقابل رفض العهد القديم، ألا ينبغي لنا أن نعرف أن هناك عقوبة أكبر لرفض عهد أعظم؟ (عبرانيين ١٠: ٢٨-٢٩)
ج) الآيات (١٩-٢٠): فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ.
١٩أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ، ٢٠إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلْتَصِقُ بِهِ، لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ وَالَّذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ لِكَيْ تَسْكُنَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ الرَّبُّ لآبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا.
١. أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ: بهذه الكلمات المُهيبة، وضع موسى الاختيار أمام إسرائيل. كان عليهم أن يختاروا بين الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ.
٢. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ: على الرغم من أن الاختيار كان لإسرائيل، إلا أنه في الوقت نفسه اهتم الله باختيارهم. فعندما ترجى موسى إسرائيل صارخًا اخْتَرِ الْحَيَاةَ، نحن نعلم أنه كان يعكس قلب الله تجاه إسرائيل. لقد كان الأمر متروكًا لهم للكيفية التي سيمجد الله بها نفسه من خلال إسرائيل، ولكن من الواضح أن الله كان يُفضّل أن يُمجد نفسه من خلال إسرائيل الطائعة والمباركة. لذلك ترجاهم في قوله اخْتَرِ الْحَيَاةَ!
• إن الإنسان اليوم، حتى خارج العهد القديم، يواجه هذا الاختيار. لكن الاختيار لا يركز أولًا على “هل سأطيع الله أم لا؟” ولكن على “هل سأثق بيسوع من جهة مكانتي أمام الله؟” مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ (لوقا ١١:٢٣). ولا يزال يسوع يطرح السؤال: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ (متى ١٦:١٥)، واختيارنا في الإجابة على هذا السؤال يحدد مصيرنا الأبدي.
٣. إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ: إن محبة الله بهذه الطريقة، والثقة به، موضحة بشكل جيد في تثنية ٢٠:٣٠. فمحبة الله والثقة فيه تعني أنك تَسْمَعُ لِصَوْتِهِ، فالطفل الذي يحب والده ويثق به حقًا سوف يطيعه. أي أننا نَلْتَصِقُ بِهِ، لأننا إذا أحببناه ووثقنا به حقًا سنتعلق بِهِ. وهذا يعني أن ترى أنه هُوَ حَيَاتُكَ وَهو الَّذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ، لأننا إذا أحببناه ووثقنا به، فهو لم يعد جزءًا من حياتنا، بل هو كل حياتنا.