سفر التثنية – الإصحاح ٣١
موسى يقدم بعض التعليمات النهائية
أولًا. موسى يُوْصي الشعب ويشوع والكهنة.
١. الآيات (١-٢): موسى في عمر المئة والعشرين.
١فَذَهَبَ مُوسَى وَكَلَّمَ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، ٢وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. لاَ أَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ بَعْدُ، وَالرَّبُّ قَدْ قَالَ لِي: لاَ تَعْبُرُ هذَا الأُرْدُنَّ.
١. أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً: لم يتمكن موسى من الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ بَعْدُ ليس بسبب حالته الجسدية (فبعد وقت قصير سيصعد إلى قمة الجبل)، ولكنه كان محدودًا بأمر الرب. فبحسب القرار الإلهي لن يدخل موسى أرض الموعد (سفر العدد ٧:٢٠-١٢).
٢. لَا تَعْبُرُ هَذَا الأُرْدُنَّ: إن كلمات الله المحددة لموسى لم تُسجل في سفر العدد ٢٠؛ لا بد أن ما نقرأه هنا هو زيادة توضيح لأمر الرب: لاَ تُدْخِلاَنِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا (سفر العدد ٢٠: ١٢).
• هناك فرق بين جملة: ’لاَ تُدْخِلاَنِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ،‘ وجملة: ’لَا تَعْبُرُ هَذَا الأُرْدُنَّ.‘ يُفهم من الكلمات الأولى أنه يجوز لموسى أن يدخل أرض الموعد، لكن ليس كقائد للأمة، بعد أن سلَّم شعلة القيادة إلى يشوع. ولكن الله يوضح لموسى هنا قصده تمامًا بقوله: لَا تَعْبُرُ هَذَا الأُرْدُنَّ.
• كان تأديب الله لموسى قاسيًا جدًا؛ فالأمر لا يقتصر على أنه لن يقود إسرائيل إلى أرض الموعد، بل أنه لن يذهب حتى إلى هناك. إن ما حلم به، وشعر بأنه مدعو إليه، عندما كان طفلًا في قصور مصر – أن يخلّص شعب الله – لن يكتمل. سيُكمل شخص آخر المهمة، ولن تلمس قدمي موسى أبدًا تربة الأرض التي وعد بها الله لنسل العهد الذي قطعه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب. فلماذا كان هذا العقاب الشديد؟ ماذا فعل موسى؟
• كان هذا بصورة أساسية بسبب ما حدث عند مَاءُ مَرِيبَةَ (سفر العدد ٢٠: ٧-١٢)، عندما اشتكى شعب إسرائيل وصرخوا من أجل الماء. أساء موسى تمثيل الله. لقد أساء تمثيل الله من خلال إلقاء الخطابات على الأمة بقسوة ودون داع. لقد أساء موسى تمثيل الله عندما تصرف كما لو أن الله يحتاج إليه لتوفير الماء للشعب. وقد أساء موسى تمثيل الله ولم يطعه حين ضرب الصخرة مرتين بغضب، بدلًا من مجرد التحدث إلى الصخرة كما قال له الله.
• قد يبدو هذا عقابًا شديد القسوة لموسى؛ فهل بسبب خطأ واحد فقط، سيموت قبل أن يتمكن من الدخول إلى أرض الموعد؟ ولكن موسى كان يُدان بمعيار أكثر صرامة بسبب موقعه القيادي للأمة، ولأنه كان يتمتع بعلاقة وثيقة وفريدة مع الله. من الصواب أن يتم الحكم على المعلمين والقادة بمعايير أكثر صرامة (يعقوب ٣: ١)؛ رُغم أنه ليس من العدل أن نقيس المعلمين والقادة على معيار ومستوى كامل. صحيح أن سلوك الشعب كان أسوأ من سلوك موسى، لكن هذا لا يلغى خطأ موسى.
• والأسوأ من ذلك كله هو أن موسى شوه صورة جميلة لعمل يسوع الفدائي من خلال الصخرة التي كانت توفر الماء في البرية. يوضح العهد الجديد أن هذه الصخرة التي توفر الماء وتعطي الحياة كانت صورة ليسوع (كورنثوس الأولى ٤:١٠). فعندما ضُرب يسوع مرة واحدة، أعطى الحياة لكل من يريد أن يشرب منه (يوحنا ٧: ٣٧). ولكن لم يكن من الضروري – وغير العادل – أن يُضرب يسوع مرة أخرى، ناهيك عن مرتين، لأن ابن الله كان يحتاج أن يتألم مرة واحدة فقط (عبرانيين ١٠: ١٠-١٢). يمكن الآن أن نأتي ليسوع بكلمات الإيمان (رومية ٨:١٠-١٠)، حيث كان ينبغي لموسى أن يستخدم فقط كلمات الإيمان ليجلب الماء المعطي الحياة لأمة إسرائيل. لقد “أفسد” موسى هذه الصورة لعمل يسوع الذي قصده الله.
• والآن، يجب على موسى أن يواجه مصيره. ليس فقط لاَ تُدْخِلِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ، بل أيضًا لَا تَعْبُرُ هَذَا الأُرْدُنَّ.
ب) الآيات (٣-٦): وصيّة موسى لبني إسرائيل.
٣الرَّبُّ إِلهُكَ هُوَ عَابِرٌ قُدَّامَكَ. هُوَ يُبِيدُ هؤُلاَءِ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِكَ فَتَرِثُهُمْ. يَشُوعُ عَابِرٌ قُدَّامَكَ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ. ٤وَيَفْعَلُ الرَّبُّ بِهِمْ كَمَا فَعَلَ بِسِيحُونَ وَعُوجَ مَلِكَيِ الأَمُورِيِّينَ اللَّذَيْنِ أَهْلَكَهُمَا، وَبِأَرْضِهِمَا. ٥فَمَتَى دَفَعَهُمُ الرَّبُّ أَمَامَكُمْ تَفْعَلُونَ بِهِمْ حَسَبَ كُلِّ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهَا. ٦تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ».
١. الرَّبُّ إِلهُكَ هُوَ عَابِرٌ قُدَّامَكَ: قاد موسى إسرائيل أربعين سنة. لقد كان الزعيم الوحيد الذي عرفه معظم هؤلاء الأشخاص على الإطلاق. ومع ذلك، كان بإمكان الأمة أن تظل واثقة، كما كان بإمكان موسى أن يمضي في طريقه بسلام لأنه عرف أن الله كان مع إسرائيل. لم يكن على إسرائيل أو موسى أو يشوع أن يخافوا. بل أن يتَشَدَّدُوا وَيتَشَجَّعُوا، لأن الرَّبَّ إِلهَهم سَائِرٌ مَعَهم.
• كان موسى رجلًا عظيمًا. واحدًا من أعظم من مشى على هذه الأرض على الإطلاق. لكن لم يكن موسى بلا بديل. وبما أن الله معهم، كان إسرائيل في أيدٍ أمينة، مع موسى أو بدونه.
٢. تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا: لقد حان الوقت لكي تتشجع الأمة في الرب ولاَ يَخَافُوا وَلاَ يَرْهَبُوا. وبالفعل، اختفى موسى من المشهد، لكن الله لم يترك إسرائيل.
ج) الآيات (٧-٨): وصيّة موسى ليشوع.
٧فَدَعَا مُوسَى يَشُوعَ، وَقَالَ لَهُ أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ: «تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ مَعَ هذَا الشَّعْبِ الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآبَائِهِمْ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، وَأَنْتَ تَقْسِمُهَا لَهُمْ. ٨وَالرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ. هُوَ يَكُونُ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ. لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ».
١. فَدَعَا مُوسَى يَشُوعَ، وَقَالَ لَهُ أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ: إن إدخال الشعب إلى أرض الموعد كان عمل الله. والرب هو الذي سيفعل ذلك. لكن الله يقوم بعمله دائمًا تقريبًا من خلال الرجال والنساء الذين يجعلون أنفسهم متاحين له.
• أحيانًا يقول الناس خطًا: “الرب فعل ذلك، وليس أنا.” صحيح أن الله يقوم بعمله، لكنه يفعل ذلك من خلال الناس.
٢. تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ: بما أن الله كان سيستخدم يشوع، فيجب أن يتَشَدَّدْ وَيتَشَجَّعْ. لكن موسى عرف يشوع وعلم أنه سيفعل ذلك. فقال بثقة: أَنْتَ تَقْسِمُهَا لَهُمْ.
• إن الرجال الذين يشجعون الآخرين مثل موسى هم بركة. عرف موسى أن يشوع قد يتردد، فشجعه ودفعه إلى الأمام ليكون أكثر مما كان يظن في نفسه. يستخدم الله تشجيع الناس لمساعدتنا على تحقيق المصير الذي حدده لنا.
• كان يشوع هو الرجل المناسب. ولكن كان العمل للرب. الرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ.
د ) الآيات (٩-١٣): وصيّة موسى للكهنة.
٩وَكَتَبَ مُوسَى هذِهِ التَّوْرَاةَ وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ بَنِي لاَوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ، وَلِجَمِيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. ١٠وَأَمَرَهُمْ مُوسَى قَائِلًا: «فِي نِهَايَةِ السَّبْعِ السِّنِينَ، فِي مِيعَادِ سَنَةِ الإِبْرَاءِ، فِي عِيدِ الْمَظَالِّ، ١١حِينَمَا يَجِيءُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ لِكَيْ يَظْهَرُوا أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ، تَقْرَأُ هذِهِ التَّوْرَاةَ أَمَامَ كُلِّ إِسْرَائِيلَ فِي مَسَامِعِهِمْ. ١٢اِجْمَعِ الشَّعْبَ، الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ وَالْغَرِيبَ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ، لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيَتَعَلَّمُوا أَنْ يَتَّقُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَيَحْرِصُوا أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ. ١٣وَأَوْلاَدُهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا، يَسْمَعُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ أَنْ يَتَّقُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي تَحْيَوْنَ فِيهَا عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكُوهَا».
١. كَتَبَ مُوسَى هذِهِ التَّوْرَاةَ: كما كان على ملوك إسرائيل أن يكتبوا نسخة خاصة بهم من شريعة الله (تثنية ١٨:١٧)، كذلك كَتَبَ مُوسَى هذِهِ التَّوْرَاةَ. فهو، كملك غير متوج على إسرائيل، أحب كلمة الله وأراد أن ينقلها إلى الجيل الذي يليه.
٢. تَقْرَأُ هذِهِ التَّوْرَاةَ أَمَامَ كُلِّ إِسْرَائِيلَ فِي مَسَامِعِهِمْ: كان جزء من عمل اللاويين هو تقديم كلمة الله للأمة، إذ كانوا متفرقين في جميع أنحاء البلد. كان عليهم أن يعقدوا قراءة عامة وشرحًا لشريعة الله كل سبع سنوات، كما جاء في نحميا ٨: ١-٨.
• أول ما نعرفه عن القراءة العامة للناموس هو في يشوع ٨: ٣٠. والمرة التالية التي نسمع عنها كانت في عهد يهوشافاط (أخبار الأيام الثاني ١٧: ٧) وذلك بعد أكثر من ٥٠٠ عام. ثم في عهد يوشيا، كانت هناك قراءة عامة أخرى للشريعة (أخبار الأيام الثاني ٣٤: ٣٠)، بعد أكثر من ٢٥٠ سنة من يهوشافاط. بالطبع، ربما كانت هناك قراءات عامة للناموس كما أمر الرب هنا ولم يتم تسجيلها بالوحي؛ لكن حقيقة تسجيل بعضها ربما تعني أن تلك المرات كانت غير عادية وليست مجرد قراءة نمطية. ومع إهمال كلمة الله، لا عجب أن إسرائيل كانت في كثير من الأحيان في ورطة حقيقية!
٣. وَأَوْلاَدُهُمُ… يَسْمَعُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ أَنْ يَتَّقُوا الرَّبَّ: هذا التركيز الوطني على كلمة الله كل سبع سنوات كان ذا أهمية خاصة للأطفال الذين في وسط شعب إسرائيل. فمن خلال كلمة الرب، استطاعوا أن يقيموا علاقة شخصية مع الرب.
ثانيًا. موسى يؤّمن شرعية يشوع
أ ) الآيات (١٤-١٥): اِبتِدَاء تنصيب يشوع قائدًا لإسرائيل.
١٤وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هُوَذَا أَيَّامُكَ قَدْ قَرُبَتْ لِكَيْ تَمُوتَ. اُدْعُ يَشُوعَ، وَقِفَا فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ أُوصِيَهُ». فَانْطَلَقَ مُوسَى وَيَشُوعُ وَوَقَفَا فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، ١٥فَتَرَاءَى الرَّبُّ فِي الْخَيْمَةِ فِي عَمُودِ سَحَابٍ، وَوَقَفَ عَمُودُ السَّحَابِ عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ.
١. قِفَا فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ: خلال رحلة البرية، نجد موسى ويشوع معًا أمام الرب كثيرًا. يخبرنا خروج ٣٣: ١١ إن خادمه يشوع بن نون الشاب لم يبرح من المسكن. كان يشوع مؤهلًا للخدمة لأنه كان في البيت أمام الرب.
٢. فَتَرَاءَى الرَّبُّ: وهذا ما يبدأ هذه المرحلة الرسمية والهامة في تاريخ شعب الله. سيكون هذا حفل تقاعد موسى وحفل تنصيب يشوع.
ب) الآيات (١٦-٢٢): ترنيمة موسى لتحذير إسرائيل في زمن الارتداد المستقبلي.
١٦وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَا أَنْتَ تَرْقُدُ مَعَ آبَائِكَ، فَيَقُومُ هذَا الشَّعْبُ وَيَفْجُرُ وَرَاءَ آلِهَةِ الأَجْنَبِيِّينَ فِي الأَرْضِ الَّتِي هُوَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا فِي مَا بَيْنَهُمْ، وَيَتْرُكُنِي وَيَنْكُثُ عَهْدِي الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَهُ. ١٧فَيَشْتَعِلُ غَضَبِي عَلَيْهِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَأَتْرُكُهُ وَأَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُ، فَيَكُونُ مَأْكُلَةً، وَتُصِيبُهُ شُرُورٌ كَثِيرَةٌ وَشَدَائِدُ حَتَّى يَقُولَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: أَمَا لأَنَّ إِلهِي لَيْسَ فِي وَسَطِي أَصَابَتْنِي هذِهِ الشُّرُورُ! ١٨وَأَنَا أَحْجُبُ وَجْهِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لأَجْلِ جَمِيعِ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلَهُ، إِذِ الْتَفَتَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى. ١٩فَالآنَ اكْتُبُوا لأَنْفُسِكُمْ هذَا النَّشِيدَ، وَعَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ. ضَعْهُ فِي أَفْوَاهِهِمْ لِكَيْ يَكُونَ لِي هذَا النَّشِيدُ شَاهِدًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٢٠لأَنِّي أُدْخِلُهُمُ الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآبَائِهِمِ، الْفَائِضَةَ لَبَنًا وَعَسَلًا، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ وَيَسْمَنُونَ، ثُمَّ يَلْتَفِتُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَيَعْبُدُونَهَا وَيَزْدَرُونَ بِي وَيَنْكُثُونَ عَهْدِي. ٢١فَمَتَى أَصَابَتْهُ شُرُورٌ كَثِيرَةٌ وَشَدَائِدُ، يُجَاوِبُ هذَا النَّشِيدُ أَمَامَهُ شَاهِدًا، لأَنَّهُ لاَ يُنْسَى مِنْ أَفْوَاهِ نَسْلِهِ. إِنِّي عَرَفْتُ فِكْرَهُ الَّذِي يَفْكِرُ بِهِ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ أُدْخِلَهُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا أَقْسَمْتُ». ٢٢فَكَتَبَ مُوسَى هذَا النَّشِيدَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَّمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ.
١. فَيَقُومُ هذَا الشَّعْبُ وَيَفْجُرُ وَرَاءَ آلِهَةِ الأَجْنَبِيِّينَ فِي الأَرْضِ: بسبب عبادة الأوثان المستقبلية في إسرائيل، أمر الله موسى بتأليف نوع من النشيد الوطني لإسرائيل القديمة.
٢. فَالآنَ اكْتُبُوا لأَنْفُسِكُمْ هذَا النَّشِيدَ، وَعَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ: إلا أن هذا يُعد نشيدًا قوميًا غريبًا، لأن الغرض منه هو أن يَكُونَ هذَا النَّشِيدُ شَاهِدًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (أي ليشْهدَ ضدهم). عرف الله أن الكلمات تكون أكثر قابلية للتذكر عندما يتم تلحينها بالموسيقى، لذلك طلب من موسى أن يؤلف عظته في ترنيمة نجدها في الإصحاح التالي، تثنية ٣٢.
ج) الآية (٢٣): تنصيب يشوع.
٢٣وَأَوْصَى يَشُوعَ بْنَ نُونَ وَقَالَ: «تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمْتُ لَهُمْ عَنْهَا، وَأَنَا أَكُونُ مَعَكَ».
١. تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ: من اللافت للنظر عدد المرات التي يتم فيها توجيه هذا التشجيع إلى يشوع. إنه يسمعه سبع مرات مختلفة (تثنية ٣١: ٦، ٧، ٢٣؛ يشوع ١: ٦، ٧، ٩، و١٨).
• وهذا يكشف ضعف يشوع. لقد كان هناك احتياج لمثل هذه الوصية، لأنه حتى القائد العظيم الذي مثل يشوع يحتاج إلى مثل هذا التشجيع.
• معظمنا، ليسامحنا الله، أكبر من أن يستخدمه الله؛ نحن ممتلئون جدًا بمخططاتنا وطرقنا الخاصة في فعل الأشياء. كان على يشوع أن يتحلى بالقوة والشجاعة في الرب، وكان صغيرًا في ذاته بقدر جعله كبيرًا في عيني الله.
• وبطريقة رائعة، نرى أن آخر مرة استُخدمت فيها هذه العبارة بارتباطها بيشوع، كان هو يشجع الآخرين ليتَشَدَّدُوا (يشوع ٢٥:١٠). لقد استطاع أن يشجع الآخرين بالتشجيع الذي أعطاه إياه الرب من خلال الآخرين.
٢. تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ: كانت هذه طريقة للتحدث إلى يشوع بشكل ناضج ورجولي. لم يكن الله (وموسى) ليخضعا أو يستسلما لطبيعة يشوع الضعيفة والخجولة. وما احتاج يشوع أن يسمعه من الرب لم يكن كلمات مثل: “يا يشوع، أنت رائع جدًا…” “يا يشوع، أنت قوي جدًا…” “يا يشوع، أنت شجاع جدًا…” وبدلًا من ذلك، سمع الكلمات التالية: “لقد آن الأوان. اِرتَقي إلى مستوى التحدي. تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ!”
٣. أَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الأَرْضَ: كان يشوع بطبيعته ضعيفًا وتنقصه الشجاعة، وكان بحاجة إلى سماع هذا من موسى. كان بحاجة لأن يسمع: “أنت ستفعل ذلك. وهذا سيحدث بالفعل.”
د ) الآيات (٢٤-٢٧): موسى يحفظ شريعة الله كشاهد ضد إسرائيل.
٢٤فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إِلَى تَمَامِهَا، ٢٥أَمَرَ مُوسَى اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلًا: ٢٦«خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ. ٢٧لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلْبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ الْيَوْمَ، قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي!
١. فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ: أنهى موسى الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس وأعطاها لإسرائيل (ولكل الخليقة)، على أنها كلمات الله الموحى بها.
• وقد يعترض البعض هنا، متسائلين من كتب الإصحاحات الثلاثة الأخيرة من سفر التثنية، لأن النص يقول أن موسى قد مات هنا. لا شك أن يشوع قد سجل بقية أقوال موسى وأفعاله وأضافها إلى نهاية عمله الرائع.
٢. ضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ: وُضعت الوصايا العشر داخل تابوت العهد (عبرانيين ٤:٩). لكن سفر الشريعة بأكمله (كِتَابَ التَّوْرَاةِ) – من التكوين إلى التثنية – وُضِع بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ.
٣. لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ: عرف موسى أن إسرائيل سوف يتمرد. لقد عرف هذا من وعد الله (تثنية ٣١: ١٦-١٧)، ومن الحس العام (هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ الْيَوْمَ، قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي!). لذلك سيكون سفر الشريعة شَاهِدًا عَلَى إسرائيل المتمردة.
• نحن نحب أن نجد ملجأ في كلمة الله في أوقات الشدة والمتاعب، ولكننا كثيرًا ما لا ننتبه أنه إذا رفضنا يسوع وتمردنا على الله، لم تعد كلمة الله صديقة لنا، بل تكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْنا، شاهد ينهض ليشهد ضدنا.
هـ) الآيات (٢٨-٣٠): شيوخ إسرائيل وعرفاؤها يجتمعون لأجل ترنيمة موسى.
٢٨اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. ٢٩لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ». ٣٠فَنَطَقَ مُوسَى فِي مَسَامِعِ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِكَلِمَاتِ هذَا النَّشِيدِ إِلَى تَمَامِهِ:
١. فَنَطَقَ مُوسَى فِي مَسَامِعِ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِكَلِمَاتِ هذَا النَّشِيدِ إِلَى تَمَامِهِ: “في الواقع، يُذكّرنا النشيد بالإصحاح ٣٢ بقوة في مجمله ومحتواه بالصِيغَة السياسية العلمانية المعروفة، وتحديدًا، صيغة الشكوى التي يرفعها السيد ضد عبده المتمرد مع التهديد بالعقاب. ليس من المستحيل أن يكون هناك بعض الأشخاص، على الأقل، في إسرائيل قد فهموا مثل هذا الصيغة، وبالتأكيد أن موسى نفسه قد تقابل مع مثل هذا الأسلوب في بلاط فرعون.” طومسون (Thompson)