سفر التثنية – الإصحاح ٥
موسى يُذكّر إسرائيل بعهدهم مع الله في سيناء
أولًا. متطلبات عهد الله مع إسرائيل
أ ) الآيات (١-٥): خلفية العهد.
١وَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: «اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ الَّتِي أَتَكَلَّمُ بِهَا فِي مَسَامِعِكُمُ الْيَوْمَ، وَتَعَلَّمُوهَا وَاحْتَرِزُوا لِتَعْمَلُوهَا. ٢اَلرَّبُّ إِلهُنَا قَطَعَ مَعَنَا عَهْدًا فِي حُورِيبَ. ٣لَيْسَ مَعَ آبَائِنَا قَطَعَ الرَّبُّ هذَا الْعَهْدَ، بَلْ مَعَنَا نَحْنُ الَّذِينَ هُنَا الْيَوْمَ جَمِيعُنَا أَحْيَاءٌ. ٤وَجْهًا لِوَجْهٍ تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَنَا فِي الْجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. ٥أَنَا كُنْتُ وَاقِفًا بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَكُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ لِكَيْ أُخْبِرَكُمْ بِكَلاَمِ الرَّبِّ، لأَنَّكُمْ خِفْتُمْ مِنْ أَجْلِ النَّارِ، وَلَمْ تَصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ. فَقَالَ:
١. اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: كان شعب إسرائيل ملتزمًا بالعهد الذي وافقوا عليه في سفر الخروج ٢٤: ١-٨، إلا أن هذا العهد قد قُطع مع الجيل السابق الذي هلك في البرية. وكان على الجيل الحالي أن يفهم العهد ويقبله إذا أراد أن يتمتع ببركاته.
٢. قطَعَ مَعَنَا عَهْدًا: إن فكرة “القطع” ترتبط بالعهد وذلك لأن العهود كانت تُختم دائمًا بذبيحة – أي بقطع الذبيحة.
٣. لَيْسَ مَعَ آبَائِنَا قَطَعَ الرَّبُّ هذَا الْعَهْدَ بَلْ مَعَنَا نَحْنُ: في الواقع، لقد قطع الرب العهد وبالأساس مع الجيل السابق، ولم ينكر موسى ذلك. لكن موسى صاغ الحقيقة التالية بطريقة رائعة: وهي أن العهد كان عهدهم؛ وأنه عهد للأَحْيَاءٌ وليس للأموات.
٤. وَجْهًا لِوَجْهٍ تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَنَا: إن ما يظهره لنا مصطلح “وَجْهًا لِوَجْهٍ” لا يعني “وجهًا حرفيًا لوجه حرفي،” بل هو صورة تشبيهية باللغة العبرية تعني “التواصل الحميم والحر”.
• سفر تثنية ٤: ١٢ على وجه التحديد يذكر أن إسرائيل لَمْ يَرَوْا صُورَةً بَلْ سَمِعُوا صَوْتَ كَلاَمٍ. ومع ذلك، كان لديهم تواصل مفتوح بشكل ملحوظ مع الله، وذات الأمر ينطبق على التشبيه اللغوي وجهًا لوجه.
• لهذا السبب يقول خروج ٣٣: ١١ وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ، كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، بينما قال الرب في خروج ٣٣: ٢٠ «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ». إن استخدام المصطلح وَجْهًا لِوَجْهٍ الوارد في خروج ٣٣: ١١ هو صورة كلامية، تعني أن موسى كان لديه تواصل حر مع الرب وبلا عوائق.
• “ما يُفهم من تعبير وَجْهًا لِوَجْهٍ هو “التواصل الشخصي،” أي أن هناك تواصل شخصي مباشر.” طومسون (Thompson)
٥. أَنَا كُنْتُ وَاقِفًا بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَكُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ: لم يكن بوسع إسرائيل أن يتحمل مثل هذا التواصل الحر وبدون عوائق مع الرب، لذلك طلبوا من موسى أن يتحدث إلى الله نيابة عنهم.
ب) الآيات (٦-٧): الوصية الأولى: لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
٦أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. ٧لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
١. أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ: قبل أن يأمر الله الإنسان بأي شيء، أعلن عن ذاته وأعلن من هو وماذا فعل من أجل إسرائيل (الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ). لقد كان الأساس واضحًا وهو: أنه بسبب هوية الله وما فعله لشعبه، يحق له أن يخبرنا بما يجب أن نفعله – وعلينا الالتزام بطاعته.
٢. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي: إن الوصية الأولى تنبع بشكل منطقي من فهم من هو الله وما فعله من أجلنا. لا شيء يجب أن يأتي أَمَام الله وهو الإله الوحيد الذي نعبده ونخدمه.
• في أيام إسرائيل القديمة، كان هناك إغراء كبير لعبادة آلهة المادة (البعل، إله الطقس والنجاح المالي) وآلهة الجنس (عشتورث، إلهة الجنس والرومانسية والإنجاب)، أو أي عدد من الآلهة المحلية الأخرى. ونحن نُجَرب بعبادة نفس الآلهة، ولكن من دون الأسماء والصور القديمة.
٣. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي: وهذا لا يعني أنه يجوز وجود آلهة أخرى ما دامت مصطفة خلف الإله الحقيقي. بل بخلاف هذا، فالفكرة تحمل أنه لا يوجد آلهة أخرى في حياتنا أمام الإله الحقيقي. وكلمة “أَمَامِي” تعني حرفيًا “أمام وجهي.”
• وهذا يعني أن الله يطلب أن يكون أكثر من مجرد أنه قيمة “مضافة” إلى حياتنا. نحن لا نضيف يسوع إلى الحياة التي لدينا بالفعل. بل علينا أن نعطيه حياتنا كلها.
• إن الفشل في إطاعة هذه الوصية يُسمى عبادة الأوثان. علينا أن نهْرُب مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ (١ كورنثوس ١٠: ١٤). إن أولئك الذين يتصفون بعبادة الأوثان بشكل متكرر لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ (كورنثوس الأولى ٦: ٩-١٠، أفسس ٥: ٥، رؤيا ٢١: ٨، ٢٢: ١٥). إن عبادة الأوثان هي واحدة من أعمال الجسد (غلاطية ٥: ١٩-٢٠)، والتي تميز حياتنا القديمة بدلًا من الحياة الجديدة (بطرس الأولى ٤: ٣)، ويجب ألا نرتبط مع أولئك الذين يلقبون أنفسهم بمسيحيين وهم عبدة أوثان (١ كورنثوس ٥: ١١).
ج) الآيات (٨-١٠): الوصية الثانية: لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا صُورَةً… لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ.
٨لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. ٩لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي، ١٠وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ.
١. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا صُورَةً: الوصية الثانية لم تمنع عبادة الأوثان للآلهة الباطلة فحسب، بل تناولت أيضًا صنع صورة لأي مخلوق يمكن أن نعبده.
٢. صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ: في ذلك الوقت، كما في أيامنا هذه، كانت العبادة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالصور – الصور المثالية، أو حتى الصور التي تتكون في ذهن الإنسان. ولن يسمح الله لنا أن نصفه بأي صورة من هذا القبيل، ولا أن نستبدله بصورة أخرى.
• الوصية الثانية لم تمنع تصوير شيء ما لأغراض فنية. وقد أمر الله نفسه إسرائيل أن يصنعوا تماثيل الكروبيم (خروج ٢٥: ١٨، ٢٦: ٣١). ولكنه نهى عن صنع الصور “كمساعدة” للعبادة.
• «ولتأييد عبادة الصور، تركت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية هذه الوصية الثانية بأكملها من بين الوصايا العشر، وبالتالي فقدت وصية واحدة كاملة من أصل العشر؛ ولكن لكي يحافظوا على العدد قسّموا الوصية العاشرة إلى وصيتين.” كلارك (Clarke)
• يشرح يوحنا ٤: ٢٤ الأساس المنطقي وراء الوصية الثانية: اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا. إن استخدام الصور والأشياء المادية الأخرى للتركيز في العبادة أو “كمساعدة” للعبادة ينكر من هو الله، وأنه (رُّوحِ) وكيف يجب أن نعبده (بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ).
• يُذكِّرنا بولس بعدم جدوى محاولة جعل الله على صورتنا: وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ، وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ. (رومية ١: ٢٢-٢٣)
٣. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ: كيف يمكن أن نقول عن الله إنه إِلهٌ غَيُورٌ؟ “إن غيرة الله هي محبة عاملة. فهو يرفض مشاركة القلب البشري مع أي منافس، ليس لأنه أناني ويريدنا جميعًا لنفسه، ولكن لأنه يعلم أن حياتنا الأخلاقية تعتمد على هذا الولاء الذي له… الله لا يغار منا: إنه يغار علينا. غيور علينا.” ريدباث (Redpath)
٤. أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي: هذا لا يعني أن الله يعاقبنا مباشرة على خطايا أسلافنا. إن الكلمات المهمة هنا هي الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي – إذا كان الأحفاد يحبون الله، فلن يصيبهم إثم الآباء.
• “إن هذا يعني بالضرورة – أن سار الأبناء على خطوات آبائهم؛ لأنه لا يمكن للعدالة الإلهية أن تدين أي إنسان بجريمة لم يكن مذنبًا بها على الإطلاق. كلارك (Clarke)
• ومع ذلك، فإن التركيز هنا ينصب على عبادة الأوثان، وهذا يشير إلى الدينونة على المستوى الوطني – فالأمم التي تترك الرب ستُدان، وسيكون لهذه الدينونة آثار عبر الأجيال.
د ) الآية (١١): الوصية الثالثة: لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا.
١١لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا.
١. لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا: يمكننا أن نكسر الوصية الثالثة من خلال ألفاظ التجديف (استخدام اسم الله في التجديف واللعنة)، والألفاظ التافهة والعبثة (استخدام اسم الله بطريقة سطحية غبية)، والرياء (ادعاء أن اسم الله مدعو على المرء ولكنه يتصرف بطريقة مخزية لله).
• لقد نقل يسوع فكرة هذه الوصية في الصلاة الربانية التي علّمها لتلاميذه عندما علمنا أن نحترم قدسية اسم الله (لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، مت ٦: ٩).
٢. لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا: وقد أدت قوة هذه الوصية إلى ظهور تقاليد غريبة بين الشعب اليهودي. فالبعض يتطرف إلى أقصى الحدود في محاولة تنفيذ هذه الوصية، ويرفضون حتى كتابة اسم الله، خوفًا من إتلاف الورقة لاحقًا، وكتابة اسم الله بَاطِلًا.
هـ) الآيات (١٢-١٥): الوصية الرابعة: اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ.
١٢اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. ١٣سِتَّةَ أَيَّامٍ تَشْتَغِلُ وَتَعْمَلُ جَمِيعَ أَعْمَالِكَ، ١٤وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَسَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، لاَ تَعْمَلْ فِيهِ عَمَلًا مَّا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَكُلُّ بَهَائِمِكَ، وَنَزِيلُكَ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ لِكَيْ يَسْتَرِيحَ، عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ مِثْلَكَ. ١٥وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَأَخْرَجَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ هُنَاكَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ. لأَجْلِ ذلِكَ أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ.
١. اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ: لقد أمر الله باحترام اليوم السابع (السبت) باعتباره يوم راحة. وكانت هذه الراحة لجميع إسرائيل – وللخدم والعبيد وكذلك الزوار.
• وهذا مبدأ مهم ويمكن أن يتجاوزه الناس بسهولة. هنا أعلن الله عن الإنسانية الجوهرية وكرامة النساء والعبيد والغرباء، وقال إن لهم نفس الحق في يوم راحة مثل الرجل الإسرائيلي الحر. بالتأكيد كان هذا مفهومًا مختلفًا في العالم القديم.
• في الواقع، في عرض موسى للشريعة هنا في سفر التثنية، كان يركز بشكل خاص على حقيقة أن السبت مخصص للعبيد المولودين في الخارج بين إسرائيل. تثنية ٥: ١٥ (وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ) التي لم يتم ذكرها في خروج ٢٠.
٢. لِتُقَدِّسَهُ: في تقاليدهم، توصّل الشعب اليهودي إلى تحديد دقيق لما اعتقدوا أنه يمكن وما لا يمكن فعله في يوم السبت لِيُقَدِّسَوهُ.
• على سبيل المثال، في لوقا ١:٦-٢، في أذهان القادة اليهود، كان التلاميذ مذنبين بارتكاب أربع انتهاكات خاصة بيوم السبت في كل مرة أخذوا فيها من الحقل ليأكلوا، لأنهم حصدوا، ودرسوا، وذروا، وأعدوا الطعام.
• علّم معلمو اليهود الأوائل أنه في يوم السبت، لا يستطيع الرجل أن يحمل شيئًا في يده اليمنى أو في يده اليسرى، أو على صدره أو على كتفه. ولكن يمكنه أن يحمل شيئًا بظهر يده، أو قدمه، أو مرفقه، أو في أذنه، أو في شعره، أو في طرف قميصه، أو في حذائه أو نعله. “أو أنتم يا بني إسرائيل إياكم أن تعقدوا عقدة في يوم السبت إلا أن تعقد المرأة في حزامها.” لذلك، إذا كان لا بد من رفع دلو من الماء من البئر، فلا يستطيع الرجل الإسرائيلي أن يربط حبلًا في الدلو، ولكن يمكن للمرأة أن تربط حزامها في الدلو وتسحبه من البئر.
• في البيوت اليهودية الملتزمة في يومنا هذا، لا يمكن للمرء أن يشعل الضوء أو الموقد أو مفتاح الكهرباء يوم السبت. ويُحظر القيادة لمسافة معينة أو إجراء مكالمة هاتفية – وكل ذلك يتم تنظيمه بعناية من خلال التقاليد التي تسعى إلى توضيح الشريعة بدقة.
٣. لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا: لقد أسس الله نموذج السبت في وقت الخلق. ولما استراح من أعماله في اليوم السابع، جعل الله اليوم السابع يوم راحة من جميع أعمالنا (تكوين ٢: ٣). لكن الغرض الأكثر أهمية من السبت كان أن يكون بمثابة ظل لما لدينا في يسوع من راحة.
• يزعم البعض أن المؤمنين مطالبون بحفظ يوم السبت. لكن العهد الجديد يوضح أن المؤمنين ليسوا ملزمين بحفظ يوم السبت (كولوسي ٢: ١٦-١٧ وغلاطية ٤: ٩ -١١)، لأن يسوع أتم خطة وغرض يوم السبت لنا وفينا (عبرانيين ٤: ٩-١١).
• تخبرنا رسالة غلاطية ٤: ١٠ أن المؤمنين ليسوا ملزمين بحفظ أَيَّامًا وَشُهُورًا وَأَوْقَاتًا وَسِنِينَ. فالراحة التي ندخلها كمؤمنين هي أمر يجب أن نختبره كل يوم، وليس يومًا واحدًا فقط في الأسبوع – إنها الراحة في معرفة أنه ليس علينا أن نعمل من أجل خلاص أنفسنا، ولكن أن خلاصنا قد تم في يسوع (عبرانيين ٤: ٩-١٠).
• إن السبت الذي أمر به إسرائيل وقد حفظه كان ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ (كولوسي ٢ :١٦-١٧). نحن لنا راحة في يسوع، وهي لنا أن نعيشها كل يوم. لذلك، فبما أن ظل السبت قد تحقق في يسوع، فنحن أحرار في حفظ أي يوم – أو عدم وجود يوم – كيوم سبت حسب عادة إسرائيل القديمة.
• ومع ذلك، على الرغم من أننا أحرار من الالتزام الناموسي بيوم السبت، إلا أننا لا نجرؤ على تجاهل أهمية يوم الراحة – فقد بنانا الله بحيث نحتاج ليوم راحة. مثل السيارة التي تحتاج إلى صيانة منتظمة، هكذا نحن بحاجة إلى راحة منتظمة – وإلا فلن “نبقى في حالة جيدة.” بعض الناس يشبهون السيارات التي قطعت مسافات طويلة ولم تتم صيانتها بشكل جيد، حتى أن هذا يصبح واضحًا.
• بعض المؤمنين أيضًا لديهم أفكار عقائدية فيما يتعلق باعتبار يوم السبت سبتًا بدلًا من يوم الأحد. ولكن لأننا أحرار في اعتبار كل الأيام هي عطية من الله، فلا فرق إذًا. ولكن من بعض النواحي، يوم الأحد هو الأكثر ملاءمة؛ وهو اليوم الذي قام فيه يسوع من بين الأموات (مرقس ١٦: ٩)، والتقى فيه لأول مرة بتلاميذه (يوحنا ٢٠: ١٩)، وهو اليوم الذي اجتمع فيه المؤمنون للشركة (أعمال الرسل ٢٠: ٧، كورنثوس الأولى ١٦: ٢). في ظل الناموس، عمل الناس من أجل إراحة الله؛ ولكن بعد انتهاء عمل يسوع على الصليب، يدخل المؤمن إلى الراحة ويخرج من تلك الراحة إلى العمل.
• ولكننا أُمرنا أيضًا أن نعمل ستة أيام. «من تباطل في الأيام الستة فهو مذنب عند الله مثل الذي عمل في اليوم السابع» كلارك (Clarke). يجب على العديد من المؤمنين أن يقدموا المزيد من “وقت الراحة” لعمل الرب. ويجب أن يكون لكل مؤمن طريقة متعمدة ليخدم بها الله وليدعم ملكوت يسوع المسيح.
و ) الآية (١٦): الوصية الخامسة: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ.
١٦أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.
١. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ: إن إكرام الآباء والأمهات هو حجر أساسي لاستقرار وصحة المجتمع كله. إذا كانت الأجيال الشابة في حالة حرب مستمرة مع الأجيال الأكبر سنًا، فسيتم تدمير أسس المجتمع.
• تناول يسوع في حديثه الطريقة المحدودة التي فسّر بها الفريسيون هذه الوصية كمثال لكيفية حفظ الناموس، ولكنهم انتهكوا روح الوصية الخامسة (متى ١٥: ٣-٦).
٢. لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ: في أفسس ٢:٦ كرر بولس هذه الوصية، مؤكدًا على الوعد المذكور هنا: وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ. إن التمرد مُكلّف، وكثيرون دفعوا ثمنًا باهظًا بشكل شخصي بسبب تمردهم ضد والديهم.
ز ) الآية (١٧): الوصية السادسة: لاَ تَقْتُلْ.
١٧لاَ تَقْتُلْ.
١. لاَ تَقْتُلْ: ويتساءل البعض كيف يمكن أن يوافق الله على عقوبة الإعدام (خروج ١٩: ١٢) وهو هنا يُحرّم القتل. الجواب البسيط هو أنه في العبرية وكذلك الإنجليزية، هناك فرق بين القتل (to kill) والقتل (to murder). فخلاف القتل دون قصد (kill) يكون القْتُلْ عن عمد (murder). فالقتل (murder) هو قتل الحياة دون مبرر قانوني. والمبرر القانوني للقتل (الإعدام) يأتي بعد اتباع إجراءات قانونية واجبة. كما أن القتل (murder) هو أيضًا قتل دون مبرر أخلاقي. ومثال للمبرر الأخلاقي هو الدفاع عن النفس.
٢. لاَ تَقْتُلْ: لقد شرح يسوع بعناية جوهر هذه الوصية. وأظهر أن ذلك يمنعنا أيضًا من كراهية شخص آخر (متى ٥: ٢١-٢٦)، لأننا يمكن أن نتمنى موت شخص ما في قلوبنا، ولكن لا نملك “الشجاعة” أبدًا لارتكاب هذا الفعل. قد لا يقتل أحد بسبب افتقاره إلى الشجاعة أو المبادرة، رغم أن قلبه مملوء بالكراهية.
ح ) الآية (١٨): الوصية السابعة: لاَ تَزْنِ.
١٨وَلاَ تَزْنِ.
١. لاَ تَزْنِ: أعرف جيدًا أن فعل الزنى نفسه مُدان. لا يسمح الله بتبرير الطرق التي يسعى الكثير من الناس لتبرير ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، مثل قول “شريكي لا يفهمني” أو “نحن في حالة حب” أو “لقد قادنا الله لنكون مع بعضنا البعض” أو أي عذر آخر.
• مايكل إنجليش (Michael English)، الذي خسر عقد تسجيل له وخسر زواجه بسبب الزنا الذي اقترفه مع مرنمة أخرى، يتحدث عن زناه وعواقبه مُبررًا: «ربما سمح الله بحدوث ذلك ليجعلني أرى أنني كنت بحاجة إلى بعض التحرير». وهنا نقول كلا!
٢. لاَ تَزْنِ: يدين العهد الجديد الزنا بوضوح: وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً، عَهَارَةٌ، نَجَاسَةٌ، دَعَارَةٌ… (غلاطية ٥: ١٩). ولكن قد شرح لنا يسوع بعناية ما هو أكثر من الفعل نفسه وهذا هو جوهر هذه الوصية. إن الله يمنعنا من النْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِنَشْتَهِيَهَا، حيث نكون نزني بها في قلوبنا أو أذهاننا، ولكن قد لا تكون لدينا الشجاعة أو الفرصة للقيام بهذا الفعل (متى ٥: ٢٧-٣٠). فنحن لا نكون أبرياء لمجرد أنه لم تتح لنا الفرصة لارتكاب الخطية بالطريقة التي أردناها حقًا.
ط) الآية (١٩): الوصية الثامنة: لاَ تَسْرِقْ.
١٩وَلاَ تَسْرِقْ.
١. لاَ تَسْرِقْ: وهذه الوصية هي أساس مهم آخر للمجتمع البشري، وهو إرساء حق الملكية الشخصية. من الواضح أن الله قد عهد بممتلكات معينة إلى أفراد معينين، ولا يُسمح لأشخاص أو دول أخرى بالاستيلاء على تلك الممتلكات دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
٢. لاَ تَسْرِقْ: يمكننا أيضًا أن نسرق من الله. وبطبيعة الحال، تتطلب هذه الوصية أن نكرم الله بمواردنا المالية، حتى لا نكون مذنبين بسَلَبْه (ملاخي ٣: ٨-١٠). ولكن يمكننا أيضًا أن نسرق الله برفضنا أن نسلمه أنفسنا للطاعة ولخدمته، لأنه اشترانا ويملكنا، عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ… بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ. (١ بطرس ١: ١٨-١٩)؛ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ (١كورنثوس ٦: ٢٠).
٣. لاَ تَسْرِقْ: تقدم (أفسس ٤: ٢٨) الحل للسرقة. “لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ.”
ي) الآية (٢٠): الوصية التاسعة: لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.
٢٠وَلاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.
١. لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُور: يمكننا أن نكسر الوصية التاسعة من خلال التشهير، أو النميمة، أو خلق انطباعات كاذبة، أو الصمت، أو التشكيك في الدوافع وراء تصرفات شخص ما، أو حتى التملق.
• “الافتراء… هو كذب تم اختراعه ونشره بقصد الأذى. وهذا هو أسوأ شكل من أشكال الأذى الذي يمكن أن يسببه شخص لآخر. وبالمقارنة بمن يفعل ذلك، فإن رجل العصابات سيبدو كرجل نبيل، والقاتل كشخص طيب، لأنه أنهى حياة بلحظة بضربة واحدة وبألم بسيط. لكن الرجل المذنب بالافتراء يفسد سمعة قد لا يمكن استعادتها أبدًا، ويسبب معاناة مدى الحياة.” ريدباث (Redpath)
• “النميمة… هي تكرار الخبر عن شخص دون تحقيق دقيق. لقد اختبرت مرات عديدة معنى المعاناة من هذا الأمر. إن تكرار قصة تجلب العار والمذلة لشخص آخر دون التأكد من صحتها هو كسر لهذه الوصية… فكم من الناس، وخاصة المؤمنين، يستمتعون بهذا، ويُسرون بإحداث الفوضى من خلال سرد الحكايات عن الآخرين. إن تبرير هذا الفعل بالقول إنهم يعتقدون أن التقرير صحيح، أو أنه لم تكن هناك نية للإساءة، ليس مبررًا.” ريدباث (Redpath)
• وماذا عن الصمت غير المناسب أو الذي ليس في محله؟ “عندما يتلفظ شخص ما بكذبة عن شخص آخر وكان هناك شخص ثالث حاضرًا وهو يعلم أن هذا القول غير صحيح ولكنه يظل صامتًا لأسباب الخوف أو الكراهية، فإن هذا الشخص الثالث يكون مذنبًا بكسر هذه الوصية تمامًا كما لو كان هو من ساهم بنشر هذا الخبر الكاذب.” ريدباث (Redpath)
٢. لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ: يوضح العهد الجديد الأمر ببساطة. لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، (كولوسي ٣: ٩). “فكم هو غريب جدًا أننا نعتقد أن النضج المسيحي يظهر من خلال القدرة على التحدث بما يدور في ذهننا، في حين أن النضج يُعبَّر عنه حقًا من خلال التحكم بألسنتنا.” ريدباث (Redpath)
• “يا له من كشف مذهل لو أمكن تشغيل تسجيل كل ما قاله كل عضو في الكنيسة عن رفقائه الأعضاء في أسبوع واحد!” ريدباث (Redpath)
• الشيطان موجود دائما ليشجع الكذب (يوحنا ٨: ٤٤؛ أعمال الرسل ٥: ٣)؛ وكان يسوع نفسه ضحية شهادة الزور (مرقس ١٤: ٥٧). وبشكل ما يمكن القول إن هذه هي الخطية التي أرسلت يسوع إلى الصليب.
ك) الآية (٢١): الوصية العاشرة: لاَ تَشْتَهِ.
٢١وَلاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ وَلاَ حَقْلَهُ وَلاَ عَبْدَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ وَلاَ كُلَّ مَا لِقَرِيبِكَ.
١. لاَ تَشْتَهِ: جميع الوصايا التسعة الأولى تركز أكثر على الأشياء التي نقوم بها؛ بينما تتعامل الوصية العاشرة مباشرة مع القلب وشهواته.
• إن ترجمة كلمة “تَشْتَهِ” حرفيًا تعني “يلهث وراء.” إن الطمع والشهوة تعمل على هذا النحو: تنظر العين إلى الشيء، ويعجب به العقل، وتتجه إليه الإرادة، ويتحرك الجسد لامتلاكه. ولمجرد أنك لم تتخذ الخطوة الأخيرة لا يعني أنك لست الآن في مرحلة الطمع (الشهوة).
٢. امْرَأَةَ قَرِيبِكَ… بَيْتَ قَرِيبِكَ… وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ: يمكن التعبير عن الشهوة والطمع في العديد من الأشياء؛ إنها الرغبة في امتلاك وتملّك ما يملكه شخص آخر. إنه يتحدث عن عدم الرضا عما لدينا، والغيرة من أولئك الذين لديهم شيء “أفضل.”
• العبرانيين ١٣: ٥ توضح ذلك جيدًا: لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ.»
• وهذه الوصية الأخيرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالوصية الأولى ضد عبادة الأوثان: فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ هذَا أَنَّ كُلَّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ الَّذِي هُوَ عَابِدٌ لِلأَوْثَانِ – لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ الْمَسِيحِ وَاللهِ. (أفسس ٥: ٥).
• أعطى يسوع تحذيرًا خاصًا بشأن الطمع، وهو ما أوضح الفلسفة الأساسية لقلب الطماع، وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» (لوقا ١٢: ١٥)
ثانيًا. رد فعل إسرائيل وتجاوب الله عند جبل سيناء
أ ) الآيات (٢٢-٢٧): رد فعل إسرائيل: تقلُّص الخوف.
٢٢هذِهِ الْكَلِمَاتُ كَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ كُلَّ جَمَاعَتِكُمْ فِي الْجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَالسَّحَابِ وَالضَّبَابِ، وَصَوْتٍ عَظِيمٍ وَلَمْ يَزِدْ. وَكَتَبَهَا عَلَى لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ وَأَعْطَانِي إِيَّاهَا. ٢٣«فَلَمَّا سَمِعْتُمُ الصَّوْتَ مِنْ وَسَطِ الظَّلاَمِ، وَالْجَبَلُ يَشْتَعِلُ بِالنَّارِ، تَقَدَّمْتُمْ إِلَيَّ، جَمِيعُ رُؤَسَاءِ أَسْبَاطِكُمْ وَشُيُوخُكُمْ ٢٤وَقُلْتُمْ: هُوَذَا الرَّبُّ إِلهُنَا قَدْ أَرَانَا مَجْدَهُ وَعَظَمَتَهُ، وَسَمِعْنَا صَوْتَهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. هذَا الْيَوْمَ قَدْ رَأَيْنَا أَنَّ اللهَ يُكَلِّمُ الإِنْسَانَ وَيَحْيَا. ٢٥وَأَمَّا الآنَ فَلِمَاذَا نَمُوتُ؟ لأَنَّ هذِهِ النَّارَ الْعَظِيمَةَ تَأْكُلُنَا. إِنْ عُدْنَا نَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِنَا أَيْضًا نَمُوتُ. ٢٦لأَنَّهُ مَنْ هُوَ مِنْ جَمِيعِ الْبَشَرِ الَّذِي سَمِعَ صَوْتَ اللهِ الْحَيِّ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ مِثْلَنَا وَعَاشَ؟ ٢٧تَقَدَّمْ أَنْتَ وَاسْمَعْ كُلَّ مَا يَقُولُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُنَا، وَكَلِّمْنَا بِكُلِّ مَا يُكَلِّمُكَ بِهِ الرَّبُّ إِلهُنَا، فَنَسْمَعَ وَنَعْمَلَ.
١. فِي الْجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَالسَّحَابِ وَالضَّبَابِ، وَصَوْتٍ عَظِيمٍ: لقد كان المنظر كله رهيبًا حقًا: كَلّمَ الرَّبُّ. وكان هناك نَّارِ وَسَّحَابِ وَضَّبَابِ وَصَوْتٍ عَظِيمٍ. وقد ترك كل ذلك انطباعًا كبيرًا لدى إسرائيل لدرجة أنهم طلبوا من موسى ألا يجعل الله يتحدث إليهم بشكل مباشر بعد الآن.
• وَأَمَّا الآنَ فَلِمَاذَا نَمُوتُ؟… إِنْ عُدْنَا نَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِنَا أَيْضًا نَمُوتُ: لقد كانت هذه الكلمات واضحة. لم تعكس الخبرة التي عاشها الشعب في جبل سيناء اختبار شركة لطيف مع الله. فلم تكن رسالة جبل سيناء “تعالوا إليّ” بل “ابتعدوا، لأني قدوس بينما أنتم لستم قديسين.”
• وهذه هي بالضبط رسالة الكاتب إلى العبرانيين في اصحاح ١٢: ١٨-٢٤. فنحن في العهد الجديد، لَمْ نَأْتُ إلى جبل سيناء حيث الرسالة “لتبقوا بعيدين،” بَلْ قَدْ أَتَيْنا إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، حيث رسالة الله هي “تَعَالَوْا إِلَيَّ.”
٢. كَلِّمْنَا بِكُلِّ مَا يُكَلِّمُكَ بِهِ الرَّبُّ إِلهُنَا، فَنَسْمَعَ وَنَعْمَل: لقد كان شعب إسرائيل واثقًا جدًا من قدرتهم على حفظ شريعة الله. فاختبارهم في جبل سيناء أقنعهم بمجد الله، ولكن ليس بفسادهم وعجزهم.
ب) الآيات (٢٨-٣٣): الله يتجاوب بفرح مملوء بالرجاء من نحو إسرائيل.
٢٨فَسَمِعَ الرَّبُّ صَوْتَ كَلاَمِكُمْ حِينَ كَلَّمْتُمُونِي وَقَالَ لِي الرَّبُّ: سَمِعْتُ صَوْتَ كَلاَمِ هؤُلاَءِ الشَّعْبِ الَّذِي كَلَّمُوكَ بِهِ. قَدْ أَحْسَنُوا فِي كُلِّ مَا تَكَلَّمُوا. ٢٩يَا لَيْتَ قَلْبَهُمْ كَانَ هكَذَا فِيهِمْ حَتَّى يَتَّقُونِي وَيَحْفَظُوا جَمِيعَ وَصَايَايَ كُلَّ الأَيَّامِ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ وَلأَوْلاَدِهِمْ خَيْرٌ إِلَى الأَبَدِ. ٣٠اِذْهَبْ قُلْ لَهُمْ: ارْجِعُوا إِلَى خِيَامِكُمْ. ٣١وَأَمَّا أَنْتَ فَقِفْ هُنَا مَعِي فَأُكَلِّمَكَ بِجَمِيعِ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي تُعَلِّمُهُمْ فَيَعْمَلُونَهَا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهِمْ لِيَمْتَلِكُوهَا. ٣٢فَاحْتَرِزُوا لِتَعْمَلُوا كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَزِيغُوا يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا. ٣٣فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ تَسْلُكُونَ، لِكَيْ تَحْيَوْا وَيَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ وَتُطِيلُوا الأَيَّامَ فِي الأَرْضِ الَّتِي تَمْتَلِكُونَهَا.
١. قَدْ أَحْسَنُوا فِي كُلِّ مَا تَكَلَّمُوا: لقد سُرَّ الله برد فعل إسرائيل. وكان ردهم دليلًا على أنهم أخذوا الرب والعلاقة معه وطاعة وصاياه على محمل الجد.
٢. يَا لَيْتَ قَلْبَهُمْ كَانَ هكَذَا فِيهِمْ: هذه الكلمات تنقل لنا أن الله أحب ما رآه في إسرائيل، لكنه “كان يأمل” أن يحافظوا على نفس الموقف القلبي، (وكان هذا واضحًا باستخدامه كلمة “ليت” – أسلوب التمني – لأن الله لا “يرجو” الأشياء بالطريقة التي نرجوها نحن). في الواقع، لم يحتفظ إسرائيل قبلًا بهذا القلب؛ فبعد ٤٠ يومًا فقط رقصوا في عبادتهم حول عجل ذهبي.
٣. لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ وَلأَوْلاَدِهِمْ خَيْرٌ إِلَى الأَبَدِ: هذا هو دافع الله لدعوتنا إلى الطاعة – لِكَيْ يَكُونَ لَنا خَيْرٌ. إن كل وصية من وصايا الله متأصلة في محبته لنا، وليس في بعض الرغبة المتسلطة للسيطرة علينا، أو موقف غير كريم تجاهنا.
٤. فَاحْتَرِزُوا لِتَعْمَلُوا كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ: إن معرفة مجد الله (كما استُعلن على جبل سيناء) ومعرفة محبة الله (كما استُعلنت من خلال شوق قلبه أن يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ)، منحهما سبب أكثر من ذي قبل لطاعة الله.
• ومن الواضح أنه عندما نواجه صعوبة في طاعة الله، نكون مفتقرين إلى أحد هذين المجالين أو كليهما. فنحن إما أننا ننسى مجده، أو ننسى محبته لنا، أو كليهما.