١ صموئيل ٢٨
شاول والوسيطة الروحانية في عين دور
تتصل أول آيتين من ١ صموئيل ٢٨ بالإصحاح السابق، ولهذا علّقنا عليهما ضمن تفسيرنا لنص ١ صموئيل ٢٧.
أولاً. وضع شاول المزري.
أ ) الآيات (٣-٥): خوف شاول من الفلسطيين.
٣وَمَاتَ صَمُوئِيلُ وَنَدَبَهُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَدَفَنُوهُ فِي ٱلرَّامَةِ فِي مَدِينَتِهِ. وَكَانَ شَاوُلُ قَدْ نَفَى أَصْحَابَ ٱلْجَانِّ وَٱلتَّوَابِعِ مِنَ ٱلْأَرْضِ. ٤فَٱجْتَمَعَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ وَجَاءُوا وَنَزَلُوا فِي شُونَمَ، وَجَمَعَ شَاوُلُ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ وَنَزَلَ فِي جِلْبُوعَ. ٥وَلَمَّا رَأَى شَاوُلُ جَيْشَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ خَافَ وَٱضْطَرَبَ قَلْبُهُ جِدًّا.
١. وَمَاتَ صَمُوئِيلُ: ذُكِر موت صموئيل لأول مرة في ١ صموئيل ٢٥: ١. ويُذكر هنا مرة أخرى لتوكيد الفراغ الروحي بعد رحيل صموئيل.
٢. وَكَانَ شَاوُلُ قَدْ نَفَى أَصْحَابَ ٱلْجَانِّ وَٱلتَّوَابِعِ مِنَ ٱلْأَرْضِ: يُحسب لشاول أنه أطاع الوصايا الموجودة في شريعة موسى بطرد كل الذين يمارسون فنون السحر والتنجيم. فقد قال الله إن أَصْحَابَ ٱلْجَانِّ وَٱلتَّوَابِعِ (الذين إما يستطيعون أو يدّعون الاتصال بالموتى والكائنات الروحية) لا مكان لهم بين شعب الله، وينبغي طردهم (كما في لاويين ١٩: ٣١؛ ٢٠: ٦، ٢٧. وفي تثنية ١٨: ٩-١٤). وقد فعل شاول هذا في أيامه الأولى في الحكم تحت تأثير قيادة صموئيل.
تمثل أشياء أوراق ألعاب الحظ، وقراءة الكف، وألواح الويجا محاولات حديثة لممارسة أشكال الأرواحية أو التعامل مع الأرواح. وهي روابط خطرة مع العالم الشيطاني حتى لو مورست بروح الدعابة. ولا ينبغي للمؤمنين أن يتعاملوا مع فنون السحر والأرواح.
٣. فَٱجْتَمَعَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ وَجَاءُوا وَنَزَلُوا فِي شُونَمَ: تعني جغرافية شونم أن الفلسطيين قاموا بهجوم عدواني ضد شاول وإسرائيل.
“كانت شونم في وادي يزرعيل، على بعد عشرين ميلًا من شمال أفيق، المدينة الفلسطية في أقصى الشمال. وتعطي حقيقة تغلغلهم إلى هذه المنطقة إشارة إلى هيمنتهم على مملكة شاول وعزْمهم على الضغط أكثر شرقًا نحو نهر الأردن.” بولدوين (Baldwin)
٤. وَلَمَّا رَأَى شَاوُلُ جَيْشَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ خَافَ وَٱضْطَرَبَ قَلْبُهُ جِدًّا: قبل فترة طويلة من انحدار شاول الروحي، عندما كان يسلك بالروح، كان رجلًا شجاعًا جدًّا (كما في ١ صموئيل ١١: ٦-١١). وبدأ يفقد شجاعته عندما فارقه روح الرب (١ صموئيل ١٦: ١٤). والآن، وبعد موت صموئيل، يبدو أن شجاعته تلاشت.
ب) الآية (٦): الله يرفض أن يتكلم إلى شاول.
٦فَسَأَلَ شَاوُلُ مِنَ ٱلرَّبِّ، فَلَمْ يُجِبْهُ ٱلرَّبُّ لَا بِٱلْأَحْلَامِ وَلَا بِٱلْأُورِيمِ وَلَا بِٱلْأَنْبِيَاءِ.
١. فَسَأَلَ شَاوُلُ مِنَ ٱلرَّبِّ، فَلَمْ يُجِبْهُ: كان داود في موقف لا يُحسَد عليه. فقد هدده الفلسطيون، وتلاشت شجاعته، ولزم الله الصمت عندما كان شاول يطلبه. أمِل شاول أن يكلّمه الله من خلال الأحلام، لكن الله لزم الصمت. وأمِلَ أن يكلمه من خلال الأوريم، لكن الله لزم الصمت. وأمِلَ أن يكلمه من خلال أنبياء، لكن الله رفض أن يكلمه.
٢. فَلَمْ يُجِبْهُ ٱلرَّبُّ: يبيّن هذا أن الله لا يجيب دائمًا كل شخص يطلبه. ولن يجيب إنسانًا في مكان الدينونة مثل شاول الذي سبق أن رفض إرادة الله المعلنة، وهو الآن يرفضها. وبما أن شاول لم يحرص على طاعة الله في ما عرفه بالفعل، فلن يعطيه الله المزيد ليعرفه.
على الأقل، علِم شاول أن الله لا يريده أن يطارد داود آمِلًا أن يقتله. إذ قال شاول هذا في نصوص مثل ١ صموئيل ٢٤: ١٦-٢٠ و٢٦: ٢١. غير أن شاول تجاهل ما كان يعرف أنه إرادة الله في هذه المسألة. فإذا أردنا أن يرشدنا الله، يتوجب علينا أن نتبع أي إرشاد حصلنا عليه منه بالفعل.
عندما نرفض كلمة الله، لا يزال بإمكاننا أن نتعزى بحقيقة أنه يكلّمنا. وعندما نستمر في رفض كلامه، ربما يتوقف عن التكلم معنا، وسنفقد هذه التعزية.
ثانيًا. شاول يستشير وسيطة روحانية
أ ) الآيات (٧-٨): شاول يبحث عن وسيط روحاني.
٧فَقَالَ شَاوُلُ لِعَبِيدِهِ: «فَتِّشُوا لِي عَلَى ٱمْرَأَةٍ صَاحِبَةِ جَانٍّ، فَأَذْهَبَ إِلَيْهَا وَأَسْأَلَهَا». فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «هُوَذَا ٱمْرَأَةٌ صَاحِبَةُ جَانٍّ فِي عَيْنِ دُورٍ». ٨فَتَنَكَّرَ شَاوُلُ وَلَبِسَ ثِيَابًا أُخْرَى، وَذَهَبَ هُوَ وَرَجُلَانِ مَعَهُ وَجَاءُوا إِلَى ٱلْمَرْأَةِ لَيْلًا. وَقَالَ: “ٱعْرِفِي لِي بِٱلْجَانِّ وَأَصْعِدِي لِي مَنْ أَقُولُ لَكِ.”
١. فَتِّشُوا لِي عَلَى ٱمْرَأَةٍ صَاحِبَةِ جَانٍّ، فَأَذْهَبَ إِلَيْهَا وَأَسْأَلَهَا: لم يكن سهلًا العثور على وسيط روحاني في أرض إسرائيل، لأن شاول سبق أن طردهم من الأرض. وطلب شاول من رجاله أن يجدوا له ’صاحبة جان‘ فاقترحوا عليه امرأة في مدينة عين دور.
عُرفت هذه المرأة تقليديًّا باسم ’ساحرة عين دور.‘ وربما يكون من الملائم أن نطلق عليها لقب ساحرة. لكننا نكون أكثر دقة عندما نسمّيها وسيطة روحانية، أو مُستحضِرة أرواح، أي شخص يتصل بالموتى. والكلمة العبرية للوسيط الروحاني هي Owb وهي تحمل فكرة ’الغمغمة‘ أو التحدث بصوت غريب أو أجوف، حيث يعمل الوسيط كحلقة وصل بين الميت والشخص الراغب في الاتصال به. وتحمل الكلمة العبرية في الاعتبار الصوت الذي يوصله الوسيط أثناء الكلام. وتحمل كلمة الوسيط الروحاني تصوَّر وسيط (قناة) يقف بين عالم الأحياء وعالم الأموات والتواصل بين هذين العالَمين.
“كانت عين دور على مسافة قصيرة جدًّا إلى الشمال من جبل المريّا. وكان يمكن الوصول إليها رغم قرب مخيم الجيش الفلسطي منها.” بولدوين .(Baldwin) كانت عين دور “تقع على بعد أربعة أميال شمال شرقي شونم، ولهذا كانت قريبة بشكل خطر من الفلسطيين المعسكرين.” يونغبلود (Youngblood)
٢. فَتَنَكَّرَ شَاوُلُ وَلَبِسَ ثِيَابًا أُخْرَى، وَذَهَبَ: جلب شاول لعنة على نفسه عندما سعى إلى وسيط روحاني. إذ قال الله في لاويين ٢٠: ٦: “وَٱلنَّفْسُ ٱلَّتِي تَلْتَفِتُ إِلَى ٱلْجَانِّ، وَإِلَى ٱلتَّوَابِعِ لِتَزْنِيَ وَرَاءَهُمْ، أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ تِلْكَ ٱلنَّفْسِ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شَعْبِهَا.”
٣. أَصْعِدِي لِي مَنْ أَقُولُ لَكِ: سيطلب شاول من الوسيطة الروحانية أن تكون قناة له للتواصل مع النبي صموئيل. وقد فعل هذا لأنه أراد أن يعرف ما يمكن أن يقول له الله. وشاول مِثل رجل يذهب إلى قارئ كف ليسمع إرادة الله.
يبيّن هذا عمق السقوط الذى هوى شاول إليه، وكيف أنه أثّر في عقله. ومن الواضح أنه لا يفكر بوضوح هنا. فحالما رفض شاول الحق، صار عرضة لأكثر خداع حماقة.
ب) الآيات (٩-١٠): شاول يرد على شكوك الوسيطة الروحانية (صاحبة جان).
٩فَقَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: «هُوَذَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فَعَلَ شَاوُلُ، كَيْفَ قَطَعَ أَصْحَابَ ٱلْجَانِّ وَٱلتَّوَابِعِ مِنَ ٱلْأَرْضِ. فَلِمَاذَا تَضَعُ شَرَكًا لِنَفْسِي لِتُمِيتَهَا؟» ١٠فَحَلَفَ لَهَا شَاوُلُ بِٱلرَّبِّ قَائِلًا: “حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، إِنَّهُ لَا يَلْحَقُكِ إِثْمٌ فِي هَذَا ٱلْأَمْرِ.”
١. فَلِمَاذَا تَضَعُ شَرَكًا لِنَفْسِي لِتُمِيتَهَا: تساءلت الوسيطة الروحانية إن كانت هذه عملية ’لدغ‘ حكومية. لكن شاول حلف لها باسم الرب نفسه، ولا أقل منه، أنها لن تعاقَب.
٢. فَحَلَفَ لَهَا شَاوُلُ بِٱلرَّبِّ: يذكّرنا قسم شاول بالرب أن المصطلحات الروحية لا تعني شيئًا. فصاحب القسَم ’حيٌّ هو الرب‘ في عصيان وظلمة كاملين. وهذه آخر مرة يستخدم فيها شاول اسم الرب في صموئيل الأول. وقد استخدمه ليحلف لوسيطة روحانية أنها لن تعاقَب.
ج) الآيات (١١-١٤): فوجئت الوسيطة الروحانية بظهور صموئيل.
١١فَقَالَتِ ٱلْمَرْأَةُ: «مَنْ أُصْعِدُ لَكَ؟» فَقَالَ: «أَصْعِدِي لِي صَمُوئِيلَ». ١٢فَلَمَّا رَأَتِ ٱلْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَكَلَّمَتِ ٱلْمَرْأَةُ شَاوُلَ قَائِلَةً: «لِمَاذَا خَدَعْتَنِي وَأَنْتَ شَاوُلَ؟» ١٣فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلِكُ: «لَا تَخَافِي. فَمَاذَا رَأَيْتِ؟» فَقَالَتِ ٱلْمَرْأَةُ لِشَاوُلَ: «رَأَيْتُ آلِهَةً يَصْعَدُونَ مِنَ ٱلْأَرْضِ». ١٤فَقَالَ لَهَا: «مَا هِيَ صُورَتُهُ؟» فَقَالَتْ: «رَجُلٌ شَيْخٌ صَاعِدٌ وَهُوَ مُغَطًّى بِجُبَّةٍ». فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ، فَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ.
١. أَصْعِدِي لِي صَمُوئِيلَ: لماذا أراد شاول أن يرى صموئيل؟ نظرًا للمرات التي وبّخ فيها صموئيل شاول بقوة (كما في ١ صموئيل ١٥: ٢٢-٢٩)، ربما نعتقد أن صموئيل هو آخر شخص يمكن أن يريد شاول أن يراه. وربما أراد شاول أن يتذكر “الأيام الجميلة الخوالي” مع صموئيل عندما كان النبي مرشده ومعلمه (١ صموئيل ٩: ٢٥-٢٦).
في وسط خطية شاول، واكتئابه، والتأثيرات الشيطانية، نسي أن صموئيل كان في الواقع خصمه عندما انزلق إلى الخطية (١ صموئيل ١٣: ١٣-١٤؛ ١٥: ٢٢-٢٩).
٢. فَلَمَّا رَأَتِ ٱلْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: يرجّح أن الوسيطة الروحانية صُدمت هكذا لأنها كانت في العادة محتالة، وأن معظم معاملاتها مع مجال الأرواح كانت مجرد حيل. والآن ظهر صموئيل فعلًا من العالم الآخر، ففوجئت تمامًا بمواجهة حقيقية مع عالم الأرواح.
وفضلًا عن هذا، يمكننا القول إن هذه الوسيطة الروحانية كانت على دراية بوجود الأرواح الشريرة، لكن حضور الروح القدس كان غير مألوف لها. فربما بدا حضور الروح القدس مخيفًا لها. “تشير الدلائل إلى أن هذا كان حدثًا غير عادي بالنسبة لها … حدثًا مخيفًا لأنها كانت خارج السيطرة.” بولدوين (Baldwin)
٣. لِمَاذَا خَدَعْتَنِي وَأَنْتَ شَاوُلَ؟: فوجئت الوسيطة الروحانية أيضًا لأنها عرفت أنها مارست حرفتها أمام الملك الذي طرد كل الوسطاء الروحانيين والعاملين بالسحر من إسرائيل. فكان لديها خوف من كلٍّ من الحضور الروحي الحقيقي ومن الملك الذي أمامها.
لا يخبرنا النص كيف عرفت الوسيطة الروحانية أنه صموئيل. ربما كان شيئًا قاله صموئيل عند أول ظهوره. وربما كانت كلمة معرفة خارقة تم توصيلها لها إما من الله أو من عالم الشياطين.
٤. فَقَالَتِ ٱلْمَرْأَةُ لِشَاوُلَ: رَأَيْتُ آلِهَةً يَصْعَدُونَ مِنَ ٱلْأَرْضِ: تقول بعض الترجمات ’رأيتُ روحًا يصعد‘ بدلًا من الكلمة العبرية الأصلية التي تشير بالفعل إلى ’آلهة،‘ والتي تشير في الغالب إلى الله الواحد في صيغة الجمع. وهي تشير إلى كل من حقيقة الثالوث وعظمة الله في صيغة الجمع هذه. وعندما قالت الوسيطة الروحانية ’آلهة،‘ لم تكن تقصد الله الحقيقي الواحد، ولم تعنِ أنه تمّ تأليه صموئيل. بل تحدثت من سياقها الوثني الخاص واصفة هذا الظهور لصموئيل بأنه ’آلهة،‘ لأن هذا هو ما بدا عليه في مفرداتها الوثنية. وهي الوحيدة التي دعت صموئيل ’آلهة.‘
“تَستخدم صيغة الجمع (آلهة) إما على طريقة اللغة العبرية التي تستخدم عادة هذه الكلمة لشخص واحد، أو على طريقة لغة الوثنيين وعاداتهم.” بوله (Poole)
٥. فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ: بغضِّ النظر عن كيفية ظهور صموئيل، كان منظورًا لكل من الوسيطة الروحانية ولشاول. لم تكن هذه كرة بلورية يمكن لوسيط روحاني أن يتظاهر ويزعم أنه يرى وحده العالم الروحي. ولم يكن هذا صوتًا في الظلام”، كما في جلسة تحضير أرواح. بل كان ظهورًا حقيقيًّا لشاول.
٦. أَنَّهُ صَمُوئِيلُ: هذه الحادثة الغريبة مثيرة للجدل. وقد استُخدمت عدة طرق لفهم هذا النص. وفي ما يلي أربعة من أكثر الاحتمالات المقترحة شيوعًا.
يعتقد بعضهم أن هذا كان هلوسة من الوسيطة الروحانية. لكن هذا غير منطقي، لأنه لا يفسّر خوف هذه المرأة. ولا يفسّر لماذا رأى شاول صموئيل، ولماذا كلّم صموئيل شاول ولم يكلم المرأة.
يعتقد بعضهم أن هذا كان خداعًا من الوسيطة الروحانية. لكن هذا ليس تفسيرًا ملائمًا أيضًا لنفس الأسباب التي قدمناها للاقتراح الأول.
يعتقد بعضهم أنه كان تمثيلًا شيطانيًّا لصموئيل. يمكن للوسيطة الروحانية بقوتها الشيطانية السحرية أن تستدعي روحًا شيطانية تخدعها وتخدع شاول. لكن هذا الاقتراح غير ملائم أيضًا لأنه لا يعالج مسألة الدافع. فما هي الفائدة التي سيجنيها إبليس من كلمات صموئيل لشاول؟
يعتقد بعضهم أنه كان ظهورًا حقيقيًّا (لكن غريبًا) لصموئيل. وهذا هو أفضل تفسير، لأنه مدعوم برد فعل المرأة التي حصلت على أكثر مما توقعته. وهو مدعوم أيضًا بحقيقة ما قاله صموئيل حسب النص الكتابي: ’فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ.‘ وقد يقول بعضهم إن من المستحيل على صموئيل أن يَظهر مرة أخرى بطريقة ما قادمًا من العالم الآخر إلى عالمنا هذا. لكن موسى وإيليا جاءا من العالم الآخر إلى عالمنا هذا عندما ظهرا مع يسوع عند التجلّي (متى ١٧: ٣).
يقدم كلارك إضافة ثمينة: “أعتقد أنه لم تكن لامرأة عين دور سلطة على صموئيل لاستحضاره. ولا يمكن أن تفيد أية تعويذة مع أي قديس راحل من قديسي الله، ولا حتى مع أية روح بشرية بلا جسد.” لقد جاء صموئيل فعلًا، لكن ليس لأن الوسيطة الروحانية استحضرت روحه، لكن لأنه كان لله قصد من ذلك.
٧. أَنَّهُ صَمُوئِيلُ: سمح الله بهذا الظهور الغريب لصموئيل لأنه حقق أمرين. فقد ثبّت مرة أخرى دينونة شاول القادمة بطريقة درامية، وعلّم الوسيطة الروحانية درسًا قويًّا حول خطر مهنتها الشيطانية.
“أعتقد أن صموئيل ظهر حقًّا لشاول، وأنه أُرسِل برحمة خاصة من الله ليحذّر هذا الملك المفتون من اقتراب موته، وليعطيه فرصة أخيرة للتصالح مع خالقه.” كلارك (Clarke)
عندما نغلق آذاننا عن سماع الله، سيجد الرب طرقًا غير عادية وربما غير مريحة للتكلم إلينا. “لا يوجد أدنى شك في أن صموئيل ظهر لشاول، لكنه لم يأتِ بناءً على دعوة من المرأة، بل أُرسِل من الله، لغرض صريح هو توبيخ شاول على تعامله النجس مع هذه الأمور الشيطانية.” مورجان (Morgan)
ثالثًا. صموئيل يكلم شاول
أ ) الآيات (١٥-١٨): صموئيل يخبر شاول لماذا يرفض الله أن يكلمه.
١٥فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا أَقْلَقْتَنِي بِإِصْعَادِكَ إِيَّايَ؟» فَقَالَ شَاوُلُ: «قَدْ ضَاقَ بِي ٱلْأَمْرُ جِدًّا. اَلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَنِي، وَٱلرَّبُّ فَارَقَنِي وَلَمْ يَعُدْ يُجِيبُنِي لَا بِٱلْأَنْبِيَاءِ وَلَا بِٱلْأَحْلَامِ. فَدَعَوْتُكَ لِكَيْ تُعْلِمَنِي مَاذَا أَصْنَعُ». ١٦فَقَالَ صَمُوئِيلُ: “وَلِمَاذَا تَسْأَلُنِي وَٱلرَّبُّ قَدْ فَارَقَكَ وَصَارَ عَدُوَّكَ؟ ١٧وَقَدْ فَعَلَ ٱلرَّبُّ لِنَفْسِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِي، وَقَدْ شَقَّ ٱلرَّبُّ ٱلْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِكَ وَأَعْطَاهَا لِقَرِيبِكَ دَاوُدَ. ١٨لِأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ وَلَمْ تَفْعَلْ حُمُوَّ غَضَبِهِ فِي عَمَالِيقَ، لِذَلِكَ قَدْ فَعَلَ ٱلرَّبُّ بِكَ هَذَا ٱلْأَمْرَ ٱلْيَوْمَ.”
١. لِمَاذَا أَقْلَقْتَنِي؟: يمكن أن يكون كلام صموئيل هذا على فم أي شخص ترك مكان الراحة والبركة في العالم الآخر ليرجع إلى الأرض. إذ يفضّل أن يرجع إلى حيث كان.
هذا مؤشر لنا على حقيقة العالم الآخر. فرغم أن صموئيل ارتحل عن هذا العالم، إلا أنه في مكان حقيقي، ويحيا وجودًا حقيقيًّا.
إذا أردنا توخّي الدقة، لم يكن صموئيل في السماء. إذ شرح يسوع في قصة الغني ولعازر (لوقا ١٦: ١٩-٣١) أنه قبل إكمال عمله على الصليب، كان الموتى المؤمنون يذهبون إلى مكان راحة وتعزية وبركة يُدعى ’حضن إبراهيم.‘ وعندما أتم يسوع عمله على الصليب، تم دفع عقوبة خطية أولئك المؤمنين، فأُدخِلوا إلى السماء.
٢. قَدْ ضَاقَ بِي ٱلْأَمْرُ جِدًّا: شرح شاول مشكلته لصموئيل: أولًا، “اَلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَنِي. لكن ما هو أسوأ بكثير هو: “وَٱلرَّبُّ فَارَقَنِي وَلَمْ يَعُدْ يُجِيبُنِي.” ثم كشف شاول السبب في دعوته له: “فَدَعَوْتُكَ لِكَيْ تُعْلِمَنِي مَاذَا أَصْنَعُ.”
وَٱلرَّبُّ فَارَقَنِي: “لا يفارق الرب شخصًا إلى أن يفارقه الشخص. وعنذئذٍ، ومن أجل البر، يصبح الله ضد هذا الشخص.” مورجان (Morgan)
مَاذَا أَصْنَعُ؟: “يطلب شاول إرشادًا بينما صار مسار عمله واضحًا. إذ عليه أن يحارب الفلسطيين. وما يريده هو الاطمئنان على أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنه سيربح المعركة.” بولدوين (Baldwin)
٣. وَلِمَاذَا تَسْأَلُنِي وَٱلرَّبُّ قَدْ فَارَقَكَ وَصَارَ عَدُوَّكَ: كان صموئيل إلى جانب الرب. فإذا لم يُرِد الرب أن يخبر شاول ما يريده، فما الذي يدفع الملك إلى الاعتقاد أن صموئيل سيخبره. ربما واصل شاول السعي على أمل أن يحصل على خبر أفضل، لكن الأخبار السارة لم تصل.
٤. فَعَلَ ٱلرَّبُّ لِنَفْسِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِي… لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ: ثبّت صموئيل في الأساس ما سبق أن قاله الرب لشاول. فرسالة الله لشاول ثابتة متناسقة بشكل مزعج، بِغضّ النظر عن الطريقة التي يختارها الله لإيصال الرسالة.
إن امتحان أية ’مواجهة مع روح‘ أو ’إعلان من ملاك‘ هو انسجامه مع الرسالة الكتابية. فلا يهم نوع المواجهة المثيرة للإعجاب التي يختبرها المرء مع كائن روحي. “وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلَاكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ (أو حتى صموئيل) بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا!” (
>غلاطية ١: ٨).
٥. لِأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ وَلَمْ تَفْعَلْ حُمُوَّ غَضَبِهِ فِي عَمَالِيق … فَعَلَ ٱلرَّبُّ لِنَفْسِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِي: ذكّر صموئيل شاول ما حدث في ١ صموئيل ١٥. ففي ذلك الإصحاح، أخبر صموئيل شاول: “يُمَزِّقُ ٱلرَّبُّ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ عَنْكَ ٱلْيَوْمَ وَيُعْطِيهَا لِصَاحِبِكَ ٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. وَأَيْضًا نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَنْدَمُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانًا لِيَنْدَمَ” (١ صموئيل ١٥: ٢٨-٢٩). وعلى ما يبدو، أنه بعد حوالي خمس عشرة سنة من أحداث الإصحاح الخامس عشر ذاك، اعتقد شاول أن الرب يمكن أن يغيّر رأيه. فأخبره صموئيل أن الله لم يغيّر رأيه على الإطلاق.
يوضح صموئيل هذه النقطة بالذات عندما يقتبس من نص (١ صموئيل ١٥: ٢٨-٢٩) هذه الكلمات: “وَقَدْ شَقَّ ٱلرَّبُّ ٱلْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِكَ وَأَعْطَاهَا لِقَرِيبِكَ دَاوُدَ.” فلم تتغير كلمة الله إلى شاول منذ أن قالها حتى وقت اكتمالها. ولعل شاول اعتقد أن الزمن سيغير رأي الله، لكن الزمن لا يقدر أن يفعل هذا.
عندما رأت الوسيطة الروحانية صموئيل، قالت إنه كان يلبس جبّة. ويرجح أن هذا الثوب هو الذي يميّز صموئيل كنبي وككاهن معًا. وفي ١ صموئيل ١٥: ٢٧، عندما أعلن صموئيل أن الله سيأخذ المملكة من شاول، أمسك صموئيل بجبّته بيأس. والكلمة العبرية (مِيْهِيْل) والمترجمة إلى ’جُبّة‘ في ١ صموئيل ١٥: ٢٧ هي نفسها المستخدمة في ١ صموئيل ٢٨: ١٤. ويحتمل أنه عندما ظهر صموئيل أمام الوسيطة الروحانية وشاول، كان يرتدي جبّته الممزقة ليذكّر شاول بأن الرب انتزع مملكته منه وأعطاها لقريبه، داود.
ب) الآية (١٩): صموئيل يخبر شاول عن مصيره.
١٩وَيَدْفَعُ ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا مَعَكَ لِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَغَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ تَكُونُونَ مَعِي، وَيَدْفَعُ ٱلرَّبُّ جَيْشَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا لِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ.
١. وَغَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ تَكُونُونَ مَعِي: علِم شاول أنه سيموت في اليوم التالي. سبق أن سأل شاول في الآية ١٥ ماذا يمكنه أن يفعل (ماذا أصنع). فلم يخبره صموئيل ما ينبغي عليه أن يفعل، لأنه فات الأوان على فعل أي شيء، لأن دينونة الله تتحرك الآن.
قبل هذا، كان لدى شاول وقت كثير للتوبة، لكن الوقت نفد الآن. لا ينبغي أن نتجاسر فنفترض أن لدينا وقتًا كثيرًا قبل أن نتوب. والرغبة في التوبة والفرصة المتاحة لها هبتان من الله. فإذا كانت لدينا هذه الرغبة وهذه الفرصة الآن، يتوجب علينا أن نستغلهما، لأنه ربما لا يكون هنالك غد.
لا يعني ’وَغَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ تَكُونُونَ مَعِي‘ أن شاول سيكون في السماء مع الموتى المؤمنين. إذ نجد في القصة التي رواها يسوع في لوقا ١٦: ١٩-٣١ أن الأموات المباركين والأموات الملعونين كانوا في نفس المنطقة العامة مع فاصل بينهم. فكان الأموات المؤمنون في مكان للتعزية يسمَّى ’حضن إبراهيم،‘ لكن الأموات الملعونين كانوا في مكان عذاب. وسيكون شاول في نفس المنطقة العامة مثل صموئيل، لكن ليس في نفس المكان المحدد حيث كان صموئيل.
٢. وَيَدْفَعُ ٱلرَّبُّ جَيْشَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا لِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ: عندما تقع الدينونة على شاول، فإنها ستزعج الذين من حوله. إذ سيعاني أبناؤه وكل إسرائيل.
“هل يستطيع أحد أن يقرأ هذا النص، مع الأخذ في الاعتبار وضع هذا الملك البائس، وانتصار أعداء الرب، والخراب السريع الذي سيحل على يوناثان التقي، من دون أن يشعر بعذاب شديد في قلبه؟” كلارك (Clarke)
رابعًا. رد فعل شاول ومغادرته
أ ) الآية (٢٠): يبدي شاول خوفًا فاقدًا كل قوة.
٢٠فَأَسْرَعَ شَاوُلُ وَسَقَطَ عَلَى طُولِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَخَافَ جِدًّا مِنْ كَلَامِ صَمُوئِيلَ، وَأَيْضًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ قُوَّةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا ٱلنَّهَارَ كُلَّهُ وَٱللَّيْلَ.
١. وَخَافَ جِدًّا مِنْ كَلَامِ صَمُوئِيلَ: لم يكن الأمر فقط أن صموئيل أخبر شاول أنه سيسقط أمام الفلسطيين في المعركة وسيموت. إذ كان أسوأ بكثير من هذا أنه عرف أن الرب خِصمه. فكان هذا أكثر مما يحتمل الملك سماعه.
ب) الآيات (٢١-٢٥): الوسيطة الروحانية تعزّي شاول.
٢١ثُمَّ جَاءَتِ ٱلْمَرْأَةُ إِلَى شَاوُلَ وَرَأَتْ أَنَّهُ مُرْتَاعٌ جِدًّا، فَقَالَتْ لَهُ: «هُوَذَا قَدْ سَمِعَتْ جَارِيَتُكَ لِصَوْتِكَ فَوَضَعْتُ نَفْسِي فِي كَفِّي وَسَمِعْتُ لِكَلَامِكَ ٱلَّذِي كَلَّمْتَنِي بِهِ. ٢٢وَٱلْآنَ ٱسْمَعْ أَنْتَ أَيْضًا لِصَوْتِ جَارِيَتِكَ فَأَضَعَ قُدَّامَكَ كِسْرَةَ خُبْزٍ وَكُلْ، فَتَكُونَ فِيكَ قُوَّةٌ إِذْ تَسِيرُ فِي ٱلطَّرِيقِ». ٢٣فَأَبَى وَقَالَ: «لَا آكُلُ». فَأَلَحَّ عَلَيْهِ عَبْدَاهُ وَٱلْمَرْأَةُ أَيْضًا، فَسَمِعَ لِصَوْتِهِمْ وَقَامَ عَنِ ٱلْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَى ٱلسَّرِيرِ. ٢٤وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ عِجْلٌ مُسَمَّنٌ فِي ٱلْبَيْتِ، فَأَسْرَعَتْ وَذَبَحَتْهُ وَأَخَذَتْ دَقِيقًا وَعَجَنَتْهُ وَخَبَزَتْ فَطِيرًا، ٢٥ثُمَّ قَدَّمَتْهُ أَمَامَ شَاوُلَ وَأَمَامَ عَبْدَيْهِ فَأَكَلُوا. وَقَامُوا وَذَهَبُوا فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ.
١. ثُمَّ جَاءَتِ ٱلْمَرْأَةُ إِلَى شَاوُلَ وَرَأَتْ أَنَّهُ مُرْتَاعٌ جِدًّا: إنه لأمر محزن أن تقوم امرأة محترفة للسحر والتنجيم بتعزية ملك إسرائيل. لكنهما كانا من نفس النوع. إذ كانا يعيشان في تمرد على الله، وكانا تحت دينونته.
٢. فَأَكَلُوا: كان العشاء الذي تناوله شاول مثل آخر وجبة يتناولها رجل محكوم عليه بالموت، منتظرًا إعدامه في الصباح التالي.
٣. وَقَامُوا وَذَهَبُوا فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ: ترك شاول هذه المواجهة الغريبة مستسلمًا لمصيره المأساوي.
“لم تساعد المعلومات الإضافية التي تفيد أن شاول وأبناءه سيموتون في غضون ٢٤ ساعة على رفع معنويات الملك على الإطلاق. ربما كان أفضل بكثير لو أنه لم يعرف ذلك. ولم يُفِده فِعل ما قرر أنه غير مشروع. وظلت كلمة الله ثابتة بلا تغيير. كان ينبغي أن يصدّقها بدلًا من الاعتقاد أن مزيدًا من الاستشارات يمكن أن يقلب دينونته. ولم يجبه الرب، لأنه لم يعد هنالك ما يقال.” بولدوين (Baldwin)