أمثال 8
مدح الحكمة
علّق مورجان (Morgan) على أمثال 8 قائلًا: “لا يوجد ما هو أعظم وأفخم من كل الأدب الكتابي، مثل تقديم جمال تلك الحكمة ونعمتها التي تجعل مخافة الرب جزءها الرئيسي.”
أولًا. دعوة الحكمة
أ ) الآيات (1-3): الحكمة تنادي.
1أَلَعَلَّ ٱلْحِكْمَةَ لَا تُنَادِي؟ وَٱلْفَهْمَ أَلَا يُعْطِي صَوْتَهُ؟ 2عِنْدَ رُؤُوسِ ٱلشَّوَاهِقِ، عِنْدَ ٱلطَّرِيقِ بَيْنَ ٱلْمَسَالِكِ تَقِفُ. 3بِجَانِبِ ٱلْأَبْوَابِ، عِنْدَ ثَغْرِ ٱلْمَدِينَةِ، عِنْدَ مَدْخَلِ ٱلْأَبْوَابِ تُصَرِّحُ.
1. أَلَعَلَّ ٱلْحِكْمَةَ لَا تُنَادِي؟: كما سبق في سفر الأمثال، كتب سليمان عن الحكمة كما لو أنها امرأة نبيلة جميلة مُحِبة للعون، بالمقابلة مع المرأة الفاسقة المذكورة في أمثال 7.
“تتحرك الزوجة غير العفيفة سرًّا عند الغسق، وتتحدث كذبًا، بينما تتحرك الحكمة علانية، وتقول الحق بشكل مباشر وبسلطان.” والتكي ((Waltke
2. (تقف لتنادي) عِنْدَ رُؤُوسِ ٱلشَّوَاهِقِ: تنادي الحكمة المشخَّصة بأعلى صوتها وعلى أوسع نطاق ممكن. تتحدث إلى الذين عِنْدَ ٱلطَّرِيقِ بَيْنَ ٱلْمَسَالِكِ. وتنادي في أكثر الأماكن عامّة، عند مدخل المدينة. فليست الحكمة مخفية. فهي تنادي على كل من هو مستعد للاستماع إليها.
“هذا إصحاح ينبغي أن يرتفع إلى ما وراء الزمان والمكان. يبدأ عند مستوى الشارع لكي يبيّن أن حكمة الله ذات صلة بمركز التسوق (أمثال 8: 2-3) كما هي ذات صلة بالسماء نفسها (أمثال 8: 22).” كيدنر (Kidner)
النقطة المهمة هنا هي أن الحكمة هي للناس العاديين – فهي ليست مقصورة على الفصول الأكاديمية أو في جنبات الهيكل المقدسة. كما أنها ليست على قمة جبل بحيث لا يجدها إلا الأشخاص الأقوى عودًا وتصميمًا. وعلى نقيض ذلك، فإنها تريد أن تجتذب الجميع وتكون في متناول الجميع.” جاريت (Garrett)
رأى آدم كلارك (Adam Clarke) شيئًا رائعًا في الإعلان العلني للحكمة، شيئًا يستحق التمثل به. “صحيح أنه توج معابد، ومجامع، وكنائس، ومُصَلَّيات، إلخ، لكن مئات الآلاف لا يترددون إليها، وبالتالي لا يسمعون صوت الحق. ولهذا يتوجب على الحكمة أن تذهب إليهم، إذا أرادت لهم أن يتلقوا تعليماتها. ومن هنا، ما زال خدام المسيح المتحمسون يذهبون إلى الطرق السريعة والأسيجة، وإلى الجبال والسهول، إلى السفن والأكواخ، ليقنعوا الخطاة بالعودة عن ضلال طرقهم ويقبلوا ذلك الفداء الذي سكبته ذبيحة المسيح الكفارية على الصليب.”
ب) الآيات (4-11): الخير (الصلاح) الذي تعد به الحكمة.
4لَكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ أُنَادِي، وَصَوْتِي إِلَى بَنِي آدَمَ. 5أَيُّهَا ٱلْحَمْقَى تَعَلَّمُوا ذَكَاءً، وَيَا جُهَّالُ تَعَلَّمُوا فَهْمًا. 6اِسْمَعُوا. فَإِنِّي أَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ شَرِيفَةٍ، وَٱفْتِتَاحُ شَفَتَيَّ ٱسْتِقَامَةٌ. 7لِأَنَّ حَنَكِي يَلْهَجُ بِٱلصِّدْقِ، وَمَكْرَهَةُ شَفَتَيَّ ٱلْكَذِبُ. كُلُّ كَلِمَاتِ فَمِي بِٱلْحَقِّ. لَيْسَ فِيهَا عِوَجٌ وَلَا ٱلْتِوَاءٌ. 9كُلُّهَا وَاضِحَةٌ لَدَى ٱلْفَهِيمِ، وَمُسْتَقِيمَةٌ لَدَى ٱلَّذِينَ يَجِدُونَ ٱلْمَعْرِفَةَ. 10خُذُوا تَأْدِيبِي لَا ٱلْفِضَّةَ، وَٱلْمَعْرِفَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلذَّهَبِ ٱلْمُخْتَارِ. 11لِأَنَّ ٱلْحِكْمَةَ خَيْرٌ مِنَ ٱلَّلآلِئِ، وَكُلُّ ٱلْجَوَاهِرِ لَا تُسَاوِيهَا.
1. لَكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ أُنَادِي: يتحدث سليمان هنا بلسان الحكمة المشخَّصة. وهذه هي الرسالة التي قدمتها للرجال والنساء، لكل من هو مستعد للاستماع إليها.
“يدل ارتفاع الصوت ومثابرته على أنه صوت صديق مخلص يحذّر من الخطر. فهل كانت ستصرخ بصوت عالٍ أو مستمر لفترة طويلة لو لم تحب روحك، ولو لم تعرف الغضب المحيط بك، الجحيم الذي أمامك؟” بريدجز (Bridges)
2. وَيَا جُهَّالُ تَعَلَّمُوا فَهْمًا: لا تيأس الحكمة من الجُهّال (البسطاء). ويبدو أن الرجل الجاهل في أمثال 7 وكأنه قضية خاسرة، لكن لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك. إذ يمكننا أن نتعلم طرق الحكمة ونستفيد من هذا التعلم.
3. كُلُّ كَلِمَاتِ فَمِي بِٱلْحَقِّ: عندما تتكلم الحكمة، فإن كلماتها مستقيمة. وعندما يستخدم الناس أكاذيب، فلا ينبغي الوثوق بأنهم يوصلون الحكمة. تقول الحكمة عن كلماتها إنه لَيْسَ فِيهَا عِوَجٌ وَلَا ٱلْتِوَاءٌ. ولهذا يمكن فهم كلماتها (كُلُّهَا وَاضِحَةٌ لَدَى ٱلْفَهِيمِ). ومعدنها الأخلاقي مستقيم، وهذا يتناقض مع الحقائق المعقدة المخفية المزعومة والأسرار.
يمكن القول عن الكتاب المقدس بشكل عام إنه واضح لمن يفهمه. وبطبيعة الحال، فإن هنالك نصوصًا عميقة معقدة أحيانًا، لكن الحقائق الأساسية فيه واضحة للذين يثقون بالله ويكرمون كلمته. وكما قال الكاتب الأمريكي مارك توين: ليست أجزاء الكتاب المقدس التي لا أفهمها تزعجني، بل الأجزاء التي أفهمها.
“كانت إجابة ذكية تلك التي قدّمها م. ديورانت (Durant) – الذي كان خادمًا متعلّمًا سريع الخاطر في الكنيسة المُصْلحة في باريس – إلى سيدة يُشك في فضيلتها. عندما ثارت وتذمرت من صعوبة الكتاب المقدس، قال لها: “يا سيدتي، ماذا يمكن أن يكون أكثر وضوحًا من ’لا تزنِ؟‘” لو لم تفشل في ممارسة ما كانت تعرفه بالفعل، لما كان لديها سبب للتذمر من صعوبة الأشياء التي لم تستطع أن تعرفها.” تراب (Trapp)
4. وَكُلُّ ٱلْجَوَاهِرِ (كل ما تشتهي الحصول عليه) لَا تُسَاوِيهَا: تفوق قيمة الحكمة الفضة والذهب والياقوت. ومن دون الحكمة، قد يكون للمرء ثروات العالم وحياة تعيسة. لقد اشتهى سليمان في مرحلة من حُكْمه الحكمة فوق كل غنى، فباركه الله كثيرًا على ذلك (1 ملوك 3: 10-13).
ثانيًا. الحكمة تصف نفسها
أ ) الآيات (12-21): ما تملكه الحكمة وما تقدّمه.
12أَنَا ٱلْحِكْمَةُ أَسْكُنُ ٱلذَّكَاءَ، وَأَجِدُ مَعْرِفَةَ ٱلتَّدَابِيرِ. 13مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ بُغْضُ ٱلشَّرِّ. ٱلْكِبْرِيَاءَ وَٱلتَّعَظُّمَ وَطَرِيقَ ٱلشَّرِّ وَفَمَ ٱلْأَكَاذِيبِ أَبْغَضْتُ. 14لِي ٱلْمَشُورَةُ وَٱلرَّأْيُ. أَنَا ٱلْفَهْمُ. لِي ٱلْقُدْرَةُ. 15بِي تَمْلِكُ ٱلْمُلُوكُ، وَتَقْضِي ٱلْعُظَمَاءُ عَدْلًا. 16بِي تَتَرَأَّسُ ٱلرُّؤَسَاءُ وَٱلشُّرَفَاءُ، كُلُّ قُضَاةِ ٱلْأَرْضِ. 17أَنَا أُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَنِي، وَٱلَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي. 18عِنْدِي ٱلْغِنَى وَٱلْكَرَامَةُ. قِنْيَةٌ فَاخِرَةٌ وَحَظٌّ. 19ثَمَرِي خَيْرٌ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَمِنَ ٱلْإِبْرِيزِ، وَغَلَّتِي خَيْرٌ مِنَ ٱلْفِضَّةِ ٱلْمُخْتَارَةِ. 20فِي طَرِيقِ ٱلْعَدْلِ أَتَمَشَّى، فِي وَسَطِ سُبُلِ ٱلْحَقِّ، 21فَأُوَرِّثُ مُحِبِّيَّ رِزْقًا وَأَمْلَأُ خَزَائِنَهُمْ.
1. أَنَا ٱلْحِكْمَةُ أَسْكُنُ (مع) ٱلذَّكَاء(الحصافة): حيثما توجد الحصافة (التعقل) – ضبط النفس وحسن التمييز – توجد الحكمة. وأما الحياة المتسمة بالاندفاع والتطرُّف، فلن تكتسب الحكمة أو تقدّرها أو تعرضها.
- الذكاء (الحصافة) (التعقل): “تُعَرَّف الحصافة على أنها الحكمة وهي تمارَس (الحكمة العملية)، ولذلك حيثما توجد حكمة حقيقية، فإنها تؤدي إلى العمل.” كلارك (Clarke)
2. مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ بُغْضُ ٱلشَّرِّ: ليس توقير الله (والحكمة النابعة منه) حياديًّا تجاه الشر. فهو يبغض الشر كما يبغضه الله، مع الكبرياء، والغطرسة، والفم الملتوي الذي غالبًا ما يعبّر عن الشر.
“يشارك شعب الله في الطبيعة الإلهية، ولهذا يتعاطفون مع ما يتعاطف الله معه، ويبغضون ما يبغضه. وهم لا يتركون الخطية فحسب، بل يمقتونها، وهم في صراع مميت معها.” تراب (Trapp)
3. بِي تَمْلِكُ ٱلْمُلُوكُ: يكتسب كثيرون القوة (القدرة) والسلطة، ويبقون في السلطة، ويمارسونها من خلال اكتساب الحكمة واستخدامها.
كان لدى آدم كلارك (Adam Clarke) فكرة مثيرة للاهتمام حول تعبير ’لي القدرة:‘ “ما زالت الحكمة تتحدث بصفتها توصل أشعة ضوئها إلى الإنسان، فتمكّنه من تسخير كل شيء لمساعدته لبناء آلات يمكن بها أن يقوم فرد واحد بعمل المئات. ومنها يأتي تعلُّم الرياضيات والمعرفة الميكانيكية. ومنها جاء في الأصل المنحدر الأفقي، والإسفين، والمفك، والبكرة في كل مضاعفاتها، والرافعة بكل تركيباتها وتنوعاتها. جاءت هذه كلها من الحكمة. وتستطيع هذه كلها أن تنتج أعاجيب من القوة تتجاوز كثيرًا كل أنواع الطاقة الحيوانية، وجميع تأثيرات أفضل جهود القوة العضلية.”
4. أَنَا أُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَنِي: سيجد الذين يحبون الحكمة أنهم قد كوفِئوا. سيجدون الحكمة (وَٱلَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي) والبركات التي تجلبها الحكمة (الغنى والكرامة والبر). ويمكن أن يقال إن الحكمة تسعى إلى أتباعها لتباركهم (فَأُوَرِّثُ مُحِبِّيَّ رِزْقًا وَأَمْلَأُ خَزَائِنَهُمْ).
وَٱلَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي: “بعاطفة قوية واجتهاد عظيم، وفوق كل الأشخاص وكل الأشياء في العالم. وهو يذكر هذه الأشياء كنتيجة لمحبتهم ودليل عليها، وإلا فإن الجميع يتظاهرون بأنهم يحبّون الله.” بولي (Poole)
عِنْدِي ٱلْغِنَى وَٱلْكَرَامَةُ: “من المفارقات أنه عندما يسعى المرء إلى الغنى، فإنه يفسده، لكن عندما يسعى إلى الحكمة، فإنها تعطيه ثروة تبنيه (1 ملوك 3: 4-15).” والتكي (Waltke)
ب) الآيات (22-31): تاريخ الحكمة الطويل.
22اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ ٱلْقِدَمِ. 23مُنْذُ ٱلْأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ ٱلْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ ٱلْأَرْضِ. 24إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ ٱلْمِيَاهِ. 25مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ ٱلْجِبَالُ، قَبْلَ ٱلتِّلَالِ أُبْدِئْتُ. 26إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ ٱلْأَرْضَ بَعْدُ وَلَا ٱلْبَرَارِيَّ وَلَا أَوَّلَ أَعْفَارِ ٱلْمَسْكُونَةِ. 27لَمَّا ثَبَّتَ ٱلسَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ. 28لَمَّا أَثْبَتَ ٱلسُّحُبَ مِنْ فَوْقُ. لَمَّا تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ ٱلْغَمْرِ. 29لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلَا تَتَعَدَّى ٱلْمِيَاهُ تُخْمَهُ، لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ ٱلْأَرْضِ، 30كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا، وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، 31فَرِحَةً دَائِمًا قُدَّامَهُ. فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ.
1. اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ: استخدم الله الحكمة والذكاء في تصميم الكون. وإذا مثّلنا الحكمة كشخص، يمكن القول إن الحكمة كانت مع الله في الحكمة. ففي البدء، قبل وجود الأرض، استخدم الله حكمة في خلق كل شيء من العدم.
أصبحت عبارة مأخوذة من
أمثال 8: 22 (اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ) دعمًا أساسيًّا لتعليم شخص هرطوقي مؤثر في الكنيسة الأولى. إذ تحدّث آريوس (Arius) الإسكندري عن فكرة أن يسوع المسيح لم يكن الله (كما يومن شهود يهوه المعاصرون) ورَوَّج لها. استخدم آريوس هذه الآية من الترجمة اليونانية للأسفار العبرية، والتي تقول شيئًا قريبًا من هذا: اَلرَّبُّ خلقنِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ. وقال آريوس أن يسوع هو حكمة الله، وأن هذه الآية تتحدث عن مخلوقيّته. فإن كان قد خُلق، فقد كانت له بداية. وإذا كانت له بداية، فإنه لم يكن أزليًّا. وإن لم يكن أزليًّا، فإنه ليس الله.
كانت أخطاء آريوس (Arius) كثيرة. ففي هذا النص بالذات، بالغ بالطريقة التي عدَّ فيها الحكمة في أمثال 8 يسوع المسيح. إنه لأمر صحيح ورائع أن يسوع هو حكمة الله، وبشكل خاص في عمله على الصليب (1 كورنثوس 1: 20-24) وأن يسوع صار حكمة لنا من الله (1 كورنثوس 1: 30)، وأن فيه مدّخر فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة (كولوسي 2: 3). ومع ذلك، فإن من الخطأ أن نقول إن أمثال 8 يصف يسوع في ارتباط تبادلي مباشر. ولأن يسوع هو الله، فإنه يعبّر عن حكمة الله ويبيّنها. لكن المرأة في أمثال 8 لا تصف يسوع بشكل مباشر.
هنالك خطأ ثانٍ – ولعله أكثر جوهرية – ارتكبه آريوس (Arius) حول النص، وهو ترجمة الكلمة العبرية ’قنى‘ Qanah إلى ’خلق‘ أو ’أنجب‘ بدلًا من ’اقتنى‘ أو ’امتلك.‘ فمع أنه قد يوجد شيء من الوجاهة حول كلمة ’خلق‘ أو ’أنجب‘ (في سياقات أخرى)، لكن لدى وضع كل العوامل في الاعتبار، فإن أفضل ترجمة هي ’اقتنى‘ أو ’امتلك.‘ ويمكننا القول إن “أمثال 8 لا يتكلم عن يسوع المسيح بشكل مباشر بالمعنى الذي قصده آريوس. وحتى لو كان الأمر كذلك، فإن أمثال 8 لا يقول إن الله الآب خلق ابن الله.”
يمكن أن يعني الفعل العبري ’قنى‘ إما ’يمتلك‘ أو ’يخلق.‘ وقد اختارت الترجمات القديمة كلمة ’يمتلك.‘ وإلاّ، فقد يبدو أن الله افتقر إلى الحكمة، ولهذا خلقها قبل بدء العالم. فأرادوا أن يتجنبوا القول إن الحكمة لم تكن أزلية. وأحب آريوس فكرة المسيح بصفته معنى الحكمة، فاختار كلمة ’خلق.‘ وقرأ أثناسيوس: ’الرب عيَّنني رأسًا على الخليقة.‘ ويرِد الفعل ’قنى‘ اثنتي عشرة مرة في أمثال بمعنى يكتسب، لكن الترجمتين السبعينية والسريانية تحملان فكرة ’يخلق‘ روس (Ross)
“احتكم الآريوسيون (الذين أنكروا ألوهة يسوع المسيح) إلى كلمة ’خلق‘ في الترجمة السبعينية ليبرهنوا أن المسيح، حكمة الله، لم يكن أزليًا. لكن يتوجب أن ينصبّ اهتمامنا على المعنى الطبيعي للكلمة والمعنى العام للنص.” كيدنر (Kidner)
2. مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ ٱلْجِبَالُ: تناول سليمان بشكل شعري جميل جوانب مختلفة كثيرة من الخليقة، وتأمّل كيف استخدم الله الحكمة لتصميمها وترتيبها. وكان بمقدور الحكمة أن تقول: كنتُ إلى جانبه صانعًا ماهرًا كُنْتُ (عِنْدَهُ صَانِعًا).
“إنّ لقِدَم الحكمة تطبيقًا حقيقيًّا وعمليًّا. فإن كان النظام المخلوق كله مؤسسًا على حكمة الله، فإن مقاومة حكمته تعني العمل ضد الخليقة. وإذا تجاوبنا مع حكمته، فإن كل الخليقة تعمل من أجلنا. وإذا تمردنا على حكمته وإرادته، تبدأ الأمور بالعمل ضدنا، كما اكتشف يونان الذي حاول أن يهرب من الرب.” ويرزبي (Wiersbe)
وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ: “تأخذ الحكمة في اعتبارها أن الخالق وضع قوانين أو مراسيم غير قابلة للتغيير تضع حدودًا للأرض بحيث لا يستطيع البحر المعادي أن يتعداها (انظر أيوب 38: 8-11). إذ تعمل الطاقة الفوضوية للبحر ضمن حدود صارمة.” والتكي (Waltke)
3. فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ: يتميز العالم المخلوق بتصميم الله الحكيم الصالح وترتيبه حتى إن الحكمة فرحت به. وعلى نحو خاص، فإن الحكمة كانت سعيدة بخلق الله للإنسان (لَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ). ونعتقد أحيانًا أن خلق الإنسان كان مشكلة في تصميم العالم وخلْقِه. وبمعنى ما، فإن الإنسان هو قصد الخليقة.
ثالثًا. تناشد الحكمة جمهورها
أ ) الآيات (32-33): طلب الانتباه.
32فَٱلْآنَ أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ ٱسْمَعُوا لِي. فَطُوبَى لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ طُرُقِي. 33ٱسْمَعُوا ٱلتَّعْلِيمَ وَكُونُوا حُكَمَاءَ وَلَا تَرْفُضُوهُ.
1. فَٱلْآنَ أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ ٱسْمَعُوا لِي: بعد أن قدّمت الحكمة سيرتها الذاتية المثيرة للإعجاب، يمكنها الآن أن تقدم نداء معقولًا للاستماع إليها.
2. فَطُوبَى لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ طُرُقِي: ببعض الطرق الخفية والواضحة أحيانًا، يريدنا العالم، والجسد، وإبليس أن نعتقد أننا نخسر بالاستماع إلى الحكمة وحفْظ طرقها. والحقيقة هي أنه توجد بركة عظيمة عندما نحفظ طرقها.
3. ٱسْمَعُوا ٱلتَّعْلِيمَ وَكُونُوا حُكَمَاءَ: بما أن الحكمة أثبتت أنها صالحة وموضع ثقة، وأنها تجلب معها بركات كثيرة، ينبغي أن نولي الحكمة انتباهنا ولا نتجاهلها أبدًا.
ب) الآيات (34-36) مكافأة الحكمة وتكلفة الحماقة.
34طُوبَى لِلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَسْمَعُ لِي سَاهِرًا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ مَصَارِيعِي، حَافِظًا قَوَائِمَ أَبْوَابِي. 35لِأَنَّهُ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ ٱلْحَيَاةَ، وَيَنَالُ رِضًى مِنَ ٱلرَّبِّ، 36وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ ٱلْمَوْتَ.
1. طُوبَى لِلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَسْمَعُ لِي: لا تأتي البركة للذين يستمعون إلى الحكمة فحسب، بل الذين هم مستعدون أيضًا لبذل الجهد في السعي إليها. إنهم مستعدون للسهر عند مصاريعها وقوائم أبوابها. والسعي إلى الحكمة أمر متعمَّد وليس عرضيًّا.
سَاهِرًا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ مَصَارِيعِي: تصوَّر الحكمة هنا أن لها مدرسة لتعليم الرجال وإرشادهم. ويبدو أن هذا يشير إلى قدوم بعض علمائها الأكثر تقدُّمًا بحماسة بسبب رغبتهم الشديدة في التعلم، حتى قبل فتح أبوابها، منتظرين السماح إلى الدخول لكي يسمعوا كل كلمة تنطق بها، فلا يفوتهم كلمة واحدة من تعليمها السماوي. طوبى لهؤلاء.” كلارك (Clarke)
2. مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ ٱلْحَيَاةَ: هنا تقدّم الحكمة هبتين لا مثيل لهما، حياة ورضا من الرب. فأن تحب الحكمة الحقيقية يعني أن تنالهما. ويعني رفض الحكمة أن يسيء المرء إلى نفسه وأن يحب الموت.
وَيَنَالُ رِضًى مِنَ ٱلرَّبِّ: “وهو أفضل من الحياة. فرضا الله ليس رضا فارغًا. وهو ليس مثل شمس الشتاء التي تعطي ملامح جيدة عندما تشرق، لكنها لا تعطي حرارة كافية أو تعزية.” تراب (Trapp)
يُحِبُّونَ ٱلْمَوْتَ: “ليس بشكل مباشر أو عن قصد، بل كعاقبة، لأنهم يحبون تلك الممارسات التي يعرفون أنها تجلب دمارًا مؤكدًا على حياتهم.” بولي (Poole)