سفر التثنية – الإصحاح ١٥
أحكام تتعلق بالفقير
أولًا. الأحكام المتعلقة بالفقراء
أ ) الآيات (١-٦): إبراء الديون كل سبع سنوات.
١«فِي آخِرِ سَبْعِ سِنِينَ تَعْمَلُ إِبْرَاءً. ٢وَهذَا هُوَ حُكْمُ الإِبْرَاءِ: يُبْرِئُ كُلُّ صَاحِبِ دَيْنٍ يَدَهُ مِمَّا أَقْرَضَ صَاحِبَهُ. لاَ يُطَالِبُ صَاحِبَهُ وَلاَ أَخَاهُ، لأَنَّهُ قَدْ نُودِيَ بِإِبْرَاءٍ لِلرَّبِّ. ٣الأَجْنَبِيَّ تُطَالِبُ، وَأَمَّا مَا كَانَ لَكَ عِنْدَ أَخِيكَ فَتُبْرِئُهُ يَدُكَ مِنْهُ. ٤إِلاَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيكَ فَقِيرٌ. لأَنَّ الرَّبَّ إِنَّمَا يُبَارِكُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا لِتَمْتَلِكَهَا. ٥إِذَا سَمِعْتَ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْفَظَ وَتَعْمَلَ كُلَّ هذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ الْيَوْمَ، ٦يُبَارِكُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ كَمَا قَالَ لَكَ. فَتُقْرِضُ أُمَمًا كَثِيرَةً وَأَنْتَ لاَ تَقْتَرِضُ، وَتَتَسَلَّطُ عَلَى أُمَمٍ كَثِيرَةٍ وَهُمْ عَلَيْكَ لاَ يَتَسَلَّطُونَ.
١. فِي آخِرِ سَبْعِ سِنِينَ تَعْمَلُ إِبْرَاءً: في إسرائيل، كانت تُقرض الأموال دائمًا على أساس أنه سيتم إلغاء الديون كل سبع سنوات. وعلى هذا فلم يكن هناك ديون طويلة الأجل بهذا المعنى ـ فلم يكن من الممكن اقتراض الأموال أو الانتهاء من سدادها لمدة تتجاوز ست سنوات.
٢. إِبْرَاءٍ لِلرَّبِّ: كان مفهوم الإبراء أمرًا مهمًا بالنسبة لله؛ فهذا الإبراء هو إِبْرَاءٍ للرَّبِّ ذاته. وبما أن إسرائيل أطاعت هذا الأمر، فلن تكون هناك أبدًا طبقة فقيرة دائمًا في إسرائيل. قد يمر البعض بفترة صعبة ماديًا، ولكن ستتاح لهم الفرصة لإعادة بناء حياتهم ماليًا على أساس منتظم.
٣. إِلاَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيكَ فَقِيرٌ: أسس الله نظامًا اقتصاديًا حيث لا ينبغي لأحد أن يعاني من الفقر المزمن. فإذا أطاع الشعب الرب، سيباركون (بسبب السيادة الإلهية أو كنتيجة طبيعية للطاعة)، ولن يكونوا فقراء.
• ومع ذلك، فإن تثنية ١٥: ١١ – أي بعد بضع آيات فقط – تقول: “لأَنَّهُ لاَ تُفْقَدُ الْفُقَرَاءُ مِنَ الأَرْضِ.” فهل الله يناقض نفسه؟ كلا، على الإطلاق. إن الرب يعلم أنه بالنظام الذي أنشأه لا ينبغي لأي شخص أن يكون فقيرًا بشكل مزمن، لكنه يعرف أيضًا أنه بسبب العصيان، سيعاني البعض، وسيكون هناك دائمًا فقراء في إسرائيل.
• لذلك، لم يضمن الله الرخاء لأحد في إسرائيل؛ ولكنه ضمن فرصة الازدهار لإمة إسرائيل المطيعة.
٤. فَتُقْرِضُ أُمَمًا كَثِيرَةً: إذا أطاع إسرائيل وتمتع مواطنو إسرائيل كأفراد ببركة رخاء الله، فسوف يزدهرون وينعمون كأمة أكثر من الأمم الأخرى.
ب) الآيات (٧-١١): الوصية بالسخاء للفقراء.
٧«إِنْ كَانَ فِيكَ فَقِيرٌ، أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِكَ فِي أَحَدِ أَبْوَابِكَ فِي أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، فَلاَ تُقَسِّ قَلْبَكَ، وَلاَ تَقْبِضْ يَدَكَ عَنْ أَخِيكَ الْفَقِيرِ، ٨بَلِ افْتَحْ يَدَكَ لَهُ وَأَقْرِضْهُ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. ٩احْتَرِزْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَ قَلْبِكَ كَلاَمٌ لَئِيمٌ قَائِلًا: قَدْ قَرُبَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ، سَنَةُ الإِبْرَاءِ، وَتَسُوءُ عَيْنُكَ بِأَخِيكَ الْفَقِيرِ وَلاَ تُعْطِيهِ، فَيَصْرُخَ عَلَيْكَ إِلَى الرَّبِّ فَتَكُونُ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ. ١٠أَعْطِهِ وَلاَ يَسُوءْ قَلْبُكَ عِنْدَمَا تُعْطِيهِ، لأَنَّهُ بِسَبَبِ هذَا الأَمْرِ يُبَارِكُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ أَعْمَالِكَ وَجَمِيعِ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ. ١١لأَنَّهُ لاَ تُفْقَدُ الْفُقَرَاءُ مِنَ الأَرْضِ. لِذلِكَ أَنَا أُوصِيكَ قَائِلًا: افْتَحْ يَدَكَ لأَخِيكَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ فِي أَرْضِكَ.
١. فَلاَ تُقَسِّ قَلْبَكَ، وَلاَ تَقْبِضْ يَدَكَ عَنْ أَخِيكَ الْفَقِيرِ: لا ينبغي أبدًا استخدام قانون الإبراء في السنة السابعة لتثبيط العطاء للمحتاجين. قد لا يشجع القانون على إقراض الفقراء، لذلك أراد الله أن تكون إسرائيل معطاءة سخية للمحتاجين.
٢. أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِكَ: يذكرنا هذا بما جاء في غلاطية ٦: ١٠ فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ. إن عطاءنا الخيري يجب أن يبدأ مع الإخوة والأخوات الأقرب إلينا، على الرغم من أنه بالتأكيد يمكن أن يمتد من أهل الإيمان إلى الخارج.
ج) الآيات (١٢-١٥): الأمر بإبراء العبيد كل سبع سنوات.
١٢«إِذَا بِيعَ لَكَ أَخُوكَ الْعِبْرَانِيُّ أَوْ أُخْتُكَ الْعِبْرَانِيَّةُ وَخَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ، فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تُطْلِقُهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ. ١٣وَحِينَ تُطْلِقُهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ لاَ تُطْلِقُهُ فَارِغًا. ١٤ تُزَوِّدُهُ مِنْ غَنَمِكَ وَمِنْ بَيْدَرِكَ وَمِنْ مَعْصَرَتِكَ. كَمَا بَارَكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُعْطِيهِ. ١٥وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَفَدَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. لِذلِكَ أَنَا أُوصِيكَ بِهذَا الأَمْرِ الْيَوْمَ.
١. فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تُطْلِقُهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ: كما كان يتم إلغاء الديون في السنة السابعة، كذلك كان يتم تحرير العبيد. والحديث هنا في هذه الآية عن العبيد إنما يشير إلى أولئك الذين اضطروا إلى بيع أنفسهم كعبيد بسبب ديونهم. وهذا المبدأ كان يضمن أن “الإفلاس” لن يؤذي الإسرائيلي طوال حياته. فأسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يضطروا إلى خدمة شخص ما بدون أجر لمدة ست سنوات.
٢. لاَ تُطْلِقُهُ فَارِغًا: أوصى الله بالكرم مع العبد الذي سيُطلق حرًا، وإعطائه شيئًا ليبدأ به حياته الجديدة. وهذا من شأنه أن يمنح العبد الذي على وشك أن يتحرر أملًا وحافزًا أكبر لإرضاء سيده.
د ) الآيات (١٦-١٨): شريعة العبد.
١٦وَلكِنْ إِذَا قَالَ لَكَ: لاَ أَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ. لأَنَّهُ قَدْ أَحَبَّكَ وَبَيْتَكَ، إِذْ كَانَ لَهُ خَيْرٌ عِنْدَكَ، ١٧فَخُذِ الْمِخْرَزَ وَاجْعَلْهُ فِي أُذُنِهِ وَفِي الْبَابِ، فَيَكُونَ لَكَ عَبْدًا مُؤَبَّدًا. وَهكَذَا تَفْعَلُ لأَمَتِكَ أَيْضًا. ١٨لاَ يَصْعُبْ عَلَيْكَ أَنْ تُطْلِقَهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ، لأَنَّهُ ضِعْفَيْ أُجْرَةِ الأَجِيرِ خَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ. فَيُبَارِكُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُ.
١. وَلكِنْ إِذَا قَالَ لَكَ: لاَ أَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ: إذا أحب العبد سيده، وأراد أن يستمر في خدمته، فهذه الوصية توضح أن الرب لا يشترط على العبد أن يترك سيده في السنة السابعة.
٢. أَنَّهُ قَدْ أَحَبَّكَ وَبَيْتَكَ، إِذْ كَانَ لَهُ خَيْرٌ عِنْدَكَ، فَخُذِ الْمِخْرَزَ وَاجْعَلْهُ فِي أُذُنِهِ وَفِي الْبَابِ: من الممكن لذلك العبد الراغب في الاستمرار مع سيده أن يبقى. وفي هذه الحالة يتم الإعلان عن موقفه من خلال ثقب شحمة أذنه بمخرز على باب منزل سيده. وبهذا يكون العبد قد أعلن عن محبته وإخلاصه لسيده – إنه عبد راغب للبقاء مع سيده. فقد كان له الحق في اختيار حريته ومع ذلك اختار سيده.
• إن يسوع هو التتميم العظيم لهذا العبد الراغب. في المزمور النبوي الذي يشير إلى يسوع مزمور ٤٠: ٦ يقول يسوع بصورة نبوية “أُذُنَيَّ فَتَحْتَ” وهو يتحدث هنا عن “فتح” الأذن الذي في طقوس العبودية. لقد كان يسوع هو العبد الراغب في الالتصاق بالله الآب.
• يُظهر إشعياء ٥٠: ٥-٧ أن شخصية يسوع كعبد راغب ظهرت بشكل كامل في آلامه على الصليب: “السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ. بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ. وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي، لِذلِكَ لاَ أَخْجَلُ. لِذلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى”
• وعلى المؤمن أيضًا أن يكون عبدًا راغبًا لله. تصف كلمة ’دولوس‘ (doulos) الشائعة في العهد الجديد هذا النوع من العبيد. يقول هيبرت (Hiebert) عن ’دولوس‘ (doulos): “العبد، الخادم، هو الشخص الذي يكون في علاقة عبودية دائمة مع شخص آخر… وبالنسبة لليونانيين، الذين يتمتعون بإحساس قوي بالحرية الشخصية، كان مصطلح ’دولوس‘ يحمل دلالة مهينة.”
٣. فَيَكُونَ لَكَ عَبْدًا مُؤَبَّدًا: بمجرد أن وافق هذا الشخص على أن يكون عبدًا، أصبح ملتزمًا بسيده إلى الأبد. لقد كانت هذه علاقة دائمة.
• كان لدى الوثنيين عادة وسم العبد باسم المالك أو بعلامة تخصه. ويشير بولس إلى نفسه على أنه مثل هذا العبد في غلاطية ٦: ١٧: “فِي مَا بَعْدُ لاَ يَجْلِبُ أَحَدٌ عَلَيَّ أَتْعَابًا، لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ.” كان بولس عبدًا مدى الحياة ليسوع.
ثانيًا. شريعة الأبكار
أ ) الآية (١٩): مبدأ البكر.
١٩كُلُّ بِكْرٍ ذَكَرٍ يُولَدُ مِنْ بَقَرِكَ وَمِنْ غَنَمِكَ تُقَدِّسُهُ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَشْتَغِلْ عَلَى بِكْرِ بَقَرِكَ وَلاَ تَجُزَّ بِكْرَ غَنَمِكَ.
١. تُقَدِّسُهُ لِلرَّبِّ: وهذا يعني أن تفصله جانبًا للرب؛ كان يجب أن يُقدم البكر لله. ولا يجوز أن يستخدم البكر كحيوان أليف عادي – لاَ تَشْتَغِلْ عَلَى بِكْرِ بَقَرِكَ وَلاَ تَجُزَّ بِكْرَ غَنَمِكَ.
٢. كُلُّ بِكْرٍ ذَكَرٍ: كان هذا لثلاثة أسباب. أولًا، لأن إِسْرَائِيلُ كان ابْنِ الله الْبِكْرُ (خروج ٤: ٢٢). لذا فتقديم البكر يكرّم الله، وهكذا فالسبب الأول يعظم هذه الحقيقة. ثانيًا، لأنه كان يُعتقد أن البكر هو الأفضل، وكان الأفضل دائمًا يُعطى لله. وأخيرًا، كان بمثابة تذكير لجميع الأجيال بالوقت الذي فدى فيه الله إسرائيل، بكره.
ب) الآيات (٢٠-٢٣): ماذا نفعل بعطاء البكر؟
٢٠أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ تَأْكُلُهُ سَنَةً بِسَنَةٍ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، أَنْتَ وَبَيْتُكَ. ٢١وَلكِنْ إِذَا كَانَ فِيهِ عَيْبٌ، عَرَجٌ أَوْ عَمًى، عَيْبٌ مَّا رَدِيءٌ، فَلاَ تَذْبَحْهُ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. ٢٢فِي أَبْوَابِكَ تَأْكُلُهُ. النَّجِسُ وَالطَّاهِرُ سَوَاءً كَالظَّبْيِ وَالأُيَّلِ. ٢٣وَأَمَّا دَمُهُ فَلاَ تَأْكُلُهُ. عَلَى الأَرْضِ تَسْفِكُهُ كَالْمَاءِ.
١. أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ تَأْكُلُهُ… أَنْتَ وَبَيْتُكَ: عندما يتم إحضار البكر إلى المسكن (أو فيما بعد، الهيكل) ويعطى للكهنة ذبيحة للرب، كان جزء من الذبيحة يذهب إلى العائلة التي أحضرت الحيوان. لقد أُعطيت هذه الذبيحة لكي يتمكنوا من تناول وجبة احتفالية بهيجة أمام الرب.
٢. إِذَا كَانَ فِيهِ عَيْبٌ: إذا كان هذا هو الحال، فإن الحيوان يُعطى للكهنة، ولكن لا يُذبح للرب، وإلا يُفتدى بالفضة والفضة تُعطى للرب.