سفر التثنية – الإصحاح ١٩
ما يخص القانون الجنائي
أولًا. توفير مدن ملجأ
أ ) الآيات (١-٣): ثلاث مدن مُميّزة.
١مَتَى قَرَضَ الرَّبُّ إِلهُكَ الأُمَمَ الَّذِينَ الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ أَرْضَهُمْ، وَوَرِثْتَهُمْ وَسَكَنْتَ مُدُنَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ، ٢تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا. ٣تُصْلِحُ الطَّرِيقَ وَتُثَلِّثُ تُخُومَ أَرْضِكَ الَّتِي يَقْسِمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، فَتَكُونُ لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ قَاتِل.
١. مَتَى قَرَضَ الرَّبُّ إِلهُكَ الأُمَمَ: ألقى موسى عظاته الثلاث المُسجّلة في سفر التثنية قبل أسابيع قليلة من عبور بني إسرائيل نهر الأردن وبدء حملاتهم لامتلاك أرض كنعان. يصف هذا الجزء شيئًا كان عليهم فعله بعد استقرارهم هناك.
- “مع تركيزه على دخول الشعب إلى الأرض وامتلاكها، واصل موسى تطبيق الأحكام على ظروفهم الجديدة. تناولت كلماته الآن أمور تتعلق بالحياة، والأرض، والحق، والعدالة.” مورجان (Morgan)
٢. تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ: أمر الله إسرائيل أن يخصصوا ثلاث مدن ملجأ في أرض الموعد، وأمرهم أن يجعلوها فِي كل أنحاء إسرائيل (وَسَطِ الأَرْضِ).
- لقد تم تقديم مفهوم مدن الملجأ لأول مرة في سفر الخروج ١٢:٢١-١٤، وأُعطي الأمر بتأسيسها في سفر العدد ٩:٣٥-٢٨، بينما سجل سفر يشوع ٧:٢٠-٨ تأسيسها بالفعل. وقبل ذلك، كان موسى قد خصص بَاصِر وَرَامُوت وَجُولاَن كمدن ملجأ على الجانب الشرقي من نهر الأردن (تثنية ٤١:٤-٤٣).
- “المدن الثلاث التي عينها يشوع فيما بعد كمدن ملجأ هي قَادَش وشَكِيم وحَبْرُون (يشوع ٧:٢٠-٩). خدمت قادش منطقة الجليل، وخدمت شكيم منطقة التلال الوسطى، وخدمت حبرون مرتفعات يهوذا.” ميريل (Merrill)
٢. تُصْلِحُ الطَّرِيقَ: كان على شعب إسرائيل أن يمهدوا طرقًا جيدة لكل مدينة ملجأ، حتى يسهل وصول المسافرين إليها.
- “يخبرنا اليهود أن الطرق المؤدية إلى مدن الملجأ أصبحت واسعة جدًا، بحيث يبلغ عرضها اثنين وثلاثين ذراعًا؛ حتى لا يكون هناك أي عوائق في الطريق؛ وكانت الطرق دائمًا في حالة جيدة.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٤-٧): الهدف من مدن الملجأ.
٤وَهذَا هُوَ حُكْمُ الْقَاتِلِ الَّذِي يَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ فَيَحْيَا: مَنْ ضَرَبَ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ. ٥وَمَنْ ذَهَبَ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الْوَعْرِ لِيَحْتَطِبَ حَطَبًا، فَانْدَفَعَتْ يَدُهُ بِالْفَأْسِ لِيَقْطَعَ الْحَطَبَ، وَأَفْلَتَ الْحَدِيدُ مِنَ الْخَشَبِ وَأَصَابَ صَاحِبَهُ فَمَاتَ، فَهُوَ يَهْرُبُ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدُنِ فَيَحْيَا. ٦لِئَلاَّ يَسْعَى وَلِيُّ الدَّمِ وَرَاءَ الْقَاتِلِ حِينَ يَحْمَى قَلْبُهُ، وَيُدْرِكَهُ إِذَا طَالَ الطَّرِيقُ وَيَقْتُلَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتِ، لأَنَّهُ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ. ٧لأَجْلِ ذلِكَ أَنَا آمُرُكَ قَائِلًا: ثَلاَثَ مُدُنٍ تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ.
١. وَهذَا هُوَ حُكْمُ الْقَاتِلِ الَّذِي يَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ فَيَحْيَا: كانت مدن الملجأ لحماية من يقتل إنسانًا خطًا أو دفاعًا عن النفس. في إسرائيل القديمة، كانت مسؤولية وَلِيُّ الدَّم، عندما يُقتل شخص ما، هي التأكد من نوال القاتل العقاب على جريمة القتل.
- استندت هذه الممارسة إلى الفهم الصحيح لسفر التكوين ٩: ٦ “سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ.”
- لقد تأمل جون تراب (John Trapp) في عبارة ’وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْس،‘ وفي طبيعة هذه الكراهية عندما تتواجد: “أولًا، هناك ’عاطفة‘ الكراهية. وهي تظهر في مشاعر نفور واستياء قلبي تجاه شخص ما عند رؤيته، مما يجعل من الصعب التعامل معه أو التحدث إليه أو حتى النظر إليه بلطف أو سلام، وبإرادته الحرة، لا يرغب في أن تكون له أي علاقة به. ثانيًا، هناك ’عادة‘ الكراهية. فعندما يستقر القلب في حالة الانعزال والانفصال، يؤدي ذلك إلى تمنّي الأذى للشخص. إن كلا الشكلين من الكراهية يجب أن يُكبحان في القلب.” تراب (Trapp)
٢. لِئَلاَّ يَسْعَى وَلِيُّ الدَّمِ: كان وَلِيُّ الدَّمِ عضوًا معينًا في العائلة (the goel) لحماية شرف العائلة وحياة أفرادها. فلن يكون اهتمامه جمع الأدلة، بل الانتقام لشرف الأسرة – لذلك، في حالة القتل العرضي غير المقصود، سيحتاج الْقَاتِلِ لأن يحمي نفسه من انتقام وَلِيُّ الدَّمِ.
- إن دراسة الحالة المدوّنة في تثنية ١٩ توضح هذه النقطة: رجلان يعملان معًا، يقطعان الأشجار، وبينما أرجح أحدهما الفأس طار رأس الفأس، وضرب الرجل الآخر في رأسه وقتله على الفور. في مثل هذه الحالة، كان من الطبيعي أن يخشى الرجل الناجي أن يسعى ولي الدم للانتقام منه بسبب اعتقاده أن الوفاة كانت جريمة قتل عمدًا.
- ولهذا السبب يمكن لمثل هذا الإنسان أن يهرب إلى مدينة الملجأ، وهي مدينة معينة للاويين، حيث يمكنه هناك أن يقيم آمنًا من تعقّب ولي الدم، حتى يتم تسوية القضية، ويخرج من مدينة الملجأ بسلام.
- “لم يكن الأمر يتعلق بحرمان أقرب الأقرباء من حقه في الانتقام، بل فرض قيود لمنع ممارسة الانتقام بطريقة عشوائية دون تمييز.” تومسون (Thompson)
ج) الآيات (٨-١٠): تعيين مدن ملجأ إضافية.
٨وَإِنْ وَسَّعَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُخُومَكَ كَمَا حَلَفَ لآبَائِكَ، وَأَعْطَاكَ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُعْطِي لآبَائِكَ، ٩إِذْ حَفِظْتَ كُلَّ هذِهِ الْوَصَايَا لِتَعْمَلَهَا، كَمَا أَنَا أُوصِيكَ الْيَوْمَ لِتُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْلُكَ فِي طُرُقِهِ كُلَّ الأَيَّامِ، فَزِدْ لِنَفْسِكَ أَيْضًا ثَلاَثَ مُدُنٍ عَلَى هذِهِ الثَّلاَثِ، ١٠حَتَّى لاَ يُسْفَكُ دَمُ بَرِيءٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا، فَيَكُونَ عَلَيْكَ دَمٌ.
١. وَإِنْ وَسَّعَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُخُومَكَ: مع توسع إسرائيل، كان يجب أن يكون هناك المزيد مدن الملجأ. فإذا كانت مدينة الملجأ بعيدة جدًا بحيث لا يمكن للقاتل الوصول إليها بسهولة، فذلك لن يجديه نفعًا، إذ سيدركه ولي الدم قبل أن يتمكن من الوصول إلى مدينة الملجأ.
- “لم يحدث هذا حتى في عهد داود وسليمان؛ لذلك لم يتم تعيين المجموعة الثالثة من مدن الملجأ أبدًا.” كالاند (Kalland)
٢. فَزِدْ لِنَفْسِكَ أَيْضًا ثَلاَثَ مُدُنٍ: في المجمل، كان من المقرر إنشاء ست مدن ملجأ، ثلاث منها تقع على كل جانب من نهر الأردن. وقد تم وضع هذه المدن في موقع استراتيجي في المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية.
- يخبرنا سفر يشوع ٢٠: ٧-٨ عن المدن الفعلية المختارة؛ وقد حققوا شروط توزيعها بشكل متساو ومثالي عبر أراضي إسرائيل.
د ) الآيات (١١-١٣): ماذا تفعل بالمذنب الذي يطلب الحماية في مدينة الملجأ: لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ.
١١وَلكِنْ إِذَا كَانَ إِنْسَانٌ مُبْغِضًا لِصَاحِبِهِ، فَكَمَنَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً قَاتِلَةً فَمَاتَ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدُنِ، ١٢يُرْسِلُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَأْخُذُونَهُ مِنْ هُنَاكَ وَيَدْفَعُونَهُ إِلَى يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ فَيَمُوتُ. ١٣لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ. فَتَنْزِعَ دَمَ الْبَرِيءِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ.
١. وَلكِنْ إِذَا كَانَ إِنْسَانٌ مُبْغِضًا لِصَاحِبِهِ، فَكَمَنَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً قَاتِلَةً: لم يكن المقصود من مدينة الملجأ أن تحمي المذنبين الحقيقيين. من الطبيعي أن يحاول الشخص المذنب أن يبحث عن ملجأ هناك. ولهذا السبب، كلما طلب شخص ما اللجوء في إحدى مدن اللجوء، كان شُيُوخ المدينة مسؤولين عن فحص الحالة وتحديد ما إذا كان الشخص يستحق الحماية حقًا أم لا.
٢. وَيَدْفَعُونَهُ إِلَى يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ: إذا ثبت بعد التحقيق في المحاكمة أن الرجل مذنب بالفعل بجريمة قتل، فسيَأْخُذُونَهُ مِنْ هُنَاكَ وَيَدْفَعُونَهُ إِلَى يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ فَيَمُوتُ. لم تكن هناك حماية للمذنب داخل أسوار مدينة الملجأ، بل للأبرياء فقط.
- “كان القتل يعتبر فعلًا شنيعًا إلى درجة أن عقوبته كانت تُنفَّذ دون أي رحمة أو شفقة. وذلك لأن الإنسان خُلِق على صورة الله (انظر تكوين ١: ٢٧؛ ٩: ٦)، وبالتالي، كان يُنظَر إلى القتل باعتباره اعتداءً على الله نفسه – وهو أقصى درجات العصيان والتمرد (تكوين ٩: ٥-٦).” ميريل (Merrill)
٣. فَتَنْزِعَ دَمَ الْبَرِيءِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ: كان الله مهتمًا بمعاقبة المذنب كما كان مهتمًا بحماية الأبرياء (حَتَّى لاَ يُسْفَكُ دَمُ بَرِيءٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ، تثنية ١٩:١٠).
هـ) مدن الملجأ هي صورة ليسوع.
١. يطبق الكتاب المقدس صورة مدينة الملجأ على المؤمن الذي يجد ملجأه عند الله في أكثر من مناسبة:
- مزمور ٤٦: ١ “اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا.” أكثر من ١٥ مرة أخرى، تتحدث المزامير عن الله باعتباره ملجأنا.
- عبرانيين ٦: ١٨ توضح أيضًا: “حَتَّى بِأَمْرَيْنِ عَدِيمَيِ التَّغَيُّرِ، لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا، تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ، نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا.”
٢. هناك العديد من نقاط التشابه بين مدن الملجأ والملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
- كانت مدن الملجأ مكانًا يسهل الوصول إليه. لم تكن مدن الملجأ ذات فائدة إلا إذا تمكن المحتاج من الوصول إليها بسهولة. وهذا ينطبق أيضًا على الملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
- كانت مدن الملجأ مفتوحة للجميع، وليس فقط لبني إسرائيل؛ ولا ينبغي لأحد أن يخاف من أن يُمنع من دخول الملجأ في وقت حاجتهم (سفر العدد ٣٥: ١٥). وهذا ينطبق أيضًا على الملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
- كانت مدن الملجأ هي المكان الذي يحيا فيه المحتاج؛ لن يأتي المحتاج إلى مدينة الملجأ ليزورها بالمُصادَفة (سفر العدد ٣٥: ٢٥). وهذا ينطبق أيضًا على الملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
- كانت مدن الملجأ هي البديل الوحيد لمن هو في احتياج؛ وإلا سيموت الشخص بدون هذه الحماية المحددة. وهذا ينطبق أيضًا على الملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
- كانت مدن الملجأ توفر الحماية فقط داخل حدودها؛ فالخروج إلى الخارج يعني الموت (سفر العدد ٣٥: ٢٦-٢٨). وهذا ينطبق أيضًا على الملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
- مع مدن الملجأ، تأتي الحرية والعتق الكامل بموت رئيس الكهنة (سفر العدد ٣٥: ٢٥). وهذا ينطبق أيضًا على الملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
٣. هناك فرق جوهري بين مدن الملجأ في إسرائيل والملجأ الذي يجده المؤمن في يسوع المسيح.
- مدن الملجأ تساعد الأبرياء فقط دون المذنبين؛ بينما يمكن للمذنب أن يأتي إلى يسوع ويجد ملجأ!
ثانيًا. مبادئ قانونية أخرى
أ ) الآية (١٤): مبدأ المَعْلَم (التُخْمَ) المحدد.
١٤لاَ تَنْقُلْ تُخْمَ صَاحِبِكَ الَّذِي نَصَبَهُ الأَوَّلُونَ فِي نَصِيبِكَ الَّذِي تَنَالُهُ فِي الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا.
١. لاَ تَنْقُلْ تُخْمَ صَاحِبِكَ: عندما امتلك إسرائيل أرض كنعان، قسمت الأرض على الأسباط والعشائر والعائلات. تم تحديد كل قطعة أرض بعلامة مميزة (تُخْم)، وعادة ما تكون العلامة هي حدود حجرية. إن نقل تُخْمَ صَاحِبِكَ يعني توسيع ممتلكاتك وسرقة ممتلكات الآخر. فكان يجب احترام هذه العلامات الحدودية وعدم تحريكها.
- “قبل انتشار فكرة الأسوار، كانت الأراضي تُحدَّد بالحجارة أو الأعمدة للتأكد من تقسيم ممتلكات العائلة. وكان من السهل نقل أحد هذه المعالم ووضعه في مكان مختلف، مما يسمح لشخص غير أمين بتوسيع أرضه عن طريق تقليص مساحة أرض جاره.” كلارك (Clarke)
- “إن حق التملّك كان بمثابة حجر الزاوية في ميراث إسرائيل من الرب. ولا يزال هذا حقًا أساسيًا للشعوب الحرة على الأرض، وبدونه تصبح الحرية مقيدة ومحدودة بشكل كبير.” كالاند (Kalland)
- “لم يُسمح لأحد بإزالة تُخْم قديم. وتتضح أهمية هذا الأمر عندما نفكر في اعتماد الإنسان بشكل مطلق على الأرض لتوفير احتياجاته الأساسية للحياة.” مورجان (Morgan)
- لقد عزّزت هذه الوصية ما جاء بالوصية الثامنة، لا َتسرق (خروج ٢٠: ١٥). هذا الأمر أرسى ودعم الحق الأساسي في الملكية الخاصة. فرغم أن أرض إسرائيل كانت في النهاية ملكًا لله، إلا أنه وزعها على بني إسرائيل حسب السبط والعشيرة والعائلة. وكان لكل عائلة قطعة أرض خاصة بها لا يحق لعائلة أخرى امتلاكها.
- إن هذه الوصية تدعم أساسًا هامًا للمجتمع البشري، وهو: الحق في الملكية الشخصية. من الواضح أن الله قد عهد بممتلكات معينة إلى أفراد معينين، ولا يُسمح لأشخاص أو دول أخرى بالاستيلاء على تلك الممتلكات دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
- هذه الوصية تتكرر في حكمة الأمثال: لاَ تَنْقُلِ التُّخْمَ الْقَدِيمَ الَّذِي وَضَعَهُ آبَاؤُكَ (أمثال ٢٨:٢٢)
٢. الَّذِي نَصَبَهُ الأَوَّلُونَ: تعكس هذه الشريعة أيضًا مبدًا روحيًا مهمًا وهو أنه ليس من الحكمة تجاهل ما نَصَبَهُ الأَوَّلُونَ وخاصة في عمل الرب. كم من الشباب أو المبتدئين عطلوا خدمتهم أو عملهم لكونهم ثوريين – وتجاهلوا ’المَعالِم‘ الَّتي نَصَبَهُا الأَوَّلُونَ.
- لا ينبغي إزالة أي تُخْم ـ سواء كانت تخص عادة أو تقليدًا أو قيمة ما ـ باستخفاف. ولا ينبغي لنا أن نفترض أن الأَوَّلُون الذين نصبوا هذه المعالم فعلوا ذلك من دون غرض أو بسبب نية سيئة. وفي حين لا ينبغي لنا أن نحافظ على التقاليد لمجرد الحفاظ عليها، فلا ينبغي لنا أيضًا أن نتخلص منها لمجرد التغيير.
ب) الآيات (١٥-٢٠): متطلبات الشهادة والشهود.
١٥لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَّا أَوْ خَطِيَّةٍ مَّا مِنْ جَمِيعِ الْخَطَايَا الَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ الأَمْرُ. ١٦إِذَا قَامَ شَاهِدُ زُورٍ عَلَى إِنْسَانٍ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِزَيْغٍ، ١٧يَقِفُ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْخُصُومَةُ أَمَامَ الرَّبِّ، أَمَامَ الْكَهَنَةِ وَالْقُضَاةِ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. ١٨فَإِنْ فَحَصَ الْقُضَاةُ جَيِّدًا، وَإِذَا الشَّاهِدُ شَاهِدٌ كَاذِبٌ، قَدْ شَهِدَ بِالْكَذِبِ عَلَى أَخِيهِ، ١٩فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسْطِكُمْ. ٢٠وَيَسْمَعُ الْبَاقُونَ فَيَخَافُونَ، وَلاَ يَعُودُونَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذلِكَ الأَمْرِ الْخَبِيثِ فِي وَسَطِكَ.
١. يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: في نظام الشريعة الذي وضعه الله لإسرائيل القديمة، لم يكن الشاهد الواحد كافيًا لإدانة المتهم. يحتاج المرء إلى شهادة عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُود لتأكيد ذنب المُتهم.
- وهذا ليس فقط بسبب إمكانية أن يكذب أحد الشهود دون التأكد من روايته، ولكن أيضًا لأنه يمكن أن يختلط الأمر على أحد الشهود، أو أن يخطئ في شهادته. إنه مقياس أو معيار أساسي للأدلة، حيث يرفع الاتهامات فوق مقياس أو معيار “كلمتي ضد كلمتهم.”
- في هذا السياق، قد يشير الشاهد أيضًا إلى سلسلة مستقلة من الأدلة. فالأدلة المادية الواضحة في الجريمة (مثل ما يعادل البصمات على أداة الجريمة قديمًا) قد تكون بمثابة شاهد.
- “حتى إِيزَابَل فهمت المتطلب القانوني المتمثل في وجود أكثر من شاهد لإثبات القضية. فعندما خططت ضد نَابُوت، حرصت على أن يشهد أكثر من شاهد ضده لكي تعطي اتهامها الكاذب مظهر الشرعية (١ملوك ٢١: ١٠، ١٣).” ميريل (Merrill)
٢. إِذَا قَامَ شَاهِدُ زُورٍ عَلَى إِنْسَانٍ لِيَشْهَدَ عَلَيْه: كان يجب اكتشاف شَاهِدُ الزُور بالفحص الدقيق (فَإِنْ فَحَصَ الْقُضَاةُ جَيِّدًا)، وكان يجب معاقبته بنفس العقوبة التي كان من الممكن أن يعاقب بها الرجل الذي اتهمه زورًا (فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ).
- فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ: “لا شيء أكثر عدالة أو صوابًا من هذا: إذا حاول شخص إلحاق الضرر بشخص آخر أو سلب حياته، فيجب أن يُجبَر على تحمل نفس الشر الذي كان ينوي إلحاقه بجاره البريء. لقد وُضعت بعض القوانين الإنجليزية الممتازة على هذا الأساس تحديدًا.” كلارك (Clarke)
- أثناء محاكمة يسوع، قام عليه شهود زور كثيرون، وتبين أنهم شهود زور من خلال شهاداتهم الملتبسة والمتناقضة (متى ٥٩:٢٦-٦٠). كان ينبغي إعدام شهود الزور، بموجب الشريعة اليهودية، لأن هذه هي العقوبة التي طالبوا بها ليسوع.
٣. وَيَسْمَعُ الْبَاقُونَ فَيَخَافُونَ: في يومنا هذا، يشك العديد من الأشخاص المعاصرين في أن معاقبة الآخرين هي رادع فعّال للجريمة؛ لكن الكتاب المقدس يقول ذلك بوضوح. إن العقوبة الضعيفة أو المتأخرة أو غير المتسقة لا تردع الجريمة، لكن العقوبة الفعّالة تقوم بذلك.
- “إن مصائب الآخرين يجب أن تكون تحذيرات لنا، ومعاناتهم تصبح دروس لنا، بل وعظات دائمة (١ كورنثوس ١٠: ٥-١٢). إن بيت تأديب الله وتصحيحه هو بمثابة مدرسة للتعليم والتوجيه.” تراب (Trapp)
ج) الآية (٢١): مبدأ قانوني أساسي: عَيْنٌ بِعَيْنٍ. سِنٌّ بِسِنٍّ.
٢١لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ. نَفْسٌ بِنَفْسٍ. عَيْنٌ بِعَيْنٍ. سِنٌّ بِسِنٍّ. يَدٌ بِيَدٍ. رِجْلٌ بِرِجْل.
١. لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ: كان هذا مبدأ مهمًا لمحكمة القانون بحسب الكتاب المقدس. فهنا يتعلق الأمر بالعقوبة التي يقرّها للشهادة الزور. وفي هذا السياق المباشر، يعني ذلك أنه يجب فرض عقوبة مماثلة على شاهد الزور.
- “من المؤسف أن هذه الشريعة لم تعد قيد التطبيق، إذ لا شك في أنها كانت لتسهم بفعالية في ردع العديد من الأفعال الوحشية التي تجلب العار وتلحق الضرر بالمجتمع في زمننا الحاضر.” كلارك (Clarke)
٢. نَفْسٌ بِنَفْسٍ. عَيْنٌ بِعَيْنٍ: ومع ذلك، كان الانتقام دائمًا محدودًا بمبدأ عَيْنٌ بِعَيْنٍ. لقد كان المقصود من هذا القانون أن يكون بمثابة حاجز يقف أمام رغبة أي فرد أو عصابة في إصدار حُكْم أَشَدّ، ولكن لا ينبغي استخدام هذا القانون كرخصة لممارسة الانتقام.
- من الطبيعي أن يميل المرء في عقاب الطرف المسيء بأكثر مما فعله به. ولكن، بموجب قانون الله، لا يستطيع الإنسان أن يعاقب أحد بدافع الانتقام، بل فقط بدافع العدالة.
- “بدلًا من تشجيع الانتقام، عمل هذا المبدأ على تقييد العقوبة المفرطة وتوفير إطار للحكم العادل. كما ضمن أن العقوبات كانت متناسبة مع الجريمة، مع التركيز على العدالة بدلًا من الانتقام الشخصي.” تومسون (Thompson)
٣. عَيْنٌ بِعَيْنٍ. سِنٌّ بِسِنٍّ: اقتبس يسوع، في متى ٣٨:٥-٣٩، هذا المقطع في تعليمه عن التفسير الحقيقي للناموس. وهو لا يقول إن مبدأ عَيْنٌ بِعَيْنٍ خطأ؛ بل إنه ببساطة يدين جعله مبدأ يعزّز ضرورة الانتقام على أنه واجبًا ضد شخص أساء إليّ بشكل شخصي.
- علّم العديد منالمعلمين اليهود في أيام يسوع أن قانون عَيْنٌ بِعَيْنٍ يُلزم الإنسان بأن ينتقم لنفسه من إهانة أو هجوم شخصي. وجاء يسوع، عن حق، مانعًا تطبيق هذا القانون في العلاقات الشخصية. لقد كان قانونًا يهدف إلى إرشاد القضاة في محاكم إسرائيل، وليس لتوجيه العلاقات الشخصية.
- “لم يكن انتقاد يسوع لهذه الوصية (في متى ٥: ٣٨ وما يليها) رفضًا لدورها في العدالة القانونية، بل كان تصحيحًا لسوء استخدامها في العلاقات الشخصية. وفي حين كان المقصود من قانون العين بالعين ضمان العدالة العادلة في المحاكم، فإن تطبيقه على السلوك بين الأشخاص قوض مبدأ الأخوّة، وهو موضوع قوي في سفر التثنية. ومن خلال توسيع هذا المبدأ القانوني ليشمل الأمور الشخصية، شوه الناس قانون الله، واستخدموه لتبرير الانتقام بدلًا من العدالة.” تومسون (Thompson)