تفسير رؤيا يوحنا – الإصحاح ١
المقدمة: رؤيا يسوع المسيح
أولًا. تقديم لسفر رؤيا يوحنا
أ ) الآيات (١-٢): كاتب سفر الرؤيا.
١إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا، ٢الَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مَا رَآهُ.
- إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: الكلمة اليونانية (apokalupsis) التي تُرجمت هنا إلى كلمة “إعلان” هي ذات كلمة (apocalypse) الإنجليزية التي نستخدمها للإشارة إلى أحداث “نهاية العالم،” والتي تعني ببساطة “الكشف والإظهار.” فسفر الرؤيا هو سفر إعلان يسوع المسيح، بمعنى أنه هو من يقوم بفعل الكشف والإعلان. وهو أيضًا سفر الإعلان عن يسوع، بمعنى أنه هو من يكشف عنه هذا السفر.
- يقدم لنا السفر في بدايته الحقيقة الأهم في ما سيورده لنا سفر الرؤيا. إذ سيكلمنا السفر عن ضد المسيح وسيسرد لنا تفاصيل دينونة الله وما سيحل بالأرض من كوارث وضربات، وسيحدثنا بتفاصيل دقيقة عن سرّ بابل. ولكن الأهم من هذا كله هو أن هذا السفر هو إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لنا. فإن فهمنا كل شيء آخر لكن أخفقنا في أن نرى يسوع في هذا السفر فقد فاتنا غرض وهدف هذا السفر.
- لماذا نحتاج إلى إعلان يسوع المسيح؟ “الخطأ الكبير الذي يقع فيه كثير من الأساتذة والمفسرين هو تعاملهم مع المسيح كمجرد شخصية على الورق. فشخصية المسيح كانت، دون شك، أكثر من مجرد أسطورة؛ هي شخصية من الماضي البعيد عاشت قبل سنوات بعيدة وفعلت أمورًا تثير الإعجاب، وصار لنا بها الخلاص، لكنهم لا يتعاملون معه كشخصية حقيقة وحيّة.” سبيرجن (Spurgeon)
- الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ: وهذا سبب مهم جدًا ليقدم الله لنا إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيح. فقد قدم الله لنا هذا الإعلان لِيُرِيَ عَبِيدَهُ. فقد قدم الله هذا الإعلان لكي يكون ظاهرًا لا مخفيًا. فهو مُعلن ليُعرف (apocalypse) وليس مستترًا أو مخفيًا (apocrypha).
- مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ: وهذا يشير إلى وقت تحقيق أحداث هذا السفر. فهذه ستحدث قريبًا، ولاَ بُدَّ أن تحدث قريبًا. وهذا يؤكد لنا أن سفر الرؤيا سفر نبوي يحدثنا عمّا سيحدث في المستقبل، أو على الأقل بالنسبة لوقت كتابة السفر.
- ليست كل الإعلانات نبوية، ولكن هذا السفر سفر نبوي دون شك لأنه يصف مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيب، إذ يقول إن الْوَقْتَ قَرِيبٌ (رؤيا يوحنا ٣:١) لتحقق هذه النبوات بالنسبة لوقت تدوين تلك الكلمات.
- قد يقول البعض أنه لا ينبغي لنا أن ننشغل بالنبوات وأن هذا قد يكون مضيعة للوقت. ولكن إن كان الله قد اهتم بالأمر حتى أنه كلمنا عنه، فعلينا أن نهتم ونصغي. “يقول البعض أن علينا أن لا نفحص أمور المستقبل إلا حين يحين موعد تحقيقها، لكني لا أستطيع أن أتخيل إمكانية جدية هذا الطرح.” سييس (Seiss)
- مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ: كلمات قَرِيبٍ وبعيد كلمات نسبية، وهي تشير إلى برنامج الله الزمني وليس زمن الإنسان. فعلى مدى ٢٠٠٠ عام مضت وكل الأمور عبر التاريخ تقودنا وتمضي معًا وبتوازٍ نحو نقطة اكتمال وجاهزية كل شيء لتصل بنا إلى الحافة.
- كلمات أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ تترجم الكلمة اليونانية en tachei، والتي تعني “ما سيحدث قريبًا وسريعًا على نحو مفاجئ، مما يشير لسرعة التنفيذ بعد البدء، وأنه حين يحدث هذا سيكون حدوثه مفاجئًا.” والفورد (Walvoord)
- وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا: تصف هذه الكمات طريقة توصيل رسالة سفر الرؤيا. فهو سفر يحمل رسالة أرسلت بيد ملاك الرب إلى عبده يوحنا، وهو سفر يتلو رسالته من خلال العلامات.
- صحيح أن العلامات أو الرموز المستخدمة في سفر الرؤيا أدت إلى إرباك أو جدل بين بعض القراء، لكن استخدام هذه الرموز ضروري نظرًا لأن يوحنا يحاول أن يصف أو يشير إلى أمور سماوية يقول بولس عنها أنه سمعها لكنه لا يستطيع التعبير عنها بكلمات (كورنثوس الثانية ٤:١٢). لهذا يستخدم يوحنا في هذا السفر صورًا رمزية وتشبيهات لكي يعبر عمّا رأى. وبالنسبة لنا يعتبر هذا السفر سفرًا نبويًا، لكنه بالنسبة ليوحنا كان ببساطة تدوينًا لأحداث التاريخ الذي كان يتكشّف أمامه. “كان يوحنا يرى رؤيا سماوية لكنه كان يصفها بلغته وأسلوبه.” كلارك (Clarke)
- استخدام العلامات والرموز ضروري أيضًا لسبب وجود قوة تعبيرية في اللغة الرمزية. فيمكنك مثلًا أن تصف شخصًا ما بأنه شرير أو سيء، لكن وصف “الْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ” مثلًا يقدم لنا صورة وصفية أكثر وضوحًا (رؤيا يوحنا ٦:١٧).
- على الرغم من أن سفر الرؤيا يحفل بالإشارات والرموز إلا أنه قابل للفهم لمن يفهمون الخمسة وستون سفرًا الآخرين في الكتاب المقدس، وخصوصًا أسفار العهد القديم. فالسفر يحتوي على أكثر من ٥٠٠ تلميح وإشارة للعهد القديم، وهناك إشارات واقتباسات للعهد القديم في ٢٧٨ آية من أصل ٤٠٤ آية في سفر الرؤيا، أي في نحو ٧٠ ٪ من مجمل النص.
- بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا: تخبرنا هذه الجملة بهوية كاتب سفر الرؤيا، عَبْدِهِ يُوحَنَّا، وهي أفضل دليل يؤكد على أن الكاتب هو الرسول يوحنا كاتب رسائل يوحنا الأولى والثانية والثالثة.
- بِيَدِ مَلاَكِهِ: كانت رؤية يوحنا لكثير من علامات سفر الرؤيا من خلال إرشاد ملاك (رؤيا يوحنا ٢:٥، ٢:٧، ٨:١٠ إلى ١:١١، و٧:١٧) .
- الَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ اللهِ: نرى في هذه المقدمة أن يوحنا كان يدرك أن كلمات هذا السفر كلمات مقدسة، إذ وصفها بِكَلِمَةِ اللهِ. ونحن نتساءل أحيانًا إن كان كاتبو أسفار العهد الجديد يدركون أنهم كانوا يكتبون أسفار الكتاب المقدس. ولكن في هذه الحالة على الأقل كان يوحنا يدرك ذلك.
- كان يوحنا يعلم أن السفر سفر مقدس لأنه وصفه بإعلان الله. فقد علم أنه كان من عند الآب بواسطة يسوع وليس من أي إنسان.
- كان يوحنا يعلم أن السفر سفر مقدس لأنه وصفه بكلمة الله، كما كان أنبياء العهد القديم يفعلون. كما وصفه أيضًا بوصف شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
ب) الآية (٣): تطويب لقارئ وحافظ هذا السفر.
٣طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.
- طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ… وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا: يقدم سفر الرؤيا تطويبًا خاصًا (بركة خاصة) لمن يقرأون ويحفظون رسالة هذا السفر. وهذه هي البركة الأولى (التطويب الأول) من سبع تطويبات في سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا ٣:١، ١٣:١٤، ١٥:١٦، ٩:١٩، ٦:٢٠، ٧:٢٢، ١٤:٢٢).
- يخسر كثيرون البركة إذ يهملون قراءة ودراسة سفر الرؤيا. فمثلًا، تستثني الكنيسة الأنجليكانية قراءة الرؤيا من برنامج القراءة المعتاد في خدمات العبادة العامة والخاصة. وهذا سلوك يتكرر كثيرًا، إذ يعتقد البعض أن المتشددين فقط يريدون التعمق في هذا السفر، لكن الحقيقة هي أن هذا السفر لكل من يريد البركة.
- من الجيد أن يوحنا لم يقل أن علينا أن نفهم كل شيء في سفر الرؤيا لننال البركة. فهناك بعض الأمور الصعبة في هذا السفر التي لا يمكن فهمها إلا بالرجوع للنبوات التي تحققت بالفعل. لكننا يمكننا طبعًا أن نتبارك بقراءة هذا السفر حتى وإن لم نفهم كل شيء.
- طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ… وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا: هذا الوعد يزيدنا قناعة بأن يوحنا كان يؤمن بأن هذا السفر هو كلام مقدس. أولًا، تدل كلمات “طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ” أن هذا السفر كان يُقصد منه أن يقرأ علنًا كالأسفار الأخرى في الكتاب المقدس. ثانيًا، الوعد بالبركة يثبت أيضًا أن يوحنا اعتبر هذا السفر سفرًا مقدسًا. ففي الثقافة اليهودية، وفي الحضارة والأدب اليهودي لم يمكن إطلاق وعد بالبركة كهذا على كتاب بشري.
- كل هذه الأمور معًا ترينا بلا شك أن سفر الرؤيا يؤكد أنه سفر مقدس. ويمكن لأي ناقد أن يتفق أو يختلف مع ادعاء كهذا، لكن لا يمكننا أن ننكر أن سفر الرؤيا يصف نفسه بهذا الوصف.
- وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا: يقدم لنا سفر الرؤيا أكثر بكثير من مجرد معلومات نبوية. فهو يقدم لنا أمورًا علينا أن نحفظها، لأننا إن فهمنا سفر الرؤيا فحياتنا ستتغير.
- لِلَّذِي يَقْرَأُ: يشير النص للقارئ بصيغة المفرد ويشير لمن يَحْفَظُونَ بصيغة الجمع. وربما في هذا إشارة لبعض طقوس أو عادات الكنيسة الأولى حين كان الجميع ينصتون لقراءة النصوص المقدسة التي كان يليها أحيانًا بعض التفسير. ولو أرد يوحنا أن يقول هذا مستخدمًا كلمات اليوم لقال “طوبى للقس الذي يعلم سفر الرؤيا، وطوبى لأعضاء الكنيسة الذين يسمعونه، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا.”
- “ليس علينا أن نعيش بحسب كلمات هذه النبوة فقط، بل أن نموت من أجلها، وأن نموت حرقًا معها إن دعا الأمر أيضًا. فهكذا فعل الشهيد يوحنا حين رأى سفر الرؤيا يلقى في النار معه فصرخ قائلًا “أيها الرؤيا المباركة، كم يسرني أن أحترق في صحبتك!” تراب (Trapp)
ج ) نظرًا لكثرة الجدل حول تفسير سفر الرؤيا فمن المفيد معرفة المناهج الأساسية الأربعة التي استخدمت على مدى قرون لفهم سفر الرؤيا.
- المنهج الماضي (ما تحقق في الماضي) (The Preterist View): هذا النهج في التفسير يرى أن سفر الرؤيا كان فقط يصف حال الكنيسة في زمن يوحنا وأن سفر الرؤيا لا يتنبأ بأي شيء، وأن يوحنا كان ببساطة يصف أحداث ذلك الزمان لكنه عبّر عن كل هذا بشكل رمزي لكي لا يفهم غير المؤمنين انتقاده للحكومة الرومانية. فبحسب هذا المنهج التفسيري يختص سفر الرؤيا بأحداث ذلك الزمان فقط.
- المنهج التاريخي (The Historicist View): يرى هذا النهج التفسيري أن سفر الرؤيا هو استعراض شامل غير متسلسل لتاريخ الكنيسة ككل. فبحسب هذا المنهج التاريخي يتنبأ سفر الرؤيا بمستقبل الكنيسة لكن ليس بالمستقبل المطلق أو بأحداث آخر الأيام. وبحسب هذا المنهج يحفل سفر الرؤيا بالرموز التي تصف ما يحدث الآن.
- فعلى سبيل المثال ربط العديد من الإصلاحيين وحش الرؤيا في الأصحاح ١٣ ببابا الكنيسة، لكنهم مع ذلك لم يؤمنوا بأن أحداث آخر الأيام في السفر كانت وشيكة. أي أنهم اعتقدوا أن سفر الرؤيا يصف زمانهم دون أن يصف بالضرورة أحداث آخر الأيام.
- المنهج الرمزي أو الشعري (The Poetic View): يرى هذا المنهج أن سفر الرؤيا يحفل بالصور والرموز التي تهدف إلى تشجيع وتعزية المؤمنين المضطهدين زمن يوحنا. وسفر الرؤيا في هذا المنهج التفسيري ليس حرفيًا أو تاريخيًا، لكنه سفر يحمل معانٍ وإشارات شخصية.
- المنهج النبوي أو المستقبلي (The Futurist View): يرى هذا المنهج أن سفر الرؤيا ابتداءً من الأصحاح الرابع يتناول زمن آخر الأيام، وهي الفترة التي تسبق مجيء يسوع مباشرة. وهذا المنهج يرى أن السفر بالمجمل يصف آخر الأيام.
- أي من هذه المناهج هو المنهج الصحيح؟ كل واحد منها صحيح بشكل ما. فقد تناول سفر الرؤيا زمن يوحنا، كما تحدث عن تاريخ الكنيسة، وفيه أيضًا ما يتناول حياتنا الشخصية. فمع أن هناك ما يؤيد المناهج الثلاثة الأولى لا يمكننا إنكار هيمنة المنهج النبوي أو المستقبلي. إذ يمكننا أن نستنتج أن سفر الرؤيا يتحدث بوضوح عن آخر الأيام بسبب مبدأين أساسيين نراهما في ١:١-٣.
- أولًا، نحن نؤمن أن سفر الرؤيا وجد لهدف ويعني شيئًا ما. فهو سفر أعطاه يسوع ليُري عبيده شيئًا ما. فهو ليس سفرًا دون معنى، لكنه سفر يحمل وعدًا بالبركة وليس وعدًا بإرباكنا أو تحييرنا.
- ثانيًا، نحن نؤمن أن سفر الرؤيا يحتوي على نبوات تتحدث عن المستقبل، وهذا أكده يوحنا بقوله “مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ… لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.” فيوحنا كان يتحدث إذًا عن ما كان لايزال بعد في باب المستقبل بالنسبة له.
ثانيًا. تحية البداية
أ ) الآيات (٤-٥أ): تحية النعمة والسلام.
٤يُوحَنَّا، إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ، ٥وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ…
- إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: كانت هذه الرسالة موجهة أصلًا إلى هذه الكنائس السبع المختارة في آسيا التي كانت مقاطعة رومانية، وهي اليوم ما يشكل الجزء الغربي من تركيا.
- مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي: يرسل يوحنا تحيات من الله الذي يصفه بالآب. أما كلمات الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي فتشير إلى الطبيعة الأبدية لله وإلى كينونته الأبدية غير المرتبطة بالزمن والتي ترتبط باسم “يهوه” المستخدم في نصوص العهد القديم (سفر الخروج ١٤:٢).
- تركيب جملة ’مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي‘ تركيب غريب لكنه مقصود في اللغة اليونانية القديمة، إذ يبدو أن يوحنا استخدم هذه العبارة ليوصل فكرة ومفهوم العهد القديم عن الله ’يهوه.‘
- لا يكفي أبدًا أن نقول فقط أن الله هو الْكَائِنِ أو أنه كَانَ، أو أنه يَأْتِي. فهو إله لا يحده الزمن، يحكم الماضي والحاضر والمستقبل.
- وصف ’الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي‘ ينطبق على الله الابن والله الروح القدس كما ينطبق على الله الآب. وفي الواقع فإن اسم ’يهوه‘ يصف الله في ثالوثه، الإله الواحد في ثلاثة أقانيم. ومع ذلك، يبدو أن يوحنا ركز على لقب الله الآب لأنه سيذكر الله الابن والله الروح القدس في الكلمات التالية من هذه الآية.
- وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ: يرسل يوحنا تحيات من الله الذي يصفه الآن بلقب الروح القدس. اما كلمات ’السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ‘ فتتحدث عن كمال الروح القدس، إذ استعار يوحنا وصفًا من العهد القديم للروح القدس.
- اقتبس يوحنا فكرة ’السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ‘ من العهد القديم في إشعياء ٢:١١ حيث يصف إشعياء سبعة جوانب أو صفات للروح القدس: يَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. وهذا لا يعني أن هناك سبعة أرواح مختلفة، لكنها خصائص أو صفات روح الرب التي تؤلف وتشكل كماله.
- وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: يرسل يوحنا تحيات من الله الابن، الذي يشار إليه هنا بلقبه ومكانته وعمله.
- يسوع هو الشَّاهِدِ الأَمِينِ: وهذا يشير إلى الثقة المطلقة التي لنا في يسوع وفي إخلاصه لأبيه ولشعبه حتى الموت. والكلمة اليونانية القديمة التي ترجمت هنا إلى ’شاهد‘ تعني أيضًا ’الشهيد.‘
- الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ: وهذا يشير إلى مكانة يسوع وتفوقه على كل المخلوقات وكونه الأول في كل شيء. وعبارة ’الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ‘ تعني أكثر من أن يسوع كان أول من قام من الموت، فهي تعني أيضًا أنه الأول والأعلى بين من قاموا أو سيقومون أو سيتم إحياءهم. فيسوع “هُوَ بِكْر بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ” (رومية ٢٩:٨).
- لا يعني استخدام كلمة البكر هنا أن يسوع قد وُلد وبالتالي هو كائن مخلوق وليس الله. فقد كان معلمو اليهود يشيرون إلى الله يهوه بتعبير ’بكر العالم.‘ كما استخدم معلمو اليهود تعبير ’الْبِكْرِ‘ كلقب مسياني. “هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابْنِي الْبِكْرُ.” (خروج ٢٢:٤). “أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا، أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ.” (مزمور ٢٨:٨٩).” – اقتباس للمعلم ناثان (Nathan) استشهد به لايتفوت (Lightfoot) في تفسيره لرسالة كولوسي.
- يسوع هو رَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. فقبل ختام سفر الرؤيا، سيعلن سلطان ومُلك يسوع على كل ملك أرضي. فيسوع ملك، لكن مملكته ليست من هذا العالم.
- نرى من خلال هذه التحية التي يبرز فيها أقانيم أو شخوص الثالوث كيفية إبراز العهد الجديد لعقيدة الثالوث. فهو لا يقدمها لنا بطريقة محددة واضحة كعقيدة لاهوتية نظامية، لكن الثالوث وحقيقة الإله الواحد في ثلاثة أقانيم تتم الإشارة لها مرارًا عبر نصوص العهد الجديد.
ب) الآيات (٥ب-٦): تمجيد ليسوع.
٥… الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، ٦وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ.
- الَّذِي أَحَبَّنَا: يا له من لقب جميل ليسوع! وباستخدام صيغة الماضي يشير الكاتب إلى وقت ومكان معينين أَحَبَّنَا فيهما يسوع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ترجمات أخرى وضعتها بصيغة المضارع “يحبنا” لكن هناك شيء جميل في صيغة الماضي “أَحَبَّنَا” التي تذكرنا بعمل الصليب. فعلى كل مؤمن أن يطمئن إلى محبة الله التي لا تعتمد على الظروف الحالية التي قد تكون صعبة، لكنها تستند على عمل محبة الله الفائقة على الصليب، وهذا أمر يستحق أن نحمد يسوع ونمجده لأجله.
- يشير بولس إلى ذات الحقيقة في رومية ٨:٥ قائلًا: “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.” فعمل يسوع المسيح على الصليب هو الدليل الأعظم على محبته لنا، ومع أنه يقدم لنا دلائل أخرى على محبته، لكن ليس هناك دليل أعظم من عمل الصليب.
- لا عجب أن مؤمنين كثيرين غير راسخين أو مطمئنين إلى محبة يسوع لهم إذ أنهم ينظرون إلى ظروفهم الحالية كمقياس لمحبته. ولكن عليهم بدلًا أن يركزوا أنظارهم على الصليب لكي لا يعودوا للشك في محبة الله ثانية، وأن يعطوا المجد لله الَّذِي أَحَبَّنَا.
- وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ: وهذا ما حدث عندما أَحَبَّنَا يسوع على الصليب. لقد غَسَّلَنَا من وصمة الخطية وجعلنا أبرارًا في عينيه، وهذا أمر يستحق أن نمجد يسوع لأجله.
- إن كنا نفهم حقيقة وفداحة خطيتنا، فقد تبدو حقيقة تبريرنا امرًا يصعب تصديقه. فقد صار لنا أن نكون أمام الله أبرارًا طاهرين من الخطية. فلا عجب أن الرسول يوحنا كتب أيضًا قائلًا: “إنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْم.” (يوحنا الأولى ٩:١).
- بِدَمِهِ: لو كان هناك أي طريقة أخرى لكي يغسلنا الله من خطايانا لكان الله قد استخدمها. فغسلنا بِدَمِهِ كان يعني أعظم تضحية من الله الابن. وما كان الله ليفعل ذلك ما لم تكن هذه هي الطريقة الوحيدة. “الكهنة لا يمكنهم التطهير من الخطية إلا بدم الثيران والماعز؛ ولكن الله غسلنا من خطايانا ’بِدَمِهِ.‘ ومع أن البشر لا زالوا مستعدين لسفك دماء الآخرين في الحروب وغيرها، إلا أن المسيح كان على استعداد لسفك دمه وتقديم نفسه للموت لأجل خلاصنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- لنلاحظ التسلسل: فقد أَحَبَّنَا أولًا ثم غسلنا بِدَمِهِ. فالله لم يغسلنا من الخطية لأنه رأى ضرورة ذلك، ومن ثم أحبنا لأننا صرنا أبرارًا. لكنه أَحَبَّنَا ونحن لا زلنا بعد في قذارة الخطية، ومن ثم غَسَّلَنَا.
- وهذا الغسل يثبت محبته لنا. فمثلًا إن اتسخ بنطلونك بالطلاء، فستغسله لسببين فقط. أولًا، ستغسله إن كنت فقيرًا ولا يمكنك شراء بنطلون آخر. ثانيًا، ستغسله إن كنت تحب ذلك البنطلون كثيرًا. ومع أنه بإمكانك شراء بنطلون جديد في أي وقت، لكنك تحب هذا البنطلون كثيرًا لدرجة أنك ستبذل وقتًا وجهدًا في تنظيفه. وهكذا قد أحبنا الله لدرجة أنه غَسَّلَنَا. فالله بالتأكيد ليس فقيرًا. فهو يستطيع في لمحة أن يمحو كل الخطاة وأن يأتي ببشر جدد. ولكنه لم يفعل ذلك، لكنه أحبنا لدرجة أنه غَسَّلَنَا.
- يعتقد بعض المفسرين أن يوحنا كتب أصلًا “حررنا… من خطايانا.” إذ أن هناك اختلاف في حرف واحد بين الكلمتين في اللغة اليونانية القديمة. وتظهر الكلمتان في بعض المخطوطات، لذلك من الصعب تحديد أي كلمة كتب يوحنا، لكن ومع ذلك فكلتاهما صحيحتان، فنحن قد غُسَّلَنَا وتحررنا مِنْ خَطَايَانَا.
- وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ: وهذه مكانة جعلها يسوع لمن أحبهم في عمله على الصليب ومن غسلهم بدمه. فقد كان يكفي أن يحبنا ويغسلنا، لكنه اختار أن يفعل أكثر من ذلك إذ جَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ. وهذه مكانة لم يصلها حتى آدم وحواء وهم في حالة البر والطهارة التي كانا فيها، إذ لا نقرأ أن آدم كان من مُلُوك وَكَهَنَة اللهِ، وهذا أمر يستحق أن نمجد يسوع لأجله.
- نحن مُلُوك، أي أننا من رعية الله أو من عائلته الملكية، وهذا يعطينا امتيازًا ومكانة وسلطانًا. ونحن كَهَنَةً كذلك، أي أننا ممن خصصهم الله لخدمته. فنحن وسيط الله للإنسان ووسيط الإنسان إلى لله. فنحن نقدم ذبيحة لله (عبرانيين ١٥:١٣) وصار لنا أيضًا امتياز الدخول إلى محضر الله (رومية ١:٥-٢).
- مُلُوكًا وَكَهَنَةً: كان يمنع في العهد القديم الجمع بين منصبي الملك والكاهن. والملك عزيا، ملك يهوذا، حاول الجمع بين المنصبين لكنه دفع ثمن هذا غاليًا (أخبار الأيام الثاني ١٦:٢٦-٢٣). أما بموجب العهد الجديد فقد صار لنا أن نكون مثل يسوع الذي هو ملكنا ورئيس كهنتنا (لوقا ٣١:١-٣٣؛ عبرانيين ١٤:٤).
- لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ: بسبب كل ما فعله وقدمه يسوع من أجلنا، فليس لنا إلا أن نمجده. فعلينا أن نكرمه بأن نقدم لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. ونحن عندما نقول هذا فنحن لا نعطي يسوع الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ لكننا بساطة نعلن ذلك ونمجده لأجل هذا.
- إعلان مجد يسوع يعني إعلان ذلك على الملأ. “البعض منكم يعيش مثل الفأر المختبئ، فأنت تأتي إلى بيت الرب أو الكنيسة، لكن لا أحد يعلم أنك واحد من عائلته. وفي بعض الأحيان تصدر صوتًا يعلن مكان اختبائك، وتخرج أحيانًا في الليل دون أن يراك أحد لالتقاط فتات الطعام كما يفعل الفأر. فهل يليق هذا بك؟ وهل يليق بربك وسيدك؟” سبيرجن (Spurgeon)
- إعلان سُّلْطَانُ يسوع يكون بالسماح له بأن يسود علينا بالكامل. “فإن قلنا إن ’لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ‘ فعلينا عندها أن نعطيه كل السيادة علينا. فكل إنسان فيه ثلاث ممالك، الجسد والنفس والروح، وكلها يجب أن تكون مملكة متحدة، والمسيح ملك على جميعها. فلا تسمح لأي من هذه الممالك الثلاث أن تنفرد بنفسها وبقوانينها؛ بل يجب أن تكون جميعًا تحت حكم ملكك الأوحد.” سبيرجن (Spurgeon)
- آمِينَ: وهذه الكلمة التي انتقلت من العبرية في العهد القديم إلى اللغة اليونانية القديمة تعني ببساطة “نعم.” وهي لا تعني التمني بالتحقيق، لكنها تأكيد على أنه من خلال الله سوف يكون كذلك. أي أنه سوف يتمجد يسوع فعلًا.
- لقد قدم يسوع لك كل هذا وأكثر. فلديك الكثير لتمجده عليه – فمجده! “ألا ترغب في أن تكون في السماء عندما تنتهي حياتك على هذه الأرض؟ سيأتي وقت موتك؛ أفلا ترغب في أن تكون في صحبة القديسين الكاملين؟ وإن كنت ستُعد من جمع المخلصين فالأحرى بك أن تتعلم تسبيحاتهم. إذ لا يمكنك أن تكون من جوقة المسبحين دون أن تتعلم تسبيحاتهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- “الكلمة اليونانية ’آمين‘ هي ترجمة حرفية للكلمة العبرية ذاتها التي تعني “فعلًا” أو “الوعد بالتحقيق،” ومن هنا يكون معنى الكلمة هو “ليكن كذلك.” والفورد (Walvoord)
ج ) الآية (٧): الوصف الأولي لعودة يسوع.
٧هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ.
- هُوَذَا يَأْتِي: وهنا ينتقل يوحنا من تمجيد يسوع إلى وصف مجيئه، فهو يريد أن يلفت نظرنا إلى مجيء يسوع، لأن يسوع أمرنا بأن نترقب مجيئه (متى ٤٢:٢٤).
- هذه ليست رؤيا غيبية لمجيء يسوع، فالرؤيا ستتبع لاحقًا. لكن هذا السرد يستند إلى فهم يوحنا لوعود العهد القديم عن عودة المسيّا وكلمات يسوع ذاته عن مجيئه. فقد كان يوحنا يعلم أن يسوع سيأتي لأن يسوع قال ذلك. فقد سبق وقال يسوع “آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ” (يوحنا ٣:١٤).
- “لم يرتفع المسيح إلى السموات ليبقى هناك، لكنه ارتفع من أجل الكنيسة، ومن أجل كنيسته سيأتي ثانية.” سييس (Seiss)
- يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ: سيأتي يسوع على السَّحَاب، وهذا وصف حرفي لأن يسوع حين ارتفع عن هذه الأرض أخذته سحابة ومن ثم أعلن الملاكان بأنه سيعود بنفس الطريقة (أعمال الرسل ٩:١-١١). كما سيكون هذا صحيحًا مجازيًا أيضًا لأن جمهور المؤمنين يسمى سحابة أيضًا، كما في عبرانيين ١:١٢. فالسحب ترتبط عمومًا بحضور الله ومجده (خروج ٢١:١٣-٢٢، ١٠:١٦، ٩:١٩، ١٥:٢٤-١٨) وترتبط بسحابة مجد الله في العهد القديم التي تسمى الشكينة.
- من الجيد فهم ارتباط السحاب بمجد الله، كما أنه من الرائع أن يسمى جمهور المؤمنين بسحابة الشهود، فشعب الله هم مجده، وهم سحابته، أي شكينته.
- لم يحتج يوحنا لرؤيا خاصة ليعرف أن يسوع يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ. فقد أعلن هذا في العهد القديم (دانيال ١٣:٧-١٤) وبكلمات يسوع: وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ (متى ٦٤:٢٦).
- وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ: مجيء يسوع لن يكون سريًا، إذ سيعرف به الجميع. فقد كان مجيئه الأول مستترًا إلى حد ما. ولم تتصدر أخبار خدمته الأرضية الصفحة الأولى في صحف روما. ولكن حين يأتي يسوع ثانية سَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ والعالم كله سيعلم عنه.
- لم يكن يوحنا بحاجة إلى رؤيا خاصة ليعرف أنه سَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ. فقد سمع يوحنا يسوع نفسه يقول: “فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ.” (متى ٢٦:٢٤-٢٧).
- وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ: مجيء المسيح الثاني سيكون كشفًا ذا معنى خاص للشعب اليهودي. وبالطبع، لم يكن اليهود وحدهم هم الَّذِينَ طَعَنُوهُ. ولكننا نعلم أن يوحنا كان يقصد شعبه اليهودي لأن في حديثه هذا إشارة إلى سفر زكريا ١٠:١٢.
- إعلان أو كشف يسوع عن نفسه لشعبه، اليهود، لن يكون في حالة غضب لأنه بحلول ذلك الوقت ستكون الأمة اليهودية قد تحولت إلى الإيمان بيسوع وأدركت أنه هو المسّيا المنتظر (متى ٣٩:٢٣، رومية ٢٥:١١-٢٦). فرؤية يسوع وثقوب يديه وقدميه ستكون تذكيرًا مؤلمًا برفضهم السابق له، وستكون استكمالًا للمشهد الذي ورد في سفر زكريا ١٢:١٠ “وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ النِّعْمَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ.”
- لم يكن يوحنا بحاجة إلى رؤيا خاصة ليعرف من هم الَّذِينَ طَعَنُوهُ، إذ كان يمكنه قراءة الآية في سفر زكريا ١٠:١٢.
- وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ: لن يكون مجيء يسوع الثاني سببًا في أن يَنُوحُ الشعب اليهودي فقط بسبب رفضهم السابق ليسوع، لكن بما أنه سيكون هناك مخلّصين آخرين من جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ (رؤيا ٩:٧)، فسيشترك الجميع في هذا الحزن والنواح. إذ سننظر جميعًا إلى جروحه ونقول “نحن قد فعلنا هذا.”
- لم يكن يوحنا بحاجة إلى إعلان أو رؤيا ليعرف أنه سوف يَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، لكنه أراد أن يذكرنا بما قاله يسوع في متى ٣٠:٢٤ “وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.”
د ) الآية (٨): مقدمة من يسوع نفسه.
٨أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
- أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ: في العديد من الترجمات تكون هذه الكلمات باللون الأحمر، إشارة إلى أن المترجمين يعتقدون أن هذه كانت كلمات يسوع. وإذ قد انتهى يوحنا للتو من مقدمته يبتدأ الآن يسوع بتقديم نفسه. فهذا الإعلان هو إعلانه كما نصت الآية الأولى في السفر (إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رؤيا١:١)، فليس غريبًا أن يقدم هو السفر لنا.
- يتساءل البعض ما إذا كان الله الآب أم الله الابن هو المتحدث هنا، لكننا نميل إلى أنه الابن يسوع المسيح لأسباب عديدة. أولًا، بما أن الإعلان هو إعلان يسوع المسيح، فمن المناسب أن يكون الابن هو من يعلنه. ثانيًا، أسماء أو “ألقاب” الأَلِفُ وَالْيَاءُ والْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ هي أسماء يسوع بحسب رؤيا ١٣:٢٢. ثالثًا، على الرغم من أن لقب أو وصف الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي يشير إلى الله الآب في سفر الرؤيا ٤:١، فهو يشير أيضًا إلى الله الابن كما يتضح من الآيات في سفرالرؤيا ١٧:١١ و٥:١٦.
- الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ: ما تقوله لنا هذه الأسماء أو الألقاب هو أن يسوع كائن قبل كل شيء وباقٍ بعد كل شيء. فحرف الأَلِفُ هو الحرف الأول في الأبجدية اليونانية القديمة والْيَاءُ هو الحرف الأخير. قال يسوع: أنا هو الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ.
- إن كان يسوع هو الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ فهو المتسلط أيضًا على كل ما بينهما. وهذا يعني أن يسوع هو من وضع خطة التاريخ وهو من يوجه مسار الأحداث القادمة نحو النهاية التي وضع خطتها هو أيضًا. فحياتنا ليست دون معنى أو تدور في حلقة مفرغة، ومصيرها ليس في مهب الريح. لكن يسوع المسيح الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ هو من يوجه ويسيّر كل أحداث التاريخ والبشرية وحتى ما يجري في حياتنا الفردية.
- الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي: كما رأينا في تفسير الآية في رؤيا ٤:١، هذه العبارة تستخدم الفكرة التي يوحيها اسم الله ثلاثي الأقانيم يهوه الذي استخدم في العهد القديم. فهذا الاسم يعكس ثبات صفاته وطبيعته الأبدية، والتي هي ليسوع أيضًا كما هي لله الآب. وهذا ما عبر عنه النبي في ميخا ٢:٥ قائلًا “وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ.” أما الآية في عبرانيين ٨:١٣ فتنقل لنا الفكرة ذاتها: “يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ.”٤. الْقَادِرُ: هذه الكلمة في اليونانية القديمة تعني حرفيًا “الذي يده على كل شيء” وفيها إشارة إلى سلطان وسيطرة يسوع على كل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل.
- استخدمت كلمة “الْقَادِرُ” عشر مرات في العهد الجديد، تسعٌ منها في سفر الرؤيا. فهذا السفر يركز بشكل كبير على سيادة الله وسلطانه وقدرته على كل شيء.
ثالثًا. أمر يوحنا بكتابة السِفر
أ ) الآية (٩): يوحنا في جزيرة بَطْمُسَ.
٩أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ. كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- أَنَا يُوحَنَّا… كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ: كانت جزيرة بَطْمُسَ تستخدم كسجن أيام الإمبراطورية الرومانية، إذ كانت بمثابة سجن بلا قضبان، وكانت غنية بالرخام وكان معظم السجناء يسخّرون للعمل في محاجر الرخام. وبَطْمُسَ عبارة عن صخرية مقفرة بطول نحو ١٠ أميال وعرض ٦ أميال.
- “كان يوحنا عندها في المنفى على تلك الجزيرة النائية المقفرة. ولكن لن تتمكن البحار ولا الجبال ولا الزمن أن تقطع الروابط التي تربط المؤمنين ببعضهم البعض أو بالمسيح ربهم. وقد مررت منذ نحو سنة بتلك الجزيرة التي كانت مجرد كتلة من الصخور المقفرة البائسة الداكنة في منتصف البحر بالقرب من ساحل غرب آسيا الصغرى. ولم يكن فيها أي تضاريس أو أشجار أو أنهار أو أرض مزروعة، باستثناء بعض الأوجار والزوايا بين حواف الصخور. ولا يزال فيها مغارة كبيرة يقال إن الرسول المسِن يوحنا عاش فيها وأنه فيها تلقى الرؤيا. وفي هذه المغارة كنيسة صغيرة تنيرها مشاعل للإنارة يعتني بها الرهبان.” سييس (Seiss)
- قال بارنز (Barnes) عن جزيرة بطمس إنها جزيرة “موحشة مقفرة جرداء غير مأهولة، نادرًا ما يأتيها أحد، مما يجعلها مكانًا مثاليًا لعقاب ونفي شخص أو رسول من المطلوب إسكاته لكن دون أن يموت.” لكن حتى هذا المنفى لم يُسكِت الرسول يوحنا.
- مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: يفترض معظم المفسرين أن يوحنا نُفي إلى جزيرة بَطْمُسَ بعد اضطهاده والقبض عليه وسجنه من الدولة الرومانية. وهذا هو السبب على الأغلب لأن يقول يوحنا “أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ.” ولكن من الممكن أيضًا أن يوحنا كان في بَطْمُسَ ليكرز للسجناء هناك.
- يقول المؤرخ المسيحي القديم أوزيبيوس إن يوحنا سُجن في بطرس في عهد الإمبراطور الروماني دوميتيان. (تاريخ الكنيسة، المجلد الثالث، السلسلة الثانية، الجزء الأول، الصفحات ١٤٨-١٤٩)
- “بحسب المؤرخ فكتورونيوس، كان يوحنا، على الرغم من تقدم سنه مضطرًا للعمل في مناجم جزيرة بطمس. وأشارت بعض المصادر القديمة أيضًا إلى أنه في عام ٩٦ بعد الميلاد بعد وفاة دوميتيان سُمح ليوحنا بالعودة إلى أفسس في عهد الإمبراطور نيرفا.” والفورد (Walvoord)
ب) الآيات (١٠-١١): الأمر ليوحنا بالكتابة.
١٠كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ ١١قَائِلًا: «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ».
- كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ: العبارة هنا تحمل معنى أكثر من مجرد قولنا إن يوحنا كان يعيش ’فِي الرُّوحِ‘ بدلًا من أن يعيش ’في الجسد‘ بالمعنى الذي يقصده بولس في غلاطية ١٦:٥. فالنص هنا لا يقول إنه كان بالروح لكنه يقول إن يوحنا استقبل إعلانًا خاصًا من الروح القدس. وهذا كان اختبارًا روحيًا فريدًا بالنسبة ليوحنا، يشبه ما يسميه البعض باختبار “الخروج من نطاق الجسد” ولكن بالطبع دون الغيبيات أو الشعوذات التي ترتبط بهذا في يومنا هذا.
- فسّر والفورد (Walvoord) عبارة ’فِي الرُّوحِ‘ قائلًا: “هو الانتقال إلى حالة فوق طبيعية يكشف لك الله فيها بشكل معجزي عن مكنونات كلمته.”
- هناك أربع إشارات في سفر الرؤيا إلى وجود يوحنا ’فِي الرُّوحِ.‘ أولًا في بطمس (رؤيا ١٠:١)، ثم في السماء (رؤيا ٢:٤)، ثم في البرية (رؤيا ٣:١٧)، وأخيرًا على جبل الله (رؤيا ١٠:٢١).
- فِي يَوْمِ الرَّبِّ: متى سيكون يَوْمِ الرَّبِّ؟ بحسب الاعتقادات الوثنية في الإمبراطورية الرومانية كان اليوم الأول من كل شهر يسمى “يوم الإمبراطور” تكريما للإمبراطور الروماني. ولربما كان المسيحيون الأوائل يعلنون ولاءهم ليسوع من خلال تعيين اليوم الأول من الأسبوع يومًا للرب.
- التعبير المستخدم هنا ليس ذات “يوم الرب” في العهد القديم ولا يعني الشيء نفسه. فسفر الرؤيا سيشير إلى هذا لاحقًا، لكن ليس في هذا المقطع.
- وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا: كان الصوت العظيم الذي سمعه يوحنا واضحًا كصوت البوق. وكان هذا صوت الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الذي هو بداية ونهاية كل شيء. فبما أن يسوع عرّف عن نفسه بهذه الألقاب في الرؤيا ٨:١، نعلم أن هذا الصوت العظيم كان صوت يسوع.
- يعلق كلارك (Clarke) على كلمة ’بُوقٍ‘ قائلًا: “إن هذا الوصف استخدم ليسترعي كل انتباه ولتوجيه كل الاهتمام له.”
- لقب ’الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ‘ هو لقب الله يهوه (إشعياء ٤:٤١، ٦:٤٤، ١٢:٤٨). وتعبير ’الأَلِفُ وَالْيَاءُ‘ يحمل أيضًا معنى ’الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ،‘ وهذا الجزء من العهد الجديد هو أحد الأجزاء التي يعلن فيها يسوع بوضوح أنه الله.
- وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ: نرى هنا الأمر ليوحنا بأن يكتب ما رآه. وسنرى الأمر بالكتابة يتكرر أيضًا ١١ مرة في سفر الرؤيا. مما قد يعني أنه ما لم يكن هناك أمر ليوحنا بالكتابة، لكان يوحنا احتفظ بما رأى لنفسه. فمن الأفضل دائمًا الإبقاء على الرؤى والإعلانات كأمر شخصي ما لم نؤمَر بخلاف ذلك.
- وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نرى هنا الأمر ليوحنا بالكتابة إلى سبع كنائس في سبع مدن تقع كلها في إقليم أَسِيَّا الروماني. ولكن هذه لم تكن المدن الوحيدة التي توجد فيها كنائس في تلك المنطقة. فمثلًا كانت هناك مدينة كولوسي التي كتب لها الرسول بولس رسالة كولوسي، لكن مدينة كولوسي ليست من ضمن الكنائس السبع. فلماذا تم ذكر هذه الكنائس السبع تحديدًا؟
- يعتقد البعض إلى أن السبب في ذلك هو أن مواقع هذه الكنائس تشكل دائرة تقريبًا. ويعتقد البعض الآخر أن كل من هذه الكنائس كانت تقع في إحدى المناطق البريدية في مقاطعة آسيا الرومانية. ويعتقد كثيرون أنها سبع كنائس لأن الرقم سبعة في الكتاب المقدس يشير إلى الكمال، وهذه الرسائل وكل سفر الرؤيا كانوا لتكميل الكنيسة بشكل عام وليس الكنائس السبع فقط. إذ كتب سييس (Seiss): “إن الكنائس في كل العصور تتمثل في هذه الكنائس السبع.” مستشهدًا بعدة مفسرين سابقين ومعاصرين يتفقون مع رأيه هذا.
- “يرى الكثير من المفسرين والكتّاب أن إلهنا من خلال الكنائس السبع يشير إلى جميع كنائس المسيح في العالم وأن ما يخاطبهم به يظهر ما سيكون عليه حال الكنائس عبر الزمان، وما يترتب على هذه الكنائس نتيجة ذلك.” بوله (Poole)
- من اللافت للنظر أن الرسول بولس قد كتب إلى سبع كنائس أيضًا: روما (رومية) وكورنثوس وغلاطية وأفسس وكولوسي وفيلبي وتسالونيكي.
رابعًا. رؤية يوحنا ليسوع
أ ) الآيات (١٢-١٣): يسوع وسط الْمَنَايِرِ (مَنَائِرَ).
١٢فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، ١٣وَفِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
- فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ: لا يمكننا أن نعلم ما خطر ببال يوحنا حين التفت. فربما لم يكن الصوت الذي سمعه يوحنا يشبه صوت يسوع الذي كان يوحنا يألفه من قبل، فقد وصفه يوحنا قبلًا بصوت البوق (الرؤيا ١٠:١). لكننا نفهم من وصف الصوت (الألف والياء) بأنه صوت يسوع. وكانت هذه فرصة يوحنا ليرى يسوع ثانية بعد أن كان معه خلال سنوات خدمته الأرضية.
- لم ير يوحنا يسوع مباشرة، لكنه رأى سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ. وهذه ليست مجرد شموع أو شمعدانات، لكنها أعمدة أو قواعد توضع عليها مصابيح زيت للإنارة.
- كانت هناك سَبْعَ مَنَايِرَ منفصلة. وهذه الصورة تذكرنا بالمنارة الذهبية التي في خيمة الاجتماع (سفرالخروج ٣١:٢٥-٣٧). ولكن هذه المنارة مختلفة، فقد كانت منارة العهد القديم بقاعدة واحدة عليها سبعة مصابيح أو شموع. ولكن في العهد الجديد نرى سَبْعَ مَنَايِرَ. “في خيمة الاجتماع كان هناك شمعدان ذهبي وسبع شموع أو مصابيح للإنارة، لكن يوحنا يرى هنا سَبْعَ مَنَايِرَ. وكأن هذا يعني أن هناك كنيسة واحدة لليهود، لكن هناك كنائس عديدة للأمم.” بوله (Poole)
- النور ليس مصدره المَنَايِرَ لكن مصابيح الزيت. لكن المَنَايِرَ تجعل الضوء أكثر وضوحًا. فهذه المَنَايِرَ هي تصوير للكنيسة التي لا تنتج النور لكنها تظهره.
- “المصباح ليس هو النور في حد ذاته لكنه أداة لبث النور الذي يصدر عن الزيت والنار؛ وهكذا ليس من كنيسة لها نعمة أو مجد من ذاتها، إذ لا بد للكنيسة أن تستقبل هذا من المسيح رأسها لكي تنشر النور والحياة.” كلارك (Clarke)
- وَفِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ: كان يسوع هناك وسط هذه المناير في صورة ابْنِ إِنْسَانٍ، في شخصية ممجدة تعيدنا إلى سفر دانيال ١٣:٧-١٤. ورغم أن لقب ابْنِ إِنْسَانٍ قد يبدو لقبًا متواضعًا هنا، لكنه ليس كذلك على الإطلاق حين نفهم النص في سفر دانيال.
- مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ: تشير ملابس يسوع هذه إلى مكانته وسلطانه. فالملابس الطويلة كان يلبسها من لا يضطرون إلى العمل كثيرًا، لذلك كانت هذه تشير لمكانة الشخص وسطوته. أما المِنطقة أو ’الحزام‘ الذهبي حول الصدر فربما يشير إلى رداء رئيس الكهنة (سفر الخروج ٥:٢٩).
- يقول الكتاب في سفرالخروج ١:٣٩-٥ أنه كانت هناك خيوط ذهبية في المنطقة أو الوشاح الذي كان يغطي صدر رئيس كهنة إسرائيل. ولكن مِنْطَقَة يسوع ليست مجرد بضعة خيوط ذهبية، لكنها مصنوعة من الذهب! فيا لعظمة كهنوت يسوع السماوي الأبدي!
- كان من واجبات كهنة العهد القديم الاهتمام بالمنارة الذهبية في خيمة الاجتماع. إذ كان عليهم ملء الزيت وتنظيف السخام والفتائل كل يوم. فقد كان عليهم العناية بالمصابيح لتستمر بإنارة محضر الرب. وهنا نرى يسوع، رئيس كهنتنا، وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ يهتم بالمصابيح لتنير أمام الرب.
ب) الآيات (١٤-١٦): وصف يوحنا ليسوع.
١٤وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. ١٥وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. ١٦وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا.
- وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ: الشعر الأبيض يشير إلى تقدم العمر، وفي ثقافة تلك الأيام كان هذا يشير إلى الحكمة والخلود. أما وصف الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ فيشير إلى النقاء (سفرإشعياء ١٨:١).
- الشعر الأبيض والرأس الأبيض هنا يربطان يسوع بلقب ’الْقَدِيمُ الأَيَّامِ‘ المذكور في سفر دانيال ٩:٧. “لقب ’الْقَدِيمُ الأَيَّامِ‘ يشير إلى الله الآب، لكنه يلائم المسيح أيضًا الذي يساوي الآب في طبيعته الإلهية.” بوله (Poole)
- “رأسه وشعره الأبيض في الصورة المرسومة أمامنا يساعداننا في فهم قِدم حكمه وسلطانه.” سبيرجن (Spurgeon)
- “الصورة المرسومة هنا ليست مجرد إشارة إلى قِدم زمانه أو طول أيامه لكنها دليل على مجده كذلك؛ إذ أن روعة بياض رأسه وشعره تنبثق بلا شك من أشعة النور والمجد التي تطوق رأسه.” كلارك (Clarke)
- وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ: ترتبط النار في الكتاب المقدس غالبًا بالدينونة (متى ٢٢:٥، بطرس الثانية ٧:٣). وهنا عينا يسوع تشعان بلهيب الدينونة الحارق.
- وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ: بما أن النار ترتبط بالدينونة، فإن رِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ تشيران هنا إلى اجتيازه في نيران الدينونة. أي أن يسوع قد اجتاز في نيران الدينونة التي تطهر وتنقي.
- يشير النُّحَاس في الكتاب إلى الدينونة والذبيحة. فمذبح شعب إسرائيل كان مصنوعًا من النحاس (سفرالخروج ١:٢٧-٦)، وكان يُسمى “مذبح النحاس.”
- كان النُّحَاس أكثر المعادن المعروفة صلابة في العالم القديم. “لهذا تشير عبارة ’وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ‘ للاستقرار والديمومة، لأن النحاس كان أكثر المواد المعدنية ديمومة.” كلارك (Clarke)
- وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ: أي أن صوت يسوع كان بقوة وجلال شلال مياه عظيم.
- وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ: تشير الكواكب السبعة إلى قادة أو ممثلين الكنائس السبع المذكورة في سفر الرؤيا ١١:١ (رؤيا ٢٠:١). وهذه الكواكب في أمان في يد يسوع. وبما أن الرقم سَبْعَة هو رقم الكمال، يمكننا أن نقول أن الكنيسة بأكملها مضمونة في يده.
- وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ: وهذا سيف ثقيل (من الكلمة اليونانية القديمة rhomphaia) يستخدم للقتل والتدمير. وفي بعض الأحيان يشير العهد الجديد إلى سيف أصغر حجمًا يعرف في اللغة اليونانية القديمة باسم (machaira) وقد أشير إليه في رسالة العبرانيين ١٢:٤ كسيف أصغر وأكثر دقة.
- لا يعني خروج السيف مِنْ فَمِهِ أن يسوع يحمل سيفًا بين أسنانه. لكنه يريد ان يقول إن هذا السيف هو كلمته، أي أن سلاحه، وسلاحنا أيضًا، هو كلمة الله (رسالة أفسس ١٧:٦).
- يشير بارنز (Barnes) أن يوحنا لم ير بالضرورة سيفًا يخرج من فم يسوع. “فهو سمعه يتكلم، وشعر بقوة كلماته التي كانت كسيف حاد يخرج من فمه.”
- هو سَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ: “لا يمكنك ان تلمس هذا السيف دون أن تجرح نفسك لأن كل حوافه حادّة. وهكذا كلمة المسيح، حادة من جميع جوانبها.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا: مجد يسوع مجد عظيم ساطع منير يصعب النظر إليه، ويشبه ذلك المجد الذي ظهر على جبل التجلي حين كان وجه يسوع يُشع كالشمس (إنجيل متى ٢:١٧).
- “كان وجهه كقرص الشمس في سماء الصيف دون غيوم تحجب روعة إشراقه.” كلارك (Clarke)
- “ماذا نرى في يد المسيح اليمنى؟ سبعة كواكب؛ لكن هذه تبدو ضئيلة غير مهمة حين نرى وجهه! ولكن من سيهتم بالسبعة كواكب أو حتى بسبعين ألف منها حين نقارن هذه بالشمس في قوتها؟ كم رائع أن يكون الرب حاضرًا بنفسه في جمع المؤمنين لدرجة أن ننسى من هو الواعظ! أتمنى أيها الأصدقاء الأعزاء أن توجهوا أنظاركم إلى الله حين تكونون في مكان العبادة بدلًا من النظر إلى نجوم المنبر. انظر إلى الشمس، وسوف تنسى النجوم.” سبيرجن (Spurgeon)
- كل ما في هذه الرؤيا يتحدث عن القوة والجلال والسلطان والبر. فهناك فرق كبير بين صورة يسوع هذه وبين الصور الضعيفة أو الباهتة التي نراها ليسوع اليوم. فيسوع الذي رآه يوحنا هو يسوع الحقيقي، وهو يسوع الذي يسكن ويسود في السماء اليوم.
- علينا أن ننتبه إلى أن هذا هو الوصف المادي الوحيد ليسوع في الكتاب المقدس. فالوصف الآخر الوحيد هو في سفر إشعياء ٢:٥٣ “لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ.”
- في تصورنا المعاصر ليسوع، نميل إلى تخيل صورة مناقضة للحقيقة، إذ نميل إلى تخيل يسوع في صورة تجسده، لكن بولس قال: “وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ” (كورنثوس الثانية ١٦:٥).
ج ) الآيات (١٧-١٨): رد فعل يوحنا.
١٧فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلًا لِي: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، ١٨وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ.
- فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ: كان يوحنا مأخوذًا بهذه الرؤيا الرائعة رغم أنه كان من تلاميذ يسوع وكان يعرفه وقت وجوده على هذه الأرض. لكن حتى السنوات الثلاث التي قضاها يوحنا مع يسوع على هذه الأرض لم تعدّه تمامًا لرؤية يسوع في مجده السماوي. وعندها أدرك يوحنا معجزة حجب يسوع لمجده وسلطانه السماوي بينما كان على هذه الأرض.
- “يا لروعة الموقف! هل يخيفك الموت؟ فنحن لسنا أحياء حقًا إلا حين نختبر موت (ذواتنا) عند قدميه.” سبيرجن (Spurgeon)
- “ليس مهمًا سبب ارتمائنا عند أقدام المسيح، فمن الأفضل أن تكون أمواتًا هناك على أن نحيا في مكان آخر.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ: أولًا لمس يسوع يوحنا بلمسة حنان. ولربما كانت لمسة يسوع مألوفة له أكثر من مظهره. ثم أمر يسوع يوحنا قائلًا: “لاَ تَخَفْ.” فلم يكن هناك داعٍ للخوف لأن يوحنا كان في حضرة يسوع، ثم أعلن يسوع عن نفسه بوضوح ليوحنا بثلاثة ألقاب:
- هو الأَوَّلُ وَالآخِرُ، إله الأبدية، ورب الأبدية في ماضيها ومستقبلها.
- هو الْحَيُّ.. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. فيسوع لديه ختم القيامة وهو الحي الذي لن يموت ثانية. فانتصار يسوع على الخطية والموت كان انتصارًا دائمًا. فهو لم يقم من بين الأموات ليموت ثانية.
- هو الذي بيده مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ. يتصور البعض أن الشيطان هو المسيطر على الجحيم. ويتخيل البعض أن الشيطان له سلطان على الحياة أو الموت. لكنهم مخطئون، لأن يسوع وحده من له مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ. ويمكننا أن نثق أن يسوع لن يعطي هذه المفاتيح للشيطان.
د ) الآيات (١٩-٢٠): أمر آخر بالكتابة والتوضيح.
١٩فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا. ٢٠سِرَّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ: السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ، وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ».
- فَاكْتُبْ: يعطينا هذا الأمر الثاني نافذة لفهم سفر الرؤيا. فهو هنا يُطلب من يوحنا الكتابة عن الماضي والحاضر والمستقبل (من وجهة نظر يوحنا).
- مَا رَأَيْتَ: يعني هذا أن يسوع أراد من يوحنا أن يكتب عما رأى للتو في رؤيته ليسوع السماوي المتمجد.
- وَمَا هُوَ كَائِنٌ: وهذا يعني أن يسوع أراد من يوحنا أن يكتب عن أمور الحاضر وما يتعلق بالكنائس السبع الموجودة في آسيا.
- وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا: وهذا يعني أن يسوع أراد من يوحنا أن يكتب عن الأمور التي ستحدث فيما بعد والمتعلقة بالكنائس السبع، أي ما يتعلق بآخر الأيام.
- يتألف سفر الرؤيا من هذه الأجزاء الثلاثة.
- مَا رَأَيْتَ: الأصحاح ١.
- وَمَا هُوَ كَائِنٌ: الأصحاحات ١-٢
- وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا: الأصحاحات ٤-٢٢
- السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ، وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ: يقدم يسوع هنا تفسيرًا لما رآه يوحنا. فالكواكب (أو النجوم) التي في يده تمثل مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ. وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ تمثل السَّبْعُ الْكَنَائِسِ.
- نلاحظ أن لكل كنيسة ملاكها الخاص، وأن هؤلاء الملائكة كانوا في يده. يرى البعض أن هؤلاء الملائكة هم قساوسة أو رعاة هذه الكنائس السبع. وهذا التفسير مبني على الفهم الحرفي للكلمة اليونانية القديمة التي تترجم إلى ’ملاك.‘ وهذه الكلمة تعني حرفيًا ’الرسول.‘ فالقساوسة والرعاة هم بالتأكيد ’مرسلين‘ إلى الكنائس. ويعتقد آخرون أن هؤلاء الملائكة هم ’ملائكة حراسة‘ على أعضاء هذه الكنائس. ويرى البعض الآخر أن هؤلاء الملائكة ليسوا كائنات حقيقية على الإطلاق لكنهم يمثلون فقط الروح السائدة في كل كنيسة. ولكل من هذه التفسيرات نقاط قوة ونقاط ضعف، لكن لنا أن نفهم أن هؤلاء الملائكة يمثلون بشكل ما جماعة المؤمنين في كل كنيسة.
- يرى آدم كلارك (Adam Clarke) أن ملاك الكنيسة هو راعيها. “ملاك الكنيسة هنا هو نظير ما كان يسمى “ضابط أو رئيس الهيكل” بين اليهود، والذين كانوا أيضًا يسمونه رسول الكنيسة، والذي كانت مسؤولياته القراءة والصلاة والتعليم في الهيكل.” كلارك (Clarke)
- من الأهم لنا أن نلاحظ مكان الملائكة: وهو اليد اليمنى ليسوع، التي تشير إلى الحفظ والأمان والقوة. فحتى هذه الكنائس التي تعصف بها المشاكل التي سنراها في الأصحاح التالي لا زالت محفوظة في يمين يسوع.
- كانت رؤيا يوحنا رؤيا رائعة يتمنى كثيرون أن يكون لهم مثلها، لكن علينا أن نتذكر أنه صار لنا جميعًا أن نعرف يسوع ذاته الذي رآه يوحنا. فقد صار لنا أن نعرف طهارته، وحكمته الأبدية، وعدله ودينونته، وانتصاره، وسلطانه وجلاله. فقد صار لنا أن نتعرف عن قرب على كل هذه الجوانب من طبيعته.
- حين نفكر في رؤيا يوحنا علينا أن نتذكر أين كان: فقد كان سجينًا على جزيرة بطمس. وغالبًا ما يُعرف يسوع بشكل حميم وقت المعاناة والتجارب. فكلًا من يوحنا واستيفانوس (أعمال الرسل ٥٤:٧-٦٠) رأيا يسوع بكل مجده، وبوضوح، وسط معاناتهما لأجل رسالة المسيح. “فغضب وأذى الأشرار لا يؤدي إلا إلى اقتراب المؤمنين أكثر من دائرة نعمة الله.” سييس (Seiss)