رؤيا يوحنا – الإصحاح ١٧
سقوط بابل المتدينة
أولًا. مفهوم بابل
أ ) أعلنت الآية ١٩ من الأصحاح ١٦ والآية ٨ من الأصحاح ١٤ في سِفر الرؤيا عن سقوط بابل. ويتناول الأصحاحان ١٧ و١٨ من سِفر الرؤيا هذا السقوط بشكلٍ أكثر تفصيلًا.
ب) تمَّ ذِكر بابل ٢٨٧ مرة في الأسفار المقدسة، أي أكثر من أي مدينة أخرى باستثناء أورشليم.
- تقع مدينة بابل على ضفاف نهر الفرات. تبين الآيات من ١ إلى ١٠ من الأصحاح ١١ في سِفر التكوين أنَّ بابل أصبحت بعد الفيضان “مقر الحضارة التي أظهرت العداء بشكل دائم نحو الله.” تيني (Tenney)
- أصبحت بابل بعد ذلك عاصمة الإمبراطورية التي احتلت وسحقت مملكة يهوذا. “كانت بابل رمزًا للشر بالنسبة لهم (لليهود)، إذ كانت تُعتبر تجسيدًا للوحشية، وعداوة شعب الله، وسيادة واستمرار الخطيئة والشهوانية والطمع.” تيني (Tenney)
- ارتبط اسم بابل، كما يعرف المطلعون على العهد القديم، بتكريس عبادة الأوثان والتجديف واضطهاد شعب الله.
- “جسدت روما في أيام يوحنا جميع أشكال العداوة والمعارضة تجاه الإيمان المسيحي.” مونس (Mounce). فكانت مدينة روما، في بعض النواحي، التجسيد الأمثل لما كانت عليه بابل. وإذا كان علينا أن نختار مدينة واحدة اليوم كمثال للنظام الدنيوي، فربما يمكن القول أنَّ لوس أنجيلوس هي بابل الحاضر.
ج ) يعد مفهوم بابل أكثر شمولًا من سِفر الرؤيا ١٧-١٨ وحكم ضد المسيح. فقد كانت بابل حاضرة في أيام يوحنا (ممثلةً بروما)، وفي يومنا الحاضر، وعبر التاريخ، كنظام دنيوي. ولكنَّ بابل ستمتلك (بجانبيها الديني والتجاري) في زمن ضد المسيح، نفوذًا على الأرض كما لم يكن لها من قبل.
ثانيًا. وصف الزانية العظيمة (بابل المتدينة)
أ ) الآيات (١-٢): وصف الملاك.
١ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلًا لِي: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ الزَّانِيَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَالِسَةِ عَلَى الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، ٢الَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا».
- فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ الزَّانِيَةِ الْعَظِيمَةِ: دينونتها محسومة منذ البداية. فلا يوجد أي شك بشأن مصير بابل وفشلها.
- عُرفت بابل كنظام ديني قبل المسيحية بوقتٍ طويل، وانتظرت قدوم المسيح الحقيقي، ولكن بتقليدٍ شيطاني. فوفقًا للتاريخ الديني والأسطورة، أسست سميراميس، زوجة نمرود (حفيد نوح)، الديانة البابلية. وقد كانت كبيرة كهنة البعل، ووالدة لابن ادعت بأنها حبلت به بطريقة معجزية. وكان ابنها المسمى تموز في مقام المُخلِص. وتبين الآثار القديمة رسمًا مألوفًا للوالدة سميراميس وهي تحمل المخلص الطفل تموز، الذي سبق المسيحية. ويقال أيضًا بأنَّ وحشًا بريًا قتل تموز قبل أن يعود إلى الحياة بشكلٍ معجزي. واسم بعل هو الاسم المحلي الكنعاني لتموز البابلي.
- يذكر الكتاب المقدس بعض ملامح ديانة بابل القديمة:
- يحتج حزقيال على طقس البكاء على تموز (سفر حزقيال ١٤:٨)
- يذكر إرميا الطقس الوثني المتمثل بصنع الكعك لملكة السماوات (سفر إرميا ١٨:٧) وتقديم البخور لها (سفر إرميا ١٨:٤٤-١٩، ٢٥:٤٤).
- الْجَالِسَةِ عَلَى الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ: تجلس بابل هنا على مياه كثيرة، أي أنها ترأس شعوبًا كثيرة (قارن مع رؤيا يوحنا ١٥:١٧). فلديها شخصية عالمية شاملة.
- وهذا يجمع كل ضلالات الأديان الوثنية المزيفة كافة، بما فيها من ضلالات الكاثوليك والبروتستانت وغيرها من أديان العالم.
- “تمثِّل المرأة التعاليم المضلة التي ستسيطر على العالم زمن الضيقة.” هوكينغ (Hocking). يشبِّه الكثيرون هذه الزانية العظيمة بالكنيسة الكاثوليكية في روما، لكن التعاليم المضلة ليست محصورة في كنيسة واحدة.
- “يمكن الاعتراف بتورط روما والنظام الروماني، ولكن هذا كل ما في الأمر. أما أن يعني سقوط بابل العظيمة المفاجئ سقوط النظام الروماني، أو التدمير الكامل لمدينة روما فهو أمر مرفوض تمامًا.” سييس (Seiss)
- وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ: تُسكِر بابل المتدينة الملوك والشعب. كان كارل ماركس شبه محق حين قال، “الدين أفيون الشعوب.” وكان شبه محق لأنَّ الدين الفارغ هو فعلًا أفيون ومخدر الشعوب.
- وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا: ترتبط فكرة الزنا غالبًا وبقوة بعبادة الأوثان عبر الكتاب المقدس. وبما أنه نطام ديني مقبول، يظهر هذا الأمر جذابًا وروحيًا، وليس بالضرورة أخلاقيًا.
ب) الآيات (٣-٦): ما رآه يوحنا.
٣فَمَضَى بِي بِالرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ. ٤وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا، ٥وَعَلَى جَبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ». ٦وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّبًا عَظِيمًا!
- فَمَضَى بِي بِالرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ: حُمِل يوحنا إلى البريَّة؛ فطبيعة البريَّة المقفرة تعد مكانًا مناسبًا لرؤيا الدينونة.
- جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ: تمتطي الزانية الوحش (سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ) الذي ذُكر سابقًا في رؤيا يوحنا ١:١٣ – ضد المسيح وديكتاتوره.
- “تشير وضعيتها المتمثلة بامتطائها للوحش إلى الدعم الذي يقدمه لها الوحش جراء قوته السياسية من جهة، كما وتشير إلى سيطرتها وقيادتها للوحش كما يظهر للعيان من جهة أخرى.” والفورد (Walvoord)
- يظهر ارتباطها بالتجديف ووحش التنين بشكلٍ جلي من منظور الله، ولكنها بحسب المنظور البشري ورعة تقية وممتلكة للإيمان الذي يبتغيه الجميع.
- وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً: تلبس المرأة رموز الترف (أُرْجُوانٍ… ذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ) والحُكم (قِرْمِزٍ). ولكنها تقدِّم عبادة الأوثان (رجَاسَاتٍ) ودنس (نَجَاسَاتِ زِنَاهَا) في هذا الإطار من الترف.
- كان الأرجوان والقرمز لونان دالان على البذخ والعظمة، فالأصباغ المستخدمة في صناعتهما كانت نادرة وغالية.
- “نجد على مدار تاريخ الكنيسة أنَّ إحدى العلامات المميتة للفساد الكنسي هي اشتهاء السلطة الزمنية.” بارنهاوس (Barnhouse). كان الأرجوان والقرمز لونا الحكام، سواء السياسيين أو الاقتصاديين.
- وَعَلَى جَبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: يدل الاسم على جبهتها إليها بأكثر من طريقة. فغالبًا ما كانت الزانيات الرومانيات يرتدين عصابة على رؤوسهن وأسمائهن محفورة عليها.
- “بالرغم من كل روعتها، فهي مجرد زانية.” جونسون (Johnson)
- هناك تباين صارخ بين المرأة في سِفر الرؤيا ١٢ (والتي تمثل اسرائيل، شعب الله)، وهذه المرأة (التي تمثل الدين الوثني المزيف).
- “هاتان المرأتان، وبالرغم من صلة القرابة وكونهما عدوتين وعلى طرفي نقيض، فمن الضروري تحليلهما بالطريقة نفسها. وكما يتعامل ضد المسيح مع المسيح كندٍ وخصم، كذلك تتعامل بابل العظيمة مع المرأة التي تحمل الرجل – الطفل كندٍ وخصم لها.” سييس (Seiss)
- سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ: ليس هذا اللقب لبابل الحرفية، ولكنه توضيح روحي (سِرٌّ)، وهو مصدر (أُمُّ) كل عبادة أوثان (رجاسات) وزنا روحي (بائعات هوى).
- لا بد أنَّ الزانية هذه أكبر من أي فرع لمؤسسة دينية. فهي تجسيد لحركة الشيطان الكونية – ديانة أنظمة العالم.
- طالما لا يكترث عالمنا بما تؤمن به ما دمت تؤمن بشيء ما، فعالمنا مهيأ لإغراءات الزانية. إذ نرى التغاضي التدريجي عن الحقّ يشل الكنيسة اليوم.
- سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ: لا يقتصر عمل المرأة على الاضطهاد، ولكنها تستمتع أيضًا باضطهادها للأتقياء كما يستمتع المخمور بالنبيذ.
- فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّبًا عَظِيمًا: كان يوحنا متعجبًا لأنَّ هذا لم يكن اضطهادًا وثنيًا (كالذي عرفه في زمنه)، ولكنه ضلال ديني واضطهاد. فهذه كنيسة زائفة، عطشى إلى دم القديسين. “الدين الزائف دائمًا ما يكون اسوأ عدو للدين الحقيقي.” والفورد (Walvoord)
- يجب ألا ننسى أبدًا أنَّ بعضًا من أكثر الاضطهادات ضد المسيحيين الحقيقيين وحشية تمت باسم الكنيسة. ففي أيام حكم الملكة ماري (ماري الدموية) لإنجلترا والتي كانت تعتنق المذهب الكاثوليكي، تم إحراق ٢٨٨ مسيحيًا لتمسكهم بالحق المسيحي بين عام ١٥٥٥ و١٥٥٨. وكان أول هؤلاء الشهداء رجلٌ يدعى جون روجرز والذي بينما وقف مقيدًا تحيطه ألسنة اللهب إلى رجليه وكتفيه، قام بفرك يديه بألسنة اللهب وكأنه يغسلهما بماءٍ بارد. ومن ثم رفع يديه عاليًا نحو السماء بينما التهمته النيران بالكامل. ذهب روجر إلى الإعدام بهدوء ووقار حتى كتب السفير الفرنسي قائلًا إنه ذهب إلى موته “وكأنه كان ذاهبًا إلى حفل زفافه.” كانت شجاعته ظاهرة لدرجة أنَّ الجمهور الغفير ابتدأ بالتصفيق عندما رأوه متوجهًا نحو أداة إعدامه.
ثالثًا. كشف سر الزانية العظيمة
أ ) الآية (٧): الملاك يخبر يوحنا بسر الزانية.
٧ثُمَّ قَالَ لِي الْمَلاَكُ: «لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا، الَّذِي لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ.
- أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا: إنَّ تركيز التفسير هو على الْوَحْشِ. فيبدو أنَّ الزانية حكمت (امتطت) نظام ضد المسيح. ولكنه العصر الديناميكي، فهو يستخدمها كما استخدم الطغاة الدين دائمًا – مجرد أداة لتحقيق مآربهم.
ب) الآية (٨): الوحش الحامل المرأة مرتبط بوضوح بوحش سِفر الرؤيا ١٣.
٨الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى الْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ.
ج ) الآية (٩): سبعة جبال مرتبطة بالوحش.
٩هُنَا الذِّهْنُ الَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ هِيَ سَبْعَةُ جِبَال عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةً.
- اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ هِيَ سَبْعَةُ جِبَال: يسارع الكثيرون لربط الجبال السبعة بروما والبابوية، ويعود ذلك لكون روما معروفة بكونها مدينة التلال السبع. ولكن الكلمة اليونانية تعني حرفيًا جِبَال، لا تلال.
- يعتبر الكثير من المفسرين وخاصة ممن يؤمنون بأن سِفر الرؤيا سبق وتحقق في التاريخ، بأنَّ للجبال السبعة صلة لا يمكن دحضها مع روما. وما كتبه كلارك (Clarke) هو مثال جيد على ذلك، “أصبح من المعروف بأنَّ هذه الآية تشير إلى التلال السبع التي تقف عليها مدينة روما الأولى.”
- ولكنَّ الجبال كانت أحيانًا رمزًا للحكومات بحسب الكتاب المقدس (كما في سفر دانيال ٣٥:٢)، فمدينة روما تأسست على تلال، لا جبال.
- اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ هِيَ سَبْعَةُ جِبَال: من الأفضل اعتبار أنَّ السبعة جبال تمثِّل السبعة ملوك والسبع ممالك المذكورة في سِفر الرؤيا ١٠:١٧. ينظر الكثيرون باهتمامٍ شديد إلى الصلة بين بابل المتدينة والكاثوليكية في روما، ولكن هذا التفكير خاطئ، فمع أنَّ بابل المتدينة سوف تجسد عنصرًا كاثوليكيًا قويًا بلا شك، إلا أنها ستغدو أكبر بكثير من الكاثوليكية.
- كانت توجهات الكاثوليكية في روما لعمل شراكة مع ديانة عالمية موحدة واضحة في تعامل البابا يوحنا بولس الثاني مع ديانات أخرى مضادة للمسيحية وتقبله إياها.
- في خطابه لاجتماع صلاة يضم مسيحيين، ويهود، وبوذيين، وآخرين، أخبر البابا يوحنا بولس الثاني المشاركين بأنَّ جهودهم تتضمن “إطلاق العنان لطاقات روحية عميقة في العالم وتحقيق مناخ جديد من السلام.” وتعهد البابا بأنَّ “الكنيسة الكاثوليكية تعتزم نشر وتعزيز تعاون مسكوني بين الأديان كهذا.”
- علقت صحيفة The Catholic Review على هذا الأمر قائلةً: “إنَّ وحدة الدين الذي يشجعها قداسة البابا يوحنا يولس الثاني ويوافق عليها قداسة الدالي لاما، ليست هدفًا ينبغي تحقيقه حالًا، ولكن قد يأتي يوم تستطيع فيه المحبة والرحمة التي تكلم عنهما ببلاغة كلًا من المسيح وبوذا لتوحيد العالم في جهدٍ مشترك لإنقاذ البشرية من الدمار الشامل، وليقودا العالم إلى النور الذي نؤمن به جميعًا.”
د ) الآية (١٠): سبعة ملوك وسبع ممالك.
١٠وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلًا.
- خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ: هذا واحد من أصعب المقاطع في سِفر الرؤيا. يفسر البعض السبعة ملوك، بخمسة سابقين، وواحد في الوقت الحاضر، وآخر سيأتي بتعاقب الأباطرة الرومان في زمن يوحنا، ولكن يعاني هذا الرأي من صعوبات تاريخية عدة. فهو على الأغلب يشير إلى:
- خَمْسَةٌ سَقَطُوا تشير إلى خمسة امبراطوريات في العالم قبل زمن يوحنا: مصر، واشور، وبابل، ومادي وفارس، واليونان.
- وَاحِدٌ مَوْجُودٌ يشير إلى الإمبراطورية الرومانية في زمن يوحنا: روما.
- وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ يشير إلى الإمبراطورية التي ستأتي: إعادة إحياء الإمبراطورية الرومانية.
- وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلًا: سيستولي الثامن وبسرعة على السلطة من السابع، وسيصبح مملكة ضد المسيح (رؤيا يوحنا ١١:١٧).
- تعاني وجهة النظر هذه من مشاكل عدة أيضًا (فاعتبر البعض أن السبعة رمزية). فمن الواضح أنَّ هذا مقطع صعب!
هـ) الآية (١١): الإشارة بوضوح إلى الوحش (ضد المسيح) كالملك الثامن.
١١والْوَحْشُ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى الْهَلاَكِ.
- فَهُوَ ثَامِنٌ: هو من السبعة بمعنى أنه يتشارك الصفات مع أباطرة العالم السابقين، ولكنَّ مصيره واضح. فالهلاك يعني الدمار، والوحش سيتم إبادته.
و ) الآيات (١٢-١٥): مجيء الملوك العشرة، حلفاء ضد المسيح.
١٢وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ، لكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ. ١٣هؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ. ١٤هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ». ١٥ثُمَّ قَالَ لِيَ: «الْمِيَاهُ الَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ الزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ، هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ.
- عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ: يشير هذا على الأغلب إلى الكونفدرالية التي تضم عشر أمم (كما في الأصابع في رؤيا دانيال ٢٤:٢-٤٥)، ولكنَّ البعض يعتبر العشرة رقمًا رمزيًا.
- “ستخرج عشر ممالك من المملكة الرابعة العظيمة هناك: عشر قوى أوروبية ستشن حربًا على المسيح في المرة الأخيرة بالاتفاق والامتثال إلى سلطة ضد المسيح. بالنظر إلى العدد المحدد والشكل المذكور هنا، فهذه الممالك لم تقم بعد… أما عن التغيرات التي ستحدث في أوروبا والتي ستجعلهم بهذا الشكل، فلا نستطيع القول.” آلفورد ١٨٦٦ (Alford)
- هؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ: رأى الكثيرون في الاتحاد الأوروبي (السوق الأوروبية المشتركة سابقًا) التتميم المحتمل لهذا. ربما، ولكن يوجد الآن أكثر من عشر أمم في هذه القوة الأوروبية، والمزيد قادم.
- هناك القليل من الشك بخصوص اعتبار الاتحاد الأوروبي نفسه كخليفة للإمبراطورية الرومانية القديمة. ابتدأت السوق الأوروبية المشتركة عام ١٩٥٧ عندما اجتمعت ست أمم أوروبية للحديث عن إمكانية دمج مواردهم النووية، والاقتصادية وموارد الفحم. اجتمعت هذه الأمم في روما وقاموا بتوقيع معاهدة روما – بدايات الاتحاد الأوروبي الحالي. ولعلم الاتحاد الأوروبي الأهمية ذاتها كما للعلم الوطني في العديد من الأماكن في أوروبا.
- نستطيع قول الكلمات نفسها التي كتبها آلفورد (Alford) عام ١٨٦٦: “بالنظر إلى العدد المحدد والشكل المذكور هنا، فهذه الممالك لم تقم بعد… أما عن التغيرات التي ستحدث في أوروبا والتي ستجعلهم بهذا الشكل، فلا نستطيع القول.” ولكن هذا سيحدث، وستبرز كونفدرالية الأمم هذه كخليفة للإمبراطورية الرومانية القديمة.
- هؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ: بغض النظر عن هويتهم، فأفعالهم واضحة. فهم يشنون حربًا على المسيح بالاشتراك مع ضد المسيح، ويتم الإشارة إلى هذه المعركة في الجامات السادسة والسابعة (رؤيا يوحنا ١٢:١٦-٢١).
- الْمِيَاهُ الَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ الزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ: تسيطر الزانية على شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ. ويخبرنا هذا بأنَّ تأثير الزانية يمتد ليشمل العالم من خلال علاقتها بالوحش. سيكون هذا بالفعل دين عالمي موحد.
- يركز تفسيرنا للزانية على علاقتها بالوحش. فهي متصلة بالكامل بالوحش وحكومته. وإن لم يكن ذلك قابلًا للتصديق، تذكر أنَّ الدين، وليس المسيحية الحقيقية، لطالما كان عبر التاريخ الخادم المطيع للطغاة.
رابعًا. محاكمة الزانية العظيمة
أ ) الآية (١٦): يقوم حلفاء ضد المسيح على الزانية العظيمة.
١٦وَأَمَّا الْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى الْوَحْشِ فَهؤُلاَءِ سَيُبْغِضُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ.
- سَيُبْغِضُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ: من الأرجح أن يحدث هذا العنف في وسط فترة الضيقة. وهنا يكتشف الدين المزيف الطبيعة الحقيقية للوحش.
- وفي النهاية، لن يسمح ضد المسيح بأي عبادة ألا لنفسه: ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ. (رسالة تسالونيكي الثانية ٣:٢-٤).
- وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ: وبمجرد أن تشتد قوته، لن يعود ضد المسيح بحاجة إلى مساعدة بابل المتدينة. بل سيعمل بعدها على تفكيكها وتدميرها مع ديانتها العالمية الموحدة.
- لطالما كان هذا هدف الطغاة، وأغلب السياسيين. فهم يستخدمون الدين لتحقيق مآربهم، وبعدها يقومون بنبذه.
ب) الآية (١٧): يد الله توجه كل شيء في النهاية.
١٧لأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ.
- الله وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ: أمر الله بالدينونة على بابل المتدينة. يستخدم الله أحيانًا جماعة شريرة (الملوك العشرة هنا) كأداة لتنفيذ دينونته على جماعة شريرة أخرى (بابل المتدينة هنا).
- وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ: سيقضي الله بأن يُعطى ضد المسيح الدعم السياسي من الملوك العشرة. فسيعطي الله العالم ما يريده: الإلحاد والحُكام الملحدين.
ج ) الآية (١٨): تشبيه الزانية العظيمة بروما.
١٨وَالْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي لَهَا مُلْكٌ عَلَى مُلُوكِ الأَرْضِ.
- الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ: لم يكن هناك شك في زمن يوحنا بخصوص هوية المدينة التي تحكم ملوك الأرض. فقد كانت روما المركز السياسي والاقتصادي والديني للعالم في ذلك الوقت.
- ولكن بابل، بالنسبة للنظام العالمي، كانت دائمًا تلك المدينة العظيمة التي تحكم ملوك الأرض. والسؤال للمؤمنين هنا هو: “هل هي تحكمني؟ أم أنتمي لمدينة أفضل، أورشليم السماوية؟” (رسالة غلاطية ٢٦:٤)
- الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ: ومرةً أخرى، لا يعني ارتباط هذه الزانية، أي بابل المتدينة، مع روما بأنَّ الكنيسة الكاثوليكية في روما مماثلة لبابل المتدينة، مع أنَّ الكاثوليكيين المرتدين سيكونون حتمًا جزءًا من الزانية العظيمة.
- “إنها أوضح ما يكون في الوثنية، ولكنها أيضًا في الإسلام، والبابوية، والكاثوليكية الفاسدة في الكنائس الشرقية، وفي جميع الهرطقات، والإلحاد، وهرطقات ديانات الخير المجرد التي ابتليت بها المسيحية البروتستانتية أيضًا.” سييس (Seiss)
- الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ: كانت روما التجسيد الجاهز لبابل، أي العالم المتمرد على الله في زمن يوحنا. فاليوم، عبادة الأوثان قوية كما كانت ولكنها مشتتة. فأي مدينة من مدن العالم اليوم هي الأكثر شبهًا بالنظام العالمي؟ أهي هوليوود عاصمة الفن، أم وول ستريت عاصمة المال، أم واشنطن عاصمة السياسة؟