رؤيا يوحنا – الإصحاح ٣
رسائل يسوع المسيح إلى الكنائس (تابع)
أولًا. إلى كنيسة ساردس
أ ) الآية (١أ): مزايا كنيسة سَارْدِسَ.
١وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ…
- الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ: عند مخاطبة يسوع ليوحنا بهذه الكلمات كانت أفضل أيام مدينة سَارْدِسَ قد ولت، وآل حالها إلى الانحدار. لكنها رغم ذلك كانت مدينة ثرية بسبب موقعها الذي كان في نقطة تقاطع العديد من الطرق الهامة والطرق التجارية. لهذا كانت هناك علاقة تلقائية بين مدينة سَارْدِسَ والمال المتأتي من الكسب السريع هناك.
- “من الجدير بالذكر أن أول عملة معدنية تم سكها في آسيا الصغرى كانت في ساردس أيام كروسوس. فكانت تلك القطع المعدنية غير المصقولة أول شكل من أشكال العملة بمفهومها الحديث. فمدينة ساردس كانت مكان ولادة النقود المعاصرة.” باركلي (Barclay)
- سَارْدِسَ: كانت المدينة أيضًا مدينة معروفة برخائها ورفاهيتها وبانتشار اللهو والفجور. كما كان في ساردس معبد كبير ضخم للإلهة الأم سيبيل. ومن أنقاض هذا المعبد يمكننا أن نرى أن أعمدته الرئيسية كان يبلغ ارتفاعها ٦٠ قدمًا (٢٠ مترًا) وقطرها كان يزيد عن ٦ أقدام (٢ متر). وكانت هذه الإلهة الأم تُعبد بجميع أنواع الفجور والانحرافات الجنسية.
- سَارْدِسَ: توفر المال في بيئة تشجع على الانحلال جعل من أهل سَارْدِسَ أناسًا همهم اللذة والمتعة. “كان اسم ساردس مقترنًا بنوع من الازدراء أو الاحتقار حتى بين الوثنيين، لأن أهلها كانوا غارقين في الفجور والانحلال. فقد كانت ساردس مدينة الانحطاط.” باركلي (Barclay)
- هذا الانحلال والافتقار إلى الانضباط كان سببًا في خراب سَارْدِسَ في عدة مناسبات. إذ يروي المؤرخ اليوناني هيرودوت قصة سقوط ساردس في يد الملك سايروس حين وصلها ووجد أن موقع المدينة يجعلها حصينة للدفاع، إذ كان من المستحيل تجاوز المرتفعات الصخرية الشاهقة المحيطة بالمدينة. فعرض مكافأة كبيرة لأي جندي في جيشه يمكنه أن يجد طريقة للوصول إلى المدينة. فقام جندي بدراسة الأمر بعناية، وبينما كان يراقب المدينة شاهد جنديًا من حراس ساردس يُسقط خوذته أسفل هذه المرتفعات الصخرية، ثم راقب الجندي وهو يسلك طريقًا خفيًا لاستعادة خوذته. فوضع علامة على تلك الطريق وقاد مفرزة من الجنود في تلك الليلة وتسلقوا المنحدرات ووصلوا إلى أسوار المدينة التي وجدوها بلا حراسة. فقد كان جنود ساردس واثقين جدًا من تلك العوائق الطبيعية المحيطة بمدينتهم حتى أنهم لم يروا حاجة لحراستها باستمرار، فتم اقتحام المدينة بسهولة. والغريب أن الشيء نفسه حدث بعد ٢٠٠ عام تقريبًا عندما هاجم أنطيوخوس هذه المدينة المفرطة في الثقة التي أبقت نفسها دون حراسة.
- “رغم أن موقع المدينة كان مثاليًا للدفاع لوجودها على مرتفعات وادي هرموس وإحاطتها بالمنحدرات العميقة التي يصعب اجتيازها، إلا أن ساردس سقطت مرتين بسبب الثقة الزائدة وغياب الحراسة. ففي عام ٥٤٩ قبل الميلاد أنهى كورش ملك الفُرس حكم كرويسوس بعد أن عبر هذه المنحدرات تحت جنح الظلام. وفي عام ٢١٤ قبل الميلاد استولت جيوش أنتيخوس الكبير الثالث على المدينة بنفس الطريقة.” والفورد (Walvoord)
ب) الآية (١ب): يسوع يصف نفسه للكنيسة في ساردس.
١… هذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ…
- هذَا يَقُولُهُ: استخدم يسوع في وصف نفسه كلمات تظهر شخصيته وسلطانه على كل قوة وسلطة روحية. وتكرار الرقم سَبْعَة يؤكد هذا لأن الرقم سَبْعَة هو رقم الكمال في الكتاب المقدس. فيسوع فيه كل ملء روح الله الذي فيه ملء الكنيسة.
- الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ: في يسوع ملء الروح القدس وفيه كل ملء الروح القدس الذي للكنيسة.
- وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ: ملء الكنيسة أيضًا في يد يسوع، فنحن نعلم أن السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ تمثل الكنائس بسبب ما جاء على فم يسوع في سفرالرؤيا ٢٠:١ ’سِرَّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ: السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ.‘ فهو لا يتحدث إلى فرد واحد بل للكنيسة بأكملها من خلال هذا الفرد.
ج) الآية (١ج): ما يعرفه يسوع عن مؤمني ساردس.
١… أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ.
- أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ: يكرر يسوع هنا لكنيسة ساردس ما سبق وقاله لكل كنيسة، فطبيعة الكنيسة وما تفعله لن يخفى على يسوع أبدًا.
- أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ: يعلم يسوع أن الكنيسة في ساردس لها اسم أو سمعة تشير للحياة وللحيوية. وأنت إن نظرت إلى كنيسة ساردس فسترى علامات هذه الحياة والحيوية. فصورة الكنيسة في ساردس كانت كما المدينة، تشير إلى أن كل شيء على ما يرام.
- “علينا أن لا نتصور أن الكنيسة في ساردس كانت على وشك الانهيار وأن راعيها كان على وشك المغادرة. فقد كانت كنيسة نشطة وفيها اجتماعات في كل ليلة، وفيها لِجان وترويج وإعلانات ونشاطات طوال الوقت. فكان للكنيسة سمعة بأنها حية ونشطة على الدوام.” هافنر (Havner)
د ) الآية (١د): مآخذ يسوع على الكنيسة في ساردس.
١… وَأَنْتَ مَيْتٌ.
- وَأَنْتَ مَيْتٌ: رغم ما يبدو عليهم من حياة، فقد رآهم يسوع على حقيقتهم. وعبارة ’وَأَنْتَ مَيْتٌ‘ ترينا أن السمعة الطيبة ليست مؤشرًا على الروحانية الحقيقية، فرغم مظهرهم الذي بدا جيدًا رآهم يسوع أمواتًا.
- وَأَنْتَ مَيْتٌ: والعبارة تشير إلى عدم وجود أي صراع أو جهاد أو اضطهاد. فليس أن الكنيسة في ساردس كانت تخسر المعركة، لكنها كانت جثة هامدة قد خسرت معركة قد حُسمت. ففي رسالته هذه لم يشجع يسوع مؤمني ساردس على الصمود في وجه الاضطهاد أو التعاليم المضلة لأنه لم يكن هناك خطر كبير يهددهم من هذه الناحية. فلكونها ميتة لم تكن كنيسة ساردس تشكل أي خطر على مملكة الشيطان، ولهذا لم تكن تستحق الهجوم عليها.
- “كانت كنيسة ساردس نموذجًا مثاليًا للمسيحية الخاملة.” كيرد (Caird). فمشكلتهم لم تكن شرهم الفاضح، بل موتهم الهادئ. فكانت صورتهم تدل على أنهم أحياء، لكنهم كانوا في جوهرهم أمواتًا.
- “كانت كنيسة ساردس تعيش في سلام، لكنه كان سلام الأموات.” باركلي (Barclay)
هـ) الآيات (٢-٤): ما يريد يسوع من الكنيسة في ساردس أن تفعل.
٢كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. ٣فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ. ٤عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ.
- كُنْ سَاهِرًا: أول ما قاله يسوع لهم هو أنه عليهم فحص وحماية وتقوية ما بقي منهم. عبارة ’وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ‘ (أو قَوِّ ما تبقى لديك) تخبرنا أنه على الرغم من أن الحالة الروحية لكنيسة ساردس كانت سيئة إلا أنها لم تكن في حال ميؤوس منه. فروحيًا كان لا زال يمكن تشديد وتقوية مَا بَقِيَ لها، ويسوع لم يفقد الأمل منهم، ورغم أن الوقت قد تأخر (الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ) إلا أن الوقت لم يفت بعد.
- تم احتلال مدينة ساردس بسهولة مرتين من قبل. وهذا لم يكن بسبب الجيوش الجرارة، لكن لأن ثقتهم المفرطة جعلتهم غير متيقظين أو ساهرين. والحالة الروحية للكنيسة في ساردس كانت انعكاسًا لشخصية المدينة التاريخية.
- لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ: وهذا يدل على أن أعمالهم، رغم وجودها، لم ترق إلى المستوى الذي يرضي الله. فوجود الأعمال لا يكفي لأن الله يطلب أن تصاحب أعمالنا دوافع ونوايا معينة. فهذه يجب أن تقدم بطريقة تجعلها كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ.
- يقول كلارك (Clarke) عن عبارة ’لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ‘ ما يلي: “لقد قاموا بكل ما عليهم، لكن ليس بشكل كامل. فقد كانوا يبدؤون، لكن نهايات أعمالهم لم تكن كما يجب.”
- فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ: كان عليهم أن يتذكروا كيف سمعوا وقبلوا كلمة الله أولًا. ثم كان عليهم التمسك بهذه الأشياء وأن يتوبوا وأن يعطوا السيادة في حياتهم للإنجيل ولتعليم الرسل.
- وصف بولس قبولهم للكلمة التي كانوا بحاجة لأن يحفظوها في رسالة تسالونيكي الأولى ١٣:٢ “منْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ.”
- فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ: حذرهم يسوع من الخطر الكبير المتأتي من غياب حرصهم. فإن تجاهلوا أمره بأن يكونوا متيقظين (إِنْ لَمْ تَسْهَرْ)، فسيأتيهم يسوع كما يأتي اللص في وقت غير متوقع.
- أُقْدِمْ عَلَيْكَ: كيف سيقدم يسوع عليهم؟ قد يكون المقصود هنا هو الدينونة الفورية أو قد يكون إشارة إلى مجيئه عند اختطاف الكنيسة. (تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٧). وفي الحالتين، المقصود هو أنه سيأتي فجأة ودون سابق إنذار، لهذا عليهم أن يكونوا متيقظين.
- خاطب ونستون تشرشل بريطانيا في الأيام الأولى للحرب العالمية الثانية قائلًا: “أخطر جريمة يمكنك أن تفعلها وقت الحرب بجانب الجبن والخيانة هي الثقة المفرطة التي تؤدي إلى الإهمال والتباطؤ.” (اقتبسها بانش Bunch)
- عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ: من بين المؤمنين الأموات في ساردس، كان هناك بقية تقية من المؤمنين المتيقظين في ساردس، ولكن أَسْمَاءٌ قَلِيلَة. في برغامُس (سفرالرؤيا ١٤:٢) وفي ثياتيرا (سفر الرؤيا ٢٠:٢) كان هناك قلة فاسدة بين الجيدين؛ أما في ساردس فهناك قلة جيدة بين الأشرار.
- فِي سَارْدِسَ: النص الأصلي يوحي بشيء من الثناء على تلك الأسماء التي لا تزال مخلصة للرب. وسبب الثناء هو ما للمدينة من سمعة سيئة، فحتى في هذه المدينة الشريرة لم يدنس بعض المؤمنين أنفسهم بالخطية.
- لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ: يشير يسوع إلى نجاسة الثياب لأنه لم يكن ممكنًا آنذاك ممارسة عبادة آلهة الوثن بملابس قذرة، فاستخدام هذا التشبيه كان للإشارة إلى عبادة يسوع الذي يعطي شعبه ثيابًا بيضاء.
- “كما يشار إلى الخطية بفكرة العُري، يتم التعبير عن القداسة بفكرة الثياب.” بوله (Poole)
- فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ: يعد يسوع هؤلاء الأنقياء بالتمشي معهم في تصوير للشركة الوثيقة، كما كان مع أخنوخ الذي سار مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه (سفر التكوين ٢٤:٥).
- الثياب التي يعطينا إياها يسوع دائمًا بيضاء، وكنسية ساردس كانت كنيسة ميتة بسبب تهاونها مع الخطية، فكانوا بحاجة لتلك الثياب البيضاء النقية التي يمنحها يسوع. واللون الأبيض كان لون الانتصار لدى الرومان، لهذا تشير الثياب البيضاء إلى انتصار المؤمن في يسوع.
- فَسَيَمْشُونَ مَعِي: وهذه أعظم مكافأة يمكن أن يقدمها يسوع لمن يتبعونه. فأولئك المؤمنون الذي في ساردس الذين لم يتهاونوا مع الخطية كما فعلت مدينتهم سيكافؤون بعلاقة أكثر قربًا وحميمية مع يسوع. وهذه المكافأة تعد حافزًا أكبر من الخوف من العقاب أو الهلاك نتيجة الخطية.
- الطاهرون يمكن أن تكون لهم علاقة حميمية أكبر مع الله ليس لأنهم يستحقونها، لكن لأنهم ببساطة أكثر اهتمامًا بالأمور الروحية. فالله وعد بمكافأة هذا الاهتمام بقوله: طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ (متى ٨:٥).
- “لكن ماذا سيحدث لمن يعيشون في الكنيسة لكنهم ليسوا منها، من لهم صورة الحياة لكنهم أموات؟ ماذا سيحدث للأنبياء الكذبة؟ وماذا سيحل بالمتدينين خارجيًا وتملؤهم المرارة داخليًا؟ نقول كما قال كالفن ذات مرة: ’سيرتدون السواد لأنهم لا يستحقون غيره.‘ سيرتدون سواد دينونة الله، وسيرتدون سواد اليأس والقنوط، وسيرتدون سواد الألم الذي لا يعبر عنه، وسواد اللعنة. سيرتدون السواد لأنهم كانوا غير مستحقين.” سبيرجن (Spurgeon)
و ) الآية (٥): وعد بالمكافأة.
٥مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ.
- مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا: ميّز يسوع هؤلاء الغالبين الذين لم ينجسوا ثيابهم (سفر الرؤيا ٤:٣). وهؤلاء سيلبسون ثِيَابًا بِيضًا.
- كانت الطهارة والعلاقة مع يسوع التي أدت لهذه الطهارة هي الفرق بين الأغلبية الميتة ذات الأعمال السيئة (من لهم سمعة حسنة) وأولئك من أرضوا الله. فصورة الموت والصورة الروحية المزيفة لمعظم المؤمنين في ساردس كانت سببها حياتهم النجسة وقبولهم وتعاملهم مع خطية العالم الذي حولهم. ويصعب علينا أن نجزم إن كان الموت قد حدث قبل التنجس بالعالم أم العكس، لكن الأمران بالتأكيد مرتبطان.
- يبين لنا يسوع مدى ضرورة أن يلبسنا الله ثياب البر في مَثل عشاء العرس (متى ١١:٢٢-١٤). فالبر الحقيقي هو حين يسترنا غطاء الله بدلًا من محاولتنا تغطية أنفسنا. فقد حاول آدم وحواء أن يغطيا خطيتهما (تكوين ٢١:٣) لكن الله سترهما برداء (غطاء) الذبيحة (تكوين ٧:٣).
- وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ: وفي هذا تأكيد للغالبين على مواطنتهم السماوية. ففي ذلك الزمان كان الموت أو الإدانة الجنائية سببًا في محو اسم الشخص من سجل مواطني المدينة.
- “كانت المدن قديمًا تحتفظ بسجل لمواطنيها، وعند موت الشخص كان يتم إزالة اسمه من السجل. والمسيح المقام يقول بأنه إن أردنا أن نبقى في سجل مواطني الله فعلينا أن نبقي على إيماننا حيًا.” باركلي (Barclay)
- أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ: هل هذا يعني أن المؤمن يمكن ان يخسر خلاصه؟ أي أن يكون اسمه اليوم في سِفْرِ الْحَيَاةِ، وفي يوم آخر حين يسقط يمسح اسمه مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ؟ علينا أولًا فحص السياق هنا في سفرالرؤيا ٥:٣. فالفكرة الرئيسية هنا هي التأكيد والضمان، لذلك لا ينبغي لنا أن نعتقد أن الأسماء تمحى وتكتب باستمرار. فيسوع لا يجلس في السماء وفي يده ممحاة، لكن في الوقت نفسه علينا أن نفكر مليًا في ما تقوله الكلمة هنا عن سفر الحياة.
- سيفتح سِفْرِ الْحَيَاةِ ويقرأ في يوم الدينونة. وهذا يعني أن سِفْرِ الْحَيَاةِ شيء حقيقي. “وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.” (سفر الرؤيا ١٢:٢٠)
- سِفْرِ الْحَيَاةِ سيحدد ما إذا كنا سنكون في السماء أو الجحيم. وهذا يعني أن سِفْرِ الْحَيَاةِ مهم. “وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.” (سفرالرؤيا ١٥:٢٠)
- معرفتنا بأن أسماءنا مكتوبة في سِفْرِ الْحَيَاةِ أمر يجلب لنا فرحًا عظيمًا. “وَلكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ.” (لوقا ٢٠:١٠)
- سِفْرِ الْحَيَاةِ حقيقي، وهناك خمس إشارات مختلفة لأشخاص مسحت أسماؤهم من السفر. وهذا يعني أن فكرة إزالة الاسم من سِفْرِ الْحَيَاةِ ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد. وربما يكون النص مجرد إشارة رمزية واسم الشخص لم يكتب في السفر أصلًا. ولكن حتى لو كان الأمر كذلك فالله يريدنا أن نأخذ الأمر على محمل الجد لأن هناك من نعتقد أنهم مخلصين بمفهومنا البشري، لكنهم لن يكونوا في السماء. “قال موسى لله: “وَالآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ، وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ” (سفر الخروج ٣٢:٣٢). “فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِ” (خروج ٣٣:٣٢). “لِيُمْحَوْا مِنْ سِفْرِ الأَحْيَاءِ، وَمَعَ الصِّدِّيقِينَ لاَ يُكْتَبُوا” (مزمور ٢٨:٦٩). “مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ” (رؤيا يوحنا ٥:٣). “وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ” (رؤيا يوحنا ١٩:٢٢).
- تقدم لنا حياة رجل يدعى تشارلز تمبلتون مثالًا جيدًا على كيفية التعامل مع هذا التحذير بجدية. فمنذ جيل مضى كان تشارلز من مؤسسي حركة شباب من أجل المسيح التي كان لها تأثير في نشر رسالة المسيح في البلاد بأكملها. وكثيرون تبعوا المسيح نتيجة للاجتماعات التي عقدها. وقد كان السيد تمبلتون معاونًا لبيلي جراهام في بداياته، لكنه تخلى عن إيمانه بيسوع ونبذ إيمانه بالله وأعلن إلحاده. فقد تخلى تشارلز عن إيمانه الأول وأراد “إنقاذ” الأشخاص الذين ربحهم للمسيح. ومن الواضح أن هذا الرجل في حالته الآنية لن يكون مصيره السماء، وهو لا يطلب هذا أيضًا. ولنا هنا أن نتساءل إن كان هذا الرجل قد نال الخلاص أصلًا أو فقد خلاصه، لكننا نخرج من هذا النقاش باستنتاجين، أولًا أنه كان في نظر الناس قد نال الخلاص بلا شك. ثانيًا، أنه لم يطع أمر الكتاب المقدس لنا بأن نستمر بثقة وأن نواصل ثباتنا في الإيمان.
- هناك سفران فيهما سرد للأنساب في الكتاب المقدس.
- وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ: هذا وعد رائع، فمن المنطقي أن نقبل نحن بالاعتراف باسم يسوع، لكن المدهش أنه لن يخجل هو من الاعتراف بنا!
- من المهم بالنسبة لنا أن نقبل يسوع، لكن الأهم هو أن نعلم إن كان يسوع يقبلنا أم لا.
ز ) الآية (٦): توبيخ وتحذير عام لكل السامعين.
٦مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ
- فَلْيَسْمَعْ: علينا جميعًا أن نصغي لما يقوله الروح للكنيسة في ساردس. فمن السهل الانجراف في لامبالاة نحو الموت الروحي، خاصة حين تحظى بسمعة طيبة. ولكن هناك دائمًا أمل للكنيسة الميتة لأننا نعلم أن يسوع يمكنه أن يقيم الموتى.
- مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ: تُعلمنا كنيسة ساردس أن نحذر من نجاحنا. فقد كانت المدينة غنية وتعيش في بحبوحة، لكن هذا أدى إلى ضعفهم وانحلالهم. لهذا تعلمنا كنيسة ساردس أن نقطة قوتنا قد تكون أيضًا نقطة ضعفنا. فقد ظنت ساردس أنه لا يمكن غزوها، فتم غزوها. وحين تقول “أنا لا يمكن أن أفعل هذا،” فهذه بالذات الجهة التي عليك أن تتنبه لها.
- كان القائد العسكري البريطاني مونتغمري يقول: “يمكن لرجل أو جندي واحد أن يجعلني أخسر معركة.” ويمكن للمؤمن الضال أو الفاسد أن يتسبب بخسارة معركة كنيسة بأكملها. فأولًا سيخسر هذا الشخص على المستوى الفردي، وثانيًا ستخسر الكنيسة المعركة لأنه سيقود آخرين إلى خطيته. وأخيرًا، ستخسر الكنيسة المعركة بسبب تقبلها للخطية والسكوت عنها في حياة آخرين في الكنيسة. رجل واحد يمكن أن يجعلنا نخسر المعركة!
ثانيًا. رسالة يسوع إلى الكنيسة في فيلادلفيا
أ ) الآية (٧ أ): شخصية مدينة فِيلاَدَلْفِيَا.
٧وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا…
- فِيلاَدَلْفِيَا: اسم فِيلاَدَلْفِيَا يعني المحبة الأخوية، والمدينة كانت الأصغر بين المدن السبع، وتأسست في الأصل كموقع لنشر ثقافة اليونان القديمة.
- “كان الغرض الأصلي من إنشاء المدينة جعلها مركزًا لنشر اللغة والثقافة اليونانية في مقاطعات آسيا.” هوكينج (Hocking)
- “تم بناء فيلادلفيا بقصد أن تصبح مدينة تنتشر منها حضارة اليونان. فبعد فيلادلفيا كانت تمتد براري فريجيا التي تسكنها قبائل بربرية. وكان من المفترض أن تكون وظيفة فيلادلفيا نشر اللغة والحضارة اليونانية في المناطق التي تمتد بعدها.” باركلي (Barclay)
- سميت المدينة على اسم مؤسسها أتالوس الثاني الذي كان يطلق عليه اسم فيلاديلفوس (Philadelphos).
- “كانت فِيلاَدَلْفِيَا مدينة مزدهرة. بحكم وقوعها وسيطرتها على واحد من أهم الطرق الرئيسية في العالم وقتها وهو الطريق الذي يربط أوروبا بالشرق. فقد كانت فيلادلفيا نقطة العبور من قارة إلى أخرى.” باركلي (Barclay)
- فِيلاَدَلْفِيَا: اشتهرت المدينة أيضًا بمبانيها الجميلة (فكانت تسمى “أثينا الصغيرة”)، واشتهرت أيضًا بكثرة الزلازل التي كانت بدورها تتطلب جلاء السكان.
- “كان السير في شوارعها الحافلة بالمعابد يذكر المرء بأثينا التي كانت مركز عبادة آلهة اليونان.” باركلي (Barclay)
ب) الآية (٧ب): يسوع يصف نفسه لكنيسة فيلادلفيا.
٧… هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ.
- هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ: يذكَّر يسوع كنيسة فيلادلفيا بأنه الْقُدُّوسُ الْحَقُّ. وهذه ليست صفاتًا أو ميولًا في يسوع، لكنها جوهره وذاته. وهذا يبين لنا أيضًا أن يسوع هو ذاته يهوه لأن يهوه وحده هو الْقُدُّوسُ بالمعنى المطلق.
- هناك كلمتان يونانيتان يمكن ترجمتهما إلى الْحَقُّ. أحداهما تعني “الصواب (الْحَقُّ)، أو عكس الخطأ،” والأخرى تعني “الحقيقي (الْحَقُّ)، غير المزيف،” وهي المستخدمة هنا. أي أن يسوع حقيقي وحقّ بالكامل؛ فهو الله الحقيقي والإنسان الحقيقي.
- الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ: يبين لنا يسوع هنا أيضًا أنه حارس المفاتيح والأبواب، في اقتباس وإشارة إلى سفر إشعياء ٢٠:٢٢-٢٣ يظهر من خلاله يسوع قوته وسلطانه في تعيين الداخلين والمستبعدين.
ج ) الآية (٨): ما يعرفه يسوع عن كنيسة فيلادلفيا.
٨أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي.
- أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ: كرر يسوع هذه العبارة مع كل كنيسة من الكنائس السبع. وكنيسة فيلادلفيا كانت قد خدمت الله في ظروف صعبة، وهذا ما كان يعلمه يسوع.
- هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ: كان أمام كنيسة فيلادلفيا بَابًا مَفْتُوحًا. وغالبًا ما يشير الباب المفتوح إلى فرص للخدمة ونشر الإنجيل (كورنثوس الأولى ٩:١٦، كورنثوس الثانية ١٢:٢، كولوسي ٣:٤). وهنا يخبرهم يسوع بأنه فتح باب للخدمة وعليهم عبور هذا الباب بإيمان.
- كان لكنيسة فيلادلفيا دعوة عظيمة للخدمة ونشر الإنجيل. فقد كان منوطًا بالمدينة مهمة نشر الثقافة واللغة اليونانية في أنحاء المنطقة، وها يسوع يفتح الباب أمام مؤمني فيلادلفيا لنشر ثقافة مملكته في جميع أنحاء المنطقة كذلك.
- يلفت يسوع نظرهم لرؤية هذا الباب المفتوح. فأحيانًا قد يفتح الله أمامنا بابًا للخدمة ونشر الإنجيل دون أن نراه. فقد جاء رجل ذات مرة إلى سبيرجن وسأله عن كيفية كسب الآخرين ليسوع. فسأله سبيرجن: “ما هو عملك؟” فقال الرجل: “أنا سائق قاطرة.” فقال سبيرجن: “هل الرجل الذي يجرف الفحم في قطارك مؤمن؟” فقال الرجل: “لا أعرف.” فقال سبيرجن: “عد إليه واعرف إن كان مؤمنًا أم لا، وابدأ به.”
- حين نرى بَابًا مَفْتُوحًا علينا أن نعبر منه. فالله يريدنا أن نغتنم كل فرصة يوفرها لنا للخدمة ونشر الإنجيل.
- قد يكون هناك معنى آخر لهذا الباب المفتوح. إذ يبدو أن المؤمنين في فيلادلفيا كانوا قد استُبعدوا من الدخول إلى الهيكل (سفرالرؤيا ٩:٣). والباب المفتوح هنا ربما يشير إلى فرصتهم للدخول إلى ملكوت الله بعكس الحرمان من دخول الهيكل الذي تعرضوا له.
- وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ: التركيز هو على كون الباب مفتوحًا دون عوائق، أي أنه لا شيء يمكن أن يمنعهم من الوصول إلى هذا الباب. وبما أن يسوع هو الذي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ (سفرالرؤيا ٧:٣) فهو بيده السلطان لإبقاء هذا الباب مفتوحًا للمؤمنين في فيلادلفيا.
- “كان بإمكان داود أن يغلق أو يفتح أبواب مملكة إسرائيل كما يشاء. ولم يكن ملزمًا بتوريث الملُك لابنه الأكبر، إذ كان بإمكانه اختيار من سيملك بعده. وهكذا مملكة الإنجيل، ملكوت السموات، تحت تصرف المسيح.” كلارك (Clarke)
- يفتح الله الأبواب للخدمة والخدام اليوم. “أود أن أشهد بأنني رأيت وعد كنيسة فيلادلفيا بالباب المفتوح يتحقق عبر سنوات من الخدمة. فدعمنا لا يأتي من الجنوب أو الشرق أو الغرب، لكن من الله؛ وإن تمسكنا به ووثقنا به فسينجح مساعينا. فالخادم يجب أن لا يعتمد على مواهب الخدمة أو على مدراء الخدمة، فمركز الإدارة هو السماء، وخط سير خدمته يقرره الرب الذي يفتح له الأبواب.” هافنر (Havner)
- بما أن يسوع هو من فتح الباب، فالمجد سيكون له. “فلا الثروة ولا النفوذ ولا خطط الترويج ولا بلاغة المنبر ولا جمال الموسيقى، يمكن أن يقدموا لنا خدمة فعالة. فالله وحده من يفتح الأبواب، وهو وحده من يباركنا.” موريس (H. Morris)
- لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً: وهذه العبارة لا تعني الضعف (قُوَّةً يَسِيرَةً) لكنها تتحدث عن قُوَّة حقيقية. فقد كانوا ضعفاء بما يكفي ليكونوا أقوياء في المسيح. فقد نكون أقوياء أو مؤهلين أو واثقين من أنفسنا لدرجة تمنع الله من أن يستخدمنا. ولكن الكنيسة في فيلادلفيا كانت مسكينة في الروح فأدركت أنها بحاجة إلى قوة الله.
- “نحن لسنا بحاجة إلى قوة كبيرة أو قدرات عظيمة، لكننا بحاجة لأن نكون محل ثقة. كان شمشون ذا قدرات عظيمة، لكن لم يمكن الاعتماد عليه. فالقوة القليلة التي نستخدمها بأمانة أهم من القوة الكبيرة التي ليست في محلها أو لا يمكن الاعتماد عليها.” هافنر (Havner)
- كان الرسول بولس مثالًا رائعًا لمعادلة الضعف والقوة هذه. فقوة الله كانت تتجلى في ضعفه (كورنثوس الثانية ٧:١٢-١٠).
- وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي: كانت الكنيسة في فيلادلفيا أمينة ليسوع وكلمته. والمقصود من “وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي” ليس فقط الإشارة إلى أمانتهم ليسوع، لكن أيضًا لأمانتهم في حياتهم لاسم يسوع وشخصيته.
- بعض الكنائس التي تدعي التمسك بكلمة يسوع تنكر اسمه، أي شخصيته. فيصورون أسلوب يسوع وشخصيته بشكل يختلف تمامًا عما يُظهره الكتاب المقدس.
- لنستعرض مميزات كنيسة فيلادلفيا:
- فرص للخدمة ونشر الإنجيل (جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا).
- الاعتماد على الله (لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً).
- الأمانة ليسوع (حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي).
- قد تبدو هذه المميزات عادية ويجب توفرها في كل الكنائس. لكن يسوع كان مسرورًا بهذه الكنيسة ولم يكن له عليها أي انتقاد.
- “هناك إشادة بكنيسة فيلادلفيا لحضها على التمسك بكلمة الله وعدم إنكار اسمه. فالنجاح في العمل المسيحي لا يمكن قياسه بأي معيار آخر. فالأمر ليس مرهونًا بارتفاع شأن الكنيسة أو بعدد المباني الجديدة التي تم بناؤها خلال عهد الراعي، كما أنه ليس مرهونًا بعدد الحشود التي تتدفق للاستماع لأي متكلم. فكل هذه الأمور تستخدم دائمًا كمقاييس للنجاح، لكنها مقاييس أرضية وليست سماوية.” بارنهاوس (Barnhouse)
د ) الآيات (٩-١٠): ما سيفعله يسوع لمؤمني كنيسة فيلادلفيا.
٩هنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، مِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ هنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ. ١٠لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ.
- هنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ: يبدو أن المؤمنين في فيلادلفيا قد تعرضوا للاضطهاد من قبل اليهود (المَجْمَعِ). ولكن هؤلاء اليهود المضطهِدين كانوا يهودًا بالاسم فقط (الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ). فهؤلاء لا صلة روحية لهم بإبراهيم أو بأهل الإيمان.
- لم يشمل يسوع كل الشعب اليهودي بوصفه هذا. فسيكون من الخطأ وصف كل الشعب اليهودي بوصف مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ أو الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا. فقد كان يسوع يقصد مجموعة محددة من اليهود في فيلادلفيا كانت تضطهد المسيحيين خلال تلك الفترة.
- هنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ: يعد يسوع شعبه هنا بأنه سيرد لهم اعتبارهم ويظهر خطأ مضطهديهم وحق يسوع ومن يؤمنون به. والفكرة هنا هي تبرير مؤمني كنيسة فيلادلفيا في نظر أولئك المضطهدين “الروحيين” الذين هم أبرار في نظر أنفسهم.
- وعد الله إسرائيل بأن الأمم ستكرّمهم وتعترف بإلههم (إشعياء ١٤:٤٥). أما الآن فقد انقلب الحال، وسيكون هؤلاء اليهود “هم الوثنيون الذي سيعترفون بأن الكنيسة هي إسرائيل الله.” مونس (Mounce)
- تتحدث الآيات في رسالة كورنثوس الأولى ٢٤:١٤-٢٥ عن عبادة العاميّ أو غير المؤمن وسط المؤمنين. وهذا يبين أن المؤمنين ليسوا هم المقصودين بالعبادة، لكن الله هو من كان يُعبد بحضور المؤمنين.
- وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ: أولئك الذين كانوا في السابق أعداءً لهم، صاروا يعبدون معهم جنبًا إلى جنب، ولم يعودوا أعداء، إذ أدركوا أن يسوع يحب هؤلاء الناس الذين اضطهدوهم ذات مرة. فأفضل طريقة للتخلص من أعداء الإنجيل هي أن نصلي لهم ليحولهم الله إلى أصدقاء.
- غالبًا ما يتوق الأشخاص المضطهدين لمجازاة مضطهديهم (سفر الرؤيا ١٠:٦). وهناك نص كتبه مسيحي من القرن الثاني يبين هذا: “أي مشهد يثير عجيبي وضحكي وفرحتي وسعادتي؟ حين أرى هؤلاء الملوك العظماء يئنون في أعماق الظلام! وأولئك الحكام والقضاة الذين اضطهدوا اسم يسوع وهم يحترقون بالنيران التي اشعلها غضبهم وكرههم للمسيحيين!” اقتباس لترتليان (Tertullian) استشهد في باركلي (Barclay)
- أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ: يعدهم يسوع أيضًا بالحماية من سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ القادمة على الْعَالَمِ كُلِّهِ.
- يرى معظم المفسرين أن سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ هذه هي إشارة نبوية إلى مبتدأ الأوجاع والضيقة العظيمة التي ستسبق ملكوت يسوع الأرضي. وهنا يعد يسوع المؤمنين بأن يحميهم من سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ هذه.
- لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ: ساعة التجربة هذه ستكون موجهة نحو السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ. وهذا التعبير استخدم تسع مرات في سفر الرؤيا في إشارة لمن لم ينالوا خلاص المسيح. والآية في سفر الرؤيا ٨:١٧ تجعل هذا المصطلح يشير للهالكين أيضًا: وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ. فهذه التجربة هي لغير المؤمنين، وليست للمؤمنين.· السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ: “لا تشير إلى المؤمنين لكن لغير المؤمنين الذين سينصب عليهم غضب الله باستمرار طوال سفر الرؤيا. جونسون (Johnson)
- حال المؤمنين يختلف. فرغم أننا نحيا على هذه الأرض فمسكننا في السماء. فقد أجلسنا يسوع في السماويات (أفسس ٦:٢). ولسنا بعد من السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ لأن حياتنا مستترة في يسوع (كولوسي ٣:٣).
- سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ: هل هذا وعد بتجنبنا الضيقة العظيمة أم هو وعد بحمايتنا خلالها؟ يعتقد كل جانب أن هذا المقطع يدعم موقفه بشكل واضح.
- أولئك الذين يؤمنون أن الكنيسة سوف تكون على الأرض خلال الضيقة العظيمة يركزون على الآية: “لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي” قائلين إن السياق يبين أن هذه الحماية سيخصهم بها الله للثبات خلال هذه الفترة.
- والذين يعتقدون أن يسوع سوف يأتي ليأخذ كنيسته قبل الضيقة العظيمة يرون أن الوعد بالحماية هو من سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ نفسها، وليس خلالها فقط. كما أنهم يشيرون أيضًا إلى الدمار الشامل في كل العالم الذي سيكون خلال الضيقة العظيمة (إنجيل متى ٢١:٢٤ وفي سفر الرؤيا ٦، ٨-٩، ١٦).
- بأي حال فكون كلمة “حَفِظْتَ” في صيغة الماضي يدل على أنه شيء قد فعله المؤمنون قبل سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ، التي لم تأتِ على العالم بعد. والوعد هو بالمكافأة على الثبات الذي سبق وحدث، وليس للثبات في المستقبل. “وبالنسبة لكنيسة فيلادلفيا كان اختطاف الكنيسة هو أملهم بالخلاص الوشيك.” والفورد (Walvoord)
- إضافة إلى ذلك، أولئك الذين جربوا في سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ ليسوا المؤمنين في المقام الأول لكنهم السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ، أي من موطنهم الأرض لا السماء (فيلبي ٢٠:٣).
هـ) الآية (١١): ما يريد يسوع من كنيسة فيلادلفيا أن تفعل.
١١هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ.
- هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا: أولًا، على الكنيسة في فيلادلفيا أن تتذكر أن يسوع سيأتي سريعًا وأن عليهم الاستعداد لمجيئه.
- “علينا أن نفهم أن كلمة ’سريعًا‘ تشير أيضًا إلى أن مجيئه سيكون على نحو مفاجئ وغير متوقع، لكنه ليس فوريًا بالضرورة.” والفورد (Walvoord)
- تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ: على الكنيسة في فيلادلفيا أن لا تتخلى عن أساسها المتين، كما أشار سفرالرؤيا ٨:٣…
- فرص للخدمة ونشر الإنجيل (جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا).
- الاعتماد على الله (لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً).
- الأمانة ليسوع (حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي).
- هذه الأمور يجب أن تستمر في كنيسة فيلادلفيا، لكن ذلك لن يحدث إلا لو تمسكوا بما عندهم.
- لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ: إن فشلوا في التمسك بما عندهم فقد يُعطى إكليلهم لآخر. أي أنهم لن يفقدوا إكليلهم لكنه سيعطى لآخر.
- وهذا ليس إكليل أو تاج الملوك الذي يكتسب بالوراثة، لكنه تاج الانتصار. فقد حث يسوع قديسيه على إنهاء مسيرتهم بانتصار، وأن يخوضوا الشوط الثاني بنفس حماس الشوط الأول.
- “لا تنس أن من يمكن أن يسرق إكليلك هو على الأغلب ذاتك. ’فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ.‘ (سفرالأمثال ٢٣:٤). فليس هناك خطر على أي شخص أكبر من خطره على نفسه.” هافنر (Havner)
و ) الآية (١٢): وعد بالمكافأة.
١٢مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ.
- مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا: هذا وعد للغالبين بأن يكونوا أعمدة في هيكل الله. والأعمدة هنا صورة للقوة والثبات والجمال المهيب.
- عانت مدينة فيلادلفيا القديمة من زلازل متكررة. وعندما كان ينهار مبنى إثر زلزال، كانت الأعمدة غالبًا هي كل ما يبقى قائمًا. ويسوع يقدم لنا هنا هذه القوة لنبقى صامدين عندما ينهار كل شيء من حولنا.
- الأعمدة هي ما يحمل المبنى، والشيء الوحيد الذي يدعم هذه الأعمدة هو الأساسات. وأعمدة الكنيسة تحمل الكنيسة وهذه بدورها تستند على يسوع الذي هو أساسها.
- وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ: هؤلاء الغالبين سيكون لهم مكان ثابت مضمون لدى الله، على عكس عدم الاستقرار الذي في العالم.
- “عاش سكان فيلادلفيا حياة غير مستقرة. فكلما جاءت الزلازل، كان أهالي فيلادلفيا يفرون من المدينة إلى الريف هربًا من الأحجار المتساقطة خلال الزلازل. ثم حين تهدأ الزلازل كانوا يعودون للمدينة مرة أخرى. وهكذا كان الناس في فيلادلفيا في خروج ودخول مستمر، يفرون من المدينة ثم يعودون إليها.” باركلي (Barclay)
- وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي… وَاسْمِي الْجَدِيدَ: سينال الغالبون أسماء عديدة أيضًا مثل: اسم إلهي، وأورشليم الجديدة، والاسم الجديد ليسوع. وهذه الأسماء علامات جديدة تحدد هويتنا الجديدة ولمن ننتمي. وهي كذلك علامات على علاقتنا الحميمة التي تجمعنا به وغير المتاحة للآخرين.
- يتوافق هذا الوصف مع صورة الأعمدة. ففي العالم القديم كان نقش اسم شخص ما على عمود في أحد المعابد وسيلة لتكريم شخص خدم المدينة أو كاهن متميز. “كانت فيلادلفيا تكرم أبنائها اللامعين بوضع أسمائهم على أعمدة معابدها ليتسنى لمن يحضرون العبادة أن يروا هذه ويستذكرونهم.” باركلي (Barclay)
ز ) الآية (١٣): توبيخ وتحذير عام لكل السامعين.
١٣مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ
- مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ: جميعنا نود أن نسمع ذلك المديح والتشجيع الذي قاله يسوع بحق كنيسة فيلادلفيا. وإن أردنا أن نكون مثل هذه الكنيسة يجب أن نسير على خطاها وأن نقف على نفس أساساتها التي كانت كلمة المسيح واسمه. وعلينا أيضًا أن نعتمد على مصدر القوة ذاته، وهو المسيح، وليس أنفسنا.
ثالثًا. رسالة يسوع إلى كنيسة لاودكية
أ ) الآية (١٤أ): مزايا كنيسة لاودكية.
١٤وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ…
- كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: كانت لاودكية مدينة ثرية مهمة تضم عددًا كبيرًا من اليهود. وكغيرها من مدن المنطقة كانت مركزًا لعبادة القيصر وعبادة الإله الشافي إسكليبيوس. وكان هناك معبد شهير للإله إسكليبيوس في لاودكية بالإضافة لمدرسة لعلوم الطب ترتبط بالمعبد.
- بعد أن دمر زلزال المنطقة عام ٦٠ م رفضت لاودكية مساعدة الإمبراطورية لإعادة بناء المدينة واعتمدت بنجاح على مواردها الخاصة. فلم يكونوا بحاجة إلى مساعدة خارجية ولم يطلبوها كذلك. “كانت لاودكية غنية لدرجة أنها لم تقبل أي مساعدة خارجية. ويقول المؤرخ الروماني تاسيتوس: ’نهضت لاودكية من تحت الأنقاض بفضل قوة مواردها الخاصة ودون مساعدة منا.‘” باركلي (Barclay)
- كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: كانت لاودكية أيضًا مركزًا للتجارة وبعض بضائعها كان يصدر إلى جميع أنحاء العالم. “كان من المعروف أن لاودكية تفخر بثلاثة أمور: ثروتها المالية، وصناعة النسيج المزدهرة، وكُحل العيون الشهير الذي كان يتم تصديره لجميع أنحاء العالم.” ماونس (Mounce)
- كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: لكن شُح مصادر المياه كان أحد مشاكل لاودكية، مما جعلها ضعيفة أمام أي حصار، إذ لم يكن لديهم مياه كافية إن أحاط جيش العدو بالمدينة، والذي كان يمكنه بسهولة قطع مجاري المياه الداخلة إليها. لهذا كان رؤساء المدينة متعاونين دائمًا مع أي عدو محتمل، مفضلين التفاوض والحلول الوسط بدلًا من القتال.
- كان مصدر المياه الرئيسي قناة بطول ستة أميال من ينابيع هيرابوليس الساخنة. ولأن الماء كان مصدره الينابيع الحارة، كان يصل المدنية فاترًا.
- كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: أشار بولس لكنيسة لاودكية على نحو غير إيجابي إلى حد ما في رسالته إلى أهل كولوسي ١:٢ و١٦:٤.
ب) الآية (١٤ب): يسوع يصف نفسه لكنيسة لاودكية.
١٤… هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ…
- هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ: يسوع هو الآمِينُ، أو الخاتم والمؤكد على ما سبق من كلام. وكما تقول الآية في رسالة كورنثوس الثانية ٢٠:١ ’لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ» وَفِيهِ «الآمِينُ».‘ “ففي يسوع يتجسد ويتجلى الحق الإلهي.” باركلي (Barclay)
- الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ: وهذا يسوع أيضًا، الذي هو نقيض حال اللاودكيين، الذين سيظهر لاحقًا زيفهم وعدم أمانتهم.
- بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ: المقصود بكلمة بَدَاءَةُ هو المصدر أو الأصل، وليس بداية أي ترتيب تسلسلي. فهذه الآية لا تقول إن يسوع هو المخلوق الأول، لكنه المصدر والأصل لكل الخليقة. فهو المصدر الأول وليس الأول في التسلسل.
ج ) الآيات (١٥-١٦): ما يعرفه يسوع عن كنيسة لاودكية.
١٥أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! ١٦هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي.
- أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا: استخدام فتور الحرارة في هذا التشبيه كان مفهومًا تمامًا لدى مؤمني لاودكية لأن الماء الذي كانوا يشربونه كل يوم كان فاترًا. فيسوع يقول: “كما أن الماء الذي تشربونه فاتر بشكل مقزز، هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا.” والمعنى الروحي للفتور هنا هو حال اللامبالاة والتهاون ومحاولة الاكتفاء بأخذ موقف متوسط، فلست حارًا ولست باردًا. ففي سعيهم ليكونوا كلا الأمرين باتوا بلا هوية، ليؤدي بهم هذا لسماع كلمات “أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي.”
- هل قصد يسوع أن يقول إن هؤلاء المؤمنين كانوا باردين في جوهرهم لكن حارين ظاهريًا بفضل مظاهرهم الدينية؟ أم أنهم حارين داخليًا لكن لامبالاتهم واعتمادهم على أنفسهم يجعلهم فاترين؟ كلا الأمرين ممكن، ولكن بما أنه كان يخاطب الكنيسة فالاحتمال الثاني قد يكون الأقرب.
- هل كان هناك لعنة على عالمنا أسوأ من التدين الفارغ؟ هل هناك أصعب من لمس قلب شخص يعتقد أن لديه ما يكفي من الإيمان بيسوع؟ تجسد كنيسة لاودكية التدين الفارغ من المضمون، فقد كان جامعو الضرائب والعاهرات أكثر تقبلًا لتعاليم يسوع من الكتبة والفريسيين.
- يحاول الشيطان هزيمتنا بأي طريقة ممكنة، لكنه يفضل المتدين الفاتر على الخاطئ القاسي القلب.
- لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا!: ما أراد يسوع تغييره فيهم (وفينا) هو وجودهم في تلك المنطقة الرمادية التي تحاول أن ترضي العالم ويسوع في ذات الوقت.
- لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا: تشير هذه الجملة أيضًا إلى انعدام الفائدة. “فالماء الساخن يشفي، والماء البارد ينعش، لكن الماء الفاتر لا يفيد في شيء.” موريس (L. Morris). وكأن يسوع يقول “لو كنت حارًا أو باردًا لكان بإمكاني أن أفعل شيئًا، لكن لأنك لست في أي من الحالتين فلن أفعل. فالمؤمن الفاتر فيه من يسوع ما يكفي لإشباع تلك الرغبة في التدين، لكن ليس بما يكفي للوصول للحياة الأبدية.
- كان اللص على الصليب بعيدًا عن يسوع لكنه رأى احتياجه له. ويوحنا كان قريبًا من يسوع وكان يتمتع بعلاقة حميمة معه. لكن يهوذا كان فاترًا، فقد كان قريبًا من يسوع بما يكفي ليُعتبر من التلاميذ، لكنه لم يسلم قلبه ليسوع بشكل كامل.
- ليس هناك من هو أكثر بؤسًا من المؤمن الفاتر. ففيه من العالم ما يمنعه من الفرح بيسوع، وفيه من يسوع ما يمنعه من فرح العالم.
- لكن كيف يمكن ليسوع أن يقول لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا؟ فنحن نعلم أنه يريدنا أن نكون حارين وأن يكون حبنا له متقدًا (انظر سفر الرؤيا ١٩:٣، حيث ترتبط كلمة الغيرة بنفس كلمة حَارًّا). وبما انهم ليسوا حارين، يفضل يسوع أن يكونوا باردين على أن يكونوا فاترين. “وكأن الرب يقول، ’برودك قد يجعلك تشعر بحاجتك إلى الدفء الحقيقي، لكن فتورك منعك من إدراك حاجتك هذه.‘” بارنهاوس (Barnhouse)
- فَاتِرٌ: مثل هذه الصلوات إهانة بحق الله. “إخوتي وأخواتي، هل فكرتم بكم هي إهانة لله حين نأتي إليه بصلوات فاترة؟ فأمامنا كرسي الرحمة الذي فرشت الطريق إليه بدم يسوع الثمين، لكننا نتقدم إليه بقلوب باردة أو دون قلب إطلاقًا. فنحن نركع للصلاة، لكننا لا نصلي. ننطق بعض الكلمات ونكرر بعض الأفكار، لكنها مظاهر لا تعكس حقيقة دواخلنا. ألسنا بهذا نهين كرسي الرحمة؟ فنحن نعامل الصلاة وكأنها مكان لصرف الوقت بدلًا من أن تكون ساحة صراع تشوبها الدماء وقطرات العرق التي تصاحب تضرعاتنا المحمومة.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَاتِرٌ: حياة كهذه تُبعد الناس عن يسوع. “حسنًا أيها الفاتر، ما الذي يراه العالم فيك؟ يرون رجلًا يقول إنه ذاهب إلى السماء لكنه يتحرك نحوها زاحفًا. يعلن أنه يؤمن بوجود الجحيم، لكن عيونه لا تدمع ولا يسعى أبدًا لتخليص النفوس من الوقوع فيها. أمامنا شخص عليه التصرف إزاء حقائق أبدية، لكنه نصف مستيقظ. شخص يدّعي أن حياته اختبرت تحولًا غامضًا ورائعًا يجب أن ينتج عنه تغير كبير في الحياة الخارجية كذلك، لكنه لا زال كما هو، وكما الآخرين. قد يكون شخصًا منضبطًا من الناحية الأخلاقية لكن لا حماس أو حياة في شخصيته الدينية.” سبيرجن (Spurgeon)
- أبناء العالم لا يزعجهم المؤمنون الفاترون، الذين يعزفون للخطاة ما يحلو لأسماعهم بينما يقودونهم إلى حافة الهاوية وإلى هلاكهم بدلًا من أن يكونوا لهم صفارة الإنذار. هذا أمر بالغ الأهمية أيها الأحباء، فهذا إضرار بالحق، وتهاون من أولئك المؤمنين المتهاونين في حق اسم الله وكرامته. أصلي لأن تكون بحسب إيمانك، أو أن تتخلى عنه. إن كنتم حقًا شعب الله فاخدموه بكل قوتكم؛ أما إن كان البعل إلهك، فاخدمه. وإن كان الجسد يستحق الخدمة، فاخدم الجسد؛ ولكن إن كان الله هو الإله الأسمى، فلنتعلق به.” سبيرجن (Spurgeon)
- اسم لاودكيا يعني “حكم الشعب.” وهذه الكنيسة تمثل الكنيسة التي تديرها الأغلبية بدلًا من أن يقودها الله. “اسمها يقول أنها كنيسة الأغلبية، أي الكنيسة الديمقراطية التي يُقرر كل شيء فيها بالتصويت.” سييس (Seiss)
- وهذا يظهر في صيغة المُخاطب في كلام يسوع: كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ (رؤيا ١٤:٣). ولكن في حال الكنائس الأخرى كان النداء للكنيسة مباشرة، مَلاَكِ كَنِيسَةِ أَفَسُسَ (رؤيا ١:٢) أو مَلاَكِ كَنِيسَةِ سِمِيرْنَا (رؤيا ٨:٢) أو مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ (رؤيا ١:٣). لكن هنا يسميها الرب كنيسة اللاودكيين.
- قد نقول إن الفتور ميل طبيعي في طبيعتنا الساقطة. “للأسف، حالة الفتور هذه متجانسة للغاية مع الطبيعة البشرية لدرجة يصعب فيها التخلص منها. البرد يجعلنا نرتجف والحرارة المرتفعة مؤلمة، لكن الحمّام الفاتر يمنحنا الراحة. فدرجة الحرارة هذه تناسب الطبيعة البشرية. والعالم سيكون دائمًا في سلام مع كنيسة فاترة، وكنيسة كهذه ستكون دائمًا سعيدة بنفسها.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّكَ فَاتِرٌ: في عظة بعنوان “تحذير من الفتور” وصف سبيرجن الكنيسة الفاترة:
- فيها اجتماعات للصلاة لكن يحضرها قليلون، لأن الباقون يفضلون أمسية هادئة في المنزل.
- مملون جدًا، حتى حين يزيد حضور الاجتماعات، لأنهم يمارسون اجتماعهم وصلواتهم بانتظام رتيب حتى لا يخرج الأمر عن السيطرة.
- يفضلون القيام بكل شيء بشكل لائق ومنظم، والحماس يعتبر أمرًا غير لائق.
- قد يكون لديهم كلية لاهوت وصفوف لدراسة الكتاب وقاعات للخدمة وخدمات متعددة؛ لكن كل هذه لا تلزمهم، وبلا فائدة ولا تبث من خلالها أي طاقة.
- لديهم شمامسة وشيوخ يشكلون أعمدة رائعة للكنيسة، إن كانت وظيفة العمود الوحيدة هي الوقوف دون حراك وعدم إظهار أي عواطف.
- لا يذهب القس بعيدًا في عظاته وشرحه لكلمة الله، وبالتأكيد تخلو عظاته من أي حماس أو غيرة.
- قد يكون القس متكلمًا بليغًا، لكنه بالتأكيد ليس مصدرًا لنور النعمة الذي ينير قلوب الآخرين.
- كل شيء يتم بطريقة مصطنعة نصف ميتة، دون حماس حقيقي، كما لو أنه من غير المهم إنجاز هذه الأمور.
- كل شيء يجري باحترام، فالعائلات الغنية لا تُجرح مشاعرها، ومن هم في شك من أمرهم يسمعون ما يرضيهم، والبسطاء ليسوا معزولين تمامًا: فالحال بشكل إجمالي يرضي الجميع.
- يتم عمل ما يجب عمله، لكن كنيسة لاودكية لم تعلم ما يعنيه أن تفعل شيئًا من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك.
- لكن الكنيسة ليست باردة لدرجة التخلي عن خدمتها واجتماعات الصلاة أو رفض الإنجيل.
- “هم ليسوا حارين في الحق، أي دون حماس للتغيير، وليس لديهم غيرة للقداسة تطفئ شرارة الخطية، وليس لديهم غيرة يمكنها أن تغضب الشيطان أو تكفي ليقدموا أنفسهم ذبيحة حية على مذبح إلههم. فهم ليسوا حارين أو باردين.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي: ما معنى هذا؟ لماذا الكنائس في فم يسوع؟
- لأنهم ينشرون كلمته.
- لأنه يصلي لأجلهم باستمرار.
- يا له من أمر فظيع أن تُرفض من فم يسوع!
د ) الآية (١٧): مآخذ يسوع على كنيسة لاودكية.
١٧لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ.
- لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ: كانت كنيسة لاودكية تفتقر لحال المساكين بالروح. فقد كانوا ينظرون لأنفسهم ويقولون: “أَنَا غَنِيٌّ” روحيًا، ثم ينظرون ثانية ويقولون: “وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ.” وينظرون للمرة الثالثة ويقولون: “وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ.” لقد كانوا على العكس تمامًا من المساكين بالروح الذين تحدث عنهم يسوع في إنجيل متى ٣:٥.
- وضع اللاودكيون ثقتهم في غناهم المادي وفي مظاهر رفاهيتهم وصحتهم الجسدية، وشعروا أنهم لا يحتاجون بعد إلى شيء. “فقدان الإحساس بالحاجة هو كالنعاس الذي يصيب شخصًا على وشك التجمد من البرد، فأثره قاتل.” نيويل (Newell)
- “لم تتأذى رسالة المسيح من كل العشارين والخطاء بقدر ما تأذت من المؤمنين المزيفين الجالسين في الكنيسة صباح الأحد متظاهرين بأنهم يحبون المسيح الذين يدعونه ربهم لكن دون أن يطيعوا وصاياه.” هافنر (Havner)
- وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ: لم تكن الكنيسة في لاودكية في حال بعيد عن حال “المساكين بالروح” فقط، لكنها كانت أيضًا غير مدركة لحالها هذا. فقد نظر يسوع إلى حالتهم الروحية وقال: “أَنْتَ الشَّقِيُّ،” ثم نظر مرة أخرى وقال “وَالْبَئِسُ،” ونظر مرة ثالثة وقال “وَفَقِيرٌ.” ثم نظر مجددًا وقال “وَأَعْمَى.” وأخيرًا نظر ورأى أنهم كانوا عراة روحيًا.
- اشتهرت مدينة لاودكية بثروتها، لكن مسيحيي المدينة كان حالهم حال الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ. واشتهرت لاودكية أيضًا بكحل العيون الشافي، لكن مسيحيي المدينة كانوا عميانًا روحيًا. واشتهرت لاودكية بثيابها الفاخرة، لكن مسيحيي المدينة كانوا عراة روحيًا.
- التناقضات صادمة:
- التناقض بين ما يعتقدون عن حالهم، وحالتهم الحقيقية.
- التناقض بين ما يرونه هم وما يراه يسوع.
- التناقض بين ثروة مدينتهم وغناها وإفلاسهم الروحي.
- أَنَّكَ أَنْتَ: هذا لم يكن رأي يسوع فقط. فمن الناحية الروحية وصفهم بــ: الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. وما رآه يسوع فيهم كان أهم من كيف رأوا هم أنفسهم. فمؤمني كنيسة سميرنا رأوا أنهم كانوا فقراء بينما كانوا في الحقيقة أغنياء (سفر الرؤيا ٩:٢)، أما أعضاء كنيسة لاودكية فقد كانوا يعتقدون أنهم أغنياء لكنهم كانوا في الحقيقة فقراء.
- يمكننا أن نقول أن أصل المشكلة هو عماهم الروحي. فالأعمى لا يمكنه أن يرى نفسه بأنه الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. فالإظلام العقلي أسوأ من فقدان البصر؛ لكن انعدام الرؤية الروحية أسوأ بكثير.
- “اللاودكيون صورة لعالمنا المعاصر الذي يحتفي بما تراه العين الطبيعية لكنه بعيد عن جوهر الإنجيل ولا يبصر ما هو أعمق وأبعد من القشور المادية ليرى حقيقة الغنى الروحي الأبدي.” والفورد (Walvoord)
هـ) الآيات (١٨-٢٠): ما يريد يسوع من كنيسة لاودكية أن تفعل.
١٨أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ. ١٩إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ. ٢٠هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي.
- أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي: تغيير اللاودكيين كان يجب أن يبدأ بإدراكهم لفقرهم الروحي. فطالما نعتقد أنه يمكننا بأنفسنا أن نلبي حاجتنا إلى الغنى أو الملابس أو الإبصار، فلن نقبل هذه من الله أبدًا. علينا أن نطلب هذه من يسوع بدلًا من أن يكون اعتمادنا عليها.
- أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ: لن يكونوا أغنياء ما لم يقبلوا من يسوع مباشرة ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ.
- وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ: إن قبلوا من يسوع ثياب البر التي يقدمها فعندها فقط سيُلبسون، وعندها فقط لاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. فقد اشتهر تجار لاودكية بصوف أسود لامع كان يستخدم في صناعة ملابس جميلة. وهنا يقول يسوع، “أعلم أن في العالم صوفًا أسود جميل يمكن للعالم أن يلبسك إياه. لكن أنا لدي: ثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ.”
- وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل: إن قبلوا من يسوع شفاءً لبصرهم الروحي فعندها فسيكونون قادرين على الإبصار.
- تَشْتَرِيَ مِنِّي: كيف يمكننا شراء هذه الأشياء من يسوع؟ فنحن لا نحصل عليها من خلال الأعمال الصالحة. بدلًا من ذلك يقول يسوع: “يجب التخلي عن هذا الاكتفاء الذاتي في سبيل الحصول على هذه الضروريات مني (يسوع).” ألفورد (Alford)
- إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ: رغم كل هذا التوبيخ الحاد، هل تخلى يسوع عن محبته لهذه الكنيسة الفاسدة؟ كلا على الاطلاق. فمحبة يسوع الكبيرة ظهرت في توبيخه هذا. “في الحقيقة، فإن عقاب الله الأقسى هو تخليه عن التواصل معنا.” باركلي (Barclay)
- كلمة المحبة المستخدمة هنا ليست كلمة agape، ولكن phileo. فعواطف يسوع نحو هذه الكنيسة تقول: “على الرغم من أنني أوبخكم وأعاقبكم، فلا زلت أنا صديقكم الذي يحبكم بشدة.”
- “حتى مع كنيسة بلغ انحدارها حال كنيسة لاودكية، لا يزال الرب المـُقام يظهر محبته” بارنهاوس (Barnhouse)
- “كلمة المحبة المستخدمة هنا اختيرت بعناية لتدل على وجود عواطف شخصية شديدة.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ: يأمرهم هنا باتخاذ قرار بالتوبة وبالاستمرار في غيرتهم وحماسهم، إذ يقول: “ارجعوا عن طرقكم، ولا تنظروا إلى غناكم وإمكانياتكم لأنها لا تعني شيئًا. حولوا طريقكم ووجهوا أنظاركم إلي.”
- كلمة “غَيُورًا” اليونانية هنا مشتقة من ذات كلمة “حَارًّا” التي وردت في سفر الرؤيا ١٦:٣. فالرب يسوع يمقت فتورهم ويريدهم أن يكونوا حارين غيورين بدلًا من برودهم.
- “عندما نكون على فراش الموت، أعتقد أننا سنندم أكثر ما نندم على برودة قلوبنا. وأكثر من كل خطايانا ربما ستكون هذه الأثقل على قلوبنا وضمائرنا التي ستقول: ’لم أعش كما يجب؛ ولم أكن أمينًا مع إلهي كما يجب.‘ وعندها هل ستتوارد تلك العظات الباردة على خواطرنا كأشباح مرعبة؟ وعندها هل سيبدأ كل يوم من أيامنا المهملة كروح مرعبة ترهب قلوبنا وتجعل الدم يتجمد في عروقنا؟” سبيرجن (Spurgeon)
- يجب أن يكون إتباع يسوع أسلوب حياتنا وليس مجرد هواية أو نشاط عرضي. ولكن هذا يتعارض مع روح عصرنا هذه التي عبر عنها منذ زمن رجل إنجليزي شهير عندما قرأ عظة ألقاها راسل (G.W.E. Russell): “لقد وصلت الأمور إلى مرحلة خطيرة بسماحنا للدين بالدخول إلى حياتنا الخاصة.” السياسي الإنجليزي وليام لام (William Lamb) [١٧٧٩-١٨٤٨].
- قال تراب (Trapp) عن توبة المؤمن: “التوبة بمثابة قوس قزح الذي إن رآه الله يلمع في قلوبنا، فلن يهلك أرواحنا أبدًا.”
- هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ: قدم يسوع لهذه الكنيسة الفاترة الدعوة العظمى. فقد طرق على بابهم وطلب الدخول ليتعشى معهم، وهو أمر ذو مغزى عميق يشير إلى علاقة عميقة دافئة. ولكن هذا سيحدث فقط أن لبينا دعوته وفتحنا الباب، لكن الوعد للجميع: إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي.
- فكرة وقوف يسوع عَلَى الْبَابِ تنطبق على الخاطئ وعلى القديس في الوقت نفسه. فيسوع يريد الدخول إلينا وأن يتعشى معنا، مما يشير لرغبته بعلاقة عميقة ذات معنى.
- وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ: للأسف، يقف يسوع خارجًا، وهو يطرق سائلًا الدخول. ولو كانت الكنيسة في فيلادلفيا هي “كنيسة الباب المفتوح،” فإن لاودكية هي “كنيسة يسوع الـمُستبعد.”
- وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ: هذه العبارة التي يقولها يسوع كشفت عن لغز عميق. فلماذا يقف يسوع خارج الباب؟ ولماذا يطرق الباب؟ ولماذا ينتظر حتى يفتح أحد الباب؟ فهو له كل الحق في اقتحام الباب أو الدخول بأي طريقة يريد، لكنه لم يفعل ذلك. فيسوع، صاحب السيادة المطلقة الأبدية، تواضع ليسمح لخطته الأبدية بالنجاح من خلال تعاون قلب الإنسان.
- الشخص الذي بالداخل يجب أن يفتح الباب. أي أنه يجب أن يتوب عن كبريائه واكتفائه بذاته وعن حكمته الإنسانية وحياده الجبان.” موريس (H. Morris)
- “المسيح يقف وينتظر طويلًا عند باب قلب الخاطئ ثم يقرع، مستخدمًا تأنيب الضمير، والرحمة، والتوبيخ والتعليم، ليحث الخطاة على التوبة والرجوع إليه،؛ معلنًا ومناديًا بصوت عال من خلال كلمته، ومن خلال الخدام، وبالروح القدس.” كلارك (Clarke)
- يأتي يسوع إلى الباب كالحبيب في أشعار النبي سليمان. وقد يكون في النص هنا تشبيه أو اقتباس لما كتبه سليمان في سفر نشيد الإنشاد ٢:٥ “صَوْتُ حَبِيبِي قَارِعًا: اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي.”
- المفتاح الذي يفتح الباب هو سماع صوته أولًا. فعندما نولي اهتمامًا لما يقوله يسوع، عندئذٍ سيمكن إنقاذنا من فتورنا لندخل في علاقة “حارة” معه.
- أَدْخُلُ إِلَيْهِ: يا له من وعد مجيد! إن فتحنا الباب فسوف يدخل إلينا. فلن يطرق الباب ويغادر. فقد وعدنا بالدخول، وبأن يتعشى مع المؤمن.
- عندما قال يسوع وَأَتَعَشَّى مَعَهُ كان يشير إلى وجبة محددة تعرف باسم deipnon. “كانت هذه هي الوجبة الرئيسية في اليوم وذات أهمية، وليست وجبة خفيفة سريعة.” موريس (L. Morris). فالوعد هنا يشير إلى الشركة وإلى عمق العلاقة.
- “كان هذا العشاء (deipnon) هو الوجبة الرئيسية في اليوم التي يجلس فيها الرجل ويتحدث مطولًا، إذ يكون قد انتهى من العمل… فيسوع لا يعرض علينا مجرد زيارة مجاملة عابرة، لكنه يرغب في المجيء والجلوس معنا لفترة طويلة والمكوث قدر ما نسمح له بالمكوث.” باركلي (Barclay)
- هناك يريدنا يسوع، في مكان الشركة معه. فكل ما قيل لكنيسة لاودكية حتى الآن يجب أن يفهم في سياق هذه الرغبة الملُحة في الشركة. “التوبيخ والتأديب ليسا علامة لرفض يسوع المسيح، لكنهما إشارة إلى محبته الثابتة، حتى وسط الفتور واللامبالاة.” ألفورد (Alford)
- إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ: قدم يسوع هذه الدعوة للأفراد. فلم يقل ’إِنْ سَمِعَت كنيسة‘ بل قال ’إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ.‘ “علينا ألا نتحدث عن تصحيح حال الكنيسة، لكن علينا أن نصلي من أجل النعمة، كل واحد لأجل نفسه، لأن النص لا يقول: ’إن فتحت الكنيسة الباب‘ ولكن ’إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ.‘ وهذا شأن يخص الأفراد: فالكنيسة لن تنجح إلا حين يصوب كل شخص طريقه.” سبيرجن (Spurgeon)
و ) الآية (٢١): وعد بالمكافأة.
٢١مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ.
- مَنْ يَغْلِبُ: أظهر وعد يسوع للغالبين، حتى لكنيسة لاودكية، رغبته بأن لا نكون مؤمنين فاترين متهاونين. وإن كنا كذلك فيمكننا أن نتغير لنصبح واحدًا من الغالبين بيسوع.
- فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي: أولئك الذين سيغلبون في معركتهم ضد اللامبالاة والتهاون والاعتماد على الذات، سينالون مكافأة خاصة. إذ سيتمتعون بمكان مع المسيح الجالس على العرش (كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ).
- “كانت هذه أسوأ الكنائس السبع، لكن رغم ذلك قُدم لها أبرز المواعيد كافة، مما يدل على أنه حتى الأسوأ فينا يمكنه أن يتوب ويغلب وأن يصل أسمى درجات المجد.” كلارك (Clarke)
ز ) الآية (٢٢): توبيخ وتحذير عام لكل السامعين.
٢٢مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ
- مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ: قليلون يرون أنفسهم في صفوف مؤمني كنيسة لاودكية. فنحن نفضل أن نرى أنفسنا كمؤمني كنيسة فيلادلفيا.
- مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ: علينا أن نسمع ما يقوله الروح القدس هنا لأنه يتحدث إلى الكنائس، بمن فيهم نحن. ليت الله يخلصنا من اللامبالاة والفتور والاعتماد على الذات الذي كان يميز كنيسة اللاودكيين!
الكنائس السبع من منظور تاريخي
حاول الكثيرون فهم الأصحاحين الثاني والثالث (الرسائل إلى الكنائس السبع في آسيا) من خلال تناولها كوحدة واحدة. ومن المهم الأخذ بالاعتبار أن يسوع اختار مخاطبة هذه الكنائس السبعة بالذات رغم وجود كنائس أخرى في المنطقة لم يتم ذكرها (مثل كنيسة كولوسي). بالإضافة إلى ذلك، أشار البعض إلى ترتيب الرسائل كدليل على أهميتها في تفسير تاريخ الكنيسة في فترة ما بين صعود يسوع ومجيئه الثاني.
من المثير للاهتمام أيضًا ملاحظة أن بولس خاطب سبع كنائس: رومية، كورنثوس، غلاطية، أفسس، كولوسي، فيلبي، وتسالونيكي. (ويشير البعض كذلك إلى أن يسوع روى سبعة أمثال عن الملكوت). وأشار بعض مفسري سفر الرؤيا أيضًا إلى أن الرقم ٧ هو عدد الكمال، لذلك وجه يسوع وكذلك بولس رسائلهما إلى سبع كنائس في إشارة إلى مخاطبتهما الكنيسة جمعاء، وليس تلك الكنائس السبع فقط. فمخاطبة سبع كنائس يعني مخاطبة الكنيسة ككل في كمالها واكتمالها، أو كما قال أحد المفسرين: “كنائس كل العصور تختصر في سبع.”
إليك ما يقوله بعض المفسرين عن كل فترة من هذه الفترات من حيث صلتها بتاريخ الكنيسة:
هنري موريس (Henry Morris)، سجل سفر الرؤيا (عام ١٩٨٣)
“على الرغم من أنه ليس الموضوع الأهم على الإطلاق، إلا أنه يبدو أن هذه الكنائس السبع تصور مراحل تطور وتغير كنائس المسيح خلال القرون المتعاقبة. وقد أظهر التاريخ لنا بالفعل هذا التطور العام على مر السنين. فالتسلسل الذي نرى ليس عفويًا، إذ لا بد أن يكون هناك قصد في تسلسل الكنائس السبع، وفي صورتها الإجمالية.”
فيما يلي اقتباس من الصفحة ٦٦ من “سجل سفر الرؤيا”:
الكنيسة | موقعها في تاريخ الكنيسة | العصر |
أفسس | العصر الرسولي | قبل ١٠٠ ميلادي |
سميرنا | عصر الاضطهاد | ١٠٠ – ٣١٣ |
برغامُس | عصر كنيسة الإمبراطورية الرومانية | ٣١٣ – ٥٩٠ |
ثياتيرا | عصر البابوية | ٥٩٠ – ١٥١٧ |
ساردس | عصر الاصلاح | ١٥١٧ – ١٧٣٠ |
فيلادلفيا | عصر الإرساليات | ١٧٣٠ – ١٩٠٠ |
لاودكية | عصر الارتداد | ١٩٠٠ – ؟ |
جوزيف سييس (Joseph Seiss)، نهاية العالم (عام ١٩٠٠)
- عصر كنيسة أفسس: الدفء وعمل المحبة الذي قدمه المسيح. بدأ الفتور والابتعاد بالفتور التدريجي للمحبة والنبوات الكاذبة وتمييز رجال الدين عن باقي الشعب.
- عصر كنيسة سميرنا: كنيسة الشهداء، لكن مع ظهور تمييز رجال الدين عن باقي الشعب وميل للشريعة اليهودية، مع ابتعاد متزايد عن بساطة الإنجيل.
- عصر كنيسة برغامُس: اختفاء الإيمان الحقيقي أكثر فأكثر؛ ونظام الكهنوت أصبح واقعًا، واندماج أكبر مع العالم.
- عصر كنيسة ثياتيرا: الثياب الفاخرة والمجد لأصحاب الكهنوت الفاسدين؛ وسيطرة الأنبياء الكذبة في زمن استُبدل فيه الحق بالظلام (حتى عصر الإصلاح).
- عصر كنيسة ساردس: الانفصال والعودة إلى سيادة المسيح؛ مع ظهور أسماء مهمة، لكن أيضًا مع انتشار الموت والخمول (زمن البروتستانتية).
- عصر كنيسة فيلادلفيا: التزام أكبر بالكلمة، وانتشار الأخوّة بين المؤمنين (الحركة الإنجيلية المعاصرة في القرن التاسع عشر).
- لا يقدم سيس الكثير من الوصف لعصر كنيسة لاودكية بذات الأسلوب لأنه شعر أن هذا العصر لم تكتمل معالمه بعد خلال زمنه (عام ١٩٠٠).
كلارينس لاركن (Clarence Larkin)، أعظم كتاب عن الحق التدبيري في العالم (١٩١٨)
- كنيسة أفسس: من ٧٠ إلى ١٧٠ ميلادي – “الكنيسة التي في حال متراجع.”
- كنيسة سميرنا: من ١٧٠ إلى ٣١٢ – “الكنيسة الـمُضطهدة.”
- كنيسة برغامس: ٣١٢ إلى ٦٠٦ – “الكنيسة الفاجرة.”
- كنيسة ثياتيرا: ٦٠٦ إلى ١٥٢٠ – “الكنيسة المتراخية.”
- كنيسة ساردس: ١٥٢٠ إلى ١٧٥٠ – “الكنيسة الميتة.”
- كنيسة فيلادلفيا: من ١٧٥٠ إلى ١٩٠٠ – “الكنيسة الـمُفضلة.”
- كنيسة لاودكية: ١٩٠٠ حتى النهاية – “الكنيسة الفاترة.”
تايلور بنش (Taylor Bunch)، رسائل المسيح السبعة (١٩٤٧)
- كنيسة أفسس: “الكنيسة الجامعة أيام الرسل، أو القرن الأول للمسيحية.”
- كنيسة سميرنا: القرنين الثاني والثالث، “عصر الاستشهاد، حين حاول الأباطرة الرومان الوثنيون محو المسيحية بقوة السيف.”
- كنيسة برغامُس: تمتد نحو٢٥٠ عامًا (من الإمبراطور قسطنطين إلى الإمبراطور جستنيان الكبير) “تعاظُم سطوة الكنيسة وقوتها ليعادل سطوة الملوك من خلال اقتران الكنيسة بالدولة.”
- كنيسة ثياتيرا: من ٥٣٨ إلى ١٥٢٠، كنيسة القرون الوسطى السياسية الفاسدة.
- كنيسة ساردس: من عام ١٥٢٠ حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي – مع شمول تاريخ البروتستانتية بأكمله حتى نهاية عصر تدبير الإنجيل (حصر رئاسة الكنيسة ومفاتيح نشر الإنجيل بيد شخص واحد)؛ مع بعض الإنجاز لكنيسة الإصلاح.
- كنيسة فيلادلفيا: من منتصف القرن الثامن عشر الميلادي وحتى الوقت الحاضر؛ كنيسة الصحوة والانتعاش في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وانتشار الإرساليات في جميع أنحاء العالم، وتجدد توقع مجيء المسيح الثاني.
- كنيسة لاودكية: من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حتى نهاية عصر التدبير المسيحي، “مرحلة محزنة في تاريخ المسيحية الحديثة.”
تشك سميث (Chuck Smith)، ما الذي يوشك عليه العالم (١٩٧٧)
- كنيسة أفسس: الكنيسة الأولى، حتى موت يوحنا.
- كنيسة سميرنا: من القرن الثاني إلى الرابع، الاضطهاد الروماني.
- كنيسة برغامُس: ابتداء من عام ٣١٦، “تطور نظام الدولة التي تسيطر عليها الكنيسة في عهد قسطنطين.”
- كنيسة ثياتيرا: الكنيسة غير التائبة، غير الأمينة، التي ستدخل الضيقة العظيمة.
- كنيسة ساردس: البروتستانتية الميتة.
- كنيسة فيلادلفيا: الكنيسة الأمينة في الأيام الأخيرة.
- كنيسة لاودكية: الكنيسة المرتدة في الأيام الأخيرة.
تقييم هذه التفسيرات
- يمكن ان يكون هذا النهج التاريخي في تصوير كنائس سفر الرؤيا مفيدًا إذا تم النظر لهذه الفترات على أنها وصف عام غير دقيق للكنيسة عبر التاريخ، وبشكل يسمح بفترات من التداخل بين هذه المراحل. فعلى سبيل المثال يبدو أن الكنائس الأربع الأخيرة ستستمر حتى مجيء المسيح الثاني (راجع سفر الرؤيا ٢٥:٢، ٣:٣، ١١:٣، ٢٠:٣). فقبولنا لهذه الرسائل السبع كوصف لمراحل تاريخ الكنيسة لا يعني بالضرورة أن نتعامل مع هذه الفترات كأزمنة محددة متوالية.
- من الجيد أن نتذكر أنه إذا كانت هذه الرسائل تصور مسار تاريخ الكنيسة، فهذا أمر ثانوي. فأولًا وقبل كل شيء كُتبت هذه الرسائل إلى كنائس حقيقية وجدت في القرن الأول وإلى “مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ.” إذ يقول هنري موريس (Henry Morris): “بما أن لا شيء مما قاله المسيح يوحي بضرورة النظر لهذه الرسائل كنبوات، فالمنهج الحرفي في تفسير سفر الرؤيا لا يمكنه أن يبني على هذه الرسائل الكثير.”
- كذلك علينا أن نتذكر أن مثل هذه الكنائس وُجدت في كل عصر. ومع أن فترات تاريخية معينة تتميز بما ذكر في هذه الرسائل إلا أنه لا يمكننا أن نجزم أن رسالة بعينها تنطبق على عصرنا فقط. يعلق جوزيف سييس (Joseph Seiss) على هذا قائلًا: “هناك بروتستانتية بابوية وبابوية بروتستانتية؛ وأناس متحزبون لطائفتهم في كنائس لا طائفية، وأناس متحزبون في كنائس لا تؤمن بالانشقاق، وأشخاص يعيشون حياة مقدسة وسط الارتداد، وهناك من يعيشون في نجاسة في وسط يسوده الإيمان. فهناك بصيص نور في الأماكن المظلمة، وهناك زوايا مظلمة في وسط النور.”
- لهذا علينا أن نسمع لما يقوله الروح للكنائس كلها، وليس لكنيسة واحدة.