رؤيا يوحنا – الإصحاح ٦
الختوم الستة الأولى
أولًا. الختوم الأربعة الأولى للسفر تجلب أربعة فرسان
أ ) الآيات (١-٢): الغالب يأتي على الفرس الأبيض.
١وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ الْخَرُوفُ وَاحِدًا مِنَ الْخُتُومِ السَّبْعَةِ، وَسَمِعْتُ وَاحِدًا مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلًا كَصَوْتِ رَعْدٍ: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» ٢فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا، وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ.
- وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ الْخَرُوفُ وَاحِدًا مِنَ الْخُتُومِ: نستنتج من الأصحاح السابق أنَّ هذا السِفر يمثِل تاريخ ومصير الإنسان والخليقة جمعاء. وأن يسوع فقط، أي الْخَرُوف، هو من له الحق بفك ختوم هذا السِفر الذي يعلن ما سيؤول إليه التاريخ.
- إذا كان السِفر يعلن لنا ذروة أو نتيجة تسلل أحداث التاريخ، فالأمور المرتبطة بفك الختوم لا بد أن تحدث قبل فتح السِفر. ولا يُعد هذا تتميمًا للتاريخ نفسه، ولكنه تحضير لذلك. سيتم تناول الأحداث التي تشكل الختام أو الذروة الحقيقية بتفصيلٍ أكبر في الأصحاح ١٩ من سِفر الرؤيا.
- “من الجدير بالذكر أنَّ فتح الختوم ليس مجرد إعلان عما سيفعله الله، ولكنه إظهار لغرض تمّ تحقيقه؛ ففي كل مرة يُفتح فيها ختم، يتم تنفيذ دينونة ما.” كلارك (Clarke)
- وَسَمِعْتُ وَاحِدًا مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلًا كَصَوْتِ رَعْدٍ: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!»: يرتبط كل ختم بحيوانٍ معين (كما نرى في سفر حزقيال ١ و١٠) نادى وقال “هلمَّ” (أو يمكن ترجمتها “تعال أو تقدم”) مخاطبًا الفرسان.
- فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ: إذا أردنا الاستدلال بأفلام رعاة البقر أكثر من الكتاب المقدس، فمن السهل أن نعتقد أنّ راكب الحصان الأبيض هو يسوع. فالمسيح، كما نرى في سفر الرؤيا ١١:١٩-١٦، سيأتي ثانية راكبًا على فَرَسٌ أَبْيَضُ؛ لكن الراكب هنا هو ديكتاتور شيطاني سيعمل على تقليد يسوع.
- هو يحكُم (قَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا)؛ هو يحكُم بقوس، لا بسيف؛ وهو يمارس سلطانه على كل الأرض (وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ). ولكن نتائج حكمه، كما يتم وصفها في الآيات القادمة، تُظهِر بوضوح بأنَّ هذا ليس حُكم المسيح.
- “السياق والرمزية لهذه الختوم يمنعاننا كليًا من التفكير بأن يكون هذا الراكب هو الرب يسوع، كما يؤكد الكثيرون. فحكمه لن يجلب الحرب والمجاعة والنزاع.” جيننغس (Jennings)
- نصل هنا إلى مفترق طرق في تفسير سِفر الرؤيا. يمكننا معرفة الكثير عن كيفية فهم الشخص لهذا السِفر وخطة الله النبوية عن طريق فهمه لهوية الراكب الأول. فمن يعتقد بأنَّ سِفر الرؤيا هو كتاب تاريخي في الغالب يؤمن بأنَّ هذا الراكب هو يسوع، أو التلاميذ، أو الأباطرة الرومان. والذين يؤمنون بأنَّ هذا مقطع نبوي لم يتحقق بعد غالبًا ما ينظرون إلى هذا الراكب على أنه ضد المسيح.
- وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ: إن اتفقنا بأنَّ هذا هو الديكتاتور الشيطاني الأخير على البشر فسنرى كذلك أنه سيكون أكثر فظاعة من جميع الذين سبقوه. وسيحكم على البشر كالمسيح الكذاب، وسيقود البشر بعصيان منظم ضد الله، على غرار نمرود، سلفه الأول. فهو الذي يُطلق عليه غالبًا لقب ضد المسيح.
- تعود فكرة الديكتاتور الشيطاني الذي يحكم البشر إلى نمرود الذي حكم بابل في سفر التكوين ٨:١٠-١٤، حيث ذُكِر بأنَّ نمرود كان جبار صيد أمام الرب، وهو ما يفهم على أنه جبار صيد للرجال، وهو أمر يشكل تحديًا لشريعة الله.
- هَلُمَّ وَانْظُرْ: يهيئ الوضع السياسي والاجتماعي الحديث لظهور قائد سياسي كهذا. ولم يتبقَ إلا أن يسمح الرب بهذا في توقيته بعد أن يأخذ كنيسته من هذه الأرض.
- وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ. (تسالونيكي الثانية ٦:٢-٧).
- من اللافت للنظر بأنَّ فتح الختم الأول يبرز هذا الديكتاتور. ونفهم أنَّ الأسبوع السبعين في سفر دانيال ٩ يبدأ عندما يصادق هذا الديكتاتور على عهد مع الكثيرين، في إشارة إلى الشعب اليهودي.
- يتساءل الكثيرون عن ارتباط الفرسان الأربعة في سِفر الرؤيا ٦ بالأسبوع السبعين لدانيال والضيقة العظيمة بحد ذاتها، أو ارتباطهم بمسار التاريخ حتى ذلك الوقت. فالظهور الأولي لضد المسيح، بالارتباط مع ما نعرفه عن هذا القائد من سفر دانيال ٩ يبين أنَّ هؤلاء الفرسان الأربعة يرتبطون بالأسبوع السبعين لدانيال والضيقة العظيمة.
ب) الآيات (٣-٤): الفرس الأحمر يجلب الحرب والنزاع.
٣وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الثَّانِيَ، سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّانِيَ قَائِلًا: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» ٤فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ، وَلِلْجَالِسِ عَلَيْهِ أُعْطِيَ أَنْ يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأُعْطِيَ سَيْفًا عَظِيمًا.
- فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ، وَلِلْجَالِسِ عَلَيْهِ أُعْطِيَ أَنْ يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ: لم يكن على راكب هذا الفرس أن يجلب الحرب والدمار، فكل ما أحتاج أن يفعله هو أَنْ يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ. وبمجرد نزع هذا السَّلاَم – عطية الله إلى الإنسان – يُسرع البشر إلى الحرب والدمار.
- يُعتبر السلام بين البشر والأمم عطية من الله. فهو ليس الحالة الطبيعية للعلاقات بين البشر.
- أُعْطِيَ: أُعطيت هذه السُلطة إلى راكب الفرس. وهذه هي دينونة الله بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
- وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: تُميز الحروب والصراعات عصرنا الحديث. فمنذ الحرب العالمية الثانية، كان هناك أكثر من ١٥٠ حربًا من نوع ما في العالم، وفي أي زمن تختاره ستجد أن هناك عشرات من النزاعات المسلحة تودي بحياة الآلاف سنويًا. وغالبًا ما تنفق دول العالم أكثر من تريليون دولار على الأسلحة سنويًا.
ج ) الآيات (٥-٦): الفرس الأسود يجلب الاحتياج والظلم.
٥وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الثَّالِثَ، سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّالِثَ قَائِلًا: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَسْوَدُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِهِ. ٦وَسَمِعْتُ صَوْتًا فِي وَسَطِ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلًا: «ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا».
- فَرَسٌ أَسْوَدُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِهِ: يشير الميزان إلى الحاجة إلى وزن الطعام بشكل دقيق والاقتصاد فيه. وهذا يدل على زمن الاحتياج.
- ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ: هذه الأسعار أعلى بحوالي ١٢ مرة من المعتاد. مما يعني أنَّ شراء مكونات رغيف واحد من الخبز سيتطلب أجرة يوم كامل. ويصف هذا “وقت المجاعة عندما ستصبح الحياة مقتصرة على أقل الأساسيات.” والفورد (Walvoord)
- هناك مجاعات كبيرة في العالم اليوم، لكن نسبة أقل من البشر يعانون من الجوع اليوم مقارنةً بالمئة عام السابقة. ولكن، نظرًا للاختلال البيئي الحاصل في العالم اليوم، لن يكون من الصعب أن يصبح كثيرون في هذا الحال من الاحتياج والظلم.
- وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا: ومع ذلك، ستتوفر أشياء أفضل لمن يستطيع شراءها. سيكون هناك زيت وخمر ولن يصيبهما أي ضرر.
د ) الآيات (٧-٨): يجلب الفرس الأخضر الموت.
٧وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الرَّابِعَ، سَمِعْتُ صَوْتَ الْحَيَوَانِ الرَّابعِ قَائِلًا: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» ٨فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَانًا عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ.
- فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ: يشير هذا الراكب الأخير إلى سقوط الكثير من القتلى ضحية لهذا الديكتاتور والحرب والمجاعات والكوارث الأخرى التي وصفها الفرسان الثلاثة السابقين.
- شهد عصرنا الحالي سقوط مئات الملايين بسبب الطغاة والحروب والمجاعات، لكن كل ذلك لن يقارن بعدد ضحايا زمن هذا الديكتاتور الأخير. ولا عجب إن قال يسوع عن هذا الوقت أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. (إنجيل متى ٢١:٢٤)
- وَأُعْطِيَا سُلْطَانًا عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ: أُعطي السلطان إلى راكب الفرس، وأُعطي له من قِبل الله. فمع كل هذه الكوارث الحاصلة على الأرض فلا زال الله هو الممسك بزمام الأمور. فهو ما يزال يحمل السِفر ويفك الختوم.
ثانيًا. فك ختمي السِفر الخامس والسادس
أ ) الآيات (٩-١١): الختم الخامس يجلب صراخ الشهداء.
٩وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، ١٠وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟» ١١فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَابًا بِيضًا، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَانًا يَسِيرًا أَيْضًا حَتَّى يَكْمَلَ الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضًا، الْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ.
- رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ: يؤكد وجود هذه النفوس تحت المذبح أنَّ دماءهم سُفكت لأجل لله. وهذه الفكرة مأخوذة من سفر اللاويين ٧:٤ “وَسَائِرُ دَمِ الثَّوْرِ يَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ.”
- الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ: ربما من الأفضل اعتبار هذه صرخة جميع من استشهدوا لأجل الحق الإلهي، وليس فقط المؤمنون الذين يُضطهدون من قِبل رئيس العالم القادم، راكب الفرس الأول في سفر الرؤيا ١:٦-٢.
- وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: صرخت هذه الأرواح في السماء طلبًا للانتقام (حَتَّى مَتَى… لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا). لا نفكر عادةً بأنَّ شعب الله يصرخ طلبًا للانتقام، ولكنهم هنا صرخوا إلى الله تاركين الأمر بين يديه.
- عندما يتعرض شعب الرب للاضطهاد، فالله هو من سيدافع عنهم. وليس من الخطأ أن يطلب شعب الرب منه تحقيق وعوده. فهكذا صرخ دم هابيل من الأرض طالبًا الانتقام (سفر التكوين ١٠:٤). كما صرخت أيضًا دماء الشهداء غير المُنتقم لهم في أرض إسرائيل (سفرالعدد ٣٣:٣٥).
- وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَانًا يَسِيرًا أَيْضًا: قيل لهؤلاء القديسين أن ينتظروا. إلى متى عليهم الانتظار؟ حَتَّى يَكْمَلَ الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضًا، الْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ. قد يعني هذا أنَّ عليهم الانتظار حتى يُقتل جميع الشهداء الذين عينهم الله.
- وقد يعني هذا أيضًا أنَّ عليهم الانتظار حتى ينضج الشهداء الباقين على الأرض روحيًا. فالصفات أو طريقة عيش الإنسان لحياته، هي ما تجعل مِن الشخص شهيدًا، لا طريقة موته.
ب) الآيات (١٢-١٧): فك الختم السادس يجلب اضطرابًا كونيًا.
١٢وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ السَّادِسَ، وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، وَالشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَالْقَمَرُ صَارَ كَالدَّمِ، ١٣وَنُجُومُ السَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ التِّينِ سُقَاطَهَا إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَظِيمَةٌ. ١٤وَالسَّمَاءُ انْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفّ، وَكُلُّ جَبَل وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ مَوْضِعِهِمَا. ١٥وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ، ١٦وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: «اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْخَرُوفِ، ١٧لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ؟».
- وإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، وَالشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَالْقَمَرُ صَارَ كَالدَّمِ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ: ترتبط الاضطرابات الكونية في الغالب، كما يخبرنا الكتاب المقدس، بمجيء المسيح. فقد وصف كل من إشعياء، وإرميا، وحزقيال، ويوئيل، وصفنيا، ويسوع نفسه هذه الأمور.
- مثالٌ على ذلك، هذا المقطع المأخوذ من سفر صفنيا: قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمِ. قَرِيبٌ وَسَرِيعٌ جِدًّا. صَوْتُ يَوْمِ الرّبِّ. يَصْرُخُ حِينَئِذٍ الْجَبَّارُ مُرًّا. ذلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ سَخَطٍ، يَوْمُ ضِيق وَشِدَّةٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ، يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ. يَوْمُ بُوق وَهُتَافٍ علَى الْمُدُنِ الْمُحَصَّنَةِ وَعَلَى الشُّرُفِ الرَّفِيعَةِ. (سفر صفنيا ١٤:١-١٦)
- أو، كما في سفر يوئيل ١٠:٢-١١ “اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُظْلِمَانِ، وَالنُّجُومُ تَحْجُزُ لَمَعَانَهَا… لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ جِدًّا، فَمَنْ يُطِيقُهُ؟”
- على من ينظرون إلى هذه الأحداث كجزء من التاريخ أن يصبغوها بطابع روحي إلى حد كبير. فقد قال آدم كلارك (Adam Clarke) مثلًا إنَّ الزَلْزَلَةٌ العَظِيمَةٌ كانت “تغييرًا هائلًا في الدستور المدني والديني للعالم. وإذا كانت الإشارة هنا إلى قسطنطين العظيم، فالتغيير الذي حصل جراء اعتناقه للمسيحية يمكن تشبيهه بالزلزال.”
- وَالشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَالْقَمَرُ صَارَ كَالدَّمِ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ: من الأفضل اعتبار أنَّ هذه الصور حقيقية، ولكن شعرية. فلم يستخدم يوحنا لغة علمية محددة، ولكنه وصف ببساطة ما رأى.
- وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ: جميع البشر سواسية أمام غضب الله. والدينونة الآن أكثر قسوة لأنها غَضَبِ الْخَرُوفِ.
- “أنه غضب المحبة، غضب المحبة المضحية التي قدمت كل شيء لأجلنا وأجل خلاصنا، والتي تخبرنا أكثر من أي شيء عن حتمية زوال الشر على يد الله.” تورانس (Torrance)
- وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ: لم يختبئوا من رعب الضربات والدينونة فقط، بل من وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ. “ليس الموت هو أكثر ما يخشاه الخطاة، ولكن حضور الله المُعلن.” سويت (Swete)
ثالثًا. ملاحظات: كيف تتناسب الختوم مع خطة الله النبوية؟
- هناك الكثير من الآراء المختلفة، ولكن من الأفضل القول بأنَّ الختوم والأبواق والجامات التي سيتم وصفها لاحقًا ليست أحداثًا متسلسلة بالضرورة. ويمكن القول بإن الأبواق لا تتبع الختوم ولا تتبع الجامات الأبواق بترتيبٍ زمني صارم.
- إنَّ الختوم الستة الأولى هي “ملخص للدينونات أو الضربات الموزعة على كامل السِفر، وهي ملخص موجز لما سيحدث في ’يوم الرب‘ حتى وقت نهاية العالم الفعلية أو الظهور في الأصحاح ١٩.” بلنجر (Bullinger)
- تبدأ تلك الفترة الزمنية مع ظهور ضد المسيح (الختم الأول) وتنتهي بظهور وجه من يجلس على العرش (الختم السابع).
- هل تمثل الختوم ما سيحدث قبل النهاية مباشرةً، أم أن هذه ظروف عامة ستظهر على مدى فترة تمتد حتى رجوع المسيح؟
- يمكننا القول إنهم يمثلون الحالتين – فوجود الدكتاتوريون والحرب والمجاعة والموت والاضطهاد هو أمر طبيعي على مدار التاريخ، ولكن ليس بالحجم والشدة التي سيكون فيها كل ذلك في الضيقة العظيمة.
- “إنَّ الحروب والمجاعات المُتنبأ عنهما في الختمين الثاني والثالث ليسوا أحداثًا غير مألوفة في تاريخ العالم، ولكن لم يحدث أبدًا منذ زمن نوح أن حدثت دينونة مروعة إلى درجة تدمير ربع سكان الأرض بضربة واحدة.” والفورد (Walvoord)
- فيما يتعلق بالختوم، سيحدث تضخيم حاد للظروف السيئة التي جرى اختبارها غالبًا عبر التاريخ. وسيسلِّم الله الإنسان إلى طبيعته الساقطة – وأكثر!
- ليست هذه هي الحال مع بعض دينونات الأبواق والجامات في الأصحاحات اللاحقة التي تجسد بشكل فريد دينونة الله.
- ينتهي الختم السادس بسؤال جدير بالطرح: من يستطيع الوقوف؟ المؤمن الذي قد تبرَّر بالنعمة بالإيمان بيسوع المسيح هو فقط من يستطيع الوقوف أمام هذه الدينونة العظيمة.
- فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ. (رسالة رومية ١:٥-٢)
- وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ. (كورنثوس الأولى ١:١٥)
- وَاعِظًا وَشَاهِدًا، أَنَّ هذِهِ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي فِيهَا تَقُومُونَ. (بطرس الأولى ١٢:٥)
- يستطيع المؤمن الوقوف في وجه غضب الله العظيم هذا لأنَّ يسوع سبق وحمل الغضب الذي استحقه المؤمن.