أخبار الأيام الأول – الإصحاح ٢١
أين يُبنى الهيكل
أولًا. داود يأمر بإجراء إحصاء عام
أ ) الآيات (١-٢): أغوى الشيطان داود ليحصي الشعب.
١وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ. ٢فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِرُؤَسَاءِ الشَّعْبِ: «اذْهَبُوا عِدُّوا إِسْرَائِيلَ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ إِلَى دَانَ، وَأْتُوا إِلَيَّ فَأَعْلَمَ عَدَدَهُمْ».
١. وَوَقَفَ ٱلشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ: تخبرنا ٢ صموئيل ٢٤: ١ أن هذا حدث بشكل أوليّ بسبب غضب الرب. فالشيطان أَغْوَى دَاوُدَ فعلًا، غير أن الرب سمح بهذا صراحة كتأديب لداود.
• هنالك فجوة كبيرة في التاريخ يتجاوزها كاتب أخبار الأيام، بما في ذلك المشكلات العائلية والحرب الأهلية. “ليس صعبًا أن نتكهن بأسباب هذه الفجوة الطويلة. إذ لم تحدث أثناء هذين العقدين أشياء كثيرة من شأنها أن تشجع العائدين من يهوذا من السبي. فقد كان يصوّر لهم عزرا التقوى التي اتّسم بها داود في أفضل حالاته.” باين (Payne)
• “لأول مرة في كلمة الله تظهر كلمة شيطان أو إبليس من دون أل التعريف (باللغة العبرية الأصلية) كاسم عَلَم.” باين (Payne)
• “عندما يحرِّض إبليس، فإنه لا يهتم إلا بأهدافه الخاصة. فهو لا يهتم بعقاب البار، ولا يبحث عن توبة محتملة، لأنهما غريبان عن طبيعته، كما أن التجربة بالخطية غريبة عن الله.” سيلمان (Selman)
٢. ٱذْهَبُوا عِدُّوا إِسْرَائِيلَ: كان هذا أمرًا ينطوي على خطر بسبب مبدأ مذكور في خروج ٣٠: ١٢ “إِذَا أَخَذْتَ كَمِّيَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ ٱلْمَعْدُودِينَ مِنْهُمْ، يُعْطُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِدْيَةَ نَفْسِهِ لِلرَّبِّ عِنْدَمَا تَعُدُّهُمْ، لِئَلَّا يَصِيرَ فِيهِمْ وَبَأٌ عِنْدَمَا تَعُدُّهُمْ.”
• يتحدث مبدأ خروج ٣٠: ١٢ عن مُلكية الله لشعبه. ففي تفكير الثقافات القديمة، لم يكن للرجل الحق في تعداد أي شيء لا يخصّه. فلم تكن إسرائيل تخص داود، بل الله. فكانت مسألة إصدار أمر بالتعداد متروكًا للرب. وإذا أراد داود أن يفعل هذا، فلا بد أن يكون كطاعة لأمر صريح من الرب. وعندما يفعل هذا، كان عليه أن يدفع مالًا كتكفير عن هذا التعداد.
• “ليس تعداد جيوش الرب خطأ في جوهره أو بالضرورة. فكل شيء يعتمد على الدافع. فعندما يولد من كبرياء، فإنه أكثر الأخطار تعقيدًا، حيث يجرّبنا بأن نثق بكثرة الجند، وبالتالي نكف عن الاتكال على الله.” مورجان (Morgan)
• “عندما نُجرب بتعداد الشعب، يمكننا أن نتأكد من أن الدافع إلهي أو شيطاني. إذ يمكننا أن نحدد أيهما من خلال الدافع. فإذا كان الدافع هو الخدمة، فإن الله وراءه. وإذا كان الدافع هو الكبرياء، فإن إبليس وراءه.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٣-٤): يوآب يعترض على التعداد.
٣فَقَالَ يُوآبُ: «لِيَزِدِ الرَّبُّ عَلَى شَعْبِهِ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ. أَلَيْسُوا جَمِيعًا يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ عَبِيدًا لِسَيِّدِي؟ لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا سَيِّدِي؟ لِمَاذَا يَكُونُ سَبَبَ إِثْمٍ لإِسْرَائِيلَ؟» ٤فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ. فَخَرَجَ يُوآبُ وَطَافَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ ثُمَّ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
١. لِمَاذَا يَطْلُبُ هَذَا سَيِّدِي؟: لم يكن يوآب يخشى من مواجهة الملك داود عندما كان يعتقد أنه على خطأ. وعندما وضع في اعتباره مصلحة كل من إسرائيل وداود، طلب من الملك بلباقة أن يعيد النظر في رغبته الحمقاء في تعداد الأمة.
• ألمح يوآب إلى الدافع وراء هذا التعداد، وهو كبرياء داود. كان ما رغب فيه داود هو زيادة الأمّة. ولعلّه أراد أن يقيس حجم جيشه ليعرف إن كانت لديه قوة كافية لقهر أُمّة مجاورة. “لقد فعل هذا بدافع الفضول والثقة بالمخلوق.” تراب (Trapp)
• نستنتج من ٢ صموئيل ٢٤ أن هذا حدث في وقت متأخر من حكمه. تعرّض داود في وقت لاحق من حُكمه لإغراء أخذ بعض المجد لنفسه. فقد نظر إلى الكيفية التي نمت بها إسرائيل وازدهرت أثناء حكمه. فكان هذا رائعًا بالفعل. فكان التعداد وسيلة ينسب بها الفضل إلى نفسه. “استحوذ روح المجد الباطل على عقل الملك والشعب، وكان هنالك ميل بالثقة بالأعداد ونسيان الله.” مورجان (Morgan)
٢. فَٱشْتَدَّ كَلَامُ ٱلْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ: تخبرنا ٢ صموئيل ٢٤: ٤ أن يوآب لم يكن هو الوحيد الذي حاول أن يثني الملك عن إجراء التعداد. إذ اشترك في هذا رؤساء الجيش. غير أن داود لم يسمع لهم.
ج) الآيات (٥-٨): يتم إجراء الإحصاء، ويندم داود فورًا.
٥فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ الشَّعْبِ إِلَى دَاوُدَ، فَكَانَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِئَةَ أَلْفِ رَجُل مُسْتَلِّي السَّيْفِ، وَيَهُوذَا أَرْبَعَ مِئَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ رَجُل مُسْتَلِّي السَّيْفِ، ٦وَأَمَّا لاَوِي وَبَنْيَامِينُ فَلَمْ يَعُدَّهُمْ مَعَهُمْ لأَنَّ كَلاَمَ الْمَلِكِ كَانَ مَكْرُوهًا لَدَى يُوآبَ. ٧وَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ اللهِ هذَا الأَمْرُ فَضَرَبَ إِسْرَائِيلَ. ٨فَقَالَ دَاوُدُ لِلهِ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا حَيْثُ عَمِلْتُ هذَا الأَمْرَ. وَالآنَ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي سَفِهْتُ جِدًّا».
١. فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ ٱلشَّعْبِ إِلَى داود: كانت النتيجة هي أنه كان هنالك ١.٥٧٠.٠٠٠ مقاتل بين الأسباط الإثني عشرة، وهو يعكس إجمالي سكان إسرائيل بنحو ستة ملايين نسمة.
• تشير ٢ صموئيل ٢٤: ٥-٩ إلى أن الأمر استغرق عشرة شهور لإتمام عملية الإحصاء. وكان على داود أن يلغي هذا الإحصاء الأحمق أثناء تلك الفترة، لكنه لم يفعل.
• الرقم المعطى في ٢ صموئيل ٢٤: ٥-٩ مختلف عن الرقم هنا. “إن محاولة التوفيق بينهما في كل جزء إهدار للجهد. وإنه أفضل لنا أن نعترف فورًا بما لا يمكن إنكاره بنجاح. فرغم أن الكتّاب الأصليين كانوا تحت تأثير الروح الإلهي، إلا أنه لم نُخبَر أن هذا التأثير امتد إلى نُسّاخ كلماتهم ليمنعهم من ارتكاب أخطاء.” كلارك (Clarke)
• وَأَمَّا لَاوِي وَبَنْيَامِينُ فَلَمْ يَعُدَّهُمْ مَعَهُمْ: “يعطي معلّمو اليهود السبب التالي لهذا: عندما رأى يوآب أن من شأن هذا أن يجلب الدمار على الشعب، قصد أن ينقذ سبطين. ولو سأله داود: “لماذا لم تحصِ اللاويين؟” لأجاب يوآب: “لأن اللاويين لا يُحسَبون بين بني إسرائيل.” ولو سأله داود: “لماذا لم تُحصِ سبط بنيامين؟” لأجاب: “لقد عوقب سبط بنيامين بما يكفي بالفعل، بسبب معاملة المرأة في جبعة. وهكذا، إذا عوقب هذا السبط مرة أخرى، من الذي سيبقى؟” كلارك (Clarke)
٢. فَضَرَبَ إِسْرَائِيلَ: سيضرب الله إسرائيل باختيار بين الدينونات المعروضة على داود. غير أن الله ضرب إسرائيل بالفعل من خلال تبكيت مَلِكها بإحساس حاد بخطيته.
٣. لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا: لم يكن الرجل الذي بحسب قلب الرب بلا خطية. لكن كان لديه قلب حساس للخطية عند ارتكابها. فكانت حسابات داود للخطية قصيرة. (إذ كان سرعان ما يعترف بها ويتوب عنها.)
• “يكمن الاهتمام الرئيسي لهذا الإصحاح بالنسبة لنا في الكشف عن معدن داود الأخلاقي. كانت خطاياه هفوات وأشياء عارضة في حياته. ولا يعني هذا التغاضي عنها. ومع ذلك، يؤكد هذا أن مساره المعتاد في الحياة كان بعيدًا عما توحي به هذه الخطايا، وأن حقيقته الأعمق لا تُكشف بإخفاقاته، بل بعمله بعد ذلك.” مورجان (Morgan)
٤. أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لِأَنِّي سَفِهْتُ جِدًّا: رأى داود ما دفعه إلى هذا الفعل الأحمق، وهو كبرياؤه ورغبته في المجد الباطل.
د ) الآيات (٩-١٢): السماح لداود باختيار الدينونة.
٩فَكَلَّمَ الرَّبُّ جَادَ رَائِي دَاوُدَ وَقَالَ: ١٠«اذْهَبْ وَكَلِّمْ دَاوُدَ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ». ١١فَجَاءَ جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: اقْبَلْ لِنَفْسِكَ: ١٢إِمَّا ثَلاَثَ سِنِينَ جُوعٌ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ هَلاَكٌ أَمَامَ مُضَايِقِيكَ وَسَيْفُ أَعْدَائِكَ يُدْرِكُكَ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ فِيهَا سَيْفُ الرَّبِّ وَوَبَأٌ فِي الأَرْضِ، وَمَلاَكُ الرَّبِّ يَعْثُو فِي كُلِّ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ. فَانْظُرِ الآنَ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا لِمُرْسِلِي».
١. ثَلَاثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ: استخدم الله خطية داود والتأديب الناتج في كشف قلب داود وحكمته. إذ كان اختياره بين البدائل الثلاثة امتحانًا له.
• ثَلاَثَ سِنِينَ جُوعٌ: من المؤكد أن بعضهم في إسرائيل سيموت، لكن الأثرياء وواسعي الحال سينجون. وستضطر إسرائيل إلى الاعتماد على الشعوب الأخرى للطعام.
• ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ هَلاَكٌ أَمَامَ مُضَايِقِيكَ: سينتج عن هذا موت بعضهم في إسرائيل. لكنهم سيكونون في أغلبيتهم جنودًا. وستضطر إسرائيل إلى التعامل مع الأمم المجاورة المعادية.
• ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ… وَبَأٌ فِي الأَرْضِ: سينتج موت بعضهم في إسرائيل، لكن يمكن أن يصاب أي شخص بهذا الوبأ – الأغنياء والفقراء، المتنفذّون والمجهولون، الأمراء والعامّة.
“كانت هذه رحمة عظيمة: لا بد أن يُجْلَد داود، لكن سُمح له بأن يختار العصا التي سيُجلَد بها.” تراب (Trapp)
٢. فَٱنْظُرِ ٱلْآنَ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا لِمُرْسِلِي: أراد الله أن يستخدم داود النبي ناثان كوسيط، وأن يرد على النبي ناثان بدلًا من أن يرد داود على الله مباشرة.
هـ) الآية (١٣): داود يختار ثلاثة أيام من الوبأ.
١٣فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدًّا. دَعْنِي أَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ، وَلاَ أَسْقُطُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ».
١. دَعْنِي أَسْقُطْ فِي يَدِ ٱلرَّبِّ: يعني هذا أن داود اختار ثلاثة أيام الوبأ. وفي الخيارين الأولين، يمكن أن يُعزل الملك وعائلته من الخطر، لكنه عرف أن عليه أن يعرّض نفسه لتأديب الرب.
• “لو أنه قد اختار الحرب، لما كانت سلامته الشخصية في خطر. إذ عرف أن هنالك قرار يمنعه من خوض المعارك شخصيًّا. ولو اختار المجاعة، لأمّنتْ ثروته الخاصة دعمًا له ولعائلته. لكنه أظهر عظمة فكره في اختيار الوبأ، حيث سيتعرض للوبأ مع أهل بيته بالتساوي مع أحقر رعاياه.” كلارك (Clarke)
٢. وَلَا أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ: يعني هذا أن داود اختار ثلاثة أيام الوبأ. وفي الخيارين الأولين، ستكون إسرائيل تحت رحمة جيرانها (كما في المجاعة)، أو أنها ستتعرض للهجوم من أعدائها. وعرف داود أن الله أرحم وألطف بكثير من كل بشر.
ثانيًا. مسار الوبأ
أ ) الآيات (١٤-١٥): ضربة الوبأ تصيب إسرائيل بقسوة.
١٤فَجَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ، فَسَقَطَ مِنْ إِسْرَائِيلَ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُل. ١٥وَأَرْسَلَ اللهُ مَلاَكًا عَلَى أُورُشَلِيمَ لإِهْلاَكِهَا، وَفِيمَا هُوَ يُهْلِكُ رَأَى الرَّبُّ فَنَدِمَ عَلَى الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ: «كَفَى الآنَ، رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفًا عِنْدَ بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ.
١. فَسَقَطَ مِنْ إِسْرَائِيلَ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُلٍ: كانت هذه كارثة كبرى لإسرائيل. كان وبأً مدمّرًا، حيث مات عدد هائل في فترة قصيرة كهذه.
٢. رَأَى ٱلرَّبُّ فَنَدِمَ عَلَى ٱلشَّرِّ (تراخى عن الدينونة): يبرر هذا حكمة داود في ترك نفسه بين يدي الله. فلم يكن بمقدوره أن يثق بأن البشر سيليّنون موقفهم ويعفوه من الخراب رحمة به.
ب) الآيات (١٦-١٩): تشفُّع داود واستجابة الله.
١٦وَرَفَعَ دَاوُدُ عَيْنَيْهِ فَرَأَى مَلاَكَ الرَّبِّ وَاقِفًا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ وَمَمْدُودٌ عَلَى أُورُشَلِيمَ. فَسَقَطَ دَاوُدُ وَالشُّيُوخُ عَلَى وُجُوهِهِمْ مُكْتَسِينَ بِالْمُسُوحِ. ١٧وَقَالَ دَاوُدُ للهِ: «أَلَسْتُ أَنَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِإِحْصَاءِ الشَّعْبِ؟ وَأَنَا هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ وَأَسَاءَ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا عَمِلُوا؟ فَأَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي لاَ عَلَى شَعْبِكَ لِضَرْبِهِمْ». ١٨فَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ جَادَ أَنْ يَقُولَ لِدَاوُدَ أَنْ يَصْعَدَ دَاوُدُ لِيُقِيمَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. ١٩فَصَعِدَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلاَمِ جَادَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بِاسْمِ الرَّبِّ.
١. وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ وَمَمْدُودٌ عَلَى أُورُشَلِيمَ: عند هذه النقطة، تراجع الله عن شدة الدينونة، غير أن التهديد ما زال وشيكًا. ولهذا تذلَّل دَاوُد وَالشُّيُوخ أمام الله، وتاب داود.
٢. فَأَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي: طلب داود، كراعٍ حقيقي، أن يقع العقاب عليه وعلى بيت أهله. ولأنّ لله قصدًا يريد أن ينجزه، رفض عرض داود.
٣. لِيُقِيمَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ ٱلْيَبُوسِيِّ: هنا لاقى داود ملاك الرب. وهنا تراخى الرب عن الاستمرار في الوبأ قبل أن يصل إلى أورشليم. والآن أراد الله أن يلقى داود في عبادة.
• “كانت البيادر تقع عادة على مرتفع لتلتقط كل نسمة. ويشير هذا إلى الشمال من مدينة داود.” بولدوين (Baldwin)
• كان لبيدر أُرْنَانَ تاريخ غني ومستقبل غني معًا. إذ تخبرنا ٢ أخبار ٣: ١ أن بيدر أُرْنَان كان على جبل المريا، أي نفس التلّة التي قدّم عليها إبراهيم إسحق (تكوين ٢٢: ٢)، وفي نفس مجموعة سلسلة التلال التي مات يسوع فيها على الصليب (تكوين ٢٢: ١٤).
• “في واقع الأمر، كان مذبح داود هو الوحيد في زمن قبل السبي الذي أمر الله ببنائه صراحة.” سيلمان (Selman)
• “أثّر قرار الله بإقامة مذبحه وهيكله على جبل المريّا في أورشليم في التاريخ كله (انظر رؤيا يوحنا ١١: ١). إذ صار هذا الجبل نقطة تركيز المدينة المقدسة حيث صُلب ابنه. وسيستمر في التأثير في التاريخ، لأنه من ’هذه المدينة التي يحبها‘ سيحكم يومًا شعوب الأرض (إشعياء ٢: ٢-٤).” باين (Payne)
ج) الآيات (٢٠-٢٥): داود يشتري بيدر أرنان.
٢٠فَالْتَفَتَ أُرْنَانُ فَرَأَى الْمَلاَكَ. وَبَنُوهُ الأَرْبَعَةُ مَعَهُ اخْتَبَأُوا، وَكَانَ أُرْنَانُ يَدْرُسُ حِنْطَةً. ٢١وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى أُرْنَانَ. وَتَطَلَّعَ أُرْنَانُ فَرَأَى دَاوُدَ، وَخَرَجَ مِنَ الْبَيْدَرِ وَسَجَدَ لِدَاوُدَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. ٢٢فَقَالَ دَاوُدُ لأُرْنَانَ: «أَعْطِنِي مَكَانَ الْبَيْدَرِ فَأَبْنِيَ فِيهِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ أَعْطِنِي إِيَّاهُ، فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَنِ الشَّعْبِ». ٢٣فَقَالَ أُرْنَانُ لِدَاوُدَ: «خُذْهُ لِنَفْسِكَ، وَلْيَفْعَلْ سَيِّدِي الْمَلِكُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. اُنْظُرْ. قَدْ أَعْطَيْتُ الْبَقَرَ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجَ لِلْوَقُودِ، وَالْحِنْطَةَ لِلتَّقْدِمَةِ. الْجَمِيعَ أَعْطَيْتُ». ٢٤فَقَالَ الْمَلِكُ دَاوُدُ لأُرْنَانَ: «لاَ! بَلْ شِرَاءً أَشْتَرِيهِ بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ، لأَنِّي لاَ آخُذُ مَا لَكَ لِلرَّبِّ فَأُصْعِدَ مُحْرَقَةً مَجَّانِيَّةً». ٢٥وَدَفَعَ دَاوُدُ لأُرْنَانَ عَنِ الْمَكَانِ ذَهَبًا وَزْنُهُ سِتُّ مِئَةِ شَاقِل.
١. فَٱلْتَفَتَ أُرْنَانُ فَرَأَى ٱلْمَلَاكَ. وَبَنُوهُ ٱلْأَرْبَعَةُ مَعَهُ ٱخْتَبَأُوا: “يعود هذا جزئيًّا إلى المجد والعظمة اللذين ظهر بهما الملاك. ولا تستطيع طبيعة البشر الضعيفة والآثمة أن تحتملهما. ويعود جزئيًّا أيضًا إلى الخوف من انتقام الله وهو ينفّذ حُكمه مباشرة بيده، وبدا أن هذا الحكم سيأتي على عائلاتهم.” بوله (Poole)
٢. أَعْطِنِي مَكَانَ ٱلْبَيْدَرِ… بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ أَعْطِنِي إِيَّاهُ: أراد داود أن يحوّل هذا المكان حيث يفصَل فيه القش عن الحنطة إلى مكان للذبائح والعبادة. وسيبقى مكانًا للذبائح والعبادة، لأن الأرض التي اشتراها داود صارت موقعًا لهيكل سليمان (١ أخبار الأيام ٢١: ٢٨ – ٢٢: ٥).
• “وهكذا اشترى داود الموقع (hammaqom) الذي ربما اشتمل على منطقة جبل المريا بأكملها مقابل ٢٤٠ أوقية من الذهب. وكان هذا يساوي حوالي مئة ألف دولار. وتذكر ٢ صموئيل ٢٤: ٢٤ مبلغًا أقل، وهو ٢٠ أوقية من الفضة للبيدر نفسه.” باين (Payne)
٣. خُذْهُ لِنَفْسِكَ، وَلْيَفْعَلْ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ: كان لأرنان قلب صالح كريم، حيث أراد أن يعطي الملك أي شيء يريده.
• “لو قُبل عرض أرنان النبيل، لكانت الذبيحة ذبيحته، لا ذبيحة داود، ولن تكون الرد على سخط الله العلي.” كلارك (Clarke)
٤. لَا! بَلْ شِرَاءً أَشْتَرِيهِ بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ، لِأَنِّي لَا آخُذُ مَا لَكَ لِلرَّبِّ فَأُصْعِدَ مُحْرَقَةً مَجَّانِيَّةً: عرف داود أن هذه لن تكون ذبيحة للرب إن لم تكلّفه شيئًا. فلم يبحث عن أرخص وسيلة ممكنة لإرضاء الله.
• “من لا يكلّفه الدِّين شيئًا، فإن دينه لا يساوي شيئًا. ولا يمكن لأي إنسان أن يقدّر فرائض الله إذا لم تكلّفه هذه شيئًا.” كلارك (Clarke)
• “إن كانت محبتنا ليسوع قوية، فستكلّفنا شيئًا. والمحبة هي أغلى التعهدات. فعلينا أن نتخلى عن أشياء نشجبها لنربح المسيح، لنتطهر ونتجلّى.” ماير (Meyer)
د ) الآيات (٢٦-٢٧): الله يرضى ويتراجع عن شدة الدينونة.
٢٦وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ، وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَدَعَا الرَّبَّ فَأَجَابَهُ بِنَارٍ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ. ٢٧وَأَمَرَ الرَّبُّ الْمَلاَكَ فَرَدَّ سَيْفَهُ إِلَى غِمْدِهِ.
١. وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلَامَةٍ: يبيّن هذا أن داود فهم أن موت السبعين ألفًا في الوبأ لم يكفر عن خطيته وخطية إسرائيل. فلا يمكن أن تصنع كفارة إلا من خلال دم بديل مصادَق عليه.
• هدفت المحرقات إلى التكفير عن الخطية، بينما هدفت ذبائح السلامة إلى التمتع بالشركة مع الله. ويبيّن هذا أن حياة داود منذ بدايتها إلى نهايتها اتّسمت بالشركة مع الرب.
• “نرى أخيرًا أن الرجل الذي بحسب قلب الرب يحوّل مناسبة خطية وعقابها إلى مناسبة عبادة.” مورجان (Morgan)
• “علّم إبراهيم حقيقة الذبيحة، بينما بالنسبة لداود، كان سبب الذبيحة هو تفسير ذبيحة المسيح. لقد ضُحِّيَ به لأجل إيقاف الوبأ – وبأ الخطية وعقاب آثامنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَدَعَا ٱلرَّبَّ فَأَجَابَهُ بِنَارٍ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى مَذْبَحِ ٱلْمُحْرَقَةِ: أظهر قبوله لذبيحة داود بنار من السماء التهمت الذبيحة. لقد أكرم الله رغبة داود في أن تكون له علاقة سليمة به وشركة معه، فباركه باستجابة من السماء. وهكذا هو الأمر أيضًا عندما يقترب أبناء الله إليه لأجل التطهير والشركة.
• أجاب إرسال النار من السماء على سؤال كان يلتهب في قلب داود لفترة طويلة. فقد تساءل لسنوات كثيرة أين يريد الله أن يُبنى الهيكل. وقد سعى داود إلى هذا المكان كما تبيّن مزمور ١٣٢: ١-٥: اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ، كُلَّ ذُلِّهِ. كَيْفَ حَلَفَ لِلرَّبِّ، نَذَرَ لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ: «لاَ أَدْخُلُ خَيْمَةَ بَيْتِي. لاَ أَصْعَدُ عَلَى سَرِيرِ فِرَاشِي. لاَ أُعْطِي وَسَنًا لِعَيْنَيَّ، وَلاَ نَوْمًا لأَجْفَانِي، أَوْ أَجِدَ مَقَامًا لِلرَّبِّ، مَسْكَنًا لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ».
• ثبّت نزول النار من السماء على المذبح الكلمة السابقة للنبي جاد أن هذا هو المكان الذي سيُبنى فيه المذبح والهيكل. ونرى ببساطة أن الله استخدم استفزاز إبليس في بداية الإصحاح ليقود داود وأمة إسرائيل إلى الجواب عن هذا السؤال المهم. ومن المؤكد أنه كانت هنالك مقاصد عاملة أخرى لله، لكن هذا كان واحدًا منها.
هـ) الآيات (٢١: ٢٨-٣٠) و(٢٢: ١): داود يقرر أن يبني الهيكل في المكان الذي أظهر فيه الله رحمته لإسرائيل.
٢٨فِي ذلِكَ الْوَقْتِ لَمَّا رَأَى دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَجَابَهُ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ ذَبَحَ هُنَاكَ. ٢٩وَمَسْكَنُ الرَّبِّ الَّذِي عَمِلَهُ مُوسَى فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَذْبَحُ الْمُحْرَقَةِ كَانَا فِي ذلِكَ الْوَقْتِ فِي الْمُرْتَفَعَةِ فِي جِبْعُونَ. ٣٠وَلَمْ يَسْتَطِعْ دَاوُدُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَمَامِهِ لِيَسْأَلَ اللهَ لأَنَّهُ خَافَ مِنْ جِهَةِ سَيْفِ مَلاَكِ الرَّبِّ.
٢٢: ١ فَقَالَ دَاوُدُ: «هذَا هُوَ بَيْتُ الرَّبِّ الإِلهِ، وَهذَا هُوَ مَذْبَحُ الْمُحْرَقَةِ لإِسْرَائِيلَ».
١. لَمَّا رَأَى دَاوُدُ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَجَابَهُ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ ٱلْيَبُوسِيِّ ذَبَحَ هُنَاكَ: عرف داود أن هنالك شيئًا مميزًا في هذا البيدر. فقد فهم أن الله قدّس هذا المكان بنار من السماء.
• بعد أن رأى داود صلواته تُستجاب، وذبائحه تُقبل، أصبح ذلك الموقع بالفعل ’بيت صلاة‘ و’هيكلًا للذبائح‘ (انظر ٢ أخبار الأيام ٧: ١٢؛ إشعياء ٥٦: ٧).” سيلمان (Selman)
• ذَبَحَ هُنَاكَ: “لا تصدّق للحظة أن العظمة المرئية ضرورية للمكان الذي سيجتمع فيه الله بك. فاذهب إلى بيدرك وصلِّ. وبينما تأخذ الثيران غير المكمومة راحتها، احنِ ركبتك واصرخ إلى رب الحصاد. وستلقى بين التبن حنطة. ولا تخف من الاقتراب إلى الله في هذه الشوارع، لكن خصِّص كل المساحة للرب إلهك.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. هَذَا هُوَ بَيْتُ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ، وَهَذَا هُوَ مَذْبَحُ ٱلْمُحْرَقَةِ لِإِسْرَائِيلَ: فهِم داود أنه يجب بناء الهيكل المستقبلي على هذه البقعة من أورشليم. فقد قدّس هذا البيدر المتواضع لنفسه.
• هَذَا هُوَ بَيْتُ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ: “هذا هو المكان الذي تنبّأ به موسى (تثنية ١٢: ١١). تراب (Trapp)
• تُظهر لنا طبيعة بيدر أرنان شيئًا حول أين وكيف يريد الله أن يلتقي البشر. كان بيدر أرنان:
مكانًا بسيطًا غير مُزيّن – ليس ككنيسة فاخرة على الإطلاق.
مكان عمل عاديًا.
مكانًا جاء منه خبز.
مكانًا تَظهر فيه عدالة الله بوضوح.
مكانًا حيث يُعترف فيه بالخطية.
مكانًا حيث تقدَّم فيه الذبائح وتُقبل.