أخبار الأيام الأول – الإصحاح ١٧
بيت لله وبيت لداود
“يقع هذا الإصحاح في قلب عرض كاتب أخبار الأيام للتاريخ.” مارتن جي. سيلمان (Martin J. Selman)
أولًا. وعد الله لداود.
أ ) الآيات (١-٢): نصيحة ناثان السابقة عن أوانها لداود.
١وَكَانَ لَمَّا سَكَنَ دَاوُدُ فِي بَيْتِهِ، قَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ: «هأَنَذَا سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ، وَتَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ تَحْتَ شُقَق!» ٢فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «افْعَلْ كُلَّ مَا فِي قَلْبِكَ لأَنَّ اللهَ مَعَكَ».
١. وَكَانَ لَمَّا: من ناحية ترتيبية زمنية، يأتي الإصحاح ١٧ بعد انتهاء الحروب التي يتم تأريخها في الإصحاح ١٨، ولهذا ينبغي تأريخه حوالي ٩٩٥ قبل الميلاد.” باين (Payne)
٢. هَأَنَذَا سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ: كان خشب الأرز يثَمّن عاليًا. ويعني هذا أن داود كان يسكن في بيت جميل عالي التكلفة. وعندما تذكّر أن تَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ تَحْتَ شُقَق (تَحْتَ خَيْمَةٍ)، انزعج لهذا التباين. فقد أزعجته فكرة أنه كان يسكن في بيت أجمل من تابوت العهد.
• من دون أن يقول داود كلامًا مباشرًا، أوصل فكرة أنه يريد أن يبني هيكلًا ليحل محل خيمة الاجتماع. وقبل ما يزيد عن ٤٠٠ سنة، عندما كان بنو إسرائيل في البرية، أمر الله موسى ببناء خيمة اجتماع وفقًا لنمط معيّن (خروج ٢٥: ٨-٩). ولم يطلب الله قط بناءً دائمًا ليحل محل خيمة الاجتماع. لكن داود أراد أن يفعل هذا من أجل الرب.
• كانت خيمة الاجتماع ملائمة تمامًا لإسرائيل في أيام البرية، لأنهم كانوا ينتقلون باستمرار. والآن، وبعد أن استقروا بأمان في الأرض، وصارت خيمة الاجتماع في أورشليم (٢ صموئيل ١٧: ٦)، رأى داود أنه أفضل وأكثر ملاءمة أن يُبنى هيكل ليحل محل خيمة الاجتماع.
٣. ٱفْعَلْ كُلَّ مَا فِي قَلْبِكَ لِأَنَّ ٱللهَ مَعَكَ: قال ناثان هذا لأن الفكرة بدت حسنة ومعقولة. فأي عيب يمكن أن يكون في بناء هيكل للرب؟
• ٱفْعَلْ كُلَّ مَا فِي قَلْبِكَ: دلَّ هذا السؤال على قلب داود هو، وكأنه يقول: “ماذا يمكنني أن أفعل لأجل الله.” فقد كان ممتلئًا بالامتنان، وكان مهتمًا كثيرًا بمجد الله لدرجة أنه أراد أن يفعل شيئًا خاصًّا لله.
ب) الآيات (٣-٦): يصحح الله استحسان ناثان المتسرع لخطة داود لبناء هيكل.
٣وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَ كَلاَمُ اللهِ إِلَى نَاثَانَ قَائِلاً: ٤«اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ عَبْدِي: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتَ لاَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِلسُّكْنَى، ٥لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمِ أَصْعَدْتُ إِسْرَائِيلَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، بَلْ سِرْتُ مِنْ خَيْمَةٍ إِلَى خَيْمَةٍ، وَمِنْ مَسْكَنٍ إِلَى مَسْكَنٍ. ٦فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مَعَ أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنْ أَرْزٍ؟
١. وَفِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ كَانَ كَلَامُ ٱللهِ إِلَى نَاثَانَ: كان رد ناثان على داود متجرِّئًا. فقد أجاب حسب حكم الإنسان وفطرته، لكن قبل أن تأتي كلمة الله.
• “من الأهمية بمكان أن نتفحص رغباتنا، حتى أقْدسها وأسماها، بمشيئة الرب. ولا يجب أن نقوم بعمل، حتى لو كان ممتازًا في حد ذاته، إلا بأمر صريح من الله. وسيُثْبت مرور الوقت حكمة المشيئة الإلهية.” مورجان (Morgan)
٢. لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمِ أَصْعَدْتُ إِسْرَائِيلَ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ: بدا أن الله كان مكرَّمًا و’متفاجئًا‘ لأن داود عرض عليه أن يبني له بيتًا. وكأن لسان حاله هو: “أتريد أن تبني بيتًا لي؟ لم يسبق أحد أن يعرض أن يفعل هذا من قبل. ولم أطلب من أحد أن يفعل هذا.”
• “يقول النص العبري حرفيًّا: ’تبني البيت.‘ كانت فكرة وجود مثل هذا البيت مشروعة، إلا أن داود لن يكون الشخص الذي سيبنيه.” باين (Payne)
• أراد داود أن يفعل أكثر مما أمر به الله. وهذا مكان رائع لنكون فيه في علاقتنا به. فمعظمنا عالق في التفكير: “ما هو القليل الذي يمكنني أن أفعله ويبقى الرب راضيًا عني؟” فنحن لا نريد حقًّا أن نفعل أكثر مما يريده الله.
• “رغم أن الرب رفض تحقيق أمنية داود، إلا أنه فعل ذلك بطريقة لطيفة كريمة للغاية. فلم يبتعد عنه بغضب أو ازدراء وكأنّ داود يعتز برغبة غير جديرة. لكن الله أكرم عبده حتى في عدم قبول عرضه.” سبيرجن (Spurgeon)
• عرف داود أن الله لم يُرده أن يبني الهيكل، لكنه لم يستجب بعدم القيام بأي شيء. وبدلًا من بناء الهيكل، جمع داود كل المواد اللازمة لإنشائه لكي يتمكن سليمان من بناء هيكل مجيد لله. (١ أخبار ٢٩: ٢-٩).
• “إذا لم تستطع الحصول على ما كنت تأمله، فلا تجلس في يأس لتسمح بضياع طاقات حياتك. لكن قم وشمّر عن ذراعيك لمساعدة آخرين على القيام به. فإن كنت لا تستطيع أن تبني، يمكنك أن تجمع المواد اللازمة لمن يريد أن يبني. وإذا لم تتمكن من النزول إلى المنجم، يمكنك الإمساك بالحبال لينزل آخرون.” ماير (Meyer)
ج) الآيات (٧-١٠): الله يعد ببناء بيت لداود.
٧وَالآنَ فَهكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْمَرْبَضِ، مِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، ٨وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ. ٩وَعَيَّنْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَغَرَسْتُهُ فَسَكَنَ فِي مَكَانِهِ، وَلاَ يَضْطَرِبُ بَعْدُ، وَلاَ يَعُودُ بَنُو الإِثْمِ يَبْلُونَهُ كَمَا فِي الأَوَّلِ، ١٠وَمُنْذُ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَقَمْتُ قُضَاةً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَأَذْلَلْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ. وَأُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَبْنِي لَكَ بَيْتًا.
١. أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ ٱلْمَرْبَضِ، مِنْ وَرَاءِ ٱلْغَنَمِ لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ: يوشك الله هنا أن يقطع وعدًا مذهلًا لداود، وعدًا يمكن أن يصعب على داود تصديقه. ولهذا، ذكّر داود أولًا بعمله في حياته في الماضي. فنفس الإله الذي كان مع داود أينما ذهب سيتمم هذا الوعد أيضًا.
٢. وَعَيَّنْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ: وعد الرب داود أنه سيؤسس في ظل حُكمه إسرائيل آمنة دائمة. وقد وعد الله بهذا لأنه عرف أن داود كان راعيًا تقيًّا مهتمًّا بخير شعبه.
٣. وَأُخْبِرُكَ أَنَّ ٱلرَّبَّ يَبْنِي لَكَ بَيْتًا: وعد الله بأنه سيبني له بيتًا، بمعنى إقامة سلالة حاكمة لبيت داود. وسيكون هذا إرثًا دائمًا لداود بعد موته بوقت طويل.
• أراد داود أن يبني لله بيتًا، فقال له الله: “شكرًا لك، لكن لا أريد ذلك. دعني أبنِ لك بيتًا بدلًا من ذلك.” فكان هذا وعدًا أعظم مما قدمه داود لله، لأن بيت داود سيدوم فترة أطول، وسيكون أَمْجَد من الهيكل الذي أراد داود بناءه.
• “تعتمد دلالة الإعلان الإلهي على المعاني المتنوعة لكلمة بيت (bayit) في العبرية، والتي يمكن أن تعني ’سلالة حاكمة‘ أو ’هيكلًا‘ أو بيتًا عائليًّا (١ أخبار ١٦: ٤٣).” سيلمان (Selman)
• لماذا رفض الله عرض داود؟ لأن داود كان رجل حرب، بينما أراد الله رجل سلامٍ يبني بيته. وتشرح ١ أخبار ٢٢: ٨-١٠ هذا الأمر: “فَكَانَ إِلَيَّ كَلَامُ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: قَدْ سَفَكْتَ دَمًا كَثِيرًا وَعَمِلْتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً، فَلَا تَبْنِي بَيْتًا لِٱسْمِي لِأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى ٱلْأَرْضِ أَمَامِي. هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ٱبْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ، وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ، لِأَنَّ ٱسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ. فَأَجْعَلُ سَلَامًا وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لِٱسْمِي، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْنًا، وَأَنَا لَهُ أَبًا وَأُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلْأَبَدِ.”
• جاء التفسير المقدم لداود والمدون في ١ أخبار ٢٢: ٨ بعد سنوات كثيرة. “إذ من شأن إخباره بهذا الأمر في هذا الوقت أن يجرحه بلا داعٍ. وفي هذه الأثناء، استجمع داود رباطة جأشه في صبر قائلًا لنفسه: “لدى الله سبب لا أفهمه، لكنه سبب وجيه.” ماير (Meyer)
• “ترتكز علاقتنا بالله دائمًا على ما يفعله من أجلنا، لا على ما نفعله من أجله. فإذا شاء أن نبني هيكلًا، فإن المسؤولية تقع علينا في عمل هذا. لكن القيام به لا يخلق أية ميزة يمكننا على أساسها مطالبتنا منه بأي شيء.” مورجان (Morgan)
د ) الآيات (١١-١٥): الله يعد بأن يبني بيتًا لداود.
١١وَيَكُونُ مَتَى كَمَلَتْ أَيَّامُكَ لِتَذْهَبَ مَعَ آبَائِكَ، أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَنِيكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. ١٢هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إِلَى الأَبَدِ. ١٣أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَلاَ أَنْزِعُ رَحْمَتِي عَنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا عَنِ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ. ١٤وَأُقِيمُهُ فِي بَيْتِي وَمَلَكُوتِي إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ كُرْسِيُّهُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ». ١٥فَحَسَبَ جَمِيعِ هذَا الْكَلاَمِ وَحَسَبَ كُلِّ هذِهِ الرُّؤْيَا كَذلِكَ كَلَّمَ نَاثَانُ دَاوُدَ.
١. أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ: حسب هذا، وعد الله بمَلَكية وراثية لبيت داود. وكان أمرًا مهمًّا أن يكرر الله هذا الوعد على وجه التحديد، لأنه لم يكن هنالك في إسرائيل ملك خلَفه ابنه على العرش.
• “يعني الغموض (تضمين معنيين) المتأصل في الكلمة العبرية (zera) ذرّية (نسل) أنها يمكن أن تنطبق على كل من السلالة ككل وعلى الأفراد فيها (انظر استخدام نفس الكلمة في تكوين ٣: ١٥؛ ١٢: ٧؛ ١٧: ٧؛ ١٧: ١٦).” سيلمان (Selman)
• “بينما لم يستخدم الله تعبير العهد، إلا أن ما أعلنه واحد. وهو يحدَّد هكذا فيما بعد (٢ صموئيل ٢٣: ٥؛ مزمور ٨٩: ٣، ٣٤؛ مزمور ١٣٢: ١١-١٢).” باين (Payne)
٢. هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا: رغم أن داود لن يبني هيكلًا لله، إلا أن نسل داود سيفعل ذلك.
• “إن بناء الهيكل، شأنه شأن الختّان في حالة العهد الإبراهيمي (تكوين ١٧)، فِعل طاعة بشرية يتم بموجبه قبول وعد الله وتثبيته.” سيلمان (Selman)
٣. وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إِلَى ٱلْأَبَدِ: وبالفعل، حكمت سلالة داود إسرائيل لما يزيد عن ٤٠٠ سنة، لكنها أُزيحت في نهاية الأمر بسبب مضاعفة الشرور. غير أن الله أقام من ’جذع يسّى‘ نسلًا سيحكم إلى أبد الآبدين (إشعياء ١١: ١-٢).
٤. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْنًا: سيتمتع نسل داود هذا بعلاقة خاصة بالله.
٥. وَيَكُونُ كُرْسِيُّهُ ثَابِتًا إِلَى ٱلْأَبَدِ: وعد الله داود بأن حُكم سلالته سيدوم إلى الأبد.
• لقد تحقق كل واحد من هذه الوعود جزئيًّا في سليمان بن داود وخليفته على العرش.
ملَكَ سليمان على عرش داود.
لم تفارق رحمة الله سليمان رغم أنه أخطأ.
بنى سليمان بيتًا بديعًا لله.
• غير أن وعد الله لداود اكتسب أهمية أكبر بسبب الوقت الذي كتب فيه كاتب أخبار الأيام عن ذلك – أي بعد السبي عندما لم تكن هنالك مملكة مستقلة لإسرائيل، وبدا أن عرش داود شاغر. وكان لدى كاتب أخبار الأيام إيمان لرؤية أن هذا الوعد لم يُنقض حتى عندما بدا واضحًا أنه كذلك. عرف أن المسيّا سيأتي بالفعل مما بدا خطًّا ميّتًا من داود، وأنه سيملك إلى الأبد. كان لديه إيمان بما تنبّأ به الأنبياء كتحقيق أكبر لهذه الوعود.
• “هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلًا فِي ٱلْأَرْضِ. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا، وَهَذَا هُوَ ٱسْمُهُ ٱلَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا.” (إرميا ٢٣: ٥-٦)
• “لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْنًا، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلَهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ ٱلسَّلَامِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلَامِ لَا نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، مِنَ ٱلْآنَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا.” (إشعياء ٩: ٦-٧)
• وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ.” (لوقا ١: ٣١-٣٣)
• لم يُرد الله أن يُبنى البيت الأرضي إلى أن يُبني ويُثبّت البيت الروحي. فكان لا بد من وضع البيت الأكثر أهميةً في مكانه أولًا. وسيكون هذا البيت السلالة التي ستؤدي إلى عرش المسيّا الإلهي.
• بالنسبة لداود، كانت بركة الله عليه بطريقة فريدة. ويربط العهد الجديد يسوع بداود أكثر من أي سلف بشري آخر.
أُوصَنَّا لِٱبْنِ دَاوُدَ! (متى ٢١: ٩).
وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ (لوقا ١: ٣٢).
أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ ٱلْمُنِيرُ (رؤيا يوحنا ٢٢: ١٦).
• يبدو أيضًا أن داود سيكون رئيس الله المختار على إسرائيل المستردة في الأرض الألفية. تقول إشعياء ٣: ٥ “بَعْدَ ذَلِكَ يَعُودُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَطْلُبُونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ، وَيَفْزَعُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ وَإِلَى جُودِهِ فِي آخِرِ ٱلْأَيَّامِ.” ومن النصوص الأخرى التي توضح هذه الفكرة حزقيال ٣٧: ٢٤-٢٥؛ حزقيال ٣٤: ٢٣-٢٤ وإرميا ٣٠: ٩.
ثانيًا. استجابة داود الشاكرة
أ ) الآيات (١٦-٢٢): داود يشكر بتواضع ويسبّح الرب.
١٦فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «مَنْ أَنَا أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ، وَمَاذَا بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هُنَا؟ ١٧وَقَلَّ هذَا فِي عَيْنَيْكَ يَا اَللهُ فَتَكَلَّمْتَ عَنْ بَيْتِ عَبْدِكَ إِلَى زَمَانٍ طَوِيل، وَنَظَرْتَ إِلَيَّ مِنَ الْعَلاَءِ كَعَادَةِ الإِنْسَانِ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ. ١٨فَمَاذَا يَزِيدُ دَاوُدُ بَعْدُ لَكَ لأَجْلِ إِكْرَامِ عَبْدِكَ وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ عَبْدَكَ؟ ١٩يَا رَبُّ، مِنْ أَجْلِ عَبْدِكَ وَحَسَبَ قَلْبِكَ قَدْ فَعَلْتَ كُلَّ هذِهِ الْعَظَائِمِ، لِتَظْهَرَ جَمِيعُ الْعَظَائِمِ ٢٠يَا رَبُّ، لَيْسَ مِثْلُكَ وَلاَ إِلهَ غَيْرُكَ حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا. ٢١وَأَيَّةُ أُمَّةٍ عَلَى الأَرْضِ مِثْلُ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي سَارَ اللهُ لِيَفْتَدِيَهُ لِنَفْسِهِ شَعْبًا، لِتَجْعَلَ لَكَ اسْمَ عَظَائِمَ وَمَخَاوِفَ بِطَرْدِكَ أُمَمًا مِنْ أَمَامِ شَعْبِكَ الَّذِي افْتَدَيْتَهُ مِنْ مِصْرَ. ٢٢وَقَدْ جَعَلْتَ شَعْبَكَ إِسْرَائِيلَ لِنَفْسِكَ شَعْبًا إِلَى الأَبَدِ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ صِرْتَ لَهُمْ إِلهًا.
١. مَنْ أَنَا أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ: عندما تلقّى داود هذه الهبة المذهلة، لم يرَ أنها جعلته أعظم مما كان عليه. بل رأى أنها جعلت الله أعظم.
• “أيها الرب الإله، لقد عاملتني كما لو أني وُلدتُ ابنًا لملك عظيم، لا كراعٍ فقير كما كنتُ في الواقع.” بوله (Poole)
• لم تكن نظرة داود: “أنا عظيم لدرجة أن الرب يعطيني عطايا.” بل كانت، “الرب عظيم لدرجة أنه يعطيني عطايا.” وينبغي لنا أن نتلقى الخلاص وكل بركة بنفس النظرة. إذ يعكس عطاء الله عظمة المعطي، لا عظمة المتلقّي.
٢. عَبْدَكَ: يُظهر تلقّي هذه العطية بتواضع من خلال تكرار كلمة ’عَبْدَكَ‘ عشر مرات في هذه الصلاة.
• يُظهر هذا أن داود قبِل بتواضع رفض الله عرضه لبناء هيكل له. “هنالك بعض الأساتذة الذين يمكن أن يفعلوا شيئًا عظيمًا لو أمكنهم فِعل هذا. لكن إذا لم يُسمح لهم باتخاذ دور ساطع، فإنهم يَحْرَدون ويغضبون من إلههم. وعندما وضع الله اقتراح داود جانبًا، لم يجد داود في قلبه أن يتذمر، بل أن يصلّي.” سبيرجن (Spurgeon)
• “يوحي جلوس الملك ’أَمَامَ ٱلرَّبِّ‘ أنه ذهب إلى الخيمة التي كانت تغلّف التابوت.” باين (Payne)
ب) الآيات (٢٣-٢٧): داود يطلب بجسارة أن يحقق الله وعده المنطوق.
٢٣وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ، لِيَثْبُتْ إِلَى الأَبَدِ الْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَنْ عَبْدِكَ وَعَنْ بَيْتِهِ وَافْعَلْ كَمَا نَطَقْتَ. ٢٤وَلْيَثْبُتْ وَيَتَعَظَّمِ اسْمُكَ إِلَى الأَبَدِ، فَيُقَالَ: رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ. هُوَ اللهُ لإِسْرَائِيلَ وَلْيَثْبُتْ بَيْتُ دَاوُدَ عَبْدِكَ أَمَامَكَ. ٢٥لأَنَّكَ يَا إِلهِي قَدْ أَعْلَنْتَ لِعَبْدِكَ أَنَّكَ تَبْنِي لَهُ بَيْتًا، لِذلِكَ وَجَدَ عَبْدُكَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَكَ. ٢٦وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ، أَنْتَ هُوَ اللهُ، وَقَدْ وَعَدْتَ عَبْدَكَ بِهذَا الْخَيْرِ. ٢٧وَالآنَ قَدِ ارْتَضَيْتَ بِأَنْ تُبَارِكَ بَيْتَ عَبْدِكَ لِيَكُونَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ بَارَكْتَ وَهُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ».
١. وَٱلْآنَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ، لِيَثْبُتْ إِلَى ٱلْأَبَدِ ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ: طلب داود في صلاته بجسارة أن يفعل الله ما وعد به. لم تكن هذه صلاة سلبية تقول: “حسنًا، يا رب. أنت تريد أن تفعل… ولا يهمني هذا حقًّا.” ولم تكن صلاة متغطرسة تقول: “حسنًا، يا رب. دعني أخبرك ما ينبغي أن تفعله.” كانت تلك صلاة جَسورًا تقول: “يا الله، هذا هو وعدك. وأنا أثق بأنك ستفي به بشكل جليل وبأنك ستكون أمينًا لكلمتك.”
• تؤكد عبارة ’لِذَلِكَ وَجَدَ عَبْدُكَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَكَ‘ صحة هذا الأمر. فكان داود يقول: “أنا لا أصلي هكذا إلا لأنك وعدت. فأنت أخبرتني أن هذا هو ما تريد القيام به.”
• “لا يكاد يوجد أي موقف أكثر جمالًا أو قوة أو أمانًا من وضع إصبعك على وعد ما في كلمة الله وتطالب به… إنه أفضل بكثير أن تطالب بعدة أشياء قليلة محددة من أن تطالب بأمور كثيرة عامة غير محددة.” ماير (Meyer)
• يخصِّص هذا النوع من الصلاة وعد الله لنا. ولا يعني مجرد أن الله يعِد أننا نمتلك الوعد. لكن من خلال تصديق وعد صلاة كهذه، فإن الله يَعِد، ونحن نخصص الوعد لنا. وإذا لم نخصص الوعد لأنفسنا بالإيمان، يظل الوعد غير مطالَب به.
يمكن أن نخصص لأنفسنا وعد الله بالغفران: “إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ” (١ يوحنا ١: ٩).
يمكن أن نخصص لأنفسنا وعد الله بالسلام: “سَلَامًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلَامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي ٱلْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لَا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلَا تَرْهَبْ” (يوحنا ١٤: ٢٧).
يمكن أن نخصص لأنفسنا وعد الله بالإرشاد: “أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ” (مزمور ٣٢: ٨).
يمكن أن نخصص لأنفسنا وعد الله بالنمو: “وَاثِقًا بِهَذَا عَيْنِهِ أَنَّ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلًا صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ” (فيلبي ١: ٦).
يمكن أن نخصص لأنفسنا وعد الله بالعون: “فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ ٱلنِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ” (عبرانيين ٤: ١٦).
٢. لِذَلِكَ وَجَدَ عَبْدُكَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَكَ: لاحظْ أن داود صلى من القلب. يصلي كثيرون باستخدام كتاب، بينما يصلي آخرون من أذهانهم. والمكان المناسب للصلاة هو من القلب.
٣. وَٱلْآنَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ، أَنْتَ هُوَ ٱللهُ، وَقَدْ وَعَدْتَ عَبْدَكَ بِهَذَا ٱلْخَيْرِ: كان هذا أساس إيمان داود. فقد عرف أن الله هو الله، وأن وعده صحيح. ولهذا يمكن الثقة به.
• “غالبًا ما يُتحدث عن الخطية العظيمة لعدم الإيمان بيسوع المسيح باستخفاف وبروح دنيئة، كما لو أنها بالكاد خطية أصلًا. لكن حسب هذا النص، وحسب مضمون الكتاب المقدس كله، فإن عدم الإيمان يعني تكذيب الله. فماذا يمكن أن يكون أسوأ من هذا؟” سبيرجن (Spurgeon)