أخبار الأيام الأول – الإصحاح ٢٠
عمّون تُهزَم في رَبَّة
أولًا. هزيمة عمون
أ ) الآية (١): يوآب يرجع في السنة التالية للهجوم على رَبَّة.
١وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ ٱلسَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ ٱلْمُلُوكِ، ٱقْتَادَ يُوآبُ قُوَّةَ ٱلْجَيْشِ وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ وَأَتَى وَحَاصَرَ رَبَّةَ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي أُورُشَلِيمَ. فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا.
١. وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ ٱلسَّنَةِ (أي في فصل الربيع)، فِي وَقْتِ خُرُوجِ ٱلْمُلُوكِ (للمعارك): في هذا الجزء من العالم، لم يكن الملوك يحاربون في شهور الشتاء، لأن الأمطار والطقس البارد كانت تجعل الأسفار والحملات العسكرية صعبة. فكانوا يستأنفون القتال في الربيع.
٢. ٱقْتَادَ يُوآبُ قُوَّةَ ٱلْجَيْشِ… وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ: كان ينبغي أن يكون داود في المعركة، لكنه تَخَلَّف وبقي في بيته. وفي ١ أخبار الأيام ١٩، حُفظ يوآب وجيش الجبابرة من الآراميين والعمونيين، لكنهم لم يحرزوا نصرًا حاسمًا. جاء النصر الحاسم عندما قاد داود المعركة في نهاية ١ أخبار الأيام ١٩. سواء من خلال العُرف والخبرة، طلب الله من داود: ’ينبغي أن تكون في المعركة.‘ وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ.
• إن ما حدث عندما بقي داود في أورشليم كان معروفًا جدًّا لدرجة أن كاتب أخبار الأيام لم يُضطر إلى تدوينه. ففي وقت فراغه، رأى امرأة جميلة تستحم، فتصرّف وفق شهوته، فزنى بها، فحبلت. وتآمر مع يوآب لقتل زوجها (أوريا الحثّي، أحد جبابرة داود) للتستر على جريمته. فقد حدث الكثير بين الفترة التي بقي فيها داود في أورشليم وهزيمة ربّة عمون على يد يوآب.
• “احذر من لحظات الراحة. ففيها يمكن أن نقع بسهولة في قبضة إبليس. وأكثر أيام الصيف اتّقادًا ممتلئة بالآفات… فإذا لم نتمكن من ملء أيامنا بأمورنا الخاصة، فإن هنالك الكثير مما يمكننا أن نفعله للآخرين…. فتيّقظ وصلِّ في أيام الإجازة والراحة أكثر من أي وقت آخر.” ماير (Meyer)
• “لا يوجد أكثر خطورة في حياة أي خادم لله من أن يبقى غير نشط بينما تتطلب مشروعات الله أن يكون في ميادين الصراع.” مورجان (Morgan)
٣. فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ: تخبرنا الرواية في ٢ صموئيل ١٢: ٢٦-٣١ أن يوآب قهر ربّة عمون بشكل أساسي، لكنه دعا داود إلى العون في الغزو النهائي للمدينة بعد خطيته مع بثشبع وتوبته اللاحقة. ثم تخبرنا ٢ صموئيل ١٢: ٢٩ أن داود جمع كل الشعب معًا وذهبوا إلى ربّة. فكانت هذه المرحلة النهائية لاسترداد داود. إذ رجع إلى عمل ما كان ينبغي أن يعمله طوال الوقت، وهو أن يقود إسرائيل إلى المعركة، بدلًا من البقاء في أورشليم. فقد عاد داود إلى الانتصار ثانية. فلم تُدِنه خطيته إلى حياة من الفشل والهزيمة. صحيح أنه كان هنالك تأديب لخطية داود، لكن هذا لم يعنِ أن حياته دُمِّرت.
• “يفترض أن يجعل سقوط داود الذين لم يسقطوا حذرين محترسين، وأن ينقذ من اليأس الذين سقطوا بالفعل.” أوغسطين (Augustine)
ب) الآيات (٢-٣): داود يلبس تاج عمّون.
٢وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، فَوُجِدَ وَزْنُهُ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَفِيهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا. ٣وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
١. وَأَخَذَ تَاجَ مَلِكِهِمْ … فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ: لم تنزع خطية داود تاجه. ولو أن داود رفض الاستماع إلى صوت ناثان النبي، لربما انتُزع تاجه. ولأن داود استجاب بالاعتراف والتوبة، كان ما زال هنالك تاج لرأس داود.
• يبدو أن حكم داود لعمون كان جزءًا من أربع مراحل لإدارة الإمبراطورية خارج أرض إسرائيل… وكانت عمون الأكثر تقييدًا من الجميع. ويبدو أنه قد تمّ تخفيض منزلتها إلى مقاطعة.” سيلمان (Selman)
٢. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا… ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ: ومرةً أخرى، يزداد داود قوة وثروة، جالبًا كنوزًا إلى إسرائيل من أجل بناء الهيكل لاحقًا.
• يتناسب توسيع مدى أمن إسرائيل مع الأمم المجاورة مع القصد الواسع لكاتب أخبار الأيام في تبيان كيف أن داود أعد الطريق لابنه لبناء الهيكل.
ثانيًا. انتصارات أخرى لإسرائيل على العمالقة الفلسطيين
أ ) الآيات (٤-٧): ثلاثة انتصارات على العمالقة.
٤ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَامَتْ حَرْبٌ فِي جَازِرَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَفَّايَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا فَذَلُّوا. ٥وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَقَتَلَ أَلْحَانَانُ بْنُ يَاعُورَ لَحْمِيَ أَخَا جُلْيَاتَ الْجَتِّيِّ. وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. ٦ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ أَعْنَشُ، أَصَابِعُهُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا. ٧وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يَهُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَا أَخِي دَاوُدَ.
١. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ: بيّن وصف الانتصار هذا على العمالقة الفلسطيين أن إسرائيل يمكن أن تهزم عمالقة من دون داود. سَبْكَايُ.. أَلْحَانَانُ.. يُونَاثَانُ: حقق هؤلاء الرجال أعمالًا بطولية عندما انتهى داود من محاربة العمالقة. وسيظل الله يقيم قادة عندما يغيب قادة الجيل السابق عن المشهد.
• لم تكن تركة داود في ما أنجزه فحسب، بل أيضًا في ما تركه وراءه، وهو شعب مستعد للانتصار بسبب تدريبه ومثاله.
• “يتجاهل جامع هذين السفرين أيضًا قصة سفاح القربى بين أمنون وأخته ثامار، وتمرد أبشالوم، والعواقب الوخيمة لهذه كلها. ويفترض أن تسبق هذه الأحداث الآية الرابعة. ولا يمكن أن تكون هذه الحقائق غير معروفة بالنسبة له، لأن سمعتها السيئة كانت معروفة لدى الجميع. لكنه رأى أنه تمّ بالفعل تفصيلها بإسهاب في أسفار أخرى اعتمدها الشعب. ولم تكن روايتها من نوع تلك التي يمكن لشخص يحب التقوى والإنسانية أن يُسَر بتكرارها. وعلى هذه الأسس، فإن القارئ ينسب له فضل إغفالها.” كلارك (Clarke)
٢. ٱلْقَامَةِ أَصَابِعُ كُلٍّ مِنْ يَدَيْهِ سِتٌّ، وَأَصَابِعُ كُلٍّ مِنْ رِجْلَيْهِ سِتٌّ: هذا وصف لرجل طَوِيل الْقَامَةِ لم يذكر اسمه من جَتَّ. لا يتوقف مفسرون كثيرون مثل كلارك (Clarke) عن تذكيرنا بأن هذه ظاهرة معروفة: “ليست هذه حالة فردية. إذ يخبرنا تافيميير (Tavernier) أن بكر إمبراطور جاوا الذي حكم في ١٦٤٩ كانت له ست أصابع في كل من يديه وقدميه. ورأيت ذات مرة في مقاطعة لندندري في إيرلندا شابة لها ست أصابع في كل من يديها وقدميها، لكنها في قامتها لم تكن عملاقة على الإطلاق.”
• وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ ٱلنَّسَّاجِينَ: انطبق هذا على لَحْمِي، وهو أخٌ لجليات. “لقد عرفنا أيضًا ما يوازيه. فهو ليس خلقًا غير تاريخي كما يزعم بعضهم. كان في الواقع رمحًا ذا أُنشوطة حول العمود لمسافة واستقرار أعظم. وكان معروفًا في منطقة بحر إيجة من القرن الثاني عشر قبل الميلاد. حتى إن العهد القديم يذكر أن رمحًا كهذا كان في حوزة شخص غير إسرائيلي (١ أخبار ١١: ٢٣).” سيلمان (Selman)
ب) الآية (٨): ملخص الانتصارات على عمالقة الفلسطيين.
٨هَؤُلَاءِ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ.
١. هَؤُلَاءِ وُلِدُوا لِرَافَا (للعملاق) فِي جَتَّ: بما أن جليات كان من جَتَّ (١ صموئيل ١٧: ٤)، كان هؤلاء أبناءه أو إخوته.
• “يُطلق على جميع المحاربين الفلسطيين اسم (الرفائيين)، أو نسل رافا (عمالقة)، وهذه إحدى المجموعات الموجودة في إسرائيل في كنعان (مثلًا، تكوين ١٥: ٢٠)، وكانوا مشهورين بضخامة حجمهم.” سيلمان (Selman)
٢. وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ: يتمثل جزء من هذه الفكرة في أن داود يقهر أعداءه الآن، وسيكون هذا أفضل لابنه سليمان في المستقبل. فانتصاراتنا الحالية ليست جيدة لنا الآن فحسب، لكنها تنقل شيئًا مهمًّا للجيل التالي.
• يُعْزى الفضل في هزيمة هؤلاء العمالقة الأربعة بحق إلى يد داود ويد عبيده. إذ كان لداود دور في هذه الهزيمة من خلال مثاله وتدريبه وإرشاده وتأثيره.
• “دع الذين تراجعت قوتهم بعد خدمة طويلة يقْنعوا بأن يسكنوا بين شعب الله ويضيئوا لهم كسراج. وبهذا يمكّنونهم من القيام بنفس المشروعات الإلهية. ويشكل مثل هذا العمل في الأيام الأخيرة من حياة الخادم خدمة عظيمة وسامية أيضًا.” مورجان (Morgan)