أخبار الأيام الأول – الإصحاح ١٠
موت شاول
“بعد أن رسم كاتب أخبار الأيام الإطار التاريخي لإسرائيل وحدودها الإثنية (العِرْقيّة) في الأنساب السابقة، يدخل في موضوعه الرئيسي، وهو تاريخ المملكة العبرية، مع خلاصات لاهوتية.” باين (Payne)
أولًا. موت الملك شاول
أ ) الآيات (١-٢): المعركة على جبل جلبوع.
١وَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ إِسْرَائِيلَ، فَهَرَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَسَقَطُوا قَتْلَى فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ. ٢وَشَدَّ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَرَاءَ شَاوُلَ وَوَرَاءَ بَنِيهِ، وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ يُونَاثَانَ وَأَبِينَادَابَ وَمَلْكِيشُوعَ أَبْنَاءَ شَاوُلَ.
١. وَحَارَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ إِسْرَائِيلَ: كان الفلسطيون شعبًا مهاجرًا من الأرستقراطية العسكرية من جزيرة كريت (عاموس ٩: ٧). وكانوا موجودين في الأرض بأعداد قليلة في زمن إبراهيم. لكنهم لم يصبحوا أقوياء إلا بعد وقت قصير من وصول إسرائيل إلى كنعان من مصر، وتمّ تنظيمهم في خمس ولايات من المدن. ويخبرنا علماء الآثار أمرين حول الفلسطيين: كانوا يشربون الكحول بكثرة، وكانوا أول من استخدم الحديد بشكل فعّال في المنطقة، واستفادوا من هذا إلى أقصى حد.
• كان الفلسطيون شعبًا يجوبون البحار، وتاجروا مع البلاد البعيدة. ولهذا استوردوا أحدث التقنيات العسكرية اليونانية وأفضلها. وصاروا عدوًّا شرسًا لشعب إسرائيل. وفي ذلك الوقت، كان بإمكان إسرائيل التنافس مع موآب وعمّون على قدم المساواة، لكن المعدات العسكرية اليونانية (الخوذات، والدروع، والمعاطف الواقية، والسيوف، والرماح) جعلت الفلسطيين أكثر شراسة.
٢. فَهَرَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ: كان الفلسطيون قد هاجموا عمق أراضي إسرائيل (١ صموئيل ٢٨: ٤). فحشد شاول جيشه واستعدوا للمعركة على جبل جلبوع (١ صموئيل ٢٨: ١٤). ولم يكن شاول مستعدًّا للمعركة بسبب تمرّده على الرب. “وَلَمَّا رَأَى شَاوُلُ جَيْشَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ خَافَ وَٱضْطَرَبَ قَلْبُهُ جِدًّا.” (١ صموئيل ٢٨: ٥). وليس من المفاجئ لنا أن قائدًا كهذا لجنود إسرائيل لم يتمكن من الوقوف أمام الفلسطيين.
• “لا تتعجب لسقوط شاول على أيدي الفلسطيين المسلَّحين ضدّه بخطيته وبانتقام الله لها.” بوله (Poole)
٣. وَضَرَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُونَاثَانَ وَأَبِينَادَابَ وَمَلْكِيشُوعَ أَبْنَاءَ شَاوُلَ: إنه لأمر مأساوي أن أبناء شاول تأثّروا بدينونة الله على أبيهم شاول. فمات يُونَاثَان الشجاع النبيل، كما عاش، وهو يقاتل بأمانة حتى النهاية من أجل إلهه، وبلده، وأبيه الملك.
ب) الآيات (٣-٦): شاول يموت في المعركة.
٣وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ عَلَى شَاوُلَ فَأَصَابَتْهُ رُمَاةُ الْقِسِيِّ، فَانْجَرَحَ مِنَ الرُّمَاةِ. ٤فَقَالَ شَاوُلُ لِحَامِلِ سِلاَحِهِ: «اسْتَلَّ سَيْفَكَ وَاطْعَنِّي بِهِ لِئَلاَّ يَأْتِيَ هؤُلاَءِ الْغُلْفُ وَيُقَبِّحُونِي». فَلَمْ يَشَأْ حَامِلُ سِلاَحِهِ لأَنَّهُ خَافَ جِدًّا. فَأَخَذَ شَاوُلُ السَّيْفَ وَسَقَطَ عَلَيْهِ. ٥فَلَمَّا رَأَى حَامِلُ سِلاَحِهِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ شَاوُلُ، سَقَطَ هُوَ أَيْضًا عَلَى السَّيْفِ وَمَاتَ. ٦فَمَاتَ شَاوُلُ وَبَنُوهُ الثَّلاَثَةُ وَكُلُّ بَيْتِهِ، مَاتُوا مَعًا.
١. وَٱشْتَدَّتِ ٱلْحَرْبُ عَلَى شَاوُلَ: عندما ضُرب شاول بسهام كثيرة وأُصيب بجروح بليغة، عرف أنه خسر المعركة تمامًا. فطلب من حامل سلاحه أن يقتله. وعندما أبى هذا أن يفعل، قتل شاول نفسه (فَأَخَذَ شَاوُلُ ٱلسَّيْفَ وَسَقَطَ عَلَيْه).ِ
• “تناثرت ورود جيشه حوله، وغرق فرسان إسرائيل في أنهار من الدم. ثم ترك الفلسطيون كل الجنود الإسرائيليين الآخرين وركّزوا هجومهم على ذلك الشخص المهيب الذي ترتفع قامته وسط الهاربين، وعلى التاج الملكي على خوذنه، والسوار الملكي الذي يومض على ذراعه.” ماير (Meyer)
• حسب الطريقة التي ينظر بها معظم الناس إلى الانتحار، لم يكن موت شاول انتحارًا. يشرح كلارك (Clarke) هذه المسألة جيدًا: “كان واضحًا أنه أصيب بجروح مميتة عندما طلب من حامل سلاحه أن يطفئ شرارة الحياة الباقية فيه. ولن تكون طعنة حامل سلاحه في جسده سبب موته، بل ستسرّع ذلك الموت. فقد أُصيب بجروح مميتة من قبل. وقد طلب شاول هذا مقتنعًا بأنه لن ينجو.” (كلارك في تفسيره لصموئيل الأول).
• بأخذ تعاليم الكتاب المقدس حول هذه النقطة في مجملها، يمكننا القول إن الله يعد الانتحار خطية حقًّا. فهو قتل للنفس. لكننا سنكون مخطئين إذا عددناها الخطية التي لا تُغتفر. وكل منتحر شخص قد استسلم لأكاذيب إبليس وخداعه، ذاك الذي يهدف إلى القتل والتدمير (يوحنا ١٠: ١٠).
• “الانتحار هو دائمًا الفعل النهائي للجبن. وهو في حالة شاول، وفي حالات كثيرة مماثلة، أمر طبيعي تمامًا. لكن لا يجب أن نمجده على أنه أمر بطولي. فهو الملاذ الوحيد للرجل الذي لا يجرؤ على الوقوف في وجه الحياة.” مورجان (Morgan)
٢. فَمَاتَ شَاوُلُ وَبَنُوهُ ٱلثَّلَاثَةُ وَكُلُّ بَيْتِهِ: كانت هذه هي النهاية المأساوية لهذا الملك الأول لإسرائيل، والذي بدأ بداية واعدة، لكنه أنهى حُكمه بكارثة على نفسه وأبنائه ومملكته.
• بقي بعض أفراد من عائلة شاول على قيد الحياة، غير أنه “تم قطع كل فرع من أفراد عائلته الذين تبعوه إلى الحرب. ويُذكر أبناؤه الثلاثة على أنهم الرئيسيون.” كلارك (Clarke)
• “يتم تجاهل قصة العماليقي المرتبط بموت شاول في ٢ صموئيل ١ ربما لأن أصالتها كانت موضع شك في العصور القديمة، كما في العصر الحديث.” سيلمان (Selman)
ثانيًا. في أعقاب موت شاول
أ ) الآية (٧): إسرائيل تُهزم في المعركة.
٧وَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي الْوَادِي أَنَّهُمْ قَدْ هَرَبُوا، وَأَنَّ شَاوُلَ وَبَنِيهِ قَدْ مَاتُوا، تَرَكُوا مُدُنَهُمْ وَهَرَبُوا، فَأَتَى الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَسَكَنُوا بِهَا.
١. وَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْوَادِي أَنَّهُمْ قَدْ هَرَبُوا، وَأَنَّ شَاوُلَ وَبَنِيهِ قَدْ مَاتُوا: عندما ضُرِب القائد (الملك شاول)، انتشر الرعب بين شعب الله. وقد عرف يسوع أن هذا المبدأ سيُستخدم ضد تلاميذه: وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ ٱللَّيْلَةِ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ ٱلْخِرَافُ” (مرقس ١٤: ٢٧).
• لم تؤثر خطية شاول، وتمرده المتقسّي، وخرابه النهائي في نفسه فحسب. بل تجاوزت إلى عائلته المباشرة، بل تجاوزت ذلك إلى أمّة إسرائيل كلها، حيث عرّضها بأكملها للخطر.
٢. تَرَكُوا مُدُنَهُمْ وَهَرَبُوا، فَأَتَى ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ وَسَكَنُوا بِهَا: كان انتصار الفلسطيين تامًّا حتى إن الساكنين على الجانب الآخر من نهر الأردن (فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ) (١ صموئيل ٣١: ٧) هربوا رعبًا من أمام الفلسطيين. ومع هذا الاحتلال الفلسطي للأراضي هناك، قسّموا إسرائيل إلى نصفين، راسمين خطًّا من الغرب إلى الشرق. وكانت بقية الأمة جاهزة للغزو الكامل من قبل الفلسطيين.
ب) الآيات (٨-١٠): التمثيل بجثة شاول.
٨وَفِي الْغَدِ لَمَّا جَاءَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِيُعَرُّوا الْقَتْلَى، وَجَدُوا شَاوُلَ وَبَنِيهِ سَاقِطِينَ فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ، ٩فَعَرَّوْهُ وَأَخَذُوا رَأْسَهُ وَسِلاَحَهُ، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ لأَجْلِ تَبْشِيرِ أَصْنَامِهِمْ وَالشَّعْبِ. ١٠وَوَضَعُوا سِلاَحَهُ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ، وَسَمَّرُوا رَأْسَهُ فِي بَيْتِ دَاجُونَ.
١. لِأَجْلِ تَبْشِيرِ أَصْنَامِهِمْ وَٱلشَّعْبِ: أعطى موت شاول المأساوي فرصة لأعداء الرب ليهينوا اسمه. أولًا، كانت هذه أشد إهانة يمكن أن توجه إلى شاول. ففي تلك الثقافة، كان يُعَد التعامل مع الجثث بهذه الطريقة مصيرًا أسوأ من الموت نفسه. ثانيًا، استخدموا موته لتمجيد الآلهة الوثنية والاستهزاء بالإله الحي.
ج) الآيات (١١-١٢): شجاعة رجال يابيش جلعاد وأمانتهم.
١١وَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ يَابِيشِ جِلْعَادَ بِكُلِّ مَا فَعَلَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ بِشَاوُلَ، ١٢قَامَ كُلُّ ذِي بَأْسٍ وَأَخَذُوا جُثَّةَ شَاوُلَ وَجُثَثَ بَنِيهِ وَجَاءُوا بِهَا إِلَى يَابِيشَ، وَدَفَنُوا عِظَامَهُمْ تَحْتَ الْبُطْمَةِ فِي يَابِيشَ، وَصَامُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
١. كُلُّ ذِي بَأْسٍ… يَابِيشِ جِلْعَادَ: هؤلاء الرجال البواسل معروفون أيضًا بامتنانهم. فقبل سنوات كثيرة، خلّص شاول مدينتهم من العمونيين (١ صموئيل ١١: ١-١١). وها هم يردون له الجميل. وعند اعتلاء داود عرش إسرائيل، شكر داود هؤلاء الرجال البواسل على لطفهم تجاه ذكرى شاول ويوناثان وابنَي شاول الآخرَين (٢ صموئيل ٢: ٤-٧).
٢. قَامَ كُلُّ ذِي بَأْسٍ: في زمن من العار، والخسارة، والمأساة كهذا، كان لدى الله رجال ذوو بأس يقومون بعمله. فقد أنزل رجال يابيش جلعاد جثث شاول وأبنائه من مكان الإذلال، ودفنوها بكرامة.
• لدى الله دائمًا رجال ذوو بأس. فعندما يغيب خادم عن المشهد، يظهر آخر ليحل محله. فإذا غاب شاول، فإن الله يقيم داود. وإذا مُنِيَ جيش إسرائيل بهزيمة منكرة، ما زال لدى الله رجال بواسل. فعمل الله أكبر من أي رجل واحد أو أية مجموعة من الأشخاص.
د) الآيات (١٣-١٤): السبب الروحي وراء مأساة الملك شاول.
١٣فَمَاتَ شَاوُلُ بِخِيَانَتِهِ الَّتِي بِهَا خَانَ الرَّبَّ مِنْ أَجْلِ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْهُ. وَأَيْضًا لأَجْلِ طَلَبِهِ إِلَى الْجَانِّ لِلسُّؤَالِ، ١٤وَلَمْ يَسْأَلْ مِنَ الرَّبِّ، فَأَمَاتَهُ وَحَوَّلَ الْمَمْلَكَةَ إِلَى دَاوُدَ بْنِ يَسَّى.
١. فَمَاتَ شَاوُلُ بِخِيَانَتِهِ: قصة الملك شاول إحدى المآسي العظيمة في الكتاب المقدس. كان متواضعًا في البداية، لكنه افتقر إلى أي اتصال روحي بالله. وأفسدته الكبرياء والخوف بسهولة. فأصبح شاول مثلًا مأساويًّا للإمكانات الضائعة.
• “كان شاول رجلًا أُتيحت له فرص لم تُتح لغيره، لكن فشله كان كارثيًّا. إذ كان ذا مكانة حسنة في الأمة، ودعاه الله بشكل متميز، وكلّفه بمهمات. وكان له شرف الصداقة مع صموئيل. وأحاط به رجال لمس الله قلوبهم. فكان كل شيء في صالحه. لكنه فشل منذ البداية. وخطوة فخطوة، انحدر من حيث السلوك والمعدن الأخلاقي إلى أن خرج من المشهد.” مورجان (Morgan)
٢. وَلَمْ يَسْأَلْ مِنَ ٱلرَّبِّ: لم تكن لدى شاول صلة حقيقية بالرب، وَلَمْ يَسْأَلْ مِنَ ٱلرَّبِّ بسبب صعوبات حياته، بل استشار وسيطة روحانية طلبًا للإرشاد، ولم يستشر الله.
• “عندما يُدعى أحد لخدمة الله، يُعطى له دائمًا إرشاد إلهي في تواصل روحي مباشر. فإذا حدث عصيان، فإن هذا التوجيه يُسحَب بالضرورة. وعندئذٍ يلجأ هذا الشخص التواق إلى عون خارق، إلى السحرة، والمشعوذين، والوسطاء الروحانيين. وهذا أمر مدمر دائمًا.” مورجان (Morgan)
• تقول ١ صموئيل ٢٨: ٦ إن شاول سأل من الرب. “هذا السؤال التافه وغير الجدير الذي قدمه شاول لا يصل إلى مستوى السؤال. إنه يشبه أشخاصًا يتناولون عشاء الرب بشكل آثم ومنتظم طُلِب منهم أن يمتنعوا عن ذلك (١ كورنثوس ١١: ٢٠). بوله (Poole)
٣. وَحَوَّلَ ٱلْمَمْلَكَةَ إِلَى دَاوُدَ بْنِ يَسَّى: وعد الله في ١ صموئيل ١٣: ١٤ بأن يأخذ المملكة من شاول ويعطيها لرجل حسب قلبه. واستغرق هذا الأمر سنوات ليصبح حقيقة. لكن عند موت شاول، صار داود ملكًا على إسرائيل.
• “حول موضوع الخدمة المسؤولة برمّته، تلقي قصة شاول ضوءًا تحذيريًّا جديًّا.” مورجان (Morgan)