أمثال 9
مأدبة الحكمة وجنازة الحماقة
أولًا. طريق الحكمة
أ ) الآيات (1-6): دعوة الحكمة الكريمة.
1اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا ٱلسَّبْعَةَ. 2ذَبَحَتْ ذَبْحَهَا. مَزَجَتْ خَمْرَهَا. أَيْضًا رَتَّبَتْ مَائِدَتَهَا. 3أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا تُنَادِي عَلَى ظُهُورِ أَعَالِي ٱلْمَدِينَةِ: 4«مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا». وَٱلنَّاقِصُ ٱلْفَهْمِ قَالَتْ لَهُ: 5″هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي، وَٱشْرَبُوا مِنَ ٱلْخَمْرِ ٱلَّتِي مَزَجْتُهَا. 6اُتْرُكُوا ٱلْجَهَالَاتِ فَتَحْيَوْا، وَسِيرُوا فِي طَرِيقِ ٱلْفَهْمِ.”
1. اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا: وصف أمثال 8 الحكمة كامرأة لديها بركات وفوائد للذين يستمعون إليها ويطيعونها. والآن يصور سليمان الحكمة كامرأة مضيافة كريمة تدعو الجميع إلى بيتها (مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا).
كتب جون تراب (John Trapp) إن الحكمة هنا جاءت حرفيًّا في صيغة الجمع ’الحِكًم‘ “تأتي هنا في العبرية في صيغة الجمع، ’الحِكَم،‘ إمّا تقديرًا لها، أو على سبيل الحذف، كما لو أنها حكمة الحِكَم.” (أي أنها أفضل من أية حكمة أخرى مزعومة.)
بَنَتْ بَيْتَهَا: وصف آدم كلارك (Adam Clarke) الفهم العام لهذه الاستعارة من آباء الكنيسة الأولى واللاهوتيين في العصور الأولى: “البيت الذي بنته الحكمة هو الناسوت المقدس ليسوع المسيح. والأعمدة السبعة هي الأسرار السبعة، أو مواهب الروح القدس السبع، أو كل الرسل، والوعاظ، والخدام في الكنيسة. والذبح المذكور هنا هو ذبيحة جسد المسيح على الصليب. والطعام والخمر الممزوجة هما الخبز والخمر في سر عشاء الرب!” وكتب كلارك تعليقًا على ذلك: “لقد أنتج البشر مخلوقات غريبة من أدمغتهم وهم بصدد التفسير.”
2. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا ٱلسَّبْعَةَ: الفكرة الرئيسية هي أن بيت الحكمة واسع، وحسن التجهيز، وغير قابل للتزعزع. وعلى مر العصور، لم يتمكن المفسرون المختلفون من مقاومة بعض المعاني الرمزية في أعمدتها السبعة.
“أي أعمدة كثيرة يلمَّح بها إلى كل من جمال الكنيسة وثباتها. ويسمّى الأنبياء، والرسل، وخدام الأشياء المقدسة في الكتاب المقدس أعمدة، كما في غلاطية 2: 9 ومواضع أخرى.” بولي (Poole)
3. هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي: جعلتْ عادات الضيافة وأخلاقياتها في الشرق الأدنى القديم هذه الدعوة ذات معنى أكبر. وتقدم الحكمة للجُهّال (البسطاء) وناقصي الفهم علاجها وشراكتها وحمايتها.
“فكما يُعِد المرء مأدبة ويدعو ضيوفًا، كذلك تُعِد الحكمة لتأكيد التماسها. وتعرِّف هذه الصور الشخص البسيط أن ما تعرضه الحكمة رائع حقًا.” روس (Ross)
ذَبَحَتْ ذَبْحَهَا: “كانت عملية الذبح مَهَمة الرجل، كأي نشاط صعب ومسؤول في بناء البيت (انظر تكوين 18: 7؛ قضاة 6: 19؛ 1 صموئيل 25: 11)، لكن الحكمة امرأة استثنائية.” والتكي (Waltke)
مَزَجَتْ خَمْرَهَا: “1. بالتوابل لجعلها قوية ولذيذة. وتوصف هذه الخمر الممزوجة على أنها الخمر الفضلى (أمثال 23: 29-30)، أو 2. بالماء، كما كانوا يفعلون في تلك البلدان الحارة، كمرطبات جزئيًّا، وللفائدة الصحية جزئيًّا. وفضلًا عن ذلك، يمكن أن يلمّح هذا إلى أن الحكمة تعلّمنا الاعتدال في وسائل راحتنا. وقد جهّزت مائدتها بكل الأشياء الضرورية، وهي الآن تنتظر الضيوف.” بولي (Poole)
“بين اليهود واليونانيين والرومان القدماء، نادرًا ما كانت الخمر تُشرب من دون مزجها بالماء. ونجد بين الكُتّاب القدماء عدة قواع لهذا الأمر. فبعضهم ينصح بثلاثة أجزاء من الماء مقابل جزء واحد من الخمر، بينما اقترح آخرون خمسة أجزاء. ويذكر بلايني أن بعض أنواع النبيذ كانت تتطلب عشرين جزءًا. لكن يبدو أن النسب الأكثر شيوعًا هي ثلاثة أجزاء من الماء مقابل جزأين من الخمر.” كلارك (Clarke)
أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا: أرسل بعض المفسرين القدماء تلميحًا إلى الذين سيكرزون برسالة الإنجيل. “وهكذا يُرسل الخدام في متابعة قضائية في صورة ترميزية، لأنه أمر ملائم لهذه السيدة العظيمة أن تكون لها وصيفات لائقات تعلّمهن البراءة والطهارة والمواظبة كعذارى، ليحفظن الكلمة في صدق من دون غش وتحريف.” تراب (Trapp)
4. هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي، وَٱشْرَبُوا مِنَ ٱلْخَمْرِ ٱلَّتِي مَزَجْتُهَا: رأى عدة مفسرين هنا أقدم إشارة ترميزية إلى مائدة الرب بسبب ذكر الخبز والخمر في أمثال 9: 5. وهذا مثل لأخْذ صور مجازية من الشعر وأدب الحكمة العبري والإفراط في ترميزها.
“يلاحظ ليرانوس (Lyrannus) في هذا الإصحاح أن فريضة الأفخارستيا كان يتم الاحتفال بها قديمًا بتقديم كلا النوعين (الخبز والخمر)، لكن بسبب خطر اندلاق الدم، قضت الكنيسة أن يتناول عامّة الشعب الخبز فقط. إذ قام مجمع كونستانس بمنع ما رخّص له المسيح، مانعين الكأس من الفريضة.” تراب (Trapp)
5. اُتْرُكُوا ٱلْجَهَالَاتِ فَتَحْيَوْا: تقدم الحكمة الدعوة، ولكن على البسطاء أن يستجيبوا. وعليهم أن يكونوا مستعدين للسير فِي طَرِيقِ ٱلْفَهْمِ.
“كما يُعطي الطعام والشراب حياة جسدية، فإن تعاليم سليمان تعطي حياة روحية. وتجد هذه الحقيقة تحقيقًا أفضل في دعوة يسوع إلى مأدبة عشاء الملكوت (لوقا 14: 15-24). قامت الحكمة بدورها. والآن يتوجب على الضعفاء والعاجزين أن يتخذوا قرارًا بالذهاب إلى الوليمة ويشفوا.” والتكي (Waltke)
وَٱلنَّاقِصُ ٱلْفَهْمِ: “حرفيًّا، ’من يعوزه قلب،‘ الذي هو بلا شجاعة، وضعيف ومتقلبِ، ويسهُل عليه أن ينحرف عن الوصية المقدسة.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (7-9): بين الذين يقبلون الحكمة والذين يرفضونها.
7مَنْ يُوَبِّخْ مُسْتَهْزِئًا يَكْسَبْ لِنَفْسِهِ هَوَانًا، وَمَنْ يُنْذِرْ شِرِّيرًا يَكْسَبْ عَيْبًا. 8لَا تُوَبِّخْ مُسْتَهْزِئًا لِئَلَّا يُبْغِضَكَ. وَبِّخْ حَكِيمًا فَيُحِبَّكَ. 9أَعْطِ حَكِيمًا فَيَكُونَ أَوْفَرَ حِكْمَةً. عَلِّمْ صِدِّيقًا فَيَزْدَادَ عِلْمًا.
1. مَنْ يُوَبِّخْ مُسْتَهْزِئًا يَكْسَبْ لِنَفْسِهِ هَوَانًا: بعد أن قدّمت الحكمة دعوتها الكريمة، شرحت أن محاولة فرض الحكمة على غير الراغبين فيها حماقة وعبث. فلن ينال الشرير والمستهزئ الحكمة، وغالبًا ما يُبغض ذاك الذي يحاول أن يساعده.
المستهزئ: “إنه الشخص الذي يرفض أن يحيا حسب التعاليم الحكيمة والأخلاقية، ولا يكتفي بالسماح للآخرين بعمل ذلك من دون استهزائه الساخر.” روس (Ross)
يَكْسَبْ لِنَفْسِهِ هَوَانًا: “الخزي، أو أفضل ’إساءة.‘ كلما قطع المرء شوطًا أطول في الحماقة أو الحكمة، قلَّ أو زادَ تحمّله للانتقاد الذي يمثل أسلوب تعليم الحكمة.” كيدنر (Kidner)
“يحب الحمقى والمستهزئون والجُهّال أن يمضوا في طريقهم الخاص، وأن يُخبَروا أنهم على ما يرام. لكن الرجال والنساء الحكماء يريدون الحقيقة. علِّم الحكماء وسيقبلون الحق، وسيصبحون أكثر حكمة. وحاول أن تعلّم الحمقى، وسيرفضون الحق، وسيرفضون أكثر حمقًا.” ويرزبي (Wiersbe)
تمثل إشعياء 10:28 مثلًا للاستهزاء والتهكم من شخص يقدّم الحق. “يلاحظ المرء أن هذا كان استهزاء بالنبي، كما لو أنهم يقولون: ’ليس هنا سوى سطر وراء سطر، ووصية وراء وصية.‘ وتحمل أصوات الكلمات العبرية في النص الأصلي (Zau le zau, kau lakau) تهكمًا يعبَّر عنه في نبرة أصواتهم والقافية الموحدة في الكلمات. وهم يسخرون مما يحتقرونه.” تراب (Trapp)
لَا تُوَبِّخْ مُسْتَهْزِئًا: “يعطينا سليمان هنا قاعدة الحكمة العملية المسيحية. فلماذا تقوّم وتوبّخ عندما تكون النتيجة ضررًا أكثر من النفع؟ فتجنّب المشاحنات، وانتظر الفرصة المواتية.” بريجز (Bridges)
2. أَعْطِ حَكِيمًا فَيَكُونَ أَوْفَرَ حِكْمَةً: وبالمقابلة، يستفيد الرجل الحكيم البار من دعوة الحكمة. وهذا شيء من معنى كلام يسوع: “فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ” (متى 13: 12).
“تقول حرفيًا: ’أعطِ الحكيم وسيكون حكيمًا.‘ ومهما أعطيت لهؤلاء، سيجنون منه ربحًا. إنهم كالنحلة، يستخرجون العسل من كل زهرة.” كلارك (Clarke)
أحبَّ داود ناثان بشكل أقوى لأنه تعامل معه بوضوح، وعيّنه مفوضًا لإعلان خليفته. [1 ملوك 1: 32-35]” تراب (Trapp)
ج) الآيات (10-12): بداية الحكمة وفوائدها.
10بَدْءُ ٱلْحِكْمَةِ مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ ٱلْقُدُّوسِ فَهْمٌ. 11لِأَنَّهُ بِي تَكْثُرُ أَيَّامُكَ وَتَزْدَادُ لَكَ سِنُو حَيَاةٍ. 12إِنْ كُنْتَ حَكِيمًا فَأَنْتَ حَكِيمٌ لِنَفْسِكَ، وَإِنِ ٱسْتَهْزَأْتَ فَأَنْتَ وَحْدَكَ تَتَحَمَّلُ.
1. بَدْءُ ٱلْحِكْمَةِ مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ: تتكرر العبارة في أمثال 1: 7 هنا نحو نهاية هذا القسم من سفر الأمثال. ورغم أن هذا السفر يركز على الحياة العملية، إلا أنه مؤسس على مبدأ مهم، ألا وهو أن الحكمة تبدأ بعلاقة صحيحة بالله.
مَعْرِفَةُ ٱلْقُدُّوسِ: “تأتي كلمة ’القدوس‘ في صيغة الجمع، حيث تتضمن الأقانيم الثلاثة، كما في
يشوع 24: 19.” تراب (Trapp) “يمكن أن تعبّر صيغة الجمع عن التميُّز أو الشمولية، مثل كلمة إيلوهيم، وهي صيغة جمع لله.” كيدنر (Kidner)
القدوس: “يُبرز هذا اللقب للرب ’آخريّته‘ (اختلافه الكلي)، ومجال قدسيته، وانفصاله عما هو دنيوي ومبتذل ومدنس.” والتكي (Waltke)
2. مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ: ليس هذا خوفًا، لكنه خشوع وتوقير. إنه يكرم الله كما هو – قدوس، وبارّ، وخالق الكل. وليس خوفًا جبانًا ذليلًا. ومع ذلك، فإن هذه المخافة نوع من الخوف.
3. بَدْءُ ٱلْحِكْمَةِ: للحكمة نقطة انطلاق، وهي الاعتراف بالله وإكرامه. ويعني هذا أن الذين لا يعترفون بالله أو لا يكرمونه يقصرون عن الوصول إلى الحكمة الحقيقية بطريقة أو أخرى.
“نحن نبدأ على الدوام. فكل صباح نبدأ من جديد. وكل مهمة نتولاها بداية جديدة. ولا بدّ لأي مشروع فرح أو جهد بدايته. فلتكن كل بدايةٍ مخافة الرب. هذه هي الحكمة. وهي تؤدي إلى طريق الحكمة.” مورجان (Morgan)
“هنالك قول مأثور يقول: ’البداية الحسنة إنجاز نصف العمل.‘ وهذا أمر صحيح فعلًا عندما تكون البداية ملهمة من مخافة الرب.” مورجان (Morgan)
4. بِي تَكْثُرُ أَيَّامُكَ: تجلب الحكمة فوائدها للذين يقبلونها. إذ سيكافأ دائمًا البحث عن الحكمة من خلال مخافة الرب.
5. إِنْ كُنْتَ حَكِيمًا فَأَنْتَ حَكِيمٌ لِنَفْسِكَ: شرح سليمان كيف أن الحكمة والحماقة تؤثران في الفرد بشكل مباشر. ونحن أحيانًا نطلب الحكمة للآخرين أكثر مما نطلبها لأنفسنا. ويذكّرنا سليمان بأن الحكمة هي لنفسك، وأن الأحمق سيتحمل عواقب حمقه وحده.
ربما يكون هنالك شيء كهذا متضمَّن أيضًا: “لا تسعَ إلى الحكمة لترضي الآخرين. فليس هذا دافعًا صحيحًا أو كافيًا. فأنت الذي ستستفيد أكثر الجميع من الحكمة التي تسعى وراءها. فليكن الدافع نابعًا منك لا من آخر.
“ربما يكون هذا أقوى تعبير عن الفردية في الكتاب المقدس. ولا تقصد عبارات مثل تلك التي ترد في حزقيال 18 وغلاطية 6: 4-5 أن تنكر أن الناس يستفيدون أـو يعانون من الطبيعة الأخلاقية للآخرين (انظر أمثال 10: 1). بل تقصد أن تؤكد أن الرابح أو الخاسر النهائي هو الإنسان نفسه.” كيدنر (Kidner)
ثانيًا. طريق الحماقة
أ ) الآيات (13-15): كرسي المرأة الحمقاء.
13اَلْمَرْأَةُ ٱلْجَاهِلَةُ صَخَّابَةٌ حَمْقَاءُ وَلَا تَدْرِي شَيْئًا، 14فَتَقْعُدُ عِنْدَ بَابِ بَيْتِهَا عَلَى كُرْسِيٍّ فِي أَعَالِي ٱلْمَدِينَةِ، 15لِتُنَادِيَ عَابِرِي ٱلسَّبِيلِ ٱلْمُقَوِّمِينَ طُرُقَهُمْ.
1. اَلْمَرْأَةُ ٱلْجَاهِلَةُ صَخَّابَةٌ حَمْقَاءُ: يستخدم سليمان شخصيات رمزية. وهو الآن يقدم المرأة الحمقاء التي ترفض الحكمة. والحكمة مثل المرأة الكريمة التي تقدّم حسن الضيافة وكرمها (أمثال 9: 1-12). وأما الحماقة مثل امرأة صخابة كريهة. وهي جاهلة لا تعرف شيئًا، وتبحث عن أصدقاء.
صّخّابَة: “تتحدث بصوت عالٍ لكي تُسمع، وبعاطفة متقدة لكي يتأثر الأشخاص بمحاولاتها للإقناع.” بولي (Poole)
2. فَتَقْعُدُ عِنْدَ بَابِ بَيْتِهَا: يمكن أن توجد الحماقة في البيت، كما يمكن أن توجد فِي أَعَالِي ٱلْمَدِينَةِ. وتعمل الحكمة على إعداد وجبة رائعة وتقديم ضيافة مثيرة للإعجاب. وأما الحماقة، فتجلس عند الباب وتنادي على جميع العابرين في أي مكان.
عَلَى كُرْسِيٍّ: “يرجح أن الكراسي كانت نادرة جدًّا حتى إن أعلى النبلاء لم يكونوا يملكون إلا كرسيًّا واحدًا. وفي العصر الأليزابيثي، كانت الكراسي من وسائل الرفاهية، وكانت عامة الناس تستخدم كراسي بلا ظهر أو ذراعين، أو مقاعد طويلة. وكانت الطبقة العليا تستخدم الوسائد على أرضية الغرفة، ولم يكن حتى في أفخم المراقص غير كرسي واحد. فكان النبيل نفسه يجلس على كرسي. وعندما كان المعلم يرقّى إلى منصب أستاذ جامعي (بروفيسور)، كان يقدَّم له كرسي فعلي كرمز لمكانته العالية في عالم التعلم. وفي سفر الأمثال، كان الكرسي (أو العرش) يرمز إلى مكانة الكرامة (انظر 16: 12؛ 20: 8، 28؛ 25: 5؛ 29: 14).” والتكي (Waltke)
ٱلْمُقَوِّمِينَ طُرُقَهُمْ: “الذين كانوا منشغلين بشكل بريء ومباشر بشؤونهم الخاصة، من دون أي تخطيط للفجور، لأنهم لم يكونوا محتاجين إلى أي من تلك الدعوات المقدمة، لكن كانوا ذاهبين في طريقهم. وإلى جانب ذلك، فإن الداعرين يجدون لذة عظيمة في إفساد الأبرياء.” بولي (Poole)
ب) الآيات (16-18): دعوة المرأة الحمقاء.
16مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا». وَٱلنَّاقِصُ ٱلْفَهْمِ تَقُولُ لَهُ: 17«ٱلْمِيَاهُ ٱلْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَخُبْزُ ٱلْخُفْيَةِ لَذِيذٌ». 18وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ ٱلْأَخْيِلَةَ هُنَاكَ، وَأَنَّ فِي أَعْمَاقِ ٱلْهَاوِيَةِ ضُيُوفَهَا.
1. مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا: تقلّد الحماقة دعوة الحكمة للجُهّال (أمثال 9: 4). وهي تعمل على الحفاظ على الذين لديها بالفعل، أي الجهلاء وناقصي الفهم. ولدى الحماقة برنامجها التدريبي لجلب ضحاياها إلى أبعد في طريقهم.
“تقول الحكمة: ’مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا.‘ وتقول الحماقة: ’لا. مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا.‘ فإذا مال الرجل إلى الحكمة، تُنزع الحماقة وسيصبح حكيمًا. وإذا مال إلى الحماقة، فستتكثف الظلمة، وستبقى حماقته.” كلارك (Clarke)
2. ٱلْمِيَاهُ ٱلْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ: هذه هي رسالة الحماقة التي تبيّن مدى سوئها وشرّها. فهي تقول إن الأشياء التي تُكتسب بالتعدي أحلى من تلك التي يحصل عليها المرء بشكل مشروع.
“إن كانت أمثال 9: 10 شعار الحكماء، فإننا نجد هنا شعار الدنيويين.” كيدنر (Kidner)
الملذات المحرمة هي الأكثر إرضاء للشهوانيين الذين يحسبون المرح غير الآثم جنونًا. ولا يجدون أية لذة ما لم يجعلوا من إبليس زميلهم في اللهو.” تراب (Trapp)
“عندما وصف أوغسطين كيف سرق حبة الكمثرى من الشجرة، قال إنه لم يفعل هذا لأنه كان غاضبًا، حيث رمى معظم حبة الكمثرى أرضًا. لكنه فعل ذلك لمجرد لذة الخطية كخطية. فعل ذلك عمدًا ليكسر شريعة الله.” بريدجز (Bridges)
ٱلْمِيَاهُ ٱلْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ: “أعتقد أن هذا أسلوب تعبير يُضرَب به المثل، وهو يوحي بأن الملذات غير المشروعة أحلى من تلك المشروعة. ويسهُل تمييز المعنى هنا. ويبيّن سلوك الجموع على أنهم محكومون بهذا القول المأثور. وقد بُنيتْ على هذه المقولة كل مضاجعات الزنا في أرضنا.” كلارك (Clarke)
ماء… خبز: يُقصد أن تكون هنالك مقابلة بين الأجرة الغنية التي تقدمها الحكمة والطعام العادي الذي تقدمه المرأة الحمقاء.” والتكي (Waltke)
3. وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ ٱلْأَخْيِلَةَ هُنَاكَ: هنالك بعض الحقيقة في فكرة أن التعدي يمكن أن يجعل بعض الأشياء أفضل. إذ هنالك شيء من الجاذبية الحقيقية في الإثارة، والاستقلال، والصداقة الحميمة، واللذة في كسر وصية الله ومشورة الحكمة. فللخطية مُتَعها لموسم (عبرانيين 11: 25). غير أن لسبيل الحماقة نهاية. فالموتى ضيوفها وهم موجودون في أعماق الجحيم. وقبول دعوة الحماقة هو قبول الموت النهائي والبؤس الدائم مقابل عدة ساعات أو أيام مما هو حلو وممتع. وما يأكلونه على الأرض سيهضمونه في الجحيم.
تغري الحماقة ضحيّتها بنصف الحقيقة، بالقول إن الخطية تعطي لذة (انظر عبرانيين 11: 25)، لكنها، شأنها شأن إبليس (انظر تكوين 3: 4) الصلة بين الخطية والموت.” والتكي (Waltke)
“إنها تنادي على نفس الجهلاء (البسطاء)، وتدعوهم إلى بيتها. لكن إذا قبلوا دعوتها، فإنهم سيَحْضُرون جنازة لا مأدبة – وستكون جنازتهم!” ويرزبي (Wiersbe)
“في كل مدينة، وفي كل شارع، وعند كل باب من أبواب الفرص، ينادي صوتا الحكمة والحماقة البشر. وتعني طاعة دعوة الحكمة حياة، بينما الاستسلام لصخب الحماقة يعني موتًا. فكيف يمكن التمييز بينهما؟ والجواب هو بجعل مخافة الرب الإلهام المركزي للحياة، وبتسليم أعماق كينونتنا له من أجل التقويم والإرشاد.” مورجان (Morgan)