أخبار الأيام الأول – الإصحاح ١٦
مزمور شكر لداود
أولًا. جلب التابوت إلى الخيمة المُعَدّة
أ ) الآيات (١-٣): يقيم داود وليمة كبرى.
١وَأَدْخَلُوا تَابُوتَ اللهِ وَأَثْبَتُوهُ فِي وَسَطِ الْخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ، وَقَرَّبُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ اللهِ. ٢وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ إِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ وَذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ الرَّبِّ. ٣وَقَسَمَ عَلَى كُلِّ آلِ إِسْرَائِيلَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ، رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ.
١. وَأَدْخَلُوا تَابُوتَ ٱللهِ وَأَثْبَتُوهُ فِي وَسَطِ ٱلْخَيْمَةِ ٱلَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ: بعد سنوات طويلة، منذ ضياع التابوت في المعركة، يعاد تابوت العهد إلى مركز وعي إسرائيل القومي. وقد وُضع رمز حضور الله ومجده في مكانه الصحيح في إسرائيل.
٢. وَلَمَّا ٱنْتَهَى دَاوُدُ مِنْ إِصْعَادِ ٱلْمُحْرَقَاتِ وَذَبَائِحِ ٱلسَّلَامَةِ: عكست المحرقات التكريس لله، بينما عكست ذبائح السلامة الشركة مع الرب. فكان يومًا مشهودًا من التكريس لله والشركة معه. وكانت هنالك حفلة شواء عظيمة أيضًا!
• كانت هذه الذبائح جزءًا مهمًّا من الاحتفال، وهو أمر تم إغفاله في المحاولة الأولى لجلب تابوت العهد إلى أورشليم. “أشارت هذه الذبائح إلى المسيح، وإلى تحريرهم من الخطايا، من كل من الجريمة واللعنة. وعلّمتهم الشكر للمسيح وكل الفوائد التي فيه ومنه.” تراب (Trapp)
• “كان البند الثاني من الطعام (المعروف هنا وفي ٢ صموئيل ٦: ١٩ فقط) إما كعكًا، أو تمرًا، أو ’حصة من اللحم‘ (حسب بعض الترجمات). فإن كان البند الأخير صحيحًا، فقد كان عمل سخاء، حيث إن اللحم نادرًا ما كان يَظهر في قوائم الطعام البيتية في إسرائيل القديمة.” سيلمان (Selman)
• “كان معظم اللحم الطازج من ذبائح السلامة يؤكل من الناس أنفسهم، وهم جالسون كضيوف على مائدة الله في وجبة احتفالًا باستعادة سلامهم معه.” باين (Payne)
ب) الآيات (٤-٦): تعيين قادة العبادة لقيادة الجماعة.
٤وَجَعَلَ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ مِنَ اللاَّوِيِّينَ خُدَّامًا، وَلأَجْلِ التَّذْكِيرِ وَالشُّكْرِ وَتَسْبِيحِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ: ٥آسَافَ الرَّأْسَ وَزَكَرِيَّا ثَانِيَهُ، وَيَعِيئِيلَ وَشَمِيرَامُوثَ وَيَحِيئِيلَ وَمَتَّثْيَا وَأَلِيآبَ وَبَنَايَا وَعُوبِيدَ أَدُومَ وَيَعِيئِيلَ بِآلاَتٍ رَبَابٍ وَعِيدَانٍ. وَكَانَ آسَافُ يُصَوِّتُ بِالصُّنُوجِ. ٦وَبَنَايَا وَيَحْزِيئِيلُ الْكَاهِنَانِ بِالأَبْوَاقِ دَائِمًا أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ اللهِ.
١. وَجَعَلَ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱللَّاوِيِّينَ خُدَّامًا: في نهاية يوم الاحتفال المشهود هذا، أسّس داود مؤسسة دائمة للعبادة والتذكار (إحياء ذكرى أعمال الله) مع وجود التابوت. ولم يكن هذا مقصودًا ليوم واحد مشهود، بل قُصد أن يكون خدمة مستمرة لله.
• “يمثّل تعيين داود للاويين للترنيم وتسبيح الله تقدُّمًا مهمًّا في تاريخ عبادة إسرائيل. إذ كانت ترتيباته السابقة للموسيقى مصممة لمناسبة واحدة فقط. لكنها صارت الآن خدمة مستمرة.” باين (Payne)
٢. وَجَعَلَ… مِنَ ٱللَّاوِيِّينَ خُدَّامًا، وَلِأَجْلِ ٱلتَّذْكِيرِ: في التعيينات اللاوية لذلك اليوم وما بعده، اختار داود بعض اللاويين للتركيز على إحياء ذكرى الأشياء العظيمة التي فعلها الله. فمجرد تَذَكُّر أعمال الله العظيمة جزء مهم، وغالبًا ما يتم تجاهله في الحياة المسيحية. وقد لاحظ سبيرجن (Spurgeon) في عظة عنوانها ’المسجِّلون‘ عدة طرق يمكن أن تساعدنا على تذكر أعمال الله العظيمة.
• اصنع سجلًّا فعليًّا لما فعله الله، محتفظً بمفكرة يومية.
• احرص على شكر الله بشكل وافٍ عندما تتلقى صلاحه وخيره.
• خصِّص وقتًا للتأمل في الأشياء الصالحة التي صنعها الله.
• تحدَّث إلى الآخرين كثيرًا عن رحمة الله.
• استخدم كل شيء حولك كمذكِّرات بصلاح الله.
٣. آسَافَ ٱلرَّأْسَ: في السابق، عيّن اللاويون هيمان قائدًا للعبادة (١ أخبار ١٥: ١٧). وفي هذا الوقت، رفع داود آسَافَ إلى هذا المنصب.
• “لا يقدَّم لنا أي سبب لهذا رغم أن آساف كان يمثل عشيرة جرشون الكبيرة (١ أخبار ٦: ٣٩-٤٣). وقد تكون القدرة الشخصية عاملًا مساهمًا أيضًا، لأن آساف ونسله مُدرجون كملحنين لاثني عشر مزمورًا موحى بها في العهد القديم.” باين (Payne)
ثانيًا. ترنيمة شكر لداود
أ ) الآية (٧): مزمور كُتِب لهذه المناسبة الخاصة.
٧حِينَئِذٍ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَوَّلًا جَعَلَ دَاوُدُ يَحْمَدُ ٱلرَّبَّ بِيَدِ آسَافَ وَإِخْوَتِهِ.
١. أَوَّلًا جَعَلَ دَاوُدُ يَحْمَدُ ٱلرَّبَّ: عُرِف داود بأنه مرنّم إسرائيل الحلو (٢ صموئيل ٢٣: ١)، وكتب على نحو خاص مزمورًا لشكر الله في يوم إحضار تابوت العهد إلى أورشليم.
• “هذا المزمور هو في سفر المزامير؛ حركته الأولى (٨-٢٢) في مزمور ١٠٥: ١-٥؛ وحركته الثانية ٢٣-٣٣ في مزمور ٩٦: ١ب-١٣أ؛ وحركته الثالثة (٣٤-٣٦) التي تشكل اقتباسًا للجمل الافتتاحية والخاتمة في مزمور ١٠٦: ١-٤٧ و٤٨.” مورجان (Morgan)
• كانت كل المزامير الثلاثة القانونية التي اقتبسها داود، مجهولة الكاتب، ’مزامير يتيمة‘ (بلا عنوان) في سفر المزامير العبري. لكن بناءً على استخدام الملك لها هنا، ينبغي تصنيفها على أنها له.” باين (Payne)
ب) الآيات (٨-١٣): الدعوة إلى الحمد والتسبيح.
٨«اِحْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. أَخْبِرُوا فِي الشُّعُوبِ بِأَعْمَالِهِ. ٩غَنُّوا لَهُ. تَرَنَّمُوا لَهُ. تَحَادَثُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. ١٠افْتَخِرُوا بِاسْمِ قُدْسِهِ. تَفْرَحُ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ. ١١اطْلُبُوا الرَّبَّ وَعِزَّهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. ١٢اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ. آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فَمِهِ. ١٣يَا ذُرِّيَّةَ إِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ، وَبَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ.
١. اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ: يبدأ هذا المزمور، شأنه شأن ترانيم كثيرة، بدعوة إلى الحمد في صيغة وصية. لكن هذا المزمور يرشح بحماسة كبيرة لهذا حتى يكون أمرًا حقيقيًّا. وهو يحث مجتمع الله على الانضمام إلى الحمد والتسبيح لإلههم.
• “كل الخير الذي تتمتع به هو من الله. فتذكّر ذلك. ومن المؤسف أن معظم الناس ينسون ذلك. اعتاد رولاند هيل (Rowland Hill) أن يقول إن أبناء العالم هم مثل الخنازير تحت أشجار البلوط. فالخنازير لا تفكر أبدًا في البلوط الذي سقط منها، ولا ترفع رؤوسها لتصدر نخرًا دالًّا على الشكر. نعم هذا هو واقع الحال. إنها تمضغ العطية، وتتذمر من المعطي.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. اِحْمَدُوا… ٱدْعُوا… أَخْبِرُوا… غَنُّوا… تَرَنَّمُوا… تَحَادَثُوا… ٱفْتَخِرُوا: في آيات قليلة، يدرج داود عددًا هائلًا من الطرق (على الأقل ثماني طرق) يمكن للمرء بها أن يحمد الله ويسبحه ويمجده. وتخاطب بعضها الله مباشرة (مثل، غَنُّوا لَهُ. تَرَنَّمُوا لَهُ)، وتتحدث بعضها إلى الآخرين حول عظمة الله (مثل، أَخْبِرُوا فِي ٱلشُّعُوبِ بِأَعْمَالِهِ)، ويمثّل بعضها حديثَا مع الذات (مثل، ٱذْكُرُوا عَجَائِبَهُ ٱلَّتِي صَنَعَ).
• يعلّق ماير (Meyer) على عبارة ’تَحَادَثُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ‘: نحن لا نتحدث بشكل كافٍ عن الله. وربما لا يكون سهلًا شرح سبب ذلك. لكن يبدو أن هنالك تحفُّظًا أو ترددًا بين المؤمنين حول أفضل الأشياء… فنحن نتحدث عن العظات، وتفاصيل العبادة، وتنظيم الكنيسة، أو عن أحْدث مرحلة من نقد الكتاب المقدس. ونحن نتناول الناس، والأساليب، والكنائس، لكن حديثنا في البيت، وفي تجمعات المؤمنين لأغراض اجتماعية، نادرًا ما يكون عن عجائب الله. إنه أفضل لنا أن نتكلم أقل، ونتحدث عنه أكثر.”
• “إذا أردنا التحدث المزيد عن أعمال الله العجيبة، ينبغي أن نتحرر من الحديث عن أعمال الآخرين. ويسهل علينا أن ننتقد أولئك الذين لا نستطيع أن ننافسهم، وننتقد أولئك الذين لا يمكننا تقليدهم. إذ يلجأ من لم يتمكن من نحت تمثال، أو من القيام بضربة واحدة من الإزميل بشكل صحيح، إلى الإشارة إلى الناحية التي كان يمكن تحسينها في عمل أعظم نحّات. إنه عمل يدعو إلى الشفقة أن نحْدِث ثقوبًا في معاطف الآخرين. غير أن بعض الأشخاص يَسْعدون للغاية عندما يُدركون وجود خطأ، ويضعونه تحت لسانهم كلقمة حلوة.” سبيرجن (Spurgeon)
• “لا توجد ضرورة للسان موهوب، أو قوة بلاغة نحتاج إلى استحضارها. وليست قوانين البلاغة وقواعد اللغة أمرًا لا غنى عنه في الحديث عن ِكُلِّ عَجَائِبِهِ. وأنا أستميحك عُذرًا عندما تقول إنك لا تستطيع أن تفعل هذا. فأنت لا تستطيع أن تفعل هذا لأنك لا تريد.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. يَا ذُرِّيَّةَ إِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ، وَبَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ: هذه الدعوة إلى الحمد والتسبيح موجهة مباشرة إلى شعب الله. وكما سنلاحظ لاحقًا، تقع مسؤولية حمد الله وتسبيحه على خليقة الله، لكن هذه هي المسؤولية الخاصة لشعب الله.
ج) الآيات (١٤-١٩): الله يتذكر عهده مع شعبه.
١٤هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا. فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ. ١٥اذْكُرُوا إِلَى الأَبَدِ عَهْدَهُ، الْكَلِمَةَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا إِلَى أَلْفِ جِيل. ١٦الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ. وَقَسَمَهُ لإِسْحَاقَ. ١٧وَقَدْ أَقَامَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً، وَلإِسْرَائِيلَ عَهْدًا أَبَدِيًّا. ١٨قَائِلاً: لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ. ١٩حِينَ كُنْتُمْ عَدَدًا قَلِيلاً، قَلِيلِينَ جِدًّا وَغُرَبَاءَ فِيهَا.
١. فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ أَحْكَامُهُ: سيبدأ داود قريبًا بالتغنّي بالعلاقة الخاصة التي ربطت الرب بشعب عهده. غير أنه استهل هذا بفكرة أن الله هو رب كُلِّ الأَرْضِ. فسلطته لا تقتصر عليهم.
٢. ٱذْكُرُوا إِلَى ٱلْأَبَدِ عَهْدَهُ: لم يُرِد الله أن ينسى شعبه العهد الذي قطعه معهم. وقد ارتكز تعامل الله مع الإنسان عبر التاريخ إلى فكرة العهد.
• قطع الله عهدًا مع إبراهيم بخصوص أرض وأُمّة وبركة مسيّانية معيّنة (تكوين ١٢: ١-٣).
• قطع الله عهدًا مع إسرائيل كأمة بخصوص شريعة، وذبائح، واختيار البركة أو اللعنة (خروج ١٩: ٥-٨)
• قطع الله عهدًا مع داود بخصوص النسب المعيّن للمسيّا (٢ صموئيل ٧).
• قطع الله عهدًا مع كل من يؤمن باسمه، وهو العهد الجديد بيسوع المسيح (لوقا ٢٢: ٢٠).
كان من المناسب تمامًا أن يركز هذا المزمور على فكرة عهد الله، لأنه كُتب بمناسبة وصول تابوت العهد إلى المكان الذي أعده داود له في أورشليم.
“في استرداد التابوت بعد فترة من الإهمال، وجد الشعب رمزًا أكيدًا لتلك الرحمة.” مورجان (Morgan)
٣. لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ: أبرز داود هنا الوعد بالأرض الذي قطعه الله لإبراهيم كجزء من عهده مع رئيس الآباء (تكوين ١٢: ١؛ ١٣: ١٤-١٧). كانت الأرض تخص نسل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب من خلال هذا الوعد.
• نرى في هذا أن هذا الجزء من المزمور يُقصد به التعليم. فلم يُقصد بهذا المقطع أن يكون إعلانًا لتسبيح الله، بل تنويرًا لعبادة شعب الله.
د ) الآيات (٢٠-٢٢): حماية الله لشعبه.
٢٠وَذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ وَمِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ. ٢١لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَظْلِمُهُمْ بَلْ وَبَّخَ مِنْ أَجْلِهِمْ مُلُوكًا. ٢٢لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي.
١. وَذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ: في قصة وصول تابوت العهد في ٢ صموئيل، لم يتم تضمين هذا المزمور. وهنا نرى لماذا حرص كاتب أخبار الأيام على تضمينه بعد فترة وجيزة من السبي البابلي. ويشيد هذا الخط من مزمور داود بالله على حمايته ورعايته لشعبه عندما كانوا خارج أرض الموعد.
٢. لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَظْلِمُهُمْ: ربما يقول أحدهم إن هذا غير دقيق. إذ بدا أن الفراعنة الظالمين أساءوا إلى إسرائيل كثيرًا. لكن، من منظور أطول لرؤية عمل الله الصالح حتى في تلك الأوقات الصعبة، أمْكَن لداود أن يقول: لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَظْلِمُهُم.
٣. لَا تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلَا تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي: يبدو أن هذا يشير إلى شعب الله ككل، بدلًا من الإشارة إلى أفراد ممسوحين معيّنين، أو أنبياء أفراد.
هـ) الآيات (٢٣-٣٠): الأمر بحمد الرب.
٢٣غَنُّوا لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ. بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ. ٢٤حَدِّثُوا فِي الأُمَمِ بِمَجْدِهِ وَفِي كُلِّ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ. ٢٥لأَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ وَمُفْتَخَرٌ جِدًّا. وَهُوَ مَرْهُوبٌ فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. ٢٦لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الأُمَمِ أَصْنَامٌ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ. ٢٧الْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ أَمَامَهُ. الْعِزَّةُ وَالْبَهْجَةُ فِي مَكَانِهِ. ٢٨هَبُوا الرَّبَّ يَا عَشَائِرَ الشُّعُوبِ، هَبُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَعِزَّةً. ٢٩هَبُوا الرَّبَّ مَجْدَ اسْمِهِ. احْمِلُوا هَدَايَا وَتَعَالَوْا إِلَى أَمَامِهِ. اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ٣٠ارْتَعِدُوا أَمَامَهُ يَا جَمِيعَ الأَرْضِ. تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ أَيْضًا. لاَ تَتَزَعْزَعُ.
١. غَنُّوا لِلرَّبِّ يَا كُلَّ ٱلْأَرْضِ: لدى شعب عهد الله مسؤولية خاصة في حمده وتسبيحه. لكن يتعين على كُلَّ الأَرْضِ أيضًا أن تعلن بشرى خلاصه مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ.
• لا تكون هذه بشرى إلا إذا كان الخلاص خلاصه. فخلاصي لا يكفي لتخليصي. فأنا أحتاج إلى خلاصه ليخلّصني. وهذا شيء يستحق المناداة به.
• “لا يوجد أحد بيننا إلاّ ولديه سبب للترنم. ومن المؤكد أنه يتوجب على كل قديس على نحو خاص أن يسبّح اسم الرب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. حَدِّثُوا فِي ٱلْأُمَمِ بِمَجْدِهِ: يعود داود هنا إلى توجيه خطابه الخاص إلى شعب الله، مناشدًا إياهم أن يتحدثوا بعظمة الله وتفوُّقه على كل الآلهة.
• سبب تفوُّق الله بسيط. لِأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ ٱلْأُمَمِ أَصْنَامٌ، وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ. فإله عهد إسرائيل حقيقي، وهو خالق كل شيء، بالمقابلة مع آلهة الشعوب الأخرى، والتي هي مجرد تماثيل.
٣. هَبُوا ٱلرَّبَّ مَجْدًا وَعِزَّةً: لا يعني هذا إعطاء الله شيئًا لا يمتلكه بالفعل، بل ينسب إليه ما يمتلكه في الواقع لكن غالبًا ما يكون الإنسان أعمى عنه.
٤. ٱسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ (اعبدوا الرب في جمال القداسة): لقداسة الله أو ’انفصاله‘ جمال رائع متميز. إنه لجميل أن الله هو الله وليس إنسانًا، أو مجرد أعظم إنسان، أو إنسانًا خارقًا (سوبرمان). فمحبته، ونعمته، وعدالته، وجلاله – وكلها مقدسة – جميلة.
و ) الآيات (٣١-٣٣): الخليقة تسبّح الله.
٣١لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَتَبْتَهِجِ الأَرْضُ وَيَقُولُوا فِي الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. ٣٢لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ، وَلْتَبْتَهِجِ الْبَرِّيَّةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا. ٣٣حِينَئِذٍ تَتَرَنَّمُ أَشْجَارُ الْوَعْرِ أَمَامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ.
١. لِتَفْرَحِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَتَبْتَهِجِ ٱلْأَرْضُ: عرف داود أن الخليقة نفسها تسبّح الله. وعرف أن جمال الخليقة وقوتها ومهارتها وعظمتها في حد ذاتها شهادة تمتدح خالقها.
٢. وَيَقُولُوا فِي ٱلْأُمَمِ: كانت لدى إسرائيل كلمة الله لتخبر بها الأمم عن مُلكه ودينونته القادمة. ولدى ٱلْأُمَمِ شهادة الخليقة التي يُفترض أن تعرِّفهم بالله (رومية ١: ١٩-٢٣).
٣. ٱلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ: تخبرنا الخليقة نفسها عن إله ذي حكمة وقوة ونظام بلا حدود. ومن المنطقي أن يُستنتَج أن الله يملك، وأنه سيدين الأرض، في إدراك أن نظامه، وسلطته، وحكمته معبَّر عنها أدبيًّا (أخلاقيًّا) وماديًّا.
• يعلّق باين (Payne) على عبارة: لِأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ ٱلْأَرْضَ: “بينما أنبأت نبوّات مسيّانية سابقة عن المُلك الألفي الشمولي لربنا (تكوين ٤٩: ١٠؛ سفر العدد ٢٤: ١٧؛ ١ صموئيل ٢: ١٠)، قد يكون تعبير ’لأنه جاء‘ أول تعبير في كل الكتاب المقدس المدون (ربما تحدّثت الآية في أيوب ١٩: ٢٥ عن هذا) لصياغة عقيدة المجيء الثاني المجيد ليسوع المسيح.”
ز ) الآيات (٣٤-٣٦): الخاتمة: الاحتفال بأمانة الله تجاه شعبه.
٣٤احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. ٣٥وَقُولُوا: خَلِّصْنَا يَا إِلهَ خَلاَصِنَا، وَاجْمَعْنَا وَأَنْقِذْنَا مِنَ الأُمَمِ لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ، وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحَتِكَ. ٣٦مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ». فَقَالَ كُلُّ الشَّعْبِ: «آمِينَ» وَسَبَّحُوا الرَّبَّ.
١. وَٱجْمَعْنَا وَأَنْقِذْنَا مِنَ ٱلْأُمَمِ: هذا دليل آخر على قيام كاتب أخبار الأيام على تضمين مزمور داود في رواية دخول التابوت إلى أورشليم. فلكلمات داود القديمة هذه صلة خاصة بالمسبيين العائدين. فلن يكون لديهم الثقة بقدرة الله على جمعهم وتحريرهم فحسب، لكنهم سيكونون مدفوعين بقوة إلى تقديم الشكر والافتخار بتسبيحه (وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحَتِكَ).
• “الكلمات… لا تفترض مسبقًا أن الشعب اقتيد سابقًا إلى السبي الكلداني، لكن أسرى الحرب هم الذين أخذوا إلى أرض العدو بعد هزيمة… هذا ما فكر به سليمان وهو يصلي في ١ ملوك ٨: ٤٦-٥٠.” باين (Payne) نقلًا عن كيل (Keil)
٢. فَقَالَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ: «آمِينَ» وَسَبَّحُوا ٱلرَّبَّ: يذكّرنا هذا بأن مزمور داود لم يرنم من مرنم واحد (صولو). إذ كانت قلوب الشعب – وربما أصواتهم – في انسجام تام معه عبر المزمور.
ح) الآيات (٣٧-٤٣) تذييل: المحافظة على عبادة الله.
٣٧وَتَرَكَ هُنَاكَ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ آسَافَ وَإِخْوَتَهُ لِيَخْدِمُوا أَمَامَ التَّابُوتِ دَائِمًا خِدْمَةَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهَا، ٣٨وَعُوبِيدَ أَدُومَ وَإِخْوَتَهُمْ ثمَانِيَةً وَسِتِّينَ، وَعُوبِيدَ أَدُومَ بْنَ يَدِيثُونَ وَحُوسَةَ بَوَّابِينَ. ٣٩وَصَادُوقَ الْكَاهِنَ وَإِخْوَتَهُ الْكَهَنَةَ أَمَامَ مَسْكَنِ الرَّبِّ فِي الْمُرْتَفَعَةِ الَّتِي فِي جِبْعُونَ ٤٠لِيُصْعِدُوا مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ دَائِمًا صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَحَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ الَّتِي أَمَرَ بِهَا إِسْرَائِيلَ. ٤١وَمَعَهُمْ هَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ وَبَاقِيَ الْمُنْتَخَبِينَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ لِيَحْمَدُوا الرَّبَّ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. ٤٢وَمَعَهُمْ هَيْمَانُ وَيَدُوثُونُ بِأَبْوَاق وَصُنُوجٍ لِلْمُصَوِّتِينَ، وَآلاَتِ غِنَاءٍ للهِ، وَبَنُو يَدُوثُونَ بَوَّابُونَ. ٤٣ثُمَّ انْطَلَقَ كُلُّ الشَّعْبِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ.
١. وَتَرَكَ هُنَاكَ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ آسَافَ وَإِخْوَتَهُ لِيَخْدِمُوا أَمَامَ ٱلتَّابُوتِ: تؤكد هذا النقطة التي سبق ذِكرها في ١ أخبار الأيام ١٦: ٤-٦ أن داود خطّط عمدًا ليكون هذا لأكثر من يوم مشهود. فقد أسّس خدمة وعبادة مستمرتين أمام الرب في مكان راحته الجديد في أورشليم.
٢. أَمَامَ مَسْكَنِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْمُرْتَفَعَةِ ٱلَّتِي فِي جِبْعُونَ لِيُصْعِدُوا مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ: يذكّرنا هذا بأن مركز الذبائح كان ما زال في خيمة الاجتماع في جبعون.
• “في الوقت الحالي، كان مقررًا تقسيم أنشطة العبادة الإسرائيلية والعاملين فيها بين التابوت في أورشليم والمذبح في جبعون.” سيلمان (Selman)
• “لا سبيل إلى أن نعرف المدة التي استمرت فيها الخدمة في جبعون. لكن لا شك أن الوظائف الرئيسية كانت تؤدَّى في أورشليم.” كلارك (Clarke)