سفر التثنية – الإصحاح ١٣
المحافظة على عبادة نقية
أولًا. الحماية من الذين يغوون إسرائيل ليعبدوا آلهة أخرى
أ ) الآيات (١-٣): الحماية من المُضل الذي يأتي بآيات معجزيه.
١«إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلْمًا، وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً، ٢وَلَوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلًا: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا، ٣فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ ذلِكَ الْحُلْمَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ.
١. إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ: يتناول هذا الجزء من عظة موسى المُطوّلة (تثنية ٥: ١ إلى ٢٦: ١٩) التهديدات التي يمكن أن تنشأ من داخل إسرائيل، وتؤثر مباشرة على العبادة الأمينة ليهوه الرب، إله العهد لإسرائيل.
٢. حَالِمٌ حُلْمًا: يمكن أن تكون الأحلام من الله (كما نقرأ في سفر العدد ١٢: ٦، أو في تكوين ٣٧: ٥-١١)، كما يمكن أن تكون الأحلام نبوات كاذبة (كما في إرميا ٢٣: ٢٥-٢٦). وبالتالي، يجب على شعب الله أن يكونوا حذرين بشأن وضع ثقتهم المفرطة في الإعلانات المفترضة من الأحلام، وأن يختبروا مثل هذه الادعاءات دائمًا. غالبًا ما يستخدم الأنبياء الكذبة الأحلام لإضافة المصداقية إلى رسائلهم (تثنية ١٣: ١-٥؛ إرميا ٢٣: ٢٥-٢٨).
- يُظهِر الكتاب المقدس أن الله قادر بالفعل على التواصل من خلال الأحلام، كما توضح العديد من النصوص الكتابية. ومن بين الأفراد الذين تحدث إليهم الله في الأحلام: الحاكم الوثني أبيمالك (تكوين ٢٠: ٣)، ويعقوب (تكوين ٢٨: ١٢؛ ٣١: ١١)، ولابان (تكوين ٣١: ٢٤)، ومدياني (قضاة ٧: ١٣)، وسليمان (ملوك الأول ٣: ٥)، ونبوخذنصر (دانيال ٢: ١)، ودانيال (دانيال ٧: ١)، ويوسف (متى ١: ٢٠؛ ٢: ١٣، ٢: ٢٢)، وزوجة بيلاطس (سفر متى ٢٧: ١٩).
- في الكتاب المقدس، تواصل الله من خلال الأحلام مع غير المؤمنين أو الوثنيين بمعدل يكاد يكون ضعف ما كان يتواصل به مع شعبه. واليوم، نسمع كثيرًا أن الله استخدم الأحلام للكشف عن يسوع للأفراد في العالم الإسلامي.
- من الأهمية بمكان أن ندرك أن ليس كل حلم هو رسالة من الله. فبعض الأحلام تنتج ببساطة عن عقل مشغول: لأَنَّ الْحُلْمَ يَأْتِي مِنْ كَثْرَةِ الشُّغْلِ، لأَنَّ ذلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الأَحْلاَمِ وَالأَبَاطِيلِ وَكَثْرَةِ الْكَلاَمِ (جامعة ٣:٥، ٧).
- إنه لا ينبغي للناس أن يبحثوا عن رسائل من الله إلا من خلال الكتاب المقدس في المقام الأول – فالكتاب هو صوت الله. ورغم أن المؤمنين ربما يدركون أن الله قد يختار، بين الحين والآخر، طرقًا غير عادية ليتواصل معهم، فإن مثل هذا التواصل لن يتعارض أبدًا مع مبادئ الكتاب المقدس كما أنه لن يحمل أبدًا ذات السلطان أو الأهمية التي للكتاب المقدس.
٣. وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً: لقد حذر موسى الشعب من أنه قد يقوم من وسطهم أنبياء أو صانعو آيات يمكنهم أن يعملوا آيَةُ أَوِ اُعْجُوبَةُ.
- يخبرنا سفر التثنية ١٨: ٢٢ كيف نتصرف وماذا نفعل مع النبي الذي يتكلم بكلمة ولا تحدث أو تتحقق. لكن هذا النص يخبر بني إسرائيل ماذا يفعلون بالنبي الذي يتكلم بكلمة فتحدث، لكنه يتكلم ضد ما أعلنه الله في كلمته.
٤. حَدَثَتِ (تَحَقَّقَتْ) الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ: قد ’يُثبت‘ المعلم الكاذب ادعاءاته من خلال آيَة أو أُعْجُوبَة من نوع ما. وقد تكون هذه الآيات والعجائب زائفة، وحيلًا تهدف إلى الخداع والتضليل. أو قد تكون في الحقيقة آيات وعجائب واضحة أنها من أعمال الشيطان، يقوم بها وكلاء عنه ربما يعرفون أنهم أدوات للشيطان، أو قد يكونوا غير مدركين لدورهم هذا.
- ” كان من الضروري اختبار الآية أو الأعجوبة في سياق رسالة النبي، إذ لا يمكن اعتبار المعجزات التابعة جديرة بالثقة إلا إذا كانت الرسالة تتوافق مع النطاق الكامل للوحي الإلهي.” ميريل (Merrill)
- إن إظهار القوة الخارقة للطبيعة ـ حتى لو كانت قوة خارقة حقيقية ـ لا يثبت أن الرسالة مصدرها الله. وأولئك الذين يقتنعون فورًا عند ظهور القوة الخارقة للطبيعة هم معرضون لخطر الخداع. تُذكِّرنا الآية في رسالة تسالونيكي الثانية ٢: ٩ بهذا الأمر: الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ.
- ولهذا قال يسوع وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ (مرقس ١٦: ١٧). الآيات تتبع المؤمنين بدلًا من أن يتبع المؤمنون الآيات.
٥. فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ ذلِكَ الْحُلْمَ: إن الشخص الذي يتمتع بالتمييز الإلهي سوف يفحص دائمًا رسالة القائد الروحي، مع التركيز على توافقها مع الحقيقة بدلًا من الاختبارات الروحية التي قد تصاحبها.
- وحتى باعتبار بعضًا من الأنبياء العظماء في العهد القديم، مثل إيليا وإليشع، الذين صنعوا آيات وعجائب مذهلة، فإذا قالوا، لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَجَب على شعب إسرائيل أن يرفضهم وأن يقتلهم. يمتد هذا المبدأ إلى العهد الجديد، عندما أوصى بولس المسيحين في غلاطية أنه إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فعليهم رفضه واعتباره ملعونًا من الله (غلاطية ١: ٨-٩).
- إنه من المهم أن ننظر إلى مواجهة إيليا لأنبياء البعل على جبل الكرمل (١ملوك ١٨: ٢٠-٤٠) في هذا السياق. ففي ضوء الوصايا الواردة في تثنية ١٢، فحتى لو نجح أنبياء البعل بطريقة ما في إنزال النار من السماء، يبقى أنه لابد من رفضهم وقتلهم. إن تحدي إيليا بأن الله الحقيقي يمكن تمييزه من خلال حدث خارق للطبيعة كان استثناءً خاصًا مدفوعًا بإعلان خاص من الله (ملوك الأول ١٨: ٣٦)، وليس مبدأً ثابتًا.
٦. لأنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ: هذا يوضح أحد أسباب سماح الله بوجود مثل هؤلاء المخادعين بين شعبه – وهو امتحان قلوب شعبه وفحصها، لمعرفة ما إذا كانوا يحبون إله الحق حقًا أم أنهم يبحثون فقط عن آية أو اختبار روحي.
- “وخاصة أن هناك آيات كثيرة، حتى التي قد يراها الناس على أنها عجائب، والتي يمكن أن تصنعها أرواح شريرة، وقد سمح الله بها لأسباب مختلفة حكيمة وعادلة، وليس فقط لامتحان الصالحين، كما ورد هنا، ولكن أيضًا لمعاقبة الأشرار، الذين لن يقبلوا الحقائق الإلهية، على الرغم من أنها تشهد بمعجزات كثيرة واضحة لا تقبل الشك، وبالتالي يتعرضون لهذه التجارب لتصديق الأكاذيب.” بوله (Poole)
- الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ: حدد ماير (Meyer) ثلاثة مجالات رئيسية يُختبر فيها المؤمنين غالبًا: في خدمتهم لله، وفي تعاملهم مع الأموال، وفي تصرفاتهم بشأن المسائل المُثِيرة لِلجَدَل (أخلاقيًا أو روحيًا). وفي هذا الشأن يقول “الكثير مما نتعرض إليه يخدم هذا الغرض! الله يَمْتَحِنُنا – ليس لاكتشاف شيء عنا لم يكن يعرفه من قبل، بل ليكشفنا أمام أنفسنا. فنحن بحاجة إلى معرفة أنفسنا لكي يدفعنا هذا الإدراك إلى التعرّف على موارده اللامحدودة واستخدامها، وحتى يقودنا الوعي العميق لهشاشتنا وضعفنا إلى الاتكال من نعمته.”
ب) الآيات (٤-٥): عقوبة المخادع الذي يأتي بالآيات.
٤وَرَاءَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ تَسِيرُونَ، وَإِيَّاهُ تَتَّقُونَ، وَوَصَايَاهُ تَحْفَظُونَ، وَصَوْتَهُ تَسْمَعُونَ، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، وَبِهِ تَلْتَصِقُونَ. ٥وَذلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحَالِمُ ذلِكَ الْحُلْمَ يُقْتَلُ، لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالزَّيْغِ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، لِكَيْ يُطَوِّحَكُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ.
١. وَرَاءَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ تَسِيرُونَ: أوصى الرب إسرائيل أولًا بألا يسمحوا للمخادع أن ينجح في تضليلهم. ومهما كان الخداع جذابًا، كان عليهم أن يستمروا في التركيز على السير بأمانة مع الله بحسب الحق الذي أعلنه لهم.
٢. وَذلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحَالِمُ ذلِكَ الْحُلْمَ يُقْتَلُ: كانت أمة إسرائيل القديمة حالة فريدة من نوعها، حيث كانت الحكومة المدنية معيّنة مباشرة من الله ومُكلَّفة بالحفاظ على النظام الروحي وكذلك النظام المدني. لذلك، كانت هذه البدعة وهذا الخداع يُعد جرائم يُعَاقب عليها بالإعدام. هكذا كان على إسرائيل أن ينزعوا الشَّرَّ من وسطهم.
- ولقرون عديدة، عندما كانت الكنيسة تمتلك السلطة السياسية، غالبًا ما مارست عقوبة الإعدام أيضًا ضد الهراطقة. ومع ذلك، نادرًا ما نفذت الكنيسة المؤسسية نفسها عمليات الإعدام، وكانت غالبًا تقوم بتسليم المتهمين والمُدانين بالهرطقة إلى الحكومة المدنية لإعدامهم. كتب تراب (Trapp) في منتصف القرن السابع عشر: “لا تزال هذه السلطة في يد القاضي المؤمن، لإنزال عقوبة الإعدام بالهراطقة الفظين؛ مثل سرفيتوس في جنيف.”
- في ظل العهد الجديد، لم يأمر الله بتأسيس أمم مسيحية على غرار إسرائيل الكتابية. وبينما أُمرت إسرائيل بتنفيذ عقوبة الإعدام على الهراطقة، فإن العهد الجديد لا يقدم مثل هذه الوصية الإلهية سواء للكنيسة أو للدولة تجاه الهراطقة أو المعلمين الكذبة. وبدلًا من ذلك، يجب تمييزهم وتجنبهم، كما هو موضح في نصوص مثل رومية ١٦: ١٧، و٢ تسالونيكي ٣: ١٤- ١٥، و١ تيموثاوس ٦: ٣-٥، و٢ يوحنا ١: ١٠-١١. وبهذه الطريقة، يجب على مؤمني العهد الجديد أن يَنْزِعُوا الشَّرَّ مِنْ بَيْنِهمْ.
٣. الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ: إن سلطان الله على إسرائيل كان مبنيًا على الفداء الذي صنعه لهم بتحريرهم من العبودية في مصر. مثل هذا العمل العظيم تطلّب ولاءً أمينًا من إسرائيل ليهوه الرب.
ج) الآيات (٦-١١): عقوبة القريب الذي يقود الإسرائيلي لعبادة آلهة أخرى.
٦«وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرًّا أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ، أَوْ صَاحِبُكَ الَّذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلًا: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ ٧مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكَ، الْقَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ الْبَعِيدِينَ عَنْكَ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا، ٨فَلاَ تَرْضَ مِنْهُ وَلاَ تَسْمَعْ لَهُ وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَرِقَّ لَهُ وَلاَ تَسْتُرْهُ، ٩بَلْ قَتْلًا تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيرًا. ١٠تَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ، لأَنَّهُ الْتَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. ١١فَيَسْمَعُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ، وَلاَ يَعُودُونَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ الشِّرِّيرِ فِي وَسَطِكَ.
١. أَخُوكَ… ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ، أَوْ صَاحِبُكَ: أوصى الله بني إسرائيل بعدم السماح للعلاقات العائلية الوثيقة بأن تقودوهم إلى عبادة آلهة أخرى، ويجب أن يرفضوا هذا التأثير بشدة (فَلاَ تَرْضَ… وَلاَ تَسْمَعْ لهؤلاء المعلمين الكاذبين)، وأن يقتلوا هؤلاء المعلمين (بَلْ قَتْلًا تَقْتُلُهُ). كانت هذه وصية الله لإسرائيل بموجب العهد القديم.
- بموجب وصية الله، يجب أن يكون القريب أحد الشهود الرئيسيين ضد الطرف المذنب: يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِقَتْلِهِ. لقد كانت هذه ’رمية الحجر الأول،‘ أي بدء تنفيذ حكم الإعدام على يد أحد الشهود على هذه الجريمة الكبرى.
- “كانت طبيعة عهد الله مع إسرائيل تنص على أن الولاء والمحبة له أهم من محبة الفرد لعائلته.” تومسون (Thompson)
- وهذا يوضح أيضًا أن الله لا يعطي أبدًا الأولوية للعلاقات العائلية؛ إذا ابتعد أحد أفراد العائلة عن الرب، فلا يجب أن نتبعه أبدًا. فيسوع يأتي دائمًا أولًا، كما قال في متى ١٠: ٣٧ “مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي.”
٢. وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرًّا: كان تحريم الله لعبادة آلهة أخرى شاملًا إلى حد أنه امتد إلى المحادثات الخاصة أيضًا. فمجرد الدعوة لعبادة آلهة أخرى، حتى لو لم تكن علنية، كانت لا تزال تشكل مصدر قلق خطير بالنسبة لشعب الله.
٣. فَيَسْمَعُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ: إذا تعاملت إسرائيل بشكل صحيح مع مشكلة المعلمين الكذبة في وسطها، فإن ذلك سيعلم الشعب إكرام الله وتبجيله كما يليق. إن مقاومة التعليم الكاذب بشكل حازم من شأنه أن يردع ممارسة قيادة الآخرين بعيدًا عن الرب وعبادة الآلهة الزائفة.
- “من المتوقع أن تُسفر هذه العقوبة القاسية عن نتائج إيجابية. وفي حين يزعم العديد من علماء الاجتماع المعاصرين أن العقوبة، وخاصة عقوبة الإعدام، لا تردع الجريمة، فقد أكد موسى، متحدثًا بكلمة الله، أنها ستكون بمثابة رادع فعّال.” كالاند (Kalland)
- “وللأسف، فإن هذه الوصية لم تُطبَّق إلا نادرًا، إن لم تكن أبدًا. مرارًا وتكرارًا، كانت إسرائيل ويهوذا غير مخلصتين للرب، وهو نمط حياة جلب سلسلة من الأحكام عليهما، وانتهى في النهاية بزوال المملكتين وسبيهما (راجع ٢ ملوك ١٧: ٧-٢٣؛ ٢٤: ٣).” ميريل (Merrill)
ثانيًا. حماية الأمة ككل من الذين يقودونها إلى عبادة الأوثان
أ ) الآيات (١٢-١٤أ): كيفية التعامل مع التقارير عن مدينة أُسلمت لعبادة الأوثان.
١٢«إِنْ سَمِعْتَ عَنْ إِحْدَى مُدُنِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَسْكُنَ فِيهَا قَوْلًا: ١٣قَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ مِنْ وَسَطِكَ وَطَوَّحُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. ١٤وَفَحَصْتَ وَفَتَّشْتَ وَسَأَلْتَ جَيِّدًا…
١. وَفَحَصْتَ: إذا ظهرت أخبار عن مدينة إسرائيلية أُسلمت لعبادة الأوثان، فيجب أولًا إجراء تحقيق دقيق.
- أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ: “أي بَنِي بَلِيَّعَال… مُتَمَرِّدين؛ هم أشخاص لا فائدة منهم سواء لأنفسهم أو للآخرين، ولا يُجيدون سوى إثارة الفتن.” كلارك (Clarke)
٢. فَحَصْتَ وَفَتَّشْتَ وَسَأَلْتَ جَيِّدًا: إن هذا التدقيق يحفظ إسرائيل من اتخاذ حكمًا قاسيًا لا أساس له؛ ربما كان هناك عدد قليل من عبدة الأوثان في المدينة هم الذين يحتاجون إلى العقاب، وليس المدينة بأكملها. لقد أمر الله بإجراء تحقيق دقيق.
- تحت قيادة يشوع، التزم إسرائيل بكل حكمة بممارسة التحقيق الدقيق في اتهامات الارتداد قبل اعتبار المتهم مُذنبًا (يشوع ٢٢: ١٠-٣٤). عندما تم الاشتباه في أن السبطين ونصف السبط المستقرين على الجانب الشرقي من نهر الأردن قد بنوا مذبحًا لإله وثني، كان إسرائيل مستعدًا لشن حرب ضدهم وفقًا لهذه الوصايا في سفر التثنية. ومع ذلك، أثبت تحقيقهم أن الاتهام لا أساس له من الصحة.
ب) الآيات (١٤ب-١٨): عقاب المدينة التي أُسلمت لعبادة الأوثان.
… وَإِذَا الأَمْرُ صَحِيحٌ وَأَكِيدٌ، قَدْ عُمِلَ ذلِكَ الرِّجْسُ فِي وَسَطِكَ، ١٥فَضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. ١٦تَجْمَعُ كُلَّ أَمْتِعَتِهَا إِلَى وَسَطِ سَاحَتِهَا، وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ الْمَدِينَةَ وَكُلَّ أَمْتِعَتِهَا كَامِلَةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ، فَتَكُونُ تَلاُ إِلَى الأَبَدِ لاَ تُبْنَى بَعْدُ. ١٧وَلاَ يَلْتَصِقْ بِيَدِكَ شَيْءٌ مِنَ الْمُحَرَّمِ، لِكَيْ يَرْجعَ الرَّبُّ مِنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ، وَيُعْطِيَكَ رَحْمَةً. يَرْحَمُكَ وَيُكَثِّرُكَ كَمَا حَلَفَ لآبَائِكَ، ١٨إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْفَظَ جَمِيعَ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، لِتَعْمَلَ الْحَقَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِكَ.
١. ذلِكَ الرِّجْسُ: كان الهدف من التحقيق هو معرفة ما إذا كان قد حدث رِجْسٍ في شعب إسرائيل أم لا. تشير كلمة رِجْسٍ هنا إلى عبادة الأوثان الجسيمة والمهينة. ولاحقًا في دانيال وفي العهد الجديد، تُستخدم الكلمة في عبارة ’رِجْسَةَ الْخَرَابِ،‘ التي تشير إلى عبادة الأوثان النهائية الخاصة بضد المسيح – أي إقامة صورة وثنية لنفسه في قدس الأقداس (تسالونيكي الثانية ٢: ٣-٤).
- “إن مصطلح ’الرِّجْسُ (toeba)‘ يُستخدم في العهد القديم للإشارة إلى شيء لا يرضي الله تمامًا ويشير إلى شيء غير نقي، وغير طاهر، وخالي تمامًا من القداسة (راجع تثنية ٧: ٢٥، ٢٦؛ ١٤: ٣؛ ١٧: ١، ٤؛ ١٨: ٩؛ ٢٠: ١٨).” تومسون (Thompson)
٢. فَضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا: إذا وجد التحقيق أن المدينة قد أُسلمت لعبادة الأوثان، فسيتم معاملتها كمدينة كنعانية. وكان عليهم تدمير المدينة بِكُلِّ مَا فِيهَا، بما في ذلك ممتلكاتها. فيتم تسليم الممتلكات إلى الرب عن طريق تدميرها، وهو شكل من أشكال “التدمير المقدس.”
- كان المجتمع بأكمله تحت الدينونة، سواء بسبب تساهلهم مع الرجس، أو بسبب كونهم شركاء فيه. “لقد كانت خطيتهم جماعية، وكما هو الحال في كثير من الأحيان في العهد القديم، تمت إدانتهم بشكل جماعي.” تومسون (Thompson)
- وهذا يضمن أنه لا يمكن لأحد أن يستفيد ماديًا من إعلان مدينة أُسلمت لعبادة الأصنام. ولو لم يكن هذا الشرط موجودًا في شريعة موسى لكان من الممكن أن نتصور مدينة تُنهب تحت هذا الحجة.
- “بما أن الله لم يسمح لهم بأخذ غنائم هذه المدن الوثنية، فلم يكن من الممكن أن يتعرضوا لتجربة شن حرب عليها… كم من الحروب الدينية كان يمكن تجنبها في العالم لو تم تنظيمها وفق لهذا المبدأ: ’لا توسع أرضك ولا تأخذ أي غنائمّ!‘” كلارك (Clarke)
- “نفس العقوبة التي لحقت بمدن الكنعانيين الملعونين، وبعد أن تساوا في الخطية، فمن المناسب والعادل أن يساويهم الله في العقاب.” بوله (Poole)
٣. فَتَكُونُ تَلاُ إِلَى الأَبَدِ لاَ تُبْنَى بَعْدُ: كانت المدينة المدمرة ستبقى كومة تَلاُ إِلَى الأَبَدِ. ستكون الأنقاض شهادة لبقية إسرائيل.
- كلمة “تَل” تستخدم باللغة العربية للدلالة على أي مشهد مُدَمر. وفي جميع أنحاء إسرائيل اليوم، يمكن للمرء أن يرى تلالًا غريبة ترتفع فوق السهل. هذه التلال هي بقايا المدن القديمة المدمرة، المغطاة بالغبار والأوساخ المتراكمة عبر كل تلك القرون.
- لاَ تُبْنَى بَعْدُ: هذا الحكم، الذي يخالف العادة الشائعة بإعادة بناء المدن على أنقاض مواقعها السابقة، كما يتضح من البقايا الطبقية للتلال الأثرية في الشرق الأوسط، يشير إلى مدى جدية الرب في نظرته إلى أي انحراف عنه.” كالاند (Kalland)
٤. لِتَعْمَلَ الْحَقَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِكَ: يوضح هذا أنه لم يكن على بني إسرائيل أبدًا اعتبار الروابط العرقية أو القومية أعظم من الروابط التي تربطهم بالرب الإله؛ فإذا استسلم أبناء وطنهم لعبادة الأوثان، فلن يُعفى عنهم.
- إن الوصايا المذكورة في تثنية ١٣ تُلزم المؤمن المعاصر بأهمية أن يبقى أمينًا لله. إذا كانت الآيات، أو العجائب، أو الأقارب، أو الروابط القومية، أو العرقية ستقود الشخص إلى خيانة يسوع المسيح، فيجب رفض كل ذلك إكرامًا للرب.
- حدد مورجان (Morgan)، في هذا القسم من سفر التثنية، أربع طرق رئيسية ظاهرة يتم بها إغواء الناس للابتعاد عن العبادة الحقيقية لله والانجراف نحو عبادة الأوثان. وتظل هذه الطرق تحديًا دائمًا لشعب الله:
- الفضول (تثنية ١٢: ٢٩-٣٢).
- الآيات والعجائب (تثنية ١٣: ١-٥).
- إغراءات العواطف البشرية (تثنية ١٣: ٦-١١).
- الفشل في قبول التهذيب الروحي ومواجهة التعاليم الكاذبة (تثنية ١٣: ١٢-١٨).