سفر التثنية – الإصحاح ٣٤
موت موسى
أولًا. موسى على جَبَلِ نَبُو
أ ) الآيات (١-٣): الله يعطي موسى رؤيا عن أرض الموعد.
١وَصَعِدَ مُوسَى مِنْ عَرَبَاتِ مُوآبَ إِلَى جَبَلِ نَبُو، إِلَى رَأْسِ الْفِسْجَةِ الَّذِي قُبَالَةَ أَرِيحَا، فَأَرَاهُ الرَّبُّ جَمِيعَ الأَرْضِ مِنْ جِلْعَادَ إِلَى دَانَ، ٢وَجَمِيعَ نَفْتَالِي وَأَرْضَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى، وَجَمِيعَ أَرْضِ يَهُوذَا إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ، ٣وَالْجَنُوبَ وَالدَّائِرَةَ بُقْعَةَ أَرِيحَا مَدِينَةِ النَّخْلِ، إِلَى صُوغَرَ.
١. وَصَعِدَ مُوسَى مِنْ عَرَبَاتِ مُوآبَ إِلَى جَبَلِ نَبُو: بينما كان إسرائيل يخيم في عَرَبَاتِ مُوآبَ، صعد موسى إلى مرتفعات جَبَلِ نَبُو – حيث استطاع أن يرى أرض الموعد إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ.
- يروي سفر التثنية ٣٤ قصة وفاة موسى، وما لم يكن قد كتبه نبويًا، فإن التفسير الأكثر بساطة ومنطقية هو أن شخصًا مثل يشوع أو العازار الكاهن كتب هذا الإصحاح. ومن المرجح أن أحدهما رافق موسى إلى مكان موته ثم قام بدفنه بصفته وكيلًا لله. لا شيء في الإصحاح يوحي بأن موسى مات وحيدًا.
- أمر الرب موسى في تثنية ٣٢: ٤٨-٥٢ أن يصعد إِلَى جَبَلِ نَبُو ليموت هناك. وها هو الأمر يتحقق هنا. بدأ موسى عمله كمخلص لإسرائيل عند أحد الجبال (جبل سيناء، خروج ٣: ١-١٠) وانتهى هنا عند جبل آخر.
٢. فَأَرَاهُ الرَّبُّ جَمِيعَ الأَرْضِ: كانت هذه نعمة الله العذبة نحو موسى. فمع أنه لم يستطع أن يطأ أرض الموعد، إلا أن الله سمح له برؤيتها. وبوقوفه على قمة نَبُو في مجموعة الجبال التي تسمى فِسْجَة، وقف موسى على ما هي دولة الأردن الحديثة، متطلعًا غربًا نحو كنعان.
- عاش موسى ١٢٠ سنة (تثنية ٣١: ٢)، وانقسمت حياته إلى ثلاث فترات مدة كل منها ٤٠ سنة.
- انتهت الأربعون سنة الأولى من حياة موسى بجريمة قتل وهروب من العدالة (خروج ٢: ١١-١٥).
- انتهت الأربعون سنة الثانية من حياة موسى بظهور الله في العليقة المشتعلة (خروج ٣: ١-١٠).
- انتهت الأربعون سنة الأخيرة من حياة موسى برؤية أرض الموعد.
ب) الآية (٤): كلمات الله الأخيرة لموسى: هذِهِ هِيَ الأَرْضُ.
٤وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «هذِهِ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ قَائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا. قَدْ أَرَيْتُكَ إِيَّاهَا بِعَيْنَيْكَ، وَلكِنَّكَ إِلَى هُنَاكَ لاَ تَعْبُرُ».
١. هذِهِ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي أَقْسَمْتُ: قيلت هذه الكلمات بصيغة المضارع على قمة جَبَلِ نَبُو عندما نظر موسى غربًا ورأى أرض الموعد.
- إن قائمة الأماكن المذكورة هنا تتبع دائرة واسعة عكس اتجاه عقارب الساعة من الشمال إلى الجنوب. ففي هذه الصورة البانورامية الشاملة، رأى موسى نطاق أرض الموعد بأكملها.
- “إن دعوة موسى لرؤية الأرض لم تكن مجرد لفتة كريمة تسمح لعبده برؤية ميراث إسرائيل. بل ربما كانت تحمل أيضًا أهمية قانونية، حيث توجد بعض الأدلة على أن هذا الفعل كان جزءًا من عملية قانونية – حيث كان الرجل ينظر إلى ما كان من المفترض أن يمتلكه.” تومسون (Thompson)
- “المرة الوحيدة في تاريخ العهد القديم التي تحقق فيها هذا حقًا كانت في ذروة المملكة المتحدة تحت حكم داود وسليمان (راجع ٢ صموئيل ١٠: ١٩؛ ١ ملوك ٤: ٢٤).” ميريل (Merrill)
٢. لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا: لقد أَقْسَمْ الله أن يعطيها لنسل إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، والآن سوف يتحقق الوعد. سُمح لموسى أن يأخذ نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلى عتبة أرض الموعد، ولكن ليس أبعد من ذلك.
- “لم يترك موته سببًا للندم، ولم يكن ناقصًا بأي شكل من الأشكال. إن عدم عبوره نهر الأردن يبدو تافهًا مقارنة بالشرف الذي ميز لحظاته الأخيرة. لقد كان موته ذروة حياته ـ فقد رأى الآن أنه قد تمم قصده، ولم يكن مثل نُصُب تذكاريّ مكسور. لقد أُمر بقيادة الشعب عبر البرية، وقد أكمل مهمته بأمانة.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. قَدْ أَرَيْتُكَ إِيَّاهَا بِعَيْنَيْكَ، وَلكِنَّكَ إِلَى هُنَاكَ لاَ تَعْبُرُ: يا لها من لحظة حلوة ومُرّة! رأى موسى ذلك، وابتهج قلبه لأنه تمكن من رؤية أرض الموعد كما لم يراها من قبل. ومع ذلك، فبلا شك قد حزن في قلبه، عندما علم أن خطيته – وهي تشويهه صورة الله (سفر العدد ٢٠: ٧-١٢) – هي التي أدت إلى عدم قدرته على وضع قدمه في أرض الموعد بنفسه. هنا كان يقف قريبًا جدًا من الوعد، ولكنه بعيدًا جدًا عنه.
- “يا لها من دراما! يا له من أمر مؤلم! يا لكم الألم الداخلي! ويا له من شعور بالإنجاز الممزوج بخيبة الأمل لا بد أن كل ذلك مر في ذهن موسى عندما نظر إلى الأرض التي وعد الرب بها إسرائيل!” كالاند (Kalland)
- عندما نظر موسى إلى هذه الصورة البانورامية الواسعة، في يوم كانت الرؤية فيه واضحًة تمامًا، فقد رأى النتيجة النهائية لعمل حياته – قيادة بني إسرائيل إلى أرض الموعد – وسمع الله يقول بكل وضوح: ’هذِهِ هِيَ الأَرْضُ.‘
- توسل موسى أن يخفف الله عقوبته – ولكن أمره الله ألا يتكلم معه بعد في هذا الشأن (تثنية ٣: ٢٦).
- مات موسى تحت عقوبة الخطية، خطيته هو. لقد مات ودُفن ولم يقم ثانية. ومات يسوع أيضًا تحت عقوبة الخطية، ولكنها ليست خطيته هو – لقد مات كفارة عن خطايا شعبه. وكقدوس الله، لم يبقَ يسوع في القبر بعد موته، بل قام من بين الأموات بمجد عظيم. وكما كان موسى عظيمًا، فإن يسوع هو الأعظم منه. (عبرانيين ٣: ١-٦)
ج) الآيات (٥-٨): موت ودفن مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ.
٥فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. ٦وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. ٧وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ. ٨فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا. فَكَمُلَتْ أَيَّامُ بُكَاءِ مَنَاحَةِ مُوسَى.
١. فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ: يمكننا أن نتصور أن النَقْش الذي كان على قَبْر موسى – رُغم أنه لم يكن لديه واحد – كان بسيطًا للغاية. لم يُكتب على شاهد قبره:
- “موسى، أمير مصر.”
- “موسى، قاتل المصري.”
- “موسى، الراعي في البرية.”
- “موسى، المتحدث باسم الأمة.”
- “موسى، صانع المعجزات.”
- “موسى، نبي.”
- “موسى، الرجل الذي رأى جزءًا من مجد الله.”
- “موسى، الرجل الذي لم يدخل أبدًا أرض الموعد.”
- في النهاية، كان لقبه بسيطًا جدًا: مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ.
- “ورغم أنه مُنع من دخول أرض كنعان وكان مصيره الموت على جبل نبو، إلا أن موسى ظل عَبْدُ الرَّبِّ الأمين.” ميريل (Merrill)
- إن الاكتفاء بكونك مجرد عَبْدُ الرَّبِّ هو أمر نبيل وضروري، وينبغي أن يكون كافيًا للمؤمن. ورغم أن هذا يُقال غالبًا، إذ يعكس التواضع، إلا أنه من الصعب جدًا أن نعيشه حقًا. إنها المحطة الأسعد من كل محطات الحياة، ذلك لأنه كلما تمجد السيد كلما تمتع عبده بالرضى.
- إذا كان المرء حقًا عَبْدُ الرَّبِّ، فيمكن إثبات ذلك في كيفية استجابته عندما يعامله الآخرون كخادم. يسعد الكثيرون بخدمة الأشخاص الذين يختارونهم أو في المواقف التي يسيطرون عليها. لكن هذا ليس حقًا تمثيلًا جيدًا لكونك ’عَبْد الرَّبِّ.‘
٢. فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ: مات موسى كما وعد الله. فوعود الله أكيدة، بما في ذلك وعوده الأشد قسوة. وكان كل ذلك حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ.
- إن عبارة ’حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ‘ تعني حرفيًا من فم الرب. ومن هنا تقول التقاليد اليهودية القديمة أن موسى مات عندما أخذ الله روحه بقُبلة. كتب المعلم اليهودي موسى بن ميمون (Maimonides) في العصور الوسطى أنه من بين ٩٠٣ طريقة مختلفة للموت، كانت هذه هي الأفضل.
- ووفقًا للأساطير اليهودية القديمة – والتي ينبغي اعتبارها مجرد أساطير – فإن موت موسى كان رقيقًا ومليئًا برحمة الله.
“في هذه الأثناء، كان وقت موسى قد انتهى. فدَوَّى صوت من السماء قائلًا: ’لماذا يا موسى تجاهد عبثًا؟ لم يبق أمامك سوى لحظات بسيطة.‘ فقام موسى على الفور وصلى قائلًا: ’يا إله الكون! لا تنسى اليوم الذي ظهرت فيه إليّ في عليقة الشوك، واذكر أيضًا اليوم الذي صعدت فيه إلى السماء ولم أتناول طعامًا ولا شرابًا لمدة أربعين يومًا. أيها الرب المملوء نعمة ورحمة، لا تسلمني إلى يد [الشيطان].‘ فأجاب الله: ’لقد سمعت صلاتك. أنا بنفسي سأهتم بك وأضعك في التراب.‘ لقد قدس موسى الآن نفسه كما يفعل السيرافيم الذين يحيطون بالجلال الإلهي، عندها أظهر الله من أعلى السموات نفسه ليستقبل روح موسى. فلما رأى موسى القدوس تبارك اسمه، خرّ على وجهه وقال: ’يا إله الكون! بالمحبة خلقت العالم، وبالمحبة أنت تقوده. عاملني أيضًا بالمحبة، ولا تسلمني إلى يدي ملاك الموت.‘ فنادى صوت سماوي قائلًا: ’لا تخف يا موسى، فبرك يسير أمامك. ومجد الرب يكون من وراءك.‘
- نزل مع الله من السماء ثلاثة ملائكة: ميخائيل، وجبرائيل، وزكزاكيل. فرتب جبرائيل مكان جلوس موسى، وبسط عليه ميخائيل ثوب الأرجوان، ووضع زكزاكيل وسادة من الصوف. فوقف الله على رأس موسى، وميخائيل عن يمينه، وجبريل عن يساره، وزكزاكيل عند قدميه، فقال الله لموسى: ’قاطع رجليك،‘ ففعل موسى ذلك. ثم قال: ’اطوي يديك وضعهما على صدرك.‘ ففعل موسى ذلك. ثم قال الله: ’أغمض عينيك.‘ ففعل موسى ذلك. ثم قال الله لروح موسى: ’يا ابنتي، أمرتك قبل مئة وعشرين سنة أن تسكني في جسد هذا الرجل الصالح، لكن لا تترددي الآن في تركه، لأن وقتك قد انتهى… وأنا بنفسي سآخذك إلى العلاء ولتسكني تحت كرسي مجدي…‘ فلما سمع موسى هذا الكلام أذن لروحه أن تفارقه قائلًا لها: ’ارْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى رَاحَتِكِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكِ.‘ فأخذ الله روح موسى بقبله على فمه.” جينزبيرج (Ginzberg) في كتابه ’أساطير اليهود.‘
- “وكما تحمل الأم طفلها وتقبله ثم تضعه في سريره لينام؛ هكذا قبَّل الرب روح موسى ليكون معه إلى الأبد، ثم أخفى الجسد وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَه.” سبيرجن (Spurgeon)
- قال الله أنه عندما يموت موسى، فإنه سينضم إلى قومه (تثنية ٣٢: ٥٠). “كيف إذًا انضم إلى قومه؟ لا شك أن هذا حدث عندما مات وحيدًا في الصحراء، لكنه فتح عينيه في المدينة، مُحاطًا بجموع مقدسة ورفقة مباركة من الذين ينتمي إليهم. وهكذا، فإن عزلة لحظة تقود إلى رفقة مباركة وأبدية.” ماكلارين (Maclaren)
٣. وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ: ربما استخدم الله وكيلًا بشريًا، مثل يشوع أو العازار الكاهن، لدفن موسى. وكانت هناك عدة أسباب تجعل دفن موسى فريدًا من نوعه وغير مميز (وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ).
- حتى لا يعبد إسرائيل موسى أو قبره.
- حتى لا يأخذ إسرائيل جسد موسى إلى كنعان، مخالفًا وصية الله بعدم دخوله أرض الموعد.
- حتى يتحقق قصد الله اللاحق لموسى، كما اقترح يهوذا ٩، وربما تحقق عند التجلي (لوقا ٢٨:٩-٣١).
- كان دفن موسى أكثر تعقيدًا مما يبدو للوهلة الأولى، لأن الشيطان تنافس مع الله على جسد موسى. وتُخبرنا رسالة يهوذا والآية ٩ عن مناسبة خَاصَمَ فيها مِيخَائِيلُ، رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى. ومن الواضح أنه كان هناك نزاع حول جسد موسى، ووفقًا ليهوذا فميخائيل، رئيس الملائكة، فاز في هذا النزاع عندما لجأ إلى سلطة الرب: “لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ!” ومع ذلك، فإن السبب وراء صراع ميخائيل مع الشيطان على جسد موسى ليس واضحًا.
- يقول البعض أن الشيطان أراد أن يستخدم جسد موسى كشيء للعبادة، وبهذا يقود إسرائيل إلى عبادة الأوثان. ويعتقد آخرون أن الشيطان أراد أن يدنس جسد موسى وادعى أن له حق فيه لأن موسى قَتل مصريًا.
- لكن لاحظ أن الله كان لديه غرض آخر لجسد موسى، الذي أراد الشيطان أن يهزمه: ظهر موسى في هيئة جسدية مع إيليا (الذي هو الآخر قد ارتفع جسده إلى السماء (ملوك الثاني ٢) عند التجلي (متى ١:١٧-٣). وربما يكونا موسى وإيليا هما الشاهدين في سفر الرؤيا الإصحاح ١١.
- من الواضح أن الله كان لديه هدف ليحققه بجسد موسى قبل وقت القيامة العامة، لذلك اتخذ الله ترتيبًا خاصًا لدفن جسد موسى بنفسه. وربما حفظ الله جسد موسى بطريقة ما. أراد الله أن يحمي جسد موسى، ولهذا السبب لَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. يبدو أنهم بحثوا عنه (كما هو متوقع) من باب الرغبة في تخليد ذكرى هذا القائد العظيم للأمة.
- “من حظي بدفن مثل دفن موسى؟ لقد تنازعت الملائكة عليه، ولكن الشيطان فشل في استخدامه لأغراضه الخاصة. لم يُفقَد ذلك الجسد، لأنه ظهر في الوقت المناسب على جبل التجلي، يتكلم مع يسوع عن أعظم حدث على الإطلاق.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ: قُسمت حياة موسى بدقة إلى أثلاث. لقد أمضى ٤٠ عامًا كوليّ العهد لمصر، و٤٠ عامًا كراعٍ متواضع في البرية، و٤٠ عامًا يقود بني إسرائيل إلى مصيرهم في أرض الموعد. كان الثلثان الأولان استعدادًا للثلث الأخير. لقد كان موسى على استعداد للسماح لله بإعداده لمدة ٨٠ عامًا.
- “كان رحيل موسى مليئًا بالجمال. وكما رأينا، فإن منعه من دخول أرض الموعد التي ثبّت وجهه نحوها لزمن طويل كان بمثابة عقابًا. ومع ذلك، كم كان رائعًا مزج العقاب بالرحمة.” مورجان (Morgan)
- “يُعتقد أن هذه الشهادة، بل وهذا الإصحاح بأكمله، قد أضافها يشوع أو العازار، بوحي إلهي، لاستكمال التاريخ.” تراب (Trapp)
٥. وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ: لم يكن الضعف الجسدي هو الذي عرقل موسى عن دخول الأرض، بل أمر الله. ورغم أنه كان عجوزًا عندما مات، إلا أن الشيخوخة لم تكن السبب في موته. لقد مات لأن بني إسرائيل كانوا على وشك دخول أرض الموعد، ولم يكن موسى قادرًا على مرافقتهم. ومثله كمثل بقية جيله، باستثناء يشوع وكالب، مات موسى في البرية.
- “لم يفشل في دخول كنعان لأنه مات، بل مات لأنه فشل في دخول كنعان.” ميريل (Merrill)
- “ربما المقصود بهذا، أنه، على الرغم من تقدمه في السن، لكنه احتفظ بقوته بشكل مذهل حتى وإن كان لاَ يسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ بَعْدُ (فهذا التعبير الأخير هو تعبير مجازي).” تومسون (Thompson)
- “بالنظر إلى التحديات والمسؤوليات الهائلة التي واجهها موسى، فإن حالته الصحّية وقت وفاته كانت أمرًا لافتًا. لقد مرّ بالكثير من الأحزان والمصاعب، لكن قوة إيمانه البسيطة، في إلقاء حمله على الرب، منعته من أن يُستنزف قبل أوانه. لم يكن هناك ضغط غير مُبَرر يؤثر على طاقته. كل ما حققه على الأرض كان نتيجة ثباته الدائم في الله. لقد كان الله ملجأه وعونه وسنده. لم يكن هو شيئًا في ذاته، بل كان الله كل شيء. لذلك، تجدّد شبابه.” ماير (Meyer)
٦. فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ… فَكَمُلَتْ أَيَّامُ بُكَاءِ مَنَاحَةِ مُوسَى: وبقدر عظمة موسى انتهت أيام المناحة عليه. لقد حان الوقت للمضي قُدمًا. إنّ برنامج الله لم ينته عند موسى، ولا ينتهي عند أي إنسان. فالشعلة تُنقل، وعمل الله يستمر.
- “لقد كانت خاتمة مهيبة ومجيدة لحياة عظيمة وكريمة.” مورجان (Morgan)
ثانيًا. إِرْث موسى
أ ) الآية (٩): قيادة يشوع لإسرائيل.
٩وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ كَانَ قَدِ امْتَلأَ رُوحَ حِكْمَةٍ، إِذْ وَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ يَدَيْهِ، فَسَمِعَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَعَمِلُوا كَمَا أَوْصَى الرَّبُّ مُوسَى.
١. إِذْ وَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ يَدَيْهِ: لقد استجيبت صلاة موسى من أجل يشوع. ويشوع امْتَلأَ رُوحَ حِكْمَةٍ بكل معنى الكلمة. نقرأ عن موسى الذي وضع يَدَيْهِ على يشوع في سفر العدد ٢٧: ١٨-٢٣.
- رُوحَ حِكْمَةٍ: “إن روح الحكمة هي المُعِدّة التي تمكّن الإنسان من تنفيذ المهام التي يوكلها الرب إليه. لقد مُنح الحرفيون المهرة الذين صنعوا الثياب الكهنوتية لهارون وبنيه الحكمة لصنع تلك الملابس (خروج ٢٨: ٣). أما روح الحكمة لدى يشوع فكانت تتمثّل في المهارات والقدرة العسكرية والإدارية المطلوبة لإنجاز المهمة التي أوكلها إليه الرب، وأيضًا الحكمة الروحية للاتكال على الرب والالتزام بطاعته.” كالاند (Kalland)
٢. فَسَمِعَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: كانت قيادة يشوع واضحة في حقيقة أن إسرائيل اتبعه. وبشكل عام، كان الجيل الذي دخل كنعان تحت قيادة يشوع أكثر إخلاصًا للرب ويشوع من الجيل الذي مات في البرية.
ب) الآيات (١٠-١٢): إرث موسى الفريد.
١٠وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ، ١١فِي جَمِيعِ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الَّتِي أَرْسَلَهُ الرَّبُّ لِيَعْمَلَهَا فِي أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَكُلِّ أَرْضِهِ، ١٢وَفِي كُلِّ الْيَدِ الشَّدِيدَةِ وَكُلِّ الْمَخَاوِفِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي صَنَعَهَا مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ.
١. وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى: كان يشوع قائدًا مقتدرًا لإسرائيل، واستمر عمل الله، لكن هذا لم يقلل من إرث موسى الفريد.
- “لم يظهر شخص أعظم من موسى، الذي كان المحرِّر، والنبي، والمشرِّع، وأب للأمة، إلى أن جاء الرب يسوع المسيح، الذي تكلَّم عنه موسى (يوحنا ٥: ٤٦).” كالاند (Kalland)
٢. وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى: هناك عدة أشياء جعلت موسى فريدًا.
- عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ: كان موسى فريدًا بسبب علاقته الشخصية مع الله. إنّ مصطلح ’وَجْهًا لِوَجْهٍ‘ لا يعني حرفيًا ’وجهًا لوجه جسديًا،‘ ولكنه يحمل فكرة التواصل الحر مع الله دون عوائق. كان لموسى علاقة حميمة مع الله.
- جَمِيعِ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الَّتِي أَرْسَلَهُ الرَّبُّ لِيَعْمَلَهَا: كان موسى فريدًا في عدد ونوعية المعجزات التي صاحبته.
- كُلِّ الْيَدِ الشَّدِيدَةِ وَكُلِّ الْمَخَاوِفِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي صَنَعَهَا مُوسَى: كان موسى فريدًا في القوة والسلطان اللذين قاد بهما شعب إسرائيل.
٣. وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى: كان هناك حُكّام على إسرائيل أعظم من موسى، وقادة أعظم، وأنبياء أعظم، وكهنة أعظم. ولكن قبل مجيء يسوع المسيح، لم يكن هناك رجل واحد تولى جميع المناصب بمجد كما فعل موسى.
- “في موسى تركزت جميع أدوار إسرائيل العظيمة: النبي والحاكم والقاضي والكاهن. وإذا كان بعض الذين شغلوا هذه الأدوار عظماء، فإن موسى كان أعظمهم جميعًا.” تومسون (Thompson)