سفر التثنية – الإصحاح ٤
دعوة للطاعة
أولًا. موسى يتحدى الأمة في طاعة الرب
أ ) الآيات (١-٤): موسى يتحدى إسرائيل في التعلّم من مثال بعل فغور.
١فَالآنَ يَا إِسْرَائِيلُ اسْمَعِ الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ الَّتِي أَنَا أُعَلِّمُكُمْ لِتَعْمَلُوهَا، لِكَيْ تَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأَرْضَ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ يُعْطِيكُمْ. ٢لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ، لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا. ٣أَعْيُنُكُمْ قَدْ أَبْصَرَتْ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ بِبَعْلَ فَغُورَ. إِنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ وَرَاءَ بَعْلَ فَغُورَ أَبَادَهُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ وَسَطِكُمْ، ٤وَأَمَّا أَنْتُمُ الْمُلْتَصِقُونَ بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ فَجَمِيعُكُمْ أَحْيَاءٌ الْيَوْمَ.
- فَالآنَ يَا إِسْرَائِيلُ اسْمَعِ: كان موسى قد ذكّر إسرائيل بتمردهم المتكرر ضد الله في البرية (تثنية ١٩:١-٤٦). والآن، إذ كانوا مستعدين للدخول إلى أرض الموعد، أراد موسى أن يفكروا في احتياجهم إلى طاعة الرب في الحاضر وذلك في ضوء تمردات الماضي.
- إحدى استراتيجيات الشيطان الفعالة هي أن يجعلنا نتذكر ما يجب أن ننساه وأن ننسى ما يجب أن نتذكره. فإذا لم يتذكر شعب الله خطاياهم الماضية وتمردهم ضد الله، فمن السهل أن يكرروها ثانية، ويقعون في نفس الأنماط والفخاخ الخاطئة.
- لِكَيْ تَحْيَوْا: إذا نظرنا بالمعنى الأوسع، نجد أن الحياة الروحية والموت كانا يعتمدان على طاعة إسرائيل لله. ومع ذلك، فبالمعنى الأكثر مباشرة، الحياة الجسدية والموت أيضًا كانا يعتمدان على طاعتهما للرب. لقد كان شعب إسرائيل على وشك مهاجمة أمة قوية وطردهم من أرض الموعد – وإذا لم تكن بركة الرب عليهم، فسوف يقعون قريبًا في الكثير من المتاعب ويطردون من كنعان.
- خسارة إسرائيل العسكرية الأولى في أرض الموعد (يشوع ٧) جاءت على وجه التحديد لأنهم عصوا الله. خسروا المعركة، ومات في عَايَ ٣٦ رجلًا بسبب رجل واحد في إسرائيل (عَخَان) لم يسمع لقول الرب.
- لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ: إن هذا المبدأ هام جدًا فيما يتعلق بكلمة الله. فلا يجب أن نزيد على كلام الله (بمعنى جعل تقاليد وآراء الناس مساوية لشريعة الله)، ولا يجب أن نحذف منه (عن طريق التعليم أو تفسير المقاطع الكتابية بشكل خاطئ). وتتكرر هذه الفكرة نفسها في سفر الرؤيا ٢٢: ١٨-١٩.
- أَعْيُنُكُمْ قَدْ أَبْصَرَتْ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ بِبَعْلَ فَغُورَ: لقد أخطأ شعب إسرائيل في بَعْلَ فَغُور بارتكابهم الزنا الجنسي والروحي مع نساء موآب ومديان (سفر العدد ١:٢٥-٩). وأدت هذه الكارثة إلى موت الألاف تحت قضاء الله وحدث ذلك قبل أن يخاطب موسى الشعب بعدة أشهر.
- حذّر موسى أولئك الأَحْيَاء الْيَوْم، الذين ظلوا أمناء ولم يقعوا تحت دينونة الله في بَعْل فَغُور، بأنه يجب عليهم التمسك باستمرار بأمانتهم.
ب) الآيات (٥-٨): موسى يتكلم عن إسرائيل كأمة عظيمة، يقودها إله عظيم وناموسه الرائع.
٥اُنْظُرْ. قَدْ عَلَّمْتُكُمْ فَرَائِضَ وَأَحْكَامًا كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ إِلهِي، لِكَيْ تَعْمَلُوا هكَذَا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ دَاخِلُونَ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكُوهَا. ٦فَاحْفَظُوا وَاعْمَلُوا. لأَنَّ ذلِكَ حِكْمَتُكُمْ وَفِطْنَتُكُمْ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كُلَّ هذِهِ الْفَرَائِضِ، فَيَقُولُونَ: هذَا الشَّعْبُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ شَعْبٌ حَكِيمٌ وَفَطِنٌ. ٧لأَنَّهُ أَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ آلِهَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ كَالرَّبِّ إِلهِنَا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِنَا إِلَيْهِ؟ ٨وَأَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ عَادِلَةٌ مِثْلُ كُلِّ هذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَنَا وَاضِعٌ أَمَامَكُمُ الْيَوْمَ؟
- قَدْ عَلَّمْتُكُمْ فَرَائِضَ وَأَحْكَامًا: لقد كان تعليم بني إسرائيل شريعة الله وإظهار كيفية تطبيقها في حياتهم اليومية جزءًا أساسيًا من قيادة موسى. وكانت قدرتهم على الازدهار والبركة فِي الأَرْضِ التي كانوا على وشك دخولها لكي يمْتَلِكُوهَا تعتمد على طاعتهم لناموس الله.
- هذَا الشَّعْبُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ شَعْبٌ حَكِيمٌ وَفَطِنٌ: هذا ما سيقوله جيران إسرائيل عندما يرون الأمة تزدهر وتبارك من خلال طاعتها لشريعة الله. كان قصد الله أن يُعظم إسرائيل بين الأمم من خلال طاعتهم للعهد، وأن يجعلهم شهودًا، ولكي يدرك الغرباء، مثل ملكة سبأ التي زارت سليمان في ذروة مجده، كيف أن الرب إله إسرائيل هو حقًا الرب الإله (١ ملوك ١٠).
- لأَنَّهُ أَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ آلِهَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ: وفقًا للمعايير التقليدية، لم يكن إسرائيل شَعْب عَظِيم من حيث المساحة أو عدد السكان. ومع ذلك، من خلال طاعتهم للعهد، كانوا سيختبرون البركات التي وعد بها الله ويتجنبون اللعنات التي حذّر منها (لاويين ٢٦، تثنية ٢٧-٢٨). وهذا ما سيجعلهم شَعْب عَظِيم.
- السبب الآخر لكون إسرائيل شَّعْب عَظِيم هو أنهم قبلوا كلمة الله، شريعة الله (فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ عَادِلَةٌ مِثْلُ كُلِّ هذِهِ الشَّرِيعَةِ). لقد سلّم الله أقواله، كلمته – لإسرائيل (رومية ٣: ٢).
- لقد كانت هذه عطية الله، ليس فقط لإسرائيل، بل وللبشرية جمعاء. “أظهرت تقريبًا جميع الأمم على الأرض أنها قد تبنّت مفاهيمها عن اليهود، وذلك من خلال استعارتها الجزء الرئيسي من قوانينهم المدنية من نواميس اليهود. إذا حذفت ما استعارته آسيا وأوروبا، سواء القديمة أو الحديثة، من الشريعة الموسوية، فلن يتبقى إلا القليل الذي يمكن أن تطلق عليه أنه متميزًا.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٩-١٤): موسى يتحدى إسرائيل على التعلّم من المثال في جبل سيناء (حوريب).
٩«إِنَّمَا احْتَرِزْ وَاحفَظْ نَفْسَكَ جِدًّا لِئَلاَّ تَنْسَى الأُمُورَ الَّتِي أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ، وَلِئَلاَّ تَزُولَ مِنْ قَلْبِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَعَلِّمْهَا أَوْلاَدَكَ وَأَوْلاَدَ أَوْلاَدِكَ. ١٠فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَقَفْتَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ حِينَ قَالَ لِي الرَّبُّ: اجْمَعْ لِي الشَّعْبَ فَأُسْمِعَهُمْ كَلاَمِي، لِيَتَعَلَّمُوا أَنْ يَخَافُونِي كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي هُمْ فِيهَا أَحْيَاءٌ عَلَى الأَرْضِ، وَيُعَلِّمُوا أَوْلاَدَهُمْ. ١١فَتَقَدَّمْتُمْ وَوَقَفْتُمْ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَالْجَبَلُ يَضْطَرِمُ بِالنَّارِ إِلَى كَبِدِ السَّمَاءِ، بِظَلاَمٍ وَسَحَابٍ وَضَبَابٍ. ١٢فَكَلَّمَكُمُ الرَّبُّ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلاَمٍ، وَلكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً بَلْ صَوْتًا. ١٣وَأَخْبَرَكُمْ بِعَهْدِهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرِ، وَكَتَبَهُ عَلَى لَوْحَيْ حَجَرٍ. ١٤وَإِيَّايَ أَمَرَ الرَّبُّ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ فَرَائِضَ وَأَحْكَامًا لِكَيْ تَعْمَلُوهَا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا.
- إِنَّمَا احْتَرِزْ: حثّ موسى بني إسرائيل على أن يتذكروا ما رأوه واختبروه وتعلّموه في سنوات البرية. وقد يشير هذا إلى كلٍّ من المعجزات العظيمة التي أظهرها الله من خلال لطفه وعنايته، وإلى الأحكام التي نفذها ضد غير المؤمنين والمتذمرين بين شعب إسرائيل.
- الأُمُورَ الَّتِي أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ: ربط الله إيمان إسرائيل بقوة بالأحداث التاريخية – بالأحداث التي وقعت بالفعل في وقت ومكان محددين. لم يكن إيمان إسرائيل قائمًا على عقائد تأملية، أو أساطير، أو خرافات، أو فلسفات، بل كان قائمًا على أفعال الله التاريخية الملموسة.
- يستمر هذا النمط، بل ويتأكد في العهد الجديد. فالإيمان المسيحي لا يُبنى على عقائد لاهوتية نظرية، أو أساطير، أو خرافات، أو فلسفات، بل على أعمال يسوع المسيح الحقيقية والتاريخية، وخاصة فيما يتعلق بموته وقيامته (١ كورنثوس ١٥: ١٣-٢٠).
- وَعَلِّمْهَا أَوْلاَدَكَ وَأَوْلاَدَ أَوْلاَدِك: أوصى موسى إسرائيل قائلًا: احْتَرِز. ولكن لم يكن عليهم أن يفكروا في أنفسهم فقط، بل كان عليهم أيضًا أن يعلّموا أَوْلاَدَهم وَأَوْلاَدَ أَوْلاَدِهم.
- كان هدف هذا التدريب هو أن تتعلم الأجيال القادمة أن يَخَافُوا الرب كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي هُمْ فِيهَا أَحْيَاءٌ عَلَى الأَرْضِ. “إن ’مخافة الرب‘ هي أحد المفاهيم المركزية في العهد القديم، وهي تمثل التجاوب المناسب للإنسان نحو الله. إن مخافته هي هبة منحها الله للإنسان لتُمكّنه من مهابة شخص الله، وطاعة وصاياه، وكراهية الشر (إرميا ٣٢: ٤٠، عبرانيين ٥: ٧).” تومسون (Thompson)
- فِي الْيَوْمِ: كان عليهم أن يخبروا أولادهم بشكل خاص عن اختبارهم فِي حُورِيب (أي جبل سيناء) – وهو اختبار حدث قبل أحداث سفر التثنية بنحو ٣٨ عامًا، وقد اختبره معظم هؤلاء وهم أطفال، أو ربما لم يختبروه على الإطلاق (خروج ١٧:١٩–١:٢٠).
- ففي حُورِيب، سمع شعب إسرائيل الله وهو يتكلم (فَأُسْمِعَهُمْ كَلاَمِي). كان هذا جزءًا من التجربة التي كان عليهم أن ينقلوها إلى أبنائهم وأحفادهم.
- لَوْحَيْ حَجَرٍ: “من المرجح أن لوحي الحجر يمثّلان نسختين مكررتين، يحتوي كل منهما على الوصايا العشر. وتعكس هذه الممارسة العُرف المتمثّل في حصول كل طرف في العهد على نسخة من الوثيقة لسجلاته الخاصة وكمرجع في المستقبل.” ميريل (Merrill)
- وَأَخْبَرَكُمْ بِعَهْدِهِ: عند جبل سيناء، لم يتلق شعب إسرائيل وصايا من الله فحسب؛ بل قد دخلوا أيضًا في عهد معه (خروج ١:٢٤-٨). وتضمن هذا العهد وعودًا بالبركة لإسرائيل المطيعة ووعودًا بلعنة لإسرائيل العاصية (لاويين ٢٦).
- لقد طبق إسرائيل الشريعة خلال فترة وجودهم في البرية، ولكنها كانت مُخصّصة في النهاية ليعيشوا بموجبها في أَرْض كنعان.
- عَهْدِهِ: “هذا هو أول ظهور صريح في سفر التثنية لمصطلح بيريت (berit)، وهو المصطلح الأساسي للتعبير عن مفهوم العهد والعلاقة العهدية. يظهر هذا المصطلح أكثر من ثلاثمائة مرة في العهد القديم، بما في ذلك حوالي ثمانية وعشرين مرة في سفر التثنية، ويمكن أن ينطبق بشكل عام على كافة أنواع العهود – مشروطة أو غير مشروطة، ثنائية أو أحادية الجانب، منحة ملكية، أو دولة مهيمنة مع طرف تابع – أو مجرد عنصر من عناصر العهد، كما هي الحالة هنا.” ميريل (Merrill)
د ) الآيات (١٥-٢٠): اختبار إسرائيل على جبل سيناء كان تحذيرًا ضد عبادة الأوثان.
١٥«فَاحْتَفِظُوا جِدًّا لأَنْفُسِكُمْ. فَإِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً مَّا يَوْمَ كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ فِي حُورِيبَ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. ١٦لِئَلاَّ تَفْسُدُوا وَتَعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، صُورَةَ مِثَال مَّا، شِبْهَ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، ١٧شِبْهَ بَهِيمَةٍ مَّا مِمَّا عَلَى الأَرْضِ، شِبْهَ طَيْرٍ مَّا ذِي جَنَاحٍ مِمَّا يَطِيرُ فِي السَّمَاءِ، ١٨شِبْهَ دَبِيبٍ مَّا عَلَى الأَرْضِ، شِبْهَ سَمَكٍ مَّا مِمَّا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. ١٩وَلِئَلاَّ تَرْفَعَ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَنْظُرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، كُلَّ جُنْدِ السَّمَاءِ الَّتِي قَسَمَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ، فَتَغْتَرَّ وَتَسْجُدَ لَهَا وَتَعْبُدَهَا. ٢٠وَأَنْتُمْ قَدْ أَخَذَكُمُ الرَّبُّ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ كُورِ الْحَدِيدِ مِنْ مِصْرَ، لِكَيْ تَكُونُوا لَهُ شَعْبَ مِيرَاثٍ كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ.
- فَإِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً مَّا يَوْمَ كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ: في حوريب، كان لا بد من إطاعة الوصايا. ولأنهم لم يروا أي صورة لله، وبالتالي، أوصى الله ألا يصنعوا صورة تمثّله أبدًا.
- “مهما كان اختيار الله للظهور، فقد تجنب اتخاذ أي شكل يمكن وصفه. لم يعطهم صورة ليعبدوها، لأن اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا.” كلارك (Clarke)
- لقد منع الله إسرائيل من عبادة أي صورة أو تمثال شِبْهَ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. فبينما خُلِق الإنسان على صورة الله، فهو ليس إلهًا. فالله وحده هو الذي يستحق العبادة والسجود، وليس أي رجل أو امرأة، سواء كان لشخصه أو لصورته.
- لقد منع الله إسرائيل من أن يعبدوا خليقته. فلا توجد أي بَهِيمَةٍ أو طَيْرٍ أو الشَّمْسَ أوَ الْقَمَرَ أوَ النُّجُومَ يصلح لعبادتنا. وهذه هي عبادة الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالقِ (رومية ١: ٢٥).
- وَأَنْتُمْ قَدْ أَخَذَكُمُ الرَّبُّ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ كُورِ الْحَدِيدِ: لأن الله قد خلص إسرائيل، فقد طالبهم بالولاء والإخلاص. فهو لا يخلص شعبه كي يعيشوا وفقًا لرغباتهم، بل كي يعيشوا بطريقة ترضيه. إن البشرية كلها مدعوة إلى تكريم الله وطاعته باعتباره الخالق؛ وشعب الله لديه مسؤولية إضافية تتمثل في تكريمه وطاعته باعتباره مخلصهم، الذي أخرجهم مِنْ كُورِ الْحَدِيدِ.
- “إن إخراج إسرائيل من مصر كان يشبه إنقاذهم من فرن لصهر الحديد – فالعبودية الثقيلة في مصر، مع الصعوبات والتوترات المصاحبة لها، تشبه النار الأكثر سخونة المعروفة آنذاك.” كالاند (Kalland)
- “إن قدرة الرب على إذلال تلك الإمبراطورية العظيمة بإنقاذ هؤلاء العبيد العاجزين من قبضتها كان بمثابة شهادة على قدرته التي لا تُضاهى.” ميريل (Merrill)
هـ) الآيات (٢١-٢٤): موسى يتحدى إسرائيل في التعلّم من مثال فشله.
٢١وَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ، وَأَقْسَمَ إِنِّي لاَ أَعْبُرُ الأُرْدُنَّ وَلاَ أَدْخُلُ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ نَصِيبًا. ٢٢فَأَمُوتُ أَنَا فِي هذِهِ الأَرْضِ، لاَ أَعْبُرُ الأُرْدُنَّ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْبُرُونَ وَتَمْتَلِكُونَ تِلْكَ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ. ٢٣اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَنْسَوْا عَهْدَ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَكُمْ، وَتَصْنَعُوا لأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، صُورَةَ كُلِّ مَا نَهَاكَ عَنْهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. ٢٤لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ، إِلهٌ غَيُورٌ.
- وَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ: لقد أدّب الله موسى من أجل إسرائيل، ولم يسمح له بالدخول إلى أرض الموعد. كان على الشعب أن يرى أنه لا يوجد أحد، ولا حتى موسى، فوق ناموس الله. وكان عليهم أيضًا أن يفهموا أنه كان من الأفضل حقًا أن يقودهم يشوع إلى أرض الموعد بدلًا من موسى.
- فَأَمُوتُ أَنَا فِي هذِهِ الأَرْضِ… وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْبُرُونَ وَتَمْتَلِكُونَ تِلْكَ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ: لقد اعترف موسى بتواضع بخطيته وفشله أمام بني إسرائيل في مريبة (سفر العدد ٢:٢٠-١٣). كما أدرك موسى أن بني إسرائيل سوف ينجحون في الاستيلاء على كنعان بدونه. وسوف يستمر عمل الله بين بني إسرائيل بعد وفاة موسى، وسيقيم يشوع ليقود بني إسرائيل في امتلاك تلك الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ.
- أدرك موسى أنه يمكن استبداله. فخدام الله يأتون ويرحلون، لكن عمل الله مستمر. إذا توقف العمل بموت الخادم، فقد يكون من المنطقي أن نتساءل إن كانت تلك الخدمة من الله حقًا أم لا.
- اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَنْسَوْا عَهْدَ الرَّبِّ إِلهِكُم: إن نجاح إسرائيل في امتلاك الأرض لم يعتمد في المقام الأول على مهارة يشوع كقائد (على الرغم من أن الله استخدم حكمة يشوع ومهارته كقائد). لقد كان الأمر يعتمد أكثر على أمانة إسرائيل للعهد الذي قطعوه مع الله ورفضهم لعبادة الأوثان (تِمْثَالًا مَنْحُوتًا).
- لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَة: إن فكرة موسى كانت بسيطة؛ “إن كان الله لم ينقذني عندما أخطأت إليه، فلا تظنوا أنه سيشفق عليكم إذا عبدتم آلهة أخرى. فالله نَارٌ آكِلَة، وعلينا أن نأخذه ونأخذ طاعته على محمل الجد.” ونفس الفكرة يتردد صداها في الرسالة إلى العبرانيين ١٢: ٢٩.
- إِلهٌ غَيُورٌ: “إن كلمة غيور (كانا – qanna) لا تحمل نفس المعنى الذي تحمله الكلمة الإنجليزية. بل إنها تعكس بدلًا من ذلك الغيرة المشتعلة للبر المستمدة من قداسة الله. ولهذا السبب، لم يكن الرب ليتسامح مع ولاء إسرائيل لأي إله آخر.” تومسون (Thompson)
ثانيًا. موسى يحذر الأمة من خطورة العصيان
أ ) الآيات (٢٥-٢٨): السبي بين الأمم هو ثمن عبادة آلهة أخرى.
٢٥«إِذَا وَلَدْتُمْ أَوْلاَدًا وَأَوْلاَدَ أوْلادٍ، وَأَطَلْتُمُ الزَّمَانَ فِي الأَرْضِ، وَفَسَدْتُمْ وَصَنَعْتُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا صُورَةَ شَيْءٍ مَّا، وَفَعَلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ لإِغَاظَتِهِ، ٢٦أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ أَنَّكُمْ تَبِيدُونَ سَرِيعًا عَنِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. لاَ تُطِيلُونَ الأَيَّامَ عَلَيْهَا، بَلْ تَهْلِكُونَ لاَ مَحَالَةَ. ٢٧وَيُبَدِّدُكُمُ الرَّبُّ فِي الشُّعُوبِ، فَتَبْقَوْنَ عَدَدًا قَلِيلًا بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي يَسُوقُكُمُ الرَّبُّ إِلَيْهَا. ٢٨وَتَصْنَعُونَ هُنَاكَ آلِهَةً صَنْعَةَ أَيْدِي النَّاسِ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ مِمَّا لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشُمُّ.
- أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ: تأمل موسى في حال إسرائيل بعد أن أمضوا أجيالًا عديدة في الأرض، وقد قضوا كل هذا الزَّمَانَ فِي الأَرْضِ. فإن فَسَدْوا وتحولوا إلى عبادة تمثال منحوت أو صنم، فإن الخليقة نفسها سوف تشْهِدُ عَلَيْهمُ. وسوف تؤدي أفعالهم إلى إغَاظَتِهِ الله، وسيَبِيدُونَ وسيَهْلِكُونَ في الأرض التي وعدهم الله أن يعطيهم إياها.
- وَيُبَدِّدُكُمُ الرَّبُّ فِي الشُّعُوبِ: لقد أعطى الله إسرائيل أرض الموعد، ولكن بشروط. ولو استمروا وأصروا على عبادة الأوثان، فسوف يخرجهم الله من الأرض ويشتتهم في الأمم.
- وهذا هو بالضبط ما حدث بعد حوالي ٥٥٠ سنة، في زمن السبي البابلي ليهوذا. ومع ذلك، فإن دينونة الله – المعلنة في تشتيت إسرائيل بين الأمم – لن تدوم إلى الأبد. سيعيدهم الله إلى الأرض كشهادة على وعده الدائم لإسرائيل (إرميا ٣١: ٣٤-٣٧).
- وَتَصْنَعُونَ هُنَاكَ آلِهَةً صَنْعَةَ أَيْدِي النَّاسِ… مِمَّا لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشُمُّ: إذا تم سبي إسرائيل، فهذا يعني أنهم قد تشبعوا بالأصنام. لذلك كان الله سيضعهم في أرض مملوءة بالأصنام.
ب) الآيات (٢٩-٣١): رحمة الله على إسرائيل المسبية.
٢٩ثُمَّ إِنْ طَلَبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ إِذَا الْتَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ. ٣٠عِنْدَمَا ضُيِّقَ عَلَيْكَ وَأَصَابَتْكَ كُلُّ هذِهِ الأُمُورِ فِي آخِرِ الأَيَّامِ، تَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ وَتَسْمَعُ لِقَوْلِهِ، ٣١لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ رَحِيمٌ، لاَ يَتْرُكُكَ وَلاَ يُهْلِكُكَ وَلاَ يَنْسَى عَهْدَ آبَائِكَ الَّذِي أَقْسَمَ لَهُمْ عَلَيْهِ.
- إِنْ طَلَبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ: لم يكن الله ليتخلى تمامًا عن إسرائيل في السبي. فعندما كانوا مستعدين للرجوع إليه، كان هو مستعدًا لاستقبالهم.
- “حتى في حالة السبي، لا يزال من الممكن للشعب أن يطلب الله وأن يجده. إن السمة المميزة لعهد يهوه مع إسرائيل، على عكس المعاهدات العالمية، هي أن المتمرد يمكن أن يرجع (يتوب) إلى يهوه، ويغفر له، وتُتاح له الفرصة لبدء حياة طاعة جديدة.” تومسون (Thompson)
- إِذَا الْتَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ: ومع ذلك، إذا أرادوا أن يجدوا الرب، كان عليهم أن يطلبوه بِكُلِّ قلوبهم وبِكُلِّ نفوسهم.
- في هذا السياق، يحمل التماس الله بالقَلْبِ فكرة طلبهِ بشغف، والبحث عنه من منطلق الالتزام الحقيقي والتفاني له. أما التماس الله بالنَفْس فيحمل فكرة طلب الرب بأذهاننا وإرادتنا وعواطفنا، وتقديم كل كياننا له.
- تَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ وَتَسْمَعُ لِقَوْلِهِ: إن الرجوع الحقيقي إلى الله من شأنه أن يقود إسرائيل إلى طاعة صوته. وكذلك فإن طلب الله بصدق من شأنه أن يقود أي رجل أو امرأة إلى طاعة الله. فإن رجع إسرائيل إلى الله في طاعة، فقد وعد الله بأن يتذكر عهده معهم ويردّهم إليه.
- “يشجّع الرب هنا الخطاة، ويحثهم على الرجوع إليه ليختبروا نعمته الوفيرة. حتى أولئك الذين خالفوا وصاياه الواضحة، وسقطوا في عبادة الأصنام، ونجّسوا أنفسهم – وعانوا من الأسر ومن عواقب متنوعة – يدعوهم الرب أن يتخلّوا عن طرقهم الشريرة ليطلبوا وجهه.” سبيرجن (Spurgeon)
- لاحظ سبيرجن أن هذه الآيات تقدم:
- وقتًا محددًا (الحاضر، مِنْ هُنَاكَ).
- طريقًا واضحًا (الْتَمَسْتَهُ، وهو وحده).
- تشجيعًا قويًا (لاَ يَتْرُكُكَ)
ج) الآيات (٣٢-٤٠): إدراك معنى خدمة الله.
٣٢«فَاسْأَلْ عَنِ الأَيَّامِ الأُولَى الَّتِي كَانَتْ قَبْلَكَ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي خَلَقَ اللهُ فِيهِ الإِنْسَانَ عَلَى الأَرْضِ، وَمِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاءِ إِلَى أَقْصَائِهَا. هَلْ جَرَى مِثْلُ هذَا الأَمْرِ الْعَظِيمِ، أَوْ هَلْ سُمِعَ نَظِيرُهُ؟ ٣٣هَلْ سَمِعَ شَعْبٌ صَوْتَ اللهِ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ كَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ، وَعَاشَ؟ ٣٤أَوْ هَلْ شَرَعَ اللهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا مِنْ وَسَطِ شَعْبٍ، بِتَجَارِبَ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَحَرْبٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ رَفِيعَةٍ وَمَخَاوِفَ عَظِيمَةٍ، مِثْلَ كُلِّ مَا فَعَلَ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ فِي مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ؟ ٣٥إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ. لَيْسَ آخَرَ سِوَاهُ. ٣٦مِنَ السَّمَاءِ أَسْمَعَكَ صَوْتَهُ لِيُنْذِرَكَ، وَعَلَى الأَرْضِ أَرَاكَ نَارَهُ الْعَظِيمَةَ، وَسَمِعْتَ كَلاَمَهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. ٣٧وَلأَجْلِ أَنَّهُ أَحَبَّ آبَاءَكَ وَاخْتَارَ نَسْلَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، أَخْرَجَكَ بِحَضْرَتِهِ بِقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ مِنْ مِصْرَ، ٣٨لِكَيْ يَطْرُدَ مِنْ أَمَامِكَ شُعُوبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ، وَيَأْتِيَ بِكَ وَيُعْطِيَكَ أَرْضَهُمْ نَصِيبًا كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ. ٣٩فَاعْلَمِ الْيَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلْبِكَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ. ٤٠وَاحْفَظْ فَرَائِضَهُ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ لِكَيْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَإِلَى أَوْلاَدِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَلِكَيْ تُطِيلَ أَيَّامَكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ إِلَى الأَبَدِ».
- فَاسْأَلْ: لقد طلب موسى من إسرائيل أن يتأملوا في الأَيَّامِ الأُولَى، وإذا كان الله قد تعامل مع أي أمة أخرى بنفس الطريقة التي تعامل بها مع إسرائيل! كان شعب إسرائيل بحاجة لأن يتذكروا أن لهم مكانة خاصة في خطة الله. كان بني إسرائيل شعبًا مباركًا بشكل فريد، ولهم دور فريد في خطة الله المتكشفة.
- إن إسرائيل هو حقًا شعب مختار، ولكن لم يتم اختياره خصيصًا للخلاص. يوحنا المعمدان كان قد حذّر اليهود بحق من أن كونهم من نسل إبراهيم لا يضمن لهم الخلاص (متى ٣: ٩). لقد تم اختيار أمة إسرائيل لتقوم بدور خاص في خطة الله التي أُظهرت عبر العصور، وهو استقبال وحي الله والحفاظ عليه في الكتب العبرية، وأن تكون نور الله للأمم، ولاستقبال بركات فريدة من الله، (والأهم من ذلك) وأن تكون الشعب الذي سيخرج منه مسيح الرب، مخلص العالم.
- إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ: عرف شعب إسرائيل أن الرب هو الله بسبب كل العجائب التي صنعها معهم. وقد شملت هذه الأمور على سماع صَوْتَ اللهِ، وتَجَارِبَ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَحَرْبٍ وَيَدٍ شَدِيدَة (أي يد الله القوية). وقد أُعطيت كل هذه الأمور لتشهد لإسرائيل أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ.
- علّق كلارك (Clarke) على الآية ٣٤ قائلًا: “في هذه الآية يعدّد موسى سبع وسائل مختلفة استخدمها الله لتحرير إسرائيل.”
- الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ: كانت هذه الكلمات رد فعل منطقيًا وعقلانيًا لما سمعه إسرائيل، وما رأه، وما اختبره.
- “قد يكون لدى أمم الأرض أساطيرها وحكاياتها الملحمية عن تدخل آلهتها نيابة عن أسلافهم أو حتى عن أنفسهم، ولكن لا يمكن مقارنة أي منها بواقع إنقاذ الله لحشد من العبيد غير المنظمين واليائسين وعديمي الخبرة العسكرية من قبضة أقوى إمبراطورية على وجه الأرض.” ميريل (Merrill)
- فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ هي طريقة أخرى للتعبير عن حضور الله في كل مكان. وكما قال تراب (Trapp): “أين يوجد الله؟ أو بالأحرى، أين لا يوجد الله؟ إنه أعلى من السماء، وأعمق من الجحيم، وأوسع من البحر، وأطول من الأرض… إنه ليس في مكان، ومع ذلك فهو في كل مكان؛ بعيدًا عن أي مكان، ومع ذلك فهو غير محصور في أي مكان.”
- وَاحْفَظْ فَرَائِضَهُ وَوَصَايَاهُ: وفي ضوء هوية الله، وكل ما فعله لإسرائيل، فإن طاعة وصاياه أصبحت أمر منطقي تمامًا. لقد كان هذا ببساطة ما ينبغي القيام به. سنكون حمقى عندما نعصي إله المحبة والقوة.
- الرب يقدم دعوة للإنسان: هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبّ (إشعياء ١: ١٨). وعندما نفكر في البدائل، فإن خدمة وعبادة الله هي الخيار الوحيد. كثيرًا ما نعتقد أنه من الصعب علينا خدمة الرب، ولكننا سنكون في وضع أسوأ بكثير بدون الرب. لقد قيل مرة: “الديمقراطية هي أسوأ صور الحكم على الإطلاق، باستثناء جميع صور الحكم الأخرى.” ويمكننا أيضًا أن نقول: “إن خدمة الله هي أصعب طريقة للحياة، باستثناء كل الطرق الأخرى.”
د ) الآيات (٤١-٤٣): موسى يفرز مدن الملجأ في الأرض الواقعة شرق نهر الأردن.
٤١حِينَئِذٍ أَفْرَزَ مُوسَى ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ الشَّمْسِ ٤٢لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ الَّذِي يَقْتُلُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ. يَهْرُبُ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدُنِ فَيَحْيَا. ٤٣بَاصِرَ فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ السَّهْلِ لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ، وَرَامُوتَ فِي جِلْعَادَ لِلْجَادِيِّينَ، وَجُولاَنَ فِي بَاشَانَ لِلْمَنَسِّيِّينَ.
- حِينَئِذٍ أَفْرَزَ مُوسَى ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ: وكان هذا جزءًا من الاستعداد الأساسي لدخول أرض الموعد. فقد أمر الله أن تُجهز ثلاث مدن للملجأ في كل جانب من نهر الأردن (سفر العدد ٣٥: ١٤)، وهنا تم تعيين المدن الثلاث التي تقع في شرق الأردن.
- هذه الآيات هي بمثابة ملحق أو إضافة في نهاية الرسالة الأولى التي ألقاها موسى على بني إسرائيل في سهول موآب. وهي تشكّل خاتمة القسم الأول من ثلاثة أقسام في سفر التثنية.
- ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ: لم يتمكن موسى من تعيين جميع مدن الملجأ الست بسبب أنهم لم يأخذوا الأرض الواقعة على الجانب الغربي من نهر الأردن بعد. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه لم يستطع إطاعة كل وصايا الله بتعيين ست مدن ملجأ، إلا أنه فعل ما بوسعه – وعين الثلاث مدن بشرق الأردن.
- “ولذلك دعونا نتعلم أنه حتى عندما لا نستطيع أن ننفذ بالكامل ما أمرنا الله أن نفعله في الحال، فلا يجب أن نكون كسولين بأي حال من الأحوال. لأنه لا شيء يقف في طريقنا إلا الكسل المطلق، ما لم نبدأ بسرعة في تتميم وصية الله، وما يريد أن يكمله.” كالفين (Calvin)
هـ) الآيات (٤٤-٤٩): مقدمة عظة موسى الثانية لبني إسرائيل.
٤٤وَهذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي وَضَعَهَا مُوسَى أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٤٥هذِهِ هِيَ الشَّهَادَاتُ وَالْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي كَلَّمَ بِهَا مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ ٤٦فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ فِي الْجِوَاءِ مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ، فِي أَرْضِ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ سَاكِنًا فِي حَشْبُونَ، الَّذِي ضَرَبَهُ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ ٤٧وَامْتَلَكُوا أَرْضَهُ وَأَرْضَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ، مَلِكَيِ الأَمُورِيِّينَ، اللَّذَيْنِ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ الشَّمْسِ. ٤٨مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَةِ وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جَبَلِ سِيئُونَ الَّذِي هُوَ حَرْمُونُ ٤٩وَكُلَّ الْعَرَبَةِ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ نَحْوَ الشُّرُوقِ إِلَى بَحْرِ الْعَرَبَةِ تَحْتَ سُفُوحِ الْفِسْجَةِ.
- وَهذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي وَضَعَهَا مُوسَى أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: يبدأ هذا القسم الرئيسي الثاني من سفر التثنية، وهو بداية العظة الثانية التي ألقاها موسى على بني إسرائيل. وهي أطول العظات الثلاث في سفر التثنية، وتستمر حتى نهاية الإصحاح السادس والعشرين.
- مع وقوف إسرائيل على عتبة أرض الموعد، كانوا بحاجة إلى أن يتعلموا مرة أخرى الشريعة التي أعطاهم إياها الله قبل نحو ٣٨ عامًا على جبل سيناء. وبينما كان إسرائيل يخيم في سهول موآب، أعلن موسى شريعة الله وشرحها للجيل الجديد قبل أن يموت ويصبح يشوع هو القائد الجديد لإسرائيل.
- فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ: إن كان شعب إسرائيل سيأخذ أرض الموعد، فكانوا بحاجة إلى التدريب على كلمة الله. فهم لن يأخذوا الأرض على أساس مبدأ روحي كمبدأ “اخدم نفسك بنفسك،” بل فقط على أساس طاعة كلمة الله الأبدية. وينطبق الشيء نفسه على المؤمنين اليوم الذين لن يختبروا أبدًا الحياة الأفضل التي يمنحها الله بمعزل عن كلمته.
- جَبَلِ سِيئُون: “الاسم البديل لجبل حرمون هو سِيئُون، وهو على الأرجح نفس اسم سِرْيُون المذكور في تثنية ٣: ٩ ومزمور ٢٩: ٦، وهو غير معروف بأي شكل آخر.” تومسون (Thompson)