هوشع – الإصحاح ١٠
إِسْرَائِيل بِلاَ مَلِك
أولًا. تحليل حالة إسرائيل الخاطئة
أ ) الآيات (١-٢): إسرائيل كَرْمَةٍ بلا ثمر.
١إِسْرَائِيلُ جَفْنَةٌ مُمْتَدَّةٌ. يُخْرِجُ ثَمَرًا لِنَفْسِهِ. عَلَى حَسَبِ كَثْرَةِ ثَمَرِهِ قَدْ كَثَّرَ الْمَذَابحَ. عَلَى حَسَبِ جُودَةِ أَرْضِهِ أَجَادَ الأَنْصَابَ. ٢قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ. هُوَ يُحَطِّمُ مَذَابِحَهُمْ، يُخْرِبُ أَنْصَابَهُمْ.
١. يُخْرِجُ ثَمَرًا لِنَفْسِهِ: بارك الله إسرائيل بوفرة مادية، لكنهم استخدموها لأنفسهم ولشهواتهم لعبادة الأوثان (كَثَّروا الْمَذَابحَ). لقد تمتع إسرائيل ببركات الله، إلا أنهم استخدموها في طرق لا ترضي الله.
• يُقدّم بولس تحذيرًا من نفس الخطية في رسالة غلاطية ٥: ١٣”فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ.” قد نسيء أحيانًا استخدام الحرية والبركات التي يمنحها الله لنا كمؤمنين، بطرق لا تمجده.
٢. قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ: لأن إسرائيل قد نال البركة، فقد أصبح الآن مسئولًا بشكل أكبر ليستخدمها بحكمة. ولكن لأنهم أفسدوا عطايا الرب الوفيرة في طرقهم الشريرة، لذلك سيُحَطِّمُ الرب مَذَابِحَهُمْ الوثنية ويُخْرِبُ أَنْصَابَهُمْ التي أقاموها للأصنام.
• قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ: كلمة قَسَمُوا في اللغة العبرية (halaq) تعني “مُنْقَسِم” (تكوين ١٤: ١٥؛ ٤٩: ٧)، لكنها تحمل أيضًا معنى ’ناعم‘ (تكوين ٢٧: ١١، مزمور ٥٥: ٢١)، أو مُتَملِّق (مزمور ٥: ٩، ٣٦: ٢). لذا، فبينما يُمكن ترجمة العبارة إلى ’قلبهم منقسم،‘ إلا أنها قد تعني أيضًا أن قلب أفرايم ’ناعم، مُتَملِّق،‘ وغير صادق.
• تنعكس فكرة قلب إسرائيل “الناعم” أو “غير الصادق” في خيانات جومر، زوجة هوشع كما ورد في بداية السِفر. فكما تدّعي الزوجة الخائنة المحبة لرفيقها بينما هي تعيش في كذب، هكذا كان قلب إسرائيل تجاه الله.
• كان لإسرائيل قلب منقسم وغير صادق، وقد عبّر عنه على مذابح عبادة الأوثان. والآن، هُوَ سيُحَطِّمُ مَذَابِحَهُمْ. “سيفعل الله الآن في دينونته ما كان ينبغي أن يفعلوه هم في توبتهم وندمهم – ’يُحَطِّمُ مَذَابِحَهُمْ، يُخْرِبُ أَنْصَابَهُمْ.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٣-٨): عرش إسرائيل الفارغ.
٣إِنَّهُمُ الآنَ يَقُولُونَ: «لاَ مَلِكَ لَنَا لأَنَّنَا لاَ نَخَافُ الرَّبَّ، فَالْمَلِكُ مَاذَا يَصْنَعُ بِنَا؟». ٤يَتَكَلَّمُونَ كَلاَمًا بِأَقْسَامٍ بَاطِلَةٍ. يَقْطَعُونَ عَهْدًا فَيَنْبُتُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ كَالْعَلْقَمِ فِي أَتْلاَمِ الْحَقْلِ. ٥عَلَى عُجُولِ بَيْتِ آوَنَ يَخَافُ سُكَّانُ السَّامِرَةِ. إِنَّ شَعْبَهُ يَنُوحُ عَلَيْهِ، وَكَهَنَتَهُ عَلَيْهِ يَرْتَعِدُونَ عَلَى مَجْدِهِ، لأَنَّهُ انْتَفَى عَنْهُ. ٦وَهُوَ أَيْضًا يُجْلَبُ إِلَى أَشُّورَ هَدِيَّةً لِمَلِكٍ عَدُوٍّ. يَأْخُذُ أَفْرَايِمُ خِزْيًا، وَيَخْجَلُ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْيِهِ. ٧اَلسَّامِرَةُ مَلِكُهَا يَبِيدُ كَغُثَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، ٨وَتُخْرَبُ شَوَامِخُ آوَنَ، خَطِيَّةُ إِسْرَائِيلَ. يَطْلُعُ الشَّوْكُ وَالْحَسَكُ عَلَى مَذَابِحِهِمْ، وَيَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: غَطِّينَا، وَلِلتِّلاَلِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا.
١. لاَ مَلِكَ لَنَا: تحت قضاء الرب ودينونته، سيطرت قوى أجنبية على إسرائيل، فلم يعد لها ملك خاص بها. وحتى الأصنام التي كانوا يكرّمونها ويثقون بها بشدة، ستُسلب كغنيمة للملوك الأجانب.
٢. يَطْلُعُ الشَّوْكُ وَالْحَسَكُ عَلَى مَذَابِحِهِمْ: بعد خراب السبي، أصبحت المذابح الوثنية التي كانت تعج بالحركة مغطاة بالشَّوْك وَالْحَسَك. وهذه كانت نتيجة رفض إسرائيل للرب وتمسكه بآلهة الأمم.
ثانيًا. مشورة الله لإسرائيل الخاطئ
أ ) الآيات (٩-١١): الله يدعو إسرائيل أن يرى خطيته ويخضع لتأديبه.
٩«مِنْ أَيَّامِ جِبْعَةَ أَخْطَأْتَ يَا إِسْرَائِيلُ. هُنَاكَ وَقَفُوا. لَمْ تُدْرِكْهُمْ فِي جِبْعَةَ الْحَرْبُ عَلَى بَنِي الإِثْمِ. ١٠حِينَمَا أُرِيدُ أُؤَدِّبُهُمْ، وَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِمْ شُعُوبٌ فِي ارْتِبَاطِهِمْ بِإِثْمَيْهِمْ. ١١وَأَفْرَايِمُ عِجْلَةٌ مُتَمَرِّنَةٌ تُحِبُّ الدِّرَاسَ، وَلكِنِّي أَجْتَازُ عَلَى عُنُقِهَا الْحَسَنِ. أُرْكِبُ عَلَى أَفْرَايِمَ. يَفْلَحُ يَهُوذَا. يُمَهِّدُ يَعْقُوبُ.
١. مِنْ أَيَّامِ جِبْعَةَ أَخْطَأْتَ يَا إِسْرَائِيل: جِبْعَةَ، التي تم ذِكرها سابقًا في هوشع ٩: ٩، تشير إلى الخطية المروّعة الواردة في سفر القضاة ١٩. فرغم أنه قد جرت فِي جِبْعَةَ حَرْبُ عَلَى بَنِي الإِثْمِ، إلا أن الإثم استمر في إسرائيل. هنا، أراد الله من إسرائيل، الذي اختار أن يغمِض عينيه عن الحق عمدًا، أن يُبصر خطيته ويتوب عنها.
٢. حِينَمَا أُرِيدُ أُؤَدِّبُهُمْ: مثل حيوانات الحقل الجامحة، سيُخضع الله إسرائيل ويعقوب ويرشدهما، حتى وإن تمرّدوا وركلوا مقاومةً له.
ب) الآية (١٢): الله يدعو إسرائيل أن يَحْرُثُ قلبه القاسي.
١٢«اِزْرَعُوا لأَنْفُسِكُمْ بِالْبِرِّ. احْصُدُوا بِحَسَبِ الصَّلاَحِ. احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا، فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ الرَّبِّ حَتَّى يَأْتِيَ وَيُعَلِّمَكُمُ الْبِرَّ.
١. اِزْرَعُوا لأَنْفُسِكُمْ بِالْبِرِّ. احْصُدُوا بِحَسَبِ الصَّلاَحِ: لقد زرع شعب إسرائيل بذار الخطيّة وسرعان ما سيحصدون دينونة من الله. ومع ذلك، حتى الآن، إن اختاروا أن يزرعوا البرّ، فسيحْصُدُون بِحَسَبِ الصَّلاَحِ في موسم الحصاد القادم.
• كلنا نزرع في حياتنا، ولكن هل نزْرَع بذار الْبِرِّ؟ أي نوع من “المحصول” سينمو من البذار التي زرعناها اليوم، أو الأسبوع الماضي، أو خلال الشهر الماضي؟
٢. احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا: يبني الله على صورة الزرع والحصاد حين يقول لإسرائيل “احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا” – أي احرثوا الأرض التي لم تُحرث منذ أكثر من عام. هذه أرض قاسية وعنيدة، تقاوم البذار. فلا جدوى تُرجى من زرع البذار في أرض بور؛ إذ يجب حْرُثها أولًا.
• في بعض الأحيان، عندما تُعلَن كلمة الله ويبدو وكأن تأثيرها ضئيل، فذلك لأنها تقع على أرض بُور تحتاج لحْرُث – أي على تربة قاسية صلبة لن تسمح لبذار الكلمة بأن تخترقها وتأتي بثمر.
• نظرًا لأن الأرض البور التي تحتاج لحْرُث هي أرض قاسية، فهي على الأرجح “لا ترغب” في أن تُكسر. فهي صلبة ومتماسكة، ونصل المحراث يؤلمها حين يشقها. ولو كانت هذه الأرض قادرة على الكلام، لصرخت أثناء حرثها. ومع ذلك، تبقى بلا فائدة ما دامت بورًا ولم تُحرَث.
• تذكّرنا عبارة ’فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ الرَّبِّ‘ بكيفية حراثة الأرض البور وتلينها. نحن نفعل ذلك من خلال طلب الرب، وليس طلب أنفسنا أو أصنامنا.
• توضح عبارة ’فَإِنَّهُ وَقْتٌ‘ أن الوقت المناسب لحرث الأرض البور هو الآن. “يجب القيام بذلك فورًا. فالموسم يوشك أن ينقضي. وإذا لم تُزرع البذار في الأرض، فإن المطر المُبكّر سيمر، وسيبقى حقلك بلا ثمر.” كلارك (Clarke)
٣. حَتَّى يَأْتِيَ وَيُعَلِّمَكُمُ الْبِرَّ: تُخبرنا هذه العبارة إلى متى ينبغي أن نستمر في حرث الأرض البور وزرع بذار البرّ. علينا أن نفعل ذلك إلى أن يأتي وقت الحصاد.
• إن استخدام الله لصور الزرع والحصاد يُذكرنا بأن الحصاد قد يكون بعد موسم واحد. أحيانًا يتوقّع البعض أن يزرعوا الخطية لسنوات ثم يحْصُدُوا بِحَسَبِ الصَّلاَحِ فورًا بعد يوم واحد من زراعة الْبِرّ. استمر في زرع البرّ وفي الوقت المناسب ستحْصُدُ بِحَسَبِ الصَّلاَحِ.
ج) الآيات (١٣-١٥): الله يُعلن لإسرائيل النتيجة الرهيبة لمقاومته.
١٣قَدْ حَرَثْتُمُ النِّفَاقَ، حَصَدْتُمُ الإِثْمَ، أَكَلْتُمْ ثَمَرَ الْكَذِبِ. لأَنَّكَ وَثَقْتَ بِطَرِيقِكَ، بِكَثْرَةِ أَبْطَالِكَ. ١٤يَقُومُ ضَجِيجٌ فِي شُعُوبِكَ، وَتُخْرَبُ جَمِيعُ حُصُونِكَ كَإِخْرَابِ شَلْمَانَ بَيْتَ أَرَبْئِيلَ فِي يَوْمِ الْحَرْبِ. اَلأُمُّ مَعَ الأَوْلاَدِ حُطِّمَتْ. ١٥هكَذَا تَصْنَعُ بِكُمْ بَيْتُ إِيلَ مِنْ أَجْلِ رَدَاءَةِ شَرِّكُمْ. فِي الصُّبْحِ يَهْلِكُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ هَلاَكًا.
١. لأَنَّكَ وَثَقْتَ بِطَرِيقِكَ: هذا جوهر كل خطية، وهو الثقة بِطَرِيقِنا بدلًا من طريق الله. فعندما نثق في طَرِيقِنا ونرفض طريق الله، تكون النتيجة دائمًا الخراب. وهذا ما كان على وشك أن يحدث لإسرائيل.