هوشع – الإصحاح ٦
هَلُمَّ نَرْجعُ إِلَى الرَّبّ
أولًا. دعوة للرجوع إلى الرب
أ ) الآيات (١-٢): يجب على إسرائيل أن تثق في الرب الذي أدّبها.
١هَلُمَّ نَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ لأَنَّهُ هُوَ افْتَرَسَ فَيَشْفِينَا، ضَرَبَ فَيَجْبِرُنَا. ٢يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ.
١. لأَنَّهُ هُوَ افْتَرَسَ فَيَشْفِينَا: يُصلّي هوشع بقلب مستقيم تجاوبًا مع يد الرب المؤدِّبة. فبدلًا من الجدال مع الله أو التذمّر من تأديبه، يقود هوشع إسرائيل في صلاة متواضعة.
• هذه صلاةٌ تثق في حب الله وترى يده المُحبّة حتى في التأديب. كثيرًا ما يشتكي الطفل المتمرّد من أن والديه لا يحبّانه. وبالتأكيد، هما يحبّانه، غير أن تمرّده ورفضه للخضوع يمنعانه من أن يشعر بتلك المحبة أو يتجاوب معها. أما هوشع، فيُصلّي بقلب مختلف.
٢. يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ: صلّى هوشع واثقًا تمامًا في محبة الله وقدرته على رَدِّهم إليه. وفي صلاته هناك لمحة نبوية رمزية عن قيامة يسوع فِي الْيَوْمِ الثَّالِث. والسياق يدعم هذا المعنى بشكل رائع؛ فقد اِفتُرِسَ يسوع وضُرِبَ من أجلنا على الصليب، ولكنه قام أيضًا فِي الْيَوْمِ الثَّالِث مُمجدًا.
ب) الآية (٣): السير بثقة.
٣لِنَعْرِفْ فَلْنَتَتَبَّعْ لِنَعْرِفَ الرَّبَّ. خُرُوجُهُ يَقِينٌ كَالْفَجْرِ. يَأْتِي إِلَيْنَا كَالْمَطَرِ. كَمَطَرٍ مُتَأَخِّرٍ يَسْقِي الأَرْضَ.
١. فَلْنَتَتَبَّعْ لِنَعْرِفَ الرَّبَّ: لقد تم وصف مشكلة إسرائيل سابقًا في هوشع ٤: ٦ (هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَة). هنا، يقود هوشع الأمة في تصحيح تائب لهذا الخطأ.
• ينبغي أن نعرف أيضًا أنه عندما نَتَتَبَّعْ لِنَعْرِفَ الرَّبَّ، فإنه سيبارك هذه المساعي. إن التتبُع يحمل معنى أعمق من مجرد الجهود السطحية، فيجب أن تكون جهودنا لمعرفته هي مثل التَتَبُّعْ. فعندما نسعى بصدق لمعرفة الرب، خاصة من خلال كلمته، فإنه يعلن لنا ذاته. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ (عبرانيين ١١: ٦)
٢. يَأْتِي إِلَيْنَا كَالْمَطَرِ. كَمَطَرٍ مُتَأَخِّرٍ: في إسرائيل، كان الْمَطَر هو المصدر الوحيد لري المحاصيل، لذلك، كان المُزارع ينتظره بترقب شديد. وعندما نتوقع وننتظر الله بمثل هذا التشوّق والترقُّب يستجيب لنا ويَأْتِي إِلَيْنَا.
• ويُعلّق كلارك (Clarke) على الْمَطَرِ المبكّر والمُتَأَخِّرٍ بقوله: “المطر الأول يُهيّئ الأرض للبذار (في الخريف)، بينما يُجهّز المطر الثاني المحصول للحصاد (في الربيع).”
• “لاحظ مرة أخرى، إنها عطية متكررة. فالله يعطي المطر الْمُبَكِّر والْمُتَأَخِّر. إن كنت قد نلت النعمة مرة، فالرب لديه المزيد ليمنحك إياه. هل مررت بأوقات مباركة عندما كان القس الفلاني راعي كنيستك؟ قد تقول، لقد مات المُعزي، ولكن الله لم يمت. هل كنت متهلّلًا عندما كنت تجلس في كنيسة معينة في أيام مضت، والآن قد انتقلت للريف؟ نعم، لكن الله لا يغيّر مكانه. فهو موجود في الريف تمامًا كما في المدينة. قد تقول لي إنك اختبرت أوقاتًا سعيدة عندما كنت صغيرًا في السن. جيد، لكن الله لا يتغير. فلتذهب إليه، لأنه هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. فهل تظن لأنه أعطاك المطر المُبكر، قد فرغت لديه أوعية السماء؟” سبيرجن (Spurgeon)
٣. يَأْتِي إِلَيْنَا كَالْمَطَرِ. كَمَطَرٍ مُتَأَخِّرٍ يَسْقِي الأَرْضَ: تم استخدام هذا المقطع إلى جانب مقاطع أخرى مثل (تثنية ١١: ١٤، يوئيل ٢: ٢٣) كإلهام لاسم “حركة المطر المتأخر” الروحية التي بدأت في عام ١٩٤٨.
• في عام ١٩٤٨، عقد خادم من الكنيسة الخمسينية الوحدانية، يُدعى ويليام برانهام، اجتماعاتٍ في دار للأيتام ومدرسة أسستها كنيسة فورسكوير في ساسكاتشوان، بكندا. وقد انبهر الحاضرون بما اعتبروه أعمالًا خارقة للطبيعة، من شفاء، ونبوة، وكلمات العلم وظواهر غريبة، حتى أنهم رأوا في هذا الحدث بداية لعمل إلهي جديد على الأرض. وهذا ما كتبوه في نشرتهم الإخبارية:
“لقد كان لكل انسكاب عظيم للروح القدس في الماضي إعلان الحق البارز الخاص به. فكان الحق الخاص بلوثر هو التبرير بالإيمان، والحق الخاص بويسلي التقديس. وعلّم المعمدانيون عن المجيء السابق للمُلك الألفيّ للمسيح. وعلّم اتحاد الإرساليات عن الشفاء الإلهي. وأعاد الانسكاب الخمسيني معمودية الروح القدس إلى مكانها الصحيح. لكن انسكاب الروح العظيم القادم سيتميز بجميع الحقائق، مُضافًا إليها إظهار غير مسبوق لمواهب الروح القدس التسع. انسكاب لم يشهده العالم من قبل، ولا حتى عصر الرسل. ستكون هذه النهضة قصيرةً وستكون هي الأخيرة قبل اختطاف الكنيسة.”
• اعتقدوا أن الطوائف الخمسينية في عصرهم كانت “ميتة” و”جافة،” وبحاجة إلى “المطر المتأخر،” الذي قالوا إنه سيتميز بالمعجزات والمواهب الروحية. ومع ذلك، رفضت الطوائف الخمسينية مثل كنيسة جماعة الله وكنيسة فورسكوير بشدة تعاليم وممارسات برانهام وحركة المطر المتأخر.
• رغم ذلك، استمر برانهام في استقطاب الجماهير بنبوءاته وحملاته الشفائية. ولسنوات عديدة، قاد الحركة برفقة مُبشّر شاب يُدعى أورال روبرتس. إلا أن تعاليم برانهام أصحبت أكثر انحرافًا مع مرور الوقت. فقد آمن بأن كلمة الله أُعطيت بثلاث صور: الأبراج الفلكية، والأهرامات المصرية، والأسفار المكتوبة. كما علّم أيضًا عقيدة “نسل الحيّة،” والتي استندت إلى تفسيره الخاص لتكوين ١٣:٣، حيث قال إن حوّاء أقامت علاقة جنسية مع الحيّة في جنة عدن.
• تراجعت حركة “المطر المتأخر،” بقيادة ويليام برانهام وأورال روبرتس، تدريجيًا عن الواجهة. وقد توفي برانهام نفسه في حادث تصادم مع سائق مخمور عشية عيد الميلاد عام ١٩٦٥. أرجأ أتباعه المخلصون دفنه لعدة أيام، متوقعين قيامته من بين الأموات. استمر تأثير حركة “المطر المتأخر،” إذ ساهمت في نشر العديد من المواقف والتعاليم التي أصبحت شائعة في حركات النهضة اليوم:
“الخدمة الخُماسية” و”استعادة الرسل والأنبياء.”
“الحقائق الأساسية” المذكورة في عبرانيين ٦: ١-٢.
التركيز على الآيات والعجائب كعلامات للنهضة الحقيقية.
التركيز القوي على الوحدة.
لاهوت الاستبدال، الذي يستبدل إسرائيل بالكنيسة.
لاهوت السيادة، الذي يقول إن الكنيسة ستغزو العالم وتحكمه.
اتجاه يميل إلى التميّز، ويروّج لفكرة وجود “المؤمنين المتفوقين” أو “المُميّزين” روحيًا.
• يعتقد العديد من الباحثين – وكثيرون منهم داخل هذه الحركات الحديثة نفسها – أن حركات “النهضة” الحالية هي، في جوهرها، استمرار لحركة “المطر المتأخر.” جماعات مثل “جيش يوئيل،” “أبناء الله الظاهرون،” و”حركة السيادة،” و”أنبياء مدينة كانساس،” و”بركة تورنتو،” و”نهضة بينساكولا،” جميعها لها صلات بحركة “المطر المتأخر.” على سبيل المثال، بول كين، الذي برز لاحقًا كقائد لحركة “أنبياء مدينة كانساس” عام ١٩٨٩، والذي سافر مع برانهام في السابق، وصفه بأنه “أعظم نبي عاش على الإطلاق.”
• تؤمن ’حركة المطر المتأخر‘ الحديثة بما يلي: “المطر المتأخر هو الخدمة العظمى التي يقدمها الله في الأيام الأخيرة. يتضمّن هذا المفهوم، كما أُعلِن في الكتاب المقدس، استرداد الكنيسة لمكانتها الحقيقية، وقيام نهضة عظيمة في الأيام الأخيرة، وحصاد واسع للنفوس قبل يوم الرب العظيم والمُخيف. إنه انسكاب الروح القدس على كل بشر كما وُعِدنا به في الأيام الأخيرة، واستعادة المواهب الرسولية والنبوية.” من موقع (latter-rain.com)
ثانيًا. خطية إسرائيل ويهوذا
أ ) الآيات (٤-٦): كيف أخطأ إسرائيل في فهم قلب الله.
٤«مَاذَا أَصْنَعُ بِكَ يَا أَفْرَايِمُ؟ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَ يَا يَهُوذَا؟ فَإِنَّ إِحْسَانَكُمْ كَسَحَابِ الصُّبْحِ، وَكَالنَّدَى الْمَاضِي بَاكِرًا. ٥لِذلِكَ أَقْرِضُهُمْ بِالأَنْبِيَاءِ. أَقْتُلُهُمْ بِأَقْوَالِ فَمِي. وَالْقَضَاءُ عَلَيْكَ كَنُورٍ قَدْ خَرَجَ. ٦«إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ.
١. فَإِنَّ إِحْسَانَكُمْ كَسَحَابِ الصُّبْحِ: لم يكن الأمر هو عدم وجود إِحْسَان وسط شعب الله على الإطلاق، بل كانت في أن الإِحْسَانَ الموجود يتلاشى سريعًا، كَسَحَابِ الصُّبْحِ.
٢. إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً: في ذلك الوقت، كان الشعب ملتزمًا في تقديم الذبائح (هوشع ٥: ٦). لكنهم تخلّوا عن الرَّحْمَةُ. لقد تركوا الرَّحْمَةُ لأنهم رفضوا معرفة الله والحق (هوشع ٤: ١). فما كان الله يُفضّله على الذبيحة هو قلوبًا مستقيمة، مملوءة بالحق والرحمة.
• وقد اقتبس يسوع هذا المقطع من سفر هوشع مرتين، وقد خاطب به القادة الدينيين في زمانه (متى ٩: ١٣ و١٢: ٧)، فهم أيضًا أخطأوا في فهم قلب الله، وركزوا على الأمور الخطأ والسطحية.
٣. وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ: قدم إسرائيل الحيوانات كذبيحة للرب، لكنهم لم يقدموا أنفسهم كذبيحة حيّة للرب (رومية ١٢: ١). لقد أخفقوا في معرفة ما يريده الله حقًا، وهو علاقة عميقة ووطيدة معه.
ب) الآيات (٧-١١): تعدّي عبادة الأوثان.
٧وَلكِنَّهُمْ كَآدَمَ تَعَدَّوْا الْعَهْدَ. هُنَاكَ غَدَرُوا بِي. ٨جَلْعَادُ قَرْيَةُ فَاعِلِي الإِثْمِ مَدُوسَةٌ بِالدَّمِ. ٩وَكَمَا يَكْمُنُ لُصُوصٌ لإِنْسَانٍ، كَذلِكَ زُمْرَةُ الْكَهَنَةِ فِي الطَّرِيقِ يَقْتُلُونَ نَحْوَ شَكِيمَ. إِنَّهُمْ قَدْ صَنَعُوا فَاحِشَةً. ١٠في بَيْتِ إِسْرَائِيلَ رَأَيْتُ أَمْرًا فَظِيعًا. هُنَاكَ زَنَى أَفْرَايِمُ. تَنَجَّسَ إِسْرَائِيلُ. ١١ وَأَنْتَ أَيْضًا يَا يَهُوذَا قَدْ أُعِدَّ لَكَ حَصَادٌ، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي.
١. وَكَمَا يَكْمُنُ لُصُوصٌ لإِنْسَانٍ، كَذلِكَ زُمْرَةُ الْكَهَنَةِ فِي الطَّرِيقِ يَقْتُلُونَ: كان الكهنة، عند ذهابهم إلى أماكن الذبائح الوثنية، يسرقون ويقتلون.
٢. وَأَنْتَ أَيْضًا يَا يَهُوذَا قَدْ أُعِدَّ لَكَ حَصَادٌ، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي: عندما عاد شعب الرب من السبي البابلي، استقرّ معظمهم في أرض يهوذا. وكان حَصَادُ العائدين من السبي في الغالب من نصيب يهوذا، وليس إسرائيل.