هوشع – الإصحاح ٤
خطية إسرائيل وعلاج الله
أولًا. التهمة الموجّهة ضد إسرائيل
أ ) الآيات (١-٤): بيان التهمة: خطية إسرائيل وعلاج الله.
١اِسْمَعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: «إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ، لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللهِ فِي الأَرْضِ. ٢لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ. يَعْتَنِفُونَ، وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً. ٣لِذلِكَ تَنُوحُ الأَرْضُ وَيَذْبُلُ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَأَسْمَاكِ الْبَحْرِ أَيْضًا تَنْتَزِعُ.
١. إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ: كأن الرَّبّ أدخل إسرائيل إلى قاعة محكمة، وهو يصف هنا التهم الموجّهة ضد شعبه العاصي، إسرائيل.
• عَلّق آدم كلارك (Adam Clarke) على عبارة ’إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً‘ قائلًا: “هذا هو ما يمكن أن نسميه الآن دعوى قضائية، حيث يقف الله كمدعٍ، وبنو إسرائيل هم المُدَعى عليهم. إنها قضية الرب ضدّ إسرائيل ويهوذا.”
٢. لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللهِ فِي الأَرْضِ: هذه النقاط الثلاث مترابطة معًا. فعندما يتخلّى الناس عن مَعْرِفَةَ اللهِ، سرعان ما تختفي الأَمَانَة والإِحْسَان (رَحمَة). يجب أن تستند الأَمَانَة إلى ما هو أعمق من الرأي الشخصي، كما أن الإِحْسَان يعني تجاوز المصلحة الذاتية.
• إن الحكمة الحقيقية والفهم الصادق يبدآن دائمًا بمعرفة الله. يخبرنا سفر الأمثال ٩: ١٠ بأن “بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ.”
• وَلاَ مَعْرِفَةَ اللهِ فِي الأَرْضِ: قال الكاتب الشهير ألكسندر بوب ذات مرة: “اعرف نفسك إذًا، ولا تفترض أن الله هو الذي يفحصك، فالدراسة الصحيحة للبشرية هي الإنسان ذاته.” لكن كاتبًا أكثر شهرة، تشارلز سبيرجن، رد على ذلك قائلًا: “قيل أن الدراسة الصحيحة للبشرية هي الإنسان. وأنا لن أعارض هذه الفكرة، لكنني اعتقد أيضًا بأن الدراسة الصحيحة لشعب الله المختار هي الله نفسه، وأن الدراسة الصحيحة للمؤمن هي الله ذاته. فأسمى العلوم، وأعمق التأملات، وأقوى الفلسفات التي يمكن أن تشغل فكر المولود من الله، هي التأمل في اسم، وصفات، وشخص، وأعمال، ووجود الله العظيم، الذي يدعوه المؤمن: أباه.
٣. يَعْتَنِفُون: كل هذا مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالتخلّي عن مَعْرِفَةَ اللهِ، فما أن تختفي الأَمَانَة والإِحْسَان حتى يزول ضبط النفس (يَعْتَنِفُون). وعندما لا يضبط الإنسان نفسه، أو لا يصبح في مقدروه الالتزام بالحدود، تكون النتيجة: الدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً.
• إن عصرنا الحديث يقاوم بشدة فكرة الانضباط (يَعْتَنِفُون)، ويظهر ذلك في شعارات الإعلانات على مر العقود الماضية:
“لا للحدود”
“لا قواعد، بل المناسب فقط.”
“افعلها وحسب.”
“حطِّم كل القواعد.”
“تخلّص من كل الموانع. ابحث عن طريقك.”
“عش بلا أي حدود.”
• إنها نفس الرسالة: أنت من يضع القواعد. لستَ مسؤولًا أمام أحد. أنت هو المهم. العالم يدور حولك. عليك أن تضبط نفسك فقط إذا كنت أنت تريد ذلك.
• النتيجة النهائية هي سلسلة من العنف – دِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً. في النص العبري الأصلي، تُقرأ هذه العبارة حرفيًا ’فعل دموي يلمس فعلًا دمويًا.‘ “يبدو أن جرائم العنف أصبحت متكررة لدرجة أنه بدا أن الواحدة تتبع الأخرى مباشرة.” وود (Wood)
٤. وَيَذْبُلُ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا: هذه هي النتيجة المؤلمة للتخلّي عن معرفة الله والأمانة والإحسان وضبط النفس. كثيرًا ما يُغني لنا الشيطان بألحانٍ مُغريّة، فيوهمنا أن التخلّي عن هذه الأشياء هو الطريق إلى الحرية، لكن في الحقيقة، إنه الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك.
• “ربما كان بولس يفكر في هذا الإصحاح من سفر هوشع عندما كتب إدانته للأمم في رسالة رومية (قارن هوشع ٤: ٦ مع رومية ١: ٢٤، ٢٦، ٢٨؛ هوشع ٤: ٧ مع رومية ١: ٢٣؛ هوشع ٤: ١١ مع رومية ١: ٢١، ٢٢).” بويس (Boice)
ب) الآيات (٤-٨): قيادة الكهنة الفاسدة وغير الفعالة.
٤«وَلكِنْ لاَ يُحَاكِمْ أَحَدٌ وَلاَ يُعَاتِبْ أَحَدٌ. وَشَعْبُكَ كَمَنْ يُخَاصِمُ كَاهِنًا. ٥فَتَتَعَثَّرُ فِي النَّهَارِ وَيَتَعَثَّرُ أَيْضًا النَّبِيُّ مَعَكَ فِي اللَّيْلِ، وَأَنَا أُخْرِبُ أُمَّكَ. ٦قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي. وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ. ٧عَلَى حَسْبَمَا كَثُرُوا، هكَذَا أَخْطَأُوا إِلَيَّ، فَأُبْدِلُ كَرَامَتَهُمْ بِهَوَانٍ. ٨يَأْكُلُونَ خَطِيَّةَ شَعْبِي وَإِلَى إِثْمِهِمْ يَحْمِلُونَ نُفُوسَهُمْ.
١. وَشَعْبُكَ كَمَنْ يُخَاصِمُ كَاهِنًا: أمر الله شعبه، في مقاطع مثل تثنية ١٧: ٩-١٢، بالاستماع إلى الكهنة والخضوع لهم، الذين كانت مهمتهم أن يقودوا الشعب ويساعدوه بحسب كلمة الله. ولكن بما أن الشعب رفض معرفة الله والأمانة والإحسان وضبط النفس، فلم يعودوا يستمعون للكهنة، بل صاروا يجادلونهم.
• وهذا يُلقي الضوء على بداية الآية: لكِنْ لاَ يُحَاكِمْ أَحَدٌ وَلاَ يُعَاتِبْ أَحَد. أي “أنهم لا يستمعون إلى الكاهن، بل هم يُحَاكِمْونه ويجادلونه، فلا تُضيِّع جهدك في محاكمتهم أو عتابهم.”
٢. فَتَتَعَثَّرُ فِي النَّهَارِ: إن التعثُّر في الظلام أمرٌ سيء، ولكنه مفهوم على الأقل. لكن عندما يرفض شعب الله معرفته، ويتخلّى عن ضبط النفس، ويتجاهل إرشاد القادة، ينتهي بهم الأمر إلى التعثُّر حتى فِي النَّهَارِ.
٣. وَيَتَعَثَّرُ أَيْضًا النَّبِيُّ مَعَكَ فِي اللَّيْلِ: يرسم الله صورةً قاتمةً لدرجة أن النَّبِيّ ينحدر إلى مستوى الناس وَيَتَعَثَّر. ربما ظنّ النبي أنه آمنًا أو أنه مُحصّنًا بسبب مكانته الروحية أو سمعته، لكن هذا لم يحدث. وَيَتَعَثَّرُ أَيْضًا النَّبِيُّ مَعَكَ.
٤. قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ: عندما يهلك شعب الله ويذبلون، فليس ذلك بسبب أي تقصير في محبة الله أو قدرته، بل لأن شعبه يفتقر إلى الْمَعْرِفَة.
• ولا يقول الله أن شعبه جاهل تمامًا. لديهم قدر من المعرفة، لكنه غير كافٍ. ربما لديهم ما يكفي ليعتقدوا أنهم يعرفون كل شيء.
• ما نوع الْمَعْرِفَة التي كانت تنقصهم؟ في هذا السياق، الإجابة الأولى لا بد أن تكون أنهم يفتقرون إلى مَعْرِفَةَ اللهِ (هوشع ٤: ١). هم يعرفون الله إلى حدٍّ ما – ربما قليلًا فقط – لكنها ليست معرفة كافية. وربما شعروا بأنهم يعرفونه بما فيه الكفاية.
• النوع الثاني من الْمَعْرِفَة التي يفتقرون إليها هي معرفة كلمة الله (لأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلهِكَ). إنهم يعرفون كلمة الله لحدٍ ما – ربما قليلًا فقط – ولكنها ليست معرفة كافية. ربما ظنوا أنهم يعرفون كلمة الله جيدًا.
• يجب ألا نتفاجأ من ارتباط معرفة الله ارتباطًا وثيقًا بمعرفة كلمته. قد يرى البعض أن معرفة الكتاب المقدس مُمِلة أو هي معرفة ذهنية، ولا ضرورة لها لإنشاء علاقة حقيقية مع الله. ولكن يُؤكد الكتاب المقدس أن الله وكلمته لا ينفصلان. يُخبرنا المزمور ١٣٨: ٢ “لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ”. وعندما أراد الله أن يطلق مصطلحًا للتعبير عن طبيعته، دعا نفسه “الْكَلِمَة” (يوحنا ١: ١).
• عندما نعرف الله كما هو حقًا، فإن ذلك يؤثر على سلوكنا وأسلوب حياتنا. وكما أشار كلارك (Clarke): “عندما تغيب معرفة الله، ولا قناعة بحضوره الكلي، ومعرفته الكاملة، تسود الخطايا الخفيّة، كالسرقة والزنا وما شابه ذلك.”
٥. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي: هنا نرى من المسؤول عن غياب الْمَعْرِفَةَ بين شعب الله. إنهم الكهنة الذين رفضوا الْمَعْرِفَةَ، أي معرفة الله وكلمته.
• كان التعليم مسؤوليةً أساسيةً للكهنة (تثنية ٣٣: ١٠؛ حزقيال ٤٤: ٢٣؛ ملاخي ٢: ٧). إن إهمالهم لهذا الدور يُبرز مدى أهمية أن يُقدّم الخادم والراعي والواعظ شخص الله وكلمته للشعب بأمانة. فإذا أهمل مسئوليته ودعوته للوعظ بالكلمة (٢ تيموثاوس ٤: ٢) لن يستطيع أن يقود الناس إلى المعرفة الحقيقية لله، بل سيقودهم نحو الهلاك.
• أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ: سيحاسب الله الخادم أو القس أو الواعظ غير الأمين. عليهم مسؤولية عظيمة أمام الله ليقدموا عنها حسابًا.
• تَكْهَنَ لِي: تُذكّرنا هذه العبارة بأن دور الكاهن لا يقتصر على الخدمة نيابة عن الشعب فحسب، بل نيابة عن الرب أيضًا. لقد كان الكاهن يُمثّل الشعب أمام الله، ولكنه أيضًا يُمثّل الله أمام الشعب من خلال إعلان الكلمة.
٦. عَلَى حَسْبَمَا كَثُرُوا، هكَذَا أَخْطَأُوا إِلَيَّ، فَأُبْدِلُ كَرَامَتَهُمْ بِهَوَانٍ: لقد بارك الله الكهنة بوفرة، ولكنهم استهانوا ببركة الله واستمروا يخْطَئون إِلَيَّه أكثر فأكثر. إن البركة سلاح ذو حدين: فبينما هي هبة نستمتع بها، إلا أنها تحمل في طياتها مسؤولية وفرصة أكبر للخطأ.
• يَأْكُلُونَ خَطِيَّةَ شَعْبِي: “لقد فعلوا ذلك باستمتاعهم بخطايا الشعب، كقبول الرشوة وأكل ذبائح الخطية. وهكذا استمتع الكهنة بشرور إسرائيل.” وود (Wood)
ج) الآيات (٩-١٠): وعد بالدينونة.
٩فَيَكُونُ كَمَا الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ. وَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى طُرُقِهِمْ وَأَرُدُّ أَعْمَالَهُمْ عَلَيْهِمْ. ١٠فَيَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْبَعُونَ، وَيَزْنُونَ وَلاَ يَكْثُرُونَ، لأَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا عِبَادَةَ الرَّبِّ.
١. فَيَكُونُ كَمَا الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ: ربما ظنّ الكهنة أنهم مُستثنون من الدينونة التي ستقع على إسرائيل. ففي النهاية، كانوا كهنة! لكن الله وعد أنه عندما يتعلق الأمر بالدينونة، يَكُونُ كَمَا الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ.
• لا شك أن الكهنوت في إسرائيل كان فاسدًا. “لقد عيّن يربعام الأول كهنة من مختلف أطياف الناس (١ ملوك ١٢: ٣١؛ ١٣: ٣٣)، وليس فقط من سبط لاوي. ونتيجةً لذلك، ترك العديد من الكهنة الأنبياء الحقيقيين المملكة الشمالية” (٢ أخبار الأيام ١١: ١٣-١٦).” وود (Wood)
• ويمكن فهم عبارة “فَيَكُونُ كَمَا الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ” بطريقة أخرى وهي: كما تكون حالة الشعب، هكذا تكون حالة كهنتهم. فالناس أحيانًا يتوقعون من القادة الروحيين أن يكونوا قديسين بالنيابةً عنهم أو بدلًا منهم. ولكن بما أن الكهنة يخرجون من الشعب نفسه، فإذا كان الشعب في حالة ارتداد، فإن كثيرين من الرجال المرتدين سيسعون إلى أن يكونوا “كهنة.”
٢. فَيَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْبَعُونَ: أحد جوانب الدينونة التي وعد بها الله هو أن إسرائيل لن تُبارك بالنمو أو الازدياد. سيكون لديهم أشياء، لكن لن يبدو أنهم يَشْبَعُونَ أو يكتفون أبدًا.
د ) الآيات (١١-١٤): الزِّنَى الروحي.
١١«اَلزِّنَى وَالْخَمْرُ وَالسُّلاَفَةُ تَخْلِبُ الْقَلْبَ. ١٢شَعْبِي يَسْأَلُ خَشَبَهُ، وَعَصَاهُ تُخْبِرُهُ، لأَنَّ رُوحَ الزِّنَى قَدْ أَضَلَّهُمْ فَزَنَوْا مِنْ تَحْتِ إِلهِهِمْ. ١٣يَذْبَحُونَ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ، وَيُبَخِّرُونَ عَلَى التِّلاَلِ تَحْتَ الْبَلُّوطِ وَاللُّبْنَى وَالْبُطْمِ لأَنَّ ظِلَّهَا حَسَنٌ! لِذلِكَ تَزْنِي بَنَاتُكُمْ وَتَفْسِقُ كَنَّاتُكُمْ. ١٤لاَ أُعَاقِبُ بَنَاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَزْنِينَ، وَلاَ كَنَّاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَفْسِقْنَ. لأَنَّهُمْ يَعْتَزِلُونَ مَعَ الزَّانِيَاتِ وَيَذْبَحُونَ مَعَ النَّاذِرَاتِ الزِّنَى. وَشَعْبٌ لاَ يَعْقِلُ يُصْرَعُ.
١. لأَنَّ رُوحَ الزِّنَى قَدْ أَضَلَّهُمْ: كانت عبادة إسرائيل للأصنام أشبه بالزنى الروحي تجاه الرب. فكل ذبيحة تُقدم لإله وثني كانت بمثابة فعل خيانة نحو الرب.
• الصورة مؤثرة للغاية عندما نتأمل في مدى إخلاص الرب ومحبته لشعبه. لا يمكن أن يُبرَّر الزنى أبدًا، لكنه يكون أشد قبحًا عندما يُرتكب بحق شريك صالح وأمين ومحبّ.
• وتصبح الصورة لافتة للنظر عندما نتأمل كيف أرادت إسرائيل إضافة آلهة أخرى بجانب عبادتهم للرب. إن الأمر كما لو أن إسرائيل لم تقل بشكل رسمي: “نريد أن نترك الرب، ونخدم الآن آلهة وثنية غريبة.” بل أرادوا إضافة عبادة الآلهة الوثنية إلى عبادتهم للرب. وقد استقبل الله هذا الأمر كما يستقبل الزوج كلمات زوجته إذا قالت: “ما زلت أريدك زوجًا لي، لكنني أرغب في أن يكون لي أيضًا عشاق آخرون.” هكذا رأى الله الأمر.
٢. لأَنَّهُمْ يَعْتَزِلُونَ مَعَ الزَّانِيَاتِ وَيَذْبَحُونَ مَعَ النَّاذِرَاتِ الزِّنَى: إن وصف عبادة الأصنام بالزنا الروحي أمرٌ مُناسبٌ خاصةً عندما نُدرك أن العديد من الآلهة الوثنية كانت تُعبد من خلال نَاذِرَات الزِّنَى كجزءٍ من العبادة. وكان هذا أكثر إغراءً من مجرد الصلاة أمام تمثال.
• لاَ أُعَاقِبُ بَنَاتِكُمْ: بما أن رجال إسرائيل كانوا هم أنفسهم منغمسين في هذا النوع من الخطية، فالله لن يميّز في العقوبة، ولن يُفرّق بين النساء والرجال. فالله لا يتّبع مكيالين في إدانة الخطايا الجنسية.
٣. وَشَعْبٌ لاَ يَعْقِلُ يُصْرَعُ: تتكرر هنا فكرة هوشع ٤: ٦ (هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ) ثانية. فبدون فهم الله وكلمته، يصبح مصير شعب الله هو الهلاك.
ثانيًا. تحذير ليهوذا
أ ) الآية (١٥): تحذير يهوذا من اتّباع طرق إسرائيل الخاطئة.
١٥إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَانِيًا يَا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَأْثَمُ يَهُوذَا. وَلاَ تَأْتُوا إِلَى الْجِلْجَالِ وَلاَ تَصْعَدُوا إِلَى بَيْتِ آوَنَ وَلاَ تَحْلِفُوا: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ.
١. فَلاَ يَأْثَمُ يَهُوذَا: في ذلك الزمن، كان شعب الله منقسمًا إلى مملكتين إسرائيل في الشمال ويهوذا في الجنوب. ولأن ارتداد إسرائيل كان أعمق، فقد تم تحذير يهوذا من السير في طريق جارتها الخاطئة.
٢. وَلاَ تَأْتُوا إِلَى الْجِلْجَالِ: كانت مدينتا الْجِلْجَالِ وبَيْتِ آوَنَ مركزين للعبادة الوثنية في إسرائيل. وكان ذهاب أحد سكان يهوذا إلى هناك يعني مشاركته في زنى إسرائيل الروحي وارتدادها. عندما نقترب كثيرًا من الممارسات الخاطئة، تترك أثرها فينا بسهولة. لاَ تَضِلُّوا: «فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (١ كورنثوس ١٥: ٣٣)
• كانت الْجِلْجَالِ في وقت من الأوقات مكانًا لتدريب الأنبياء على يد إيليا وإليشع (٢ ملوك ٢: ١؛ ٤: ٣٨). ولكن في زمن هوشع، أصبحت مركزًا للعبادة الباطلة (هوشع ٩: ١٥؛ ١٢: ١١؛ عاموس ٤: ٤؛ ٥: ٥).
• لم تكن هناك مدينة فعليّا باسم بَيْتِ آوَن. بل قام هوشع بتحريف اسم بَيْتِ إِيل (الذي يعني بيت الله) إلى بَيْتِ آوَن (أي بيت الخِداع) وهو اسم يليق بالمدينة أكثر. كانت بَيْتِ إِيل المركز الجنوبي لعبادة العجل في عهد يربعام الأول (١ ملوك ١٢: ٢٨-٢٩).
ب) الآيات (١٦-١٩): مُلّخص الاتهام: خطية إسرائيل وعلاج الله.
١٦إِنَّهُ قَدْ جَمَحَ إِسْرَائِيلُ كَبَقَرَةٍ جَامِحَةٍ. اَلآنَ يَرْعَاهُمُ الرَّبُّ كَخَرُوفٍ فِي مَكَانٍ وَاسِعٍ. ١٧أَفْرَايِمُ مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ. اتْرُكُوهُ. ١٨مَتَى انْتَهَتْ مُنَادَمَتُهُمْ زَنَوْا زِنًى. أَحَبَّ مَجَانُّهَا، أَحَبُّوا الْهَوَانَ. ١٩قَدْ صَرَّتْهَا الرِّيحُ فِي أَجْنِحَتِهَا، وَخَجِلُوا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ.
١. جَمَحَ إِسْرَائِيلُ كَبَقَرَةٍ جَامِحَةٍ: يمكن للماشية أن ترعى بأمان في العراء لأنها ليست هدفًا سهلًا للحيوانات المفترسة. أما إذا شرد الْخَرُوف فِي مَكَانٍ وَاسِعٍ بعيدًا عن الراعي، يصبح مُعَرَّضًا للهجوم. رسالة هوشع واضحة: إذا تصرفت كَبَقَرَةٍ جَامِحَة، فلا تتوقع الحماية التي تُمنَح للخروف المطيع.
٢. أَفْرَايِمُ مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ: كان سِبط أَفْرَايِم أكبر سِبط في مملكة إسرائيل. ولذلك، كثيرًا ما أشار الأنبياء إلى إسرائيل باسم أَفْرَايِم.
٣. أَفْرَايِمُ مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ. اتْرُكُوهُ: هذه إحدى طرق وصف الدينونة القادمة على إسرائيل: سيتخلّى الله ببساطة عن أَفْرَايِم – ويتْرُكُهُ بمفرده. عندما يتقدم الجيش الأشوري القوي ضدهم، ستُترك إسرائيل لتدافع عن نفسها، ولن يتدخل الله، بل سيتْرُكُهُ.
• نحن لا نريد أبدًا أن يتركنا الله وشأننا، فنحن في أمسّ الحاجة إلى حمايته من أعدائنا الروحيين. لقد أراد الشيطان أن يغربل بطرس كالحنطة، لكن يسوع لم يتركه ليواجه العدو وحيدًا، بل صلّى يسوع من أجل بطرس، فخرج منتصرًا (لوقا ٢٢: ٣١-٣٢).
• ولا نريد أن يَتركنا الله وحدنا لأننا بحاجة إلى حمايته لنا من أنفسنا. فلو تُركنا لأنفسنا، ولقلوبنا الخاطئة، فسنبتعد عن الرب حتمًا. كل ما يحتاج الله أن يفعله حتى يذهب إنسان إلى الجحيم هو فقط أن يتْرُكه. لذلك يجب أن تكون صلاتنا دائمًا: “يا رب، لا تتركني. استمر في عملك فيَّ.”