هوشع – الإصحاح ١٢
يَعْقُوب الْقَدِيم وإِسْرَائِيل الحالي
أولًا. الخداع المتأصّل في إسرائيل
أ ) الآية (١): إسرائيل يثق في الاتفاقات والتحالفات مع الأمم المجاورة.
١«أَفْرَايِمُ رَاعِي الرِّيحِ، وَتَابعُ الرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ. كُلَّ يَوْمٍ يُكَثِّرُ الْكَذِبَ وَالاغْتِصَابَ، وَيَقْطَعُونَ مَعَ أَشُّورَ عَهْدًا، وَالزَّيْتُ إِلَى مِصْرَ يُجْلَبُ.
١. أَفْرَايِمُ رَاعِي الرِّيحِ: إن الأصنام والتحالفات الأجنبية التي يثق بها إسرائيل لا فائدة منها. فهي مثل محاولة التغذي على الرِّيحِ.
• علّق كلارك (Clarke) على ’الرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ‘ قائلًا: “إنها ليست خاوِية فحسب، بل أيضًا خَطِيرة ومُدمّرة. فالريح الشرقية كانت ولا تزال في كل البلاد ريحًا حارقة، مُهلِكة، ومؤذية.
٢. وَيَقْطَعُونَ مَعَ أَشُّورَ عَهْدًا، وَالزَّيْتُ إِلَى مِصْرَ يُجْلَبُ: بدلًا من الاتكال والثقة بالرب، اتكل بنو إسرائيل على التحالفات والمكاسب من القوى العظمى المحيطة. ولقد كان من الحماقة الاعتقاد بأن أَشُّور أو مِصْر أقوى أو أكثر أمانًا من الرب نفسه.
ب) الآيات (٢-٦): يعقوب القديم هو مثال لخداع إسرائيل الحالي.
٢فَلِلرَّبِّ خِصَامٌ مَعَ يَهُوذَا، وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يُعَاقِبَ يَعْقُوبَ بِحَسَبِ طُرُقِهِ. بِحَسَبِ أَفْعَالِهِ يَرُدُّ عَلَيْهِ. ٣«فِي الْبَطْنِ قَبَضَ بِعَقِبِ أَخِيهِ، وَبِقُوَّتِهِ جَاهَدَ مَعَ اللهِ. ٤جَاهَدَ مَعَ الْمَلاَكِ وَغَلَبَ. بَكَى وَاسْتَرْحَمَهُ. وَجَدَهُ فِي بَيْتِ إِيلَ وَهُنَاكَ تَكَلَّمَ مَعَنَا. ٥وَالرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ يَهْوَهُ اسْمُهُ. ٦وَأَنْتَ فَارْجعْ إِلَى إِلهِكَ. اِحْفَظِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ، وَانْتَظِرْ إِلهَكَ دَائِمًا.
١. فِي الْبَطْنِ قَبَضَ بِعَقِبِ أَخِيهِ: هنا، نظر الله إلى حياة يعقوب، مشيرًا أن بني إسرائيل في زمن هوشع كانوا انعكاسًا لأجدادهم في أيام التكوين. في إسرائيل القديمة، كان “المَاسِك بالعَقِب” يُطلق على الشخص المراوغ، أي الشخص الذي حقق غاياته بالمكر والخداع. وهكذا قال الله من خلال هوشع: “هكذا كان يعقوب في الماضي، وهو الآن إسرائيل في الحاضر. ”
• “إن ’الإمساك بالعَقِب‘ يعني أيضًا الذهاب من وراء ظهر أحدهم بهدف الخداع أو الاحتيال عليه، وأصبحت هذه السمة المميزة ليعقوب.” بويس (Boice)
٢. وَبِقُوَّتِهِ جَاهَدَ مَعَ اللهِ: يسترجع النبي صراع يعقوب مع “إِنْسَان” في تكوين ٣٢: ٢٤-٣٠. قاوم يعقوب الخضوع لله، لذا طالبه الله بالخضوع من خلال مواجهة فعلية، مصارعة جسدية حقيقية.
• جَاهَدَ مَعَ اللهِ: تؤكّد هذه العبارة ما سبق توضيحه في تكوين ٣٢: ٢٤-٣٠، وهو أن يعقوب قد صارع الرب الإله، الذي ظهر في هيئة إِنْسَان. ولأنه كان رسولًا سماويًا فريدًا، فقد تم وصفه وصفًا مناسبًا وهو أنه مَلاَكِ الرب.
٣. جَاهَدَ مَعَ الْمَلاَكِ وَغَلَبَ. بَكَى وَاسْتَرْحَمَهُ: بوحي من الروح القدس، سلّط هوشع الضوء على نقطتين إضافيتين من قصة تكوين ٣٢: ٢٤-٣٠، وهما: أولًا، أن يعقوب غَلَبَ في المصارعة؛ وثانيًا، أنه بَكَى أثناء هذا الصراع.
• يمكننا القول إن يعقوب غَلَبَ بالطريقة الوحيدة التي يمكن للإنسان أن يغلب بها وهو يصارع مع الله: فنحن نغلب حقًا عندما نخسر وندرك ذلك، ونستسلم تمامًا لله.
• من المهم أن نعرف أن يعقوب بَكَى لأن هذا يساعدنا على فهم مدى يأسه وانكساره عندما تشبّث بالرب، وهو الآن متوسلًا فقط من أجل البركة.
٤. وَأَنْتَ فَارْجعْ إِلَى إِلهِكَ: وصل يعقوب إلى حدّ أدرك فيه أن الله قد غلبه، فلم يعد بوسعه إلا التمسك بالله والتوسل إليه طالبًا البركة. ويعود ضمير ’أَنْتَ‘ هنا على إسرائيل، داعيًا إياهم للعودة إلى الله بنفس التواضع.
• فَارْجعْ إِلَى إِلهِكَ: تُذكرنا هذه الكلمات بأننا لن نستطيع الرجوع إلى الرب بدون معونته. وهذا يُظهر ضعفنا الكامل، واعتمادنا الكلي عليه.
ثانيًا. دينونة مُعلنة ضد إسرائيل الواثق في نفسه
أ ) الآيات (٧-١١): الله سيذل إسرائيل رغم اعتماده على غِنَاه.
٧«مِثْلُ الْكَنْعَانِيِّ فِي يَدِهِ مَوَازِينُ الْغِشِّ. يُحِبُّ أَنْ يَظْلِمَ. ٨فَقَالَ أَفْرَايِمُ: إِنِّي صِرْتُ غَنِيًّا. وَجَدْتُ لِنَفْسِي ثَرْوَةً. جَمِيعُ أَتْعَابِي لاَ يَجِدُونَ لِي فِيهَا ذَنْبًا هُوَ خَطِيَّةٌ. ٩وَأَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ حَتَّى أُسْكِنَكَ الْخِيَامَ كَأَيَّامِ الْمَوْسِمِ. ١٠وَكَلَّمْتُ الأَنْبِيَاءَ وَكَثَّرْتُ الرُّؤَى، وَبِيَدِ الأَنْبِيَاءِ مَثَّلْتُ أَمْثَالاً». ١١إِنَّهُمْ فِي جِلْعَادَ قَدْ صَارُوا إِثْمًا، بُطْلاً لاَ غَيْرُ. فِي الْجِلْجَالِ ذَبَحُوا ثِيرَانًا، وَمَذَابِحُهُمْ كَرُجَمٍ فِي أَتْلاَمِ الْحَقْلِ.
١. إِنِّي صِرْتُ غَنِيًّا: تنبأ هوشع في زمن كان فيه إسرائيل ينعم برخاء اقتصادي كبير وسط انحدار روحي وأخلاقي عميق. فعندما تكون الظروف الاقتصادية جيدة، يصعب على الناس أن يصدّقوا أن مجتمعهم في خطر، كما يظهر في قولهم: (جَمِيعُ أَتْعَابِي لاَ يَجِدُونَ لِي فِيهَا ذَنْبًا هُوَ خَطِيَّةٌ).
• الْكَنْعَانِيّ، في هذا السياق، مقصود به ’التاجر‘ لأن الكنعانيين في ذلك الوقت كانوا معروفين بالتجارة. ويعلّق كلارك قائلًا: “أفرايم فاسد بقدر فساد أولئك التجّار الوثنيين.”
٢. حَتَّى أُسْكِنَكَ الْخِيَامَ: مع أن بني إسرائيل تمتعوا بالرخاء المادي والبيوت الفاخرة، فإن دينونة الله ستعيدهم إلى السبي والْخِيَام المتواضعة. كانت الدينونة مؤكدة لأن الله كَلَّم الأَنْبِيَاءَ، ولكنهم لم يُصغوا.
٣. وَمَذَابِحُهُمْ كَرُجَمٍ فِي أَتْلاَمِ الْحَقْلِ: كانت المذابح الوثنية تُبنى على مرتفعات شامخة لإضفاء عظمة على الإله الوثني. ولكن عندما تحل دينونة الله، ستُهدم تلك المذابح وتُحطم، ولن يتبقى سوى رُجَمٍ فِي أَتْلاَمِ الْحَقْلِ.
ب) الآيات (١٢-١٤): عَارُ أَفْرَايِم سَيَرُدُّ عَلَيْه.
١٢وَهَرَبَ يَعْقُوبُ إِلَى صَحْرَاءِ أَرَامَ، وَخَدَمَ إِسْرَائِيلُ لأَجْلِ امْرَأَةٍ، وَلأَجْلِ امْرَأَةٍ رَعَى. ١٣وَبِنَبِيٍّ أَصْعَدَ الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَبِنَبِيٍّ حُفِظَ. ١٤أَغَاظَهُ إِسْرَائِيلُ بِمَرَارَةٍ، فَيَتْرُكُ دِمَاءَهُ عَلَيْهِ، وَيَرُدُّ سَيِّدُهُ عَارَهُ عَلَيْهِ.
١. وَهَرَبَ يَعْقُوبُ إِلَى صَحْرَاءِ أَرَامَ: لقد ذكر النص السابق السبي الوشيك لإسرائيل، والآن ربط هوشع بين سبي إسرائيل القادم وسبي يعقوب عندما هرب من عيسو إلى خَاله لاَبَان في سوريا (أَرَام).
٢. وَبِنَبِيٍّ حُفِظَ… فَيَتْرُكُ دِمَاءَهُ عَلَيْهِ: مع أن الله أرسل أنبياء ليخاطبوا إسرائيل، إلا أنه رفض كلامه وأَغَاظَهُ بِمَرَارَةٍ، وهكذا كان الله سيتركه في ذنبه، وَيَرُدُّ سَيِّدُهُ عَارَ عبودية مصر عَلَيْهِ.